تفسير سورة مريم

تفسير الخازن
تفسير سورة سورة مريم من كتاب لباب التأويل في معاني التنزيل المعروف بـتفسير الخازن .
لمؤلفه الخازن . المتوفي سنة 741 هـ
مكية وهي ثمان وتسعون آية وثمانون وسبعمائة كلمة وثلاثة آلاف وسبعمائة حرف.

سورة مريم
مكية وهي ثمان وتسعون آية وثمانون وسبعمائة كلمة وثلاثة آلاف وسبعمائة حرف بسم الله الرّحمن الرّحيم
[سورة مريم (١٩): الآيات ١ الى ١٠]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

كهيعص (١) ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا (٢) إِذْ نادى رَبَّهُ نِداءً خَفِيًّا (٣) قالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً وَلَمْ أَكُنْ بِدُعائِكَ رَبِّ شَقِيًّا (٤)
وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوالِيَ مِنْ وَرائِي وَكانَتِ امْرَأَتِي عاقِراً فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا (٥) يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا (٦) يا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ اسْمُهُ يَحْيى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا (٧) قالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَكانَتِ امْرَأَتِي عاقِراً وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا (٨) قالَ كَذلِكَ قالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئاً (٩)
قالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قالَ آيَتُكَ أَلاَّ تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَ لَيالٍ سَوِيًّا (١٠)
كهيعص قال ابن عباس رضي الله عنهما هو اسم من أسماء الله تعالى، وقيل اسم للقرآن، وقيل للسورة وقيل هو قسم أقسم الله تعالى به. وعن ابن عباس قال الكاف من كريم وكبير، والهاء من هاد، والياء من رحيم، والعين من عليم، والصاد من صادق، وقيل معناه كاف لخلقه هاد لعباده يده فوق أيديهم عالم ببريته صادق في وعده.
ذِكْرُ أي هذا الذي نتلو عليك ذكر رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا قيل معناه ذكر ربك عبده زكريا برحمته إِذْ نادى أي دعا رَبَّهُ في المحراب نِداءً خَفِيًّا أي دعاء سرا من قيامه في جوف الليل، وقيل راعى سنة الله في إخفاء دعائه لأن الجهر والإسرار عند الله تعالى سيان، ولكن الإخفاء أولى، وقيل خفت صوته لضعفه وهرمه يدل عليه قوله تعالى قالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ أي رق وضعف الْعَظْمُ مِنِّي أي من الكبر وقيل اشتكى سقوط الأضراس وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ أي ابيض الشعر شَيْباً أي شمطا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعائِكَ رَبِّ شَقِيًّا أي عودتني الإجابة فيما مضى ولم تخيبني، وقيل معناه لما دعوتني إلى الإيمان آمنت ولم أشق بترك الإيمان وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوالِيَ مِنْ وَرائِي أي من بعد موتي والموالي هم بنو العم وقيل العصبة وقيل الكلالة وقيل جميع الورثة وَكانَتِ امْرَأَتِي عاقِراً أي لا تلد فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا أي أعطني من عندك ولدا مرضيا يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ أي وليا ذا رشاد، وقيل أراد به يرث مالي ويرث من آل يعقوب النبوة والعلم، وقيل أراد به الحبورة، لأن زكريا كان رأس الأحبار، والأولى أن يحمل على ميراث غير المال لأن الأنبياء لم يورثوا المال وإنما يورثون العلم، ويبعد عن زكريا وهو نبي من الأنبياء أن يشفق على ماله أن يرثه بنو عمه، وإنما خاف أن يضيع بنو عمه
﴿ ذكر ﴾ أي هذا الذي نتلو عليك ذكر ﴿ رحمة ربك عبده زكريا ﴾ قيل معناه ذكر ربك عبده زكريا برحمته.
﴿ إذ نادى ﴾ أي دعا ﴿ ربه ﴾ في المحراب ﴿ نداء خفياً ﴾ أي دعاء سراً من قيامه في جوف الليل، وقيل راعى سنة الله في إخفاء دعائه لأن الجهر والإسرار عند الله تعالى سيان، ولكن الإخفاء أولى، وقيل خفت صوته لضعفه وهرمه يدل عليه قوله تعالى﴿ قال رب إني وهن ﴾
أي رق وضعف﴿ العظم مني ﴾ أي من الكبر وقيل اشتكى سقوط الأضراس. ﴿ واشتعل الرأس ﴾ أي ابيض الشعر ﴿ شيباً ﴾ أي شمطاً ﴿ ولم أكن بدعائك رب شقياً ﴾ أي عودتني الإجابة فما مضى ولم تخيبني، وقيل معناه لما دعوتني إلى الإيمان آمنت ولم أشق بترك الإيمان.
﴿ وإني خفت الموالي من ورائي ﴾ أي من بعد موتي والموالي هم بنو العم وقيل العصبة وقيل الكلالة وقيل جميع الورثة ﴿ وكانت امرأتي عاقراً ﴾ أي لا تلد ﴿ فهب لي من لدنك ولياً ﴾ أي أعطني من عندك ولداً مرضياً.
﴿ يرثني ويرث من آل يعقوب ﴾ أي ولياً ذا رشاد، وقيل أراد به يرث مالي ويرث من آل يعقوب النبوة والعلم، وقيل أراد به الحبورة، لأن زكريا كان رأس الأحبار، والأولى أن يحمل على ميراث غير المال لأن الأنبياء لم يرثوا المال وإنما يورثون العلم، ويبعد عن زكريا وهو نبي من الأنبياء أن يشفق على ماله أن يرثه بنو عمه، وإنما خاف أن يضيع بنو عمه دين الله ويغيروا أحكامه، وذلك لما أن شاهد من بني إسرائيل تبديل الدين وقتل الأنبياء. فسأل ربه ولداً صالحاً يأمنه على أمته ويرث نبوته وعلمه لئلا يضيع وهذا قول ابن عباس ﴿ واجعله رب رضياً ﴾ أي براً تقياً مرضياً.
قوله تعالى ﴿ يا زكريا ﴾ المعنى فاستجاب الله له دعائه فقال يا زكريا ﴿ إنا نبشرك بغلام ﴾ أي بولد ذكر ﴿ اسمه يحيى لم نجعل له من قبل سمياً ﴾ أي لم يسم أحد قبله يحيى وقيل معناه لم نجعل له شبهاً ومثلاً، وذلك لأنه لم يعص الله ولم يهم بمعصية قط وقال ابن عباس : لم تلد العواقر مثله ولداً، قيل لم يرد الله تعالى بذلك اجتماع الفضائل كلها ليحيى، وإنما أراد بعضها لأن الخليل والكليم كانا قبله وهما أفضل منه.
﴿ قال رب أنى يكون لي ﴾ أي من أين يكون لي ﴿ غلام وكانت امرأتي عاقراً ﴾ أي وامرأتي عاقر ﴿ وقد بلغت من الكبر عتياً ﴾ أي يأساً يريد بذلك نحول الجسم ودقة العظام ونحول الجلد.
﴿ قال كذلك قال ربك هو علي هين ﴾ أي يسير ﴿ وقد خلقتك من قبل ﴾ أي من قبل يحيى.
﴿ قال رب اجعل لي آية ﴾ أي دلالة على حمل امرأتي ﴿ قال آيتك ﴾ أي علامتك ﴿ أن لا تكلم الناس ثلاث ليال سوياً ﴾ أي صحيحاً سليماً من غير بأس ولا خرس، وقيل ثلاث ليال متتابعات والأول أصح. قيل إنه لم يقدر فيها أن يتكلم مع الناس فإذا أراد ذكر الله انطلق لسانه.
دين الله ويغيروا أحكامه، وذلك لما أن شاهد من بني إسرائيل تبديل الدين وقتل الأنبياء. فسأل ربه ولدا صالحا يأمنه على أمته ويرث نبوته وعلمه لئلا يضيع وهذا قول ابن عباس وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا أي برا تقيا مرضيا.
قوله تعالى يا زَكَرِيَّا المعنى فاستجاب الله له دعائه فقال يا زكريا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ أي بولد ذكر اسْمُهُ يَحْيى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا أي لم يسم أحد قبله يحيى وقيل معناه لم نجعل له شبها ومثلا، وذلك لأنه لم يعص الله ولم يهم بمعصية قط وقال ابن عباس: لم تلد العواقر مثله ولدا، قيل لم يرد الله تعالى بذلك اجتماع الفضائل كلها ليحيى، وإنما أراد بعضها لأن الخليل والكليم كانا قبله وهما أفضل منه قالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي أي من أين يكون لي غُلامٌ وَكانَتِ امْرَأَتِي عاقِراً أي وامرأتي عاقر وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا أي يأسا يريد بذلك نحول الجسم ودقة العظم ونحول الجلد قالَ كَذلِكَ قالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ أي يسير وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ أي من قبل يحيى وَلَمْ تَكُ شَيْئاً قالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً أي دلالة على حمل امرأتي قالَ آيَتُكَ أي علامتك أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَ لَيالٍ سَوِيًّا أي صحيحا سليما من غير بأس ولا خرس، وقيل ثلاث ليال متتابعات والأول أصح قيل إنه لم يقدر فيها أن يتكلم مع الناس فإذا أراد ذكر الله انطلق لسانه. قوله عز وجل:
[سورة مريم (١٩): الآيات ١١ الى ٢٢]
فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرابِ فَأَوْحى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا (١١) يا يَحْيى خُذِ الْكِتابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا (١٢) وَحَناناً مِنْ لَدُنَّا وَزَكاةً وَكانَ تَقِيًّا (١٣) وَبَرًّا بِوالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّاراً عَصِيًّا (١٤) وَسَلامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا (١٥)
وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِها مَكاناً شَرْقِيًّا (١٦) فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجاباً فَأَرْسَلْنا إِلَيْها رُوحَنا فَتَمَثَّلَ لَها بَشَراً سَوِيًّا (١٧) قالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا (١٨) قالَ إِنَّما أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلاماً زَكِيًّا (١٩) قالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا (٢٠)
قالَ كَذلِكِ قالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكانَ أَمْراً مَقْضِيًّا (٢١) فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكاناً قَصِيًّا (٢٢)
فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرابِ أي من الموضع الذي كان يصلي فيه وكان الناس من وراء المحراب ينتظرونه حتى يفتح لهم الباب فيدخلون ويصلون، إذ خرج إليهم زكريا متغيرا لونه فأنكروا ذلك عليه، وقالوا له ما لك فَأَوْحى أي فأومأ وأشار إِلَيْهِمْ وقيل كتب لهم في الأرض أَنْ سَبِّحُوا أي صلوا لله بُكْرَةً وَعَشِيًّا المعنى أنه كان يخرج على قومه بكرة وعشيا فيأمرهم بالصلاة، فلما كان وقت حمل امرأته ومنع من الكلام خرج إليهم فأمرهم بالصلاة إشارة. قوله عز وجل يا يَحْيى فيه إضمار ومعناه وهبنا له يحيى وقلنا له يا يحيى خُذِ الْكِتابَ أي التوراة بِقُوَّةٍ أي بجد واجتهاد وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ قال ابن عباس: يعني النبوة صَبِيًّا وهو ابن ثلاث سنين وذلك أن الله تعالى أحكم عقله وأوحى إليه، فإن قلت كيف يصح حصول العقل والفطنة والنبوة حال الصبا. قلت لأن أصل النبوة مبني على خرق العادات، إذا ثبت هذا فلا تمنع صيرورة الصبي نبيا، وقيل أراد بالحكم فهم الكتاب فقرأ التوراة وهو صغير وعن بعض السلف قال من قرأ القرآن قبل أن يبلغ فهو من أوتي الحكم صبيا وَحَناناً مِنْ لَدُنَّا أي رحمة من عندنا قال الحطيئة يخاطب عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه:
تحنن علي هداك المليك... فإن لكل مقام مقالا
أي ترحم علي وَزَكاةً قال ابن عباس: يعني بالزكاة الطاعة والإخلاص، وقيل هي العمل الصالح، ومعنى الآية وآتيناه رحمة من عندنا وتحننا على العباد ليدعوهم إلى طاعة ربهم وعملا صالحا في إخلاصه وَكانَ تَقِيًّا أي
183
مسلما مخلصا مطيعا، وكان من تقواه إنه لم يعمل خطيئة ولم يهم بها قط وَبَرًّا بِوالِدَيْهِ
أي بارا لطيفا بهما محسنا إليهما لأنه لا عبادة بعد تعظيم الله تعالى أعظم من بر الوالدين يدل عليه قوله تعالى وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً الآية وَلَمْ يَكُنْ جَبَّاراً
الجبار المتكبر وقيل الذي يقتل ويضرب على الغضب، وقيل الجبار الذي لا يرى لأحد على نفسه حقا وهو التعظيم بنفسه يرى أن لا يلزمه قضاء لأحد عَصِيًّا
قيل هو أبلغ من المعاصي والمراد وصف يحيى بالتواضع ولين الجانب وهو من صفات المؤمنين وَسَلامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا
معناه وأمان له من الله يوم ولد من أن يناله الشيطان كما ينال سائر بني آدم وأمان له يوم يموت من عذاب القبر ويوم يبعث حيا من عذاب يوم القيامة، وقيل أوحش ما يكون الخلق في ثلاثة مواطن يوم يولد لأنه يرى نفسه خارجا من مكان قد كان فيه، ويوم يموت لأنه يرى قوما ما شاهدهم قط، ويوم يبعث لأنه يرى مشهدا عظيما فأكرم الله تعالى يحيى في هذه المواطن كلها فخصه بالسلامة فيها.
قوله عز وجل وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ
أي في القرآن مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ
أي تنحت واعتزلت مِنْ أَهْلِها
أي من قومها مَكاناً شَرْقِيًّا
أي مكانا في الدار ما يلي المشرق، وكان ذلك اليوم شاتيا شديد البرد فجلست في مشرقه تفلي رأسها وقيل إن مريم كانت قد طهرت من الحيض فذهبت تغتسل، قيل ولهذا المعنى اتخذت النصارى المشرق قبلة فَاتَّخَذَتْ
أي فضربت مِنْ دُونِهِمْ حِجاباً
قال ابن عباس أي سترا وقيل جلست وراء جدار، وقيل إن مريم كانت تكون في المسجد فإذا حاضت تحولت إلى بيت خالتها، حتى إذا طهرت عادت إلى المسجد، فبينما هي تغتسل من الحيض قد تجردت، إذ عرض لها جبريل في صورة شاب أمرد وضيء الوجه سوي الخلق فذلك.
قوله تعالى فَأَرْسَلْنا إِلَيْها رُوحَنا
يعني جبريل فَتَمَثَّلَ لَها بَشَراً سَوِيًّا
أي سوي الخلق لم ينقص من الصورة الآدمية شيئا، وإنما مثل لها في صورة الإنسان لتستأنس بكلامه ولا تنفر عنه، ولو بدا لها في صورة الملائكة لنفرت عنه ولم تقدر على استماع كلامه، وقيل المراد من الروح روح عيسى جاءت في صورة بشر فحملت به والقول الأول أصح، فلما رأت مريم جبريل عليه السلام يقصد نحوها بادرته من بعيد قالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا
أي مؤمنا مطيعا لله تعالى، دل تعوذها من تلك الصورة الحسنة على عفتها وورعها. فإن قلت إنما يستعاذ من الفاجر فكيف قالت إن كنت تقيا. قلت هذا كقول القائل إن كنت مؤمنا فلا تظلمني أي ينبغي أن يكون إيمانك مانعا من الظلم، كذلك ها هنا معناه ينبغي أن تكون تقواك مانعة لك من الفجور قالَ
لها جبريل عليه السلام إِنَّما أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ
أسند الفعل إليه وإن كانت الهبة من الله تعالى لأنه أرسل به لَكِ غُلاماً زَكِيًّا
قال ابن عباس ولدا صالحا طاهرا من الذنوب قالَتْ مريم أَنَّى يَكُونُ لِي أي من أين يكون لي غُلامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ أي ولم يقربني زوج وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا أي فاجرة تريد أن الولد إنما يكون من نكاح أو سفاح ولم يكن ها هنا واحد منهما قالَ جبريل كَذلِكِ قالَ رَبُّكِ أي هكذا قال ربك هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ أي خلق ولدك بلا أب وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ أي علامة لهم ودلالة على قدرتنا وَرَحْمَةً مِنَّا أي ونعمة لمن تبعه على دينه إلى بعثة محمد صلّى الله عليه وسلّم وَكانَ أَمْراً مَقْضِيًّا أي محكوما مفروغا من لا يرد ولا يبدل. قوله عز وجل فَحَمَلَتْهُ قيل إن جبريل رفع درعها فنفخ في جيبه فحملت حين لبست الدرع، وقيل مد جيب درعها بإصبعه ثم نفخ في الجيب، وقيل نفخ في كمها وقيل في ذيلها، وقيل في فيها، وقيل نفخ من بعيد فوصل النفخ إليها فحملت بعيسى عليه السلام في الحال فَانْتَبَذَتْ بِهِ أي فلما حملته تنحت بالحمل وانفردت مَكاناً قَصِيًّا أي بعيدا من أهلها.
قال ابن عباس: أقصى الوادي، وهو بيت لحم فرارا من أهلها وقومها أن يعيروها بولادتها من غير زوج.
184
قوله عز وجل ﴿ يا يحيى ﴾ فيه إضمار ومعناه وهبنا له يحيى وقلنا له يا يحيى ﴿ خذ الكتاب ﴾ أي التوراة ﴿ بقوة ﴾ أي بجد واجتهاد ﴿ وآتيناه الحكم ﴾ قال ابن عباس : يعني النبوة ﴿ صبياً ﴾ وهو ابن ثلاث سنين وذلك أن الله تعالى أحكم عقله وأوحى إليه، فإن قلت كيف يصح حصول العقل والفطنة والنبوة حال الصبا. قلت لأن أصل النبوة مبني على خرق العادات، إذا ثبت هذا فلا تمنع صيرورة الصبي نبياً، وقيل أراد بالحكم فهم الكتاب فقرأ التوراة وهو صغير وعن بعض السلف قال من قرأ القرآن قبل أن يبلغ فهو من أوتي الحكم صبياً.
﴿ وحناناً من لدناً ﴾ أي رحمة من عندنا قال الحطيئة يخاطب عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه :
تحنن علي هداك المليك *** فإن لكل مقام مقالا
أي ترحم علي ﴿ وزكاة ﴾ قال ابن عباس : يعني بالزكاة الطاعة والإخلاص، وقيل هي العمل الصالح، ومعنى الآية وآتيناه رحمة من عندنا وتحننا على العباد ليدعوهم إلى طاعة ربهم وعملاً صالحاً في إخلاصه ﴿ وكان تقياً ﴾ أي مسلماً مخلصاً مطيعاً، وكان من تقواه إنه لم يعمل خطيئة ولم يهم بها قط.
﴿ وبراً بوالديه ﴾ أي باراً لطيفاً بهما محسناً إليهما لأنه لا عبادة بعد تعظيم الله تعالى أعظم من بر الوالدين يدل عليه قوله تعالى ﴿ وقضى ربك أن لا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحساناً ﴾ الآية ﴿ ولم يكن جباراً ﴾ الجبار المتكبر وقيل الذي يقتل ويضرب على الغضب، وقيل الجبار الذي لا يرى لأحد على نفسه حقاً وهو التعظيم بنفسه يرى أن لا يلزمه قضاء لأحد ﴿ عصياً ﴾ قيل هو أبلغ من المعاصي والمراد وصف يحيى بالتواضع ولين الجانب وهو من صفات المؤمنين.
﴿ وسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حياً ﴾ معناه وأمان له من الله يوم ولد من أن يناله الشيطان كما ينال سائر بني آدم وأمان له يوم يموت من عذاب القبر ويوم يبعث حياً من عذاب يوم القيامة، وقيل أوحش ما يكون الخلق في ثلاث مواطن يوم يولد لأنه يرى نفسه خارجاً من مكان قد كان فيه، ويوم يموت لأنه يرى قوماً ما شاهدهم قط، ويوم يبعث لأنه يرى مشهداً عظيماً فأكرم الله تعالى يحيى في هذه المواطن كلها فخصه بالسلامة فيها.
قوله عز وجل ﴿ واذكر في الكتاب ﴾ أي في القرآن ﴿ مريم إذا انتبذت ﴾ أي تنحت واعتزلت ﴿ من أهلها ﴾ أي من قومها ﴿ مكاناً شرقياً ﴾ أي مكاناً في الدار ما يلي المشرق، وكان ذلك اليوم شاتياً شديد البرد فجلست في مشرقه تفلي رأسها وقيل إن مريم كانت قد طهرت من الحيض فذهبت تغتسل، قيل ولهذا المعنى اتخذت النصارى المشرق قبلة.
﴿ فاتخذت ﴾ أي فضربت ﴿ من دونهم حجاباً ﴾ قال ابن عباس أي ستراً وقيل جلست وراء جدار، وقيل إن مريم كانت تكون في المسجد فإذا حاضت تحولت إلى بيت خالتها، حتى إذا طهرت عادت إلى المسجد، فبينما هي تغتسل من الحيض قد تجردت، إذ عرض لها جبريل في صورة شاب أمرد وضيء الوجه سوي الخلق فذلك.
قوله تعالى ﴿ فأرسلنا إليها روحنا ﴾ يعني جبريل ﴿ فتمثل لها بشراً سوياً ﴾ أي سوي الخلق لم ينقص من الصورة الآدمية شيئاً، وإنما مثل لها في صورة الإنسان لتستأنس بكلامه ولا تنفر عنه، ولو بدا لها في صورة الملائكة لنفرت عنه ولم تقدر على استماع كلامه، وقيل المراد من الروح روح عيسى جاءت في صورة بشر فحملت به والقول الأول أصح، فلما رأت مريم جبريل عليه السلام يقصد نحوها بادرته من بعيد.
﴿ قالت إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقياً ﴾ أي مؤمناً مطيعاً لله تعالى، دل تعوذها من تلك الصورة الحسنة على عفتها وورعها. فإن قلت إنما يستعاذ من الفاجر فكيف قالت إن كنت تقياً. قلت هذا كقول القائل إن كنت مؤمناً فلا تظلمني أي ينبغي أن يكون إيمانك مانعاً من الظلم، كذلك ها هنا معناه ينبغي أن تكون تقواك مانعة لك من الفجور.
﴿ قال ﴾ لها جبريل عليه السلام ﴿ إنما أنا رسول ربك لأهب ﴾ أسند الفعل إليه وإن كانت الهبة من الله تعالى لأنه أرسل به ﴿ لك غلاماً زكياً ﴾ قال ابن عباس ولداً صالحاً طاهراً من الذنوب.
﴿ قالت ﴾ مريم ﴿ أنى يكون لي ﴾ أي من أين يكون لي ﴿ غلام ولم يمسسني بشر ﴾ أي ولم يقربني زوج ﴿ ولم أك بغياً ﴾ أي فاجرة تريد أن الولد إنما يكون من نكاح أو سفاح ولم يكن ها هنا واحد منهما.
﴿ قال ﴾ جبريل ﴿ كذلك قال ربك ﴾ أي هكذا قال ربك ﴿ هو علي هين ﴾ أي خلق ولدك بلا أب ﴿ ولنجعله آية للناس ﴾ أي علامة لهم ودلالة على قدرتنا ﴿ ورحمة منا ﴾ أي ونعمة لمن تبعه على دينه إلى بعثة محمد صلى الله عليه وسلم ﴿ وكان أمراً مقضياً ﴾ أي محكوماً مفروغاً من لا يرد ولا يبدل.
قوله عز وجل ﴿ فحملته ﴾ قيل إن جبريل رفع درعها فنفخ في جيبه فحملت حين لبست الدرع، وقيل مد جيب درعها بأصبعه ثم نفخ في الجيب، وقيل نفخ في كمها وقيل في ذيلها، وقيل في فيها، وقيل نفخ من بعيد فوصل النفخ إليها فحملت بعيسى عليه السلام في الحال ﴿ فانتبذت به ﴾ أي فلما حملته تنحت بالحمل وانفردت ﴿ مكاناً قصياً ﴾ أي بعيداً من أهلها.
قال ابن عباس : أقصى الوادي، وهو بيت لحم فراراً من أهلها وقومها أن يعيروها بولادتها من غير زوج.
قال ابن عباس : كان الحمل والولادة في ساعة واحدة وقيل حملته في ساعة وصور في ساعة ووضعته في ساعة حين زالت الشمس من يومها، وقيل كانت مدته تسعة أشهر كحمل سائر الحوامل من النساء، وقيل كانت مدة حملها ثمانية أشهر، وذلك آية أخرى له لأنه لا يعيش من ولد لثمانية أشهر وولد عيسى لهذه المدة وعاش، وقيل ولد لستة أشهر وهي بنت عشر سنين وقيل ثلاث عشرة سنة وقيل ستة عشر سنة وقد كانت حاضت حيضتين قبل أن تحمل بعيسى، وقال وهب : إن مريم لما حملت بعيسى كان معها ابن عم لها يقال له يوسف النجار، وكانا منطلقين إلى المسجد الذي يمنة جبل صهيون، وكانا يخدمان ذلك المسجد ولا يعلم من أهل زمانها أحد أشد عبادة واجتهاداً منها وأول من علم بحمل مريم يوسف، فبقي متحيراً في أمرها كلما أراد أن يتهمها ذكر عبادتها وصلاحها وأنها لم تغب عنه، وإذا أراد أن يبرئها رأى ما ظهر منها من الحمل فأول ما تكلم به أن قال إنه وقع في نفسي من أمرك شيء وقد حرصت على كتمانه فغلبني ذلك فرأيت أن أتكلم به أشفي صدري، فقالت : قل قولاً جميلاً، قال أخبريني يا مريم هل ينبت زرع بغير بذر وهل ينبت شجر بغير غيث وهل يكون ولد من غير ذكر ؟ قالت نعم ألم تعلم أن الله أنبت الزرع يوم خلقه من غير بذر ألم تر أن الله أنبت الشجر بالقدرة من غير غيث أو تقول إن الله تعالى لا يقدر على أن ينبت الشجر حتى استعان بالماء ولولا ذلك لم يقدر على إنباتها قال يوسف : لا أقول هذا ولكن أقول إن الله تعالى يقدر على كل شيء يقول له كن فيكون، قالت له مريم : ألم تعلم أن الله خلق آدم وامرأته من غير ذكر ولا أنثى. فعند ذلك زال ما عنده من التهمة وكان ينوب عنها في خدمة المسجد لاستيلاء الضعف عليها بسبب الحمل. فلما دنت ولادتها أوحى الله إليها أن اخرجي من أرض قومك فذلك قوله تعالى ﴿ فانتبذت به مكاناً قصياً ﴾.
قال ابن عباس: كان الحمل والولادة في ساعة واحدة وقيل حملته في ساعة وصور في ساعة ووضعته في ساعة حين زالت الشمس من يومها، وقيل كانت مدته تسعة أشهر كحمل سائر الحوامل من النساء، وقيل كانت مدة حملها ثمانية أشهر، وذلك آية أخرى له لأنه لا يعيش من ولد لثمانية أشهر وولد عيسى لهذه المدة وعاش، وقيل ولد لستة أشهر وهي بنت عشر سنين وقيل ثلاث عشرة سنة وقيل ست عشرة سنة وقد كانت حاضت حيضتين قبل أن تحمل بعيسى، وقال وهب: إن مريم لما حملت بعيسى كان معها ابن عم لها يقال له يوسف النجار، وكانا منطلقين إلى المسجد الذي يمنة جبل صهيون، وكانا يخدمان ذلك المسجد ولا يعلم من أهل زمانها أحد أشد عبادة واجتهادا منها وأول من علم بحمل مريم يوسف، فبقي متحيرا في أمرها كلما أراد أن يتهمها ذكر عبادتها وصلاحها وأنها لم تغب عنه، وإذا أراد أن يبرئها رأى ما ظهر منها من الحمل فأول ما تكلم به أن قال إنه وقع في نفسي من أمرك شيء وقد حرصت على كتمانه فغلبني ذلك فرأيت أن أتكلم به أشفي صدري، فقالت: قل قولا جميلا، قال أخبريني يا مريم هل ينبت زرع بغير بذر وهل ينبت شجر بغير غيث وهل يكون ولد من غير ذكر؟
قالت نعم ألم تعلم أن الله أنبت الزرع يوم خلقه من غير بذر ألم تر أن الله أنبت الشجرة بالقدرة من غير غيث أو تقول إن الله تعالى لا يقدر على أن ينبت الشجرة حتى استعان بالماء ولولا ذلك لم يقدر على إنباتها قال يوسف:
لا أقول هذا ولكني أقول إن الله تعالى يقدر على كل شيء يقول له كن فيكون، قالت له مريم: ألم تعلم أن الله خلق آدم وامرأته من غير ذكر ولا أنثى. فعند ذلك زال ما عنده من التهمة وكان ينوب عنها في خدمة المسجد لاستيلاء الضعف عليها بسبب الحمل. فلما دنت ولادتها أوحى الله إليها أن اخرجي من أرض قومك فذلك قوله تعالى فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكاناً قَصِيًّا قوله عز وجل:
[سورة مريم (١٩): الآيات ٢٣ الى ٢٨]
فَأَجاءَهَا الْمَخاضُ إِلى جِذْعِ النَّخْلَةِ قالَتْ يا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هذا وَكُنْتُ نَسْياً مَنْسِيًّا (٢٣) فَناداها مِنْ تَحْتِها أَلاَّ تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا (٢٤) وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُساقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيًّا (٢٥) فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْناً فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا (٢٦) فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَها تَحْمِلُهُ قالُوا يا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيًّا (٢٧)
يا أُخْتَ هارُونَ ما كانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَما كانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا (٢٨)
فَأَجاءَهَا الْمَخاضُ أي ألجأها وجاء بها والمخاض وجع الولادة إِلى جِذْعِ النَّخْلَةِ وكانت نخلة يبست في الصحراء في شدة البرد ولم يكن لها سعف، وقيل التجأت إليها تستند إليها وتستمسك بها من شدة الطلق، ووجع الولادة قالَتْ يا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هذا تمنت الموت استحياء من الناس وخوفا من الفضيحة وَكُنْتُ نَسْياً مَنْسِيًّا يعني شيئا حقيرا متروكا لم يذكر، ولم يعرف لحقارته وقيل جيفة ملقاة، وقيل معناه أنها تمنت أنها لم تخلق فَناداها مِنْ تَحْتِها قيل إن مريم كانت على أكمة وجبريل وراء الأكمة تحتها، وقيل ناداها من سفح الجبل وقيل هو عيسى وذلك أنه لما خرج من بطن أمه ناداها أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا أي نهرا.
قال ابن عباس رضي الله عنهما: ضرب جبريل عليه السلام، وقيل عيسى عليه السلام برجله في الأرض فظهرت عين ماء عذبة، وجرت وقيل كان هناك نهر يابس فجرى فيه الماء بقدرة الله سبحانه وتعالى وجنت النخلة اليابسة، فأورقت وأثمرت وأرطبت وقيل معنى تحتك تحت أمرك إن أمرته أن يجري جرى، وإن أمرته بالإمساك أمسك وقيل معنى سريا أي عيسى وكان عبدا سريا رفيعا وَهُزِّي إِلَيْكِ أي حركي إليك بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُساقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيًّا قيل الجنى الذي بلغ الغاية وجاء أوان اجتنائه. قال الربيع بن خيثم: ما للنفساء عندي خير من الرطب ولا للمريض خير من العسل فَكُلِي وَاشْرَبِي أي مريم كلي من الرطب واشربي من النهر وَقَرِّي عَيْناً
﴿ فناداها من تحتها ﴾ قيل إن مريم كانت على أكمة وجبريل وراء الأكمة تحتها، وقيل ناداها من سفح الجبل وقيل هو عيسى وذلك أنه لما خرج من بطن أمه ناداها ﴿ أن لا تحزني قد جعل ربك تحتك سرياً ﴾ أي نهراً.
قال ابن عباس رضي الله عنهما : ضرب جبريل عليه السلام، وقيل عيسى عليه السلام برجله في الأرض فظهرت عين ماء عذبة، وجرت وقيل كان هناك نهر يابس فجرى فيه الماء بقدرة الله سبحانه وتعالى وجنت النخلة اليابسة، فأورقت وأثمرت وأرطبت وقيل معنى تحتك تحت أمرك إن أمرته أن يجري جرى، وإن أمرته بالإمساك أمسك وقيل معنى سرياً أي عيسى وكان عبداً سرياً رفيعاً.
﴿ وهزي إليك ﴾ أي حركي إليك ﴿ بجذع النخلة تساقط عليك رطباً جنياً ﴾ قيل الجني الذي بلغ الغاية جاء أوان اجتنائه. قال الربيع بن خيثم : ما للنفساء عندي خير من الرطب ولا للمريض خير من العسل.
﴿ فكلي واشربي ﴾ أي مريم كلي من الرطب واشربي من النهر ﴿ وقري عيناً ﴾ أي طيبي نفساً، وقيل قري عيناً بولدك عيسى، يقال أقر الله عينك أي صادف فؤادك ما يرضيك فتقر عينيك عن النظر إلى غيره ﴿ فإما ترين من البشر أحداً ﴾ معناه يسألك عن ولدك ﴿ فقولي إني نذرت للرحمن صوماً ﴾ أي صمتاً، قيل كان في بني إسرائيل من أراد أن يجتهد صام عن الكلام كما يصوم عن الطعام فلا يتكلم حتى يمسي، وقيل إن الله أمرها أن تقول هذا إشارة وقيل أمرها أن تقول هذا القول نطقاً ثم تمسك عن الكلام بعده وإنما منعت من الكلام لأمرين أحدهما : أن يكون عيسى عليه السلام هو المتكلم عنها ليكون أقوى لحجتها في إزالة التهمة عنها وفيه دلالة على أن تفويض الكلام إلى الأفضل أولى. الثاني : كراهة مجادلة السفهاء وفيه أن السكوت عن السفيه واجب ﴿ فلن أكلم اليوم إنسياً ﴾ يقال إنها كانت تكلم الملائكة ولا تكلم الإنس.
قوله تعالى ﴿ فأتت به قومها تحمله ﴾ قيل إنها لما ولدت عيسى عليه السلام حملته في الحال إلى قومها وقيل إن يوسف النجار احتمل مريم وابنها عيسى إلى غار فمكث فيه أربعين يوماً حتى طهرت من نفاسها، ثم حملته إلى قومها فكلمها عيسى في الطريق فقال : يا أماه أبشري فإني عبد الله ومسيحه، فلما دخلت على أهلها ومعها الصبي بكوا وحزنوا وكانوا أهل بيت صالحين ﴿ قالوا يا مريم لقد جئت شيئاً فرياً ﴾ أي عظيماً منكراً وقيل معناه جئت بأمر عجيب بديع.
﴿ يا أخت هارون ﴾ أي شبيهة هارون قيل كان رجلاً صالحاً في بني إسرائيل شبهت به في عفتها وصلاحها وليس المراد الأخوة في النسب، قيل إنه تبع جنازته يوم مات أربعون ألفا من بني إسرائيل كلهم يسمى هارون سوى سائر الناس ( م ) عن المغيرة بن شعبة قال : لما قدمت خراسان سألوني فقالوا : إنكم تقرؤون يا أخت هارون وموسى قبل عيسى بكذا وكذا فلما قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم سألته عن ذلك فقال :« إنهم كانوا يسمون بأسماء أنبيائهم والصالحين قبلهم ».
وقيل كان هارون أخا مريم لأبيها، وقيل كان من أمثل رجل في بني إسرائيل وقيل إنما عنوا هارون أخا موسى لأنها كانت من نسله كما يقال للتميمي يا أخا تميم، وقيل كان هارون في بني إسرائيل فاسقاً أعظم الفسق فشبهوها به ﴿ ما كان أبوك ﴾ يعني عمران ﴿ امرأ سوء ﴾ قال ابن عباس : زانياً ﴿ وما كانت أمك ﴾ يعني حنة ﴿ بغياً ﴾ أي زانية فمن أين لك هذا الولد.
أي طيبي نفسا، وقيل قري عينا بولدك عيسى، يقال أقر الله عينك أي صادف فؤادك ما يرضيك فتقر عينيك عن النظر إلى غيره فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً معناه يسألك عن ولدك فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمنِ صَوْماً أي صمتا، قيل كان في بني إسرائيل من أراد أن يجتهد صام عن الكلام كما يصوم عن الطعام فلا يتكلم حتى يمسي، وقيل إن الله أمرها أن تقول هذا إشارة وقيل أمرها أن تقول هذا القول نطقا ثم تمسك عن الكلام بعده وإنما منعت من الكلام لأمرين أحدهما: أن يكون عيسى عليه السلام هو المتكلم عنها ليكون أقوى لحجتها في إزالة التهمة عنها وفيه دلالة على أن تفويض الكلام إلى الأفضل أولى. الثاني: كراهة مجادلة السفهاء وفيه أن السكوت عن السفيه واجب فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا يقال إنها كانت تكلم الملائكة ولا تكلم الإنس.
قوله تعالى فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَها تَحْمِلُهُ قيل إنها لما ولدت عيسى عليه السلام حملته في الحال إلى قومها وقيل إن يوسف النجار احتمل مريم وابنها عيسى إلى غار فمكث فيه أربعين يوما حتى طهرت من نفاسها، ثم حملته إلى قومها فكلمها عيسى في الطريق فقال: يا أماه أبشري فإني عبد الله ومسيحه، فلما دخلت على أهلها ومعها الصبي بكوا وحزنوا وكانوا أهل بيت صالحين قالُوا يا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيًّا أي عظيما منكرا وقيل معناه جئت بأمر عجيب بديع يا أُخْتَ هارُونَ أي شبيهة هارون قيل كان رجلا صالحا في بني إسرائيل شبهت به في عفتها وصلاحها وليس المراد الأخوة في النسب، قيل إنه تبع جنازته يوم مات أربعون ألفا من بني إسرائيل كلهم يسمى هارون سوى سائر الناس (م) عن المغيرة بن شعبة قال: لما قدمت خراسان سألوني فقالوا إنكم تقرؤون يا أخت هارون وموسى قبل عيسى بكذا وكذا فلما قدمت على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سألته عن ذلك فقال: «إنهم كانوا يسمون بأسماء أنبيائهم والصالحين قبلهم».
وقيل كان هارون أخا مريم لأبيها، وقيل كان من أمثل رجل في بني إسرائيل وقيل إنما عنوا هارون أخا موسى لأنها كانت من نسله كما يقال للتميمي يا أخا تميم، وقيل كان هارون في بني إسرائيل فاسقا أعظم الفسق فشبهوها به ما كانَ أَبُوكِ يعني عمران امْرَأَ سَوْءٍ قال ابن عباس: زانيا وَما كانَتْ أُمُّكِ يعني حنة بَغِيًّا أي زانية فمن أين لك هذا الولد.
[سورة مريم (١٩): الآيات ٢٩ الى ٣٧]
فَأَشارَتْ إِلَيْهِ قالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا (٢٩) قالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتانِيَ الْكِتابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا (٣٠) وَجَعَلَنِي مُبارَكاً أَيْنَ ما كُنْتُ وَأَوْصانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ ما دُمْتُ حَيًّا (٣١) وَبَرًّا بِوالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيًّا (٣٢) وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا (٣٣)
ذلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ (٣٤) ما كانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحانَهُ إِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٣٥) وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ (٣٦) فَاخْتَلَفَ الْأَحْزابُ مِنْ بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ (٣٧)
فَأَشارَتْ إِلَيْهِ أي أشارت مريم إلى عيسى أن كلمهم، قال ابن مسعود: لما لم يكن لها حجة أشارت إليه ليكون كلامه حجة لها، وقيل لما أشارت إليه غضب القوم وقالوا مع ما فعلت أتسخرين بنا قالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا قيل أراد بالمهد الحجر وهو حجرها، وقيل هو المهد بعينه قيل لما سمع عيسى كلامهم ترك الرضاع وأقبل عليهم، وقيل لما أشارت إليه ترك الرضاع واتكأ على يساره وأقبل عليهم وجعل يشير بيمينه قالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ قال وهب: أتاها زكرياء عند مناظرتها اليهود، فقال لعيسى: انطق بحجتك إن كنت أمرت بها، فقال عند ذلك عيسى وهو ابن أربعين يوما، وقيل: بل يوم ولد إني عبد الله أقر على نفسه بالعبودية لله تعالى أول ما تكلم لئلا يتخذ إلها. فإن قلت إن الذي اشتدت إليه الحاجة في ذلك الوقت نفي التهمة عن أمه وأن عيسى لم
﴿ قال إني عبد الله ﴾ قال وهب : أتاها زكرياء عند مناظرتها اليهود، فقال لعيسى : انطق بحجتك إن كنت أمرت بها، فقال عند ذلك عيسى وهو ابن أربعين يوماً، وقيل : بل يوم ولد إني عبد الله أقر على نفسه بالعبودية لله تعالى أول ما تكلم لئلا يتخذ إلهاً. فإن قلت إن الذي اشتدت إليه الحاجة في ذلك الوقت نفي التهمة عن أمه وأن عيسى لم ينص على ذلك، وإنما نص على إثبات عبوديته لله تعالى.
قلت كأنه جعل إزالة التهمة عن الله تعالى أولى من إزالة التهمة عن أمه، فلهذا أول ما تكلم باعترافه على نفسه بالعبودية لتحصل إزالة التهمة عن الأم، لأن الله تعالى لم يختص بهذه المرتبة العظيمة من ولد في زنا، والتكلم بإزالة التهمة عن أمه لا يفيد إزالة التهمة عن الله سبحانه وتعالى فكان الاشتغال بذلك أو ﴿ آتاني الكتاب وجعلني نبياً ﴾ قيل معناه سيجعلني نبياً ويؤتيني الكتاب وهو الإنجيل وهذا إخبار عما كتب له في اللوح المحفوظ كما قيل للنبي صلى الله عليه وسلم متى كنت نبياً قال :« كنت نبياً وآدم بين الروح والجسد » وقال الأكثرون إنه أوتي الإنجيل، وهو صغير وكان يعقل عقل الرجال الكمل وعن الحسن أنه ألهم التوراة وهو في بطن أمه.
﴿ وجعلني مباركاً أينما كنت ﴾ معناه أني نفاع أينما توجهت، وقيل معلماً للخير أدعوا إلى الله وإلى توحيده وعبادته وقيل مباركاً على من يتبعني ﴿ وأوصاني بالصلاة والزكاة ﴾ أي أمرني بهما وكلفني فعلهما. فإن قلت كيف يؤمر بالصلاة والزكاة، في حال طفوليته وقد قال صلى الله عليه وسلم « رفع القلم عن ثلاث الصبي حتى يبلغ » الحديث. . . قلت إن قوله وأوصاني بالصلاة والزكاة لا يدل على أنه تعالى أوصاه بأدائهما في الحال بل المراد أوصاه بأدائهما في الوقت المعين لهما وهو البلوغ، وقيل إن الله تعالى صيره حين انفصل عن أمه بالغاً عاقلاً وهذا القول أظهر في سياق قوله ﴿ ما دمت حياً ﴾ فإنه يفيد أن هذا التكليف متوجه إليه في زمان جميع حياته حين كان في الأرض، وحين رفع إلى السماء وحين ينزل الأرض بعد رفعه.
﴿ وبراً بوالدتي ﴾ أي جعلني براً بوالدتي ﴿ ولم يجعلني جباراً شقياً ﴾ أي عاصياً لربي متكبراً على الحق بل، وأنا خاضع متواضع وروي أنه قال : قلبي لين وأنا صغير في نفسي، وقال بعض العلماء لا تجد العاق إلا جباراً شقياً وتلا هذه الآية، وقيل الشقي الذي يذنب ولا يتوب.
﴿ والسلام علي يوم ولدت ﴾ أي السلامة عند الولادة من طعن الشيطان ﴿ ويوم أموت ﴾ أي عند الموت من الشرك ﴿ ويوم أبعث حياً ﴾ أي من أهوال يوم القيامة فلما كلمهم عيسى بذلك علموا براءة مريم ثم سكت عيسى فلم يتكلم حتى بلغ المدة التي يتكلم فيها الأطفال.
﴿ ذلك عيسى ابن مريم ﴾ أي ذلك الذي قال إني عبد الله هو عيسى بن مريم ﴿ قول الحق ﴾ أي هذا الكلام هو القول الحق أضاف القول إلى الحق، وقيل هو نعت لعيسى يعني بذلك عيسى بن مريم كلمة الله الحق والحق هو الله ﴿ الذي فيه يمترون ﴾ أي يشكون ويختلفون فقائل يقول هو ابن الله وقائل يقول ثالث ثلاثة تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً ثم نزه نفسه عن اتخاذ الولد ونفاه عنه.
قال تعالى ﴿ ما كان لله أن يتخذ ولد ﴾ أي ما كان من صفاته اتخاذ الولد لا ينبغي له ذلك ﴿ سبحانه إذا قضى أمراً ﴾ أي إذا أراد أن يحدث أمراً ﴿ فإنما يقول له كن فيكون ﴾ أي لا يتعذر عليه اتخاذه على الوجه الذي أراده.
﴿ وإن الله ربي وربكم فاعبدوه ﴾ هذا إخبار عن عيسى أنه قال ذلك يعني لأن الله ربي وربكم لا رب للمخلوقات سواه ﴿ هذا صراط مستقيم ﴾ أي هذا الذي أخبرتكم به أن الله أمرني به هو الصراط المستقيم الذي يؤدي إلى الجنة.
﴿ فاختلف الأحزاب من بينهم ﴾ يعني النصارى سموا أحزاباً لأنهم تحزبوا ثلاث فرق في أمر عيسى النسطورية والملكانية واليعقوبية ﴿ فويل للذين كفروا من مشهد يوم عظيم ﴾ يعني يوم القيامة حين.
ينص على ذلك، وإنما نص على إثبات عبوديته لله تعالى.
قلت كأنه جعل إزالة التهمة عن الله تعالى أولى من إزالة التهمة عن أمه، فلهذا أول ما تكلم باعترافه على نفسه بالعبودية لتحصل إزالة التهمة عن الأم، لأن الله تعالى لم يختص بهذه المرتبة العظيمة من ولد في زنا، والتكلم بإزالة التهمة عن أمه لا يفيد إزالة التهمة عن الله سبحانه وتعالى فكان الاشتغال بذلك أو آتانِيَ الْكِتابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا قيل معناه سيجعلني نبيا ويؤتيني الكتاب وهو الإنجيل وهذا إخبار عما كتب له في اللوح المحفوظ كما قيل للنبي صلّى الله عليه وسلّم متى كنت نبيا قال: «كنت نبيا وآدم بين الروح والجسد» وقال الأكثرون إنه أوتي الإنجيل، وهو صغير وكان يعقل عقل الرجال الكمل وعن الحسن أنه ألهم التوراة وهو في بطن أمه وَجَعَلَنِي مُبارَكاً أَيْنَ ما كُنْتُ معناه أني نفاع أينما توجهت، وقيل معلما للخير أدعوا إلى الله وإلى توحيده وعبادته وقيل مباركا على من يتبعني وَأَوْصانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ أي أمرني بهما وكلفني فعلهما. فإن قلت كيف يؤمر بالصلاة والزكاة، في حال طفوليته وقد قال صلّى الله عليه وسلّم «رفع القلم عن ثلاث الصبي حتى يبلغ» الحديث... قلت إن قوله وأوصاني بالصلاة والزكاة لا يدل على أنه تعالى أوصاه بأدائهما في الحال بل المراد أوصاه بأدائهما في الوقت المعين لهما وهو البلوغ، وقيل إن الله تعالى صيره حين انفصل عن أمه بالغا عاقلا وهذا القول أظهر في سياق قوله ما دُمْتُ حَيًّا فإنه يفيد أن هذا التكليف متوجه إليه في زمان جميع حياته حين كان في الأرض، وحين رفع إلى السماء وحين ينزل الأرض بعد رفعه وَبَرًّا بِوالِدَتِي أي جعلني برا بوالدتي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيًّا أي عاصيا لربي متكبرا على الحق بل، وأنا خاضع متواضع وروي أنه قال: قلبي لين وأنا صغير في نفسي، قال بعض العلماء لا تجد العاق إلا جبارا شقيا وتلا هذه الآية، وقيل الشقي الذي يذنب ولا يتوب.
وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ أي السلامة عند الولادة من طعن الشيطان وَيَوْمَ أَمُوتُ أي عند الموت من الشرك وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا أي من أهوال يوم القيامة فلما كلمهم عيسى بذلك علموا براءة مريم ثم سكت عيسى فلم يتكلم حتى بلغ المدة التي يتكلم فيها الأطفال ذلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ أي ذلك الذي قال إني عبد الله هو عيسى بن مريم قَوْلَ الْحَقِّ أي هذا الكلام هو القول الحق أضاف القول إلى الحق، وقيل هو نعت لعيسى يعني بذلك عيسى بن مريم كلمة الله الحق والحق هو الله الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ أي يشكون ويختلفون فقائل يقول هو ابن الله وقائل يقول ثالث ثلاثة تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا ثم نزه نفسه عن اتخاذ الولد ونفاه عنه فقال تعالى ما كانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ أي ما كان من صفاته اتخاذ الولد ولا ينبغي له ذلك سُبْحانَهُ إِذا قَضى أَمْراً أي إذا أراد أن يحدث أمرا فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ أي لا يتعذر عليه اتخاذه على الوجه الذي أراده وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هذا إخبار عن عيسى أنه قال ذلك يعني لأن الله ربي وربكم لا رب للمخلوقات سواه هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ أي هذا الذي أخبرتكم به أن الله أمرني به هو الصراط المستقيم الذي يؤدي إلى الجنة فَاخْتَلَفَ الْأَحْزابُ مِنْ بَيْنِهِمْ يعني النصارى سموا أحزابا لأنهم تحزبوا ثلاث فرق في أمر عيسى النسطورية والملكانية واليعقوبية فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ يعني يوم القيامة حين.
[سورة مريم (١٩): الآيات ٣٨ الى ٤٦]
أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنا لكِنِ الظَّالِمُونَ الْيَوْمَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٣٨) وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (٣٩) إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْها وَإِلَيْنا يُرْجَعُونَ (٤٠) وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِبْراهِيمَ إِنَّهُ كانَ صِدِّيقاً نَبِيًّا (٤١) إِذْ قالَ لِأَبِيهِ يا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ ما لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً (٤٢)
يا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ ما لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِراطاً سَوِيًّا (٤٣) يا أَبَتِ لا تَعْبُدِ الشَّيْطانَ إِنَّ الشَّيْطانَ كانَ لِلرَّحْمنِ عَصِيًّا (٤٤) يا أَبَتِ إِنِّي أَخافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذابٌ مِنَ الرَّحْمنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطانِ وَلِيًّا (٤٥) قالَ أَراغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يا إِبْراهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا (٤٦)
187
أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ أي ما أسمعهم وأبصرهم يوم القيامة حين لا ينفعهم السمع والبصر أخبر أنهم يسمعون ويبصرون في الآخرة ما لم يسمعوا ويبصروا في الدنيا، وقيل معناه التهديد بما يسمعون ويبصرون مما يسوءهم ويصدع ويصدع قلوبهم يَوْمَ يَأْتُونَنا أي يوم القيامة لكِنِ الظَّالِمُونَ الْيَوْمَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ قيل أراد باليوم الدنيا، يعني أنهم في الدنيا في خطأ بين وفي الآخرة يعرفون الحق، وقيل: معناه لكن الظالمون في الآخرة في ضلال عن طريق الجنة بخلاف المؤمنين.
قوله تعالى وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ يعني خوف يا محمد كفار مكة يوم الحسرة، سمي بذلك لأن المسيء يتحسر هلا أحسن العمل والمحسن هلا زاد في الإحسان، يدل عليه ما روى أبو هريرة رضي الله تعالى عنه عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال «ما من أحد يموت إلا ندم قالوا ما ندمه يا رسول الله قال: إن كان محسنا ندم أن لا يكون ازداد وإن كان مسيئا ندم أن لا يكون نزع» أخرجه الترمذي. قوله أن لا يكون نزع النزع عن الشيء: الكف عنه، وقال أكثر المفسرين يعني بيوم الحسرة حين يذبح الموت. (ق) عن أبي سعيد الخدري قال قال: رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «يؤتى بالموت كهيئة كبش أملح فينادي مناد يا أهل الجنة فيشرفون وينظرون فيقول هل تعرفون هذا فيقولون نعم هذا الموت وكلهم قد رآه، ثم ينادي مناد آخر يا أهل النار فيشرفون وينظرون، فيقول هل تعرفون هذا فيقولون نعم هذا الموت وكلهم قد رآه فيذبح بين الجنة والنار، ثم يقول يا أهل الجنة خلود بلا موت ويا أهل النار خلود بلا موت ثم قرأ.
وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ وأشار بيده إلى الدنيا وزاد الترمذي فيه «فلو أن أحدا مات فرحا لمات أهل الجنة ولو أن أحدا مات حزنا لمات أهل النار»
قوله كهيئة كبش أملح الأملح: المختلط بالبياض والسواد، قوله فيشرفون يقال أشرف إلى الشيء إذا تطلع ينظر إليه ومالت نحوه نفسه.
قوله فيذبح بين الجنة والنار اعلم أن الموت عرض ليس بجسم في صورة كبش أو غيره فعلى هذا يتأول الحديث، على أن الله تعالى يخلق هذا الجسم وهو حيوان فيذبح فيموت فلا يبقى يرجى له حياة ولا وجود، وكذلك حال أهل الجنة والنار بعد الاستقرار فيهما لا زوال لهما ولا انتقال (ق) عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «إذا صار أهل الجنة إلى الجنة وأهل النار إلى النار، جيء بالموت حتى يجعل بين الجنة والنار فيذبح ثم ينادي مناد يا أهل الجنة لا موت ويا أهل النار لا موت فيزداد أهل الجنة فرحا إلى فرحهم ويزداد أهل النار حزنا إلى حزنهم». عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «لا يدخل الجنة أحد إلا رأى مقعده من النار لو أساء ليزداد شكرا ولا يدخل النار أحد إلا رأى مقعده من الجنة لو أحسن ليكون عليه حسرة» أخرجه البخاري.
وقوله تعالى إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ أي فرغ من الحساب وأدخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار وذبح الموت وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ أي عما يراد بهم في الآخرة وَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ أي لا يصدقون إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْها أي نميت سكان الأرض جميعا ويبقى الله سبحانه وتعالى وحده فيرثهم وَإِلَيْنا يُرْجَعُونَ فنجزيهم بأعمالهم. قوله عز وجل ويبقى وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِبْراهِيمَ إِنَّهُ كانَ صِدِّيقاً نَبِيًّا أي كثير الصدق وهو مبالغة في كونه صديقا، وقيل الصدّيق الكثير التصديق قيل من صدق الله في وحدانيته وصدق أنبياءه ورسله وصدق بالبعث بعد الموت وقام بالأوامر فعمل بها فهو صديق، ولما قربت رتبة الصديق من رتبة النبي انتقل من ذكر كونه صديقا إلى ذكر كونه نبيا، والنبي العالي في الرتبة بإرسال الله إياه وأي رتبة أعلى من رتبة من جعله الله تعالى واسطة بينه
188
قوله تعالى ﴿ وأنذرهم يوم الحسرة ﴾ يعني خوف يا محمد كفار مكة يوم الحسرة، سمي بذلك لأن المسيء يتحسر هلا أحسن العمل والمحسن هلا زاد في الإحسان، يدل عليه ما روى أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال « ما من أحد يموت إلا ندم قالوا ما ندمه يا رسول الله قال : إن كان محسناً ندم أن لا يكون ازداد وإن كان مسيئاً ندم أن لا يكون نزع » أخرجه الترمذي. قوله أن لا يكون نزع النزع عن الشيء : الكف عنه، وقال أكثر المفسرين يعني بيوم الحسرة حين يذبح الموت. ( ق ) عن أبي سعيد الخدري قال قال : رسول الله صلى الله عليه وسلم « يؤتى بالموت كهيئة كبش أملح فينادي مناد يا أهل الجنة فيشرفون وينظرون فيقول هل تعرفون هذا فيقولون نعم هذا الموت وكلهم قد رآه، ثم ينادي مناد آخر يا أهل النار فيشرفون وينظرون، فيقول هل تعرفون هذا فيقولون نعم هذا الموت وكلهم قد رآه فيذبح بين الجنة والنار، ثم يقول يا أهل الجنة خلود بلا موت ويا أهل النار خلود بلا موت » ثمر قرأ ﴿ وأنذرهم يوم الحسرة إذ قضي الأمر وهم في غفلة وهم لا يؤمنون ﴾ وأشار بيده إلى الدنيا وزاد الترمذي فيه « فلو أن أحداً مات فرحاً لمات أهل الجنة ولو أن أحداً مات حزناً لمات أهل النار » قوله كهيئة كبش أملح والأملح : المختلط بالبياض والسواد، قوله فيشرفون يقال إلى الشيء إذا تطلع ينظر إليه ومالت نحوه نفسه. قوله فيذبح بين الجنة والنار اعلم أن الموت عرض ليس بجسم في صورة كبش أو غيره فعلى هذا يتأول الحديث، على أن الله تعالى يخلق هذا الجسم وهو حيوان فيذبح فيموت فلا يبقى يرجى له حياة ولا وجود، وكذلك حال أهل الجنة والنار بعد الاستقرار فيهما لا زوال لهما ولا انتقال ( ق ) عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إذا صار أهل الجنة إلى الجنة وأهل النار إلى النار، جيء بالموت حتى يجعل بين الجنة والنار فيذبح ثم ينادي مناد يا أهل الجنة لا موت ويا أهل النار لا موت فيزداد أهل الجنة فرحاً إلى فرحهم ويزداد أهل النار حزناً إلى حزنهم » عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « لا يدخل الجنة أحد إلا رأى مقعده من النار لو أساء ليزداد شكراً ولا يدخل النار أحد إلا رأى مقعده من الجنة لو أحسن ليكون عليه حسرة » أخرجه البخاري.
وقوله تعالى ﴿ إذا قضي الأمر ﴾ أي فرغ من الحساب وأدخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار وذبح الموت ﴿ وهم في غفلة ﴾ أي عما يراد بهم في الآخرة ﴿ وهم لا يؤمنون ﴾ أي لا يصدقون.
﴿ إنا نحن نرث الأرض ومن عليها ﴾ أي نميت سكان الأرض جميعاً ويبقى الله سبحانه وتعالى وحده فيرثهم ﴿ وإلينا يرجعون ﴾ فنجزيهم بأعمالهم.
قوله عز وجل ويبقى ﴿ واذكر في الكتاب إبراهيم إنه كان صديقاً نبياً ﴾ أي كثير الصدق وهو مبالغة في كونه صديقاً، وقيل الصدِّيق الكثير التصديق قيل من صدق الله في وحدانيته وصدق أنبياءه ورسله وصدق بالبعث بعد الموت وقام بالأوامر فعمل بها فهو صديق، ولما قربت رتبة الصديق من رتبة النبي انتقل من ذكر كونه صديقاً إلى ذكر كونه نبياً، والنبي العالي في الرتبة بإرسال الله إياه وأي رتبة أعلى من رتبة من جعله الله تعالى واسطة بينه وبين عباده.
﴿ إذ قال لأبيه ﴾ يعني آزر وهو يعبد الأصنام ﴿ يا أبت لم تعبد ما لا يسمع ﴾ يعني صوتاً ﴿ ولا يبصر ﴾ لا ينظر شيئاً ﴿ ولا يغني عنك ﴾ أي يكفيك ﴿ شيئاً ﴾ وصف الأصنام بثلاثة أشياء كل واحد منها قادح في الإلهية، وذلك أن العبادة هي غاية التعظيم للمعبود فلا يستحقها إلا من له ولاية الإنعام وله أوصاف الكمال وهو الله تعالى فلا يستحق العبادة إلا هو.
﴿ يا أبت إني قد جاءني من العلم ﴾ يعني بالله والمعرفة ﴿ ما لم يأتك فاتبعني ﴾ أي على ديني ﴿ أهدك صراطاً سوياً ﴾ أي مستقيماً.
﴿ يا أبت لا تعبد الشيطان ﴾ أي لا تطعه فيما يزين لك من الكفر والشرك ﴿ إن الشيطان كان للرحمن عصياً ﴾ أي عاصياً.
﴿ يا أبت إني أخاف ﴾ أي أعلم، وقيل هو على ظاهره لأنه يمكن أن يؤمن فيكون من أهل الجنة، أو يصر على الكفر فيكون من أهل النار فحمل الخوف على ظاهره أولى. واعلم أن إبراهيم عليه الصلاة والسلام رتب هذا الكلام في غاية الحسن مقروناً بالتلطف والرفق، فإن قوله في مقدمة كلامه يا أبت دليل على شدة الحب والرغبة في صرفه عن العقاب وإرشاده إلى الصواب، لأنه نبه أولاً على ما يدل على المنع من عبادة الأصنام ثم أمره باتباعه في الإيمان، ثم نبه على أن طاعة الشيطان غير جائزة في العقول ثم ختم الكلام بالوعيد الزاجر عن الإقدام على ما لا ينبغي بقوله إني أخاف ﴿ أن يَمَسَّك ﴾ أي يصيبك ﴿ عذاب من الرحمن ﴾ أي إن أقمت على الكفر ﴿ فتكون للشيطان ولياً ﴾ أي قريناً في النار، وقيل صديقاً له في النار، وإنما فعل إبراهيم عليه الصلاة والسلام هذا مع أبيه لأمور أحدها : لشدة تعلق قلبه بصلاحية أبيه وأداء حق الأبوة والرفق به، وثانيها : أن النبيّ الهادي إلى الحق لا بد أن يكون رفيقاً لطيفاً حتى يقبل منه كلامه، وثالثها : النصح لكل أحد فالأب أولى.
﴿ قال ﴾ يعني أباه مجيباً له ﴿ أراغب أنت عن آلهتي يا إبراهيم ﴾ أي أتاركها أنت وتارك عبادتها ﴿ لئن لم تنته ﴾ أي ترجع وتسكت عن عيبك آلهتنا وشتمك إياها ﴿ لأرجمنك ﴾ قال ابن عباس : معناه لأضربنك، وقيل لأقتلنك بالحجارة، وقيل لأشتمنك، وقيل لأبعدنك عني بالقول القبيح والقول الأول هو الصحيح ﴿ واهجرني ﴾ أي اجتنبني قال ابن عباس : اعتزلني سالماً لا يصيبنك مني معرة ﴿ مليئاً ﴾ أي دهراً طويلاً.
وبين عباده إِذْ قالَ لِأَبِيهِ
يعني آزر وهو يعبد الأصنام يا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ ما لا يَسْمَعُ
يعني صوتا وَلا يُبْصِرُ
لا ينظر شيئا وَلا يُغْنِي عَنْكَ
أي يكفيك شَيْئاً
وصف الأصنام بثلاثة أشياء كل واحد منها قادح في الإلهية، وذلك أن العبادة هي غاية التعظيم للمعبود فلا يستحقها إلا من له ولاية الإنعام وله أوصاف الكمال وهو الله تعالى فلا يستحق العبادة إلا هو يا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ يعني بالله والمعرفة ما لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أي على ديني أَهْدِكَ صِراطاً سَوِيًّا أي مستقيما يا أَبَتِ لا تَعْبُدِ الشَّيْطانَ أي لا تطعه فيما يزين لك من الكفر والشرك.
إِنَّ الشَّيْطانَ كانَ لِلرَّحْمنِ عَصِيًّا أي عاصيا يا أَبَتِ إِنِّي أَخافُ أي أعلم، وقيل هو على ظاهره لأنه يمكن أن يؤمن فيكون من أهل الجنة، أو يصر على الكفر فيكون من أهل النار فحمل الخوف على ظاهره أولى.
واعلم أن إبراهيم عليه الصلاة والسلام رتب هذا الكلام في غاية الحسن مقرونا بالتلطف والرفق، فإن قوله في مقدمة كلامه يا أبت دليل على شدة الحب والرغبة في صرفه عن العقاب وإرشاده إلى الصواب، لأنه نبه أولا على ما يدل على المنع من عبادة الأصنام ثم أمره باتباعه في الإيمان، ثم نبه على أن طاعة الشيطان غير جائزة في العقول ثم ختم الكلام بالوعيد الزاجر عن الإقدام على ما لا ينبغي بقوله إني أخاف أَنْ يَمَسَّكَ أي يصيبك عَذابٌ مِنَ الرَّحْمنِ أي إن أقمت على الكفر فَتَكُونَ لِلشَّيْطانِ وَلِيًّا أي قرينا في النار، وقيل صديقا له في النار، وإنما فعل إبراهيم عليه الصلاة والسلام هذا مع أبيه لأمور أحدها: لشدة تعلق قلبه بصلاحية أبيه وأداء حق الأبوة والرفق به، وثانيها: أن النبيّ الهادي إلى الحق لا بد أن يكون رفيقا لطيفا حتى يقبل منه كلامه، وثالثها:
النصح لكل أحد فالأب أولى قالَ يعني أباه مجيبا له أَراغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يا إِبْراهِيمُ أي أتاركها أنت وتارك عبادتها لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ أي ترجع وتسكت عن عيبك آلهتنا وشتمك إياها لَأَرْجُمَنَّكَ قال ابن عباس:
معناه لأضربنك، وقيل لأقتلنك بالحجارة، وقيل لأشتمنك، وقيل لأبعدنك عني بالقول القبيح والقول الأول هو الصحيح وَاهْجُرْنِي أي اجتنبني قال ابن عباس: اعتزلني سالما لا يصيبنك مني معرة مَلِيًّا أي دهرا طويلا.
[سورة مريم (١٩): الآيات ٤٧ الى ٥٧]
قالَ سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كانَ بِي حَفِيًّا (٤٧) وَأَعْتَزِلُكُمْ وَما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُوا رَبِّي عَسى أَلاَّ أَكُونَ بِدُعاءِ رَبِّي شَقِيًّا (٤٨) فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَما يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلاًّ جَعَلْنا نَبِيًّا (٤٩) وَوَهَبْنا لَهُمْ مِنْ رَحْمَتِنا وَجَعَلْنا لَهُمْ لِسانَ صِدْقٍ عَلِيًّا (٥٠) وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ مُوسى إِنَّهُ كانَ مُخْلَصاً وَكانَ رَسُولاً نَبِيًّا (٥١)
وَنادَيْناهُ مِنْ جانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْناهُ نَجِيًّا (٥٢) وَوَهَبْنا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنا أَخاهُ هارُونَ نَبِيًّا (٥٣) وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِسْماعِيلَ إِنَّهُ كانَ صادِقَ الْوَعْدِ وَكانَ رَسُولاً نَبِيًّا (٥٤) وَكانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ وَكانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا (٥٥) وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كانَ صِدِّيقاً نَبِيًّا (٥٦)
وَرَفَعْناهُ مَكاناً عَلِيًّا (٥٧)
قالَ يعني إبراهيم سَلامٌ عَلَيْكَ أي سلمت مني لا أصيبك بمكروه وذلك لأنه لم يؤمن بقتاله على كفره، وقيل هذا سلام هجران ومفارقة، وقيل هو سلام بر ولطف وهو جواب الحليم للسفيه سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي، قيل إنه لما أعياه أمره وعده أن يراجع الله فيه فيسأله أن يرزقه التوحيد ويغفر له، وقيل معناه سأسأل لك ربي توبة تنال بها المغفرة إِنَّهُ كانَ بِي حَفِيًّا أي برا لطيفا والمراد أنه يستجيب لي إذا دعوته لأنه عودني الإجابة لدعائي وَأَعْتَزِلُكُمْ وَما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أي أفارقكم وأفارق ما تعبدون من دون الله وذلك أنه فارقهم وهاجر إلى الأرض المقدسة وَأَدْعُوا رَبِّي أي أعبد ربي الذي خلقني وأنعم علي عَسى أَلَّا أَكُونَ بِدُعاءِ رَبِّي شَقِيًّا أي أرجو أن لا أشقى بدعاء ربي وعبادته كما تشقون أنتم بعبادة الأصنام، ففيه التواضع له مع التعريض بشقاوتهم. قوله عز وجل فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَما يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أي ذهب مهاجرا وَهَبْنا لَهُ أي بعد الهجرة
189
إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ أي آنسنا وحشته من فراقهم بأولاد أكرم على الله من أبيه وَكُلًّا جَعَلْنا نَبِيًّا أي أنعمنا عليهما بالنبوة وَوَهَبْنا لَهُمْ مِنْ رَحْمَتِنا أي مع ما وهبنا لهم من النبوة وهبنا لهم المال والولد وذلك أنه بسط لهم في الدنيا من سعة الرزق وكثرة الأولاد وَجَعَلْنا لَهُمْ لِسانَ صِدْقٍ عَلِيًّا يعني ثناء حسنا رفيعا في أهل كل دين حتى دعا لهم أهل الأديان كلهم فهم يتولونهم ويثنون عليهم.
قوله عز وجل وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ مُوسى إِنَّهُ كانَ مُخْلَصاً قرئ بكسر اللام أي أخلص العبادة، والطاعة لله تعالى ولم يراء وقرئ بالفتح أي مختارا اختاره الله تعالى ثم استخلصه واصطفاه وَكانَ رَسُولًا نَبِيًّا فهذان وصفان مختلفان فكل رسول نبي ولا عكس وَنادَيْناهُ مِنْ جانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ أي من ناحية يمين موسى، والطور جبل معروف بين مصر ومدين ويقال إن اسمه الزبير، وذلك حين أقبل من مدين ورأى النار فنودي يا موسى إني أنا رب العالمين وَقَرَّبْناهُ قال ابن عباس: قربه وكلمه ومعنى التقريب إسماعه كلامه وقيل رفعه على الحجب حتى سمع صرير الأقلام، وقيل معناه رفع قدره ومنزلته أي وشرفناه بالمناجاة وهو قوله تعالى نَجِيًّا أي مناجيا وَوَهَبْنا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنا أَخاهُ هارُونَ نَبِيًّا وذلك أن موسى دعا ربه فقال واجعل لي وزيرا من أهلي هارون أخي فأجاب الله دعوته، وأرسل إلى هارون ولذلك سماه هبة له وكان هارون أكبر من موسى.
قوله عز وجل وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِسْماعِيلَ هو إسماعيل بن إبراهيم وهو جد النبي صلّى الله عليه وسلّم إِنَّهُ كانَ صادِقَ الْوَعْدِ قيل إنه لم يعد شيئا إلا وفي به وقيل إنه وعد رجلا أن يقوم مكانه حتى يرجع الرجل فوقف إسماعيل مكانه ثلاثة أيام للميعاد، حتى رجع إليه الرجل وقيل إنه وعد نفسه الصبر على الذبح فوفى به، فوصفه الله بهذا الخلق الحسن الشريف، سئل الشعبي عن الرجل يعد ميعادا إلى أي وقت ينتظر فقال إن وعده نهارا فكل النهار وإن وعده ليلا فكل الليل، وسئل بعضهم عن مثل ذلك فقال إن وعده في وقت صلاة ينتظر إلى وقت صلاة أخرى وَكانَ رَسُولًا إلى جرهم، وهم قبيلة من عرب اليمن نزلوا على هاجر أم إسماعيل بوادي مكة حين خلفهم إبراهيم، وجرهم هو جرهم بن قحطان بن عابر بن شالخ وقحطان أبو قبائل اليمن نَبِيًّا أي مخبرا عن الله تعالى وَكانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ أي قومه وجميع أمته بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ قال ابن عباس: يريد الصلاة المفروضة عليهم وهي الحنيفية التي افترضت علينا، وقيل كان يبدأ بأهله في الأمر بالصلاة والعبادة ليجعلهم قدوة لمن سواهم وَكانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا أي قائما لله بطاعته وقيل رضيه لنبوته ورسالته وهذا نهاية في المدح لأن المرضي عند الله هو الفائز في كل طاعة بأعلى الدرجات. قوله عز وجل وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِدْرِيسَ هو جد أبي نوح واسمه أخنوخ، سمي إدريس لكثرة دراسة الكتب وكان خياطا وهو أول من خط بالقلم، وأول من خاط الثياب ولبس المخيط وكانوا من قبل يلبسون الجلود وهو أول من اتخذ السلاح وقاتل الكفار، وأول من نظر في علم الحساب.
إِنَّهُ كانَ صِدِّيقاً نَبِيًّا وذلك أن الله تعالى شرفه بالنبوة وأنزل عليه ثلاثين صحيفة وَرَفَعْناهُ مَكاناً عَلِيًّا قيل هي الرفعة بعلو المرتبة في الدنيا، وقيل إنه رفع إلى السماء. وهو الأصح يدل عليه ما روى أنس بن مالك بن صعصعة «عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنه رأى إدريس في السماء الرابعة ليلة المعراج» متفق عليه وكان سبب رفع إدريس إلى السماء الرابعة على ما قاله كعب الأحبار وغيره: أنه سار يوم في حاجة فأصابه وهج الشمس فقال: يا رب إني مشيت يوما فكيف بمن يحملها مسيرة خمسمائة عام في يوم واحد اللهم خفف عنه من ثقلها وحرها، فلما أصبح الملك وجد من خفة الشمس وحرها ما لا يعرف فقال يا رب خلقتني لحر الشمس فما الذي قضيت فيه؟ قال إن عبدي إدريس سألني أن أخفف عنك حملها وحرها، فأجبته قال يا رب فاجمع بيني وبينه واجعل بيني وبينه خلة فأذن له حتى أتى إدريس، فكان إدريس يسأله فكان ما سأله أن قال إني أخبرت أنك أكرم الملائكة وأمكنهم عند ملك الموت فاشفع لي إليه ليؤخر أجلي لعلي ازداد شكرا وعبادة فقال الملك لَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْساً إِذا جاءَ أَجَلُها
190
﴿ وأعتزلكم وما تدعون من دون الله ﴾ أي أفارقكم وأفارق ما تعبدون من دون الله وذلك أنه فارقهم وهاجر إلى الأرض المقدسة ﴿ وأدعو ربي ﴾ أي أعبد ربي الذي خلقني وأنعم علي ﴿ عسى أن لا أكون بدعاء ربي شقياً ﴾ أي أرجو أن لا أشقى بدعاء ربي وعبادته كما تشقون أنتم بعبادة الأصنام، ففيه التواضع له مع التعريض بشقاوتهم.
قوله عز وجل ﴿ فلما اعتزلهم وما يعبدون من دون الله ﴾ أي ذهب مهاجراً ﴿ وهبنا له ﴾ أي بعد الهجرة ﴿ إسحاق ويعقوب ﴾ أي آنسنا وحشته من فراقهم بأولاد أكرم على الله من أبيه ﴿ وكلاًّ جعلنا نبياً ﴾ أي أنعمنا عليهما بالنبوة.
﴿ ووهبنا لهم من رحمتنا ﴾ أي مع ما وهبنا لهم من النبوة وهبنا لهم المال والولد وذلك أنه بسط لهم في الدنيا من سعة الرزق وكثرة الأولاد ﴿ وجعلنا لهم لسان صدق علياً ﴾ يعني ثناء حسناً رفيعاً في أهل كل دين حتى دعا لهم أهل الأديان كلهم فهم يتولونهم ويثنون عليهم.
قوله عز وجل ﴿ واذكر في الكتاب موسى إنه كان مخلصاً ﴾ قرئ بكسر اللام أي أخلص العبادة، والطاعة لله تعالى ولم يراء وقرئ بالفتح أي مختاراً اختاره الله تعالى ثم استخلصه واصطفاه ﴿ وكان رسولاً نبياً ﴾ فهذان وصفان مختلفان فكل رسول نبي ولا عكس.
﴿ وناديناه من جانب الطور الأيمن ﴾ أي من ناحية يمين موسى، والطور جبل معروف بين مصر ومدين ويقال إن اسمه الزبير، وذلك حين أقبل من مدين ورأى النار فنودي يا موسى إني أنا رب العالمين ﴿ وقربناه ﴾ قال ابن عباس : قربه وكلمه ومعنى التقريب إسماعه كلامه وقيل رفعه على الحجب حتى سمع صرير الأقلام، وقيل معناه رفع قدره ومنزلته أي وشرفناه بالمناجاة وهو قوله تعالى ﴿ نجياً ﴾ أي مناجياً.
﴿ ووهبنا له من رحمتنا أخاه هارون نبياً ﴾ وذلك أن موسى دعا ربه فقال واجعل لي وزيراً من أهلي هارون أخي فأجاب الله دعوته، وأرسل إلى هارون ولذلك سماه هبة له وكان هارون أكبر من موسى.
قوله عز وجل ﴿ واذكر في الكتاب إسماعيل ﴾ هو إسماعيل بن إبراهيم وهو جد النبي صلى الله عليه وسلم ﴿ إنه كان صادق الوعد ﴾ قيل إنه لم يعد شيئاً إلا وفى به وقيل إنه وعد رجلاً أن يقوم مكانه حتى يرجع الرجل فوقف إسماعيل مكانه ثلاثة أيام للميعاد، حتى رجع إليه الرجل وقيل إنه وعد نفسه الصبر على الذبح فوفى به، فوصفه الله بهذا الخلق الحسن الشريف، سئل الشعبي عن الرجل يعد ميعاداً إلى أي وقت ينتظر فقال إن وعده نهاراً فكل النهار وإن وعده ليلاً فكل الليل، وسئل بعضهم عن مثل ذلك فقال إن وعده في وقت صلاة ينتظر إلى وقت صلاة أخرى ﴿ وكان رسولاً ﴾ إلى جرهم، وهم قبيلة من عرب اليمن نزلوا على هاجر أم إسماعيل بوادي مكة حين خلفهم إبراهيم، وجرهم هو جرهم بن قحطان بن عابر بن شالخ وقحطان أبو قبائل اليمن ﴿ نبياً ﴾ أي مخبراً عن الله تعالى.
﴿ وكان يأمر أهله ﴾ أي قومه وجميع أمته ﴿ بالصلاة والزكاة ﴾ قال ابن عباس : يريد الصلاة المفروضة عليهم وهي الحنيفية التي افترضت علينا، وقيل كان يبدأ بأهله في الأمر بالصلاة والعبادة ليجعلهم قدوة لمن سواهم ﴿ وكان عند ربه مرضياً ﴾ أي قائماً لله بطاعته وقيل رضيه لنبوته ورسالته وهذا نهاية في المدح لأن المرضي عند الله هو الفائز في كل طاعة بأعلى الدرجات.
قوله عز وجل ﴿ واذكر في الكتاب إدريس ﴾ هو جد أبي نوح واسمه أخنوخ، سمي إدريس لكثرة دراسة الكتب وكان خياطاً وهو أول من خط بالقلم، وأول من خاط الثياب ولبس المخيط وكانوا من قبل يلبسون الجلود وهو أول من اتخذ السلاح وقاتل الكفار، وأول من نظر في علم الحساب. ﴿ إنه كان صديقاً نبياً ﴾ وذلك أن الله تعالى شرفه بالنبوة وأنزل عليه ثلاثين صحيفة.
﴿ ورفعناه مكاناً علياً ﴾ قيل هي الرفعة بعلو المرتبة في الدنيا، وقيل إنه رفع إلى السماء. وهو الأصح يدل عليه ما روى أنس بن مالك بن صعصعة « عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه رأى إدريس في السماء الرابعة ليلة المعراج » متفق عليه وكان سبب رفع إدريس إلى السماء الرابعة على ما قاله كعب الأحبار وغيره : أنه سار يوم في حاجة فأصابه وهج الشمس فقال : يا رب إني مشيت يوماً فكيف بمن يحملها مسيرة خمسمائة عام في يوم واحد اللهم خفف عنه من ثقلها وحرها، فلما أصبح الملك وجد من خفة الشمس وحرها ما لا يعرف فقال يا رب خلقتني لحر الشمس فما الذي قضيت فيه ؟ قال إن عبدي إدريس سألني أن أخفف عنك حملها وحرها، فأجبته قال يا رب فاجمع بيني وبينه واجعل بيني وبينه خلة فأذن له حتى أتى إدريس، فكان إدريس يسأله ما سأله أن قال إني أخبرت أنك أكرم الملائكة وأمكنهم عند ملك الموت فاشفع لي إليه ليؤخر أجلي لعلي ازداد شكراً وعبادة فقال الملك ﴿ ولن يؤخر الله نفساً إذا جاء أجلها ﴾ وأنا مكلمه فرفعه إلى السماء ووضعه عند مطلع الشمس، ثم أتى ملك الموت فقال له إليك حاجة صديق لي من بني آدم تشفع بي إليك لتؤخر أجله، فقال ملك الموت ليس لي ذلك ولكن إن أحببت أعلمته أجله فيقدم لنفسه قال نعم فنظر في ديوانه فقال : إنك كلمتني في إنسان ما أراه يموت أبداً. قال وكيف ذلك فقال لا أجده يموت إلا عند مطلع الشمس. قال إني أتيتك وتركته هناك قال انطلق فلا أراك تجده إلا وقد مات فوالله ما بقي من عمر إدريس شيء فرجع الملك فوجده ميتاً وقال وهب : كان يرفع لإدريس كل يوم من العبادة مثل ما يرفع لجميع أهل الأرض في زمانه، فعجب منه الملائكة واشتاق إليه ملك الموت فاستأذن ربه في زيارته فأذن له فأتاه في صورة بني آدم وكان إدريس يصوم الدهر، فلما كان وقت إفطاره دعاه إلى الطعام فأبى أن يأكل معه ففعل ذلك ثلاث ليال، فأنكره إدريس وقال له في الليلة الثالثة : إني أريد أن أعلم من أنت قال : أنا ملك الموت، استأذنت ربي أن أصحبك فقال لي إليك حاجة قال وما هي قال تقبض روحي. فأوحى الله إليه أن اقبض روحه وردها الله إليه بعد ساعة فقال له ملك الموت ما الفائدة في سؤالك قبض الروح ؟ قال لأذوق كرب الموت وغمه فأكون أشد استعداداً له. ثم قال له إدريس لي إليك حاجة أخرى. قال وما هي قال ترفعني إلى السماء لأنظر إليها وإلى الجنة والنار فأذن الله له فرفعه فلما قرب من النار قال لي إليك حاجة قال وما هي قال أريد أن أسأل مالكاً أن يرفع أبوابها فأراها.
ففعل قال فكما أريتني النار فأرني الجنة. فذهب به إلى الجنة فاستفتح ففتحت أبوابها فأدخله الجنة ثم قال له ملك الموت اخرج لتعود إلى مقرك فتعلق بشجرة، وقال ما أخرج منها فبعث الله إليه ملكاً حكماً بينهما قال له الملك ما لك لا تخرج ؟ قال لأن الله تعالى قال ﴿ كل نفس ذائقة الموت ﴾ وقد ذقته ثم قال ﴿ وإن منكم إلا واردها ﴾ فأنا وردتها وقال ﴿ وما هم منها بمخرجين ﴾ فلست أخرج فأوحى الله تعالى إلى ملك الموت بإذني دخل الجنة وبأمري لا يخرج فهو حي هناك فذلك قوله تعالى ﴿ ورفعناه مكاناً علياً ﴾ واختلفوا في أنه حي في السماء أم ميت. فقال قوم هو ميت واستدل بالأول. وقال قوم هو حي واستدل بهذا. وقالوا أربعة من الأنبياء أحياء اثنان في الأرض وهما الخضر وإلياس. واثنان في السماء وهما إدريس وعيسى.
وأنا مكلمه فرفعه إلى السماء ووضعه عند مطلع الشمس، ثم أتى ملك الموت فقال له إليك حاجة صديق لي من بني آدم تشفع بي إليك لتؤخر أجله، فقال ملك الموت ليس لي ذلك ولكن إن أحببت أعلمته أجله فيقدم لنفسه قال نعم فنظر في ديوانه فقال: إنك كلمتني في إنسان ما أراه يموت أبدا.
قال وكيف ذلك فقال لا أجده يموت إلا عند مطلع الشمس. قال إني أتيتك وتركته هناك قال انطلق فلا أراك تجده إلا وقد مات فو الله ما بقي من عمر إدريس شيء فرجع الملك فوجده ميتا وقال وهب: كان يرفع لإدريس كل يوم من العبادة مثل ما يرفع لجميع أهل الأرض في زمانه، فعجب منه الملائكة واشتاق إليه ملك الموت فاستأذن ربه في زيارته فأذن له فأتاه في صورة بني آدم وكان إدريس يصوم الدهر، فلما كان وقت إفطاره دعاه إلى الطعام فأبى أن يأكل معه ففعل ذلك ثلاث ليال، فأنكره إدريس وقال له في الليلة الثالثة: إني أريد أن أعلم من أنت قال: أنا ملك الموت، استأذنت ربي أن أصحبك فقال لي إليك حاجة قال وما هي قال تقبض روحي. فأوحى الله إليه أن اقبض روحه وردها الله إليه بعد ساعة فقال له ملك الموت ما الفائدة في سؤالك قبض الروح؟ قال لأذوق كرب الموت وغمه فأكون أشد استعدادا له. ثم قال له إدريس لي إليك حاجة أخرى. قال وما هي قال ترفعني إلى السماء لأنظر إليها وإلى الجنة والنار فأذن الله له فرفعه فلما قرب من النار قال لي إليك حاجة قال وما هي قال أريد أن أسأل مالكا أن يرفع أبوابها فأراها.
ففعل قال فكما أريتني النار فأرني الجنة. فذهب به إلى الجنة فاستفتح ففتحت أبوابها فأدخله الجنة ثم قال له ملك الموت اخرج لتعود إلى مقرك فتعلق بشجرة، وقال ما أخرج منها فبعث الله إليه ملكا حكما بينهما قال له الملك ما لك لا تخرج؟ قال لأن الله تعالى قال كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ وقد ذقته ثم قال وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها فأنا وردتها وقال وَما هُمْ مِنْها بِمُخْرَجِينَ فلست أخرج فأوحى الله تعالى إلى ملك الموت بإذني دخل الجنة وبأمري لا يخرج فهو حي هناك فذلك قوله تعالى وَرَفَعْناهُ مَكاناً عَلِيًّا واختلفوا في أنه حي في السماء أم ميت. فقال قوم هو ميت واستدل بالأول. وقال قوم هو حي واستدل بهذا. وقالوا أربعة من الأنبياء أحياء اثنان في الأرض وهما الخضر وإلياس. واثنان في السماء وهما إدريس وعيسى. قوله عز وجل:
[سورة مريم (١٩): الآيات ٥٨ الى ٦٢]
أُولئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْراهِيمَ وَإِسْرائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنا وَاجْتَبَيْنا إِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُ الرَّحْمنِ خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيًّا (٥٨) فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَواتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا (٥٩) إِلاَّ مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئاً (٦٠) جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمنُ عِبادَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّهُ كانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا (٦١) لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً إِلاَّ سَلاماً وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيها بُكْرَةً وَعَشِيًّا (٦٢)
أُولئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ أولئك إشارة إلى المذكورين في هذه السورة أنعم الله عليهم بالنبوة وغيرها ما تقدم وصفه مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ يعني إدريس ونوحا وَمِمَّنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ أي ومن ذرية من حملنا مع نوح في السفينة يريد إبراهيم لأنه ولد سام بن نوح وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْراهِيمَ يعني إسحاق وإسماعيل ويعقوب وَإِسْرائِيلَ أي ومن ذرية إسرائيل وهو يعقوب وهم موسى ويحيى وهارون وزكريا وعيسى صلوات الله وسلامه عليهم فرتب الله تعالى أحوال الأنبياء الذين ذكرهم على هذا الترتيب منها بذلك على أنهم كما شرفوا بالنسب ثم قال تعالى وَمِمَّنْ هَدَيْنا وَاجْتَبَيْنا أي هؤلاء من أرشدنا واصطفينا وقيل من هدينا إلى الإسلام واجتبينا على الأنام إِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُ الرَّحْمنِ خَرُّوا سُجَّداً جمع ساجد وَبُكِيًّا جمع باك، أخبر الله تعالى أن
قوله تعالى ﴿ فخلف من بعدهم ﴾ أي من بعد النبيين المذكورين ﴿ خلف ﴾ أي قوم سواء أراد بهم اليهود ومن لحق بهم وتابعهم وقيل هم في هذه الأمة ﴿ أضاعوا الصلاة ﴾ أي تركوا الصلاة المفروضة. وقيل أخروها عن وقتها وهو أن لا يصلي الظهر حتى يأتي العصر ولا العصر حتى تأتي المغرب ﴿ واتبعوا الشهوات ﴾ أي آثروا شهوات أنفسهم على طاعة الله وقيل اتبعوا المعاصي وشرب الخمور، وقيل هؤلاء قوم يظهرون في آخر الزمان ينزو بعضهم على بضع في الأسواق والأزقة ﴿ فسوف يلقون غياً ﴾ قال ابن عباس : الغي واد في جهنم، وإن أودية جهنم لتستعيذ من حره أعد للزاني المصر عليه، ولشارب الخمر المدمن له ولآكل الربا الذي لا ينزع عنه ولأهل العقوق، ولشاهد الزور وقيل هو وادٍ في جهنم بعيد قعره خبيث طعمه يسيل قيحاً ودماً، وقيل : واد في جهنم أبعدها قعراً وأشدها حراً فيه بئر تسمى الهيم كلما خبت جهنم فتح الله تلك البئر فتستعر بها جهنم وقيل معنى غياً خسراناً وقيل هلاكاً وعذاباً، وليس معنى يلقون يرون فقط بل معناه الاجتماع والملابسة مع الرؤية.
قوله تعالى ﴿ إلا من تاب وآمن وعمل صالحاً ﴾ يعني إلا من تاب من التقصير في الصلوات والمعاصي وآمن من الكفر وعمل صالحاً بطاعة الله تعالى ﴿ فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون شيئاً ﴾ أي لا ينقصون شيئاً ثم وصف الجنة.
وصف الجنة فقال تعالى ﴿ جنات عدن ﴾ أي بساتين إقامة وصفها بالدوام بخلاف جنات الدنيا فإنها لا تدوم ﴿ التي وعد الرحمن عباده بالغيب ﴾ أي إنهم لا يرونها فهي غائبة عنهم وهم غائبون عنها ﴿ إنه كان وعده مأتياً ﴾ أي آتياً وقيل معنى وعده موعود وهو الجنة مأتياً أي يأتيه أولياء الله وأهل طاعته.
﴿ لا يسمعون فيها لغواً ﴾ أي باطلاً وفحشاً وهو فضول الكلام ﴿ إلا سلاماً ﴾ يعني بل يسمعون فيها سلاماً والسلام اسم جامع للخير لأنه يتضمن معنى السلامة، وذلك أن أهل الجنة لا يسمعون فيها ما يؤلمهم، وإنما يسمعون تسليمهم، وقيل هو تسليم بعضهم على بعض وتسليم الملائكة عليهم، وقيل هو تسليم الله عليهم ﴿ ولهم رزقهم فيها بكرة وعشياً ﴾ قال أهل التفسير : يؤتون بأرزاقهم على مقدار طرفي النهار كعادتهم في الدنيا، وقيل إنهم يعرفون وقت النهار برفع الحجب، ووقت الليل بإرخاء الحجب، وقيل المراد منه رفاهية العيش وسعة الرزق من غير تضييق ولا تقتير، وقيل : كانت العرب لا تعرف أفضل من الرزق الذي يؤتى به البكرة والعشي، فوصف الله تعالى الجنة بذلك.
الأنبياء عليهم الصلاة والسلام كانوا إذا سمعوا آيات الله سجدوا وبكوا خضوعا وخشوعا وخوفا وحذرا. والمراد من الآيات ما خصهم به من الكتب المنزلة عليهم، وقيل المراد من الآيات ذكر الجنة والنار والوعد والوعيد ففيه استحباب البكاء وخشوع القلب عند سماع القرآن.
(فصل)
وسجدة سورة مريم من عزائم سجود القرآن، فيسن للقارئ والمستمع أن يسجد عند تلاوة هذه السجدة، وقيل يستحب لمن قرأ آية سجدة فسجد أن يدعوا بما يناسب تلك السجدة، فإن قرأ سجدة سبحان قال اللهم اجعلني من الباكين إليك والخاشعين لك. وإن قرأ سجدة مريم قال اللهم اجعلني من عبادك المنعم عليهم الساجدين لك الباكين عند تلاوة آياتك. وإن سجد سجدة ألم السجدة قال اللهم اجعلني من الساجدين لوجهك المسبحين بحمدك وأعوذ بك أن أكون من المستكبرين عن أمرك.
قوله تعالى فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ أي من بعد النبيين المذكورين خَلْفٌ أي قوم سواء أراد بهم اليهود ومن لحق بهم وتابعهم وقيل هم في هذه الأمة أَضاعُوا الصَّلاةَ أي تركوا الصلاة المفروضة. وقيل أخروها عن وقتها وهو أن لا يصلي الظهر حتى يأتي العصر ولا العصر حتى تأتي المغرب وَاتَّبَعُوا الشَّهَواتِ أي آثروا شهوات أنفسهم على طاعة الله وقيل اتبعوا المعاصي وشرب الخمور، وقيل هؤلاء قوم يظهرون في آخر الزمان ينزو بعضهم على بضع في الأسواق والأزقة فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا قال ابن عباس: الغي واد في جهنم، وإن أودية جهنم لتستعيذ من حره أعد للزاني المصر عليه، ولشارب الخمر المدمن له ولآكل الربا الذي لا ينزع عنه ولأهل العقوق، ولشاهد الزور وقيل هو واد في جهنم بعيد قعره خبيث طعمه يسيل قيحا ودما، وقيل: واد في جهنم أبعدها قعرا وأشدها حرا فيه بئر تسمى الهيم كلما خبت جهنم فتح الله تلك البئر فتستعر بها جهنم وقيل معنى غيا خسرانا وقيل هلاكا وعذابا، وليس معنى يلقون يرون فقط بل معناه الاجتماع والملابسة مع الرؤية.
قوله تعالى إِلَّا مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً يعني إلا من تاب من التقصير في الصلوات والمعاصي وآمن من الكفر وعمل صالحا بطاعة الله تعالى فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئاً أي لا ينقصون شيئا ثم وصف الجنة فقال تعالى جَنَّاتِ عَدْنٍ أي بساتين إقامة وصفها بالدوام بخلاف جنات الدنيا فإنها لا تدوم الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمنُ عِبادَهُ بِالْغَيْبِ أي إنهم لا يرونها فهي غائبة عنهم وهم غائبون عنها إِنَّهُ كانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا أي آتيا وقيل معنى وعده موعود وهو الجنة مأتيا أي يأتيه أولياء الله وأهل طاعته لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً أي باطلا وفحشا وهو فضول الكلام إِلَّا سَلاماً يعني بل يسمعون فيها سلاما والسلام اسم جامع للخير لأنه يتضمن معنى السلامة، وذلك أن أهل الجنة لا يسمعون فيها ما يؤلمهم، إنما يسمعون تسليمهم، وقيل هو تسليم بعضهم على بعض وتسليم الملائكة عليهم، وقيل هو تسليم الله عليهم وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيها بُكْرَةً وَعَشِيًّا قال أهل التفسير:
يؤتون بأرزاقهم على مقدار طرفي النهار كعادتهم في الدنيا، وقيل إنهم يعرفون وقت النهار برفع الحجب، ووقت الليل بإرخاء الحجب، وقيل المراد منه رفاهية العيش وسعة الرزق من غير تضييق ولا تقتير، وقيل: كانت العرب لا تعرف أفضل من الرزق الذي يؤتى به البكرة والعشي، فوصف الله تعالى الجنة بذلك. وقوله تعالى:
[سورة مريم (١٩): الآيات ٦٣ الى ٧١]
تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبادِنا مَنْ كانَ تَقِيًّا (٦٣) وَما نَتَنَزَّلُ إِلاَّ بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ ما بَيْنَ أَيْدِينا وَما خَلْفَنا وَما بَيْنَ ذلِكَ وَما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا (٦٤) رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا (٦٥) وَيَقُولُ الْإِنْسانُ أَإِذا ما مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا (٦٦) أَوَلا يَذْكُرُ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئاً (٦٧)
فَوَ رَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّياطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا (٦٨) ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمنِ عِتِيًّا (٦٩) ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلى بِها صِلِيًّا (٧٠) وَإِنْ مِنْكُمْ إِلاَّ وارِدُها كانَ عَلى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيًّا (٧١)
192
تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبادِنا أي نعطي وننزل وقيل يورث عباده المؤمنين المساكن التي كانت لأهل النار لو آمنوا مَنْ كانَ تَقِيًّا أي المتقين من عباده عز وجل وَما نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ (خ) عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «يا جبريل ما يمنعك أن تزورنا أكثر ما تزورنا فنزلت وما نتنزل إلا بأمر ربك له ما بين أيدينا وما خلفنا» الآية قال فكان هذا جواب جبريل لمحمد صلّى الله عليه وسلّم «وقيل احتبس جبريل عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم حين سأله اليهود عن أمر الروح وأصحاب الكهف، ثم نزل بعد أيام فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «أبطأت علي حتى ساء ظني واشتقت إليك، فقال له جبريل وإني كنت أشوق إليك، ولكني عبد مأمور إذا بعثت نزلت وإذا أحبست احتبست» فأنزل الله تعالى وما نتنزل إلا بأمر ربك وأنزل الله تعالى وَالضُّحى وَاللَّيْلِ إِذا سَجى ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى وقوله لَهُ ما بَيْنَ أَيْدِينا وَما خَلْفَنا أي له علم ما بين أيدينا وما خلفنا، وقيل أكد ذلك بقوله ما بين أيدينا وما خلفنا أي هو المدبر لنا في كل الأوقات الماضي والمستقبل، وقيل معناه له ما بين أيدينا من أمر الآخرة والثواب والعقاب وما خلفنا أي ما مضى من الدنيا وَما بَيْنَ ذلِكَ أي من هذا الوقت إلى أن تقوم الساعة، وقيل ما بين ذلك أي ما بين النفختين وهو مقدار أربعين سنة، وقيل ما بين أيدينا ما بقي من الدنيا وما خلفنا ما بقي منها وما بين ذلك أي مدة حياتنا وَما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا أي ناسيا أي ما نسيك ربك وما تركك رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما أي من يكون كذلك لا يجوز عليه النسيان لأنه لا بد أن يدبر أحوالها كلها، وفيه دليل على أن فعل العبد خلق لله لأنه حاصل بين السموات والأرض فكان لله تعالى فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبادَتِهِ أي اصبر على أمره ونهيه هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا قال ابن عباس: مثلا وقيل هل تعلم أحدا يسمى الله غير الله.
قوله تعالى وَيَقُولُ الْإِنْسانُ أي جنس الإنسان والمراد به الكفار الذين أنكروا البعث، وقيل هو أبي بن خلف الجمحي وكان منكرا للبعث أَإِذا ما مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا قاله استهزاء وتكذيبا للبعث قال الله تعالى أَوَلا يَذْكُرُ الْإِنْسانُ أي يتذكر ويتفكر يعني منكر البعث أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئاً والمعنى أولا يتفكر هذا الجاحد في بدء خلقه فيستدل به على الإعادة. قال بعض العلماء: لو اجتمع كل الخلائق على إيراد حجة في البعث على هذا الاختصار ما قدروا عليه، إذ لا شك أن الإعادة ثانيا أهون من الإيجاد أولا ثم أقسم بنفسه فقال تعالى فَوَ رَبِّكَ وفيه تشريف للنبيّ صلّى الله عليه وسلّم لَنَحْشُرَنَّهُمْ أي لنجمعنهم في المعاد يعني المشركين المنكرين للبعث وَالشَّياطِينَ أي مع الشياطين، وذلك أنه يحشر كل كافر مع شيطان في سلسلة ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا قال ابن عباس: جماعات وقيل جاثين على الركب لضيق المكان، وقيل إن البارك على ركبتيه صورته كصورة الذليل. فإن قلت هذا المعنى حاصل للكل بدليل قوله تعالى وَتَرى كُلَّ أُمَّةٍ جاثِيَةً.
قلت وصفوا بالجثو على العادة المعهودة في مواقف المقالات والمناقلات، وذلك لما فيه من القلق مما يدهمهم من شدة الأمور التي لا يطيقون معها القيام على أرجلهم فيجثون على ركبهم جثوا ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ أي لنخرجن مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أي من كل أمة وأهل دين من الكفار أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمنِ عِتِيًّا قال ابن عباس:
يعني جرأة وقيل فجورا وتمردا، وقيل قائدهم رئيسهم في الشرك، والمعنى أنه يقدم في إدخال النار الأعتى ممن هو أكبر جرما وأشد كفرا. وفي بعض الأخبار أنهم يحضرون جميعا حول جهنم مسلسلين مغلولين، ثم يقدم الأكفر فالأكفر فمن كان أشد منهم تمردا في كفره خص بعذاب أعظم وأشد لأن عذاب الضال المضل واجب أن يكون فوق عذاب الضال التابع لغيره في الضلال. وفائدة هذا التمييز التخصيص بشدة العذاب لا التخصيص بأصل
193
﴿ وما نتنزل إلا بأمر ربك ﴾ ( خ ) عن ابن عباس رضي الله عنهما : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :« يا جبريل ما يمنعك أن تزورنا أكثر ما تزرونا فنزلت وما نتنزل إلا بأمر ربك له ما بين أيدينا وما خلفنا » الآية قال فكان هذا جواب جبريل لمحمد صلى الله عليه وسلم « وقيل احتبس جبريل عن النبيّ صلى الله عليه وسلم حين سأله اليهود عن أمر الروح وأصحاب الكهف، ثم نزل بعد أيام فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم «أبطأت علي حتى ساء ظني واشتقت إليك، فقال له جبريل وإني كنت أشوق إليك ولكني عبد مأمور إذا بعثت نزلت وإذا احبست احتبست » فأنزل الله تعالى وما نتنزل إلا بأمر ربك وأنزل الله تعالى ﴿ والضحى والليل إذا سجى ما ودعك ربك وما قلى ﴾ وقوله ﴿ له ما بين أيدينا وما خلفنا ﴾ أي له علم ما بين أيدينا وما خلفنا، وقيل أكد ذلك بقوله ما بين أيدينا وما خلفنا أي هو المدبر لنا في كل الأوقات الماضي والمستقبل، وقيل معناه له ما بين أيدينا من أمر الآخرة والثواب والعقاب وما خلفنا أي ما مضى من الدنيا ﴿ وما بين ذلك ﴾ أي من هذا الوقت إلى أن تقوم الساعة، وقيل ما بين ذلك أي ما بين النفختين وهو مقدار أربعين سنة، وقيل ما بين أيدينا ما بقي من الدنيا وما خلفنا ما بقي منها وما بين ذلك مدة حياتنا ﴿ وما كان ربك نسياً ﴾ أي ناسياً أي ما نسيك ربك وما تركك.
﴿ رب السموات والأرض وما بينهما ﴾ أي من يكون كذلك لا يجوز عليه النسيان لأنه لا بد أن يدبر أحوالها كلها، وفيه دليل على أن فعل العبد خلق الله لأنه حاصل بين السموات والأرض فكان لله تعالى ﴿ فاعبده واصطبر لعبادته ﴾ أي اصبر على أمره ونهيه ﴿ هل تعلم له سمياً ﴾ قال ابن عباس : مثلاً وقيل هل تعلم أحداً يسمى الله غير الله.
قوله تعالى ﴿ ويقول الإنسان ﴾ أي جنس الإنسان والمراد به الكفار الذين أنكروا البعث، وقيل هو أبي بن خلف الجمحي وكان منكراً للبعث ﴿ أئذا ما مت لسوف أخرج حياً ﴾ قاله استهزاءً وتكذيباً للبعث.
قال الله تعالى ﴿ أولا يذكر الإنسان ﴾ أي يتذكر ويتفكر يعني منكر البعث ﴿ أنا خلقناه من قبل ولم يك شيئاً ﴾ والمعنى أولاً يتفكر هذا الجاحد في بدء خلقه فيستدل به على الإعادة. قال بعض العلماء : لو اجتمع كل الخلائق على إيراد حجة في البعث على هذا الاختصار ما قدروا عليه، إذ لا شك أن الإعادة ثانياً أهون من الإيجاد أولاً.
أقسم بنفسه فقال تعالى ﴿ فو ربك ﴾ وفيه تشريف للنبيّ صلى الله عليه وسلم ﴿ لنحشرنهم ﴾ أي لنجمعنهم في المعاد يعني المشركين المنكرين للبعث ﴿ والشياطين ﴾ أي مع الشياطين، وذلك أنه يحشر كل كافر مع شيطان في سلسلة ﴿ ثم لنحضرنهم حول جهنم جثياً ﴾ قال ابن عباس : جماعات وقيل جاثين على الركب لضيق المكان، وقيل إن البارك على ركبتيه صورته كصورة الذليل. فإن قلت هذا المعنى حاصل للكل بدليل قوله تعالى ﴿ وترى كل أمة جاثية ﴾.
قلت وصفوا بالجثو على العادة المعهودة في مواقف المقالات والمناقلات، وذلك لما فيه من القلق مما يدهمهم من شدة الأمور التي لا يطيقون معها القيام على أرجلهم فيجثون على ركبهم جثواً.
﴿ ثم لننزعن ﴾ أي لنخرجن ﴿ من كل شيعة ﴾ أي من كل أمة وأهل دين من الكفار ﴿ أيهم أشد على الرحمن عتياً ﴾ قال ابن عباس : يعني جرأة وقيل فجوراً وتمرداً، وقيل قائدهم رئيسهم في الشرك، والمعنى أنه يقدم في إدخال النار الأعتى ممن هو أكبر جرماً وأشد كفراً. وفي بعض الأخبار أنهم يحضرون جميعاً حول جهنم مسلسلين مغلولين، ثم يقدم الأكفر فالأكفر فمن كان أشد منهم تمرداً في كفره خص بعذاب أعظم وأشد لأن عذاب الضال المضل واجب أن يكون فوق عذاب الضال التابع لغيره في الضلال. وفائدة هذا التمييز التخصيص بشدة العذاب لا التخصيص بأصل العذاب.
﴿ ثم لنحن أعلم بالذين هم أولى بها صلياً ﴾ ولا يقال أولى إلا مع اشتراك القوم في العذاب وقيل معنى الآية أنهم أحق بدخول النار.
قوله عز وجل ﴿ وإن منكم إلا واردها ﴾ أي وما منكم إلا واردها وقيل القسم فيه مضمر أي والله ما منكم من أحد إلا واردها والورود هو موافاة المكان، واختلفوا في معنى الورود ها هنا وفيما تنصرف إليه الكناية في قوله واردها فقال ابن عباس والأكثرون : معنى الورود هنا الدخول، والكناية راجعة إلى النار، فيدخلها البر والفاجر ثم ينجي الله الذين اتقوا منها، يدل عليه ما روي أن نافع بن الأزرق سأل ابن عباس في الورود فقال ابن عباس : هو الدخول فقال نافع : ليس الورود الدخول فقرأ ابن عباس ﴿ إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون ﴾ أدخلها هؤلاء أم لا ثم قال يا نافع والله أنا وأنت سنردها وأنا أرجو أن يخرجني الله منها وما أرى الله أن يخرجك منها بتكذيبك فمن قال بدخول المؤمنين النار يقول من غير خوف ولا ضرر ولا عذاب البتة بل مع الغبطة والسرور لأن الله تعالى أخبر عنهم لا يحزنهم الفزع الأكبر. فإن قلت كيف يدفع عن المؤمنين حر النار وعذابها، قلت يحتمل أن الله تعالى يخمد النار فتعبرها المؤمنون، ويحتمل أن الله تعالى يجعل الأجزاء الملاصقة لأبدان الكفار من النار محرقة والأجزاء الملاصقة لأبدان المؤمنين تكون على المؤمنين برداً وسلاماً كما كانت في حق إبراهيم عليه السلام، وكما أن الملائكة الموكلين بها لا يجدون ألمها فإن قلت إذا لم يكن على المؤمنين عذاب فما فائدة دخولهم النار.
قلت فيه وجوه، أحدها : أن ذلك مما يزيدهم سروراً إذا علموا الخلاص منه، وثانيها : أن فيه مزيد غم على أهل النار، حيث يرون المؤمنين يتخلصون منها وهم باقون فيها، وثالثها : أنهم إذا شاهدوا ذلك العذاب الذي على الكفار صار ذلك سبباً لمزيد التذاذهم بنعيم الجنة. وقال قوم ليس المراد من الورود الدخول، وقالوا لا يدخل النار مؤمن أبداً لقوله تعالى ﴿ إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون لا يسمعون حسيسها ﴾ فعلى هذا يكون المراد من الورود الحضور والرؤية، لا الدخول كما قال تعالى ﴿ ولما ورد ماء مدين ﴾ أراد به الحضور، وقال عكرمة الآية في الكفار فإنهم يدخلونها ولا يخرجون منها وروي عن ابن مسعود أنه قال وإن منكم إلا واردها، يعني القيامة والكناية راجعة إليها والقول الأول أصح وعليه أهل السنة فإنهم جميعاً يدخلون النار ثم يخرج الله منها أهل الإيمان بدليل قوله تعالى ﴿ ثم ننجي الذين اتقوا ﴾ أي الشرك وهم المؤمنون والنجاة إنما تكون مما دخلت فيه، يدل ما روي عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « لا يموت لأحد من المؤمنين ثلاثة من الولد فتمسه النار إلا تحلة القسم » وفي رواية « فيلج النار إلا تحلة القسم » أخرجاه في الصحيحين، أراد بالقسم قوله تعالى ﴿ وإن منكم إلا واردها ﴾ ( م ) عن أم مبشر الأنصارية أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول عند حفصة « لا يدخل النار إن شاء الله تعالى من أصحاب الشجرة أحد من الذين بايعوا تحتها قالت بلى يا رسول الله فانتهزها فقالت حفصة وإن منكم إلا واردها فقال النبي صلى الله عليه وسلم قد قال الله تعالى ﴿ ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثياً ﴾ ».
وقال خالد بن معدان يقول أهل الجنة ألم يعدنا ربنا أن نرد النار، فيقال بلى ولكنكم مررتم بها وهي خامدة وفي الحديث « تقول النار للمؤمنين جز يا مؤمن فقد أطفأ نورك لهبي » وروي عن مجاهد في قوله تعالى ﴿ وإن منكم إلا واردها ﴾ قال من حم المسلمين فقد وردها « وفي الخبر » الحمى كير من جهنم وهي حظ المؤمن من النار « ( ق ) عن عائشة أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال «الحمى من فيح جهنم فأبردوها بالماء » قوله فيح جهنم وهجها وحرها. وقوله تعالى ﴿ كان على ربك حتماً مقضياً ﴾ أي كان ورود جهنم قضاء لازماً قضاء الله تعالى عليكم وأوجبه.
العذاب فلذلك قال في جميعهم ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلى بِها صِلِيًّا ولا يقال أولى إلا مع اشتراك القوم في العذاب وقيل معنى الآية أنهم أحق بدخول النار.
قوله عز وجل وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها أي وما منكم إلا واردها وقيل القسم فيه مضمر أي والله ما منكم من أحد إلا واردها والورود هو موافاة المكان، واختلفوا في معنى الورود ها هنا وفيما تنصرف إليه الكناية في قوله واردها فقال ابن عباس والأكثرون: معنى الورود هنا الدخول، والكناية راجعة إلى النار، فيدخلها البر والفاجر ثم ينجي الله الذين اتقوا منها، يدل عليه ما روي أن نافع بن الأزرق سأل ابن عباس في الورود فقال ابن عباس: هو الدخول فقال نافع: ليس الورود الدخول فقرأ ابن عباس إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَها وارِدُونَ أدخلها هؤلاء أم لا ثم قال يا نافع والله أنا وأنت سنردها وأنا أرجو أن يخرجني الله منها وما أرى الله أن يخرجك منها بتكذيبك فمن قال بدخول المؤمنين النار يقول من غير خوف ولا ضرر ولا عذاب البتة بل مع الغبطة والسرور لأن الله تعالى أخبر عنهم لا يحزنهم الفزع الأكبر. فإن قلت كيف يدفع عن المؤمنين حر النار وعذابها، قلت يحتمل أن الله تعالى يخمد النار فتعبرها المؤمنون، ويحتمل أن الله تعالى يجعل الأجزاء الملاصقة لأبدان الكفار من النار محرقة والأجزاء الملاصقة لأبدان المؤمنين تكون على المؤمنين بردا وسلاما كما كانت في حق إبراهيم عليه السلام، وكما أن الملائكة الموكلين بها لا يجدون ألمها فإن قلت إذا لم يكن على المؤمنين عذاب فما فائدة دخولهم النار.
قلت فيه وجوه، أحدها: أن ذلك مما يزيدهم سرورا إذا علموا الخلاص منه، وثانيها: أن فيه مزيد غم على أهل النار، حيث يرون المؤمنين يتخلصون منها وهم باقون فيها، وثالثها: أنهم إذا شاهدوا ذلك العذاب الذي على الكفار صار ذلك سببا لمزيد التذاذهم بنعيم الجنة. وقال قوم ليس المراد من الورود الدخول، وقالوا لا يدخل النار مؤمن أبدا لقوله تعالى إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى أُولئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَها فعلى هذا يكون المراد من الورود الحضور والرؤية، لا الدخول كما قال تعالى وَلَمَّا وَرَدَ ماءَ مَدْيَنَ أراد به الحضور، وقال عكرمة الآية في الكفار فإنهم يدخلونها ولا يخرجون منها وروي عن ابن مسعود أنه قال وإن منكم إلا واردها، يعني القيامة والكناية راجعة إليها، والقول الأول أصح وعليه أهل السنة فإنهم جميعا يدخلون النار ثم يخرج الله منها أهل الإيمان بدليل قوله تعالى ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا أي الشرك وهم المؤمنون والنجاة إنما تكون مما دخلت فيه، يدل ما روي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «لا يموت لأحد من المؤمنين ثلاثة من الولد فتمسه النار إلا تحلة القسم» وفي رواية «فيلج النار إلا تحلة القسم» أخرجاه في الصحيحين، أراد بالقسم قوله تعالى وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها (م) عن أم مبشر الأنصارية أنها سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول عند حفصة «لا يدخل النار إن شاء الله تعالى من أصحاب الشجرة أحد من الذين بايعوا تحتها قالت بلى يا رسول الله فانتهزها فقالت حفصة وإن منكم إلا واردها فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم قد قال الله تعالى ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيها جِثِيًّا.
وقال خالد بن معدان يقول أهل الجنة ألم يعدنا ربنا أن نرد النار، فيقال بلى ولكنكم مررتم بها وهي خامدة وفي الحديث «تقول النار للمؤمنين جز يا مؤمن فقد أطفأ نورك لهبي»
. وروي عن مجاهد في قوله تعالى وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها قال من حم من المسلمين فقد وردها» وفي الخبر «الحمى كير من جهنم وهي حظ المؤمن من النار» (ق) عن عائشة أن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال «الحمى من فيح جهنم فأبردوها بالماء» قوله فيح جهنم وهجها وحرها.
وقوله تعالى كانَ عَلى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيًّا أي كان ورود جهنم قضاء لازما قضاه الله تعالى عليكم وأوجبه.
[سورة مريم (١٩): آية ٧٢]
ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيها جِثِيًّا (٧٢)
194
ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا أي الشرك وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيها جِثِيًّا أي جميعا، وقيل جاثين على الركب قالت المعتزلة في الآية دليل على صحة مذهبهم، في أن صاحب الكبيرة والفاسق يخلد في النار بدليل أن الله بين أن الكل يردونها ثم بين صفة من ينجو منها، وهم المتقون والفاسق لا يكون متقيا فبقي في النار أبدا. وأجيب عنه بأن المتقي هو الذي يتقي الشرك بقول لا إله إلا الله ويشهد لصحة ذلك أن من آمن بالله ورسوله، صح أن يقول إنه متق من الشرك ومن صدق عليه أنه متق من الشرك صح أنه متق، لأن المتقي جزء من المتقي من الشرك ومن صدق عليه المركب صدق عليه المفرد، فثبت أن صاحب الكبيرة متق وإذا ثبت ذلك وجب أن يخرج من النار بعموم قوله تعالى ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا
فصارت الآية التي توهموها دليلا لهم من أقوى الدلائل على فساد قولهم، وهذا من حيث البحث وأما من حيث النص فقد وردت أحاديث تدل على إخراج المؤمن الموحد من النار (خ) عن أنس بن مالك عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال «يخرج من النار من قال لا إله إلا الله وفي قلبه وزن شعيرة من خير، ويخرج من النار من قال لا إله إلا الله وفي قلبه وزن برة من خير، ويخرج من النار من قال لا إله إلا الله وفي قلبه وزن ذرة من خير وفي رواية من إيمان». (ق) عن أبي هريرة رضي الله عنه أن الناس قالوا يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة؟ قال: «هل تمارون في القمر ليلة البدر ليس دونه سحاب؟ قالوا لا. يا رسول الله. قال هل تمارون في الشمس ليس دونها سحاب؟ قالوا لا. يا رسول الله.
قال فإنكم ترونه كذلك يحشر الناس يوم القيامة، فيقول الله من كان يعبد شيئا فليتبعه فمنهم من يتبع الشمس، ومنهم من يتبع القمر ومنهم من يتبع الطواغيت، وتبقى هذه الأمة فيها منافقوها فيأتيهم الله فيقول أنا ربكم فيقولون هذا مكاننا حتى يأتينا ربنا. فإذا جاء ربنا عرفناه، فيأتيهم الله فيقول أنا ربكم فيقولون أنت ربنا، فيدعوهم فيضرب الصراط بين ظهراني جهنم فأكون أول من يجوز من الرسل بأمته، ولا يتكلم يومئذ إلا الرسل وكلام الرسل يومئذ اللهم سلم سلم، وفي جهنم كلاليب مثل شوك السعدان هل رأيتم شوك السعدان؟ قالوا نعم.
قال فإنها مثل شوك السعدان غير أنه لا يعلم قدر عظمها إلا الله تعالى تخطف الناس بأعمالهم فمنهم من يوبق بعمله، ومنهم من ينجدل ثم ينجو، حتى إذا أراد الله رحمة من أراد من أهل النار أمر الله الملائكة أن يخرجوا من كان يعبد الله فيخرجوهم ويعرفونهم بآثار السجود وحرم الله على النار أن تأكل أعضاء السجود، فيخرجون من النار وقد امتحشوا، فيصب عليهم ماء الحياة فينبتون كما تنبت الحبة في حميل السيل، ثم يفرغ من القضاء بين العباد ويبقى رجل بين الجنة والنار، وهو آخر أهل النار دخولا الجنة مقبل بوجهه قبل النار فيقول يا رب اصرف وجهي عن النار فقد قشبني ريحها وأحرقني ذكاؤها، فيقول هل عسيت إن فعل ذلك بك أن تسأل غير ذلك فيقول لا وعزتك فيعطي الله ما شاء من عهد وميثاق.
فيصرف الله وجهه عن النار، فإذا أقبل به على الجنة رأى نكهتها وبهجتها سكت ما شاء الله تعالى أن يسكت، ثم يقول يا رب قدمني عند باب الجنة فيقول الله أليس قد أعطيت المواثيق والعهود أن لا تسأل غير الذي كنت سألت فيقول يا رب لا أكون أشقى خلقك فيقول فما عسيت أن أعطيت ذلك أن لا تسأل غيره فيقول وعزتك لا أسأل غير ذلك فيعطي ربه ما شاء من عهد وميثاق فيقدمه إلى باب الجنة فإذا بلغ بابها رأى زهرتها وما فيها من النضرة والسرور، فيسكت ما شاء الله أن يسكت، فيقول يا رب أدخلني الجنة. فيقول الله تبارك وتعالى ويحك يا ابن آدم ما أغدرك أليس قد أعطيت العهد والميثاق أن لا تسأل غير الذي أعطيت؟ فيقول يا رب لا تجعلني أشقى خلقك فيضحك الله عز وجل منه ثم يؤذن له في دخول الجنة فيقول له تمن فيتمنى. حتى إذا انقطعت أمنيته قال الله تمن كذا وكذا أقبل يذكره ربه حتى إذا انتهت به الأماني قال الله لك ذلك ومثله معه»
. قال أبو سعيد الخدري لأبي هريرة «وعشرة أمثاله» قال أبو هريرة لم أحفظ من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلا قوله لك ذلك ومثله معه. قال أبو سعيد رضي الله عنه: سمعته يقول «لك ذلك وعشرة أمثاله». وفي رواية للبخاري قال فيأتيهم الله في غير الصورة التي
195
يعرفونها فيقول أنا ربكم، فيقولون نعوذ بالله منك هذا مكاننا حتى يأتينا ربنا فإذا أتانا عرفناه. فيأتيهم الله في الصورة التي يعرفونها فيقول أنا ربكم فيقولون أنت ربنا فيتبعونه». قلت أما ما يتعلق بمعاني الحديث والكلام على الرؤية فسيأتي في تفسير سورة ن والقيامة ونتكلم ها هنا على شرح غريب ألفاظه، قوله مثل شوك السعدان هو نبت ذو شوك معقف وهو من أجود مراعي الإبل.
وقوله فمنهم من يوبق بعمله يقال أوبقته الذنوب أي أهلكته. والمنجدل المرمى المصورع وقيل هو المقطع. والمعنى أنه تقطعه كلاليب الصراط حتى يقع في النار. قوله وقد امتحشوا أي احترقوا، وقيل هو أن تذهب النار الجلد وتبدي العظم. قوله كما تنبت الحبة في حميل السيل، الحبة بكسر الحاء وهي البذورات جميعا وحميل السيل هو الزبد وما يلقيه الماء على شاطئه، قوله قشبني ريحها أي آذاني والقشب السم فكأنه قال قد سمني ريحها. قوله وأحرقني ذكاؤها أي اشتعالها ولهبها قوله رأى زهرتها الزهرة الحسن والنضارة والبهجة. (ق) عن ابن مسعود قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «إني لأعلم آخر أهل النار خروجا منها، وآخر أهل الجنة دخولا الجنة رجل يخرج من النار حبوا، فيقول الله له اذهب فادخل الجنة فيأتيها فيخيل إليه أنها ملأى، فيرجع فيقول يا رب وجدتها ملأى. فيقول الله تعالى له اذهب فادخل الجنة فإن لك مثل الدنيا وعشرة أمثالها، أو أن لك مثل عشرة أمثال الدنيا، فيقول أتسخر بي وأنت الملك فلقد رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ضحك حتى بدت نواجذه» فكان يقال ذلك أدنى أهل الجنة منزلة قوله حتى بدت نواجذه أي أضراسه وأنيابه، وقيل هي آخر الأسنان.
عن جابر قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «يعذب ناس من أهل التوحيد في النار حتى يكونوا حمما ثم تدركهم الرحمة، قال فيخرجون فيطرحون على أبواب الجنة، قال فيرش عليهم أهل الجنة من الماء فينبتون كما تنبت الحبة في حمالة السيل» أخرجه الترمذي الحمم الفحم والحمالة كل ما جاء به السيل، فدلت الآية الأولى على أن الكل دخلوا النار ودلت الآية الثانية والأحاديث أن الله تعالى أخرج منها المتقين وجميع الموحدين وترك فيها الظالمين وهم المشركون. قوله تعالى:
[سورة مريم (١٩): الآيات ٧٣ الى ٧٧]
وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقاماً وَأَحْسَنُ نَدِيًّا (٧٣) وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثاثاً وَرِءْياً (٧٤) قُلْ مَنْ كانَ فِي الضَّلالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمنُ مَدًّا حَتَّى إِذا رَأَوْا ما يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَكاناً وَأَضْعَفُ جُنْداً (٧٥) وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدىً وَالْباقِياتُ الصَّالِحاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَواباً وَخَيْرٌ مَرَدًّا (٧٦) أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآياتِنا وَقالَ لَأُوتَيَنَّ مالاً وَوَلَداً (٧٧)
وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ أي دلائل واضحات قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا يعني النضر بن الحارث ومن دونه من كفار قريش لِلَّذِينَ آمَنُوا يعني فقراء أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وكانت فيهم قشافة وفي عيشهم خشونة وفي ثيابهم رثاثة، وكان المشركون يرجلون شعورهم ويدهنون رؤوسهم ويلبسون أفخر ثيابهم أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقاماً
أي منزلا ومسكنا وهو موضع الإقامة وَأَحْسَنُ نَدِيًّا أي مجلسا فأجابهم الله تعالى بقوله وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثاثاً أي متاعا وأموالا وقيل أحسن ثيابا ولباسا وَرِءْياً أي منظرا من الرؤية قُلْ مَنْ كانَ فِي الضَّلالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمنُ مَدًّا هذا أمر بمعنى الخبر معناه يدعه في طغيانه ويمهله في كفره حَتَّى إِذا رَأَوْا ما يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذابَ أي الأسر والقتل في الدنيا وَإِمَّا السَّاعَةَ يعني القيامة فيدخلون النار فَسَيَعْلَمُونَ أي عند ذلك مَنْ هُوَ شَرٌّ مَكاناً أي منزلا وَأَضْعَفُ جُنْداً أي أقل ناصرا والمعنى فسيعلمون أهم خير وهم
﴿ وكم أهلكنا قبلهم من قرن هم أحسن أثاثاً ﴾ أي متاعاً وأموالاً وقيل أحسن ثياباً ولباساً ﴿ ورئياً ﴾ أي منظراً من الرؤية.
﴿ قل من كان في الضلالة فليمدد له الرحمن مداً ﴾ هذا أمر بمعنى الخبر معناه يدعه في طغيانه ويمهله في كفره ﴿ حتى إذا رأوا ما يوعدون إما العذاب ﴾ أي الأسر والقتل في الدنيا ﴿ وإما الساعة ﴾ يعني القيامة فيدخلون النار ﴿ فسيعلمون ﴾ أي عند ذلك ﴿ من هو شر مكاناً ﴾ أي منزلاً ﴿ وأضعف جنداً ﴾ أي أقل ناصراً والمعنى فسيعلمون أهم خير وهم في النار أم المؤمنون وهم في الجنة وهذا رد عليهم في قولهم أي الفريقين خير مقاماً وأحسن ندياً.
قوله تعالى ﴿ ويزيد الله الذين اهتدوا هدى ﴾ أي إيماناً وإيقاناً على يقينهم ﴿ والباقيات الصالحات ﴾ أي الأذكار والأعمال الصالحة التي تبقى لصاحبها ﴿ خير عند ربك ثواباً وخير مرداً ﴾ أي عاقبة ومرجعاً.
قوله تعالى ﴿ أفرأيت الذي كفر بآياتنا ﴾ الآية، ( ق ) عن خباب بن الأرت قال كنت رجلاً قيناً في الجاهلية، وكان لي على العاص بن وائل السهمي دين فأتيته أتقاضاه، وفي رواية فعملت للعاص بن وائل السهمي سيفاً فجئته أتقاضاه، فقال لا أعطيك حتى تكفر بمحمد. فقلت لا أكفر حتى يميتك الله ثم تبعث. قال وإني لميت ثم مبعوث. قلت بلى قال دعني حتى أموت وأبعث فسأوتي مالاً وولداً فأقضيك. فنزلت ﴿ أفرأيت الذي كفر بآياتنا ﴾.
في النار أم المؤمنون وهم في الجنة وهذا رد عليهم في قولهم أي الفريقين خير مقاما وأحسن نديا، قوله تعالى وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدىً أي إيمانا وإيقانا على يقينهم وَالْباقِياتُ الصَّالِحاتُ أي الأذكار والأعمال الصالحة التي تبقى لصاحبها خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَواباً وَخَيْرٌ مَرَدًّا أي عاقبة ومرجعا. قوله تعالى أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآياتِنا الآية، (ق) عن خباب بن الأرت قال كنت رجلا قينا في الجاهلية، وكان لي على العاص بن وائل السهمي دين فأتيته أتقاضاه، وفي رواية فعملت للعاص بن وائل السهمي سيفا فجئته أتقاضاه، فقال لا أعطيك حتى تكفر بمحمد. فقلت لا أكفر حتى يميتك الله ثم تبعث. قال وإني لميت ثم مبعوث. قلت بلى قال دعني حتى أموت وأبعث فسأوتي مالا وولدا فأقضيك. فنزلت أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآياتِنا.
[سورة مريم (١٩): الآيات ٧٨ الى ٩١]
أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً (٧٨) كَلاَّ سَنَكْتُبُ ما يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذابِ مَدًّا (٧٩) وَنَرِثُهُ ما يَقُولُ وَيَأْتِينا فَرْداً (٨٠) وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا (٨١) كَلاَّ سَيَكْفُرُونَ بِعِبادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا (٨٢)
أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّياطِينَ عَلَى الْكافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا (٨٣) فَلا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّما نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا (٨٤) يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمنِ وَفْداً (٨٥) وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلى جَهَنَّمَ وِرْداً (٨٦) لا يَمْلِكُونَ الشَّفاعَةَ إِلاَّ مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً (٨٧)
وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً (٨٨) لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدًّا (٨٩) تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبالُ هَدًّا (٩٠) أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمنِ وَلَداً (٩١)
أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً يعني قال لا إله إلا الله محمد رسول الله وقيل يعني عمل عملا صالحا قدمه، وقيل عهد إليه أنه يدخله الجنة كَلَّا رد عليه يعني لم يفعل ذلك سَنَكْتُبُ سنحفظ عليه ما يقول فنجازيه به في الآخرة، وقيل يأمر الملائكة حتى يكتبوا ما يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذابِ مَدًّا أي نزيده عذابا فوق العذاب، وقيل نطيل مدة عذابه وَنَرِثُهُ ما يَقُولُ معناه أي ما عنده من المال والولد بإهلاكنا إياه وإبطال ملكه، وقيل يزول عنه ما عنده من مال وولد فيعود الإرث إلى من خلفه وإذا سلب ذلك بقي فردا فذلك قوله وَيَأْتِينا يعني يوم القيامة فَرْداً بلا مال ولا ولد فلا يصح أن يبعث في الآخرة بمال وولد. قوله تعالى وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً يعني مشركي قريش اتخذوا الأصنام آلهة يعبدونها لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا أي منعة يعني يكونوا شفعاء يمنعوهم من العذاب كَلَّا أي ليس الأمر كما زعموا سَيَكْفُرُونَ بِعِبادَتِهِمْ يعني تجحد الأصنام والآلهة التي كانوا يعبدونها عبادة المشركين ويتبرؤون منهم وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا أي أعوانا عليهم يكذبونهم ويلعنونهم وقيل أعداء لهم وكانوا أولياءهم في الدنيا. قوله عز وجل أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّياطِينَ عَلَى الْكافِرِينَ أي سلطناهم عليهم تَؤُزُّهُمْ أَزًّا أي تزعجهم إزعاجا من الطاعة إلى المعصية والمعنى تحثهم وتحرضهم على المعاصي تحريضا شديدا وفي الآية دليل على أن الله تعالى مدبر لجميع الكائنات فَلا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ أي لا تعجل بطلب عقوبتهم إِنَّما نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا يعني الليالي والأيام والشهور والأعوام، وقيل الأنفاس التي يتنفسونها في الدنيا إلى الأجل الذي أجل لعذابهم. قوله تعالى يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمنِ وَفْداً أي اذكر لهم يا محمد اليوم الذي يجتمع فيه من اتقى الله في الدنيا بطاعته إلى جنته وفدا أي جماعات. قال ابن عباس: ركبانا قال أبو هريرة: على الإبل. وقال علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه: ما يحشرون والله على أرجلهم ولكن على نوق رحالها من الذهب ونجائب سروجها يواقيت إن هموا بها سارت وإن هموا بها طارت. وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ أي الكافرين إِلى جَهَنَّمَ وِرْداً أي مشاة عطاشا قد تقطعت أعناقهم من العطش، والورد جماعة يردون الماء ولا يرد أحد إلا بعد العطش وقيل يساقون إلى النار بإهانة واستخفاف كأنهم نعم عطاش تساق إلى الماء (ق) عن أبي هريرة
﴿ كلا ﴾ رد عليه يعني لم يفعل ذلك ﴿ سنكتب ﴾ سنحفظ عليه ما يقول فنجازيه به في الآخرة، وقيل يأمر الملائكة حتى يكتبوا ﴿ ما يقول ونمد له من العذاب مداً ﴾ أي نزيده عذاباً فوق العذاب، وقيل نطيل مدة عذابه.
﴿ ونرثه ما يقول ﴾ معناه أي ما عنده من المال والولد بإهلاكنا إياه وإبطال ملكه، وقيل يزول عنه ما عنده من مال وولد فيعود الإرث إلى من خلفه وإذا سلب ذلك بقي فرداً فذلك قوله ﴿ ويأتينا ﴾ يعني يوم القيامة ﴿ فرداً ﴾ بلا مال ولا ولد فلا يصح أن يبعث في الآخرة بمال وولد.
قوله تعالى ﴿ واتخذوا من دون الله آلهة ﴾ يعني مشركي قريش اتخذوا الأصنام آلهة يعبدونها ﴿ ليكونوا لهم عزاً ﴾ أي منعة يعني يكونوا شفعاء يمنعوهم من العذاب.
﴿ كلا ﴾ أي ليس الأمر كما زعموا ﴿ سيكفرون بعبادتهم ﴾ يعني تجحد الأصنام والآلهة التي كانوا يعبدونها عبادة المشركين ويتبرؤون منهم ﴿ ويكونون عليهم ضداً ﴾ أي أعواناً عليهم يكذبونهم ويلعنونهم وقيل أعداء لهم و كانوا أولياءهم في الدنيا.
قوله عز وجل ﴿ ألم تر أنا أرسلنا الشياطين على الكافرين ﴾ أي سلطانهم عليهم ﴿ تؤزهم أزاً ﴾ أي تزعجهم إزعاجاً من الطاعة إلى المعصية والمعنى تحثهم وتحرضهم على المعاصي تحريضاً شديداً وفي الآية دليل على أن الله تعالى مدبر لجميع الكائنات.
﴿ فلا تعجل عليهم ﴾ أي لا تعجل بطلب عقوبتهم ﴿ إنا نعد لهم عداً ﴾ يعني الليالي والأيام والشهور والأعوام، وقيل الأنفاس التي يتنفسونها في الدنيا إلى الأجل الذي أجل لعذابهم.
قوله تعالى ﴿ يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفداً ﴾ أي اذكر لهم يا محمد اليوم الذي يجتمع فيه من اتقى الله في الدنيا بطاعته إلى جنته وفداً أي جماعات. قال ابن عباس : ركباناً قال أبو هريرة : على الإبل. وقال علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه : ما يحشرون والله على أرجلهم ولكن على نوق رحالها من الذهب ونجائب سروجها يواقيت إن هموا بها سارت وإن هموا بها طارت.
﴿ ونسوق المجرمين ﴾ أي الكافرين ﴿ إلى جهنم ورداً ﴾ أي مشاة عطاشاً قد تقطعت أعناقهم من العطش، والورد جماعة يردون الماء ولا يرد أحد إلا بعد العطش وقيل يساقون إلى النار بإهانة واستخفاف كأنهم نعم عطاش تساق إلى الماء ( ق ) عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « يحشر الناس يوم القيامة على ثلاث طرائق راغبين وراهبين واثنان على بعير وثلاثة على بعير وأربعة على بعير وعشرة على بعير وتحشر معهم النار تقيل معهم حيث قالوا وتبيت معهم حيث باتوا وتصبح معهم حيث أصبحوا وتمضي معهم حيث أمسوا ». قول تقيل معهم حيث قالوا من القيلولة وعنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « يحشر الناس يوم القيامة ثلاثة أصناف صنفاً مشاة وصنفاً ركباناً وصنفاً على وجوههم. قيل يا رسول الله كيف يمشون على وجوههم قال إن الذي أمشاهم على أقدامهم قادر على أن يمشيهم على وجوههم أما أنهم يتقون بوجوههم كل حدث وشوك » أخرجه الترمذي.
قوله عز وجل ﴿ لا يملكون الشفاعة إلا من اتخذ عند الرحمن عهداً ﴾ يعني لا إله إلا الله وقيل لا يشفع الشافعون إلا للمؤمنين، وقيل لا يشفع إلا لمن قال لا إله إلا الله، أي لا يشفع إلا للمؤمنين.
﴿ وقالوا اتخذ الرحمن ولداً ﴾ يعني اليهود والنصارى، ومن زعم أن الملائكة بنات الله من العرب.
﴿ لقد جئتم شيئاً إداً ﴾ قال ابن عباس منكراً، وقيل معناه لقد قلتم قولاً عظيماً.
﴿ تكاد السموات يتفطرن منه ﴾ من الانفطار وهو الشق ﴿ وتنشق الأرض ﴾ أي تخسف بهم ﴿ وتخر الجبال هداً ﴾ أي تسقط وتنطبق عليهم.
﴿ أن دعوا ﴾ أي من أجل أن جعلوا ﴿ للرحمن ولداً ﴾ فإن قلت ما معنى انفطار السموات وانشقاق الأرض وخرور الجبال ومن أين تؤثر هذه الكلمة في هذه الجمادات. قلت فيه وجهان أحدهما : أن الله تعالى يقول كدت أن أفعل هذا بالسموات والأرض والجبال عند وجود هذه الكلمة غضباً مني على من تفوه بها لولا حلمي وإني لا أعجل بالعقوبة. الثاني : أن يكون استعظاماً للكلمة وتهويلاً من فظاعتها وتصويراً لأثرها في الدين وهدمها لأركانه وقواعده. قال ابن عباس فزعت السموات والأرض والجبال وجميع الخلائق إلا الثقلين وكادت أن تزول وغضبت الملائكة واستعرت جهنم حين قالوا اتخذ الله ولداً ثم نزه الله نفسه عن اتخاذ الولد ونفاه عنه.
رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «يحشر الناس يوم القيامة على ثلاث طرائق راغبين وراهبين واثنان على بعير وثلاثة على بعير وأربعة على بعير وعشرة على بعير وتحشر معهم النار تقيل معهم حيث قالوا وتبيت معهم حيث باتوا وتصبح معهم حيث أصبحوا وتمضي معهم حيث أمسوا». قول تقيل معهم حيث قالوا من القيلولة وعنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «يحشر الناس يوم القيامة ثلاثة أصناف صنفا مشاة وصنفا ركبانا وصنفا على وجوههم.
قيل يا رسول الله كيف يمشون على وجوههم قال إن الذي أمشاهم على أقدامهم قادر على أن يمشيهم على وجوههم أما أنهم يتقون بوجوههم كل حدب وشوك»
أخرجه الترمذي.
قوله عز وجل لا يَمْلِكُونَ الشَّفاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً يعني لا إله إلا الله وقيل لا يشفع الشافعون إلا للمؤمنين، وقيل لا يشفع إلا لمن قال لا إله إلا الله، أي لا يشفع إلا للمؤمنين وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً يعني اليهود والنصارى، ومن زعم أن الملائكة بنات الله من العرب لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدًّا قال ابن عباس منكرا، وقيل معناه لقد قلتم قولا عظيما تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ من الانفطار وهو الشق وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ أي تخسف بهم وَتَخِرُّ الْجِبالُ هَدًّا أي تسقط وتنطبق عليهم أَنْ دَعَوْا أي من أجل أن جعلوا لِلرَّحْمنِ وَلَداً فإن قلت ما معنى انفطار السموات وانشقاق الأرض وخرور الجبال ومن أين تؤثر هذه الكلمة في هذه الجمادات. قلت فيه وجهان أحدهما: أن الله تعالى يقول كدت أن أفعل هذا بالسموات والأرض والجبال عند وجود هذه الكلمة غضبا مني على من تفوه بها لولا حلمي وإني لا أعجل بالعقوبة. الثاني: أن يكون استعظاما للكلمة وتهويلا من فظاعتها وتصويرا لأثرها في الدين وهدمها لأركانه وقواعده. قال ابن عباس فزعت السموات والأرض والجبال وجميع الخلائق إلا الثقلين وكادت أن تزول وغضبت الملائكة واستعرت جهنم حين قالوا اتخذ الله ولدا ثم نزه الله نفسه عن اتخاذ الولد ونفاه عنه فقال تعالى:
[سورة مريم (١٩): الآيات ٩٢ الى ٩٨]
وَما يَنْبَغِي لِلرَّحْمنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً (٩٢) إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِلاَّ آتِي الرَّحْمنِ عَبْداً (٩٣) لَقَدْ أَحْصاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا (٩٤) وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَرْداً (٩٥) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا (٩٦)
فَإِنَّما يَسَّرْناهُ بِلِسانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْماً لُدًّا (٩٧) وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزاً (٩٨)
وَما يَنْبَغِي لِلرَّحْمنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً أي ما يليق به اتخاذ الولد ولا يوصف به لأن الولد لا بد أن يكون شبيها بالوالد، ولا شبيه لله تعالى ولأن اتخاذ الولد إنما يكون لأغراض لا تصح في الله تعالى من سرور به واستعانة وذكر جميل بعده وكل ذلك لا يليق بالله تعالى إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمنِ عَبْداً أي آتية يوم القيامة عبدا ذليلا خاضعا، والمعنى أن الخلائق كلهم عبيده لَقَدْ أَحْصاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا أي عد أنفاسهم وأيامهم وآثارهم فلا يخفى عليه شيء من أمورهم وكلهم تحت تدبيره وقهره وقدرته وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَرْداً أي وحيدا ليس معه من أحوال الدنيا شيء.
قوله عز وجل إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا أي محبة قيل يحبهم الله تعالى ويحببهم إلى عباده المؤمنين (ق) عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنه قال «إذا أحب الله سبحانه وتعالى عبدا دعا جبريل عليه السلام إن الله تعالى يحب فلانا فأحبه فيحبه جبريل فينادي جبريل في أهل السماء إن الله يحب فلانا فأحبوه، فيحبه أهل السماء، ثم يوضع له القبول في الأرض» وفي رواية لمسلم قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «إن الله سبحانه وتعالى إذا أحب عبدا دعا جبريل فقال إني أحب فلانا فأحبه فيحبه جبريل ثم ينادي في السماء فيقول إن الله يحب فلانا فأحبوه فيحبه أهل السماء، ثم يوضع له القبول في الأرض وإذا أبغض الله
198
عبدا دعا جبريل عليه السلام فيقول إني أبغض فلانا فأبغضه فيبغضه جبريل ثم ينادي في أهل السماء إن الله يبغض فلانا فأبغضوه، ثم يوضع له البغضاء في الأرض» قال هرم بن حيان: ما أقبل عبد بقلبه إلى الله عز وجل إلا أقبل الله بقلوب المؤمنين إليه حتى يرزقه مودتهم. وقال: كعب مكتوب في التوراة لا محبة لأحد في الأرض حتى يكون ابتداؤها من الله عز وجل ينزلها على أهل السماء ثم على أهل الأرض وتصديق ذلك في القرآن «سيجعل لهم الرحمن ودا».
قوله تعالى فَإِنَّما يَسَّرْناهُ أي سهلنا القرآن بِلِسانِكَ يا محمد لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ يعني المؤمنين وَتُنْذِرَ بِهِ أي القرآن قَوْماً لُدًّا أي شدادا في الخصومة. وقيل صما عن الحق، وقيل الألد الظالم الذي لا يستقيم ولا يقبل الحق ويدعي الباطل وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ ختم الله تعالى هذه السورة بموعظة بليغة لأنهم إذا علموا وأيقنوا أنه لا بد من زوال الدنيا بالموت خافوا ذلك وخافوا سوء العاقبة في الآية فكانوا إلى الحذر من المعاصي أقرب. ثم أكد ذلك فقال تعالى هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ أي هل ترى، تجد منهم أي من القرون مِنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزاً أي صوتا خفيا قال الحسن: بادوا جميعا لم يبق منهم عين ولا أثر والله أعلم بمراده وأسرار كتابه.
199
﴿ إن كل من في السموات والأرض إلا آتي الرحمن عبداً ﴾ أي آتية يوم القيامة عبداً ذليلاً خاضعاً، والمعنى أن الخلائق كلهم عبيده.
﴿ لقد أحصاهم وعدهم عداً ﴾ أي عد أنفاسهم وأيامهم وآثارهم فلا يخفى عليه شيء من أمورهم وكلهم تحت تدبيره وقهره وقدرته.
﴿ وكلهم آتيه يوم القيامة فرداً ﴾ أي وحيداً ليس معه من أحوال الدنيا شيء.
قوله عز وجل ﴿ إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن وداً ﴾ أي محبة قيل يحبهم الله تعالى ويحببهم إلى عباده المؤمنين ( ق ) عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال « إذا أحب الله سبحانه وتعالى عبداً دعا جبريل عليه السلام إن الله تعالى يحب فلاناً فأحبه فيحبه جبريل فينادي جبريل في أهل السماء إن الله يحب فلاناً فأحبوه، فيحبه أهل السماء، ثم يوضع له القبول في الأرض » وفي رواية لمسلم قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إن الله سبحانه وتعالى إذا أحب عبداً دعا جبريل فقال إني أحب فلاناً فأحبه فيحبه جبريل ثم ينادي في السماء فيقول إن الله يحب فلاناً فأحبوه فيحبه أهل السماء، ثم يوضع له القبول في الأرض وإذا أبغض الله عبداً دعا جبريل عليه السلام فيقول إني أبغض فلاناً فأبغضه فيبغضه جبريل ثم ينادي في أهل السماء إن الله يبغض فلاناً فأبغضوه، ثم يوضع له البغضاء في الأرض » قال هرم بن حيان : ما أقبل عبد بقلبه إلى الله عز وجل إلا أقبل الله بقلوب المؤمنين إليه حتى يرزقه مودتهم. وقال : كعب مكتوب في التوراة لا محبة لأحد في الأرض حتى يكون ابتداؤها من الله عز وجل ينزلها على أهل السماء ثم على أهل الأرض وتصديق ذلك في القرآن ﴿ سيجعل لهم الرحمن وداً ﴾.
قوله تعالى ﴿ فإنما يسرناه ﴾ أي سهلنا القرآن ﴿ بلسانك ﴾ يا محمد ﴿ لتبشر به المتقين ﴾ يعني المؤمنين ﴿ وتنذر به ﴾ أي القرآن ﴿ قوماً لداً ﴾ أي شداداً في الخصومة. وقيل صماً عن الحق، وقيل الألد الظالم الذي لا يستقيم ولا يقبل الحق ويدعي الباطل.
﴿ وكم أهلكنا قبلهم من قرن ﴾ ختم الله تعالى هذه السورة بموعظة بليغة لأنهم إذا علموا وأيقنوا أنه لا بد من زوال الدنيا بالموت خافوا ذلك وخافوا سوء العاقبة في الآية فكانوا إلى الحذر من المعاصي أقرب. ثم أكد ذلك فقال تعالى ﴿ هل تحس منهم ﴾ أي هل ترى، تجد منهم أي من القرون ﴿ من أحد أو تسمع لهم ركزاً ﴾ أي صوتاً خفياً قال الحسن : بادوا جميعاً لم يبق منهم عين ولا أثر والله أعلم بمراده وأسرار كتابه.
Icon