تفسير سورة التوبة

تفسير الماوردي
تفسير سورة سورة التوبة من كتاب النكت والعيون المعروف بـتفسير الماوردي .
لمؤلفه الماوردي . المتوفي سنة 450 هـ
مدنية عند جميعهم. روى عن ابن عباس أن سورة براءة تمسى على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم " الفاضحة " لأنها فضحت المنافقين.
وحكى محمد بن إسحاق أنها كانت تسمى في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم " المبعثرة " لما كشفته من أسرار الناس. وهي مدنية عند جميعهم.
قال مقاتل وحده : إلا آيتين من آخرها " لقد جاءكم رسول من أنفسكم " نزلتا بمكة.
قوله عز وجل :﴿ بَرَاءَةٌ منَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدتُّم منَ الْمُشْرِكِينَ ﴾
في ترك افتتاح هذه السورة ب ﴿ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ﴾ قولان :
أحدهما : أنها والأنفال كالسورة الواحدة في المقصود لأن الأولى في ذكر العهود،
والثانية في رفع العهود، وهذا قول أُبي بن كعب قال ابن عباس : وكانتا تدعيان القرينتين، ولذلك وضعتا في السبع الطول.
وحكاه عن عثمان بن عفان.
الثاني : أن ﴿ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ﴾ أمان، وبراءة نزلت برفع الأمان، وهذا قول ابن عباس، ونزلت سنة تسع فأنفذها رسول الله صلى الله عليه وسلم مع علي بن أبي طالب رضي الله عنه ليقرأها في الموسم بعد توجه أبي بكر رضي الله عنه إلى الحج، وكان أبو بكر صاحب الموسم، وقال النبي صلى الله عليه وسلم " لا يُبِلِّغُ عَنِّي إِلاَّ رَجُلٌ مِنِّي " حكى ذلك الحسن وقتادة ومجاهد١.
وحكى الكلبي أن الذي أنفذه رسول الله صلى لله عليه وسلم٢ من سورة التوبة عشر آيات من أولها.
حكى مقاتل أنها تسع آيات تقرأ في الموسم، فقرأها علي رضي الله عنه في يوم النحر على جمرة العقبة.
١ سقط من ق..
٢ سقط من ك..
﴿براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين فسيحوا في الأرض أربعة أشهر واعلموا أنكم غير معجزي الله وأن الله مخزي الكافرين﴾ قوله عز وجل ﴿بَرَآءَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ في ترك افتتاح هذه السورة ب ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ قولان: أحدهما: أنها والأنفال كالسورة الواحدة في المقصود لأن الأولى في ذكر العهود، والثانية في رفع العهود، وهذا قول أُبي بن كعب قال ابن عباس: وكانتا تدعيان القرينتين، ولذلك وضعتا في السبع الطول. وحكاه عن عثمان بن عفان.
336
الثاني: أن ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ أمان، وبراءة نزلت برفع الأمان، وهذا قول ابن عباس، ونزلت سنة تسع فأنفذها رسول الله ﷺ مع علي بن أبي طالب رضي الله عنه ليقرأها في الموسم بعد توجه أبي بكر رضي الله عنه إلى الحج، وكان أبو بكر صاحب الموسم، وقال النبي ﷺ (لا يُبِلِّغُ عَنِّي إِلاَّ رَجُلٌ مِنِّي) حكى ذلك الحسن وقتادة ومجاهد. وحكى الكلبي أن الذي أنفذه رسول الله صلى لله عليه وسلم من سورة التوبة عشر آيات من أولها. حكى مقاتل أنها تسع آيات تقرأ في الموسم، فقرأها علي رضي الله عنه في يوم النحر على جمرة العقبة. وفي قوله تعالى ﴿بَرَآءَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾ وجهان: أحدهما: أنها انقطاع العصمة منهما. والثاني: أنها انقضاء عهدهما. ثم قال تعالى ﴿فَسِيحُواْ فِي الأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ﴾ وهذا أمان. وفي قوله ﴿فَسِيُحواْ فِي الأَرْضِ﴾ وجهان: أحدهما: انصرفوا فيها إلى معايشكم. والثاني: سافروا فيها حيث أردتم. وفي السياحة وجهان: أحدهما: أنها السير على مهل. والثاني: أنها البعد على وجل. واختلفوا فيمن جعل له أمان هذه الأربعة الأشهر على أربعة أقاويل: أحدها: أن الله تعالى جعلها أجلاً لمن كان رسول الله ﷺ قد أمنه أقل من أربعة أشهر ولمن كان أجل أمانه غير محدود ثم هو بعد الأربعة حرب، فأما من لا أمان له فهو حرب، قاله ابن إٍسحاق.
337
والثاني: أن الأربعة الأشهر أمان أصحاب العهد من كان عهده أكثر منها حط إليها، ومن كان عهده أقل منها إليها، ومن لم يكن له من رسول الله عهد جعل له أمان خمسين ليلة من يوم النحر إلى سلخ المحرم لقوله تعالى ﴿فَإِذَا انْسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ﴾ قاله ابن عباس والضحاك وقتادة. والثالث: أن الأربعة الأشهر عهد المشركين كافة، المعاهد منهم وغير المعاهد، قاله الزهري ومحمد بن كعب ومجاهد. والرابع: أن الأربعة ألاشهر عهد وأمان لمن لم يكن له من رسول الله ﷺ عهد ولا أمان، أما أصحاب العهود فهم على عهودهم إلى انقضاء مددهم، قاله الكلبي. واختلفوا في أول مَدَى الأربعة الأشهر على ثلاثة أقاويل: أحدها: أن أولها يوم يوم الحج الأكبر وهو يوم النحر، وآخرها انقضاء العاشر من شهر ربيع الآخر، قاله محمد بن كعب ومجاهد والسدي. والثاني: أنها شوال وذو القعدة وذو الحجة والمحرم، قاله الزهري. والثالث: أن أولها يوم العشرين من ذي القعدة، وآخرها يوم العشرين من شهر ربيع الأول، لأن الحج في تلك السنة كان في ذلك اليوم ثم صار في السنة الثانية في العشر من ذي الحجة وفيها حجة الوداع، لأجل ما كانوا عليه في الجاهلية من النسىء، فأقره النبي ﷺ فيه حتى نزل تحريم النسىء وقال: (إِنَّ الزَّمَانَ قَدِ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللَّهَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ) ﴿وَاعْلَمُواْ أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللهِ﴾ أي لا تعجزونه هرباً ولا تفوتونه طلباً. ﴿وَأَنَّ اللهَ مُخْزِي الكَافِرِينَ﴾ يحتمل وجهين: أحدهما: بالسيف لمن حارب والجزية لمن استأمن. والثاني: في الآخرة بالنار.
338
ثم قال تعالى :﴿ فَسِيحُواْ فِي الأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ ﴾ وهذا أمان.
وفي قوله ﴿ فَسِيحُواْ فِي الأَرْضِ ﴾ وجهان :
أحدهما : انصرفوا فيها إلى معايشكم.
والثاني : سافروا فيها حيث أردتم.
وفي السياحة وجهان :
أحدهما : أنها السير على مهل.
والثاني : أنها البعد على وجل.
واختلفوا فيمن جعل له أمان هذه الأربعة الأشهر على أربعة أقاويل :
أحدها : أن الله تعالى جعلها أجلاً لمن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمنه أقل من أربعة أشهر ولمن كان أجل أمانه غير محدود ثم هو بعد الأربعة حرب، فأما من لا أمان له فهو حرب، قاله ابن إٍسحاق.
والثاني : أن الأربعة الأشهر أمان أصحاب العهد من كان عهده أكثر منها حط إليها، ومن كان عهده أقل منها إليها، ومن لم يكن له من رسول الله عهد جعل له أمان خمسين ليلة من يوم النحر إلى سلخ المحرم لقوله تعالى ﴿ فَإِذَا انْسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ ﴾ قاله ابن عباس والضحاك وقتادة.
والثالث : أن الأربعة الأشهر عهد المشركين كافة، المعاهد منهم وغير المعاهد، قاله الزهري ومحمد بن كعب ومجاهد.
والرابع : أن الأربعة الأشهر عهد وأمان لمن لم يكن له من رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد ولا أمان، أما أصحاب العهود فهم على عهودهم إلى انقضاء مددهم، قاله الكلبي.
واختلفوا في أول مَدَى الأربعة الأشهر على ثلاثة أقاويل :
أحدها : أن أولها يوم يوم الحج الأكبر وهو يوم النحر، وآخرها انقضاء العاشر من شهر ربيع الآخر، قاله محمد بن كعب ومجاهد والسدي.
والثاني : أنها شوال وذو القعدة وذو الحجة والمحرم، قاله الزهري.
والثالث : أن أولها يوم العشرين من ذي القعدة، وآخرها يوم العشرين من شهر ربيع الأول، لأن الحج في تلك السنة كان في ذلك اليوم ثم صار في السنة الثانية في العشر من ذي الحجة وفيها حجة الوداع، لأجل ما كانوا عليه في الجاهلية من النسيء، فأقره النبي صلى الله عليه وسلم فيه حتى نزل تحريم النسيء وقال :" إِنَّ الزَّمَانَ قَدِ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللَّهَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ "
﴿ وَاعْلَمُواْ أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللهِ ﴾ أي لا تعجزونه هرباً ولا تفوتونه طلباً.
﴿ وَأَنَّ اللهَ مُخْزِي الكَافِرِينَ ﴾ يحتمل وجهين :
أحدهما : بالسيف لمن حارب والجزية لمن استأمن.
والثاني : في الآخرة بالنار.
{وأذان من الله ورسوله إلى الناس يوم الحج الأكبر أن الله بريء من المشركين ورسوله فإن تبتم فهو خير لكم وإن توليتم فاعلموا أنكم غير
338
معجزي الله وبشر الذين كفروا بعذاب أليم} قوله عز وجل ﴿وَأَذَانٌ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ﴾ في الأذان ها هنا ثلاثة أقاويل: أحدها: أنه القصص، وهذا قول تفرد به سليمان بن موسى النشابي. والثاني: أنه النداء بالأمر الذي يسمع بالأذن، حكاه علي بن عيسى. الثالث: أنه الإعلام، وهذا قول الكافة. وفي ﴿يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ﴾ ثلاثة أقاويل: أحدها: أنه يوم عرفة، قاله عمر بن الخطاب وابن المسيب وعطاء. وروى ابن جريج عن محمد بن قيس بن مخرمة أن رسول الله ﷺ خطب يوم عرفة وقال: (هَذَا يَوْمُ الْحَجِّ الأَكْبَرِ) والثاني: أنه يوم النحر، قاله عبد الله بن أبي أوفى والمغيرة بن شعبه وسعيد بن جبير والشعبي والنخعي. وروي مرة عن رجل من أصحاب النبي ﷺ قال: خطبنا رسول الله صلى عليه وسلم على ناقته الحمراء وقال (أَتَدْرُونَ أَيَّ يَوْمٍ هَذَا؟ يَوْمُ النَّحْرِ وَهَذَا يَوْمُ الحَجِّ الأَكْبَرِ). والثالث: أنها أيام الحج كلها، فعبر عن الأيام باليوم، قاله مجاهد وسفيان، قال سفيان: كما يقال يوم الجمل ويوم صفين، أي أيامه كلها. أحدها: أنه سمي بذلك لأنه كان في سنة اجتمع فيها حج المسلمين والمشركين، ووافق أيضاً عيد اليهود والنصارى، قاله الحسن. والثاني: أن الحج الأكبر القِران، والأصغر الإفراد، قاله مجاهد. والثالث: أن الحج الأكبر هو الحج، والأصغر هو العمرة، قاله عطاء والشعبي.
339
﴿إلا الذين عاهدتم من المشركين ثم لم ينقصوكم شيئا ولم يظاهروا عليكم أحدا فأتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم إن الله يحب المتقين فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم إن الله غفور رحيم﴾ قوله عز وجل ﴿فَإِذا انْسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ﴾ الآية. في الأشهر الحرم قولان: أحدهما: أنها رجب وذو العقدة وذو الحجة والمحرم، ثلاثة سرد وواحد فرد، وهذا رأي الجمهور. والثاني: أنها الأربعة الأشهر التي جعلها الله تعالى أن يسيحوا فيها آمنين وهي عشرون من ذي الحجة والمحرم وصفر وشهر ربيع عشر من شهر ربيع الآخر، قاله الحسن. ﴿فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ﴾ فيه قولان: أحدهما: في حل أو حرم. والثاني: في الأشهر الحرم وفي غيرها. والقتل وإن كان بلفظ الأمر فهو على وجه التخيير لوروده بعد حظر اعتباراً بالأصلح. ﴿وَخُذُوهُم﴾ فيه وجهان: أحدهما: على التقديم والتأخير، وتقديره فخذوا المشركين حيث وجدتموهم واقتلوهم. والثاني: أنه على سياقه من غير تقديم ولا تأخير، وتقديره: فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم. ﴿وَاحْصُرُوهُم﴾ على وجه التخيير في اعتبار الأصلح من الأمرين. وفي قوله ﴿وَاحْصُرُوهُم﴾ وجهان: أحدهما: أنه استرقاقهم. والثاني: أنه الفداء بمال أو شراء.
340
﴿وَاقْعُدُواْ لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ﴾ فيه وجهان: أحدهما: أن يطلبوا في كل مكان فيكون القتل إذا وجدوا، والطلب إذا بعدوا. والثاني: أن يفعل بهم كل ما أرصده الله تعالى لهم فيما حكم به تعالى عليهم من قتل أو استرقاق أو مفاداة أو منٍّ ليعتبر فيها فعل الأَصلح منها. ثم قال تعالى ﴿فَإِن تَابُواْ﴾ أي أسلموا، لأن التوبة من الكفر تكون بالإسلام. ﴿وَأَقَامُواْ الْصَلاَةَ﴾ فيه وجهان: أحدهما: أي اعترفوا بإقامتها، وهو مقتضى قول أبي حنيفة، لأنه لا يقتل تارك الصلاة إذا اعترف بها. الثاني: أنه أراد فعل الصلاة، وهو مقتضى قول مالك والشافعي، لأنهما يقتلان تارك الصلاة وإن اعترف بها. ﴿وَءَاتُوا الزَّكَاةَ﴾ يعني اعترفوا بها على الوجهين معاً، لأن تارك الزكاة لا يقتل مع الاعتراف بها وتؤخذ من ماله جبراً، وهذا إجماع.
341
قوله عز وجل :﴿ فَإِذا انْسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ ﴾ الآية. في الأشهر الحرم قولان :
أحدهما : أنها رجب وذو العقدة وذو الحجة والمحرم، ثلاثة سرد وواحد فرد، وهذا رأي الجمهور.
والثاني : أنها الأربعة الأشهر التي جعلها الله تعالى أن يسيحوا فيها آمنين وهي عشرون من ذي الحجة والمحرم وصفر وشهر ربيع الأول وعشر من شهر ربيع الآخر، قاله الحسن.
﴿ فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتمُوهُمْ ﴾ فيه قولان :
أحدهما : في حل أو حرم.
والثاني : في الأشهر الحرم وفي غيرها. والقتل وإن كان بلفظ الأمر فهو على وجه التخيير لوروده بعد حظر اعتباراً بالأصلح.
﴿ وَخُذُوهُم ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : على التقديم والتأخير، وتقديره فخذوا المشركين حيث وجدتموهم واقتلوهم.
والثاني : أنه على سياقه من غير تقديم ولا تأخير، وتقديره : فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم.
﴿ وَاحْصُرُوهُم ﴾ على وجه التخيير في اعتبار الأصلح من الأمرين.
وفي قوله ﴿ وَاحْصُرُوهُم ﴾ وجهان :
أحدهما : أنه استرقاقهم.
والثاني : أنه الفداء بمال أو شراء.
﴿ وَاقْعُدُواْ لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : أن يطلبوا في كل مكان فيكون القتل إذا وجدوا، والطلب إذا بعدوا.
والثاني : أن يفعل بهم كل ما أرصده الله تعالى لهم فيما حكم به تعالى عليهم من قتل أو استرقاق أو مفاداة أو منٍّ ليعتبر فيها فعل الأَصلح منها.
ثم قال تعالى :﴿ فَإِن تَابُواْ ﴾ أي أسلموا، لأن التوبة من الكفر تكون بالإسلام.
﴿ وَأَقَامُواْ الْصَلاَةَ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : أي اعترفوا بإقامتها، وهو مقتضى قول أبي حنيفة، لأنه لا يقتل تارك الصلاة إذا اعترف بها.
الثاني : أنه أراد فعل الصلاة، وهو مقتضى قول مالك والشافعي، لأنهما يقتلان تارك الصلاة وإن اعترف بها.
﴿ وَءَاتُوا الزَّكَاةَ ﴾ يعني اعترفوا بها على الوجهين معاً، لأن تارك الزكاة لا يقتل مع الاعتراف بها وتؤخذ من ماله جبراً، وهذا إجماع.
﴿وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه ذلك بأنهم قوم لا يعلمون﴾ قوله عز وجل ﴿وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ... ﴾ الآية: وفي كلام الله وجهان أي إن استأمنك فأمِّنه. أحدهما: أنه عني سورة براءة خاصة ليعلم ما فيها من حكم المقيم على العهد. وحكم الناقض له والسيرة في المشركين والفرق بينهم وبين المنافقين. الثاني: يعني القرآن كله، ليهتدي به من ضلاله ويرجع به عن كفره. ﴿ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ﴾ يعني إن أقام على الشرك وانقضت مدة الأمان. ﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْلَمُونَ﴾ يحتمل وجهين: أحدهما: الرشد من الغيّ. والثاني: استباحة رقابهم عند انقضاء مدة أمانهم.
﴿كيف يكون للمشركين عهد عند الله وعند رسوله إلا الذين عاهدتم عند المسجد الحرام فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم إن الله يحب المتقين﴾ قوله عز وجل ﴿كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِيْنَ عَهْدٌ عِنْدَ اللَّهِ... ﴾ الآية. يحتمل وجهين: أحدهما: إذا لم يعطوا أماناً. الثاني: إذا غدروا وقاتلوا. وفي قوله ﴿إِلاَّ الَّذِينَ عَاهَدتُّمْ عِندَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ﴾ أربعة أقاويل: أحدها: أنهم قوم من بني بكر بن كنانة، قاله ابن إٍسحاق. والثاني: أنهم قريش، وهو قول ابن عباس. والثالث: خزاعة، قاله مجاهد. والرابع: بنو ضمرة، قاله الكلبي. ﴿فَمَا اسْتَقَامُواْ لَكُمْ فَاسْتَقِيمُواْ لَهُمْ﴾ يعني فما أقاموا على الوفاء بالعهد فأقيموا عليه، فدل على أنهم إذا نقضوا العهد سقط أمانهم وحلّت دماؤهم.
﴿كيف وإن يظهروا عليكم لا يرقبوا فيكم إلا ولا ذمة يرضونكم بأفواههم وتأبى قلوبهم وأكثرهم فاسقون﴾ قوله عز وجل ﴿كَيْفَ وَإِن يَظْهَرُواْ عَلَيْكُمْ﴾ يعني يقووا حتى يقدروا على الظفر بكم. وفي الكلام محذوف وتقديره: كيف يكون لهم عهد وإن يظهروا عليكم. ﴿لاَ يرْقُبُوْ فِيكُمْ﴾ فيه وجهان: أحدهما: لا يخافوا: قاله السدي. الثاني: لا يراعوا.
342
﴿إِلأَ وَلاَ ذِمَّةً﴾ وفي الإلّ سبعة تأويلات. أحدها: أنه العهد، وهوقول ابن زيد. والثاني: أنه اسم الله تعالى، قاله مجاهد، ويكون معناه لا يرقبون الله فيكم. والثالث: أنه الحلف، وهو قول قتادة. والرابع: أن الإل اليمين، والذمة العهد، قاله أبو عبيدة، ومنه قول ابن مقبل:
(أفسد الناس خلوف خلفوا قطعوا الإلَّ وأعراق الرَّحِم)
والخامس: أنه الجوار، قاله الحسن. والسادس: أنه القرابة، قاله ابن عباس والسدي، ومنه قول حسان:
(وأُقسم إن إلَّك من قريش كإل السّقْبِ من رَأل النعام)
والسابع: أن الإل العهد والعقد والميثاق واليمين، وأن الذمة في هذا الموضع التذمم ممن لا عهد له، قاله بعض البصريين. ﴿وَلاَ ذِمَّةً﴾ فيها ثلاثة أوجه: أحدها: الجوار، قاله ابن بحر. الثاني: أنه التذمم ممن لا عهد له، قاله بعض البصريين. والثالث: أنه العهد وهو قول أبي عبيدة. ﴿يُرْضُونَكُم بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ﴾ يحتمل ثلاثة أوجه: أحدها: يرضونك بأفواههم في الوفاء وتأبى قلوبهم إلا الغدر. والثاني: يرضونكم بأفواههم في الطاعة وتأبى قلوبهم إلا المعصية. والثالث: يرضونكم بأفواهم في الوعد بالإيمان وتأبى قلوبهم إلا الشرك، لأن النبي ﷺ لا يرضيه من المشركين إلا بالإيمان. ﴿وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ﴾ فيه وجهان: أحدهما: في نقض العهد وإن كان جميعهم بالشرك فاسقاً.
343
والثاني: وأكثرهم فاسق في دينه وإن كان كل دينهم فسقاً.
344
﴿اشتروا بآيات الله ثمنا قليلا فصدوا عن سبيله إنهم ساء ما كانوا يعملون لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة وأولئك هم المعتدون فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فإخوانكم في الدين ونفصل الآيات لقوم يعلمون﴾ قوله عز وجل ﴿اشْتَرَواْ بَئَايَاتِ اللَّهِ ثَمَناً قَلِيلاً﴾ في آيات الله تعالى ها هنا وجهان: أحدهما: حججه ودلائله. والثاني: آيات الله التوراة التي فيها صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم. والثمن القليل: ما جعلوه من ذلك بدلاً. وفي صفته بالقليل وجهان: أحدهما: لأنه حرام، والحرام قليل. والثاني: لأنها من عروض الدنيا التي بقاؤها قليل. وفيمن أريد بهذه الآية قولان: أحدهما: أنهم الأعراب الذين جمعهم أبو سفيان على طعامه، وهذا قول مجاهد ومن زعم أن الآيات حجج الله تعالى. والثاني: أنهم قوم من اليهود دخلوا في العهد ثم رجعوا عنه وهذا قول من زعم أنها آيات التوراة. ﴿فَصَدُّواْ عَن سَبِيلِهِ﴾ يحتمل ثلاثة أوجه: أحدها: عن دين الله تعالى في المنع منه. والثاني: عن طاعة الله في الوفاء بالعهد. والثالث: عن قصد بيت الله حين أحصر بالحديبيّة.
﴿وإن نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم وطعنوا في دينكم فقاتلوا أئمة الكفر إنهم لا أيمان لهم لعلهم ينتهون﴾
344
قوله عز وجل ﴿وَإِن نَّكَثُواْ أَيْمَانَهُمْ مِّن بَعْدِ عَهْدِهِمْ﴾ أي نقضوا عهدهم الذي عقدوه بأيمانهم. ﴿وَطَعَنُواْ فِي دِينِكُمْ﴾ يحتمل وجهين: أحدهما: إظهار الذم له. والثاني: إظهار الفساد فيه. ﴿فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ﴾ فيهم ثلاثة أقاويل: أحدها: أنهم رؤساء المشركين. والثاني: أنهم زعماء قريش، قاله ابن عباس. والثالث: أنهم الذين كانوا قد هموا بإخراج رسول الله ﷺ، قاله قتادة. ﴿إِنَّهُم لاَ أَيْمَانَ لَهُمْ﴾ قراءة الجمهور بفتح الألف، من اليمين لنقضهم إياها. وقرأ ابن عامر: ﴿إِنَّهُم لاَ أَيْمَانَ لَهُمْ﴾ بكسر الألف، وهي قراءة الحسن. وفيها إذا كسرت وجهان: أحدهما: أنهم كفرة لا إيمان لهم. والثاني: أنهم لا يعطون أماناً.
345
{ألا تقاتلون قوما نكثوا أيمانهم وهموا بإخراج الرسول وهم بدؤوكم أول مرة أتخشونهم فالله أحق أن تخشوه إن كنتم مؤمنين قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين ويذهب غيظ قلوبهم ويتوب الله على من يشاء والله
345
عليم حكيم أم حسبتم أن تتركوا ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ولم يتخذوا من دون الله ولا رسوله ولا المؤمنين وليجة والله خبير بما تعملون} قوله عز وجل: ﴿... وَلَمْ يَتَّخِذُواْ مِن دُونِ اللَّهِ وَلاَ رَسُولِهِ وَلاَ الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً﴾ فيها ثلاثة أقاويل: أحدها: أنها الخيانة، قاله قتادة. والثاني: أنهم البطانة، قاله قطرب ومقاتل، ومنه قول الشاعر:
(وجعلت قومك دون ذاك وليجة ساقوا إليك الخير غير مشوب)
والثالث: أنه الدخول في ولاية المشركين، من قولهم ولج فلان في كذا إذا دخل فيه قال طرفة بن العبد:
346
قوله عز وجل :﴿. . . وَلَمْ يَتَّخِذُواْ مِن دُونِ اللَّهِ وَلاَ رَسُولِهِ وَلاَ الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً ﴾ فيها ثلاثة أقاويل :
أحدها : أنها الخيانة، قاله قتادة.
والثاني : أنهم البطانة، قاله قطرب ومقاتل، ومنه قول الشاعر :
(رأيت القوافي يتلجن موالجاً تضايق عنها أن تولجها الإبر)
وجعلت قومك دون ذاك وليجة ساقوا إليك الخير غير مشوب
والثالث : أنه الدخول في ولاية المشركين، من قولهم ولج فلان في كذا إذا دخل فيه قال طرفة بن العبد١ :
رأيت القوافي يتلجن موالجاً تضايق عنها أن تولجها الإبر
١ البيت من قصيدة له في ديوانه صفحة ٤..
﴿ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد الله شاهدين على أنفسهم بالكفر أولئك حبطت أعمالهم وفي النار هم خالدون إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يخش إلا الله فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين﴾ قوله عز وجل ﴿مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَن يَعْمُرُواْ مَسَاجِدَ اللَّهِ﴾ يعني المسجد الحرام. وفيه وجهان: أحدهما: ما كان لهم أن يعمروها بالكفر لأن مساجد الله تعالى تعمر بالإيمان. والثاني: ما كان لهم أن يعمروه بالزيارة له والدخول إليه. ﴿شَاهِدِينَ عَلَى أنفُسِهِم بِالْكُفْرِ﴾ فيه ثلاثة تأويلات: أحدها: أن فيما يقولونه أو يفعلونه دليل على كفرهم كما يدل عليه إقرارهم،
346
فكأن ذلك منهم هو شهادتهم على أنفسهم، قاله الحسن. والثاني: يعني شاهدين على رسول الله ﷺ بالكفر لأنهم كذبوه وأكفروه وهو من أنفسهم، قاله الكلبي. والثالث: أن النصراني إذا سئل ما أنت؟ قال: نصراني، واليهودي إذا سئل قال: يهودي، وعابد الوثن يقول: مشرك، وكان هؤلاء كفار وإن لم يقروا بالكفر، قاله السدي. ثم قال تعالى ﴿إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْءَامَنَ بِاللَّهِ﴾ في هذه المساجد قولان: أحدهما: أنها مواضع السجود من المصلى، فعلى هذا عمارتها تحتمل ثلاثة أوجه: أحدها: بالمحافظة على إقامة الصلاة. والثاني: بترك الرياء. والثالث: بالخشوع والإعراض عما ينهى. والقول الثاني: أنها بيوت الله تعالى المتخذة لإقامة الصلوات، فعلى هذا عمارتها تحتمل ثلاثة أوجه: أحدها: إنما يعمرها بالإيمان من آمن بالله تعالى. والثاني: إنما يعمرها بالزيارة لها والصلاة فيها من آمن بالله تعالى. والثالث: إنما يرغب في عمارة بنائها من آمن بالله تعالى. ﴿وَالْيَوْمِ الأَخِرِ وَأَقَامَ الْصَّلاَةَ وَءَاتَى الزَّكاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللَّهَ فَعَسَى أُوْلَئِكَ أَن يَكُونُواْ مِن الْمُهْتَدِينَ﴾ فيه وجهان:
347
أحدهما: أنه قال ذلك لهم تحذيراً من فعل ما يخالف هدايتهم. والثاني: أن كل ﴿عَسَى﴾ من الله واجبة وإن كانت من غيره ترجياً، قاله ابن عباس والسدي.
348
قال تعالى :﴿ إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ ءَامَنَ بِاللَّهِ ﴾ في هذه المساجد قولان :
أحدهما : أنها مواضع السجود من المصلى، فعلى هذا عمارتها تحتمل ثلاثة أوجه :
أحدها : بالمحافظة على إقامة الصلاة.
والثاني : بترك الرياء.
والثالث : بالخشوع والإعراض عما ينهى.
والقول الثاني : أنها بيوت الله تعالى المتخذة لإقامة الصلوات، فعلى هذا عمارتها تحتمل ثلاثة أوجه :
أحدها : إنما يعمرها بالإيمان من آمن بالله تعالى.
والثاني : إنما يعمرها بالزيارة لها والصلاة فيها من آمن بالله تعالى.
والثالث : إنما يرغب في عمارة بنائها من آمن بالله تعالى.
﴿ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الْصَّلاَةَ وَءَاتَى الزَّكاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللَّهَ فَعَسَى أُوْلَئِكَ أَن يَكُونُواْ مِن الْمُهْتَدِينَ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : أنه قال ذلك لهم تحذيراً من فعل ما يخالف هدايتهم.
والثاني : أن كل ﴿ عَسَى ﴾ من الله واجبة وإن كانت من غيره ترجياً، قاله ابن عباس والسدي.
﴿أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله لا يستوون عند الله والله لا يهدي القوم الظالمين الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم أعظم درجة عند الله وأولئك هم الفائزون يبشرهم ربهم برحمة منه ورضوان وجنات لهم فيها نعيم مقيم خالدين فيها أبدا إن الله عنده أجر عظيم﴾ قوله عز وجل: ﴿أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ﴾ يعني بعمارته السدانة والقيام به. ﴿كَمَنْءَامَنَ بِاللَّهِ وَالْيَومِ الأخِر وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لاَ يَسْتَوُونَ عِندَ اللَّهِ﴾ لأن قريشاً فضلت ذلك على الإيمان بالله، فرد الله تعالى عليهم وأعلمهم أنهما لا يستويان، وأن ذلك مع الكفر محبط. وحكى مقاتل أن هذا الآية نزلت في العباس بن عبد المطلب، وهو صاحب السقاية، وفي شيبة بن عثمان وهو صاحب السدانة وحاجب الكعبة أُسرا يوم بدر فعيرا بالمقام على الكفر بمكة وأغلظ لهما المهاجرون، فقالا نحن أفضل منكم أجراً نعمر المسجد الحرام ونحجب الكعبة ونسقي الحاج فنزل هذا فيهم.
{يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا آباءكم وإخوانكم أولياء إن استحبوا الكفر على الإيمان ومن يتولهم منكم فأولئك هم الظالمون قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم
348
من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين} قوله عز وجل ﴿قُلْ إِن كَانَءَآبَآؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا﴾ يعني اكتسبتموها. ﴿وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا﴾ فيها وجهان: أحدهما: أنها أموال التجارات إذا نقص سعرها وكسد سوقها. والثاني: أنهن البنات الأيامى إذا كسدن عند آبائهن ولم يخطبن. ﴿وَمَسَاكِنَ تَرْضَونَهَا﴾ وهذا نزل في قوم أسلموا بمكة فأقاموا بها ولم يهاجروا إِشفاقاً على فراق ما ذكره الله تعالى ميلاً إليه وحبّاً له فذمهم الله تعالى على ذلك وقال: ﴿... فَتَربَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ﴾ فيه وجهان: أحدهما: أنه فتح مكة، قاله مجاهد. والثاني: حتى يأتي الله بأمره من عقوبة عاجلة أو آجلة، قاله الحسن.
349
قوله عز وجل :﴿ قُلْ إِن كَانَ ءَآبَآؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا ﴾ يعني اكتسبتموها.
﴿ وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا ﴾ فيها وجهان :
أحدهما : أنها أموال التجارات إذا نقص سعرها وكسد سوقها.
والثاني : أنهن البنات الأيامى إذا كسدن عند آبائهن ولم يخطبن. ﴿ وَمَسَاكِنَ تَرْضَونَهَا ﴾ وهذا نزل في قوم أسلموا بمكة فأقاموا بها ولم يهاجروا إِشفاقاً على فراق ما ذكره الله تعالى ميلاً إليه وحبّاً له فذمهم الله تعالى على ذلك وقال :﴿. . . فَتَربَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : أنه فتح مكة، قاله مجاهد.
والثاني : حتى يأتي الله بأمره من عقوبة عاجلة أو آجلة، قاله الحسن.
﴿لقد نصركم الله في مواطن كثيرة ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا وضاقت عليكم الأرض بما رحبت ثم وليتم مدبرين ثم أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وأنزل جنودا لم تروها وعذب الذين كفروا وذلك جزاء الكافرين ثم يتوب الله من بعد ذلك على من يشاء والله غفور رحيم﴾ قوله عز وجل ﴿ثُمَّ أَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ..﴾ الآية، وفي السكينة ثلاثة أقاويل: أحدها: أنها الرحمة، قاله علي بن عيسى. والثاني: أنها الأمن والطمأنينة. والثالث: أنها الوقار، قاله الحسن.
349
﴿وَأَنزَلَ جُنُوداً لَّمْ تَرَوْهَا﴾ فيه وجهان: أحدهما: الملائكة. والثاني: أنه تكثيرهم في أعين أعدائهم، وهو محتمل. ﴿وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُواْ﴾ فيه وجهان: أحدهما: بالخوف والحذر. والثاني: بالقتل والسبي.
350
قوله عز وجل :﴿ ثُمَّ أَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ. . ﴾ الآية، وفي السكينة ثلاثة أقاويل :
أحدها : أنها الرحمة، قاله علي بن عيسى.
والثاني : أنها الأمن والطمأنينة.
والثالث : أنها الوقار، قاله الحسن.
﴿ وَأَنزَلَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْهَا ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : الملائكة.
والثاني : أنه تكثيرهم في أعين أعدائهم، وهو محتمل.
﴿ وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُواْ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : بالخوف والحذر.
والثاني : بالقتل والسبي.
﴿يا أيها الذين آمنوا إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا وإن خفتم عيلة فسوف يغنيكم الله من فضله إن شاء إن الله عليم حكيم قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون﴾ قوله عز وجل ﴿قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخرِ﴾ فإن قيل: فأهل الكتاب قد آمنوا بالله واليوم الآخر فكيف قال ذلك فيهم، ؟ ففيه جوابان: أحدهما: أن إقرارهم باليوم الآخر يوجب الإقرار بجميع حقوقه، فكانوا بترك الإقرار بحقوقه كمن لا يقرّ به. والثاني: أنه ذمّهم ذم من لا يؤمن بالله ولا باليوم الآخر للكفر بنعمته، وهم في الذم بالكفر كغيرهم. ﴿وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ﴾ فيه وجهان: أحدهما: أنه ما أمر الله سبحانه وتعالى بنسخه من شرائعهم. والثاني: ما أحله لهم وحرمه عليهم. ﴿وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِ﴾ والحق هنا هو الله تعالى، وفي المراد بدينه في هذا الموضع وجهان:
350
أحدهما: العمل بما في التوراة من اتباع الرسول، قاله الكلبي. والثاني: الدخول في دين الإسلام لأنه ناسخ لما سواه من الأديان، وهو قول الجمهور. ﴿مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ﴾ فيه وجهان: أحدهما: يعني من آباء الذين أوتوا الكتاب. الثاني: من الذين أوتوا الكتاب بين أظهرهم لأنه في اتباعه كآبائهم. ﴿حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ﴾ فيه تأويلان: أحدهما: حتى يضمنوا الجزية وهو قول الشافعي لأنه يرى أن الجزية تجب انقضاء الحول وتؤخذ معه. والثاني: حتى يدفعوا الجزية. وفي الجزية وجهان: أحدهما: أنها من الأسماء المجملة لا يوفق على علمها إلا بالبيان. والثاني: أنها من الأسماء العامة التي يجب إجراؤها على عمومها إلا ما خص بالدليل. ثم قال تعالى ﴿عَن يَدٍ﴾ وفيه أربعة تأويلات: أحدها: عن غنى وقدرة. والثاني: أنها من عطاء لا يقابله جزاء، قاله أبو عبيدة. والثالث: أن يروا أن لنا في أخذها منهم يداً عليهم بحقن دمائهم بها. والرابع: يؤدونها بأيديهم ولا ينفذونها مع رسلهم كما يفعله المتكبرون. ﴿وَهُمْ صَاغِرُونَ﴾ فيه خمسة أقاويل: أحدها: أن يكونوا قياماً والآخذ لها جالساً، قاله عكرمة. والثاني: أن يمشوا بها وهم كارهون، قاله ابن عباس. والثالث: أن يكونوا أذلاء مقهورين، قاله الطبري.
351
والرابع: أن دفعها هو الصَّغار بعينه. والخامس: أن الصغار أن تجري عليهم أحكام الإسلام، قاله الشافعي.
352
قوله عز وجل :﴿ قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخرِ ﴾ فإن قيل : فأهل الكتاب قد آمنوا بالله واليوم الآخر فكيف قال ذلك فيهم ؟
ففيه جوابان :
أحدهما : أن إقرارهم باليوم الآخر يوجب الإقرار بجميع حقوقه، فكانوا بترك الإقرار بحقوقه كمن لا يقرّ به.
والثاني : أنه ذمّهم ذم من لا يؤمن بالله ولا باليوم الآخر للكفر بنعمته، وهم في الذم بالكفر كغيرهم.
﴿ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : أنه ما أمر الله سبحانه وتعالى بنسخه من شرائعهم.
والثاني : ما أحله لهم وحرمه عليهم.
﴿ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِ ﴾ والحق هنا هو الله تعالى، وفي المراد بدينه في هذا الموضع وجهان :
أحدهما : العمل بما في التوراة من اتباع الرسول، قاله الكلبي.
والثاني : الدخول في دين الإسلام لأنه ناسخ لما سواه من الأديان، وهو قول الجمهور.
﴿ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : يعني من آباء الذين أوتوا الكتاب.
الثاني : من الذين أوتوا الكتاب بين أظهرهم لأنه في اتباعه كآبائهم.
﴿ حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ ﴾ فيه تأويلان :
أحدهما : حتى يضمنوا الجزية وهو قول الشافعي لأنه يرى أن الجزية تجب انقضاء الحول وتؤخذ معه.
والثاني : حتى يدفعوا الجزية.
وفي الجزية وجهان :
أحدهما : أنها من الأسماء المجملة لا يوفق على علمها إلا بالبيان.
والثاني : أنها من الأسماء العامة التي يجب إجراؤها على عمومها إلا ما خص بالدليل.
ثم قال تعالى :﴿ عَن يَدٍ ﴾ وفيه أربعة١ تأويلات :
أحدها : عن غنى وقدرة.
والثاني٢ : أنها من عطاء لا يقابله جزاء، قاله أبو عبيدة.
والثالث : أن يروا أن لنا في أخذها منهم يداً عليهم بحقن دمائهم بها.
والرابع٣ : يؤدونها بأيديهم ولا ينفذونها مع رسلهم كما يفعله المتكبرون.
﴿ وَهُمْ صَاغِرُونَ ﴾ فيه خمسة٤ أقاويل :
أحدها : أن يكونوا قياماً والآخذ لها جالساً، قاله عكرمة.
والثاني : أن يمشوا بها وهم كارهون، قاله ابن عباس.
والثالث : أن يكونوا أذلاء مقهورين، قاله الطبري.
والرابع : أن دفعها هو الصَّغار بعينه.
والخامس : أن الصغار أن تجري عليهم أحكام الإسلام٥، قاله الشافعي.
١ في ق فيه تأويلات: أحدهما..
٢ سقط من ق..
٣ سقط من ق..
٤ في ق فيه أربعة تأويلات..
٥ سقط من ق..
﴿وقالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله ذلك قولهم بأفواههم يضاهئون قول الذين كفروا من قبل قاتلهم الله أنى يؤفكون اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح ابن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون﴾ قوله عز وجل ﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيرٌ ابْنُ اللَّهِ﴾ الآية. أما قول اليهود ذلك فسببه أن بختنصر لما أخرب بيت المقدس أحرق التوراة حتى لم يبق بأيديهم شيء منها، ولم يكونوا يحفظونها بقلوبهم، فحزنوا لفقدها وسألوا الله تعالى ردها عليهم، فقذفها الله في قلب عزير، فحفظها وقرأها عليهم فعرفوها فلأجل ذلك قالوا إنه ابن الله. واختلف فيمن قال ذلك على ثلاثة أقاويل: أحدها: أن ذلك كان قول جميعهم، وهو مروي عن ابن عباس.
352
والثاني: أنه قول طائفة من سلفهم. والثالث: أنه قول جماعة ممن كانوا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم. واختلف فيهم على قولين: أحدهما: أنه فنحاص وحده، ذكر ذلك عبيد بن عمير وابن جريج. والثاني: أنهم جماعة وهم سلام ابن مشكم ونعمان بن أبي أوفى وشاس بن قيس ومالك بن الصيف، وهذا مروي عن ابن عباس. فإن قيل: فإذا كان ذلك قول بعضهم فلم أضيف إلى جميعهم؟ قيل: لأن من لم يقله عند نزول القرآن لم ينكره، فلذلك أضيف إليهم إضافة جمع وإن تلفظ به بعضهم. ﴿وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ﴾ وهذا قول جميعهم، واختلف في سبب قولهم لذلك على قولين: أحدهما: أنه لما خلق من غير ذكر من البشر قالوا إنه ابن الله، تعالى الله عن ذلك. الثاني: أنهم قالوا ذلك لأجل من أحياه من الموتى وأبرأه من المرضى. ﴿ذَلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْواهِهِمْ﴾ معنى ذلك: وإن كانت الأقوال كلها من الأفواه: أنه لا يقترن به دليل ولا يعضده برهان، فصار قولاً لا يتجاوز الفم فلذلك خص به. ﴿يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُواْ من قبلُ﴾ أي يشابهون، مأخوذ من قولهم امرأة ضهياء إذا لم تحض تشبيهاً بالرجال ومنه ما جاء في الحديث: (أَجرَأُ النَّاسِ عَلى اللَّهِ تَعَالَى الَّذِينَ يُضَاهِئُونَ خَلْقَهُ) أي يشبهون به. وفيهم ثلاثة أقاويل: أحدها: أن قولهم ذلك يضاهي قول عبدة الأوثان في اللات والعزى ومناة وأن الملائكة بنات الله، قاله ابن عباس وقتادة. والثاني: أن قول النصارى المسيح ابن الله يضاهي قول اليهود عزير ابن الله، قاله الطبري. والثالث: أنهم في تقليد أسلافهم يضاهون قول من تقدمهم، قاله الزجاج. ﴿قَاتََلَهُمُ اللَّهُ﴾ فيه ثلاثة تأويلات: أحدها: معناه لعنهم الله، قاله ابن عباس ومنه قول عبيد بن الأبرص:
353
(قاتلها الله تلحاني وقد علمت أني لنفسي إفسادي وإصلاحي)
والثاني: معناه قتلهم الله، قاله بعض أهل العربية. والثالث: أن الله تعالى فيما أعده لعذابهم وبينه من عداوتهم التي هي في مقابلة عصيانهم وكفرهم كأنه مقاتل لهم. ﴿أَنَّى يُؤْفَكُونَ﴾ معناه كيف يُصرفون عن الحق إلى الإفك وهو الكذب. قوله عز وجل ﴿اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللَّهِ﴾ أما الأحبار منهم العلماء، واحدهم حَبْر سمي بذلك لأنه يحبر المعاني أي يحسنها بالبيان عنها. وأما الرهبان فجمع راهب، مأخوذ من رهبة الله تعالى وخشيته، غير أنه صار بكثرة الاستعمال يتناول نُسّاك النصارى. وقوله ﴿أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللَّهِ﴾ يعني آلهة لقبولهم منهم تحريم ما يحرمونه عليهم وتحليل ما يحلونه لهم، فلذلك صاروا لهم كالأرباب وإن لم يقولوا إنهم أرباب، وقد روي مثل ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم.
354
قوله عز وجل :﴿ اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ ﴾ أما الأحبار منهم العلماء، واحدهم حَبْر سمي بذلك لأنه يحبر المعاني أي يحسنها بالبيان عنها.
وأما الرهبان فجمع راهب، مأخوذ من رهبة الله تعالى وخشيته، غير أنه صار بكثرة الاستعمال يتناول نُسّاك النصارى.
وقوله :﴿ أَرْبَاباً مِن دُونِ اللَّهِ ﴾ يعني آلهة لقبولهم منهم تحريم ما يحرمونه عليهم وتحليل ما يحلونه لهم، فلذلك صاروا لهم كالأرباب وإن لم يقولوا إنهم أرباب، وقد روي مثل ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم.
﴿يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون﴾ قوله عز وجل ﴿يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُواْ نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ﴾ وفي نوره قولان: أحدهما: أنه القرآن والإسلام، قاله الحسن وقتادة. والثاني: أنه آياته ودلائله لأنه يهتدى بها كما يهتدى بالأنوار. وإنما خص ذلك بأفواههم لما ذكرنا أنه ليس يقترن بقولهم دليل. ﴿وَيَأْبَى اللَّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ﴾ وليس يريد تمامه من نقصان لأن نوره لم يزل تاماً. ويحتمل المراد به وجهين: أحدهما: إظهار دلائله. والثاني: معونة أنصاره. قوله عز وجل ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ﴾ يعني محمداً ﷺ أرسله الله إلى خلقه بالهدى ودين الحق. وفيها أربعة تأويلات: أحدها: أن الهدى البيان، ودين الحق الإسلام، قاله الضحاك. والثاني: أن الهدى الدليل، ودين الحق المدلول عليه. والثالث: معناه بالهدى إلى دين الحق. والرابع: أن معناهما واحد وإنما جمع بينهما تأكيداً لتغاير اللفظين. ﴿لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ﴾ فيه ستة تأويلات: أحدها: يعني عند نزول عيسى عليه السلام فإنه لا يعبد الله تعالى إلاّ بالإٍسلام، قاله أبو هريرة.
355
والثاني: معناه أن يعلمه شرائع الدين كله ويطلعه عليه، قاله ابن عباس. والثالث: ليظهر دلائله وحججه، وقد فعل الله تعالى ذلك، وهذا قول كثير من العلماء. والرابع: ليظهره برغم المشركين من أهله. والخامس: أنه وارد على سبب، وهو أنه كان لقريش رحلتان رحلة الصيف إلى الشام ورحلة الشتاء إلى اليمن والعراق فلما أسلموا انقطعت عنهم الرحلتان للمباينة في الدين فذكروا ذلك للنبي ﷺ فأنزل الله تعالى عليه: ﴿لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ﴾ يعني في بلاد الرحلتين وقد أظهره الله تعالى فيهما. والسادس: أن الظهور الاستعلاء، ودين الإسلام أعلى الأديان كلها وأكثرها أهلاً، قد نصره الله بالبر والفاجر والمسلم والكافر، فروى الربيع بن أنس عن الحسن أن النبي ﷺ قال: (إِنَّ اللَّهِ يُؤَيِّدُ بِأَقْوَامٍ مَا لَهُم فِي الأَخِرَةِ مِن خَلاَقٍ).
356
قوله عز وجل :﴿ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ ﴾ يعني محمداً صلى الله عليه وسلم أرسله الله إلى خلقه بالهدى ودين الحق.
وفيها أربعة١ تأويلات :
أحدها : أن الهدى البيان، ودين الحق الإسلام، قاله الضحاك.
والثاني : أن الهدى الدليل، ودين الحق المدلول عليه.
والثالث : معناه بالهدى إلى دين الحق.
والرابع : أن معناهما واحد وإنما جمع بينهما تأكيداً لتغاير اللفظين.
﴿ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ ﴾ فيه ستة تأويلات :
أحدها : يعني عند نزول عيسى عليه السلام فإنه لا يعبد الله تعالى إلاّ بالإٍسلام، قاله أبو هريرة.
والثاني : معناه أن يعلمه شرائع الدين كله ويطلعه عليه، قاله ابن عباس.
والثالث : ليظهر دلائله وحججه، وقد فعل الله تعالى ذلك، وهذا قول كثير من العلماء.
والرابع : ليظهره برغم المشركين من أهله.
والخامس : أنه وارد على سبب، وهو أنه كان لقريش رحلتان رحلة الصيف إلى الشام ورحلة الشتاء إلى اليمن والعراق فلما أسلموا انقطعت عنهم الرحلتان للمباينة في الدين فذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فأنزل الله تعالى عليه :﴿ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ ﴾ يعني في بلاد الرحلتين وقد أظهره الله تعالى فيهما. والسادس٢ : أن الظهور الاستعلاء، ودين الإسلام أعلى الأديان كلها وأكثرها أهلاً، قد نصره الله بالبر والفاجر والمسلم والكافر، فروى الربيع بن أنس عن الحسن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" إِنَّ اللَّهِ يُؤَيِّدُ بِأَقْوَامٍ مَا لَهُم فِي الآخرة مِن خَلاَقٍ٣ ".
١ في ق ثلاثة تأويلات وقد سقط منها التأويل الأول..
٢ سقط من ق..
٣ روى ببعض اختلاف في اللفظ عند البخاري في الجهاد، وكما رواه مسلم في الإيمان، والدارمي في السنن، وأحمد في المسند ٢/٣٠٩..
{يا أيها الذين آمنوا إن كثيرا من الأحبار والرهبان ليأكلون أموال الناس بالباطل ويصدون عن سبيل الله والذين يكنزون
356
الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون} قوله عز وجل ﴿يَآ أَيُّهَا الَّذِِينَ آمَنُواْ إِنَّ كَثِيراً مِنَ الأَحبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُون أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ﴾ الآية: في قولان: أحدهما: أنه أخذ الرشا في الحكم، قاله الحسن. والثاني: أنه على العموم من أخذه بكل وجه محرم. وإنما عبر عن الأخذ بالأكل لأن ما يأخذونه من هذه الأموال هي أثمان ما يأكلون، وقد يطلق على أثمان المأكول اسم الأكل، كما قال الشاعر:
(ذر الآكلين الماء فما أرى ينالون خيراً بعد أكلهم الماء)
أي ثمن الماء. ﴿وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ﴾ يحتمل وجهين: أحدهما: أنه منعهم من الحق في الحكم بقبول الرشا. والثاني: أنه منعهم أهل دينهم من الدخول في الإسلام بإدخال الشبهة عليهم. ﴿وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ وفي هذا الكنز المستحق عليه هذا الوعيد ثلاثة أقاويل: أحدها: أن الكنز كل مال وجبت فيه الزكاة فلم تؤدَّ زكاته، سواء كان مدفوناً أو غير مدفون، قاله ابن عمر والسدي والشافعي والطبري. والثاني: أن الكنز ما زاد على أربعة آلاف درهم، أديت منه الزكاة أم لم تؤد،
357
قاله عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه فقد قال: أربعة آلاف درهم فما دونها نفقة، وما فوقها كنز. والثالث: أن الكنز ما فضل من المال عن الحاجة إليه، روى عمرو بن مرة عن سالم بن أبي الجعد قال: لما نزل قوله تعالى ﴿وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ... ﴾ الآية. قال النبي صلى الله عليه وسلم: (تبّاً لِلذَهَبِ وَالْفِضَّةِ) قال: فشق ذلك على أصحاب رسول الله ﷺ وقالوا: فأي المال نتخذ؟ فقال عمر ابن الخطاب: أنا أعلم لكم ذلك، فقال: يا رسول الله إن أصحابك قد شق عليهم وقالوا: فأي المال نتخذ؟ فقال: (لِسَاناً ذَاكِراً وَقَلْباً شَاكِراً وَزَوْجَةً مُؤْمِنَةً تُعِينُ أَحَدَكُمْ عَلَى دِينِه). وروى قتادة عن شهر بن حوشب عن أبي أمامة صدي بن عجلان قال: مات رجل من أهل الصفّة فوجد في مئزرة دينار، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (كَيَّةٌ) ثم مات آخر فوجد في مئزره ديناران فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (كَيَّتَانِ) والكنز في اللغة هو كل شيء مجموع بعضه إلى بعض سواء كان ظاهراً على الأرض أو مدفوناً فيها، ومنه كنز البُرّ، قال الشاعر:
(لا دَرَّ دري إن أطعمت نازلهم قِرف الحتى وعندي البُرّ مكنوز)
الحتى: سَويق المقل. يعني وعندي البُرّ مجموع. فإن قيل: فقد قال الله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ﴾ فذكر جنسين ثم قال ﴿وَلاَ يُنفِقُونَهَا﴾ والهاء كناية ترجع إلى جنس واحد، ولم يقل: وَلاَ يُنفِقُونَهَما لترجع الكناية إليهما.
358
فعن ذلك جوابان: أحدهما: أن الكناية راجعة إلى الكنوز، وتقديره: ولا ينفقون الكنوز في سبيل الله. والثاني: أنه قال ذلك اكتفاء بذكر أحدهما عن الآخر لدلالة الكلام على اشتراكهما فيه، كما قال تعالى ﴿وَإِذَا رَأَوْاْ تِجَارَةً أَوْ لَهْواً انفَضُّواْ إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَآئِماً﴾ [الجمعة: ١١] ولم يقل إليهما، وكقول الشاعر:
٨٩ (إن شرخ الشباب والشعر الأسود ما لم يُعاص كان جنوناً} ٩
ولم يقل يعاصيا. ثم إن الله تعالى غلَّظ حال الوعيد بما ذكره بعد هذا من قوله: ﴿يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُواْ مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ﴾ وإنما غلظ بهذا الوعيد لما في طباع النفوس من الشح بالأموال ليسهل لهم تغليظ الوعيد إخراجها في الحقوق.
359
﴿ يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُواْ مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ ﴾ وإنما غلظ بهذا الوعيد لما في طباع النفوس من الشح بالأموال ليسهل لهم تغليظ الوعيد إخراجها في الحقوق.
﴿إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض منها أربعة حرم ذلك الدين القيم فلا تظلموا فيهن أنفسكم وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة واعلموا أن الله مع المتقين﴾ قوله عز وجل ﴿إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شهْراً﴾ يعني شهور السنة، وإنما كانت اثني عشر شهراً لموافقة الأهلة ولنزول الشمس والقمر في اثني عشر برجاً يجريان فيها على حساب متفق كما قال الله تعالى ﴿الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ﴾ [الرحمن: ٥]. ﴿... مِنْهَآ أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ﴾ يعني أن من الاثني عشر شهراً أربعة حرم، يعني
359
بالحرم تعظيم انتهاك المحارم فيها، وهو ما رواه صدقة بن يسار عن ابن عمر قال: خطب رسول الله ﷺ في حجة الوداع بمنى في وسط أيام التشريق فقال: (أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ الزَّمَانَ قَدِ اسْتَدَارَ فَهُوَ اليَومُ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَواتِ وَالأَرْضَ وَإِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهراً مِنهَا أَرْبَعَةٌ حَرُمٌ، أَوّلُهُنَّ رَجَبُ مُضَرَ بيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ وَذُو الْقِعْدَةِ وَذُو الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمُ). ﴿ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ﴾ فيه وجهان: أحدهما: أي ذلك الحساب الصحيح والعدد المستوفي، قاله ابن قتيبة. والثاني: يعني القضاء الحق المستقيم، قاله الكلبي. ﴿فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ﴾ فيه أربعة أوجه: أحدها: فلا تظلموها بمعاصي الله تعالى في الشهور الاثني عشر كلها، قاله ابن عباس. والثاني: فلا تظلموها بمعاصي الله في الأربعة الأشهر، قاله قتادة. والثالث: فلا تظلموا أنفسكم في الأربعة الأشهر الحرم بإحلالها بعد تحريم الله تعالى لها، قاله الحسن وابن إسحاق. والرابع: فلا تظلموا فيها أنفسكم أي تتركوا فيها قتال عدوكم، قاله ابن بحر. فإن قيل: فلم جعل بعض الشهور أعظم حرمة من بعض؟ قيل: ليكون كفهم فيها عن المعاصي ذريعة إلى استدامة الكف في غيرها توطئة للنفس على فراقها مصلحة منه في عباده ولطفاً بهم.
360
﴿إنما النسيء زيادة في الكفر يضل به الذين كفروا يحلونه عاما ويحرمونه عاما ليواطئوا عدة ما حرم الله فيحلوا ما حرم الله زين لهم سوء أعمالهم والله لا يهدي القوم الكافرين﴾
360
قوله عز وجل ﴿إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ... ﴾ أما النسيء في الأشهر فهو تأخيرها، مأخوذ من بيع النسيئة، ومنه قوله تعالى ﴿مَا نَنسَخُ مِنْءَايَةٍ أَوْنُنسِهَا﴾ أي نؤخرها. وفي نَسْء الأشهر قولان. أحدهما: أنهم كانوا يؤخرون السنة أحد عشر يوماً حتى يجعلوا المحرم صفراً، قاله ابن عباس. والثاني: أنهم كانوا يؤخرون الحج في كل سنتين شهراً. قال مجاهد: فحج المسلمون في ذي الحجة عامين، ثم حجوا في المحرم عامين: ثم حجوا في صفر عامين، ثم في ذي القعدة عامين الثاني منهما حجة أبي بكر قبل حجة النبي ﷺ من قابل في ذي الحجة فذلك حين يقول: (إِنَّ الزَّمَانَ قَدِ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ) وكان المنادى بالنسيء في الموسم: من بني كنانة على ما حكاه أبو عبيدة، وقال شاعرهم عمير بن قيس:
(ألسنا الناسئين على مَعَدٍّ شهور الحل نجعلُها حَراماً)
واختلف في أول من نسأ الشهور منهم، فقال الزبير بن بكار: أول من نسأ الشهور نعيم بن ثعلبة بن الحارث ابن مالك بن كنانة. وقال أيوب بن عمر الغفاري: أول من نسأ الشهور القَلمّس الأكبر وهو عدي بن عامر بن ثعلبة بن الحارث بن مالك بن كنانة، وآخر من نسأ الشهور أبو ثمامة جنادة بن عوف إلى أن نزل هذا التحريم سنة عشر وكان ينادي إني أنسأ الشهور في كل عام، ألا أن أبا ثمامة لا يجاب ولا يعاب، فحرم الله سبحانه بهذه الآية النسيء وجعله زيادة في الكفر.
361
ثم قال تعالى ﴿... لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ﴾ أي ليوافقوا فحرموا أربعة أشهر كما حرم الله تعالى أربعة أشهر. ﴿زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ﴾ فيه وجهان: أحدهما: أن الله تعالى زينها بالشهرة لها والعلامة المميزة بها لتجتنب. الثاني: أن أنفسهم والشيطان زين لهم ذلك بالتحسين والترغيب ليواقعوها، وهو معنى قول الحسن. وفي ﴿سُوءُ أَعْمَالِهِمْ﴾ ها هنا وجهان: أحدهما: أنه ما قدمه من إحلالهم ما حرم الله تعالى وتحريمهم ما أحله الله. الثاني: أنه الرياء، قاله جعفر بن محمد.
362
﴿يا أيها الذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما ويستبدل قوما غيركم ولا تضروه شيئا والله على كل شيء قدير﴾ قوله عز وجل ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلتُمْ إِلَى الأَرْضِ﴾ قال الحسن ومجاهد: دُعوا إلى غزوة تبوك فتثاقلوا فنزل ذلك فيهم. وفي قوله ﴿اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ﴾ ثلاثة أوجه: أحدها: إلى الإقامة بأرضكم ووطنكم. والثاني: إلى الأرض حين أخرجت الثمر والزرع. قال مجاهد: دعوا إلى ذلك أيام إدراك النخل ومحبة القعود في الظل. الثالث: اطمأننتم إلى الدنيا، فسماها أرضاً لأنها فيها، وهذا قول الضحاك. وقد بينه قوله تعالى ﴿أَرَضِيتُم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الأَخَرَةِ﴾ يعني بمنافع الدنيا بدلاً من ثواب الآخرة.
362
والفرق بين الرضا والإرادة أن الرضا لما مضى، والإرادة لما يأتي. ﴿فَمَا مَتَاعُ الَْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الأخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ﴾ لانقطاع هذا ودوام ذاك. قوله عز وجل ﴿إِلاَّ تَنفِرُواْ﴾ يعني في الجهاد. ﴿يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً﴾ قال ابن عباس: احتباس القطر عنهم هو العذاب الأليم الذي أوعدتم ويحتمل أن يريد بالعذاب الأليم أن يظفر بهم أعداؤهم. ﴿وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ﴾ يعني ممن ينفر إذا دُعي ويجيب إذا أُمر. ﴿وَلاَ تَضُرُّوهُ شَيْئاً﴾ فيه وجهان: أحدهما: ولا تضروا الله بترك النفير، قاله الحسن. والثاني: ولا تضرّوا الرسول، لما تكفل الله تعالى به من نصرته، قاله الزجاج.
363
قوله عز وجل :﴿ إِلاَّ تَنفِرُواْ ﴾ يعني في الجهاد.
﴿ يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً ﴾ قال ابن عباس : احتباس القطر عنهم هو العذاب الأليم الذي أوعدتم ويحتمل أن يريد بالعذاب الأليم أن يظفر بهم أعداؤهم.
﴿ وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ﴾ يعني ممن ينفر إذا دُعي ويجيب إذا أُمر.
﴿ وَلاَ تَضُرُّوهُ شَيْئاً ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : ولا تضروا الله بترك النفير، قاله الحسن.
والثاني : ولا تضرّوا الرسول، لما تكفل الله تعالى به من نصرته، قاله الزجاج.
﴿إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا والله عزيز حكيم﴾ قوله تعالى ﴿إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ﴾ يعني إلا تنصروا أيها الناس النبي ﷺ بالنفير معه وذلك حين استنفرهم إلى تبوك فتقاعدوا فقد نصره الله. ﴿إِذْ أَخَرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ﴾ يعني من مكة ولم يكن معه من يحامي عنه ويمنع منه إلا الله تعالى، ليعلمهم بذلك أن نصره نبيه ليس بهم فيضره انقطاعهم وقعودهم، وإنما هو من قبل الله تعالى فلم يضره قعودهم عنه. وفي قوله ﴿فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ﴾ وجهان: أحدهما: بإرشاده إلى الهجرة حتى أغناه عن معونتهم. والثاني: بما تكفل به من إمداده بملائكته.
363
﴿ثَانِيَ اثْنَيْنِ﴾ أي أحد اثنين، وللعرب في هذ مذهب أن تقول خامس خمسة أي أحد خمسة. ﴿إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ﴾ يعني النبي ﷺ وأبا بكر حين خرجا من مكة دخلا غاراً في جبل ثور ليخفيا على من خرج من قريش في طلبهم. والغار عمق في الجبل يدخل إليه. قال مجاهد: مكث رسول الله ﷺ في الغار مع أبي بكر ثلاثاً. قال الحسن: جعل الله على باب الغار ثمامة وهي شجرة صغيرة، وقال غيره: ألهمت العنكبوت فنسجت على باب الغار. وذهب بعض المتعمقة في غوامض المعاني إلى أن قوله تعالى ﴿إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ﴾ أي في غيرة على ما كانوا يرونه من ظهور الكفر فغار على دين ربه. وهو خلاف ما عليه الجمهور. ﴿إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبهِ لاَ تَحْزَنْ﴾ يريد أن النبي ﷺ قال لصاحبة أبي بكر (لا تَحْزَنْ) فاحتمل قوله ذلك له وجهين: أحدهما: أن يكون تبشيراً لأبي بكر بالنصر من غير أن يظهر منه حزن. والثاني: أن يكون قد ظهر منه حزن فقال له ذلك تخفيفاً وتسلية. وليس الحزن خوفاً وإنما هو تألم القلب بما تخيله من ضعف الدين بعد الرسول فقال له النبي ﷺ (لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا) أي ناصرنا على أعدائنا. ﴿... فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ﴾ فيها قولان: أحدهما: على النبي ﷺ، قاله الزجاج. والثاني: على أبي بكر لأن الله قد أعلم نبيه بالنصر. وفي السكينة أربعة أقاويل: أحدها: أنها الرحمة، قاله ابن عباس. والثاني: أنها الطمأنينة، قاله الضحاك. والثالث: الوقار، قاله قتادة.
364
والرابع: أنها شيء يسكن الله به قلوبهم، قاله الحسن وعطاء. ﴿وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا﴾ فيه وجهان: أحدهما: بالملائكة. والثاني: بالثقة بوعده واليقين بنصره. وفي تأييده وجهان: أحدهما: إخفاء أثره في الغار حين طلب. والثاني: المنع من التعرض له حين هاجر. ﴿وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُواْ الْسُّفْلَى﴾ يحتمل وجهين: أحدهما: بانقطاع الحجة. والثاني: جعل كلمة الذين كفروا السفلى بذُلّ الخوف، وكلمة الله هي العليا بعز الظفر.
﴿وَكَلِمَةُ اللهِ هيَ العُلْيَا﴾ بظهور الحجة.
365
﴿انفروا خفافا وثقالا وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون﴾ قوله عز وجل ﴿انفِرُواْ خِفَافاً وثِقَالاً﴾ فيه عشرة تأويلات: أحدها: يعني شباباً وشيوخاً، قاله الحسن وعكرمة ومجاهد. والثاني: في اليسر والعسر فقراء وأغنياء، قاله أبو صالح. والثالث: مشاغيل وغير مشاغيل، قاله الحكم. والرابع: نشاطاً وغير نشاط، قاله ابن عباس وقتادة. والخامس: ركباناً ومشاة، قاله أبو عمرو الأوزاعي. والسادس: ذا صنعة وغير ذي صنعة، قاله ابن زيد. والسابع: ذا عيال وغير ذي عيال، قاله زيد بن أسلم. والثامن: أصحاء وغير أصحاء ومرضى، قاله جويبر.
365
والتاسع: على خفة البعير وثقله، قاله علي بن عيسى والطبري. والعاشر: خفافاً إلى الطاعة وثقالاً عن المخالفة. ويحتمل حادي عشر: خفافاً إلى المبارزة، وثقالاً في المصابرة. ﴿وَجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾ أما الجهاد بالنفس فمن فروض الكفايات إلا عند هجوم العدو فيصير متعيناً. وأما بالمال فبزاده وراحلته إذا قدر على الجهاد بنفسه، فإن عجز عنه بنفسه فقد ذهب قوم إلى أن بذل المال يلزم بدلاً عن نفسه. وقال جمهورهم: لا يجب لأن المال في الجهاد تبع النفس إلا سهم سبيل الله من الزكاة. ﴿ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ﴾ فيه وجهان: أحدهما: أن الجهاد خير لكم من تركه إلى ما أبيح من القعود عنه. والثاني: معناه أن الخير في الجهاد لا في تركه. ﴿إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ فيه وجهان: أحدهما: إن كنتم تعلمون صدق الله تعالى فيما وعد به من ثوابه وجنته. والثاني: إن كنتم تعلمون أن الخير في الجهاد. ويحتمل وجهاً ثالثاً: إن كنتم تعلمون أن لله تعالى يريد لكم الخير.
366
﴿لو كان عرضا قريبا وسفرا قاصدا لاتبعوك ولكن بعدت عليهم الشقة وسيحلفون بالله لو استطعنا لخرجنا معكم يهلكون أنفسهم والله يعلم إنهم لكاذبون﴾
366
قوله عز وجل ﴿لَوْ كَانَ عَرَضاً قَرِيباً﴾ أي لو كان الذي دُعيتم إليه عرضاً قريباً. وفيه وجهان: أحدهما: يعني بالعرض ما يعرض من الأمور السهلة. والثاني: يعني الغنيمة. ﴿وَسَفَراً قَاصِداً﴾ أي سهلاً مقتصداً. ﴿لاَّتَّبُعُوكَ﴾ يعني في الخروج معك. ﴿وَلَكِنْ بَعْدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ﴾ والشقة هي القطعة من الأرض التي يشق ركوبها على صاحبها لبعدها. ﴿وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ﴾ يحتمل وجهين: أحدهما: لو استطعنا فراق أوطاننا وترك ثمارنا. والثاني: لو استطعنا مالاً نستمده ونفقةً نخرج بها لخرجنا معكم في السفر الذي دعوا إليه فتأخروا عنه وهو غزوة تبوك. ثم جاءوا بعد ذلك يحلفون بما أخبر الله عنهم من أنهم لو استطاعوا لخرجوا تصديقاً لقوله تعالى وتصحيحاً لرسالة نبيه صلى الله عليه وسلم. ﴿يُهْلِكُونَ أَنفُسَهُمْ﴾ يحتمل وجهين: أحدهما: يهلكون أنفسهم باليمين الكاذبة. والثاني: يهلكون أنفسهم بالتأخر عن الإجابة.
367
{عفا الله عنك لم أذنت لهم حتى يتبين لك الذين صدقوا وتعلم الكاذبين لا يستأذنك الذين يؤمنون بالله واليوم الآخر أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم والله عليم بالمتقين إنما يستأذنك الذين لا يؤمنون بالله واليوم الآخر وارتابت قلوبهم فهم في ريبهم يترددون ولو أرادوا الخروج لأعدوا له عدة ولكن كره الله انبعاثهم فثبطهم وقيل اقعدوا مع القاعدين لو خرجوا
367
فيكم ما زادوكم إلا خبالا ولأوضعوا خلالكم يبغونكم الفتنة وفيكم سماعون لهم والله عليم بالظالمين} قوله عز وجل ﴿وَلَوْ أَرَادُواْ الْخُرُوجَ لأَعَدُّواْ لَهُ عُدَّةً﴾ فيه وجهان: أحدهما: صدق العزم ونشاط النفس. والثاني: الزاد والراحلة في السفر، ونفقة الأهل في الحضر. ﴿وَلَكِن كَرِهَ اللَّهُ انْبَِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ﴾ وإنما كره انبعاثهم لوقوع الفشل بتخاذلهم كعبد الله بن أبي بن سلول، والجد بن قيس. ﴿وَقِيلَ اقْعُدُواْ مَعَ الْقَاعِدِينَ﴾ فيه وجهان: أحدهما: مع القاعدين بغير عذر، قاله الكلبي. والثاني: مع القاعدين بعذر من النساء والصبيان، حكاه علي بن عيسى. وفي قائل ذلك قولان: أحدهما: أنه النبي ﷺ، غضباً عليهم، لعلمه بذلك منهم. والثاني: أنه قول بعضهم لبعض. قوله عز وجل ﴿لَوْ خَرَجُواْ فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً﴾ يعني اضطراباً حكاه ابن عيسى. والثاني: فساداً، قاله ابن عباس. فإن قيل: فلم يكونوا في خبال فيزدادوا بهؤلاء الخارجين خبالاً. قيل هذا من الاستثناء المنقطع، وتقديره: ما زادوكم قوة، ولكن أوقعوا بينكم خبالاً. ﴿وَلأَوْضَعُواْ خِلاَلَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ﴾ أما الإيضاع فهو إسراع السير، ومنه قول الراجز:
(يا ليتني فيها جذع... أخُبّ فيها وأضَعْ)
368
وأما الخلال فهو من تخلل الصفوف وهي الفُرَج تكون فيها، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: (تَرَاصُّوا فِي الصُّفُوفِ وَلاَ يَتَخَلَّلْكُمْ، كَأَولاَدِ الحذف يَعْنِي الشَّيَاطِينَ) والخلال هو الفساد، وفيه ها هنا وجهان: أحدهما: لأسرعوا في إفسادكم. والثاني: لأوضعوا الخلف بينكم. وفي الفتنة التي يبغونها وجهان: أحدهما: الكفر. والثاني: اختلاف الكلمة وتفريق الجماعة. ﴿وَفِيكُمْ سّمَّاعُونَ لَهُمْ﴾ وفيهم ثلاثة أقاويل: أحدها: وفيكم من يسمع كلامهم ويطيعهم، قاله قتادة وابن إسحاق. والثاني: وفيكم عيون منكم ينقلون إلى المشركين أخباركم، قاله الحسن.
369
قوله عز وجل :﴿ وَلَوْ أَرَادُواْ الْخُرُوجَ لأَعَدُّواْ لَهُ عُدَّةً ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : صدق العزم ونشاط النفس.
والثاني : الزاد والراحلة في السفر، ونفقة الأهل في الحضر. ﴿ وَلَكِن كَرِهَ اللَّهُ انْبَِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ ﴾ وإنما كره انبعاثهم لوقوع الفشل بتخاذلهم كعبد الله بن أبي بن سلول، والجد بن قيس.
﴿ وَقِيلَ اقْعُدُواْ مَعَ الْقَاعِدِينَ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : مع القاعدين بغير عذر، قاله الكلبي.
والثاني : مع القاعدين بعذر من النساء والصبيان، حكاه علي بن عيسى. وفي قائل ذلك قولان :
أحدهما : أنه النبي صلى الله عليه وسلم، غضباً عليهم، لعلمه بذلك منهم.
والثاني : أنه قول بعضهم لبعض.
قوله عز وجل :﴿ لَوْ خَرَجُواْ فِيكُم ما زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً ﴾ يعني اضطراباً حكاه ابن عيسى.
والثاني : فساداً، قاله ابن عباس.
فإن قيل : فلم يكونوا في خبال فيزدادوا بهؤلاء الخارجين خبالاً.
قيل هذا من الاستثناء المنقطع، وتقديره : ما زادوكم قوة، ولكن أوقعوا بينكم خبالاً.
﴿ وَلأَوْضَعُواْ خِلاَلَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ ﴾ أما الإيضاع فهو إسراع السير، ومنه قول الراجز١ :
يا ليتني فيها جذع *** أخُبّ٢ فيها وأضَعْ
وأما الخلال فهو من تخلل الصفوف وهي الفُرَج تكون فيها، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم :" تَرَاصُّوا فِي الصُّفُوفِ وَلاَ يَتَخَلَّلْكُمْ، كَأَولاَدِ الحذف٣ يَعْنِي الشَّيَاطِينَ " والخلال هو الفساد، وفيه هاهنا وجهان :
أحدهما : لأسرعوا في إفسادكم.
والثاني : لأوضعوا الخلف بينكم.
وفي الفتنة التي يبغونها وجهان :
أحدهما : الكفر.
والثاني : اختلاف الكلمة وتفريق الجماعة.
﴿ وَفِيكُمْ سمَّاعُونَ لَهُمْ ﴾ وفيهم ثلاثة أقاويل :
أحدها : وفيكم من يسمع كلامهم ويطيعهم، قاله قتادة وابن إسحاق.
والثاني : وفيكم عيون منكم ينقلون إلى المشركين أخباركم، قاله الحسن.
١ هو دريد بن الصمة كما في اللسان..
٢ الماضي خب من باب نصر ومصدره الخبب وهو ضرب من الجري، وخب الفرس واختب في عدوه إذا رواح بين يديه ورجليه..
٣ الحذف: غنم سود ضغار تكون باليمن والحجاز. والحديث أخرجه بألفاظ مشابهة أحمد (نيلي الأوطار ٣/٢١٣)..
﴿لقد ابتغوا الفتنة من قبل وقلبوا لك الأمور حتى جاء الحق وظهر أمر الله وهم كارهون﴾ قوله عز وجل ﴿لَقَدْ ابْتَغَؤا الْفِتْنَةَ مِن قَبْلُ﴾ يعين إيقاع الخلاف وتفريق الكلمة. ﴿وَقَلَّبُواْ لَكَ الأُمُورَ﴾ يحتمل أربعة أوجه: أحدها: معاونتهم في الظاهر وممالأة المشركين في الباطن. والثاني: قولهم بأفواههم ما ليس في قلوبهم. والثالث: توقع الدوائر وانتظار الفرص. والرابع: حلفهم بالله لو استطعنا لخرجنا معكم.
369
﴿حَتَّى جَآءَ الْحَقُّ﴾ يعني النصر. ﴿وَظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ﴾ يعني الدين. ﴿وَهُمْ كَارِهُونَ﴾ يعني النصر وظهور الدين.
370
﴿ومنهم من يقول ائذن لي ولا تفتني ألا في الفتنة سقطوا وإن جهنم لمحيطة بالكافرين﴾ قوله عز وجل ﴿وَمِنْهُم مَّن يَقُولُ ائْذَن لِّي﴾ يعني في التأخر عن الجهاد. ﴿وَلاَ تَفْتِنِّي﴾ فيه ثلاثة أوجه: أحدها: لا تكسبني الإثم بالعصيان في المخالفة، قاله الحسن وقتادة وأبو عبيدة والزجاج. والثاني: لا تصرفني عن شغلي، قاله ابن بحر. والثالث: أنها نزلت في الجد بن قيس قال: ائذن لي ولا تفتني ببنات بني الأصفر فإني مشتهر بالنساء، قاله ابن عباس ومجاهد وابن زيد. ﴿أَلاَ فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُواْ﴾ فيها وجهان: أحدهما: في عذاب جهنم لقوله تعالى: ﴿وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ﴾ والثاني: في محنة النفاق وفتنة الشقاق.
﴿إن تصبك حسنة تسؤهم وإن تصبك مصيبة يقولوا قد أخذنا أمرنا من قبل ويتولوا وهم فرحون قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا هو مولانا وعلى الله فليتوكل المؤمنون﴾ قوله عز وجل ﴿إِن تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ﴾ يعني بالحسنة النصر. ﴿وَإِن تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُواْ قَدْ أَخَذْنَآ أَمْرَنَا مِن قَبْلُ﴾ أي أخذنا حذرنا فسلمنا. ﴿وَيَتَوَلَّواْ وَّهُمْ فَرِحُونَ﴾ أي بمصيبتك وسلامتهم. قال الكلبي: عنى بالحسنة النصر يوم بدر، وبالمصيبة النكبة يوم أحد.
370
قوله عز وجل ﴿قُل لَّن يُصِيبَنَآ إِلاَّ مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا﴾ فيه وجهان: أحدهما: إلا ما كتب الله لنا في اللوح المحفوظ أنه يصيبنا من خير أو شر، لا أن ذلك بأفعالنا فنذمّ أو نحمد، وهو معنى قول الحسن. والثاني: إلا ما كتب الله لنا في عاقبة أمرنا أنه ينصرنا ويعز دينه بنا. ﴿هُوَ مَوْلاَنَا﴾ فيه وجهان: أحدهما: مالكنا. والثاني: حافظنا وناصرنا. ﴿وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾ أي على معونته وتدبيره.
371
قوله عز وجل :﴿ قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : إلا ما كتب الله لنا في اللوح المحفوظ أنه يصيبنا من خير أو شر، لا أن ذلك بأفعالنا فنذمّ أو نحمد، وهو معنى قول الحسن.
والثاني : إلا ما كتب الله لنا في عاقبة أمرنا أنه ينصرنا ويعز دينه بنا.
﴿ هُوَ مَوْلاَنَا ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : مالكنا.
والثاني : حافظنا وناصرنا.
﴿ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ﴾ أي على معونته وتدبيره.
﴿قل هل تربصون بنا إلا إحدى الحسنيين ونحن نتربص بكم أن يصيبكم الله بعذاب من عنده أو بأيدينا فتربصوا إنا معكم متربصون قل أنفقوا طوعا أو كرها لن يتقبل منكم إنكم كنتم قوما فاسقين وما منعهم أن تقبل منهم نفقاتهم إلا أنهم كفروا بالله وبرسوله ولا يأتون الصلاة إلا وهم كسالى ولا ينفقون إلا وهم كارهون﴾ قوله عز وجل ﴿قُلْ هَلْ تَربَّصُونَ بِنَآ إِلاَّ إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ﴾ يعني النصر أو الشهادة وكلاهما حسنة لأن في النصر ظهور الدين، وفي الشهادة الجنة. ﴿وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَن يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِّنْ عِندِهِ﴾ يحتمل وجهين: أحدهما: عذاب الاستئصال في الدنيا. والثاني: عقاب العصيان في الآخرة. ﴿أَوْ بِأَيْدِينَا﴾ يعني بقتل الكافر عند الظفر والمنافق مع الإذن فيه.
{فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم إنما يريد الله ليعذبهم بها في الحياة الدنيا وتزهق أنفسهم وهم كافرون ويحلفون بالله إنهم لمنكم
371
وما هم منكم ولكنهم قوم يفرقون لو يجدون ملجأ أو مغارات أو مدخلا لولوا إليه وهم يجمحون} قوله عز وجل ﴿فَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُم وَلآ أَوْلاَدُهُمْ... ﴾ فيه خمسة أقاويل: أحدها: فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم في الحياة الدنيا إنما يريد الله ليعذبهم بها في الآخرة، قاله ابن عباس وقتادة ويكون فيه تقديم وتأخير. والثاني: إنما يريد الله ليعذبهم بما فرضه من الزكاة في أموالهم، يعني المنافقين. وهذا قول الحسن. والثالث: ليعذبهم بمصائبهم في أموالهم أولادهم، قاله ابن زيد. والرابع: ليعذبهم ببني أولادهم وغنيمة أموالهم، يعني المشركين، قاله بعض المتأخرين. والخامس: يعذبهم بجمعها وحفظها وحبها والبخل بها والحزن عليها، وكل هذا عذاب. ﴿وَتَزْهَقَ أَنفُسُهمْ﴾ أي تهلك بشدة، من قوله تعالى ﴿وَقُلْ جَآءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ﴾ [الإٍسراء: ٨١]. قوله عز وجل ﴿لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً أَوْ مَغَارَاتٍ... ﴾ الآية، أما الملجأ ففيه أربعة أوجه: أحدها: أنه الحرز، قاله ابن عباس. والثاني: الحصن، قاله قتادة. والثالث: الموضع الحريز من الجبل، قاله الطبري. والرابع: المهرب، قاله السدي. ومعاني هذه كلها متقاربة. وأما المغارات ففيها وجهان:
372
أحدهما: أنها الغيران في الجبال، قاله ابن عباس. والثاني: المدخل الساتر لمن دخل فيه، قاله علي بن عيسى. وأما المدَّخل ففيه وجهان: أحدهما: أنه السرب في الأرض، قاله الطبري. والثاني: أنه المدخل الضيق الذي يدخل فيه بشدة. ﴿لَوَلَّوْا إِلَيْهِ﴾ يعني هرباً من القتال وخذلاناً للمؤمنين. ﴿وَهُمْ يَجْمَحُونَ﴾ أي يسرعون، قال مهلهل:
373
قوله عز وجل :﴿ لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً أَوْ مَغَارَاتٍ. . . ﴾ الآية، أما الملجأ ففيه أربعة١ أوجه :
أحدها : أنه الحرز، قاله ابن عباس.
والثاني : الحصن، قاله قتادة.
والثالث : الموضع الحريز من الجبل، قاله الطبري.
والرابع٢ : المهرب، قاله السدي. ومعاني هذه كلها متقاربة. وأما المغارات ففيها وجهان :
أحدهما : أنها الغيران في الجبال، قاله ابن عباس.
والثاني : المدخل الساتر لمن دخل فيه، قاله علي بن عيسى.
وأما المدَّخل ففيه وجهان :
أحدهما : أنه السرب في الأرض، قاله الطبري.
والثاني : أنه المدخل الضيق الذي يدخل فيه بشدة.
﴿ لَوَلَّوْا إِلَيْهِ ﴾ يعني هرباً من القتال وخذلاناً للمؤمنين.
﴿ وَهُمْ يَجْمَحُونَ ﴾ أي يسرعون، قال مهلهل :
(لقد جمحت جماحاً في دمائهم حتى رأيت ذوي أحسابهم خمدوا)
لقد جمحت جماحاً في دمائهم حتى رأيت ذوي أحسابهم خمدوا
١ في ق ثلاثة أوجه..
٢ سقط من ق..
﴿ومنهم من يلمزك في الصدقات فإن أعطوا منها رضوا وإن لم يعطوا منها إذا هم يسخطون ولو أنهم رضوا ما آتاهم الله ورسوله وقالوا حسبنا الله سيؤتينا الله من فضله ورسوله إنا إلى الله راغبون﴾ قوله عز وجل ﴿وَمِنْهُم مَّن يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ... ﴾ الآية، فيه قولان: أحدهما: أنه ثعلبة بن حاطب كان يقول: إنما يعطي محمد من يشاء ويتكلم بالنفاق فإن أعطي رضي وإن منع سخط، فنزلت فيه الآية. الثاني: ما روى الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي سعيد الخدري قال: بينما رسول الله ﷺ يقسم قسماً إذ جاءه الخويصرة التميمي فقال: اعدْل يا رسول الله، فقال: (وَيْلَكَ وَمَنْ يَعْدِلْ إِن لَّمْ أَعْدِلْ)؟ (فقال عمر رضي الله عنه: يا رسول الله ائذن لي فأضرب عنقه، فقال) دَعْهُ (. فأنزل الله تعالى ﴿وَمِنْهُم مَّن يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ﴾ الآية. وفي معنى يلمزك ثلاثة أوجه:
373
أحدها: يروزك ويسألك، قاله مجاهد. والثاني: يغتابك، قاله ابن قتيبة. والثالث: يعيبك، قال رؤبة:
374
﴿إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم﴾ قوله عز وجل ﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرآءِ وَالْمَسَاكِينِ﴾ اختلف أهل العلم فيها على ستة أقاويل: أحدها: أن الفقير المحتاج المتعفف عن المسألة. والمسكين: المحتاج السائل، قاله ابن عباس والحسن وجابر وابن زيد والزهري ومجاهد وزيد. والثاني: أن الفقير هو ذو الزمانة من أهل الحاجة، والمسكين: هو الصحيح الجسم منهم، قاله قتادة. والثالث: أن الفقراء هم المهاجرون، والمساكين: غير المهاجرين، قاله الضحاك بن مزاحم وإبراهيم. والرابع: أن الفقير من المسلمين، والمسكين: من أهل الكتاب، قاله عكرمة. والخامس: أن الفقير الذي لا شيء له لأن الحاجة قد كسرت فقاره، والمسكين الذي له ما لا يكفيه لكن يسكن إليه، قاله الشافعي. وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ليس المسكين الذي لا مال له ولكن
374
المسكين الأخلق الكسب. قال ابن عليّة: الأخلق المحارف عندنا وقال الشاعر:
(قاربت بين عَنَقي وحجزي في ظل عصري باطلي ولمزي)
(لما رأى لُبَدُ النُّسور تطايرت رفع القوادم كالفقير الأعزل)
والسادس: أن الفقير الذي له ما لا يكفيه، والمسكين: الذي ليس له شيء يسكن إليه قاله أبو حنيفة. ثم قال ﴿وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا﴾ وهم السعاة المختصون بجبايتها وتفريقها قال الشاعر:
(إن السُّعاة عصوك حين بعثتهم لم يفعلوا مما أمرت فتيلا)
وليس الإمام من العاملين عليها ولا والي الإقليم. وفي قدر نصيبهم منها قولان: أحدهما: الثمن، لأنهم أحد الأصناف الثمانية، قال مجاهد والضحاك. والثاني: قدر أجور أمثالهم، قاله عبد الله بن عمر. ﴿وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ﴾ وهم قوم كان رسول الله ﷺ يتألفهم بالعطية، وهم صنفان: مسلمون ومشركون. فأما المسلمون فصنفان: صنف كانت نياتهم في الإسلام ضعيفة فتألفهم تقوية لنياتهم، كعقبة بن زيد وأبي سفيان بن حرب والأقرع بن حابس والعباس بن مرداس. وصنف آخر منهم كانت نياتهم في الإسلام حسنة فأعطوا تألفاً لعشائرهم من المشركين مثل عدي بن حاتم. ويعطي كِلا الصنفين من سهم المؤلفة قلوبهم. وأما المشركون فصنفان: صنف يقصدون المسلمين بالأذى فيتألفهم دفعاً
375
لأذاهم مثل عامر بن الطفيل، وصنف كان لهم ميل إلى الإسلام تألفهم بالعطية ليؤمنوا مثل صفوان بن أمية. وفي تألفهم بعد رسول الله ﷺ بالسهم المسمى لهم من الصدقات قولان: أحدهما: يعطونه ويتألفون به، قاله الحسن وطائفة. والثاني: يمنعون منه ولا يعطونه لإعزاز الله دينه عن تألفهم، قاله جابر، وكلا القولين محكي عن الشافعي. وقد روى حسان بن عطية قال: قال عمر رضي الله عنه وأتاه عيينة بن حصن يطلب من سهم المؤلفة قلوبهم فقال قد أغنى الله عنك وعن ضربائك ﴿وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَآءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَآءَ فَلْيَكْفُرْ﴾ ﴿الكهف: ٢٩) أي ليس اليوم مؤلفة. {وَفِي الرِّقابِ﴾ فيهم قولان: أحدهما: أنهم المكاتبون، قاله علي بن أبي طالب رضي الله عنه والشافعي. والثاني: أنهم عبيد يُشترون بهذا السهم قاله ابن عباس ومالك. ﴿وَاْلْغَارِمِينَ﴾ وهم الذين عليهم الدين يلزمهم غرمه، فإن ادّانوا في مصالح أنفسهم لم يعطوا إلا مع الفقر، وإن ادّانوا في المصالح العامة أعطوا مع الغنى والفقر. واختلف فيمن ادّان في معصية على ثلاثة أقاويل: أحدها لا يعطى لئلا يعان على معصية. والثاني: يعطى لأن الغرم قد وجب، والمعصية قد انقضت. والثالث: يعطى التائب منها ولا يعطى إن أصر عليها. ﴿وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾ هم الغزاة المجاهدون في سبيل الله يعطون سهمهم من الزكاة مع الغنى والفقر. ﴿وَابْنِ السَّبِيلِ﴾ فيه قولان: أحدهما: هو المسافر لا يجد نفقة سفره، يعطى منها وإن كان غنياً في بلده، وهو قول الجمهور. والثاني: أنه الضيف، حكاه ابن الأنباري.
376
{ومنهم الذين يؤذون النبي ويقولون هو أذن قل أذن خير لكم
376
يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين ورحمة للذين آمنوا منكم والذين يؤذون رسول الله لهم عذاب أليم} قوله عز وجل ﴿وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ﴾ أي يصغي إلى كل أحد، فيسمع منه، قال عدي بن زيد:
(أيها القلب تعلّل بددن إن همي من سماع وأذن)
﴿قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَّكُمْ﴾ أي يسمع الخير ويعمل به، لا أذن شر يفعله إذا سمعه. قال الكلبي: نزلت هذه الآية في جماعة من المنافقين كانوا يعيبون النبي ﷺ ويقولون فيه ما لا يجوز، فنزلت هذه الآية فيهم. وفي تأويلها وجهان: أحدهما: أنهم كانوا يعيبونه بأنه أذن يسمع جميع ما يقال له، فجعلوا ذلك عيباً فيه. والثاني: أنهم عابوه فقال أحدهم: كفوا فإني أخاف أن يبلغه فيعاقبنا، فقالوا: هو أُذن إذا أجبناه وحلفنا له صدقنا، فنسبوه بذلك إلى قبول العذر في الحق والباطل، قاله الكلبي ومقاتل. وقيل إن قائل هذا نفيل بن الحارث.
377
﴿يحلفون بالله لكم ليرضوكم والله ورسوله أحق أن يرضوه إن كانوا مؤمنين ألم يعلموا أنه من يحادد الله ورسوله فأن له نار جهنم خالدا فيها ذلك الخزي العظيم﴾ قوله عز وجل ﴿أَلَمْ يَعْلَمُواْ أَنَّهُ مَن يُحَادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ﴾ فيها ثلاثة أقوال:
377
أحدها: من يخالف الله ورسوله، قاله الكلبي. والثاني: مجاوزة حدودها، قاله علي بن عيسى. والثالث: أنها معاداتها مأخوذ من حديد السلاح لاستعماله في المعاداة، قاله ابن بحر. ﴿فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ﴾ وهذا وعيد، وإنما سميت النار جهنم من قول العرب بئر جهنام إذا كانت بعيدة القعر، فسميت نار الآخرة جهنم لبعد قعرها، قاله ابن بحر.
378
قوله عز وجل :﴿ أَلَمْ يَعْلَمُواْ أَنَّهُ مَن يُحَادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ ﴾ فيها ثلاثة أقوال١ :
أحدها : من يخالف الله ورسوله، قاله الكلبي.
والثاني : مجاوزة حدودها، قاله علي بن عيسى.
والثالث : أنها معاداتها مأخوذ من حديد السلاح لاستعماله في المعاداة، قاله ابن بحر.
﴿ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ ﴾ وهذا وعيد، وإنما سميت النار جهنم من قول العرب بئر جهنام إذا كانت بعيدة القعر، فسميت نار الآخرة جهنم لبعد قعرها، قاله ابن بحر.
١ في ق: فيها وجهان أحدهما..
﴿يحذر المنافقون أن تنزل عليهم سورة تنبئهم بما في قلوبهم قل استهزؤوا إن الله مخرج ما تحذرون﴾ ﴿يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ... ﴾ الآية، فيه وجهان: أحدهما: أنه إخبار من الله تعالى عن حذرهم، قاله الحسن وقتادة. والثاني: أنه أمر من الله تعالى لهم بالحذر، وتقديره ليحذر المنافقون، قاله الزجاج. وفي قوله تعالى ﴿... تُنَبِّئُهُم بِمَا فِي قُلُوبِهِم﴾ وجهان: أحدهما: ما أسرّوه من النفاق. والثاني: قولهم في غزوة تبوك: أيرجو هذا الرجل أن يفتح قصور الشام وحصونها؟ هيهات هيهات. فأطلع الله تعالى نبيّه ﷺ على ما قالوا، قاله الحسن وقتادة. ﴿قُلِ اسْتَهْزِئُواْ﴾ هذا ويعد خرج مخرج الأمر للتهديد. ﴿إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَّا تَحْذَرُونَ﴾ يحتمل وجهين: أحدهما: مظهر ما تسرون. والثاني: ناصر من تخذلون.
{ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزؤون لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم إن نعف عن طائفة منكم نعذب طائفة بأنهم كانوا مجرمين
378
المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف ويقبضون أيديهم نسوا الله فنسيهم إن المنافقين هم الفاسقون وعد الله المنافقين والمنافقات والكفار نار جهنم خالدين فيها هي حسبهم ولعنهم الله ولهم عذاب مقيم} قوله عز وجل ﴿الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُم مِّن بَعْضٍ﴾ يحتمل وجهين: أحدهما: أن بعضهم يجتمع مع بعض على النفاق. والثاني: أن بعضهم يأخذ نفاقه من بعضٍ. وقال الكلبي: بعضهم على دين بعض. ﴿يَأَمُرُونَ بِالْمُنكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ﴾ في المنكر والمعروف قولان: أحدهما: أن المنكر كل ما أنكره العقل من الشرك، والمعروف: كل ما عرفه العقل من الخير. والثاني: أن المعروف في كتاب الله تعالى كله الإيمان، والمنكر في كتاب الله تعالى كله الشرك، قاله أبو العالية. ﴿وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ﴾ فيه أربعة أقاويل: أحدها: يقبضونها عن الإنفاق في سبيل الله تعالى، قاله الحسن ومجاهد. والثاني: يقبضونها عن كل خير، قاله قتادة. والثالث: يقبضونها عن الجهاد مع النبي ﷺ، قاله بعض المتأخرين. والرابع: يقبضون أيديهم عن رفعها في الدعاء إلى الله تعالى. ﴿نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ﴾ أي تركوا أمره فترك رحمتهم. قال ابن عباس: كان المنافقون بالمدينة من الرجال ثلاثمائة، ومن النساء سبعين ومائة امرأة.
379
وروى مكحول عن أبي الدرداء أنه سأل رسول الله ﷺ عن صفة المنافق: فقال: (إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا اؤتُمِنَ خَانَ، وَإِذا وَعَدَ أَخلَفَ، وَإِذَ خَاصَمَ فَجَرَ، وَإِذَا عَاهَدَ نَقَضَ، لاَ يَأْتِي الصَّلاَةَ إِلاَّ دُبُراً وَلاَ يَذْكُرِ اللَّهَ إِلاَّ هَجْراً).
380
قوله عز وجل :﴿ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُم من بَعْضٍ ﴾ يحتمل وجهين :
أحدهما : أن بعضهم يجتمع مع بعض على النفاق.
والثاني : أن بعضهم يأخذ نفاقه من بعضٍ. وقال الكلبي : بعضهم على دين بعض.
﴿ يَأْمُرُونَ بِالْمُنكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ ﴾ في المنكر والمعروف قولان :
أحدهما : أن المنكر كل ما أنكره العقل من الشرك، والمعروف : كل ما عرفه العقل من الخير١.
والثاني : أن المعروف في كتاب الله تعالى كله الإيمان، والمنكر في كتاب الله تعالى كله الشرك، قاله أبو العالية.
﴿ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ ﴾ فيه أربعة أقاويل :
أحدها : يقبضونها عن الإنفاق في سبيل الله تعالى، قاله الحسن ومجاهد.
والثاني : يقبضونها عن كل خير، قاله قتادة.
والثالث : يقبضونها عن الجهاد مع النبي صلى الله عليه وسلم، قاله بعض المتأخرين.
والرابع : يقبضون أيديهم عن رفعها في الدعاء إلى الله تعالى.
﴿ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ ﴾ أي تركوا أمره فترك رحمتهم٢.
قال ابن عباس : كان المنافقون بالمدينة من الرجال ثلاثمائة، ومن النساء سبعين ومائة امرأة.
وروى مكحول عن أبي الدرداء أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صفة المنافق : فقال :" إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا اؤتُمِنَ خَانَ، وَإِذا وَعَدَ أَخلَفَ، وَإِذَ خَاصَمَ فَجَرَ، وَإِذَا عَاهَدَ نَقَضَ، لاَ يَأْتِي الصَّلاَةَ إِلاَّ دُبُراً وَلاَ يَذْكُرِ اللَّهَ إِلاَّ هَجْراً " ٣.
١ في ق تعليق يقول: هذا اعتقاد المعتزلة، والذي عليه جميع أهل السنة والجماعة أن المنكر ما أنكره الشرع، والمعروف كل ما عرفه الشرع.
أقول: وهذا شبيه باختلافهم في تعريف الحسن والقبح..

٢ وقيل تركهم الله في الحرمان والخذلان. وقال قتادة: نسيهم أي من الخير، فأما من الشر فلم ينسهم..
٣ رواه البخاري ومسلم في الإيمان..
﴿كالذين من قبلكم كانوا أشد منكم قوة وأكثر أموالا وأولادا فاستمتعوا بخلاقهم فاستمتعتم بخلاقكم كما استمتع الذين من قبلكم بخلاقهم وخضتم كالذي خاضوا أولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك هم الخاسرون﴾ قوله عز وجل ﴿... فَاسْتَمْتَعُواْ بِخَلاَقِهِمْ..﴾. قيل بنصيبهم من خيرات الدنيا. ويحتمل استمتاعهم باتباع شهواتهم. وفيه وجه ثالث: أنه استمتاعهم بدينهم الذي أصروا عليه. ﴿وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوآ﴾ فيه وجهان: أحدهما: في شهوات الدنيا. والثاني: في قول الكفر. وفيهم قولان: أحدهما: أنهم فارس والروم. والثاني: أنهم بنو اسرائيل.
{ألم يأتهم نبأ الذين من قبلهم قوم نوح وعاد وثمود وقوم إبراهيم وأصحاب مدين والمؤتفكات أتتهم رسلهم بالبينات فما
380
كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم وعد الله المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ومساكن طيبة في جنات عدن ورضوان من الله أكبر ذلك هو الفوز العظيم} قوله عز وجل ﴿.. وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ﴾ فيه وجهان: أحدهما: أن المساكن الطيبة قصور من اللؤلؤ والياقوت الأحمر والزبرجد الأخضر مبنية بهذه الجواهر. الثاني: أنها المساكن التي يطيب العيش فيها، وهو محتمل. وأما جنات عدن فيها خمسة أوجه: أحدها: أنها جنات خلود وإقامة، ومنه سمي المعدن لإقامة جوهره فيه، ومنه قول الأعشى:
(فإن تستضيفوا إلى حِلمِه تضافوا إلى راجح قد عدَن)
يعني ثابت الحلم. وهذا مروي عن ابن عباس. والثاني: أن جنات عدن هي جنات كروم وأعناب بالسريانية، وهذا مروي عن ابن عباس أيضاً. والثالث: أن عدن اسم لبطنان الجنة اي وسطها، قاله عبد الله بن مسعود. والرابع: أن عدن اسم قصر في الجنة، قاله عبد الله بن عمرو بن العاص والحسن.
381
والخامس: أن جنة عدن في السماء العليا لا يدخلها إلا نبيّ أو صديق أو شهيد أو إمام عدل. وجنة المأوى في السماء الدنيا تأوي إليها أرواح المؤمنين رواه معاذ بن جبل مرفوعاً.
382
قوله عز وجل :﴿. . . وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : أن المساكن الطيبة قصور من اللؤلؤ والياقوت الأحمر والزبرجد الأخضر مبنية بهذه الجواهر.
الثاني : أنها المساكن التي يطيب العيش فيها، وهو محتمل.
وأما جنات عدن فيها خمسة أوجه :
أحدها : أنها جنات خلود وإقامة، ومنه سمي المعدن لإقامة جوهره فيه، ومنه قول الأعشى :
فإن تستضيفوا إلى حِلمِه تضافوا إلى راجح قد عدَن
يعني ثابت الحلم. وهذا مروي عن ابن عباس.
والثاني : أن جنات عدن هي جنات كروم وأعناب بالسريانية، وهذا مروي عن ابن عباس أيضاً.
والثالث : أن عدن اسم لبطنان الجنة أي وسطها، قاله عبد الله بن مسعود. والرابع : أن عدن اسم قصر في الجنة، قاله عبد الله بن عمرو بن العاص والحسن.
والخامس : أن جنة عدن في السماء العليا لا يدخلها إلا نبيّ أو صديق أو شهيد أو إمام عدل.
وجنة المأوى في السماء الدنيا تأوي إليها أرواح المؤمنين رواه معاذ بن جبل مرفوعاً١.
١ في ق جاء مكان الوجه الخامس قوله: إنه اسم نهر في الجنة..
﴿يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم ومأواهم جهنم وبئس المصير يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم وهموا بما لم ينالوا وما نقموا إلا أن أغناهم الله ورسوله من فضله فإن يتوبوا يك خيرا لهم وإن يتولوا يعذبهم الله عذابا أليما في الدنيا والآخرة وما لهم في الأرض من ولي ولا نصير﴾ قوله عز وجل ﴿يَآ أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ﴾ أما جهاد الكفار فبالسيف وأما جهاد المنافقين ففيه ثلاثة أقاويل: أحدها: جهادهم بيده، فإن لم يستطع فبلسانه وقلبه، فإن لم يستطع فليكفهر في وجوههم، قاله ابن مسعود. والثاني: جهادهم باللسان، وجهاد الكفار بالسيف، قاله ابن عباس.
382
والثالث: أن جهاد الكفار بالسيف، وجهاد المنافقين بإقامة الحدود عليهم، قاله الحسن وقتادة. وكانوا أكثر من يصيب الحدود. ﴿وَاغْلُظْ عَلَيْهِمُ﴾ يحتمل وجهين: أحدهما: تعجيل الانتقام منهم. والثاني: ألا يصدق لهم قولاً، ولا يبر لهم قسماً. قوله عز وجل ﴿يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُواْ﴾ فيهم ثلاثة أقاويل: أحدها: أنه الجلاس بن سويد بن الصامت، قال: إن كان ما جاء به محمد حقاً فنحن شر من الحمير، ثم حلف أنه ما قال، وهذا قول عروة ومجاهد وابن إسحاق. والثاني: أنه عبد الله بن أبي بن سلول. قال: لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل، قاله قتادة. والثالث: أنهم جماعة من المنافقين قالوا ذلك، قاله الحسن. ﴿وَلَقَدْ قَالُواْ كَلِمَةَ الْكُفْرِ﴾ يعني ما أنكروه مما قدمنا ذكره تحقيقاً لتكذيبهم فيما أنكروه وقيل بل هو قولهم إن محمداً ليس بنبي. ﴿وَكَفَرُواْ بَعْدَ إسلامهم﴾ يحتمل وجهين: أحدهما: كفروا بقلوبهم بعد أن آمنوا بأفواههم. والثاني: جرى عليهم حكم الكفر بعد أن جرى عليهم حكم الإيمان. ﴿وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُواْ﴾ فيه ثلاثة أقاويل: أحدها: أن المنافقين هموا بقتل الذي أنكر عليهم، قاله مجاهد. والثاني: أنهم هموا بما قالوه ﴿لَئِن رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينةِ ليُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنهَا الأَذَلَّ﴾ وهذا قول قتادة. والثالث: أنهم هموا بقتل النبي ﷺ، وهذا مروي عن مجاهد أيضاً وقيل إنه كان ذلك في غزوة تبوك.
383
قوله عز وجل :﴿ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُواْ ﴾ فيهم ثلاثة أقاويل :
أحدها : أنه الجلاس بن سويد بن الصامت، قال : إن كان ما جاء به محمد حقاً فنحن شر من الحمير، ثم حلف أنه ما قال، وهذا قول عروة ومجاهد وابن إسحاق.
والثاني : أنه عبد الله بن أبي بن سلول. قال : لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل، قاله قتادة.
والثالث : أنهم جماعة من المنافقين قالوا ذلك، قاله الحسن.
﴿ وَلَقَدْ قَالُواْ كَلِمَةَ الْكُفْرِ ﴾ يعني ما أنكروه مما قدمنا ذكره تحقيقاً لتكذيبهم فيما أنكروه وقيل بل هو قولهم إن محمداً ليس بنبي.
﴿ وَكَفَرُواْ بَعْدَ إسلامهم ﴾ يحتمل وجهين :
أحدهما : كفروا بقلوبهم بعد أن آمنوا بأفواههم.
والثاني : جرى عليهم حكم الكفر بعد أن جرى عليهم حكم الإيمان.
﴿ وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُواْ ﴾ فيه ثلاثة أقاويل :
أحدها : أن المنافقين هموا بقتل الذي أنكر عليهم، قاله مجاهد.
والثاني : أنهم هموا بما قالوه ﴿ لَئِن رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينةِ ليُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنهَا الأَذَلَّ ﴾ وهذا قول قتادة.
والثالث : أنهم هموا بقتل النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا مروي عن مجاهد أيضاً وقيل إنه كان ذلك في غزوة تبوك.
{ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله لنصدقن ولنكونن من الصالحين فلما آتاهم من فضله بخلوا به وتولوا وهم معرضون
383
فأعقبهم نفاقا في قلوبهم إلى يوم يلقونه بما أخلفوا الله ما وعدوه وبما كانوا يكذبون ألم يعلموا أن الله يعلم سرهم ونجواهم وأن الله علام الغيوب} قوله عز وجل ﴿وَمِنْهُم مَّنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْءَاتَانَا مِن فَضْلِهِ... ﴾ الآية والتي بعدها نزلت في ثعلبة ابن حاطب الأنصاري. وفي سبب نزولها قولان: أحدهما: أنه كان له مال بالشام خاف هلاكه فنذر أن يتصدق منه، فلما قدم عليه بخل به، قاله الكلبي. والثاني: أن مولى لعمر قتل رجلاً لثعلبة فوعد إن أوصل الله الدية إليه أخرج حق الله تعالى منها، فلما وصلت إليه بخل بحق الله تعالى أن يخرجه، قاله مقاتل. وقيل إن ثعلبه لما بلغه ما نزل فيه أتى رسول الله ﷺ، فسأله أن يقبل منه صدقته فقال: (إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى مَنَعَنِي أَن أَقْبَلَ مِنكَ صَدَقَتَكَ) فجعل يحثي على رأسه التراب. وقبض رسول الله ﷺ ولم يقبل منه شيئاً.
384
﴿الذين يلمزون المطوعين من المؤمنين في الصدقات والذين لا يجدون إلا جهدهم فيسخرون منهم سخر الله منهم ولهم عذاب أليم﴾ قوله عز وجل ﴿الَّذِينَ يَلْمزُونَ الْمُطَّوِِّعينَ مِنَ الْمُؤْمِنِيَن فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ إِلاَّ جُهْدَهُمْ﴾ قرىء بضم الجيم وفتحها وفيه وجهان: أحدهما: أنهما يختلف لفظهما ويتفق معناهما، قاله البصريون.
384
والثاني: أن معناهما مختلف، فالجهد بالضم الطاقة، وبالفتح المشقة، قاله بعض الكوفيين. وقيل: كان ذلك في غزاة تبوك نزلت في عبد الرحمن بن عوف وعاصم بن عدي وأبي عقيل الأراشي وسبب ذلك أن رسول الله ﷺ حث على الصدقة ليتجهز للجهاد، فجاء عبد الرحمن بن عوف بأربعة آلاف درهم وقال هذا شطر مالي صدقة، وجاء عاصم بن عدي بمائة وسق من تمر، وجاء أبو عقيل بصاع من تمر وقال: إني آجرت نفسي بصاعين فذهبت بأحدهما إلى عيالي وجئت بالآخر صدقة، فقال قوم من المنافقين حضروه: أما عبد الرحمن وعاصم فما أعطيا إلا رياءً، وأما صاع أبي عقيل فالله غني عنه، فنزلت فيهم هذه الآية. ﴿فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ﴾ يحتمل وجهين: أحدهما: أنهم أظهروا حمدهم واستبطنوا ذمهم. والثاني: أنهم نسبوا إلى الرياء وأعلنوا الاستهزاء. ﴿سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ﴾ يحتمل وجهين: أحدهما: أنه ما أوجبه عليهم من جزاء الساخرين. والثاني: بما أمهلهم من المؤاخذة. قال ابن عباس: وكان هذا في الخروج إلى غزاة تبوك.
385
{استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن
385
يغفر الله لهم ذلك بأنهم كفروا بالله ورسوله والله لا يهدي القوم الفاسقين} قوله عز وجل ﴿اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ﴾ وهذا على وجه المبالغة في اليأس من المغفرة وإن كان على صيغة الأمر، ومعناه أنك لو طلبتها لهم طلب المأمور بها أو تركتها ترك المنهي عنها لكان سواء في أن الله تعالى لا يغفر لهم. قوله ﴿إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً﴾ ليس بحد لوقوع المغفرة بعدها، وإنما هو على وجه المبالغة بذكر هذا العدد لأن العرب تبالغ بالسبع والسبعين لأن التعديل في نصف العقد وهو خمسة إذا زيد عليه واحد كان لأدنى المبالغة، وإذا زيد عليه اثنان كان لأقصى المبالغة، ولذلك قالوا للأسد سبُع أي قد ضوعفت قوته سبع مرات، وهذا ذكره علي بن عيسى. وحكى مجاهد وقتادة أن النبي ﷺ قال (سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لُهُمْ أَكْثَرَ مِن سَبْعِينَ مَرَّةً) فأنزل الله تعالى ﴿سَوَآءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتُ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ﴾ فكف.
386
﴿فرح المخلفون بمقعدهم خلاف رسول الله وكرهوا أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله وقالوا لا تنفروا في الحر قل نار جهنم أشد حرا لو كانوا يفقهون فليضحكوا قليلا وليبكوا كثيرا جزاء بما كانوا يكسبون﴾ قوله عز وجل ﴿فَرَحَ الْمُخَلَّفُونَ﴾ أي المتروكون. ﴿بِمَقْعَدِهْم خِلاَفَ رَسُولِ اللَّهِ﴾ فيه وجهان: أحدهما: يعني مخالفة رسول الله ﷺ وهذا قول الأكثرين. والثاني: معناه بعد رسول الله ﷺ قاله أبو عبيدة وأنشد.
386
(عفت الديار خلافهم فكانما بسط الشواطب بينهن حصيراً)
أي بعدهم. ﴿وَقَالُواْ لاَ تَنفِرُواْ فِي الْحَرِّ﴾ فيه وجهان: أحدهما: هذا قول بعضهم لبعض حين قعدوا. والثاني: أنهم قالوه للمؤمنين ليقعدوا معهم، وهؤلاء المخلفون عن النبي ﷺ في غزاة تبوك وكانوا أربعة وثمانين نفساً. قوله عز وجل ﴿فَلْيَضْحَكُواْ قَلِيلاً﴾ هذا تهديد وإن خرج مخرج الأمر، وفي قلة ضحكهم وجهان: أحدهما: أن الضحك في الدنيا لكثرة حزنها وهمومها قليل، وضحكهم فيها أقل لما يتوجه إليهم من الوعيد. الثاني: أن الضحك في الدنيا وإن دام إلى الموت قليل، لأن الفاني قليل. ﴿وَلْيَبْكُواْ كَثِيراً﴾ فيه وجهان: أحدهما: في الآخرة لأنه يوم مقداره خمسون ألف سنة، وهم فيه يبكون، فصار بكاؤهم كثيراً، وهذا معنى قول الربيع بن خيثم. الثاني: في النار على التأبيد لأنهم إذا مسهم العذاب بكوا من ألمه، وهذا قول السدي. ويحتمل أن يريد بالضحك السرور، وبالبكاء الغم.
387
قوله عز وجل :﴿ فَلْيَضْحَكُواْ قَلِيلاً ﴾ هذا تهديد وإن خرج مخرج الأمر، وفي قلة ضحكهم وجهان :
أحدهما : أن الضحك في الدنيا لكثرة حزنها وهمومها قليل، وضحكهم فيها أقل لما يتوجه إليهم من الوعيد.
الثاني : أن الضحك في الدنيا وإن دام إلى الموت قليل، لأن الفاني قليل.
﴿ وَلْيَبْكُواْ كَثِيراً ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : في الآخرة لأنه يوم مقداره خمسون ألف سنة، وهم فيه يبكون، فصار بكاؤهم كثيراً، وهذا معنى قول الربيع بن خيثم.
الثاني : في النار على التأبيد لأنهم إذا مسهم العذاب بكوا من ألمه، وهذا قول السدي.
ويحتمل أن يريد بالضحك السرور، وبالبكاء الغم.
﴿فإن رجعك الله إلى طائفة منهم فاستأذنوك للخروج فقل لن تخرجوا معي أبدا ولن تقاتلوا معي عدوا إنكم رضيتم بالقعود أول مرة فاقعدوا مع الخالفين﴾
387
قوله عز وجل: ﴿... إِنَّكُم رَضِيتُم بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ﴾ فيه قولان: أحدهما: أول مرة دعيتم. الثاني: يعني قبل استئذانكم. ﴿فَاقْعُدُاْ مَعَ الْخَالِفِينَ﴾ فيهم قولان: أحدهما: أنهم النساء والصبيان، قاله الحسن وقتادة. الثاني: هم الرجال الذين تخلفوا بأعذار وأمراض، قاله ابن عباس.
388
﴿ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره إنهم كفروا بالله ورسوله وماتوا وهم فاسقون﴾ قوله عز وجل ﴿وَلاَ تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُم مَّاتَ أَبَداً﴾ لما احتضر عبد الله بن أبي بن سلول أتى ابنُه النبي ﷺ فسأله أن يصلي عليه وأن يعطيه قميصه ليكفن فيه فأعطاه إياه وهو عرق فكفنه فيه وحضره، فقيل إنه أدركه حياً، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (أَهْلَكَهُمُ اليَهُودُ) فقال: يا رسول الله لا تؤنبني واستغفر لي، فلما مات ألبسه قميصه وأراد الصلاة عليه فجذبه عمر رضي الله عنه وقال: يا رسول الله أليس الله قد نهاك عن الصلاة عليهم؟ فقال: (يَا عُمَرُ خَيَّرَنِي رَبِّي فَقَالَ: ﴿اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِر اللَّهُ لَهُمْ﴾ لأَزِيدَنَّ عَلَى الْسَّبِعِينَ) فصلى عليه. فنزلت ﴿وَلاَ تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَداً﴾ الآية، فما صلى بعدها على منافق، وهذا قول ابن عباس وابن عمر وجابر وقتادة.
388
وقال أنس بن مالك: أراد أن يصلي عليه فأخذ جبريل بثوبه وقال ﴿وَلاَ تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِّنْهُمْ مَّاتَ أَبَداً﴾. ﴿وَلاَ تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ﴾ يعني قيام زائر ومستغفر.
389
﴿ولا تعجبك أموالهم وأولادهم إنما يريد الله أن يعذبهم بها في الدنيا وتزهق أنفسهم وهم كافرون وإذا أنزلت سورة أن آمنوا بالله وجاهدوا مع رسوله استأذنك أولوا الطول منهم وقالوا ذرنا نكن مع القاعدين رضوا بأن يكونوا مع الخوالف وطبع على قلوبهم فهم لا يفقهون﴾ قوله عز وجل ﴿وَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلاَدُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُعَذِّبَهُم بِهَا فِي الدُّنْيا﴾ يحتمل ثلاثة أوجه: أحدها: يعذبهم بحفظها في الدنيا والإشفاق عليها. والثاني: يعذبهم بما يلحقهم منها من النوائب والمصائب. والثالث: يعذبهم في الآخرة بما صنعوا بها في الدنيا عند كسبها وعند إنفاقها. وحكى ابن الأنباري وجهاً رابعاً: أنه على التقديم والتأخير، وتقديره: ولا تعجبك أموالهم وأولادهم في الدنيا إنما يريد الله أن يعذبهم بها في الآخرة. قوله عز وجل ﴿وَإِذَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ أَنْءَامِنُوا بِاللَّهِ﴾ فيه ثلاثة أوجه: أحدها: استديموا الإيمان بالله. والثاني: افعلوا فعل من آمن بالله. والثالث: آمنوا بقلوبكم كما آمنتم بأفواهكم، ويكون خطاباً للمنافقين. ﴿وَجَاهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ اسْتَأْذَنَكَ أُوْلُوْا الطَّوْلِ مِنْهُمْ﴾ فيه وجهان: أحدهما: أهل الغنى، قاله ابن عباس وقتادة. والثاني: أهل القدرة. وقال محمد بن إسحاق. نزلت في عبد الله بن أبي بن سلول والجد بن قيس. قوله عز وجل ﴿رَضُواْ بِأَن يَكُونُواْ مَعَ الْخَوَالِفِ﴾ فيه ثلاثة أوجه:
389
أحدها: مع المنافقين، قاله مقاتل. والثاني: أنهم خساس الناس وأدناهم مأخوذ من قولهم فلان خالفه أهله إذا كان دونهم، قاله ابن قتيبة. والثالث: أنهم النساء، قاله قتادة والكلبي.
390
قوله عز وجل :﴿ وَإِذَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ ءَامِنُوا بِاللَّهِ ﴾ فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : استديموا الإيمان بالله.
والثاني : افعلوا فعل من آمن بالله.
والثالث : آمنوا بقلوبكم كما آمنتم بأفواهكم، ويكون خطاباً للمنافقين.
﴿ وَجَاهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ اسْتَأْذَنَكَ أُوْلُوْا الطَّوْلِ مِنْهُمْ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : أهل الغنى، قاله ابن عباس وقتادة.
والثاني : أهل القدرة. وقال محمد بن إسحاق. نزلت في عبد الله بن أبي بن سلول والجد بن قيس.
قوله عز وجل :﴿ رَضُواْ بِأَن يَكُونُواْ مَعَ الْخَوَالِفِ ﴾ فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : مع المنافقين، قاله مقاتل.
والثاني : أنهم خساس الناس وأدناهم مأخوذ من قولهم فلان خالفه أهله إذا كان دونهم، قاله ابن قتيبة.
والثالث : أنهم النساء، قاله قتادة والكلبي.
﴿لكن الرسول والذين آمنوا معه جاهدوا بأموالهم وأنفسهم وأولئك لهم الخيرات وأولئك هم المفلحون أعد الله لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ذلك الفوز العظيم﴾ قوله عز وجل ﴿وَأُوْلَئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ﴾ وهو جمع خيرة، وفيها أربعة أوجه: أحدها: أنها غنائم الدنيا ومنافع الجهاد. والثاني: فواضل العطايا. والثالث: ثواب الآخرة. والرابع: حُور الجنان، من قوله تعالى ﴿فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ﴾ [الرحمن: ٧٠].
﴿وجاء المعذرون من الأعراب ليؤذن لهم وقعد الذين كذبوا الله ورسوله سيصيب الذين كفروا منهم عذاب أليم ليس على الضعفاء ولا على المرضى ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج إذا نصحوا لله ورسوله ما على المحسنين من سبيل والله غفور رحيم ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم قلت لا أجد ما أحملكم عليه تولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزنا ألا يجدوا ما ينفقون إنما السبيل على الذين يستأذنونك وهم أغنياء رضوا بأن يكونوا مع الخوالف وطبع الله على قلوبهم فهم لا يعلمون﴾ قوله عز وجل ﴿وَجَآءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الأَعْرَابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ﴾ فيها وجهان:
390
أحدهما: أنهم المعتذرون بحق اعتذروا به فعذروا، قاله ابن عباس وتأويل قراءة من قرأها بالتخفيف. والثاني: هم المقصرون المعتذرون بالكذب، قاله الحسن وتأويل من قرأها بالتشديد، لأنه إذا خفف مأخوذ من العذر، وإذا شدد مأخوذ من التعذير، والفرق بينهما أن العذر حق والعذير كذب. وقيل إنهم بنو أسد وغطفان. قوله عز وجل ﴿لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلاَ عَلَى الْمَرْضَى﴾ الآية. وفي الضعفاء ها هنا ثلاثة أوجه: أحدها: أنهم الصغار لضعف أبدانهم. الثاني: المجانين لضعف عقولهم. الثالث: العميان لضعف بصرهم. كما قيل في تأويل قوله تعالى في شعيب ﴿إِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفاً﴾ [هود: ٩١] أي ضريراً. ﴿إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ﴾ فيه وجهان: أحدهما: إذا برئوا من النفاق. الثاني: إذا قاموا بحفظ المخلفين من الذراري والمنازل. فإن قيل بالتأويل الأول كان راجعاً إلى جميع من تقدم ذكره من الضعفاء. والمرضى الذين لا يجدون ما ينفقون. وإن قيل بالتأويل الثاني كان راجعاً إلى الذين لا يجدون ما ينفقون خاصة. وقيل إنها نزلت في عائذ بن عمرو وعبد الله ابن مُغَفّل. ﴿وَلاَ عَلَى الَّذِينَ إِذَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لاَ أَجِدُ مَآ أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ﴾ فيه وجهان: أحدهما: أنه لم يجد لهم زاداً لأنهم طلبوا ما يتزودون به، قاله أنس بن مالك. والثاني: أنه لم يجد لهم نعالاً لأنهم طلبوا النعال، قاله الحسن.
391
روى أبو هريرة أن النبي ﷺ قال في هذه الغزاة وهي تبوك (أَكْثِرُوا مِنَ النِّعَالِ فَإِنَّ الرَّجُلَ لاَ يَزَالُ رَاكباً مَا كَانَ مُنْتَعِلاً). وفيمن نزلت فيه خمسة أقاويل: أحدها: في العرباض بن سارية، قاله يحيى بن أبي المطاع. والثاني: في عبد الله بن الأزرق وأبي ليلى، قاله السدي. والثالث: في بني مقرّن من مُزينة، قاله مجاهد. والرابع: في سبعة من قبائل شتى، قاله محمد بن كعب. والخامس: في أبي موسى وأصحابه، قاله الحسن.
392
قوله عز وجل :﴿ لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلاَ عَلَى الْمَرْضَى ﴾ الآية. وفي الضعفاء ها هنا ثلاثة أوجه :
أحدها : أنهم الصغار لضعف أبدانهم.
الثاني : المجانين لضعف عقولهم.
الثالث : العميان لضعف بصرهم. كما قيل في تأويل قوله تعالى في شعيب
﴿ إِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفاً ﴾ [ هود : ٩١ ] أي ضريراً.
﴿ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : إذا برئوا من النفاق.
الثاني : إذا قاموا بحفظ المخلفين من الذراري والمنازل.
فإن قيل بالتأويل الأول كان راجعاً إلى جميع من تقدم ذكره من الضعفاء. والمرضى الذين لا يجدون ما ينفقون.
وإن قيل بالتأويل الثاني كان راجعاً إلى الذين لا يجدون ما ينفقون خاصة١.
وقيل إنها نزلت في عائذ بن عمرو وعبد الله ابن مُغَفّل.
١ ذكر القرطبي ٨/٢٢٩ أنها نزلت في بني مقرن ـ وعلى هذا جمهور المفسرين ـ وكانوا سبعة أخوة وهم النعمان ومعقل وعقيل وسويد وسنان وعبد الله وعبد الرحمن أولاد مقرن (بوزن محدث). ولم يكن في الصحابة سبعة إخوة غيرهم..
﴿ وَلاَ عَلَى الَّذِينَ إِذَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لاَ أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ ﴾ فيه وجهان : أحدهما : أنه لم يجد لهم زاداً لأنهم طلبوا ما يتزودون به، قاله أنس بن مالك.
والثاني : أنه لم يجد لهم نعالاً لأنهم طلبوا النعال، قاله الحسن.
١روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في هذه الغزوة وهي تبوك " أَكْثِرُوا مِنَ النِّعَالِ فَإِنَّ الرَّجُلَ لاَ٢ يَزَالُ رَاكباً مَا كَانَ مُنْتَعِلاً ".
وفيمن نزلت فيه خمسة أقاويل :
أحدها : في العرباض بن سارية، قاله يحيى بن أبي المطاع.
والثاني : في عبد الله بن الأزرق وأبي ليلى، قاله السدي.
والثالث : في بني مقرّن من مُزينة، قاله مجاهد.
والرابع : في سبعة من قبائل شتى، قاله محمد بن كعب.
والخامس : في أبي موسى وأصحابه، قاله الحسن.
١ سقط من ق..
٢ رواه مسلم وأبو داود في اللباس..
قوله عز وجل :﴿ إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِياءُ ﴾ في السبيل هاهنا وجهان :
أحدهما : الإنكار.
الثاني : الإثم.
وقوله تعالى :﴿ يَسْتَأْذِنُونَكَ ﴾ يعني في التخلف عن الجهاد. ﴿ وَهُمْ أَغْنِيَاءُ ﴾ يعني بالمال والقدرة.
﴿ رَضُواْ بِأَن يَكُونُواْ مَعَ الْخَوَالِفِ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : أنهم الذراري من النساء والأطفال.
الثاني : أنهم المتخلفون بالنفاق.
﴿يعتذرون إليكم إذا رجعتم إليهم قل لا تعتذروا لن نؤمن لكم قد نبأنا الله من أخباركم وسيرى الله عملكم ورسوله ثم تردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون سيحلفون بالله لكم إذا انقلبتم إليهم لتعرضوا عنهم فأعرضوا عنهم إنهم رجس ومأواهم جهنم جزاء بما كانوا يكسبون يحلفون لكم لترضوا عنهم فإن ترضوا عنهم فإن الله لا يرضى عن القوم الفاسقين﴾ قوله عز وجل: ﴿إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِيآءُ﴾ في السبيل ها هنا وجهان: أحدهما: الإنكار. الثاني: الإثم.
392
وقوله تعالى: ﴿يَسْتَأْذِنُونَكَ﴾ يعني في التخلف عن الجهاد. ﴿وَهُمْ أَغْنِيَآءُ﴾ يعني بالمال والقدرة. ﴿رَضُواْ بِأَن يَكُونُواْ مَعَ الْخَوَالِفِ﴾ فيه وجهان: أحدهما: أنهم الذراري من النساء والأطفال. الثاني: أنهم المتخلفون بالنفاق.
393
﴿الأعراب أشد كفرا ونفاقا وأجدر ألا يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله والله عليم حكيم ومن الأعراب من يتخذ ما ينفق مغرما ويتربص بكم الدوائر عليهم دائرة السوء والله سميع عليم ومن الأعراب من يؤمن بالله واليوم الآخر ويتخذ ما ينفق قربات عند الله وصلوات الرسول ألا إنها قربة لهم سيدخلهم الله في رحمته إن الله غفور رحيم﴾ قوله عز وجل: ﴿الأعْرابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفَاقاً﴾ فيه وجهان: أحدهما: أن يكون الكفر والنفاق فيهم أكثر منه في غيرهم لقلة تلاوتهم القرآن وسماعهم السنن. الثاني: أن الكفر والنفاق فيهم أشد وأغلظ منه في غيرهم لأنهم أجفى طباعاً وأغلظ قلوباً. ﴿وَأَجْدَرُ أَلاَّ يَعْلَمُوا حُدُودَ مَآ أَنزَلَ اللَّهُ﴾ ومعنى أجدر أي أقرب، مأخوذ من الجدار الذي يكون بين مسكني المتجاورين. وفي المراد بحدود الله ما أنزل الله وجهان: أحدهما: فروض العبادات المشروعة. الثاني: الوعد والوعيد في مخالفة الرسول ﷺ والتخلف عن الجهاد. قوله عز وجل ﴿وَمِنَ الأَعْرَابِ مَن يَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ مَغْرَماً﴾ فيه وجهان: أحدهما: ما يدفع من الصدقات.
393
الثاني: ما ينفق في الجهاد مع الرسول ﷺ مغرماً، والمغرم التزام ما لا يلزم، ومنه قوله تعالى ﴿إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَاماً﴾ [الفرقان: ٦٥] أي لازماً، قال الشاعر:
(فَمَا لَكَ مَسْلُوبَ العَزَاءِ كَأَنَّمَا تَرَى هَجْرَ لَيْلَى مَغْرَماً أَنْتَ غارِمُهُ)
﴿وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوَآئِرَ﴾ جمع دائرة وهي انقلاب النعمة إلى ضدها، مأخوذة من الدور ويحتمل تربصهم الدوائر وجهين: أحدهما: في إعلان الكفر والعصيان. والثاني: في انتهاز الفرصة بالانتقام. ﴿عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ﴾ رد لما أضمروا وجزاء لما مكروا. قوله عز وجل ﴿وَمِنَ الأَعْرَابِ مَن يُؤمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ﴾ قال مجاهد: هم بنو مقرن من مزينة. ﴿وَيَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ قُرُبَاتٍ عِندَ اللَّهِ﴾ يحتمل وجهين: أحدهما: أنها تقربة من طاعة الله ورضاه. الثاني: أن ثوابها مذخور لهم عند الله تعالى فصارت قربات عند الله ﴿وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ﴾ فيها وجهان: أحدهما: أنه استغفاره لهم، قاله ابن عباس. الثاني: دعاؤه لهم، قاله قتادة. ﴿أَلاَ إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَّهُمْ﴾ فيه وجهان: أحدهما: أن يكون راجعاً إلى إيمانهم ونفقتهم أنها قربة لهم. الثاني: إلى صلوات الرسول أنها قربة لهم.
394
قوله عز وجل :﴿ وَمِنَ الأَعْرَابِ مَن يَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ مَغْرَماً ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : ما يدفع من الصدقات.
الثاني : ما ينفق في الجهاد مع الرسول صلى الله عليه وسلم مغرماً، والمغرم التزام ما لا يلزم، ومنه قوله تعالى :﴿ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَاماً ﴾ [ الفرقان : ٦٥ ] أي لازماً، قال الشاعر :
فَمَا لَكَ مَسْلُوبَ العَزَاءِ كَأَنَّمَا تَرَى هَجْرَ لَيْلَى مَغْرَماً أَنْتَ غارِمُهُ
﴿ وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوَائِرَ ﴾ جمع دائرة وهي انقلاب النعمة إلى ضدها، مأخوذة من الدور ويحتمل تربصهم الدوائر وجهين :
أحدهما : في إعلان الكفر والعصيان.
والثاني : في انتهاز الفرصة بالانتقام.
﴿ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ ﴾ رد لما أضمروا وجزاء لما مكروا.
قوله عز وجل :﴿ وَمِنَ الأَعْرَابِ مَن يُؤمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ﴾ قال مجاهد : هم بنو مقرن من مزينة.
﴿ وَيَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ قُرُبَاتٍ عِندَ اللَّهِ ﴾ يحتمل وجهين :
أحدهما : أنها تقربه من طاعة الله ورضاه.
الثاني : أن ثوابها مذخور لهم عند الله تعالى فصارت قربات عند الله ﴿ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ ﴾ فيها وجهان :
أحدهما : أنه استغفاره لهم، قاله ابن عباس.
الثاني : دعاؤه لهم، قاله قتادة.
﴿ أَلاَ إِنَّهَا قُرْبَةٌ لهُمْ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : أن يكون راجعاً إلى إيمانهم ونفقتهم أنها قربة لهم.
الثاني : إلى صلوات الرسول أنها قربة لهم.
﴿والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم﴾ قوله عز وجل: ﴿وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأنصَارِ﴾ فيهم أربعة أقاويل:
394
أحدها: أنهم الذين صلّوا إلى القبلتين مع رسول الله ﷺ، قاله أبو موسى الأشعري وسعيد بن المسيب. الثاني: أنهم الذين بايعوا رسول الله ﷺ بيعة الرضوان، قاله الشعبي وابن سيرين. الثالث: أنهم أهل بدر، قاله عطاء. الرابع: أنهم السابقون بالموت والشهادة من المهاجرين والأنصار سبقوا إلى ثواب الله تعالى وحسن جزائه. ويحتمل خامساً: أن يكون السابقون الأولون من المهاجرين هم الذين آمنوا بمكة قبل هجرة رسول الله ﷺ عنهم، والسابقون الأولون من الأنصار هم الذين آمنوا برسول الله ورسوله قبل هجرته إليهم. ﴿وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بإِحْسَانٍ﴾ يحتمل وجهين: أحدهما: من الإيمان. الثاني: من الأفعال الحسنة. ﴿رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ﴾ فيه ثلاثة أوجه: أحدها: رضي الله عنهم بالإيمان، ورضوا عنه بالثواب، قاله ابن بحر. الثاني: رضي الله عنهم في العبادة. ورضوا عنه بالجزاء، حكاه علي بن عيسى. الثالث: رضي الله عنهم بطاعة الرسول ﷺ، ورضوا عنه بالقبول.
395
﴿وممن حولكم من الأعراب منافقون ومن أهل المدينة مردوا على النفاق لا تعلمهم نحن نعلمهم سنعذبهم مرتين ثم يردون إلى عذاب عظيم﴾ قوله عز وجل: ﴿وَمِمَّنْ حَوْلَكُم مِّنَ الأعْرابِ مُنَافِقُونَ﴾ يعني حوله المدينة: قال ابن عباس: مزينة وجهينة وأسلم وغِفار وأشجع كان فيهم بعد إٍسلامهم منافقون كما كان من الأنصار لدخول جميعهم تحت القدرة فتميزوا بالنفاق وإن عمتهم الطاعة. ﴿وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُواْ عَلَى النِّفَاقِ﴾ فيه ثلاثة أوجه: أحدها: أقاموا عليه ولم يتوبوا منه، قاله عبد الرحمن بن زيد. الثاني: مردوا عليه أي عتوا فيه، ومنه قوله عز وجل ﴿وَإِن يَدْعُونَ إِلاَّ شَيْطَاناً مَّرِيداً﴾ [النساء: ١١٧]. الثالث: تجردوا فيه فظاهروا، مأخوذ منه تجرد خد الأمرد لظهوره وهو محتمل. ﴿لاَ تَعْلَمُهُمْ﴾ فيه وجهان: أحدهما: لا تعلمهم حتى نعلمك بهم. الثاني: لا تعلم أنت عاقبة أمورهم وإنما نختص نحن بعلمها، وهذا يمنع أن يحكم على أحد بجنة أو نار. ﴿سَنُعَذِّبُهُمْ مَّرَّتَيْنِ﴾ فيه أربعة أوجه: أحدهما: أن أحد العذابين الفضيحة في الدنيا والجزع من المسلمين، والآخر عذاب القبر، قاله ابن عباس.
396
والثاني: أن أحدهما عذاب الدنيا والآخر عذاب الآخرة، قاله قتادة. والثالث: أن أحدهما الأسر والآخر القتل، قاله ابن قتيبة. والرابع: أن أحدهما الزكاة التي تؤخذ منهم والآخر الجهاد الذي يؤمرون به لأنهم بالنفاق يرون ذلك عذاباً. قال الحسن. ﴿ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ﴾ فيه ثلاثة أوجه:
397
أحدهما: أنه عذاب النار في الآخرة. الثاني: أنه إقامة الحدود في الدنيا. الثالث: إنه أخذ الزكاة منهم.
398
﴿وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا عسى الله أن يتوب عليهم إن الله غفور رحيم﴾ قوله عز وجل: ﴿وَءَاخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ﴾ فيهم قولان: أحدهما: أنهم سبعة من الأنصار منهم أو لبابة بن عبد المنذر، وأوس بن ثعلبة، ووديعة بن حزام، كانوا من جملة العشرة الذين تخلفوا عن رسول الله ﷺ في غزاة تبوك، فربطوا أنفسهم لما ندموا على تأخرهم إلى سواري المسجد ليطلقهم رسول الله ﷺ إن عفا عنهم، فلما عاد رسول الله ﷺ مر بهم وكانوا على طريقة فسأل عنهم فأخبر بحالهم فقال: (لاَ أَعذُرُهُمْ وَلاَ أُطْلِقُهم حَتَّى يَكونَ اللَّهَ تَعالَى هُوَ الَّذِيَ يَعْذُرُهم وَيُطْلِقُهُمْ) فنزلت هذه الآية فيهم فأطلقهم، وهذا قول ابن عباس. الثاني: أنه أبو لبابة وحده قال لبني قريظة حين أرادوا النزول على حكم النبي ﷺ إنه ذابحكم إن نزلتم على حكمه، قاله مجاهد. ﴿خَلَطُواْ عَمَلاً صَالِحَاً وَءَاخَرَ سَيِّئاً﴾ فيه ثلاثة أوجه: أحدها: أن الصالح: الجهاد، والسيء، التأخر عنه، قاله السدي. الثاني: أن السيىء: الذنب والصالح: التوبة، قاله بعض التابعين. الثالث: ما قاله الحسن: ذنباً وسوطاً لا ذهباً فروطاً، ولا ساقطاً سقوطاً.
﴿خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم والله سميع عليم ألم يعلموا أن الله هو يقبل التوبة عن عباده ويأخذ الصدقات وأن الله هو التواب الرحيم وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون وستردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون﴾ قوله عز وجل: ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً﴾ قال ابن عباس: لما نزل في أبي لبابة وأصحابه ﴿وَءَاخَرُونَ اعْترَفُواْ بِذُنُوبِهِم﴾ الآية. ثم تاب عليهم قالوا يا رسول الله خذ منا صدقة أموالنا لتطهرنا وتزكينا، قال: لا أفعل حتى أؤمر، فأنزل الله تعالى ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً﴾ وفيها وجهان: أحدهما: أنها الصدقة التي بذلوها من أموالهم تطوعاً، قاله ابن زيد. والثاني: أنها الزكاة التي أوجبها الله تعالى في أموالهم فرضاً، قاله عكرمة. ولذلك قال: ﴿مِنْ أَمْوَالِهِمْ﴾ لأن الزكاة لا تجب في الأموال كلها وإنما تجب في بعضها. ﴿تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا﴾ أي تطهر ذنوبهم وتزكي أعمالهم. ﴿وَصَلِّ عَلَيْهِمْ﴾ فيه وجهان: أحدهما: استغفر لهم: قاله ابن عباس. الثاني: ادع لهم، قاله السدي. ﴿إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ﴾ فيه خمسة تأويلات:
398
أحدها: قربة لهم، قاله ابن عباس في رواية الضحاك. الثاني: رحمة لهم، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس أيضاً. الثالث: وقار لهم، قاله قتادة. الرابع: تثبت لهم، قاله ابن قتيبة. الخامس: أمن لهم، ومنه قول الشاعر:
(يَا جَارَةَ الحَيِّ كُنتِ لي سَكَناً إذْ ليْسَ بعضُ الجِيرَانِ بِالسَّكَنِ)
وفي الصلاة عليهم والدعاء لهم عند أخذ الصدقة منهم ستة أوجه: أحدها: يجب على الآخذ الدعاء للمعطي اعتباراً بظاهر الأمر. الثاني: لا يجب ولكن يستحب لأن جزاءها على الله تعالى لا على الآخذ. والثالث: إن كانت تطوعاً وجب على الآخذ الدعاء، وإن كانت فرضاً استحب ولم يجب. والرابع: إن كان آخذها الوالي استحب له الدعاء ولم يجب عليه، وإن كان آخذها الفقير وجب عليه الدعاء له، لأن الحق في دفعها إلى الوالي معيّن، وإلى الفقير غير معيّن. والخامس: إن كان آخذها الوالي وجب، وإن كان الفقير استحب ولم يجب. لأنه دفعها إلى الوالي إظهار طاعة فقوبل عليها بالشكر وليس كذلك الفقير. والسادس: إن سأل الدافع الدعاء وجب، وإن لم يسأل استحب ولم يجب. روى عبد الله بن أبي أوفى قال: أتيت النبي ﷺ بصدقات قومي فقلت يا رسول الله صلِّ عليّ، فقال: (اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى آلِ أَبِي أَوْفَى).
399
﴿وآخرون مرجون لأمر الله إما يعذبهم وإما يتوب عليهم والله عليم حكيم﴾ قوله عز وجل: ﴿وَءَاخَرُونَ مُرْجَوْنَ لأَمْرِ اللَّهِ﴾ وهم الثلاثة الباقون من العشرة المتأخرين عن رسول الله ﷺ في غزاة تبوك ولم يربطوا أنفسهم مع أبي لبابة، وهم هلال بن أمية، ومرارة بن الربيع، وكعب بن مالك.
399
﴿مُرْجَوْنَ لأَمْرِ اللَّهِ﴾ أي مؤخرون موقوفون لما يرد من أمر الله تعالى فيهم. ﴿إِمَّا يُعَذِبُهُمْ﴾ فيه وجهان: أحدهما: يميتهم على حالهم، قاله السدي. الثاني: يأمر بعذابهم إذا لم يعلم صحة توبتهم. ﴿وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ﴾ يحتمل وجهين: أحدهما: أن يعلم صدق توبتهم فيطهر ما فيهم. الثاني: أن يعفو عنهم ويصفح عن ذنوبهم. ﴿وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ أي عليم بما يؤول إليه حالهم، حكيم فيما فعله من إرجائهم.
400
﴿والذين اتخذوا مسجدا ضرارا وكفرا وتفريقا بين المؤمنين وإرصادا لمن حارب الله ورسوله من قبل وليحلفن إن أردنا إلا الحسنى والله يشهد إنهم لكاذبون لا تقم فيه أبدا لمسجد أسس على التقوى من أول يوم أحق أن تقوم فيه فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين﴾ قوله عز وجل: ﴿وَالَّذِينَ اتَّخَذُواْ مَسْجِداً ضِرَاراً وَكُفْراً﴾ هؤلاء هم بنو عمرو بن عوف وهم اثنا عشر رجلاً من الأنصار المنافقين، وقيل: هم خذام بن خالد ومن داره أخرج مسجد الشقاق، وثعلبة بن حاطب، وَمُعَتِّب بن قشير، وأبو حبيبة بن الأزعر، وعباد بن حنيف أخو سهل بن حنيف، وجارية بن عامر، وابناه مُجمِّع وزيد ابنا جارية، ونبتل بن الحارث، وبجاد بن عثمان، ووديعة بن ثابت، وبحرج وهو جد عبد الله بن حنيف، وله قال النبي ﷺ (وَيْلَكَ يَا بَحْرَج مَاذَا أَرَدْتَ بِمَا أَرَى؟)
400
فقال يا رسول الله ما أردت إلا الحسنى، وهو كاذب، فصدقه، فبنى هؤلاء مسجد الشقاق والنفاق قريباً من مسجد قباء. ﴿ضِرَاراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ يعني ضراراً، وكفراً بالله، وتفريقاً بين المؤمنين أن لا يجتمعوا كلهم في مسجد قباء فتجتمع كلمتهم، ويتفرقوا فتتفرق كلمتهم، ويختلفوا بعد ائتلافهم. ﴿وَإِرْصَاداً لِّمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ... ﴾ وفي الإرصاد وجهان: أحدهما: أنه انتظار سوء يتوقع. الثاني: الحفظ المقرون بفعل. وفي محاربة الله تعالى ورسوله وجهان: أحدهما: مخالفتهما. الثاني: عداوتهما. والمراد بهذا الخطاب أبو عامر الراهب والد حنظلة بن الراهب كان قد حزّب على رسول الله ﷺ، ثم خاف فهرب إلى الروم وتنصر واستنجد هرقل على رسول الله صلى الله عليه وسلم. فبنوا هذا المسجد له حتى إذا عاد من هرقل صلى فيه، وكانوا يعتقدون أنه إذا صلى فيه نُصِر، وكانوا ابتدأوا بنيانه ورسول الله ﷺ خارج إلى تبوك، فسألوه أن يصلي لهم فيه فقال: (أَنَا عَلَى سَفَرٍ وَلَو قَدِمْنَا إِن شَآءَ اللَّهُ أَتَينَاكُم وَصَلَّينَا لَكُم فِيهِ). فلما قدم من تبوك أتوه وقد فرغوا منه وصلوا فيه الجمعة والسبت والأحد، وقالوا قد فرغنا منه، فأتاه خبر المسجد وأنزل الله تعالى فيه ما أنزل. وحكى مقاتل أن الذي أمّهم فيه مجمع بن جارية وكان قارئاً، ثم حسن إٍسلامه بعد ذلك فبعثه عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى الكوفة يعلمهم القرآن، وهو علم ابن مسعود بقية القرآن. ﴿... وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ الْحُسْنَى﴾ يحتمل ثلاثة أوجه: أحدها: طاعة الله تعالى. والثاني: الجنة.
401
والثالث: فعل التي هي أحسن، من إقامة الدين والجماعة والصلاة، وهي يمين تحرُّج. ﴿وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ﴾ يحتمل وجهين: أحدهما: والله يعلم إنهم لكاذبون في قولهم خائنون في إيمانهم. والثاني: والله يعلمك أنهم لكاذبون خائنون. فصار إعلامه له كالشهادة منه عليهم. ﴿لاَ تَقُمْ فِيهِ أَبَداً﴾ أي لا تصلَّ فيه أبداً، يعني مسجد الشقاق والنفاق فعند ذلك أنفذ رسول الله ﷺ مالك بن الدخشم وعاصم بن عدي فقال: انطلقا إلى هذا المسجد الظالم أهله فاهدماه. فذهبا إليه وأخذا سعفاً وحرقاه. وقال ابن جريج: بل انهار المسجد في يوم الاثنين ولم يُحرَّق. ﴿لَّمَسْجِدٌ أسِسَّ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أنْ تَقُومَ فِيهِ﴾ وفيه ثلاثة أقاويل: أحدها: أنه مسجد رسول الله ﷺ بالمدينة، قاله أبو سعيد الخدري ورواه مرفوعاً. الثاني: أنه مسجد قباء، قاله الضحاك وهو أول مسجد بني في الإسلام، قاله ابن عباس وعروة بن الزبير وسعيد بن جبير وقتادة والضحاك.
402
الثالث: أنه كل مسجد بني في المدينة أسس على التقوى، قاله محمد بن كعب ﴿فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ﴾ فيه ثلاثة تأويلات: أحدها: من المسجد الذي أسس على التقوى رجال يحبون أن يتطهروا من الذنوب والله يحب المتطهرين منها بالتوبة، قاله أبو العالية. والثاني: فيه رجال يحبون أن يتطهروا من البول والغائط بالاستنجاء بالماء. والله يحب المتطهرين بذلك. روى أبو أيوب الأنصاري وجابر بن عبد الله وأنس بن مالك أن النبي ﷺ قال للأنصار عند نزول هذه الآية: (يَا مَعْشَرَ الأَنصَارِ إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَثْنى عَلَيكُم خَيراً فِي الطَّهُورَ فَمَا طَهُورُكُم هَذَا) قالوا: يا رسول الله نتوضأ للصلاة ونغتسل من الجنابة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فَهَلْ مَعَ ذلِكَ غَيرُهُ؟) قالوا لا، غير أن أحدنا إذا خرج إلى الغائط أحب أن يستنجي بالماء، فقال: (هُوَ ذلِكَ فَعَلَيكُمُوهُ) الثالث: أنه عني المتطهرين عن إتيان النساء في أدبارهن، وهو مجهول، قاله مجاهد.
403
﴿ لاَ تَقُمْ فِيهِ أَبَداً ﴾ أي لا تصلِّ فيه أبداً، يعني مسجد الشقاق والنفاق فعند ذلك أنفذ رسول الله صلى الله عليه وسلم مالك بن الدخشم وعاصم بن عدي فقال : انطلقا إلى هذا المسجد الظالم أهله فاهدماه.
فذهبا إليه وأخذا سعفاً وحرقاه. وقال ابن جريج : بل انهار المسجد في يوم الاثنين ولم يُحرَّق.
﴿ لمَسْجِدٌ أسِسَّ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أنْ تَقُومَ فِيهِ ﴾ وفيه ثلاثة أقاويل :
أحدها : أنه مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة، قاله أبو سعيد الخدري ورواه مرفوعاً.
الثاني : أنه مسجد قباء، قاله الضحاك وهو أول مسجد بني في الإسلام، قاله ابن عباس وعروة بن الزبير وسعيد بن جبير وقتادة والضحاك.
الثالث : أنه كل مسجد بني في المدينة أسس على التقوى، قاله محمد بن كعب ﴿ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ ﴾ فيه ثلاثة تأويلات :
أحدها : من المسجد الذي أسس على التقوى رجال يحبون أن يتطهروا من الذنوب والله يحب المتطهرين منها بالتوبة، قاله أبو العالية.
والثاني : فيه رجال يحبون أن يتطهروا من البول والغائط بالاستنجاء بالماء. والله يحب المتطهرين بذلك.
روى أبو أيوب الأنصاري وجابر بن عبد الله وأنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للأنصار عند نزول هذه الآية :" يَا مَعْشَرَ الأَنصَارِ إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَثْنى عَلَيكُم خَيراً فِي الطَّهُورَ١ فَمَا طَهُورُكُم هَذَا " قالوا : يا رسول الله نتوضأ للصلاة ونغتسل من الجنابة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" فَهَلْ مَعَ ذلِكَ غَيرُهُ ؟ " قالوا لا، غير أن أحدنا إذا خرج إلى الغائط أحب أن يستنجي بالماء، فقال :" هُوَ ذلِكَ فَعَلَيكُمُوهُ " الثالث : أنه عني المتطهرين عن إتيان النساء في أدبارهن، وهو مجهول، قاله مجاهد.
١ رواه ابن مردويه من طريق ابن عباس كما ذكر ابن حجر في تخريج أحاديث تفسير الكشاف كما رواه ابن ماجه في الطهارة ٢٨..
﴿أفمن أسس بنيانه على تقوى من الله ورضوان خير أم من أسس بنيانه على شفا جرف هار فانهار به في نار جهنم والله لا يهدي القوم الظالمين لا يزال بنيانهم الذي بنوا ريبة في قلوبهم إلا أن تقطع قلوبهم والله عليم حكيم﴾ قوله عز وجل: ﴿أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ﴾ يعني مسجد قباء والألف من ﴿أَفَمَنْ﴾ ألف إنكار. ويحتمل قوله ﴿عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ﴾ وجهين:
403
أحدهما: أن التقوى اجتناب معاصيه، والرضوان فعل طاعته. الثاني: أن التقوى اتقاء عذابه، والرضوان طلب ثوابه. وكان عمر بن شبة يحمل قوله تعالى ﴿لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى﴾ على مسجد المدينة، ويحتمل ﴿أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مَنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ﴾ على مسجد قباء، فيفرق بين المراد بهما في الموضعين. ﴿أَم مَّنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ﴾ يعني شفير جرف وهو حرف الوادي الذي لا يثبت عليه البناء لرخاوته وأكل الماء له ﴿هَارٍ﴾ يعني هائر، والهائر: الساقط. وهذا مثل ضربه الله تعالى لمسجد الضرار. ويحتمل المقصود بضرب هذا المثل وجهين: أحدهما: أنه لم يبق بناؤهم الذي أسس على غير طاعة الله حتى سقط كما يسقط ما بني على حرف الوادي. الثاني: أنه لم يخف ما أسرُّوه من بنائه حتى ظهر كما يظهر فساد ما بنى على حرف الوادي بالسقوط. ﴿فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ﴾ فيه وجهان: أحدهما: أنهم ببنيانهم له سقطوا في نار جهنم. الثاني: أن بقعة المسجد مع بنائها وبُناتها سقطت في نار جهنم، قاله قتادة والسدي. قال قتادة: ذكر لنا أنه حفرت منه بقعة فرئي فيها الدخان وقال جابر بن عبد الله: رأيت الدخان يخرج من مسجد الضرار حين انهار. قوله عزوجل ﴿لاَ يََزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْاْ﴾ يعني مسجد الضرار. ﴿رِيبَةً فِي قُلُوبِهِم﴾ فيه قولان: أحدهما: أن الريبة فيها عند بنائه. الثاني: أن الريبة عند هدمه.
404
فإن قيل بالأول ففي الريبة التي في قلوبهم وجهان: أحدهما: غطاء على قلوبهم، قاله حبيب بن أبي ثابت. الثاني: أنه شك في قلوبهم، قاله ابن عباس وقتادة والضحاك، ومنه قول النابغة الذبياني:
(حَلَفْتُ فلم أترك لنَفْسِكَ ريبة وليس وراءَ الله للمرءِ مذهب)
ويحتمل وجهاً ثالثاً: أن تكون الريبة ما أضمروه من الإضرار برسول الله ﷺ والمؤمنين. وإن قيل بالثاني أن الريبة بعد هدمه ففيها وجهان: أحدهما: أنها حزازة في قلوبهم، قاله السدي. الثاني: ندامة في قلوبهم، قاله حمزة. ويحتمل وجهاً ثالثاً: أن تكون الريبة الخوف من رسول الله ﷺ ومن المؤمنين. ﴿إِلاَّ أَن تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ﴾ فيه ثلاثة تأويلات: أحدها: إلا أن يموتوا، قاله ابن عباس ومجاهد وقتادة والضحاك. الثاني: إلا أن يتوبوا، قاله سفيان. الثالث: إلا أن تقطع قلوبهم في قبورهم، قاله عكرمة. وكان أصحاب ابن مسعود يقرأُونها: ﴿وَلَوْ تَقَطَّعَتْ قُلُوبُهُمْ﴾.
405
قوله عز وجل :﴿ لاَ يََزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْاْ ﴾ يعني مسجد الضرار.
﴿ رِيبَةً فِي قُلُوبِهِم ﴾ فيه قولان :
أحدهما : أن الريبة فيها عند بنائه.
الثاني : أن الريبة عند هدمه.
فإن قيل بالأول ففي الريبة التي في قلوبهم وجهان :
أحدهما : غطاء على قلوبهم، قاله حبيب بن أبي ثابت.
الثاني : أنه شك في قلوبهم، قاله ابن عباس وقتادة والضحاك، ومنه قول النابغة الذبياني :
حَلَفْتُ فلم أترك لنَفْسِكَ ريبة وليس وراءَ الله للمرءِ مذهب
ويحتمل وجهاً ثالثاً : أن تكون الريبة ما أضمروه من الإضرار برسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين.
وإن قيل بالثاني أن الريبة بعد هدمه ففيها وجهان :
أحدهما : أنها حزازة في قلوبهم، قاله السدي.
الثاني : ندامة في قلوبهم، قاله حمزة.
ويحتمل وجهاً ثالثاً : أن تكون الريبة الخوف من رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن المؤمنين.
﴿ إِلاَّ أَن تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ ﴾ فيه ثلاثة تأويلات :
أحدها : إلا أن يموتوا، قاله ابن عباس ومجاهد وقتادة والضحاك.
الثاني : إلا أن يتوبوا، قاله سفيان.
الثالث : إلا أن تقطع قلوبهم في قبورهم، قاله عكرمة. وكان أصحاب ابن مسعود يقرأُونها :﴿ وَلَوْ تَقَطَّعَتْ قُلُوبُهُمْ ﴾.
{إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعدا عليه حقا في
405
التوراة والإنجيل والقرآن ومن أوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم} قوله عز وجل ﴿إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ﴾ اشترى أنفسهم بالجهاد، ﴿وَأَمْوَالَهُمْ﴾ يحتمل وجهين: أحدهما: نفقاتهم في الجهاد. والثاني: صدقاتهم على الفقراء. ﴿بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ﴾ قال سعيد بن جبير: يعني الجنة، وهذا الكلام مجاز معناه أن الله تعالى أمرهم بالجهاد بأنفسهم وأموالهم ليجازيهم بالجنة، فعبر عنه بالشراء لما فيه من عوض ومعوض مضار في معناه، ولأن حقيقة الشراء لما لا يملكه المشتري. ﴿يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾ لأن الثواب على الجهاد إنما يستحق إذا كان في طاعته ولوجهه. ﴿فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ﴾ يعني أن الجنة عوض عن جهادهم سواء قَتَلُوا أو قُتِلُوا. فروى جابر بن عبد الله الأنصاري أن هذه الآية نزلت على رسول الله ﷺ وهو في المسجد فكبّر الناس، فأقبل رجل من الأنصار ثانياً طرف ردائه على أحد عاتقيه فقال: يا رسول الله أنزلت هذه الآية؟ فقال: نَعَم، فقال الأنصاري: بيع ربيح لا نقبل ولا نستقبل. وقال بعض الزهاد: لأنه اشترى الأنفس الفانية بالجنة الباقية.
406
﴿التائبون العابدون الحامدون السائحون الراكعون الساجدون الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر والحافظون لحدود الله وبشر المؤمنين﴾ قوله عز وجل: ﴿التَّآئِبُونَ﴾ يعني من الذنوب.
406
ويحتمل أن يراد بهم الراجعون إلى الله تعالى في فعل ما أمر واجتناب ما حظر لأنها صفة مبالغة في المدح، والتائب هو الراجع، والراجع إلى الطاعة أفضل من الراجع عن المعصية لجمعه بين الأمرين. ﴿العَابِدُونَ﴾ فيه ثلاثة أوجه: أحدها: العابدون بتوحيد الله تعالى، قاله سعيد بن جبير.
407
والثاني: العابدون بطول الصلاة، قاله الحسن. والثالث: العابدون بطاعة الله تعالى، قاله الضحاك. ﴿الحَامِدُونَ﴾ فيه وجهان: أحدهما: الحامدون لله تعالى على دين الإسلام، قاله الحسن. الثاني: الحامدون لله تعالى على السراء والضراء، رواه سهل بن كثير. ﴿السَّآئِحُونَ﴾ فيه أربعة تأويلات: أحدها: المجاهدون روى أبو أمامة أن رجلاً استأذن رسول الله ﷺ وفي السياحة فقال: (إِنَّ سِيَاحَةَ أُمَّتِي الجِهَادُ فِي سَبيلِ اللَّهِ) والثاني: الصائمون، وهو قول ابن مسعود وابن عباس، وروى أبو هريرة مرفوعاً عن النبي ﷺ أنه قال: (سِيَاحَةُ أُمَّتِي الصَّوْمُ). الثالث: المهاجرون، قاله عبد الرحمن بن زيد. الرابع: هم طلبة العِلم، قاله عكرمة. ﴿الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ﴾ يعني في الصلاة. ﴿الأَمِرُونَ بِالْمَعْرُوْفِ﴾ فيه وجهان: أحدهما: بالتوحيد، قاله سعيد بن جبير. الثاني: بالإسلام. ﴿وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنكُرِ﴾ فيه وجهان: أحدهما: عن الشرك، قاله سعيد بن جبير. الثاني: أنهم الذين لم ينهوا عنه حتى انتهوا قبل ذلك عنه، قاله الحسن. ﴿وَاْلحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ﴾ فيه ثلاثة أقاويل: أحدها: القائمون بأمر الله تعالى. والثاني: الحافظون لفرائض الله تعالى من حلاله وحرامه، قاله قتادة. والثالث: الحافظون لشرط الله في الجهاد، قاله مقاتل بن حيان. ﴿وَبَشّرِ الْمُؤْمنِينَ﴾ فيه وجهان: أحدهما: يعني المصدقين بما وعد الله تعالى في هذه الآيات. قاله سعيد بن جبير. والثاني: العاملين بما ندب الله إليه في هذه الآيات، وهذا أشبه بقول الحسن. وسبب نزول هذه الآية ما روى ابن عباس أنه لما نزل قوله تعالى ﴿إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم﴾ الآية. أتى رجل من المهاجرين فقال يا رسول الله وإن زنى وإن سرق وإن شرب الخمر؟ فأنزل الله تعالى ﴿التَّآئِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ﴾ الآية.
408
{ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه فلما تبين له أنه
408
عدو لله تبرأ منه إن إبراهيم لأواه حليم} قوله عز وجل: ﴿مَا كَانَ لِلنَّبِيّ وَالَّذِينَءَآمَنُوا أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى﴾ اختلف في سبب نزولها على ثلاثة أقاويل: أحدها: ما روى مسروق عن ابن مسعود قال: خرج رسول الله ﷺ إلى المقابر فاتبعناه فجاء حتى جلس إلى قبر منها فناجاه طويلاً ثم بكى فبكينا لبكائه، ثم قام، فقام إليه عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فدعاه ثم دعانا فقال: (مَا أَبْكَاكُم؟) قلنا: بكينا لبكائك، قال: (إن القبر الذي جلست عنده قبر آمِنَةَ وَإِنِّي اسْتَأْذَنتُ رَبِّي فِي زيَارَتِهَا فَأَذِنَ لِي، وَإِنِّي استَأْذَنتُ رَبِّي فِي الدُّعَاءِ لَهَا فَلَمْ يَأْذَن لِي، وَأَنزَلَ اللَّهُ عَلَيَّ: ﴿مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَءَآمَنُوا أَن يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُربَى﴾ الآية. ﴿فأخذني ما يأخذ الولد للوالد، وكنتُ نَهَيتُكُم عن زِيَارَةِ القُبُورِ فَزُورُوهَا فإنها تُذَكِّرُكُمُ الآخِرَةَ) (والثاني: أنها نزلت في أبي طالب، روى سعيد بن المسيب عن أبيه قال: لما حضرت أبا طالب الوفاة دخل عليه النبي ﷺ وعنده أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية فقال صلى الله عليه وسلم:) أَي عَمِّ قُلْ لاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ كَلِمَةٌ أُحَاج لَكَ بِهَا عِندَ اللَّهِ (فقال أبو جهل وعبد الله بن أمية: أترغب عن ملة عبد المطلب؟ فكان آخر شيء كلمهم به أن قال: أنا على ملة عبد المطلب. فقال النبي صلى الله عليه وسلم:) لأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ مَا لَمْ أُنْهَ عَنكَ (فنزلت {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَءَآمَنُوا أَن يَسْتَغْفِرُوا لِلمُشْرِكِينَ﴾ الآية. والثالث: أنها نزلت فيما رواه أبو الخليل عن عليّ بن أبي طالب رضي الله
409
عنه قال: سمعت رجلاً يستغفر لأبويه وهما مشركان، فقلت: تستغفر لأبويك وهما مشركان؟ قال: أو لم يستغفر إبراهيم لأبويه؟ فذكرته للنبي ﷺ، فنزلت ﴿مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ ءآمَنُواْ أَن يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ﴾. قوله عز وجل ﴿وَمَا كَانَ استِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ إِلاَّ عَن مَّوْعِدَةٍ وَعَدَهآ إِيَّاهُ﴾ الآية. عذر الله تعالى إبراهيم عليه السلام في استغفاره لأبيه مع شركه لسالف موعده ورجاء إيمانه. وفي موعده الذي كان يستغفر له من أجله قولان: أحدهما: أن أباه وعده أنه إن استغفر له آمن. والثاني: أن إبراهيم وعد أباه أن يستغفر له لما كان يرجوه أنه يؤمن. ﴿فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِّلَّهِ﴾ وذلك بموته على شركه وإياسه من إيمانه ﴿تَبَرَّأَ مِنْهُ﴾ أي من أفعاله ومن استغفاره له، فلم يستغفر له بعد موته. ﴿إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأَوَّاهٌ حَلِيمٌ﴾ فيه عشرة تأويلات: أحدها: أن الأوّاه: الدعَّاء، أي الذي يكثر الدعاء، قاله ابن مسعود. الثاني: أنه الرحيم، قاله الحسن. الثالث: أنه الموقن، قاله عكرمة وعطاء. الرابع: أنه المؤمن، بلغة الحبشة، قاله ابن عباس. الخامس: أنه المسبِّح، قاله سعيد بن المسيب. السادس: أنه الذي يكثر تلاوة القرآن، وهذا مروي عن ابن عباس أيضاً. السابع: أنه المتأوّه، قاله أبو ذر. الثامن: أنه الفقيه، قاله مجاهد. التاسع: أنه المتضرع الخاشع، رواه عبد الله بن شداد بن الهاد عن النبي صلى الله عليه وسلم.
410
العاشر: أنه الذي إذا ذكر خطاياه استغفر منها، قاله أبو أيوب. وأصل الأواه من التأوه وهو التوجع، ومنه قول المثقب العبدي.
411
قوله عز وجل :﴿ وَمَا كَانَ استِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ إِلاَّ عَن موْعِدَةٍ وَعَدَها إِيَّاهُ ﴾ الآية.
عذر الله تعالى إبراهيم عليه السلام في استغفاره لأبيه مع شركه لسالف موعده ورجاء إيمانه.
وفي موعده الذي كان يستغفر له من أجله قولان :
أحدهما : أن أباه وعده أنه إن استغفر له آمن.
والثاني : أن إبراهيم وعد أباه أن يستغفر له لما كان يرجوه أنه يؤمن.
﴿ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ للَّهِ ﴾ وذلك بموته على شركه وإياسه من إيمانه ﴿ تَبَرَّأَ مِنْهُ ﴾ أي من أفعاله ومن استغفاره له، فلم يستغفر له بعد موته.
﴿ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأَوَّاهٌ حَلِيمٌ ﴾ فيه عشرة تأويلات :
أحدها : أن الأوّاه : الدعَّاء، أي الذي يكثر الدعاء، قاله ابن مسعود.
الثاني : أنه الرحيم، قاله الحسن.
الثالث : أنه الموقن، قاله عكرمة وعطاء.
الرابع : أنه المؤمن، بلغة الحبشة، قاله ابن عباس.
الخامس : أنه المسبِّح، قاله سعيد بن المسيب.
السادس : أنه الذي يكثر تلاوة القرآن، وهذا مروي عن ابن عباس أيضاً.
السابع : أنه المتأوّه، قاله أبو ذر.
الثامن : أنه الفقيه، قاله مجاهد.
التاسع : أنه المتضرع الخاشع، رواه عبد الله بن شداد بن الهاد عن النبي صلى الله عليه وسلم.
العاشر : أنه الذي إذا ذكر خطاياه استغفر منها، قاله أبو أيوب.
وأصل الأواه من التأوه وهو التوجع، ومنه قول المثقب العبدي.
(إِذَا مَا قُمْتُ أَرْحَلُها بِلَيْلٍ تَأَوَّهُ آهَةَ الرَّجُلِ الْحَزِينِ)
إِذَا مَا قُمْتُ أَرْحَلُها بِلَيْلٍ تَأَوَّهُ آهَةَ الرَّجُلِ الْحَزِينِ
﴿وما كان الله ليضل قوما بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون إن الله بكل شيء عليم إن الله له ملك السماوات والأرض يحيي ويميت وما لكم من دون الله من ولي ولا نصير﴾ قوله عز وجل: ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ﴾ الآية. سبب نزولها أن قوماً من الأعراب أسلموا وعادوا إلى بلادهم فعملوا بما شاهدوا رسول الله ﷺ يعمله من الصلاة إلى بيت المقدس وصيام الأيام البيض، ثم قدموا بعد ذلك على رسول الله ﷺ فوجدوه يصلي إلى الكعبة ويصوم شهر رمضان: فقالوا: يا رسول الله أضلنا الله بعدك بالصلاة. إنك على أمر وإنا على غيره فأنزل الله تعالى هذه الآية.
﴿لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم ثم تاب عليهم إنه بهم رؤوف رحيم﴾ قوله عز وجل: ﴿لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ﴾ الآية. هي غزوة تبوك قِبل الشام، كانوا في عسرة من الظهر، كان الرجلان والثلاثة على بعير وفي عسرة من الزاد، قال قتادة حتى لقد ذكر لنا أن الرجلين كانا يشقان التمرة بينهما، وكان النفر يتداولون التمرة بينهم يمصها أحدهم ثم يشرب عليها من الماء، ثم يمصها الآخر، وفي عسرة من الماء، وكانوا في لهبان الحر وشدته.
411
قال عبد الله بن محمد بن عقيل: وأصابهم يوماً عطش شديد فجعلوا ينحرون إبلهم ويعصرون أكراشها فيشربون ماءها، قال عمر بن الخطاب فأمطر الله السماء بدعاء النبي ﷺ فغشينا. وفي هذه التوبة من الله على النبي ﷺ والمهاجرين والأنصار وجهان محتملان: أحدهما: استنقاذهم من شدة العسر. والثاني: أنها خلاصهم من نكاية العدوّ. وعبر عن ذلك بالتوبة وإن خرج عن عرفها لوجود معنى التوبة فيه وهو الرجوع إلى الحالة الأولى. ﴿مِن بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِّنْهُمْ﴾ فيه وجهان: أحدهما: تتلف بالجهد والشدة. والثاني: تعدِل عن الحق في المتابعة والنصرة، قاله ابن عباس. ﴿ثُمَّ تَابَ عَلَيهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ﴾ وهذه التوبة غير الأولى، وفيها قولان: أحدهما: أن التوبة الأولى في الذهاب، والتوبة الثانية في الرجوع. والقول الثاني: أن الأولى في السفر، والثانية بعد العودة إلى المدينة. فإن قيل بالأول، أن التوبة الثانية في الرجوع، احتملت وجهين: أحدهما: أنها الإذن لهم بالرجوع إلى المدينة. الثاني: أنها بالمعونة لهم في إمطار السماء عليهم حتى حيوا، وتكون التوبة على هذين الوجهين عامة. وإن قيل إن التوبة الثانية بعد عودهم إلى المدينة احتملت وجهين: أحدهما: أنها العفو عنهم من ممالأة من تخلف عن الخروج معهم. الثاني: غفران ما همَّ به فريق منهم من العدول عن الحق، وتكون التوبة على هذين الوجهين خاصة.
412
{وعلى الثلاثة الذين خلفوا حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت
412
عليهم أنفسهم وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه ثم تاب عليهم ليتوبوا إن الله هو التواب الرحيم يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين} قوله عز وجل: ﴿وَعلَى الثَّلاَثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُواْ﴾ يعني وتاب على الثلاثة الذين خلّفوا وفيه وجهان: أحدهما: خلفوا عن التوبة وأخرت عليهم حين تاب عليهم، أي على الثلاثة الذين لم يربطوا أنفسهم مع أبي لبابة، قاله الضحاك وأبو مالك. الثاني: خلفوا عن بعث رسول الله ﷺ، قاله عكرمة. وهؤلاء الثلاثة هم: هلال بن أمية ومرارة بن الربيع وكعب بن مالك. ﴿حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ﴾ لأن المسلمين امتنعوا من كلامهم. ﴿وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ﴾ بما لقوه من الجفوة لهم. ﴿وَظَنُّوآ أَن لاَّ مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلاَّ إِلَيْهِ﴾ أي تيقنوا أن لا ملجأ يلجؤون إليه في الصفح عنهم وقبول التوبة منهم إلا إليه. ﴿ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ﴾ قال كعب بن مالك: بعد خمسين ليلة من مقدم رسول الله ﷺ من غزاة تبوك. ﴿لِيَتُوبُوآ﴾ قال ابن عباس ليستقيموا لأنه قد تقدمت توبتهم وإنما امتحنهم بذلك استصلاحاً لهم ولغيرهم. قوله عز وجل: ﴿يَآ أَيُّهَا الَّذِينَءَآمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ﴾ في هذه الآية قولان: أحدهما: أنها في أهل الكتاب، وتأويلها: يا أيها الذين آمنوا من اليهود بموسى، ومن النصارى بعيسى اتقوا الله في إيمانكم بمحمد ﷺ فآمنوا به، وكونوا مع الصادقين يعني مع النبي ﷺ وأصحابه في جهاد المشركين، قاله مقاتل بن حيان.
413
الثاني: أنها في المسلمين: وتأويلها: يا أيها الذين آمنوا من المسلمين اتقوا الله وفي المراد بهذه التقوى وجهان: أحدهما: اتقوا الله من الكذب، قال ابن مسعود: إن الكذب لا يصلح في جدٍّ ولا هزل، اقرأُوا إن شئتم ﴿يَآ أَيُّهَا الَّذِينَءَآمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ﴾ وهي قراءة ابن مسعود هكذا: من الصادقين. والثاني: اتقوا الله في طاعة رسوله إذا أمركم بجهاد عدوِّه. ﴿وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ﴾ فيهم أربعة أقاويل: أحدها: مع أبي بكر وعمر، قاله الضحاك. الثاني: مع الثلاثة الذين خُلفوا حين صدقوا النبي ﷺ عن تأخرهم ولم يكذبوا. قاله السدي. والثالث: مع من صدق في قوله ونيته وعمله وسره وعلانيته، قاله قتادة. والرابع: مع المهاجرين لأنهم لم يتخلفوا عن الجهاد مع رسول الله ﷺ قاله ابن جريج.
414
قوله عز وجل :﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ﴾ في هذه الآية قولان :
أحدهما : أنها في أهل الكتاب، وتأويلها : يا أيها الذين آمنوا من اليهود بموسى، ومن النصارى بعيسى اتقوا الله في إيمانكم بمحمد صلى الله عليه وسلم فآمنوا به، وكونوا مع الصادقين يعني مع النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في جهاد المشركين، قاله مقاتل بن حيان.
الثاني : أنها في المسلمين، وتأويلها : يا أيها الذين آمنوا من المسلمين اتقوا الله وفي المراد بهذه التقوى وجهان :
أحدهما : اتقوا الله من الكذب، قال ابن مسعود : إن الكذب لا يصلح في جدٍّ ولا هزل، اقرأُوا إن شئتم ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ﴾ وهي قراءة ابن مسعود هكذا : من الصادقين.
والثاني : اتقوا الله في طاعة رسوله إذا أمركم بجهاد عدوِّه.
﴿ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ﴾ فيهم أربعة أقاويل :
أحدها : مع أبي بكر وعمر، قاله الضحاك.
الثاني : مع الثلاثة الذين خُلفوا حين صدقوا النبي صلى الله عليه وسلم عن تأخرهم ولم يكذبوا. قاله السدي.
والثالث : مع من صدق في قوله ونيته وعمله وسره وعلانيته، قاله قتادة.
والرابع : مع المهاجرين لأنهم لم يتخلفوا عن الجهاد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، قاله ابن جريج.
﴿ما كان لأهل المدينة ومن حولهم من الأعراب أن يتخلفوا عن رسول الله ولا يرغبوا بأنفسهم عن نفسه ذلك بأنهم لا يصيبهم ظمأ ولا نصب ولا مخمصة في سبيل الله ولا يطؤون موطئا يغيظ الكفار ولا ينالون من عدو نيلا إلا كتب لهم به عمل صالح إن الله لا يضيع أجر المحسنين ولا ينفقون نفقة صغيرة ولا كبيرة ولا يقطعون واديا إلا كتب لهم ليجزيهم الله أحسن ما كانوا يعملون وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون﴾
414
قوله عز وجل: ﴿وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَافَّةً﴾ فيه وجهان: أحدهما: وما كان عليهم أن ينفروا جميعاً لأن فرضه صار على الكفاية وهذا ناسخ لقوله تعالى ﴿انفِرُو خِفَافاً وَثِقَالاً﴾ قاله ابن عباس. والثاني: معناه وما كان للمؤمنين إذا بعث رسول الله ﷺ سَرية أن يخرجوا جميعاً فيها ويتركوا رسول الله ﷺ وحده بالمدينة حتى يقيم معه بعضهم، قاله عبد الله بن عبيد الله بن عمير. قال الكلبي: وسبب نزول ذلك أن المسلمين بعد أن عُيّروا بالتخلف عن غزوة تبوك توفروا على الخروج في سرايا رسول الله ﷺ وتركوه وحده بالمدينة، فنزل ذلك فيهم. ﴿فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ﴾ فيه قولان: أحدهما: لتتفقه الطائفة الباقية إما مع رسول الله ﷺ في جهاده، وإما مهاجرة إليه في إقامته، قاله الحسن. الثاني: لتتفقه الطائفة المتأخرة مع رسول الله ﷺ عن النفور في السرايا، ويكون معنى الكلام: فهلاَّ إذا نفروا أن تقيم من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا مع رسول الله ﷺ في الدين، قاله مجاهد. وفي قوله تعالى ﴿لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ﴾ تأويلان: أحدهما: ليتفقهوا في أحكام الدين ومعالم الشرع ويتحملوا عنه ما يقع به البلاغ وينذروا به قومهم إذا رجعوا إليهم. الثاني: ليتفقهوا فيما يشاهدونه من نصر الله لرسوله وتأييده لدينه وتصديق وعده ومشاهدة معجزاته ليقوى إيمانهم ويخبروا به قومهم.
415
قوله عز وجل :﴿ وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَافَّةً ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : وما كان عليهم أن ينفروا جميعاً لأن فرضه صار على الكفاية وهذا ناسخ لقوله تعالى :﴿ انفِرُوا خِفَافاً وَثِقَالاً ﴾ قاله ابن عباس.
والثاني : معناه وما كان للمؤمنين إذا بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سَرية أن يخرجوا جميعاً فيها ويتركوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وحده بالمدينة حتى يقيم معه بعضهم، قاله عبد الله بن عبيد الله بن عمير.
قال الكلبي : وسبب نزول ذلك أن المسلمين بعد أن عُيّروا بالتخلف عن غزوة تبوك توفروا على الخروج في سرايا رسول الله صلى الله عليه وسلم وتركوه وحده بالمدينة، فنزل ذلك فيهم.
﴿ فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ ليَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ ﴾ فيه قولان :
أحدهما : لتتفقه الطائفة الباقية إما مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في جهاده، وإما مهاجرة إليه في إقامته، قاله الحسن.
الثاني : لتتفقه الطائفة المتأخرة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عن النفور في السرايا، ويكون معنى الكلام : فهلاَّ إذا نفروا أن تقيم من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الدين، قاله مجاهد.
وفي قوله تعالى :﴿ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ ﴾ تأويلان :
أحدهما : ليتفقهوا في أحكام الدين ومعالم الشرع ويتحملوا عنه ما يقع به البلاغ وينذروا به قومهم إذا رجعوا إليهم.
الثاني : ليتفقهوا فيما يشاهدونه من نصر الله لرسوله وتأييده لدينه وتصديق وعده ومشاهدة معجزاته ليقوى إيمانهم ويخبروا به قومهم.
﴿يا أيها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظة واعلموا أن الله مع المتقين﴾ قوله عز وجل: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَءَآمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِّنَ الْكُفَّارِ﴾ فيهم أربعة أقاويل: أحدها: أنهم الروم قاله ابن عمر.
415
الثاني: أنهم الديلم، قاله الحسن. الثالث: أنهم العرب، قاله ابن زيد. الرابع: أنه على العموم في قتال الأقرب فالأقرب والأدنى فالأدنى، قاله قتادة.
416
﴿وإذا ما أنزلت سورة فمنهم من يقول أيكم زادته هذه إيمانا فأما الذين آمنوا فزادتهم إيمانا وهم يستبشرون وأما الذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجسا إلى رجسهم وماتوا وهم كافرون﴾ قوله عز وجل: ﴿وَإِذَا مَآ أُنْزِلَتُ سُورَةٌ فِمِنْهُم مَّن يَقُولُ أَيَُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَاناً﴾. هؤلاء هم المنافقون. وفي قولهم ذلك عند نزول السورة وجهان: أحدهما: أنه قول بعضهم لبعض على وجه الإنكار، قاله الحسن. الثاني: أنهم يقولون ذلك لضعفاء المسلمين على وجه الاستهزاء. ﴿فَأَمَّا الَّذِينَءَآمَنُوا فَزَادَتْهُمُ إيمَاناً﴾ فيه تأويلان: أحدهما: فزادتهم خشية، قاله الربيع بن أنس. الثاني: فزادتهم السورة إيماناً لأنهم قبل نزولها لم يكونوا مؤمنين بها، قاله الطبري. ﴿وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ﴾ أي شك. ﴿فَزَادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ﴾ فيه ثلاثة أوجه: أحدها: إثماً إلى إثمهم، قاله مقاتل. الثاني: شكاً إلى شكِّهم، قاله الكلبي. الثالث: كفراً إلى كفرهم، قاله قطرب.
﴿ وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مرَضٌ ﴾ أي شك.
﴿ فَزَادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ ﴾ فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : إثماً إلى إثمهم، قاله مقاتل.
الثاني : شكاً إلى شكِّهم، قاله الكلبي.
الثالث : كفراً إلى كفرهم، قاله قطرب.
{أو لا يرون أنهم يفتنون في كل عام مرة أو مرتين ثم لا يتوبون ولا هم يذكرون وإذا ما أنزلت سورة نظر بعضهم إلى بعض هل
416
يراكم من أحد ثم انصرفوا صرف الله قلوبهم بأنهم قوم لا يفقهون} قوله عز وجل: ﴿أَوَ لاَ يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَّرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ﴾ الآية. في معنى الافتتان هنا ثلاثة أوجه: أحدها: يبتلون، قاله ابن عباس. الثاني: يضلون، قاله عبد الرحمن بن زيد. الثالث: يختبرون، قاله أبو جعفر الطبري. وفي الذي يفتنون به أربعة أقاويل: أحدها: أنه الجوع والقحط، قاله مجاهد. الثاني: أنه الغزو والجهاد في سبيل الله، قاله قتادة. الثالث: ما يلقونه من الكذب على رسول الله ﷺ، قاله حذيفة بن اليمان. الرابع: أنه ما يظهره الله تعالى من هتك أستارهم وسوء نياتهم، حكاه علي بن عيسى. وهي في قراءة ابن مسعود: ﴿أَوَ لاَ تَرَى أَنَّهُم يُفْتَنُونَ﴾ خطاباً لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
417
﴿لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم فإن تولوا فقل حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم﴾ قوله عز وجل: ﴿لَقَدْ جَآءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنفُسِكُمْ﴾ فيه قراءتان: إحداهما: من أنفسكم بفتح الفاء ويحتمل تأويلها ثلاثة أوجه: أحدها: من أكثركم طاعة لله تعالى. الثاني: من أفضلكم خلقاً. الثالث: من أشرفكم نسباً.
417
والقراءة الثانية: بضم الفاء، وفي تأويلها أربعة أوجه: أحدها: يعني من المؤمنين لم يصبه شيء من شرك، قاله محمد بن علي. الثاني: يعني من نكاح لم يصبه من ولادة الجاهلية، قاله جعفر بن محمد. وقد روي عن النبي ﷺ أنه قال: (خَرَجْتُ مِن نِكَاحٍ وَلَمْ أَخَرُجْ مِنْ سِفَاحٍ) الثالث: ممن تعرفونه بينكم، قاله قتادة. الرابع: يعني من جميع العرب لأنه لم يبق بطن من بطون العرب إلا قد ولدوه، قاله الكلبي. ﴿عَزِيزٌ عَلَيهِ مَا عنِتُّمُ﴾ فيه ثلاثة تأويلات: أحدها: شديد عليه ما شق عليكم، قاله ابن عباس. الثاني: شديد عليه ما ضللتم، قاله سعيد بن أبي عروبة. الثالث: عزيز عليه عنت مؤمنكم، قاله قتادة. ﴿حَرِيصٌ عَلَيكُمْ﴾ قاله الحسن: حريص عليكم أن تؤمنوا. ﴿بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾ فيه وجهان:
418
أحدهما: بما يأمرهم به من الهداية ويؤثره لهم من الصلاح. الثاني: بما يضعه عنهم من المشاق ويعفو عنهم من الهفوات، وهو محتمل. قوله عز وجل ﴿فَإِن تَوَلَّوْا﴾ فيه وجهان: أحدهما: عن طاعة الله، قاله الحسن. الثاني: عنك، ذكره عليّ بن عيسى. ﴿فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لاَ إِلهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيهِ تَوَكَّلْتُ﴾ يحتمل وجهين: أحدهما: حسبي الله معيناً عليكم. الثاني: حسبي الله هادياً لكم. ﴿وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظيمِ﴾ يحتمل وجهين: أحدهما: لسعته. الثاني: لجلالته. روى يوسف بن مهران عن ابن عباس أن آخر ما أُنزل من القرآن هاتان الآيتان ﴿لَقَدْ جَآءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنفُسِكُمْ﴾ وهذه الآية. وقال أُبي بن كعب: هما أحدث القرآن عهداً بالله وقال مقاتل: تقدم نزولهما بمكة، والله أعلم.
419
سورة يونس
420
قوله عز وجل :﴿ فَإِن تَوَلَّوْا ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : عن طاعة الله، قاله الحسن.
الثاني : عنك، ذكره عليّ بن عيسى.
﴿ فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لاَ إِلهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيهِ تَوَكَّلْتُ ﴾ يحتمل وجهين :
أحدهما : حسبي الله معيناً عليكم.
الثاني : حسبي الله هادياً لكم.
﴿ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظيمِ ﴾ يحتمل وجهين :
أحدهما : لسعته.
الثاني : لجلالته.
Icon