تفسير سورة سورة النحل من كتاب حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن
المعروف بـحدائق الروح والريحان
.
لمؤلفه
محمد الأمين الهرري
.
المتوفي سنة 1441 هـ
ﰡ
أصحاب رسول الله - ﷺ -، حتى نزلت ﴿فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ﴾ فسكتوا، وأخرج عبد الله بن الإِمام أحمد في "زوائد الزهد"، وابن جرير وابن أبي حاتم عن أبي بكر ابن أبي حفص قال: لما نزلت ﴿أَتَى أَمْرُ اللَّهِ﴾.. قاموا، فنزلت ﴿فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ﴾.
التفسير وأوجه القراءة
١ - ﴿أَتَى أَمْرُ اللَّهِ﴾؛ أي (١): دنا واقترب ما وعدتم به أيها الكفرة؛ أي: أتى العذاب الموعود لكم أيها الكفرة ﴿فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ﴾، أي: أمر الله ووقوعه، إذ لا خير لكم فيه، ولا خلاص لكم منه، واستعجالهم وإن كان بطريق الاستهزاء، لكنه حمل على الحقيقة، ونهوا عنه بضرب من التهكم.
الاستعجال طلب الشيء قبل حينه، وقيل أمر الله يوم القيامة، وعبَّر بالماضي عن المضارع لقرب وقوعه وتحققه، والحاصل (٢) أن النبي - ﷺ - لما أكثر من تهديدهم بعذاب الدنيا وعذاب الآخرة، ولم يروا شيئًا.. نسبوه إلى الكذب، فأجاب الله تعالى عن هذه الشبهة بقوله تعالى: ﴿أَتَى أَمْرُ اللَّهِ﴾؛ أي: قد حصل حكم الله بنزول العذاب من الأزل إلى الأبد، وإنما لم يحصل المحكوم به؛ لأنه تعالى خصص حصوله بوقت معين. ﴿فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ﴾؛ أي: فلا تطلبوا حصوله قبل حضور ذلك الوقت، ولما قالت الكفرة: إنا سلمنا لك يا محمد صحة ما تقوله، من أنه تعالى حكم بإنزال العذاب علينا، إما في الدنيا، وإما في الآخرة إلا أنَّا نعبد هذه الأصنام، فإنها شفعاؤنا عند الله، فهي تشفع لنا عنده، فنتخلص من هذا العذاب المحكوم به، بسبب شفاعة هذه الأصنام، فأجاب الله تعالى عن هذه الشبهة بقوله: ﴿سُبْحَانَهُ﴾؛ أي: تنزيهًا له وتقديسًا عن الصاحبة والولد ﴿وَتَعَالَى﴾؛ أي: تبرأ وترفع ﴿عمَّا يُشْرِكُونَ﴾؛ أي: عن إشراكهم به غيره، أو عما يشركون به تعالى من الأصنام والأوثان، فنزه الله تعالى نفسه عن شركة الشركاء، وأن يكون لأحد أن يشفع عنده إلا بإذنه، وقرأ حمزة والكسائي: ﴿أَتَى﴾ بالإمالة ذكره في "زاد المسير".
التفسير وأوجه القراءة
١ - ﴿أَتَى أَمْرُ اللَّهِ﴾؛ أي (١): دنا واقترب ما وعدتم به أيها الكفرة؛ أي: أتى العذاب الموعود لكم أيها الكفرة ﴿فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ﴾، أي: أمر الله ووقوعه، إذ لا خير لكم فيه، ولا خلاص لكم منه، واستعجالهم وإن كان بطريق الاستهزاء، لكنه حمل على الحقيقة، ونهوا عنه بضرب من التهكم.
الاستعجال طلب الشيء قبل حينه، وقيل أمر الله يوم القيامة، وعبَّر بالماضي عن المضارع لقرب وقوعه وتحققه، والحاصل (٢) أن النبي - ﷺ - لما أكثر من تهديدهم بعذاب الدنيا وعذاب الآخرة، ولم يروا شيئًا.. نسبوه إلى الكذب، فأجاب الله تعالى عن هذه الشبهة بقوله تعالى: ﴿أَتَى أَمْرُ اللَّهِ﴾؛ أي: قد حصل حكم الله بنزول العذاب من الأزل إلى الأبد، وإنما لم يحصل المحكوم به؛ لأنه تعالى خصص حصوله بوقت معين. ﴿فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ﴾؛ أي: فلا تطلبوا حصوله قبل حضور ذلك الوقت، ولما قالت الكفرة: إنا سلمنا لك يا محمد صحة ما تقوله، من أنه تعالى حكم بإنزال العذاب علينا، إما في الدنيا، وإما في الآخرة إلا أنَّا نعبد هذه الأصنام، فإنها شفعاؤنا عند الله، فهي تشفع لنا عنده، فنتخلص من هذا العذاب المحكوم به، بسبب شفاعة هذه الأصنام، فأجاب الله تعالى عن هذه الشبهة بقوله: ﴿سُبْحَانَهُ﴾؛ أي: تنزيهًا له وتقديسًا عن الصاحبة والولد ﴿وَتَعَالَى﴾؛ أي: تبرأ وترفع ﴿عمَّا يُشْرِكُونَ﴾؛ أي: عن إشراكهم به غيره، أو عما يشركون به تعالى من الأصنام والأوثان، فنزه الله تعالى نفسه عن شركة الشركاء، وأن يكون لأحد أن يشفع عنده إلا بإذنه، وقرأ حمزة والكسائي: ﴿أَتَى﴾ بالإمالة ذكره في "زاد المسير".
(١) روح البيان.
(٢) المراح.
(٢) المراح.
137
وقرأ الجمهور: ﴿تَسْتَعْجِلُوهُ﴾: بالتاء على الخطاب، وهو خطاب للمؤمنين، أو خطاب للكفار على معنى قل لهم: ﴿فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ﴾، وقال تعالى: ﴿يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِهَا﴾، وقر ابن جبير: بالياء نهيًا للكفار، والظاهر عود الضمير في: ﴿فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ﴾ على الأمر؛ لأنه هو المحدث عنه، وقيل يعود على الله؛ أي: فلا تستعجلوا الله بالعذاب، أو بإتيان يوم القيامة، كقوله: ﴿وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ﴾، وقرأ حمزة والكسائي: ﴿تُشْرِكون﴾ بتاء الخطاب، وباقي السبعة والأعرج وأبو جعفر وابن وضاح وأبو رجاء والحسن: بالياء على الغيبة، وقرأ عيسى الأولى بالتاء من فوق، والثانية بالياء من تحت، وبالتاء من فوق معًا الأعمش وأبو العالية وطلحة وأبو عبد الرحمن وابن وثاب والجحدري.
وعبارة "المراغي" هنا: ﴿أَتَى أَمْرُ اللهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ﴾؛ أي: قرب عذاب المشركين وهلاكهم، أما إتيانه بالفعل وتحققه فمنوط بحكم الله النافذ، وقضائه الغالب على كل شيء، فهو يأتي في الحين الذي قدره وقضاه، ونظم سبحانه المتوقع في صورة المحقق، إيذانًا بأنه واجب الوقوع، والشيء إذا كان بهذه المثابة يسوغ في عرف التخاطب أن يعد واقعًا، ومعنى قوله: ﴿فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ﴾ لا تطلبوا حصوله قبل حضور الوقت المقدر في علمه تعالى.
وفي هذا (١): تهديد من الله لأهل الكفر به وبرسوله، وإعلامٌ منه لهم بقرب عذابهم وهلاكهم الذي لا بد منه، ﴿سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾؛ أي: تبرأ الله تعالى عن الشريك والشفيع الذي يدفع الضر عنكم، وفي هذا رد لمقالهم حين قالوا: لئن حكم الله علينا بإنزال العذاب في الدنيا أو في الآخرة.. لتشفعن لنا هذه الأصنام التي نعبدها من دونه.
وخلاصة هذا: أن تلك الجمادات الخسيسة التي جعلتموها شركاء لله وعبدتموها هي أحقر الموجودات، وأضعف المخلوقات، فكيف تجعلونها شريكةً لله في التدبير والشفاعة في الأرض والسموات.
وعبارة "المراغي" هنا: ﴿أَتَى أَمْرُ اللهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ﴾؛ أي: قرب عذاب المشركين وهلاكهم، أما إتيانه بالفعل وتحققه فمنوط بحكم الله النافذ، وقضائه الغالب على كل شيء، فهو يأتي في الحين الذي قدره وقضاه، ونظم سبحانه المتوقع في صورة المحقق، إيذانًا بأنه واجب الوقوع، والشيء إذا كان بهذه المثابة يسوغ في عرف التخاطب أن يعد واقعًا، ومعنى قوله: ﴿فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ﴾ لا تطلبوا حصوله قبل حضور الوقت المقدر في علمه تعالى.
وفي هذا (١): تهديد من الله لأهل الكفر به وبرسوله، وإعلامٌ منه لهم بقرب عذابهم وهلاكهم الذي لا بد منه، ﴿سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾؛ أي: تبرأ الله تعالى عن الشريك والشفيع الذي يدفع الضر عنكم، وفي هذا رد لمقالهم حين قالوا: لئن حكم الله علينا بإنزال العذاب في الدنيا أو في الآخرة.. لتشفعن لنا هذه الأصنام التي نعبدها من دونه.
وخلاصة هذا: أن تلك الجمادات الخسيسة التي جعلتموها شركاء لله وعبدتموها هي أحقر الموجودات، وأضعف المخلوقات، فكيف تجعلونها شريكةً لله في التدبير والشفاعة في الأرض والسموات.
(١) المراغي.
138
٢ - ولمَّا (١) أخبرهم - أعني الكفار - رسول الله - ﷺ - عن أمر الله تعالى أنه قد قرب، ونهاهم عن الاستعجال.. ترددوا في الطريق التي علم بها رسول الله - ﷺ - بذلك، فأخبر أنه علم به بالوحي على ألسن رسل الله تعالى من ملائكته، فقال: ﴿يُنَزِّلُ﴾ الله سبحانه وتعالى ﴿الْمَلَائِكَةَ﴾؛ أي (٢): جبريل لأن الواحد يسمى باسم الجمع إذا كان رئيسًا تعظيمًا لشأنه ورفعًا لقدره، أو هو ومن معه من حفظة الوحي؛ لأنه قد ينزل بالوحي مع غيره حالة كونهم متلبسين ﴿بِالرُّوحِ﴾؛ أي: بالوحي الذي من جملته القرآن، على طريق الاستعارة، فإنه يحيي القلوب الميتة بالجهل، أو يقوم في الدين مقام الروح في الجسد، وقال بعضهم الباء بمعنى مع؛ أي: ينزل الملائكة مع جبريل، وقوله: ﴿مِنْ أَمْرِهِ﴾ بيان للروح الذي أريد به الوحي؛ أي: حالة كون الروح والوحي من أمره وحكمه وشرعه، أو هو متعلق بينزل، و ﴿مَنْ﴾ بمعنى الباء السببية؛ أي: بسبب أمره، وأجل إرادته؛ أي: ينزل الملائكة بالوحي من أمره ﴿عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ﴾؛ أي: على من يصطفيه من عباده للنبوة والرسالة وتبليغ الوحي إلى الخلق، وقوله: ﴿أَنْ أَنْذِرُوا﴾ بدل من الروح؛ أي: ينزل الله سبحانه وتعالى ملائكته بالوحي من أمره على من يريد من عباده المصطفين الأخيار حالة كونهم متلبسين بأنهم أنذروا؛ أي: بأن قولوا يا ملائكتي للأنبياء: أعلموا الناس أيها الأنبياء ﴿أَنَّهُ﴾؛ أي: الشأن ﴿لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا﴾ الواحد القهار الملك الجبار ﴿فَاتَّقُونِ﴾؛ أي: فخافوا أيها الناس عقابي بالإتيان بعبادتي، والمخاطبون بالإنذار الأنبياء الذين نزلت عليهم الملائكة، والآمر هو الله تعالى، والملائكة نقلة للأمر، والإنذار التخويف من المحذور.
وتقدير هذا الكلام: (٣) أنه تعالى ينزل الملائكة على من يشاء من عبيده، ويأمر الله ذلك العبد الذي نزلت عليه الملائكة بأن يبلغ إلى سائر الخلق أن إله العالم واحد، كلفهم بمعرفة التوحيد وبالعبادة له، وبين أنهم إن فعلوا.. فازوا بخيري الدنيا والآخرة، وإن تمردوا.. وقعوا في شر الدنيا والآخرة، فبهذا
وتقدير هذا الكلام: (٣) أنه تعالى ينزل الملائكة على من يشاء من عبيده، ويأمر الله ذلك العبد الذي نزلت عليه الملائكة بأن يبلغ إلى سائر الخلق أن إله العالم واحد، كلفهم بمعرفة التوحيد وبالعبادة له، وبين أنهم إن فعلوا.. فازوا بخيري الدنيا والآخرة، وإن تمردوا.. وقعوا في شر الدنيا والآخرة، فبهذا
(١) الشوكاني.
(٢) روح البيان.
(٣) المراح.
(٢) روح البيان.
(٣) المراح.
الطريق صار ذلك العبد مخصوصًا بهذه المعارف من دون سائر الخلق، فقوله تعالى: ﴿لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا﴾ إشارة إلى الأحكام الأصولية، وقوله تعالى: ﴿فَاتَّقُونِ﴾ إشارة إلى الأحكام الفرعية.
وقرأ ابن كثير وأبو عمرو (١): ﴿يُنَزِّلُ﴾ بإسكان النون وتخفيف الزاي، وقرأ نافع وعاصم وابن عامر وحمزة والكسائي: ﴿يُنَزِّلُ﴾ بالتشديد، وقرأ زيد بن علي والأعمش وأبو بكر: ﴿تُنَزَّلُ﴾ مشددًا مبنيًّا للمفعول ﴿المَلائِكَةُ﴾، وقرأ الجحدري كذلك إلا أنه خفَّف، وقرأ الحسن وأبو العالية والأعرج والمفضَّل عن عاصم ويعقوب: ﴿تَنَزَّلُ﴾ بفتح التاء مشددًا مبنيًّا للفاعل، وقرأ ابن أبي عبلة: ﴿نُنزِّلُ﴾ بنون العظمة والتشديد، وقتادة بالنون والتخفيف، قال ابن عطية: وفيهما شذوذ كثير. انتهى.
وشذوذهما أن ما قبله وبما بعده ضمير غيبة، ووجه بأنه التفات. وقرىء ﴿ليُنْذرُوا أنَّه﴾ وقرأ يعقوب ﴿فاتَّقُوني﴾ بالياء، ذكره "النسفيُّ"، وفي الآية إيماء (٢) إلى أن الوحى من الله إلى أنبيائه لا يكون إلا بواسطة الملائكة، ويؤيد ذلك قوله: ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ﴾ فقد بدأ بذكر الملائكة؛ لأنهم الذين يتلقون الوحي من الله بلا وساطة، وذلك الوحي هو الكتب، وهم يوصلون هذا الوحي إلى الأنبياء، لا جرم جاء الترتيب على هذا الوضع.
٣ - ﴿خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ﴾؛ أي: خلق سبحانه وتعالى وأنشأ وأوجد العالم العلوي، وهو السموات، والعالم السفلي، وهو الأرض بما حوت على غير مثال سابق؛ أي: خلق الأجرام العلوية والآثار السفلية خلقًا متلبِّسًا ﴿بِالْحَقِّ﴾؛ أي: بالحكمة والمصلحة على نهج تقتضيه الحكمة، ولم يخلقهما عبثًا منفردًا بخلقهما لم يشركه في إنشائهما وإحداثهما شريك، ولم يعنه على ذلك معين ﴿تَعَالَى﴾ الله سبحانه عن ذلك، إذ ليس في قدرة أحد سواه أن ينشىء السموات والأرض، فلا تليق العبادة إلا له، تقدس سبحانه ﴿عمَّا يُشْرِكُونَ﴾؛ أي: عن إشراكهم أو عن
وقرأ ابن كثير وأبو عمرو (١): ﴿يُنَزِّلُ﴾ بإسكان النون وتخفيف الزاي، وقرأ نافع وعاصم وابن عامر وحمزة والكسائي: ﴿يُنَزِّلُ﴾ بالتشديد، وقرأ زيد بن علي والأعمش وأبو بكر: ﴿تُنَزَّلُ﴾ مشددًا مبنيًّا للمفعول ﴿المَلائِكَةُ﴾، وقرأ الجحدري كذلك إلا أنه خفَّف، وقرأ الحسن وأبو العالية والأعرج والمفضَّل عن عاصم ويعقوب: ﴿تَنَزَّلُ﴾ بفتح التاء مشددًا مبنيًّا للفاعل، وقرأ ابن أبي عبلة: ﴿نُنزِّلُ﴾ بنون العظمة والتشديد، وقتادة بالنون والتخفيف، قال ابن عطية: وفيهما شذوذ كثير. انتهى.
وشذوذهما أن ما قبله وبما بعده ضمير غيبة، ووجه بأنه التفات. وقرىء ﴿ليُنْذرُوا أنَّه﴾ وقرأ يعقوب ﴿فاتَّقُوني﴾ بالياء، ذكره "النسفيُّ"، وفي الآية إيماء (٢) إلى أن الوحى من الله إلى أنبيائه لا يكون إلا بواسطة الملائكة، ويؤيد ذلك قوله: ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ﴾ فقد بدأ بذكر الملائكة؛ لأنهم الذين يتلقون الوحي من الله بلا وساطة، وذلك الوحي هو الكتب، وهم يوصلون هذا الوحي إلى الأنبياء، لا جرم جاء الترتيب على هذا الوضع.
٣ - ﴿خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ﴾؛ أي: خلق سبحانه وتعالى وأنشأ وأوجد العالم العلوي، وهو السموات، والعالم السفلي، وهو الأرض بما حوت على غير مثال سابق؛ أي: خلق الأجرام العلوية والآثار السفلية خلقًا متلبِّسًا ﴿بِالْحَقِّ﴾؛ أي: بالحكمة والمصلحة على نهج تقتضيه الحكمة، ولم يخلقهما عبثًا منفردًا بخلقهما لم يشركه في إنشائهما وإحداثهما شريك، ولم يعنه على ذلك معين ﴿تَعَالَى﴾ الله سبحانه عن ذلك، إذ ليس في قدرة أحد سواه أن ينشىء السموات والأرض، فلا تليق العبادة إلا له، تقدس سبحانه ﴿عمَّا يُشْرِكُونَ﴾؛ أي: عن إشراكهم أو عن
(١) البحر المحيط.
(٢) المراغي.
(٢) المراغي.
شركه الذي يجعلونه شريكًا له من الباطل الذي لا يبدىء ولا يعيد، فينبغي للسالك أن يوحد الله تعالى ذاتًا وصفةً وفعلًا، وقرأ الأعمش: ﴿فتعالى﴾ بزيادة فاء، ولما احتج (١) سبحانه بخلق السموات والأرض على حدوثهما.. قال بعده: ﴿تَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ فالقائلون بقدم السموات والأرض، كأنهم أثبتوا لله شريكًا في القدم، فنزَّه تعالى نفسه عن ذلك، وبين أنه لا قديم إلا هو، فالمقصود من قوله أولًا ﴿سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ إبطال قول من يقول إن الأصنام تشفع للكفار في دفع عقاب الله عنهم، والمقصود ها هنا إبطال قول من يقول: أجسام السموات والأرض قديمة، فنزه الله سبحانه وتعالى نفسه عن أن يشاركه غيره في القدم، ويقال: قبل أن يخلق الأرض كان موضع الأرض كله ماء، فاجتمع الزبد في موضع الكعبة، فصارت ربوة حمراء كهيئة التل، وكان ذلك يوم الأحد، ثم ارتفع بخار الماء كهيئة الدخان حتى انتهى إلى موضع السماء، وما بين السماء والأرض مسيرة خمس مئة عام، كما بين المشرق والمغرب، فجعل الله درّةً خضراء فخلق منها السماء، فلما كان يوم الاثنين.. خلق الشمس والقمر والنجوم، ثم بسط الأرض من تحت الربوة ﴿بِالْحَقِّ﴾؛ أي: بالحكمة والمصلحة، لا بالباطل والعبث، ونعم ما قيل:
٤ - ثم لما كان النوع الإنساني أشرف أنواع المخلوقات السفلية.. قدمه وخصه بالذكر، فقال: ﴿خَلَقَ الْإِنْسَانَ﴾؛ أي: بني آدم لا غير؛ لأن أبويهم لم يخلقا من النطفة، بل خلق آدم من التراب، وحواء من الضلع الأيسر منه، ﴿مِنْ نُطْفَةٍ﴾؛ أي: من جماد يخرج من حيوان، وهو المني، فنقله أطوارًا إلى أن كملت صورته، ونفخ فيه الروح، وأخرجه من بطن أمه إلى هذه الدار، فعاش فيها ﴿فَإِذَا هُوَ﴾؛ أي: الإنسان بعد خلقه على هذه الصفة، وأتى بالفاء إشارة إلى سرعة نسيانهم ابتداء خلقهم ﴿خَصِيمٌ﴾؛ أي: بليغ الخصومة شديد الجدل، والمعنى: أنه كالمخاصم لله سبحانه في قدرته ﴿مُبِينٌ﴾؛ أي: ظاهر الخصومة واضحها،
إِنَّما الْكَوْنُ خَيَالٌ | وَهْوَ حَقٌّ فِي الْحَقِيْقَهْ |
(١) المراح.
وقيل يبين عن نفسه ما يخاصم به عن الباطل، الآية تدل: (١) على وصف الإنسان بالإفراط في الوقاحة والجهل والتمادي في كفران النعمة، قالوا: خلق الله تعالى جوهر الإنسان من تراب أولًا ثم من نطفة ثانيًا، وهم ما ازدادوا إلا تكبرًا، وما لهم والكبر بعد أن خلقوا من نطفة قذرة؟!
والمعنى: أي (٢) خلق الله سبحانه وتعالى الإنسان من نطفة؛ أي: من ماء مهين خلقًا عجيبًا في أطوار مختلفة، ثم أخرجه إلى ضياء الدنيا بعد ما تم خلقه، ونفخ فيه الروح، فغذاه ونماه ورزقه القوت، حتى إذا استقل ودرج نسي الذي خلقه خلقًا سويًّا من ماء مهين، بل خاصمه فقال: ﴿مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ﴾ وعبد ما لا يضر ولا ينفع ﴿وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُهُمْ وَلَا يَضُرُّهُمْ وَكَانَ الْكَافِرُ عَلَى رَبِّهِ ظَهِيرًا (٥٥)﴾ وكان حقه والواجب عليه أن يطيع وينقاد لأمر الله، وأكثر ما ذكر الإنسان في القرآن في معرض الذم، أو مردفًا بالذم، ذكره أبو حيان في "البحر".
٥ - ولمَّا ذكر (٣) الله سبحانه وتعالى أنه خلق السموات والأرض، ثم أتبعه بذكر خلق الإنسان.. ذكر بعده ما ينتفع به في سائر ضروراته، ولمَّا كان أعظم ضرورات الإنسان الأكل واللباس اللذين يقوم بهما بدن الإنسان.. بدأ بذكر الحيوان المنتفع به في ذلك، وهو الأنعام فقال: ﴿وَالْأَنْعَامَ﴾؛ أي: الإبل والبقر والغنم والمعز، جمع نعم، وهي الأجناس الأربعة، المسماة بالأزواج الثمانية، اعتبارًا للذكر والأنثى، فالخيل والبغال والحمير خارجة من الأنعام، وانتصابها بفعل مضمر يفسره قوله: ﴿خَلَقَهَا لَكُمْ﴾؛ أي: خلق الله سبحانه وتعالى الأنعام المذكورة لمنافعكم ومصالحكم يا بني آدم، وكذا سائر المخلوقات، فإنها خلقت لمصالح العباد ومنافعهم لا لها، يدل عليه قوله تعالى: ﴿خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا﴾ وقوله: ﴿سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ﴾ وأمَّا الإنسان فقد خلق له تعالى كما قال: ﴿وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي﴾ وقرىء: ﴿الأنعامُ﴾ بالرفع شاذًّا، كما ذكره
والمعنى: أي (٢) خلق الله سبحانه وتعالى الإنسان من نطفة؛ أي: من ماء مهين خلقًا عجيبًا في أطوار مختلفة، ثم أخرجه إلى ضياء الدنيا بعد ما تم خلقه، ونفخ فيه الروح، فغذاه ونماه ورزقه القوت، حتى إذا استقل ودرج نسي الذي خلقه خلقًا سويًّا من ماء مهين، بل خاصمه فقال: ﴿مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ﴾ وعبد ما لا يضر ولا ينفع ﴿وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُهُمْ وَلَا يَضُرُّهُمْ وَكَانَ الْكَافِرُ عَلَى رَبِّهِ ظَهِيرًا (٥٥)﴾ وكان حقه والواجب عليه أن يطيع وينقاد لأمر الله، وأكثر ما ذكر الإنسان في القرآن في معرض الذم، أو مردفًا بالذم، ذكره أبو حيان في "البحر".
٥ - ولمَّا ذكر (٣) الله سبحانه وتعالى أنه خلق السموات والأرض، ثم أتبعه بذكر خلق الإنسان.. ذكر بعده ما ينتفع به في سائر ضروراته، ولمَّا كان أعظم ضرورات الإنسان الأكل واللباس اللذين يقوم بهما بدن الإنسان.. بدأ بذكر الحيوان المنتفع به في ذلك، وهو الأنعام فقال: ﴿وَالْأَنْعَامَ﴾؛ أي: الإبل والبقر والغنم والمعز، جمع نعم، وهي الأجناس الأربعة، المسماة بالأزواج الثمانية، اعتبارًا للذكر والأنثى، فالخيل والبغال والحمير خارجة من الأنعام، وانتصابها بفعل مضمر يفسره قوله: ﴿خَلَقَهَا لَكُمْ﴾؛ أي: خلق الله سبحانه وتعالى الأنعام المذكورة لمنافعكم ومصالحكم يا بني آدم، وكذا سائر المخلوقات، فإنها خلقت لمصالح العباد ومنافعهم لا لها، يدل عليه قوله تعالى: ﴿خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا﴾ وقوله: ﴿سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ﴾ وأمَّا الإنسان فقد خلق له تعالى كما قال: ﴿وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي﴾ وقرىء: ﴿الأنعامُ﴾ بالرفع شاذًّا، كما ذكره
(١) روح البيان.
(٢) المراغي.
(٣) الخازن.
(٢) المراغي.
(٣) الخازن.
أبو البقاء، حالة كون تلك الأنعام ﴿فِيهَا دِفْءٌ﴾؛ أي: ما يتدفأ به من البرودة ويستحسن من اللباس المتخذة من أصوافها وأوبارها وأشعارها، ﴿و﴾ حالة كونها فيها ﴿منافع﴾ أخرى غير الدفء، من نسلها ودرها وركوبها، والحراثة بها وثمنها وأجرتها ﴿و﴾ حالة كونها ﴿منها﴾؛ أي: من لحومها وشحومها وأكبادها وكروشها وغير ذلك أصالةً، وغالبًا ﴿تَأْكُلُونَ﴾ يا بني آدم (١)، بخلاف القُبل والدبر والذَّكر والخصيتين والمرارة والمثانة ونخاع الصلب والعظم والدم فإنها حرام، وتقديم الظرف لرعاية الفاصلة، أو لأن الأكل منها هو الأصل الذي يعتمده الناس في معايشهم، وأما الأكل من غيرها من الطيور وصيد البر والبحر.. فعلى وجه التداوي، أو التفكه والتلذذ، فيكون القصر إضافيًّا بالنسبة إلى سائر الحيوانات، حتى لا ينتقض بمثل خبز ونحوه من المأكولات المعتادة.
وقرأ الزهري وأبو جعفر (٢): ﴿دِفْءٌ﴾ بضم الفاء وشدِّها وتنوينها، ووجهه أنه نقل الحركة من الهمزة إلى الفاء ثم حذفها ثم شدد الفاء إجراء للوصل مجرى الوقف، إذ يجوز تشديدها في الوقف، وقرأ زيد بن عليّ ﴿دفٌ﴾ بنقل الحركة وحذف الهمزة دون تشديد الفاء، وقال صاحب "اللوامح" قرأ ﴿دفٌ﴾ بضم الفاء من غير همزٍ، والفاء محركة بحركة الهمزة المحذوفة، ومنهم من يعوض من هذه الهمزة فيشدد الفاء، وهو أحد وجهي حمزة بن حبيب وقفًا.
وخص منفعة (٣) الأكل بالذِّكر مع دخولها تحت المنافع لأنها أعظمها، وقيل: خصها لأن الانتفاع بلحمها وشحمها تعدم عنده عينها، بخلاف غيره من المنافع التي فيها، وتقديم الظرف المؤذن بالاختصاص للإشارة إلى أن الأكل منها هو الأصل، وغيره نادر،
٦ - ﴿وَلَكُمْ فِيهَا﴾؛ أي: في هذه الأنعام مع ما فُصِّل من أنواع المنافع ﴿جَمَالٌ﴾؛ أي: زينةٌ في أعين الناظرين إليها ووجاهة عندهم ﴿حِينَ تُرِيحُونَ﴾؛ أي: حين تردونها بالعشي من مسارحها إلى منازلها، التي تأوي إليها ﴿وَحِينَ تَسْرَحُونَ﴾؛ أي: وحين تخرجونها من مراحها إلى مسارحها بالغداة،
وقرأ الزهري وأبو جعفر (٢): ﴿دِفْءٌ﴾ بضم الفاء وشدِّها وتنوينها، ووجهه أنه نقل الحركة من الهمزة إلى الفاء ثم حذفها ثم شدد الفاء إجراء للوصل مجرى الوقف، إذ يجوز تشديدها في الوقف، وقرأ زيد بن عليّ ﴿دفٌ﴾ بنقل الحركة وحذف الهمزة دون تشديد الفاء، وقال صاحب "اللوامح" قرأ ﴿دفٌ﴾ بضم الفاء من غير همزٍ، والفاء محركة بحركة الهمزة المحذوفة، ومنهم من يعوض من هذه الهمزة فيشدد الفاء، وهو أحد وجهي حمزة بن حبيب وقفًا.
وخص منفعة (٣) الأكل بالذِّكر مع دخولها تحت المنافع لأنها أعظمها، وقيل: خصها لأن الانتفاع بلحمها وشحمها تعدم عنده عينها، بخلاف غيره من المنافع التي فيها، وتقديم الظرف المؤذن بالاختصاص للإشارة إلى أن الأكل منها هو الأصل، وغيره نادر،
٦ - ﴿وَلَكُمْ فِيهَا﴾؛ أي: في هذه الأنعام مع ما فُصِّل من أنواع المنافع ﴿جَمَالٌ﴾؛ أي: زينةٌ في أعين الناظرين إليها ووجاهة عندهم ﴿حِينَ تُرِيحُونَ﴾؛ أي: حين تردونها بالعشي من مسارحها إلى منازلها، التي تأوي إليها ﴿وَحِينَ تَسْرَحُونَ﴾؛ أي: وحين تخرجونها من مراحها إلى مسارحها بالغداة،
(١) روح البيان.
(٢) البحر المحيط.
(٣) الشوكاني.
(٢) البحر المحيط.
(٣) الشوكاني.
وخصص هذين الوقتين بالذكر لأن الأفنية تتزين بها، ويتجاوب رغاؤها في الإبل، وثغاؤها في الشاة حين الذهاب والإياب.
فيعظم أربابها في أعين الناظرين إليها، وقدم المَرَاح على السَّرَاح مع تأخرها في الوجود لأن الجمال فيها أظهر، وجلب السرور فيها أكمل، ففيها حضور بعد غيبه، وإقبال بعد إدبار، على أحسن ما يكون، إذ تكون ملأى البطون حافلة الضروع.
وفي "الخازن" (١): فإن قلت: لِمَ قدمت الإراحة على التسريح؟
قلتُ: لأن الجمال في الإراحة، وهو رجوعها إلى البيوت أكثر منها وقت التسريح؛ لأن النعم تقبل من المرعى ملأى البطون، حافلة الضروع، فيفرح أهلها بها، بخلاف تسريحها إلى المرعى، فإنها تخرج جائعة البطون ضامرة الضروع من اللبن، ثم تأخذ في التفرق والانتشار للرعي في البرية، فثبت بهذا البيان أن التجمل في الإراحة أكثر منه من التسريح، فوجب تقديمه، وقرأ عكرمة والضحاك والجحدري: ﴿حِيْنًا﴾ فيهما بالتنوين وفك الإضافة، وجعلوا الجملتين صفتين حذف منهما العائد، كقوله: ﴿وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي﴾.
٧ - ﴿و﴾ هذه الأنعام ﴿تَحْمِلُ﴾ أيضًا ﴿أَثْقَالَكُمْ﴾؛ أي: أمتعتكم وأحمالكم، والمراد بها هنا الإبل خاصة، جمع ثقل بفتحتين وهو متاع المسافر ﴿إِلَى بَلَدٍ﴾ بعيدٍ غير بلدكم أيًّا ما كان، فيدخل فيه إخراج أهل مكة متاجرهم إلى اليمن ومصر والشام ﴿لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ﴾؛ أي: بالغي ذلك البلد الذي تقصدونه؛ أي: واصلين إليه بأنفسكم مجردين عن الأثقال لولا الإبل؛ لو لم تخلق الإبل فرضًا، والاستثناء في قوله (٢): ﴿إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ﴾؛ أي: إلا بتعب الأنفس، فضلًا عن استصحابها معكم؛ أي: عن أن تحملوها على ظهوركم إليه مفرغ من أعم الأشياء؛ أي: لم تكونوا بالغيه بشيء من الأشياء إلا بكلفةٍ ومشقةٍ وجهدٍ شديدٍ وعناءٍ وتعبٍ، والشقُّ نصف الشيء، والمعنى على هذا: لم تكونوا بالغيه إلا
فيعظم أربابها في أعين الناظرين إليها، وقدم المَرَاح على السَّرَاح مع تأخرها في الوجود لأن الجمال فيها أظهر، وجلب السرور فيها أكمل، ففيها حضور بعد غيبه، وإقبال بعد إدبار، على أحسن ما يكون، إذ تكون ملأى البطون حافلة الضروع.
وفي "الخازن" (١): فإن قلت: لِمَ قدمت الإراحة على التسريح؟
قلتُ: لأن الجمال في الإراحة، وهو رجوعها إلى البيوت أكثر منها وقت التسريح؛ لأن النعم تقبل من المرعى ملأى البطون، حافلة الضروع، فيفرح أهلها بها، بخلاف تسريحها إلى المرعى، فإنها تخرج جائعة البطون ضامرة الضروع من اللبن، ثم تأخذ في التفرق والانتشار للرعي في البرية، فثبت بهذا البيان أن التجمل في الإراحة أكثر منه من التسريح، فوجب تقديمه، وقرأ عكرمة والضحاك والجحدري: ﴿حِيْنًا﴾ فيهما بالتنوين وفك الإضافة، وجعلوا الجملتين صفتين حذف منهما العائد، كقوله: ﴿وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي﴾.
٧ - ﴿و﴾ هذه الأنعام ﴿تَحْمِلُ﴾ أيضًا ﴿أَثْقَالَكُمْ﴾؛ أي: أمتعتكم وأحمالكم، والمراد بها هنا الإبل خاصة، جمع ثقل بفتحتين وهو متاع المسافر ﴿إِلَى بَلَدٍ﴾ بعيدٍ غير بلدكم أيًّا ما كان، فيدخل فيه إخراج أهل مكة متاجرهم إلى اليمن ومصر والشام ﴿لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ﴾؛ أي: بالغي ذلك البلد الذي تقصدونه؛ أي: واصلين إليه بأنفسكم مجردين عن الأثقال لولا الإبل؛ لو لم تخلق الإبل فرضًا، والاستثناء في قوله (٢): ﴿إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ﴾؛ أي: إلا بتعب الأنفس، فضلًا عن استصحابها معكم؛ أي: عن أن تحملوها على ظهوركم إليه مفرغ من أعم الأشياء؛ أي: لم تكونوا بالغيه بشيء من الأشياء إلا بكلفةٍ ومشقةٍ وجهدٍ شديدٍ وعناءٍ وتعبٍ، والشقُّ نصف الشيء، والمعنى على هذا: لم تكونوا بالغيه إلا
(١) الخازن.
(٢) روح البيان.
(٢) روح البيان.
بنقصان بقوة النفس وذهاب نصفها، ونحو الآية قوله تعالى: ﴿وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهَا وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ (٢١) وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ (٢٢)﴾، وقوله: ﴿وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَلِتَبْلُغُوا عَلَيْهَا حَاجَةً فِي صُدُورِكُمْ وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ (٨٠)﴾.
وقد امتن الله (١) سبحانه على عباده بخلق الأنعام على العموم، ثم خص الإبل بالذكر لما فيها من نعمة حمل الأثقال دون البقر والغنم، ﴿إِنَّ رَبَّكُمْ﴾ سبحانه وتعالى ﴿لَرَءُوفٌ﴾؛ أي: عظيم الرأفة والرفق بكم ﴿رَحِيمٌ﴾؛ أي: عظيم الإنعام عليكم، ومن ثم أسبغ عليكم نعمه الجليلة، ويسر لكم الأمور الشاقة العسيرة، ومن رأفته ورحمته بكم أن خلق لكم الأنعام لمنافعكم ومصالحكم، كما قال: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ (٧١) وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ (٧٢)﴾.
وقال أبو حيان: وناسب (٢) الامتنانَ بهذه النعمة من حملها الأثقال الختم بصفة الرأفة والرحمة، لأن من رأفته تيسير هذه المصالح وتسخير الأنعام لكم اهـ.
وقرأ الجمهور (٣): ﴿بِشِق﴾ بكسر الشين، وقرأ مجاهد والأعرج وأبو جعفر وعمر بن ميمون وابن أرقم: بفتحها، ورويت عن نافع وأبي عمرو، وهما مصدران معناهما المشقة، وقيل الشق بالفتح المصدر، وبالكسر الاسم،
٨ - وقوله: ﴿وَالْخَيْلَ﴾ عطف على الأنعام؛ أي: وخلق الله سبحانه وتعالى لكم الخيل ﴿وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا﴾ تعليلٌ بمعظم منافعها، وإلا فالانتفاع بها بالحمل أيضًا مما لا ريب في تحققه ﴿و﴾ جعلها لكم ﴿زينة﴾ تتزينون بها إلى ما لكم فيها من منافع أخرى.
وقرأ الجمهور (٤): ﴿وَالْخَيْلَ﴾ وما عطف بالنصب، عطفًا على قوله:
وقد امتن الله (١) سبحانه على عباده بخلق الأنعام على العموم، ثم خص الإبل بالذكر لما فيها من نعمة حمل الأثقال دون البقر والغنم، ﴿إِنَّ رَبَّكُمْ﴾ سبحانه وتعالى ﴿لَرَءُوفٌ﴾؛ أي: عظيم الرأفة والرفق بكم ﴿رَحِيمٌ﴾؛ أي: عظيم الإنعام عليكم، ومن ثم أسبغ عليكم نعمه الجليلة، ويسر لكم الأمور الشاقة العسيرة، ومن رأفته ورحمته بكم أن خلق لكم الأنعام لمنافعكم ومصالحكم، كما قال: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ (٧١) وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ (٧٢)﴾.
وقال أبو حيان: وناسب (٢) الامتنانَ بهذه النعمة من حملها الأثقال الختم بصفة الرأفة والرحمة، لأن من رأفته تيسير هذه المصالح وتسخير الأنعام لكم اهـ.
وقرأ الجمهور (٣): ﴿بِشِق﴾ بكسر الشين، وقرأ مجاهد والأعرج وأبو جعفر وعمر بن ميمون وابن أرقم: بفتحها، ورويت عن نافع وأبي عمرو، وهما مصدران معناهما المشقة، وقيل الشق بالفتح المصدر، وبالكسر الاسم،
٨ - وقوله: ﴿وَالْخَيْلَ﴾ عطف على الأنعام؛ أي: وخلق الله سبحانه وتعالى لكم الخيل ﴿وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا﴾ تعليلٌ بمعظم منافعها، وإلا فالانتفاع بها بالحمل أيضًا مما لا ريب في تحققه ﴿و﴾ جعلها لكم ﴿زينة﴾ تتزينون بها إلى ما لكم فيها من منافع أخرى.
وقرأ الجمهور (٤): ﴿وَالْخَيْلَ﴾ وما عطف بالنصب، عطفًا على قوله:
(١) الشوكاني.
(٢) البحر المحيط.
(٣) البحر المحيط.
(٤) البحر المحيط.
(٢) البحر المحيط.
(٣) البحر المحيط.
(٤) البحر المحيط.
145
﴿وَالْأَنْعَامَ﴾، وقرأ ابن أبي عبلة بالرفع، ولما كان الركوب أعظم منافعها اقتصر عليه، ولا يدل ذلك على أنه لا يجوز أكل الخيل، خلافًا لمن استدل بذلك، كأبي حنيفة كما يأتي بيانه، والخيل اسم جنس للفرس لا وحد له من لفظه كالإبل، وسمي الخيل خيلًا لاختيالها في مشيها، والخيل نوعان: عتيق وهجين، والفرق بينهما: أن عظم البرذون أعظم من عظم الفرس، وعظم الفرس أصلب وأنقل، والبرذون أجمل من الفرس، والفرس أسرع منه، والعتيق بمنزلة الغزال، والبرذون بمنزلة الشاة، فالعتيق ما أبواه عربيان، سمي بذلك لعتقه من العيوب، وسلامته من الطعن فيه بالأمور المنقصة، كما سميت الكعبة بالبيت العتيق لسلامتها من عيب الرق؛ لأنه لم يملكها مالك قط، والهجين الذي أبوه عربي وأمه عجمية، وخلق الله الخيل من ريح الجنوب، وكان خلقها قبل آدم - عليه السلام - لأن الدواب خلقت يوم الخميس، وآدم خلق يوم الجمعة بعد العصر، والذكر من الخيل خلق قبل الأنثى لشرفه، كآدم وحواء، وأول من ركب الخيل إسماعيل - عليه السلام - وكانت وحوشًا، ولذلك قيل لها العراب، وفي الحديث: "اركبوا الخيل فإنها ميراث أبيكم إسماعيل"، وكان له - ﷺ - سبعة أفراس، وروي أن موسى عليه السلام قال للخضر: أيُّ الدواب أحب إليك، قال: الفرس والحمار والعير، لأن الفرس مركب أولي العزم من الرسل، والعير مركب هود وصالح وشعيب ومحمد عليهم السلام، والحمار مركب عيسى والعزير - عليهما السلام - فكيف لا أحب شيئًا أحياه الله بعد موته قبل الحشر.
والبغال جمع بغل وهو مركب من الفرس والحمار، ويقال أول من استنتجتها قارون، وله صبر الحمار وقوة الفرس، وهو مركب الملوك في أسفارهم، ومعبرة الصعاليك في قضاء أوطارهم، وعن عليِّ بن أبي طالب - رضي الله عنه -: أنَّ البغال كانت تتناسل، وكانت أسرع الدواب في نقل الحطب لنار إبراهيم خليل الرحمن - عليه السلام - فدعا عليها فقطع الله نسلها، وهذه الرواية تستدعي أن يكون استنتاجها قبل قارون؛ لأن إبراهيم مقدم على موسى بأزمنة كثيرة، وإذا بخر البيت بحافر البغل الذكر.. هرب منه الفأر وسائر الهوام، كما في "حياة الحيوان"، وكان له - ﷺ - بغال ست، والحمير جمع حمار، وكان
والبغال جمع بغل وهو مركب من الفرس والحمار، ويقال أول من استنتجتها قارون، وله صبر الحمار وقوة الفرس، وهو مركب الملوك في أسفارهم، ومعبرة الصعاليك في قضاء أوطارهم، وعن عليِّ بن أبي طالب - رضي الله عنه -: أنَّ البغال كانت تتناسل، وكانت أسرع الدواب في نقل الحطب لنار إبراهيم خليل الرحمن - عليه السلام - فدعا عليها فقطع الله نسلها، وهذه الرواية تستدعي أن يكون استنتاجها قبل قارون؛ لأن إبراهيم مقدم على موسى بأزمنة كثيرة، وإذا بخر البيت بحافر البغل الذكر.. هرب منه الفأر وسائر الهوام، كما في "حياة الحيوان"، وكان له - ﷺ - بغال ست، والحمير جمع حمار، وكان
146
له - ﷺ - من الحمر اثنان: يعفور وعفير، والعفرة الغبرة، والحمار من أذل خلق الله تعالى كما قال الشاعر:
ثم علل (١) سبحانه وتعالى خلق هذه الثلاثة الأنواع بقوله: ﴿لِتَرْكَبُوهَا﴾ وهذه العلة هي باعتبار معظم منافعها؛ لأن الانتفاع بها في غير الركوب معلوم، كالتحميل عليها، وعطف ﴿زينة﴾ على محل ﴿لِتَرْكَبُوهَا﴾ لأنه في محل نصب على أنه علةٌ لخلقها، ولم يقل لتتزينوا بها حتى يطابق ﴿لِتَرْكَبُوهَا﴾ لأن الركوب فعل المخاطبين، والزينة فعل الزائن، وهو الخالق، والتحقيق فيه أن الركوب هو المعتبر المقصود، بخلاف الزينة فإنه لا يلتفت إليه أهل الهمم العالية؛ لأنه يورث العجب، فكأنه سبحانه قال: خلقتها لتركبوها فتدفعوا عن أنفسكم بواسطتها ضرر الإعياء والمشقة، وأما التزين بها فهو حاصل في نفس الأمر، ولكنه غير مقصود بالذات.
وقد استدل (٢) بهذه الآية القائلون بتحريم لحوم الخيل، قائلين بأن التعليل بالركوب يدل على أنها مخلوقةٌ لهذه المصلحة دون غيرها، قالوا: ويؤيد ذلك إفراد هذه الأنواع الثلاثة بالذكر وإخراجها عن الأنعام، فيفيد ذلك اتحاد حكمها في تحريم الأكل، قالوا: ولو كان أكل الخيل جائزًا.. لكان ذكره والامتنان به أولى من ذكر الركوب؛ لأنه أعظم فائدة منه، وقد ذهب إلى هذا مالك وأبو حنيفة وأصحابهما، والأوزاعي ومجاهد وأبو عبيد وغيرهم، وذهب الجمهور من الفقهاء والمحدثين وغيرهم إلى حل لحوم الخيل، ولا حجة لأهل القول الأول في التعليل بقوله: ﴿لِتَرْكَبُوهَا﴾؛ لأن ذكر ما هو الأغلب من منافعها لا ينافي غيره،
وَلاَ يُقِيْمُ عَلَى ضَيْمٍ يُرَادُ بِهِ | إلا الأذَلَّانِ عِيْرُ الْحَيِّ وَالْوَتَدُ |
هَذَا عَلَى الْخَسْفِ مَرْبُوْطٌ بِرُمَّتِهِ | وَذَا يُشَجُّ فَلاَ يَرْثِى لَهُ أَحَدُ |
فصلٌ في ذكر الاختلاف في لحوم الخيل
وقد استدل (٢) بهذه الآية القائلون بتحريم لحوم الخيل، قائلين بأن التعليل بالركوب يدل على أنها مخلوقةٌ لهذه المصلحة دون غيرها، قالوا: ويؤيد ذلك إفراد هذه الأنواع الثلاثة بالذكر وإخراجها عن الأنعام، فيفيد ذلك اتحاد حكمها في تحريم الأكل، قالوا: ولو كان أكل الخيل جائزًا.. لكان ذكره والامتنان به أولى من ذكر الركوب؛ لأنه أعظم فائدة منه، وقد ذهب إلى هذا مالك وأبو حنيفة وأصحابهما، والأوزاعي ومجاهد وأبو عبيد وغيرهم، وذهب الجمهور من الفقهاء والمحدثين وغيرهم إلى حل لحوم الخيل، ولا حجة لأهل القول الأول في التعليل بقوله: ﴿لِتَرْكَبُوهَا﴾؛ لأن ذكر ما هو الأغلب من منافعها لا ينافي غيره،
(١) الشوكاني.
(٢) الشوكاني.
(٢) الشوكاني.
147
ولا نسلم أن الأكل أكثر فائدة من الركوب حتى يذكر، ويكون ذكره أقدم من ذكر الركوب، وأيضًا لو كانت هذه الآية تدل على تحريم الخيل.. لدلت على تحريم الحمر الأهلية، وحينئذٍ لا يكون ثم حاجة لتجديد التحريم لها عام خيبر، وقد قدمنا أن هذه السورة مكية، والحاصل أن الأدلة الصحيحة قد دلت على حل أكل لحوم الخيل، فلو سلمنا أن في هذه الآية متمسكًا للقائلين بالتحريم.. لكانت السنة المطهرة الثابتة رافعةً لهذا الاحتمال، ودافعة لهذا الاستدلال، واحتجوا (١) على إباحة لحوم الخيل بما روي عن أسماء بنت أبي بكر الصديق أنها قالت: نحرنا على عهد رسول الله - ﷺ - فرسًا فأكلناه، وفي رواية قالت: ذبحنا على عهد رسول الله - ﷺ - فرسًا ونحن في المدينة فأكلناه، أخرجه البخاري ومسلم، وبما روي عن جابر - رضي الله عنه - أن رسول الله - ﷺ - نهى عن لحوم الحمر الأهلية وأذن في الخيل، وفي رواية قال: أكلنا زمن خيبر لحوم الخيل وحمر الوحش، ونهى النبي - ﷺ - عن الحمار الأهلي، متفق عليه، وهذه رواية البخاري ومسلم، وفي رواية أبي داود قال: ذبحنا يوم خيبر الخيل والبغال والحمير، وكنا قد أصابتنا مخمصة، فنهانا رسول الله - ﷺ - عن البغال والحمير، ولم ينهنا عن الخيل.
وقال البغوي (٢): ليس المراد من الآية بيان التحليل والتحريم، بل المراد منها: تعريف الله عباده نعمه، وتنبيههم على كمال قدرته وحكمته، والدليل الصحيح المعتمد عليه في إباحة لحوم الخيل أن السنَّة مبنية للكتاب، ولما كان نص الآية يقتضي أن الخيل والبغال والحمير مخلوقة للركوب والزينة وكان الأكل مسكوتًا عنه.. دار الأمر فيه على الإباحة والتحريم، فوردت السنة بإباحة لحوم الخيل، وتحريم لحوم البغال والحمير فأخذنا بها جمعًا بين النصين، والله أعلم.
﴿وَيَخْلُقُ﴾ سبحانه وتعالى ﴿مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾ أيها العباد؛ أي: ما لا يحيط علمكم به من المخلوقات، غير ما عدده هنا من أنواع الحشرات والهوام في
وقال البغوي (٢): ليس المراد من الآية بيان التحليل والتحريم، بل المراد منها: تعريف الله عباده نعمه، وتنبيههم على كمال قدرته وحكمته، والدليل الصحيح المعتمد عليه في إباحة لحوم الخيل أن السنَّة مبنية للكتاب، ولما كان نص الآية يقتضي أن الخيل والبغال والحمير مخلوقة للركوب والزينة وكان الأكل مسكوتًا عنه.. دار الأمر فيه على الإباحة والتحريم، فوردت السنة بإباحة لحوم الخيل، وتحريم لحوم البغال والحمير فأخذنا بها جمعًا بين النصين، والله أعلم.
﴿وَيَخْلُقُ﴾ سبحانه وتعالى ﴿مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾ أيها العباد؛ أي: ما لا يحيط علمكم به من المخلوقات، غير ما عدده هنا من أنواع الحشرات والهوام في
(١) الخازن.
(٢) الخازن.
(٢) الخازن.
148
أسافل الأرض، وفي البحر مما لم يره البشر، ولم يسمعوا به، مما يهدي إليه العلم، وتستنبطه العقول، كالقطر البرية والبحرية، والطائرات التي تحمل أمتعتكم وتركبونها من بلد إلى بلد آخر، ومن قطر إلى قطر، والمطاود الهوائية التي تسير في الجو، والغواصات التي تجري تحت الماء، إلى نحو أولئك مما تعجبون منه، ويقوم مقام الخيل والبغال والحمير في الركوب والزينة.
والتعبير (١) هنا بلفظ المستقبل لاستحضار الصورة بالنسبة إلى ما ظهر؛ لأنه تعالى قد خلق ما لا يعلم به العباد،
٩ - وبعد أن شرح سبحانه دلائل وحدانيته، أرشد إلى أنه كفيل ببيان الطريق السوي لمن أراده، فقال: ﴿وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ﴾؛ أي: وعلى الله سبحانه وتعالى بموجب رحمته وبمقتضى وعده المحتوم، لا واجب عليه إذ لا يجب عليه شيءٌ، بيان قصد المسبيل؛ أي: بيان الطريق المستقيم، الموصل من سلكه إلى الحق والتوحيد بنصب الأدلة وإرسال الرسل عليهم السلام، وإنزال الكتب لدعوة الناس إليه، فمن اهتدى فلنفسه، ومن ضل فإنما يضل عليها، ونحو الآية قوله: ﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ﴾، وقوله: ﴿هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ﴾.
والقصد (٢): مصدر بمعنى اسم الفاعل، يقال: سبيل قصد وقاصد؛ أي: مستقيم، فهو من إضافة الصفة إلى الموصوف؛ أي: إلى سبيل القصد؛ أي: المستوي المستقيم، أو المعنى: وعلى الله قاصد السبيل؛ أي: هداية قاصد الطريق المستقيم، بموجب وعده المحتوم وتفضله الواسع.
﴿وَمِنْهَا﴾؛ أي: من السبل سبيل ﴿جَائِرٌ﴾؛ أي: طريق مائلٌ عن الاستقامة، معوج زائغ عن الحق، فالسبيل القاصد هو الإِسلام، والجائر منها هو غيره من الأديان الأخرى، سماويةً كانت كاليهودية والنصرانية، أو أرضية كالوثنية والمجوسية.
والتعبير (١) هنا بلفظ المستقبل لاستحضار الصورة بالنسبة إلى ما ظهر؛ لأنه تعالى قد خلق ما لا يعلم به العباد،
٩ - وبعد أن شرح سبحانه دلائل وحدانيته، أرشد إلى أنه كفيل ببيان الطريق السوي لمن أراده، فقال: ﴿وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ﴾؛ أي: وعلى الله سبحانه وتعالى بموجب رحمته وبمقتضى وعده المحتوم، لا واجب عليه إذ لا يجب عليه شيءٌ، بيان قصد المسبيل؛ أي: بيان الطريق المستقيم، الموصل من سلكه إلى الحق والتوحيد بنصب الأدلة وإرسال الرسل عليهم السلام، وإنزال الكتب لدعوة الناس إليه، فمن اهتدى فلنفسه، ومن ضل فإنما يضل عليها، ونحو الآية قوله: ﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ﴾، وقوله: ﴿هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ﴾.
والقصد (٢): مصدر بمعنى اسم الفاعل، يقال: سبيل قصد وقاصد؛ أي: مستقيم، فهو من إضافة الصفة إلى الموصوف؛ أي: إلى سبيل القصد؛ أي: المستوي المستقيم، أو المعنى: وعلى الله قاصد السبيل؛ أي: هداية قاصد الطريق المستقيم، بموجب وعده المحتوم وتفضله الواسع.
﴿وَمِنْهَا﴾؛ أي: من السبل سبيل ﴿جَائِرٌ﴾؛ أي: طريق مائلٌ عن الاستقامة، معوج زائغ عن الحق، فالسبيل القاصد هو الإِسلام، والجائر منها هو غيره من الأديان الأخرى، سماويةً كانت كاليهودية والنصرانية، أو أرضية كالوثنية والمجوسية.
(١) الشوكاني.
(٢) روح البيان.
(٢) روح البيان.
149
وخلاصة هذا (١): أن ثمة طرقًا تسلك للوصول إلى الله، وليس يصل إليه منها إلا الطريق الحق، وهي الطريق التي شرعها ورضيها وأمر بها، وهي طريق الإِسلام له، والإخبات إليه وحده، كما أرشد إلى ذلك بقوله: ﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (٣٠)﴾ وما عداها فهو جائزٌ، وعلى الله بيان ذلك، ليهتدي إليه الناس، ويبتعدوا عن سواه.
ثم أخبر سبحانه: بأن الهداية والضلال بقدرته ومشيئته، فقال: ﴿وَلَوْ شَاءَ﴾ الله سبحانه وتعالى أن يهديكم إلى ما ذكر من التوحيد هدايةً موصلة إليه.. ﴿لَهَدَاكم﴾ الله سبحانه وتعالى ﴿أَجْمَعِينَ﴾؛ أي: لفعل ذلك، ولكن لم يشأ؛ لأن مشيئته متابعة للحكمة الداعية إليها، ولا حكمة في تلك المشيئة؛ أي (٢): ولو شاء سبحانه لجعلكم كالنمل والنحل في حياتكم الاجتماعية، أو جعلكم كالملائكة مفطورين على العبادة وتقوى الله، فلا تتجه نفوسكم إلى المعصية، ولا تسعى إلى الشر، ولكنه شاء أن يجعلكم تعملون أعمالكم باختياركم، وتسعون إليها بعد بحثها وفحصها من سائر وجوهها، ثم ترجحون منها ما تميل إليه نفوسكم، وما ترون فيه الفائدة لكم، كما قال عز من قائل: ﴿وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ (١٠)﴾؛ أي: طريق الخير والشر ﴿إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا﴾.
والمعنى (٣): ولو شاء أن يهديكم جميعًا إلى الطريق الصحيح والمنهج الحق.. لفعل ذلك، ولكنه لم يشأ، بل اقتضت مشيئته إراءة الطريق والدلالة، وأما الإيصال إليها بالفعل فذلك يستلزم أن لا يوجد في العباد كافرٌ، ولا يستحقُّ النار من المسلمين، وقد اقتضت المشيئة الربانية أنه يكون البعض مؤمنًا، والبعض كافرًا، كما نطق بذلك القرآن في غير موضع.
فإن قلت (٤): لِمَ غير أسلوب الكلام في قوله: ﴿وَمِنْهَا جَائِرٌ﴾؟
ثم أخبر سبحانه: بأن الهداية والضلال بقدرته ومشيئته، فقال: ﴿وَلَوْ شَاءَ﴾ الله سبحانه وتعالى أن يهديكم إلى ما ذكر من التوحيد هدايةً موصلة إليه.. ﴿لَهَدَاكم﴾ الله سبحانه وتعالى ﴿أَجْمَعِينَ﴾؛ أي: لفعل ذلك، ولكن لم يشأ؛ لأن مشيئته متابعة للحكمة الداعية إليها، ولا حكمة في تلك المشيئة؛ أي (٢): ولو شاء سبحانه لجعلكم كالنمل والنحل في حياتكم الاجتماعية، أو جعلكم كالملائكة مفطورين على العبادة وتقوى الله، فلا تتجه نفوسكم إلى المعصية، ولا تسعى إلى الشر، ولكنه شاء أن يجعلكم تعملون أعمالكم باختياركم، وتسعون إليها بعد بحثها وفحصها من سائر وجوهها، ثم ترجحون منها ما تميل إليه نفوسكم، وما ترون فيه الفائدة لكم، كما قال عز من قائل: ﴿وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ (١٠)﴾؛ أي: طريق الخير والشر ﴿إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا﴾.
والمعنى (٣): ولو شاء أن يهديكم جميعًا إلى الطريق الصحيح والمنهج الحق.. لفعل ذلك، ولكنه لم يشأ، بل اقتضت مشيئته إراءة الطريق والدلالة، وأما الإيصال إليها بالفعل فذلك يستلزم أن لا يوجد في العباد كافرٌ، ولا يستحقُّ النار من المسلمين، وقد اقتضت المشيئة الربانية أنه يكون البعض مؤمنًا، والبعض كافرًا، كما نطق بذلك القرآن في غير موضع.
فإن قلت (٤): لِمَ غير أسلوب الكلام في قوله: ﴿وَمِنْهَا جَائِرٌ﴾؟
(١) المراغي.
(٢) المراغي.
(٣) الشوكاني.
(٤) البحر المحيط.
(٢) المراغي.
(٣) الشوكاني.
(٤) البحر المحيط.
150
قلت: ليعلم بما يجوز إضافته إليه من السبيلين وما لا يجوز، ولو كان كما تزعم المجبرة.. لقيل: وعلى الله قصد السبيل، وعليه جائرها، أو عليه الجائر، وقرأ عبد الله: ﴿ومنكم جائر﴾ عن القصد بسوء اختياره، والله بريء منه.
١٠ - وبعد أن ذكر سبحانه نعمته عليهم بتسخير الدواب والأنعام، شرع بذكر نعمته عليهم في إنزال المطر فقال: ﴿هُوَ﴾ سبحانه وتعالى الإله ﴿الَّذِي أَنْزَلَ﴾ بقدرته القاهرة ﴿مِنَ السَّمَاءِ﴾ إلى السحاب ومنه إلى الأرض ﴿مَاءً﴾ عذبًا؛ أي: نوعًا منه وهو المطر، وفي "بحر العلوم": تنكيره للتبعيض؛ أي: بعض الماء، فإنه لم ينزل من السماء الماء كله ﴿لَكُمْ﴾ أيها الآدميون ولكلِّ حيٍّ ﴿مِنْهُ﴾؛ أي: من ذلك الماء المنزل ﴿شَرَابٌ﴾؛ أي: ما تشربونه، والظرف (١) الأول وهو لكم خبرٌ مقدم لشرابٌ، والثاني حال منه، ومن تبعيضية، قال الخطيب: وإن قيل: ظاهر هذا أن شرابنا ليس إلا من المطر.. أجيب بأنه تعالى لم ينف أن نشرب من غيره، وبتقدير الحصر لا يمتنع أن يكون الماء العذب الذي تحت الأرض من جملة ماء المطر أسكن هناك، بدليل قوله تعالى في سورة المؤمنون: ﴿وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ﴾، ﴿وَمِنْهُ﴾؛ أي: ومن ذلك المنزل ﴿شَجَرٌ﴾ فـ ﴿من﴾ ابتدائية؛ أي: ومنه وبسببه يحصل شجر ترعاه المواشي، والمراد به: ما ينبت من الأرض سواء كان له ساق أو لا ﴿فِيهِ﴾؛ أي: في ذلك الشجر ﴿تُسِيمُونَ﴾؛ أي: ترعون مواشيكم، قدم الشجر على الزرع وعلى ما بعده لحصوله بغير صنع من البشر.
وقرأ زيد بن علي (٢): ﴿تُسِيمُونَ﴾ بفتح التاء، فإن سمع متعديًا.. كان هو وأسام بمعنى واحد، وإن كان لازمًا.. فتأويله على حذف مضاف تسيمون؛ أي: تسيم مواشيكم لما ذكر.
والمعنى (٣): أي إن الذي خلق لكم الأنعام والخيل وسائر البهائم لمنافعكم
١٠ - وبعد أن ذكر سبحانه نعمته عليهم بتسخير الدواب والأنعام، شرع بذكر نعمته عليهم في إنزال المطر فقال: ﴿هُوَ﴾ سبحانه وتعالى الإله ﴿الَّذِي أَنْزَلَ﴾ بقدرته القاهرة ﴿مِنَ السَّمَاءِ﴾ إلى السحاب ومنه إلى الأرض ﴿مَاءً﴾ عذبًا؛ أي: نوعًا منه وهو المطر، وفي "بحر العلوم": تنكيره للتبعيض؛ أي: بعض الماء، فإنه لم ينزل من السماء الماء كله ﴿لَكُمْ﴾ أيها الآدميون ولكلِّ حيٍّ ﴿مِنْهُ﴾؛ أي: من ذلك الماء المنزل ﴿شَرَابٌ﴾؛ أي: ما تشربونه، والظرف (١) الأول وهو لكم خبرٌ مقدم لشرابٌ، والثاني حال منه، ومن تبعيضية، قال الخطيب: وإن قيل: ظاهر هذا أن شرابنا ليس إلا من المطر.. أجيب بأنه تعالى لم ينف أن نشرب من غيره، وبتقدير الحصر لا يمتنع أن يكون الماء العذب الذي تحت الأرض من جملة ماء المطر أسكن هناك، بدليل قوله تعالى في سورة المؤمنون: ﴿وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ﴾، ﴿وَمِنْهُ﴾؛ أي: ومن ذلك المنزل ﴿شَجَرٌ﴾ فـ ﴿من﴾ ابتدائية؛ أي: ومنه وبسببه يحصل شجر ترعاه المواشي، والمراد به: ما ينبت من الأرض سواء كان له ساق أو لا ﴿فِيهِ﴾؛ أي: في ذلك الشجر ﴿تُسِيمُونَ﴾؛ أي: ترعون مواشيكم، قدم الشجر على الزرع وعلى ما بعده لحصوله بغير صنع من البشر.
وقرأ زيد بن علي (٢): ﴿تُسِيمُونَ﴾ بفتح التاء، فإن سمع متعديًا.. كان هو وأسام بمعنى واحد، وإن كان لازمًا.. فتأويله على حذف مضاف تسيمون؛ أي: تسيم مواشيكم لما ذكر.
والمعنى (٣): أي إن الذي خلق لكم الأنعام والخيل وسائر البهائم لمنافعكم
(١) روح البيان.
(٢) البحر المحيط.
(٣) المراغي.
(٢) البحر المحيط.
(٣) المراغي.
ومصالحكم هو الإله الذي أنزل المطر من السماء عذبًا زلالًا تشربون منه، وتسقون أشجاركم ونباتكم التي تسيمون فيها أنعامكم وفيها ترعى.
١١ - ثم استأنف (١) إخبارًا عن منافع الماء، فقال جوابًا لمن قال: هل له منفعة غير ذلك؟ ﴿يُنْبِتُ﴾ الله سبحانه وتعالى ﴿لَكُمْ﴾ أيها العباد؛ أي: ينبت لمصالحكم ومنافعكم ﴿بِهِ﴾؛ أي: بما أنزل من السماء ﴿الزَّرْعَ﴾ الذي هو أصل الأغذية وعمود المعاشر، قال في "بحر العلوم": الزرع كل ما استنبت بالبذر مسمى بالمصدر وجمعه زروع.
قال كعب الأحبار: لما أهبط الله تعالى آدم عليه السلام.. جاء ميكائيل بشيء من حيث الحنطة وقال: هذا رزقك ورزق أولادك، قم فاضرب الأرض، وابذر البذر، قال: ولم يزل الحب من عهد آدم إلى زمن إدريس كبيضة النعام، فلما كفر الناس.. نقص إلى بيضة الدجاجة، ثم إلى بيضة الحمامة، ثم إلى قدر البندقة، ثم إلى قدر الحمصة، ثم إلى المقدار المحسوس الآن، يقال: إن اليوم لا يأكل الحنطة ولا يشرب الماء، أما الأول: فلأن آدم عصى بالحنطة ربه، وأما الثاني: فلأن قوم نوح أهلكوا بالماء.
وقرأ أبو بكر (٢): ﴿نُنْبِتُ﴾ بنون العظمة، وقرأ الزهري ﴿نُنَبِّتُ﴾ بالتشدد، قيل للتكثير والتكرير، والذي يظهر أنه تضعيف التعدية، وقرأ أُبيٌّ: ﴿يَنْبُت﴾ من نبت، ورفع الزرع وما عطف عليه، ﴿و﴾ ينبت لكم بذلك الماء ﴿الزيتون﴾ الذي هو إدام من وجه، وفاكهة من وجه، قال في "إنسان العيون": شجرة الزيتون تعمِّر ثلاثة آلاف سنة، وهو جمع زيتونة، ويقال للشجرة نفسها: زيتونة، ﴿و﴾ وينبت لكم ﴿النخيل﴾ والنخيل والنخل بمعنى واحد، وهو اسم جمع، والواحدة نخلة كالثمرة والثمر، وفي الحديث: "أكرموا عمتكم النخلة، فإنها خلقت من فضل طينة آدم، وليس من الشجر شجرة أكرم على الله من شجرة ولدت تحتها مريم ابنة عمران، فأطعموا نسائكم الولَّد الرطب، فإن لم يكن رطب فتمرٌ"، كما في
١١ - ثم استأنف (١) إخبارًا عن منافع الماء، فقال جوابًا لمن قال: هل له منفعة غير ذلك؟ ﴿يُنْبِتُ﴾ الله سبحانه وتعالى ﴿لَكُمْ﴾ أيها العباد؛ أي: ينبت لمصالحكم ومنافعكم ﴿بِهِ﴾؛ أي: بما أنزل من السماء ﴿الزَّرْعَ﴾ الذي هو أصل الأغذية وعمود المعاشر، قال في "بحر العلوم": الزرع كل ما استنبت بالبذر مسمى بالمصدر وجمعه زروع.
قال كعب الأحبار: لما أهبط الله تعالى آدم عليه السلام.. جاء ميكائيل بشيء من حيث الحنطة وقال: هذا رزقك ورزق أولادك، قم فاضرب الأرض، وابذر البذر، قال: ولم يزل الحب من عهد آدم إلى زمن إدريس كبيضة النعام، فلما كفر الناس.. نقص إلى بيضة الدجاجة، ثم إلى بيضة الحمامة، ثم إلى قدر البندقة، ثم إلى قدر الحمصة، ثم إلى المقدار المحسوس الآن، يقال: إن اليوم لا يأكل الحنطة ولا يشرب الماء، أما الأول: فلأن آدم عصى بالحنطة ربه، وأما الثاني: فلأن قوم نوح أهلكوا بالماء.
وقرأ أبو بكر (٢): ﴿نُنْبِتُ﴾ بنون العظمة، وقرأ الزهري ﴿نُنَبِّتُ﴾ بالتشدد، قيل للتكثير والتكرير، والذي يظهر أنه تضعيف التعدية، وقرأ أُبيٌّ: ﴿يَنْبُت﴾ من نبت، ورفع الزرع وما عطف عليه، ﴿و﴾ ينبت لكم بذلك الماء ﴿الزيتون﴾ الذي هو إدام من وجه، وفاكهة من وجه، قال في "إنسان العيون": شجرة الزيتون تعمِّر ثلاثة آلاف سنة، وهو جمع زيتونة، ويقال للشجرة نفسها: زيتونة، ﴿و﴾ وينبت لكم ﴿النخيل﴾ والنخيل والنخل بمعنى واحد، وهو اسم جمع، والواحدة نخلة كالثمرة والثمر، وفي الحديث: "أكرموا عمتكم النخلة، فإنها خلقت من فضل طينة آدم، وليس من الشجر شجرة أكرم على الله من شجرة ولدت تحتها مريم ابنة عمران، فأطعموا نسائكم الولَّد الرطب، فإن لم يكن رطب فتمرٌ"، كما في
(١) روح البيان.
(٢) البحر المحيط.
(٢) البحر المحيط.
152
"المقاصد الحسنة"، ﴿و﴾ ينبت لكم ﴿الأعناب﴾ جمع عنب، وإنما جمع الأعناب للإشارة إلى ما فيها من الاشتمال على الأصناف المختلفة، وفيه إشارة: إلى أن تسمية العنب كرمًا لم يكن بوضع الواضع، ولكنه كان من الجاهلية، كأنهم قصدوا به الاشتقاق من الكرم؛ لكون الخمر المتخذة تحثُّ على الكرم والسخاء، فنهى النبي - ﷺ - عن أن يسموه بالاسم الذي وضعه الجاهلية، وأمرهم بالتسمية اللغوية بوضع الواضع حيث قال: "لا تقولوا: الكرم، ولكن قولوا: العنب والحبلة" ثم بين قبح تلك الاستعارة بقوله: "إنما الكرم قلب المؤمن" يعني أن ما ظنوه من السخاء والكرم فإنما هو من قلب المؤمن لا من الخمر؛ إذ أكثر تصرفات السكران عن غلبةٍ من عقله، فلا يعتبر ذلك العطاء كرمًا ولا سخاء؛ إذ هو في تلك الحالة كصبي لا يعقل السخاء، ويؤثر بماله سرفًا وتبذيرًا، فكما لا يُحمل ذلك على الكرم، فكذا إعطاء السكران، كذا في "أبكار الأفكار".
وخصص هذه الأنواع الأربعة بالذكر للإشعار بفضلها وشرفها، وفي "البحر": وخص (١) الأربعة بالذكر؛ لأنها أشرف ما ينبت، وأجمعه للمنافع، وبدأ بالزرع لأنه قوت أكثر العالم، ثم بالزيتون لما فيه من فائدة الاستصباح بدهنه، وهي ضرورية مع منفعة أكله، والائتدام به، وبدهنه والإطلاء بدهنه، ثم بالنخل لأن ثمرته من أطيب الفواكه، وقوت في بعض البلاد، ثم بالأعناب لأنها فاكهة محضة.
ثم عمَّم فقال (٢): ﴿و﴾ ينبت لكم ﴿من كل الثمرات﴾؛ أي: بعض كلها، وأتى بلفظ ﴿من﴾ التي للتبعيض؛ لأن كل الثمرات لا تكون إلا في الجنة، وإنما أُنبت في الأرض بعضٌ من كلها للتذكرة.
ويحتمل كون المراد ﴿وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ﴾ التي يحتملها هذه النشأة الدنيوية، وترى بها، وهي الثمرات المتعارفة عند الناس بأنواعها وأصنافها، فتكون كلمة ﴿مِنْ﴾ صلة كما في قوله تعالى: ﴿يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ﴾ على رأي الكوفية وهو
وخصص هذه الأنواع الأربعة بالذكر للإشعار بفضلها وشرفها، وفي "البحر": وخص (١) الأربعة بالذكر؛ لأنها أشرف ما ينبت، وأجمعه للمنافع، وبدأ بالزرع لأنه قوت أكثر العالم، ثم بالزيتون لما فيه من فائدة الاستصباح بدهنه، وهي ضرورية مع منفعة أكله، والائتدام به، وبدهنه والإطلاء بدهنه، ثم بالنخل لأن ثمرته من أطيب الفواكه، وقوت في بعض البلاد، ثم بالأعناب لأنها فاكهة محضة.
ثم عمَّم فقال (٢): ﴿و﴾ ينبت لكم ﴿من كل الثمرات﴾؛ أي: بعض كلها، وأتى بلفظ ﴿من﴾ التي للتبعيض؛ لأن كل الثمرات لا تكون إلا في الجنة، وإنما أُنبت في الأرض بعضٌ من كلها للتذكرة.
ويحتمل كون المراد ﴿وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ﴾ التي يحتملها هذه النشأة الدنيوية، وترى بها، وهي الثمرات المتعارفة عند الناس بأنواعها وأصنافها، فتكون كلمة ﴿مِنْ﴾ صلة كما في قوله تعالى: ﴿يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ﴾ على رأي الكوفية وهو
(١) البحر المحيط.
(٢) روح البيان.
(٢) روح البيان.
153
اللائح الواضح.
والمعنى: أي ينبت لكم بالماء الذي أنزله من السماء زرعكم وزيتونكم ونخيلكم وأعنابكم، ومن كل الثمرات غير ذلك أرزاقًا لكم، وأقواتًا نعمةً منه عليكم، وحجة على من كفر به، ولما ذكر الحيوانات المنتفع بها على التفصيل.. أعقبه بقوله: ﴿وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾ كذلك هنا ذكر الأنواع المنتفع بها من النبات، ثم قال: ﴿وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ﴾ تنبيهًا على أن تفصيل القول في أجناسها وأنواعها وصفاتها ومنافعها مما لا يكاد يحصر، كما أنَّ تفصيل ما خُلق من باقي الحيوان لا يكاد يحصر، وختم ذلك تعالى بقوله: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ﴾؛ أي: إن في إنزال الماء، وإنبات ما فصل ﴿لَآيَةً﴾ عظيمة دالة على تفرده تعالى بالألوهية، لاشتماله على كمال العلم والقدرة والحكمة ﴿لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾؛ أي: لقوم يعتبرون مواعظ الله، ويتفكرون فيها، حتى تطمئن قلوبهم بها، وينبلج نور الإيمان فيها يضيء أفئدتهم، ويزكي نفوسهم، فإن (١) من تفكر في أن الحبة والنواة تقع في الأرض، وتصل إليها نداوة تنفذ فيها، فينشق أسفلها، فيخرج منه عروق تنبسط في أعماق الأرض، وينشق أعلاها إن كانت منتكسة في الوقوع ويخرج منه ساق فينمو، ويخرج منه الأوراق والأزهار والحبوب والثمار، على أجسام مختلفة الأشكال والألوان والخواص والطبائع، وعلى نواةٍ قابلةٍ لتوليد الأمثال على النمط المحرر لا إلى نهاية، مع اتحاد المواد واستواء نسبة الطبائع السفلية، والتأثيرات العلوية بالنسبة إلى الكل.. علم أن من هذه أفعاله وآثاره لا يمكن أن يشبهه شيء في شيء من صفات الكمال، فضلًا عن أن يشاركه أخس الأشياء في صفاته التي هي الألوهية، واستحقاق العبادة، تعالى عن ذلك علوًا كبيرًا، والتفكر تصرف القلب في معاني الأشياء لدرك المطلوب، قالوا: الذكر طريق والفكر وسيلة المعرفة التي هي أعظم الطاعات، ولله (٢) در القائل:
والمعنى: أي ينبت لكم بالماء الذي أنزله من السماء زرعكم وزيتونكم ونخيلكم وأعنابكم، ومن كل الثمرات غير ذلك أرزاقًا لكم، وأقواتًا نعمةً منه عليكم، وحجة على من كفر به، ولما ذكر الحيوانات المنتفع بها على التفصيل.. أعقبه بقوله: ﴿وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾ كذلك هنا ذكر الأنواع المنتفع بها من النبات، ثم قال: ﴿وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ﴾ تنبيهًا على أن تفصيل القول في أجناسها وأنواعها وصفاتها ومنافعها مما لا يكاد يحصر، كما أنَّ تفصيل ما خُلق من باقي الحيوان لا يكاد يحصر، وختم ذلك تعالى بقوله: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ﴾؛ أي: إن في إنزال الماء، وإنبات ما فصل ﴿لَآيَةً﴾ عظيمة دالة على تفرده تعالى بالألوهية، لاشتماله على كمال العلم والقدرة والحكمة ﴿لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾؛ أي: لقوم يعتبرون مواعظ الله، ويتفكرون فيها، حتى تطمئن قلوبهم بها، وينبلج نور الإيمان فيها يضيء أفئدتهم، ويزكي نفوسهم، فإن (١) من تفكر في أن الحبة والنواة تقع في الأرض، وتصل إليها نداوة تنفذ فيها، فينشق أسفلها، فيخرج منه عروق تنبسط في أعماق الأرض، وينشق أعلاها إن كانت منتكسة في الوقوع ويخرج منه ساق فينمو، ويخرج منه الأوراق والأزهار والحبوب والثمار، على أجسام مختلفة الأشكال والألوان والخواص والطبائع، وعلى نواةٍ قابلةٍ لتوليد الأمثال على النمط المحرر لا إلى نهاية، مع اتحاد المواد واستواء نسبة الطبائع السفلية، والتأثيرات العلوية بالنسبة إلى الكل.. علم أن من هذه أفعاله وآثاره لا يمكن أن يشبهه شيء في شيء من صفات الكمال، فضلًا عن أن يشاركه أخس الأشياء في صفاته التي هي الألوهية، واستحقاق العبادة، تعالى عن ذلك علوًا كبيرًا، والتفكر تصرف القلب في معاني الأشياء لدرك المطلوب، قالوا: الذكر طريق والفكر وسيلة المعرفة التي هي أعظم الطاعات، ولله (٢) در القائل:
تَأمَّلْ في رِياضِ الْوَرْدِ وَانْظُرْ | إلى آثَارِ مَا صَنَعَ الْمَلِيْكُ |
(١) روح البيان.
(٢) المراغي.
(٢) المراغي.
154
عُيُوْنٌ مِنْ لُجَيْنٍ شَاخِصَاتٌ | عَلَى أَهْدَابِهَا ذَهَبٌ لسَبِيْكُ |
عَلَى قَضْبِ الزَبَرَّجَدِ شَاهِدَاتٌ | بِأنَّ اللهَ لَيْسَ لَهُ شَرِيْكُ |
﴿وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ﴾ مبتدأ وخبر؛ أي: سائر النجوم في حركاتها وأوضاعها من التثليث والتربيع ونحوها مسخرات؛ أي: مذللات لله تعالى خلقها ودبرها كيف شاء، أو لما خلقت له ﴿بِأَمْرِهِ﴾؛ أي: بإرادته ومشيئته، وحيث لم يكن عود منافع النجوم إليهم في الظهور بمثابة ما قبلها من الملوين والقمرين، لم ينسب تسخيرها إليهم بأداة الاختصاص، بل ذكر على وجه يفيد كونها تحت ملكوته تعالى، من غير دلالة على شيء آخر، ولذلك عدل عن الجملة الفعلية الدالة على الحدوث، إلى الاسمية المفيدة للدوام والاستمرار.
والمعنى (٢): أي ومن نعمه تعالى عليكم مضافةً إلى النعم التي سلف ذكرها أن سخر لكم الليل والنهار، يتعاقبان خلفةً، لمنامكم واستراحتكم وتصرفكم في معايشكم وسعيكم في مصالحكم، وسخر لكم الشمس والقمر يدأبان في سيرهما وإنارتهما أصالةً وخلافة، وأدائهما ما نيط بهما من تربية الأشجار والزرع وإنضاج الثمرات وتلوينها، إلى نحو ذلك من الآثار والمنافع التي ربطها سبحانه
(١) روح البيان.
(٢) المراغي.
(٢) المراغي.
155
بوجودهما، وبهما يعرف عدد السنين والشهور، وفي ذلك صلاح معايشكم، وسخر لكم النجوم بأمره وإرادته، تجري في أفلاكها بحركة مقدرة لا تزيد ولا تنقص، لتهتدوا بها في ظلمات البر والبحر.
﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ﴾ التسخير المتعلق بما ذكر مجملًا ومفصلًا ﴿لَآيَاتٍ﴾ باهرة ودلالات واضحة متكاثرة ﴿لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾ حجج الله، ويفتحون عقولهم للنظر والاستدلال، ويفهمون ما نبههم إليه بها، ويعتبرون، وعبر هنا (١) بالعقل، وفي خاتمة الآية السابقة بالتفكر، من قبل أن الآثار العلوية متعددة، ودلالة ما فيها من عظيم القدرة والعلم والحكمة على الوحدانية ظاهرة لا تحتاج إلا إلى العقل من غير تفكر ولا تأمل، بل تدرك بالبديهة، بخلاف الآثار السفلية من الزرع والنخيل والأعناب فهي تحتاج في دلالتها على وجود الصانع إلى فكر وتدبر ونظر شديد، وجمع الآيات هنا ليطابق قوله: ﴿مُسَخَّرَاتٌ﴾، وفي "البحر": وجمع (٢) الآيات هنا، وذكر العقل وأفرد فيما قبل، وذكر التفكر؛ لأن فيما قبل استدلالًا بإنبات الماء، وهو واحد وإن كثرت أنواع النبات، والاستدلال هنا متعدد، ولأن الآثار العلوية أظهر دلالة على القدرة الباهرة، وأبين شهادة للكبرياء والعظمة، وقد ذكر لفظ الآية في هذه السورة سبع مرات، خمس بالإفراد، واثنتان بالجمع، قال الكرماني: ما جاء بلفظ الإفراد فلوحدة المدلول، وهو الله تعالى، وما جاء منها بلفظ الجمع فلمناسبة مسخرات اهـ.
والأوَلَى أن يقال: إن هذه المواضع الثلاثة التي أفرد الآية في بعضها وجمعها في بعضها، كل واحد منها يصلح للجمع باعتبار، وللأفراد باعتبار، فلم يجرها على طريقة واحدة افتنانًا وتنبيهًا على جواز الأمرين، وحسن كل واحد منهما.
فائدة: قال أهل العلم (٣): العقل جوهر مضيء، خلقه الله في الدماغ،
﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ﴾ التسخير المتعلق بما ذكر مجملًا ومفصلًا ﴿لَآيَاتٍ﴾ باهرة ودلالات واضحة متكاثرة ﴿لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾ حجج الله، ويفتحون عقولهم للنظر والاستدلال، ويفهمون ما نبههم إليه بها، ويعتبرون، وعبر هنا (١) بالعقل، وفي خاتمة الآية السابقة بالتفكر، من قبل أن الآثار العلوية متعددة، ودلالة ما فيها من عظيم القدرة والعلم والحكمة على الوحدانية ظاهرة لا تحتاج إلا إلى العقل من غير تفكر ولا تأمل، بل تدرك بالبديهة، بخلاف الآثار السفلية من الزرع والنخيل والأعناب فهي تحتاج في دلالتها على وجود الصانع إلى فكر وتدبر ونظر شديد، وجمع الآيات هنا ليطابق قوله: ﴿مُسَخَّرَاتٌ﴾، وفي "البحر": وجمع (٢) الآيات هنا، وذكر العقل وأفرد فيما قبل، وذكر التفكر؛ لأن فيما قبل استدلالًا بإنبات الماء، وهو واحد وإن كثرت أنواع النبات، والاستدلال هنا متعدد، ولأن الآثار العلوية أظهر دلالة على القدرة الباهرة، وأبين شهادة للكبرياء والعظمة، وقد ذكر لفظ الآية في هذه السورة سبع مرات، خمس بالإفراد، واثنتان بالجمع، قال الكرماني: ما جاء بلفظ الإفراد فلوحدة المدلول، وهو الله تعالى، وما جاء منها بلفظ الجمع فلمناسبة مسخرات اهـ.
والأوَلَى أن يقال: إن هذه المواضع الثلاثة التي أفرد الآية في بعضها وجمعها في بعضها، كل واحد منها يصلح للجمع باعتبار، وللأفراد باعتبار، فلم يجرها على طريقة واحدة افتنانًا وتنبيهًا على جواز الأمرين، وحسن كل واحد منهما.
فائدة: قال أهل العلم (٣): العقل جوهر مضيء، خلقه الله في الدماغ،
(١) المراغي.
(٢) البحر المحيط.
(٣) روح البيان.
(٢) البحر المحيط.
(٣) روح البيان.
156
وجعل نوره في القلب، يدرك الغائبات بالوسائط، والمحسوسات بالمشاهدة، وهو للقلب بمنزلة الروح للجسد، فكل قلب لا عقل له فهو ميت، وهو بمنزلة قلب البهائم، وسئل النبي - ﷺ -: من أحسن الناس عقلًا؟ قال: "المسارع إلى مرضاة الله تعالى، والمجتنب عن محارم الله تعالى"، قالوا أخف حلمًا من العصفور، قال حسان بن ثابت الأنصاري - رضي الله عنه -:
وقرأ ابن عامر: ﴿والشمس﴾ وما بعده بالرفع على الابتداء، والخبر ﴿مسخرات﴾، وقرأ حفص: و ﴿النجوم﴾ ﴿مسخراتٌ﴾ برفعهما، وقرأ ابن مسعود والأعمش وابن مصرف. ﴿والرِّياحُ﴾ ﴿مسخراتٌ﴾ بدل و ﴿النجومُ﴾ ﴿مسخرات﴾ وهي مخالفة لسواد المصحف، والظاهر في قراءة نَصْبِ الجميع أنَّ ﴿والنجومُ﴾ معطوف على ما قبله، و ﴿مسخرات﴾ حالٌ مؤكدة من الجميع.
١٣ - وقوله: ﴿وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ﴾ معطوف على الليل والنهار رفعًا ونصبًا؛ أي: وسخر لكم سبحانه وتعالى ما خلق لكم في الأرض، من عجائب الأمور ومختلف من حيوان ونبات ومعادن حالة كونه: ﴿مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ﴾ وهيئات من خضرة وبياض وحمرة وسواد، وغير ذلك على اختلاف أجناسها وأشكالها ومنافعها وخواصِّها ﴿إنَّ فِي ذَلِكَ﴾ الذي ذكر من التسخيرات ونحوها، أو إن في اختلاف ما في الأرض ﴿لآيَةً﴾ دالة على أن من هذا شأنه واحد لا شريك له ﴿لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ﴾ آلاء الله ونعمه، فيشكرونه على ما أنعم، ويخبتون إليه على ما تفضل به وأحسن، فإن ذلك غير محتاج إلا إلى تذكر ما عسى يفضل عنه من العلوم الضرورية.
وختم هذا بقوله (١): ﴿يَذَّكَّرُونَ﴾ ومعناه الاعتبار والاتعاظ، كأن علمهم بذلك سابق طرأ عليه النسيان، فقيل يذكرون؛ أي: يتذكرون ما نسوا من تسخير هذه المكونات في الأرض.
لاَ بَأسَ بِالْقَوْمِ مِنْ طُوْلٍ وَمِن عِظَمٍ | جِسْمُ الْبِغَالِ وَأحْلاَمُ الْعَصَافِيْرِ |
١٣ - وقوله: ﴿وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ﴾ معطوف على الليل والنهار رفعًا ونصبًا؛ أي: وسخر لكم سبحانه وتعالى ما خلق لكم في الأرض، من عجائب الأمور ومختلف من حيوان ونبات ومعادن حالة كونه: ﴿مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ﴾ وهيئات من خضرة وبياض وحمرة وسواد، وغير ذلك على اختلاف أجناسها وأشكالها ومنافعها وخواصِّها ﴿إنَّ فِي ذَلِكَ﴾ الذي ذكر من التسخيرات ونحوها، أو إن في اختلاف ما في الأرض ﴿لآيَةً﴾ دالة على أن من هذا شأنه واحد لا شريك له ﴿لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ﴾ آلاء الله ونعمه، فيشكرونه على ما أنعم، ويخبتون إليه على ما تفضل به وأحسن، فإن ذلك غير محتاج إلا إلى تذكر ما عسى يفضل عنه من العلوم الضرورية.
وختم هذا بقوله (١): ﴿يَذَّكَّرُونَ﴾ ومعناه الاعتبار والاتعاظ، كأن علمهم بذلك سابق طرأ عليه النسيان، فقيل يذكرون؛ أي: يتذكرون ما نسوا من تسخير هذه المكونات في الأرض.
(١) البحر المحيط.
قيل: وإنما (١) خص المقام الأول بالتفكر لإمكان إيراد الشبهة المذكورة، وخص المقام الثاني بالعقل لذكره بعد إماطة الشبهة وإزاحة العلة، فمن لم يعترف بعدها بالوحدانية.. فلا عقل له، وخص المقام الثالث بالتذكر لمزيد الدلالة، فمن شك بعد ذلك.. فلا حس له، وفي هذا من التكلف ما لا يخفي، والأولى أن يقال هنا كما قلنا فيما تقدم في إفراد الآية في البعض وجمعها في البعض الآخر، وبيانه أن كلًّا من هذه المواضع الثلاثة يصلح لذكر التفكر ولذكر التعقل ولذكر التذكر، لاعتبارات ظاهرة غير خفية، فكان في التعبير في كل موضع بواحد منها افتنان حسن، لا يوجد في التعبير بواحد منها في جميع المواضع الثلاثة، والله أعلم بأسرار كتابه.
١٤ - وبعد أن ذكر أنواع النعم في البر شرع يفصل نعمه في البحر، فقال: ﴿وَهُوَ﴾ سبحانه وتعالى الإله ﴿الَّذِي سَخَّرَ﴾ وذلل لكم ﴿الْبَحْرَ﴾ العذب والملح، والبحر: الماء الكثير، أو الملح فقط؛ أي: جعله بحيث تتمكنون من الانتفاع به بالركوب والغوص والاصطياد.
قال بعضهم (٢): هذه البحور على وجه الأرض ماء السماء النازل وقت الطوفان، فإن الله تعالى أمر الأرض بعد هلاك القوم فابتلعت ماءها، وبقي ماء السماء لم تبتلعه الأرض، وأما البحر المحيط فغير ذلك، بل هو جزر عن الأرض حين خلق الله الأرض من زبده، ويجوز ركوب البحر بشرط علم السباحة وعدم دوران الرأس، وإلا فقد ألقى نفسه إلى التهلكة، وأقدم على ترك الفرائض، وذلك للرجال والنساء، كما قاله الجمهور، وكره ركوبه للنساء، لأن حالهن على الستر، وذا متعسر في السفينة، لا سيما في الزورق وهي السفينة الصغيرة.
امتن الله (٣) سبحانه وتعالى بتسخير البحر بإمكان الركوب عليه، واستخراج ما فيه من صيد وجواهر، لكونه من جملة النعم التي أنعم الله بها على عباده، مع
١٤ - وبعد أن ذكر أنواع النعم في البر شرع يفصل نعمه في البحر، فقال: ﴿وَهُوَ﴾ سبحانه وتعالى الإله ﴿الَّذِي سَخَّرَ﴾ وذلل لكم ﴿الْبَحْرَ﴾ العذب والملح، والبحر: الماء الكثير، أو الملح فقط؛ أي: جعله بحيث تتمكنون من الانتفاع به بالركوب والغوص والاصطياد.
قال بعضهم (٢): هذه البحور على وجه الأرض ماء السماء النازل وقت الطوفان، فإن الله تعالى أمر الأرض بعد هلاك القوم فابتلعت ماءها، وبقي ماء السماء لم تبتلعه الأرض، وأما البحر المحيط فغير ذلك، بل هو جزر عن الأرض حين خلق الله الأرض من زبده، ويجوز ركوب البحر بشرط علم السباحة وعدم دوران الرأس، وإلا فقد ألقى نفسه إلى التهلكة، وأقدم على ترك الفرائض، وذلك للرجال والنساء، كما قاله الجمهور، وكره ركوبه للنساء، لأن حالهن على الستر، وذا متعسر في السفينة، لا سيما في الزورق وهي السفينة الصغيرة.
امتن الله (٣) سبحانه وتعالى بتسخير البحر بإمكان الركوب عليه، واستخراج ما فيه من صيد وجواهر، لكونه من جملة النعم التي أنعم الله بها على عباده، مع
(١) الشوكاني.
(٢) روح البيان.
(٣) الشوكاني.
(٢) روح البيان.
(٣) الشوكاني.
158
ما فيه من الدلالة على وحدانية الرب سبحانه وكمال قدرته، وقد جمع الله سبحانه لعباده في هذا المقام بين التذكير لهم بآياته الأرضية والسماوية والبحرية، فأرشدهم إلى النظر والاستدلال بالآيات المتنوعة المختلفة الأمكنة إتمامًا للحجة، وتكميلًا للإنذار، وتوضيحًا لمنازع الاستدلال ومناطات البرهان ومواضع النظر والاعتبار.
ثم ذكر العلة في تسخير البحر فقال: ﴿لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا﴾؛ أي: وهو تعالى الذي سخر لكم البحر لتصطادوا منه؛ أي: من حيوانه، فهو على حذف مضاف ﴿لَحْمًا﴾؛ أي: سمكًا طريًّا، أي: رطبًا؛ أي: سخر لكم لتأكلوا سمكًا رطبًا تصطادونه منه أي من حيوانه.
والتعبير (١) عن السمك باللحم مع كونه حيوانًا، لانحصار الانتفاع به في الأكل، وفي وصفه (٢) بالطراوة والرطوبة تنبيه إلى أنه ينبغي المسارعة إلى أكله، لأنه يسرع إليه الفساد والتغير، وقد أثبت الطب أن تناوله بعد ذهاب طراوته من أضر الأشياء، فسبحان الخبير بخلقه، وبما يضر استعماله وما ينفع، وفيه أيضًا إيماء إلى كمال قدرته تعالى في خلقه الحلو الطري في الماء المر الذي لا يشرب.
وقد كره العلماء أكل الطافي منه على وجه الماء، وهو الذي يموت حتف أنفه في الماء فيطفو على وجهه، لحديث جابر عن النبي - ﷺ -: "ما نضب عنه الماء فكلوا، وما لفظه فكلوا، وما طفا فلا تأكلوا". فالمراد منه ميتة البحر في الحديث: "هو الطهور ماؤه، الحل ميتته" هو ما لفظه، لا ما مات فيه من غير سبب، ﴿و﴾ سخر لكم البحر أيضًا (﴿لتستخرجوا منه﴾؛ أي: من جواهره ﴿حِلْيَةً﴾؛ أي: زينة ﴿تَلْبَسُونَهَا﴾؛ أي: تتزينون أنتم ونساؤكم بها، والمراد بالحلية المذكور في الآية اللؤلؤ المخلوق في صدفه العائش في البحار، ولا سيما المحيط الهندي، والمرجان الذي ينبت في قيعانها، لقوله تعالى: ﴿يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ﴾ فهما حلالان للرجال والنساء، ولا حاجة لما تكلَّفه جماعة
ثم ذكر العلة في تسخير البحر فقال: ﴿لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا﴾؛ أي: وهو تعالى الذي سخر لكم البحر لتصطادوا منه؛ أي: من حيوانه، فهو على حذف مضاف ﴿لَحْمًا﴾؛ أي: سمكًا طريًّا، أي: رطبًا؛ أي: سخر لكم لتأكلوا سمكًا رطبًا تصطادونه منه أي من حيوانه.
والتعبير (١) عن السمك باللحم مع كونه حيوانًا، لانحصار الانتفاع به في الأكل، وفي وصفه (٢) بالطراوة والرطوبة تنبيه إلى أنه ينبغي المسارعة إلى أكله، لأنه يسرع إليه الفساد والتغير، وقد أثبت الطب أن تناوله بعد ذهاب طراوته من أضر الأشياء، فسبحان الخبير بخلقه، وبما يضر استعماله وما ينفع، وفيه أيضًا إيماء إلى كمال قدرته تعالى في خلقه الحلو الطري في الماء المر الذي لا يشرب.
وقد كره العلماء أكل الطافي منه على وجه الماء، وهو الذي يموت حتف أنفه في الماء فيطفو على وجهه، لحديث جابر عن النبي - ﷺ -: "ما نضب عنه الماء فكلوا، وما لفظه فكلوا، وما طفا فلا تأكلوا". فالمراد منه ميتة البحر في الحديث: "هو الطهور ماؤه، الحل ميتته" هو ما لفظه، لا ما مات فيه من غير سبب، ﴿و﴾ سخر لكم البحر أيضًا (﴿لتستخرجوا منه﴾؛ أي: من جواهره ﴿حِلْيَةً﴾؛ أي: زينة ﴿تَلْبَسُونَهَا﴾؛ أي: تتزينون أنتم ونساؤكم بها، والمراد بالحلية المذكور في الآية اللؤلؤ المخلوق في صدفه العائش في البحار، ولا سيما المحيط الهندي، والمرجان الذي ينبت في قيعانها، لقوله تعالى: ﴿يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ﴾ فهما حلالان للرجال والنساء، ولا حاجة لما تكلَّفه جماعة
(١) المراح.
(٢) المراغي.
(٢) المراغي.
159
من المفسرين في تأويل قوله: ﴿تَلْبَسُونَهَا﴾ بقوله: تلبسه نساؤهم؛ لأنهن من جملتهم، أو لكونهن يلبسنها لأجلهم، وليس في الشريعة المطهرة ما يقتضي منع الرجال من التحلي باللؤلؤ والمرجان، ما لم يستعمله على صفة لا يستعمله عليها إلا النساء خاصة، فإن ذلك ممنوع من جهة كونه تشبهًا بهن، وقد ورد الشرع بمنعه، لا من جهة كونه حلية لؤلؤ أو مرجان.
﴿وَتَرَى الْفُلْكَ﴾؛ أي: وتبصر أيها المخاطب السفن حالة كونها ﴿مَوَاخِرَ﴾؛ أي: جواري ﴿فِيهِ﴾؛ أي: في البحر؛ أي: لو حضرت أيها المخاطب لرأيت السفن جواري في البحر، تجري جريًا وتشقه شقًّا بحيزومها ومقدمها، مقبلة مدبرة، من قطر إلى قطر، ومن بلد إلى آخر، ومن إقليم إلى إقليم، لجلب ما هناك إلى هنا، وما هنا إلى هناك، ومن ثم قال: ﴿وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ﴾؛ أي: لتطلبوا فضل الله ورزقه، بركوبه للتجارة، وهذا معطوف على ﴿تستخرجوا﴾ وما بينهما اعتراض، أو معطوف على علةٍ محذوفةٍ؛ أي: لتنتفعوا بذلك، ولتطلبوا من سعة رزقه بركوبه للتجارة، فإن تجارته أربح.
﴿وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾؛ أي (١): تعرفون حقوق نعمه الجليلة، فتقومون بأدائها بالطاعة والتوحيد، ولعل تخصيصه بتعقيب الشكر؛ لأنه أقوى في باب الإنعام، من حيث إنه جعل المهالك سببًا للانتفاع وتحصيل المعاش.
والمعنى (٢): أي ولتشكروا ربكم على ما أنعم به عليكم، إذ جعل ركوب البحر مع كونه مظنة للهلاك سببًا للانتفاع وحصول المعاش، مع عدم الحاجة إلى الحل والترحال والاستراحة والسكون، ولله در القائل:
وفي "الشوكاني" هنا: قيل (٣): ولعل وجه تخصيص هذه النعمة بالتعقيب بالشكر، من حيث إن فيها قطعًا لمسافةٍ طويلةٍ مع أحمال ثقيلة، من غير مزاولة
﴿وَتَرَى الْفُلْكَ﴾؛ أي: وتبصر أيها المخاطب السفن حالة كونها ﴿مَوَاخِرَ﴾؛ أي: جواري ﴿فِيهِ﴾؛ أي: في البحر؛ أي: لو حضرت أيها المخاطب لرأيت السفن جواري في البحر، تجري جريًا وتشقه شقًّا بحيزومها ومقدمها، مقبلة مدبرة، من قطر إلى قطر، ومن بلد إلى آخر، ومن إقليم إلى إقليم، لجلب ما هناك إلى هنا، وما هنا إلى هناك، ومن ثم قال: ﴿وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ﴾؛ أي: لتطلبوا فضل الله ورزقه، بركوبه للتجارة، وهذا معطوف على ﴿تستخرجوا﴾ وما بينهما اعتراض، أو معطوف على علةٍ محذوفةٍ؛ أي: لتنتفعوا بذلك، ولتطلبوا من سعة رزقه بركوبه للتجارة، فإن تجارته أربح.
﴿وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾؛ أي (١): تعرفون حقوق نعمه الجليلة، فتقومون بأدائها بالطاعة والتوحيد، ولعل تخصيصه بتعقيب الشكر؛ لأنه أقوى في باب الإنعام، من حيث إنه جعل المهالك سببًا للانتفاع وتحصيل المعاش.
والمعنى (٢): أي ولتشكروا ربكم على ما أنعم به عليكم، إذ جعل ركوب البحر مع كونه مظنة للهلاك سببًا للانتفاع وحصول المعاش، مع عدم الحاجة إلى الحل والترحال والاستراحة والسكون، ولله در القائل:
وَإنَّا لَفِي الدُّنْيَا كَرَكْبِ سَفِيْنَةٍ | نُظَنُّ وُقُوْفًا وَالزَّمَانُ بِنَا يَسْرِيْ |
(١) روح البيان.
(٢) المراغي.
(٣) الشوكاني.
(٢) المراغي.
(٣) الشوكاني.
160
أسباب السفر، بل من غير حركة أصلًا، مع أنها في تضاعيف المهالك، ويمكن أن يضم إلى ما ذكر من قطع المسافة على الصفة المذكورة ما اشتمل عليه البحر من كون ما فيه أطيب مأكول وأنفس ملبوسٍ، وكثرة النعم مع نفاستها وحسن موقعها من أعظم الأسباب المستدعية للشكر الموجبة له.
١٥ - ثم أردف هذه النعم الموجبة للتوحيد الموجبة للاستدلال على المطلوب بنعمة أخرى، وآيةٍ أخرى فقال: ﴿وَأَلْقَى﴾ الله سبحانه وتعالى ونصب بقدرته القاهرة ﴿في الْأَرْضِ﴾ هي (١) كروية الشكل، محلها وسط العالم، وسميت بالأرض لأنها تأرض؛ أي: تأكل أجساد بني آدم.
﴿رَوَاسِيَ﴾؛ أي: جبالًا ثوابت من غير سبب ولا ظهير ولا معين، كأنهن حصيات قبضهن قابض بيده فنبذهن في الأرض، فهو تصوير لعظمته وتمثيلٌ لقدرته، وإن كل عسير، فهو عليه يسير.
أي (٢): وجعل فيها رواسي، بأن قال لها كوني فكانت، فأصبحت الأرض وقد أرسيت وأثبتت بالجبال، بعد أن كانت تمور مورًا، فلم يدر أحد مم خلقت، من رسا الشيء إذا ثبت جمع راسية والتاء للتأنيث على أنها صفة جبال، كراهية ﴿أَنْ تَمِيدَ﴾ وتتحرك الأرض ﴿بِكُمْ﴾ أيها العباد الأرضيون، على ما قاله البصريون، أو لئلا تميد بكم على ما قاله الكوفيون، والميد: الاضطراب والميل يمينًا وشمالًا، يقال: ماد الشيء يميد ميدًا إذا تحرك، ومنه سميت المائدة.
والمعنى: كراهية أن تميد بكم وتضطرب، وقد خلق الله الأرض مضطربة لكونها على الماء، ثم أرساها بالجبال، وهي ستة آلاف وست مئة وثلاثة وسبعون جبلًا، سوى التلول على ما قاله الجغرافيون، على جريان عادته في جعل الأشياء منوطة بالأسباب، فالأرض بلا جبال كاللحم بلا عظام، فكما أن وجود الحيوان وجسده إنما يستمسك بالعظم، فكذا الأرض إنما تقوم بالرواسي، ألا ترى أن سطيحًا الكاهن لم يكن في بدنه عظم سوى القفا، لكونه من ماء المرأتين، وكان
١٥ - ثم أردف هذه النعم الموجبة للتوحيد الموجبة للاستدلال على المطلوب بنعمة أخرى، وآيةٍ أخرى فقال: ﴿وَأَلْقَى﴾ الله سبحانه وتعالى ونصب بقدرته القاهرة ﴿في الْأَرْضِ﴾ هي (١) كروية الشكل، محلها وسط العالم، وسميت بالأرض لأنها تأرض؛ أي: تأكل أجساد بني آدم.
﴿رَوَاسِيَ﴾؛ أي: جبالًا ثوابت من غير سبب ولا ظهير ولا معين، كأنهن حصيات قبضهن قابض بيده فنبذهن في الأرض، فهو تصوير لعظمته وتمثيلٌ لقدرته، وإن كل عسير، فهو عليه يسير.
أي (٢): وجعل فيها رواسي، بأن قال لها كوني فكانت، فأصبحت الأرض وقد أرسيت وأثبتت بالجبال، بعد أن كانت تمور مورًا، فلم يدر أحد مم خلقت، من رسا الشيء إذا ثبت جمع راسية والتاء للتأنيث على أنها صفة جبال، كراهية ﴿أَنْ تَمِيدَ﴾ وتتحرك الأرض ﴿بِكُمْ﴾ أيها العباد الأرضيون، على ما قاله البصريون، أو لئلا تميد بكم على ما قاله الكوفيون، والميد: الاضطراب والميل يمينًا وشمالًا، يقال: ماد الشيء يميد ميدًا إذا تحرك، ومنه سميت المائدة.
والمعنى: كراهية أن تميد بكم وتضطرب، وقد خلق الله الأرض مضطربة لكونها على الماء، ثم أرساها بالجبال، وهي ستة آلاف وست مئة وثلاثة وسبعون جبلًا، سوى التلول على ما قاله الجغرافيون، على جريان عادته في جعل الأشياء منوطة بالأسباب، فالأرض بلا جبال كاللحم بلا عظام، فكما أن وجود الحيوان وجسده إنما يستمسك بالعظم، فكذا الأرض إنما تقوم بالرواسي، ألا ترى أن سطيحًا الكاهن لم يكن في بدنه عظم سوى القفا، لكونه من ماء المرأتين، وكان
(١) روح البيان.
(٢) روح البيان.
(٢) روح البيان.
161
لا يستمسك وإنما يخرج في السنة مرة ملفوفًا في خرقة، أو موضوعًا على صحيفة من فضة ﴿و﴾ جعل سبحانه وتعالى في الأرض ﴿أنهارًا﴾ لأن (١) في ﴿ألقى﴾ معنى الجعل، إذ الإلقاء جعل مخصوص، وهي جمع نهر، ويحرك وهو مجرى الماء، وذلك مثل الفرات نهر الكوفة، ودجلة نهر بغداد، وجيحون نهر بلخ، وجيحان نهر أذنة في بلاد الأرمن، وسيحون نهر الهند، وسيحان نهر المصيصة، والنيل نهر مصر، وغيرها من الأنهار الجارية في أقطار الأرض.
وحاصل المعنى: أي (٢) وألقى سبحانه وتعالى في الأرض جبالًا ثوابت، لتقر الأرض ولا تضطرب بما عليها من الحيوان، فلا يهنأ لهم عيشٌ بسبب ذلك، كما قال: ﴿وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا﴾ وما الأرض إلا كسفينةٍ على وجه البحر، فإذا لم يكن فيها أجرام ثقيلة.. تضطرب وتميل من جانب إلى جانب بأدنى الأسباب، وإذا وضعت فيها أجرام ثقيلة.. استقرت على حال واحدة، فكذا الأرض لو لم يكن عليها هذه الجبال لاضطربت.
﴿و﴾ جعل فيها ﴿أنهارًا﴾ تجري من مكان إلى آخر رزقًا للعباد، وهي تنبع في مواضع وهي رزق لأهل مواضع أخرى، فهي تقطع البقاع والبراري، وتخترق الجبال والآكام حتى تصل إلى البلاد التي سخر لأهلها أن تنتفع بها، كما يشاهد في نهر النيل إذ ينبع من أواسط أفريقية، ويمر بجبال ووهاد في السودان، ويستفيد منه الفائدة الكبرى أهل مصر دون سواها، وكل ذلك بتقدير اللطيف الخبير، وذكر الأنهار عقب الجبال، لأن معظم عيون الأنهار وأصولها تكون من الجبال كما في "الخازن" ﴿و﴾ كذلك جعل سبحانه وتعالى في الأرض ﴿سبلًا﴾ وطرقًا مختلفة، نسلك فيها من بلاد إلى بلاد أخرى، وقد تحدث ثلمة في الجبل لتكون ممرًا طريقًا، كما قال تعالى في وصف الجبال: ﴿وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجًا سُبُلًا...﴾ الآية، جمع سبيل، وهو الطريق وما وضح.
﴿لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾؛ أي: لكي تهتدوا بها في أسفاركم إلى مقاصدكم
وحاصل المعنى: أي (٢) وألقى سبحانه وتعالى في الأرض جبالًا ثوابت، لتقر الأرض ولا تضطرب بما عليها من الحيوان، فلا يهنأ لهم عيشٌ بسبب ذلك، كما قال: ﴿وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا﴾ وما الأرض إلا كسفينةٍ على وجه البحر، فإذا لم يكن فيها أجرام ثقيلة.. تضطرب وتميل من جانب إلى جانب بأدنى الأسباب، وإذا وضعت فيها أجرام ثقيلة.. استقرت على حال واحدة، فكذا الأرض لو لم يكن عليها هذه الجبال لاضطربت.
﴿و﴾ جعل فيها ﴿أنهارًا﴾ تجري من مكان إلى آخر رزقًا للعباد، وهي تنبع في مواضع وهي رزق لأهل مواضع أخرى، فهي تقطع البقاع والبراري، وتخترق الجبال والآكام حتى تصل إلى البلاد التي سخر لأهلها أن تنتفع بها، كما يشاهد في نهر النيل إذ ينبع من أواسط أفريقية، ويمر بجبال ووهاد في السودان، ويستفيد منه الفائدة الكبرى أهل مصر دون سواها، وكل ذلك بتقدير اللطيف الخبير، وذكر الأنهار عقب الجبال، لأن معظم عيون الأنهار وأصولها تكون من الجبال كما في "الخازن" ﴿و﴾ كذلك جعل سبحانه وتعالى في الأرض ﴿سبلًا﴾ وطرقًا مختلفة، نسلك فيها من بلاد إلى بلاد أخرى، وقد تحدث ثلمة في الجبل لتكون ممرًا طريقًا، كما قال تعالى في وصف الجبال: ﴿وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجًا سُبُلًا...﴾ الآية، جمع سبيل، وهو الطريق وما وضح.
﴿لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾؛ أي: لكي تهتدوا بها في أسفاركم إلى مقاصدكم
(١) روح البيان.
(٢) المراغي.
(٢) المراغي.
162
ومنازلكم، أو إرادة أن تهتدوا بها في أسفاركم، فلعل مستعارة لمعنى الإرادة كما في "روح البيان".
قال بعضهم (١): خذوا الطريق ولو دارت، واسكنوا المدن ولو جارت، وتزوجوا البكر ولو بارت؛ أي: ولو كانت البكر بورًا؛ أي: فاسدة هالكة لا خير فيها.
١٦ - ﴿و﴾ كذلك جعل سبحانه وتعالى في الأرض ﴿علامات﴾؛ أي: معالم ودلائل، يهتدي ويستدل بها السابلة في النهار، وهم القوم المختلفة على الطريق من جبال كبار وآكام صغار، وسهول ومياه وأشجار وريح، كما قال الإِمام الرازي: رأيت جماعة يشمون التراب وبواسطة ذلك الشم يتعرفون الطرقات، حتى إذا ضلوا الطريق، كانت تلك العلامات عونًا لهم، وهدتهم إلى السبيل السوي في البر والبحر.
﴿وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ﴾ بالليل في البراري أو البحار، حيث لا علامة غيره، ولعل (٢) الضمير لقريش، فإنهم كانوا كثيري التردد للتجارة مشهورين بالاهتداء بالنجوم في أسفارهم، وصرف النظم عن سنن الخطاب، وتقديم النجم وإقحام الضمير للتخصيص، كأنه قيل: وبالنجم خصوصًا هؤلاء يهتدون، فالاعتبار بذلك ألزم لهم، والشكر عليه أوجب عليهم، والمراد بالنجم الجنس، أو الثريا والفرقدان وبنات نعش والجدي، وذلك لأنها تعلم بها الجهات ليلًا لأنها دائرة حول القطب الشمالي، فهي لا تغيب، والقطب في وسط بنات نعش الصغرى، والجدي هو النجم السابع من بنات النعش الصغرى، والفرقدان هما النجمان الأولان من النعش الصغرى، وهما من النعش، والجدي من البنات، ويقرب من بنات نعش الصغرى بنات نعش الكبرى، وهي سبعة أيضًا أربعة نعش وثلاث بنات، وبإزاء الأوسط من البنات السهى: وهو كوكب خفي صغير كانت الصحابة - رضي الله عنهم - تمتحن فيه أبصارهم، كذا في "التكملة" لابن عساكر، وفي
قال بعضهم (١): خذوا الطريق ولو دارت، واسكنوا المدن ولو جارت، وتزوجوا البكر ولو بارت؛ أي: ولو كانت البكر بورًا؛ أي: فاسدة هالكة لا خير فيها.
١٦ - ﴿و﴾ كذلك جعل سبحانه وتعالى في الأرض ﴿علامات﴾؛ أي: معالم ودلائل، يهتدي ويستدل بها السابلة في النهار، وهم القوم المختلفة على الطريق من جبال كبار وآكام صغار، وسهول ومياه وأشجار وريح، كما قال الإِمام الرازي: رأيت جماعة يشمون التراب وبواسطة ذلك الشم يتعرفون الطرقات، حتى إذا ضلوا الطريق، كانت تلك العلامات عونًا لهم، وهدتهم إلى السبيل السوي في البر والبحر.
﴿وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ﴾ بالليل في البراري أو البحار، حيث لا علامة غيره، ولعل (٢) الضمير لقريش، فإنهم كانوا كثيري التردد للتجارة مشهورين بالاهتداء بالنجوم في أسفارهم، وصرف النظم عن سنن الخطاب، وتقديم النجم وإقحام الضمير للتخصيص، كأنه قيل: وبالنجم خصوصًا هؤلاء يهتدون، فالاعتبار بذلك ألزم لهم، والشكر عليه أوجب عليهم، والمراد بالنجم الجنس، أو الثريا والفرقدان وبنات نعش والجدي، وذلك لأنها تعلم بها الجهات ليلًا لأنها دائرة حول القطب الشمالي، فهي لا تغيب، والقطب في وسط بنات نعش الصغرى، والجدي هو النجم السابع من بنات النعش الصغرى، والفرقدان هما النجمان الأولان من النعش الصغرى، وهما من النعش، والجدي من البنات، ويقرب من بنات نعش الصغرى بنات نعش الكبرى، وهي سبعة أيضًا أربعة نعش وثلاث بنات، وبإزاء الأوسط من البنات السهى: وهو كوكب خفي صغير كانت الصحابة - رضي الله عنهم - تمتحن فيه أبصارهم، كذا في "التكملة" لابن عساكر، وفي
(١) روح البيان.
(٢) روح البيان.
(٢) روح البيان.
163
"الخطيب": ولما كانت الدلالة من النجم أنفع الدلالات وأعمها، وأوضحها برًّا وبحرًا ليلًا ونهارًا.. نبه على عظمها بالالتفات إلى مقام الغيبة، لإفهام العموم، لئلا يظن أن المخاطب مخصوص، وليس كذلك فقال تعالى: ﴿وَبِالنَّجْمِ﴾؛ أي: الجنس هم؛ أي: أهل الأرض كلهم، وأولى الناس بذلك المخاطبون وهم قريش ثم العرب كلها، لفرط معرفتهم بالنجوم، وقدم الجار تنبيهًا على أن دلالة غيره بالنسبة إليه سافلة، وقيل: المراد بالنجم الثريا والفرقدان وبنات لنعش، وقيل: الضمير لقريش لأنهم كثير الأسفار للتجارة، مشهورون بالاهتداء في مسايرهم بالنجوم.
قال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: تعلموا من النجوم ما تهتدون به في طرقكم وقبلتكم، ثم كفوا، وتعلموا من الأنساب ما تصلون به أرحامكم. قيل: أول من نظر في النجوم والحساب إدريس النبي - عليه السلام - قال بعض السلف: العلوم أربعة: الفقه للأديان، والطب للأبدان، والنجوم للأزمان، والنحو للسان. وفي الآية إيماء إلى أن مراعاة النجوم أصل في معرفة الأوقات والطرق والقبلة، ويحسن أن نتعلم من علم الفلك ما يفيد تلك المعرفة، قال قتادة: إنما خلق الله النجوم لثلاثة أشياء: لتكون زينةً للسماء، ومعالم للطرق، ورجومًا للشياطين، فمن قال غير ذلك، فقد تكلم بما لا علم له به.
وقرأ الجمهور (١): ﴿وَبِالنَّجْمِ﴾ بفتح النون وسكون الجيم على أنه اسم جنس، ويؤيد ذلك قراءة ابن وثاب ﴿وبالنجم﴾ بضم النون والجيم، ومراده النجوم فقصره بحذف الواو منه، أو هو جمع، كسقف وسقف، وفي "زاد المسير": وقرأ (٢) الحسن والضحاك وأبو المتوكل ويحيى بن وثاب: ﴿وبالنجم﴾ بضم النون وإسكان الجيم، وقرأ الجحدري ﴿وبالنجم﴾ بضم النون والجيم، وقرأ مجاهد: ﴿وبالنجوم﴾ بواو على الجمع.
قال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: تعلموا من النجوم ما تهتدون به في طرقكم وقبلتكم، ثم كفوا، وتعلموا من الأنساب ما تصلون به أرحامكم. قيل: أول من نظر في النجوم والحساب إدريس النبي - عليه السلام - قال بعض السلف: العلوم أربعة: الفقه للأديان، والطب للأبدان، والنجوم للأزمان، والنحو للسان. وفي الآية إيماء إلى أن مراعاة النجوم أصل في معرفة الأوقات والطرق والقبلة، ويحسن أن نتعلم من علم الفلك ما يفيد تلك المعرفة، قال قتادة: إنما خلق الله النجوم لثلاثة أشياء: لتكون زينةً للسماء، ومعالم للطرق، ورجومًا للشياطين، فمن قال غير ذلك، فقد تكلم بما لا علم له به.
وقرأ الجمهور (١): ﴿وَبِالنَّجْمِ﴾ بفتح النون وسكون الجيم على أنه اسم جنس، ويؤيد ذلك قراءة ابن وثاب ﴿وبالنجم﴾ بضم النون والجيم، ومراده النجوم فقصره بحذف الواو منه، أو هو جمع، كسقف وسقف، وفي "زاد المسير": وقرأ (٢) الحسن والضحاك وأبو المتوكل ويحيى بن وثاب: ﴿وبالنجم﴾ بضم النون وإسكان الجيم، وقرأ الجحدري ﴿وبالنجم﴾ بضم النون والجيم، وقرأ مجاهد: ﴿وبالنجوم﴾ بواو على الجمع.
(١) البحر المحيط.
(٢) زاد المسير.
(٢) زاد المسير.
164
وقال الأخفش (١): ثم الكلام عند قوله: ﴿وَعَلَامَاتٍ﴾، وقوله: ﴿وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ﴾ كلام منفصل عن الأول.
١٧ - ثم لما عدد الآيات الدالة على الصانع ووحدانيته وكمال قدرته.. أراد أن يوبخ أهل الشرك والعناد فقال: ﴿أَفَمَنْ يَخْلُقُ﴾ وعبارة "الخازن" هنا: ولما ذكر الله (٢) عَزَّ وَجَلَّ من عجائب قدرته، وغرائب صنعته، وبديع خلقه، ما ذكر على الوجه الأحسن، والترتيب الأكمل، وكانت هذه الأشياء المخلوقة المذكورة في الآيات المتقدمة كلها دالة على كمال قدرته تعالى ووحدانيته، وأنه تعالى هو المنفرد بخلقها جميعًا.. قال على سبيل الإنكار على من ترك عبادته، واشتغل بعبادة هذه الأصنام التي لا تضر ولا تنفع ولا تقدر على شيء: ﴿أَفَمَنْ يَخْلُقُ﴾ يعني: هذه الأشياء الموجودة المرئية بالعيان وهو الله تعالى الخالق ﴿كَمَنْ لَا يَخْلُقُ﴾ يعني هذه الأصنام العاجزة التي لا تخلق شيئًا ألبتةً؛ لأنها جمادات لا تقدر على شيء، فكيف يليق بالعاقل أن يشتغل بعبادتها، ويترك عبادة من يستحق العبادة، وهو الله الخالق هذه الأشياء كلها، ولهذا المعنى ختم هذه الآية يقوله: ﴿أَفَلَا تَذَكَّرُونَ﴾ يعني: هذا القدر ظاهر غير خاف على أحد، فلا يحتاج فيه إلى دقيق الفكر والنظر، بل مجرد التذكر فيه كفاية لمن فهم وعقل واعتبر بما ذكر انتهت.
والهمزة في قوله: ﴿أَفَمَنْ يَخْلُقُ﴾ للاستفهام (٣) الإنكاري داخلة على محذوف، والفاء عاطفة على ذلك المحذوف، والتقدير: أبعد ظهور دلائل التوحيد تتصور المشابهة والمشاركة - فمن يخلق هذه المصنوعات العظيمة - وهو الله تعالى - كمن لا يخلق شيئًا منها - وهو الأصنام؟! وعبر عنها بمن التي للعقلاء لأنهم سموها آلهةً فأجريت مجرى العقلاء، أو للمشاكلة لأنه قابله بالخالق وجعله معه كقوله تعالى: ﴿فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ﴾.
وفي "الكرخي": وهذا من عكس التشبيه، إذ مقتضى الظاهر أن يقال: أفمن
١٧ - ثم لما عدد الآيات الدالة على الصانع ووحدانيته وكمال قدرته.. أراد أن يوبخ أهل الشرك والعناد فقال: ﴿أَفَمَنْ يَخْلُقُ﴾ وعبارة "الخازن" هنا: ولما ذكر الله (٢) عَزَّ وَجَلَّ من عجائب قدرته، وغرائب صنعته، وبديع خلقه، ما ذكر على الوجه الأحسن، والترتيب الأكمل، وكانت هذه الأشياء المخلوقة المذكورة في الآيات المتقدمة كلها دالة على كمال قدرته تعالى ووحدانيته، وأنه تعالى هو المنفرد بخلقها جميعًا.. قال على سبيل الإنكار على من ترك عبادته، واشتغل بعبادة هذه الأصنام التي لا تضر ولا تنفع ولا تقدر على شيء: ﴿أَفَمَنْ يَخْلُقُ﴾ يعني: هذه الأشياء الموجودة المرئية بالعيان وهو الله تعالى الخالق ﴿كَمَنْ لَا يَخْلُقُ﴾ يعني هذه الأصنام العاجزة التي لا تخلق شيئًا ألبتةً؛ لأنها جمادات لا تقدر على شيء، فكيف يليق بالعاقل أن يشتغل بعبادتها، ويترك عبادة من يستحق العبادة، وهو الله الخالق هذه الأشياء كلها، ولهذا المعنى ختم هذه الآية يقوله: ﴿أَفَلَا تَذَكَّرُونَ﴾ يعني: هذا القدر ظاهر غير خاف على أحد، فلا يحتاج فيه إلى دقيق الفكر والنظر، بل مجرد التذكر فيه كفاية لمن فهم وعقل واعتبر بما ذكر انتهت.
والهمزة في قوله: ﴿أَفَمَنْ يَخْلُقُ﴾ للاستفهام (٣) الإنكاري داخلة على محذوف، والفاء عاطفة على ذلك المحذوف، والتقدير: أبعد ظهور دلائل التوحيد تتصور المشابهة والمشاركة - فمن يخلق هذه المصنوعات العظيمة - وهو الله تعالى - كمن لا يخلق شيئًا منها - وهو الأصنام؟! وعبر عنها بمن التي للعقلاء لأنهم سموها آلهةً فأجريت مجرى العقلاء، أو للمشاكلة لأنه قابله بالخالق وجعله معه كقوله تعالى: ﴿فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ﴾.
وفي "الكرخي": وهذا من عكس التشبيه، إذ مقتضى الظاهر أن يقال: أفمن
(١) الشوكاني.
(٢) الخازن
(٣) روح البيان.
(٢) الخازن
(٣) روح البيان.
لا يخلق كمن يخلق، فخولف في خطابهم؛ لأنهم بالغوا في عبادتها، حتى صارت عندهم أصلًا في العبادة، وصار الخالق فرعًا فجاء الإنكار على وفق ذلك مجاراة على معتقدهم.
والهمزة في قوله: ﴿أَفَلَا تَذَكَّرُونَ﴾ للاستفهام التوبيخي داخلة على محذوف، والفاء عاطفة على ذلك المحذوف، والتقدير: ألا تلاحظون القدرة الباهرة للخالق سبحانه، والعجز الظاهر للأصنام، فلا تذكرون ذلك فتعرفون فساد ما أنتم عليه يا أهل مكة، فإنه بوضوحه بحيث لا يفتقر إلى شيء سوى التذكر.
ومعنى الآية: أي أفمن (١) يخلق هذه الخلائق العجيبة التي عددناها عليكم، وينعم هذه النعم العظيمة.. كمن لا يخلق شيئًا ولا ينعم نعمًا صغيرة ولا كبيرة؟ أفلا تذكرون هذه النعم، وهذا السطان العظيم، والقدرة على ما شاء من الحكمة، وعجز أوثانكم وضعفها ومهانتها، وأنها لا تجلب إلى نفسها نفعًا ولا تدفع ضرًّا، فتعرفوا بذلك خطأ ما أنتم عليه من عبادتها، وإقراركم لها بالألوهية.
وخلاصة هذا: الإنكار عليهم، ورميهم بالجهل، وسوء التقدير، وقلة الشكر لمن أنعم عليهم بما لا يحصى من النعم، مع وضوح ذلك وقلة احتياجه إلى تدبر وتفكر وإطالة نظر، بل يكفي فيه تنبه العقل ليعلم أن العبادة لا تليق إلا للمنعم بكل هذه النعم، أما هذه الأصنام التي لا فهم لها ولا قدرة ولا اختيار، فلا تنبغي عبادتها ولا الاشتغال بطاعتها.
قال قتادة في الآية: الله هو الخالق الرازق، لا هذه الأوثان التي تعبد من دون الله، التي لا تخلق شيئًا، ولا تملك لأهلها ضرًّا ولا نفعًا اهـ.
١٨ - وبعد أن نبههم سبحانه إلى عظمته، ذكرهم بنعمه عليهم، وإحسانه إليهم فقال: ﴿وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ﴾ سبحانه وتعالى الفائضة عليكم مما لم يذكر ﴿لَا تُحْصُوهَا﴾ أي (٢): لا تطيقوا إحصاءها وحصرها، وضبط عددها ولو إجمالًا، فضلًا عن القيام بشكرها، يقال: أحصاه؛ أي: عده كما في "القاموس"، وأصله
والهمزة في قوله: ﴿أَفَلَا تَذَكَّرُونَ﴾ للاستفهام التوبيخي داخلة على محذوف، والفاء عاطفة على ذلك المحذوف، والتقدير: ألا تلاحظون القدرة الباهرة للخالق سبحانه، والعجز الظاهر للأصنام، فلا تذكرون ذلك فتعرفون فساد ما أنتم عليه يا أهل مكة، فإنه بوضوحه بحيث لا يفتقر إلى شيء سوى التذكر.
ومعنى الآية: أي أفمن (١) يخلق هذه الخلائق العجيبة التي عددناها عليكم، وينعم هذه النعم العظيمة.. كمن لا يخلق شيئًا ولا ينعم نعمًا صغيرة ولا كبيرة؟ أفلا تذكرون هذه النعم، وهذا السطان العظيم، والقدرة على ما شاء من الحكمة، وعجز أوثانكم وضعفها ومهانتها، وأنها لا تجلب إلى نفسها نفعًا ولا تدفع ضرًّا، فتعرفوا بذلك خطأ ما أنتم عليه من عبادتها، وإقراركم لها بالألوهية.
وخلاصة هذا: الإنكار عليهم، ورميهم بالجهل، وسوء التقدير، وقلة الشكر لمن أنعم عليهم بما لا يحصى من النعم، مع وضوح ذلك وقلة احتياجه إلى تدبر وتفكر وإطالة نظر، بل يكفي فيه تنبه العقل ليعلم أن العبادة لا تليق إلا للمنعم بكل هذه النعم، أما هذه الأصنام التي لا فهم لها ولا قدرة ولا اختيار، فلا تنبغي عبادتها ولا الاشتغال بطاعتها.
قال قتادة في الآية: الله هو الخالق الرازق، لا هذه الأوثان التي تعبد من دون الله، التي لا تخلق شيئًا، ولا تملك لأهلها ضرًّا ولا نفعًا اهـ.
١٨ - وبعد أن نبههم سبحانه إلى عظمته، ذكرهم بنعمه عليهم، وإحسانه إليهم فقال: ﴿وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ﴾ سبحانه وتعالى الفائضة عليكم مما لم يذكر ﴿لَا تُحْصُوهَا﴾ أي (٢): لا تطيقوا إحصاءها وحصرها، وضبط عددها ولو إجمالًا، فضلًا عن القيام بشكرها، يقال: أحصاه؛ أي: عده كما في "القاموس"، وأصله
(١) المراغي.
(٢) روح البيان.
(٢) روح البيان.
166
أن الحساب كان إذا بلغ عددًا وضعت له حصاة، ثم استؤنف العدد.
والمعنى: لا توجد له غاية فتوضع له حصاة، وهذه الجملة تذكير إجمالي بنعمه تعالى، بعد تعداد طائفة منها، وكان الظاهر إيرادها عقبها تكملة لها، على طريقة قوله تعالى: ﴿وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾ ذكره أبو السعود.
والمعنى: أي وإن تعدوا نعم الله تعالى لا تضبطوا عددها، فضلًا عن أن تستطيعوا القيام بشكرها، فإن العبد مهما أتعب نفسه في طاعته، وبالغ في شكران نعمه، فإنه يكون مقصرًا، فنعم الله تعالى كثيرة، وعقل المخلوق قاصر عن الإحاطة بها، ومن ثم فهو يتجاوز عن ذلك التقصير، وإلى ذلك أشار بقوله: ﴿إنَّ اللَّهَ﴾ سبحانه وتعالى ﴿لَغَفُورٌ﴾؛ أي: لستور فيستر عليكهم تقصيركم في القيام بشكرها، ويتجاوز عنه، ﴿رَحِيمٌ﴾؛ أي: كثير الرحمة بكم، عظيم النعمة عليكم، لا يقطعها عنكم فيفيض عليكم نعمه مع استحقاقكم للقطع والحرمان، بسبب ما أنتم عليه من أصناف الكفر والعصيان، ولا يعاجلكم بالعقوبة على كفرانها، ومن أفظع ذلك وأعظمه جرمًا المساواة بين الخالق والمخلوق، وتقديم (١) وصف المغفرة على نعت الرحمة لتقدم التخلية على التحلية.
قال بعض الحكماء (٢): إن أي جزء من البدن إذا اعتراه الألم نغص على الإنسان النعم، وتمنى أن ينفق الدنيا لو كانت في ملكه حتى يزول عنه ذلك الألم، وهو سبحانه يدبر جسم الإنسان على الوجه الملائم له، مع أنه لا علم له بوجود ذلك، فكيف يطيق حصر نعمه عليه، أو يقدر على إحصائها، أو يتمكن من شكر أدناها انتهى.
واعلم (٣): أنه لو صرف جميع عمر الإنسان إلى الأعمال الصالحة، وإقامة الشكر.. لما كافىء نعمة الوجود، فضلًا عن سائر النعم، ولله در القائل:
والمعنى: لا توجد له غاية فتوضع له حصاة، وهذه الجملة تذكير إجمالي بنعمه تعالى، بعد تعداد طائفة منها، وكان الظاهر إيرادها عقبها تكملة لها، على طريقة قوله تعالى: ﴿وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾ ذكره أبو السعود.
والمعنى: أي وإن تعدوا نعم الله تعالى لا تضبطوا عددها، فضلًا عن أن تستطيعوا القيام بشكرها، فإن العبد مهما أتعب نفسه في طاعته، وبالغ في شكران نعمه، فإنه يكون مقصرًا، فنعم الله تعالى كثيرة، وعقل المخلوق قاصر عن الإحاطة بها، ومن ثم فهو يتجاوز عن ذلك التقصير، وإلى ذلك أشار بقوله: ﴿إنَّ اللَّهَ﴾ سبحانه وتعالى ﴿لَغَفُورٌ﴾؛ أي: لستور فيستر عليكهم تقصيركم في القيام بشكرها، ويتجاوز عنه، ﴿رَحِيمٌ﴾؛ أي: كثير الرحمة بكم، عظيم النعمة عليكم، لا يقطعها عنكم فيفيض عليكم نعمه مع استحقاقكم للقطع والحرمان، بسبب ما أنتم عليه من أصناف الكفر والعصيان، ولا يعاجلكم بالعقوبة على كفرانها، ومن أفظع ذلك وأعظمه جرمًا المساواة بين الخالق والمخلوق، وتقديم (١) وصف المغفرة على نعت الرحمة لتقدم التخلية على التحلية.
قال بعض الحكماء (٢): إن أي جزء من البدن إذا اعتراه الألم نغص على الإنسان النعم، وتمنى أن ينفق الدنيا لو كانت في ملكه حتى يزول عنه ذلك الألم، وهو سبحانه يدبر جسم الإنسان على الوجه الملائم له، مع أنه لا علم له بوجود ذلك، فكيف يطيق حصر نعمه عليه، أو يقدر على إحصائها، أو يتمكن من شكر أدناها انتهى.
واعلم (٣): أنه لو صرف جميع عمر الإنسان إلى الأعمال الصالحة، وإقامة الشكر.. لما كافىء نعمة الوجود، فضلًا عن سائر النعم، ولله در القائل:
لَوْ عِشْتُ ألْفَ عَامٍ | في سَجْدَةٍ لِرَبِّي |
(١) روح البيان.
(٢) المراغي.
(٣) روح البيان.
(٢) المراغي.
(٣) روح البيان.
167
شُكرًا لِفَضلِ يَوْمٍ | لَم أَقْضِ بِالتَّمَامِ |
وَالْعَامُ ألْفُ شَهرٍ | وَالشَّهْرُ أَلفُ يَوْمِ |
وَالْيَومُ أَلْفُ حِيْنِ | وَالْحِيْنُ ألفُ عَامِ |
الْعَفوُ يُرجَى مِن بَنِي آدمَ | فَكَيفَ لاَ يُرجَى مِنَ الرَّبِّ |
فَإنَّهُ أرْأفُ بِي مِنْهُمُ | حَسْبِي بِهِ حَسْبِي بِهِ حَسْبِي |
والمعنى: أي والله سبحانه وتعالى يعلم ما تسرونه في ضمائركم وتخفونه عن غيركم، وما تبدونه بألسنتكم وجوارحكم وأفعالكم، وهو محص ذلك كله عليكم، فيجازيكم به يوم القيامة، فيجازي المحسن بإحسانه والمسيء منكم بإساءته، وهو سائلكم عما كان منكم من الشكر في الدنيا على النعم التي أنعمها عليكم فيها، ما أحصيتم منها وما لم تحصوا.
(١) المراغي.
٢٠ - ثم وصف سبحانه هذه الأصنام بصفات تجعلها بمعزل عن استحقاق العبادة، تنبيهًا إلى كمال حماقة المشركين، وأنهم لا يفهمون ذلك إلا بالتصريح دون التلويح فقال: ﴿وَالَّذِينَ يَدْعُونَ﴾؛ أي: والأوثان التي تعبدونها، والدعاء بمعنى العبادة كثير في القرآن ﴿مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾؛ أي: حالة كونكم مجاوزين الله، فإن (١) معنى ﴿دُونِ﴾ أدنى مكان من الشيء، ثم استعير للتفاوت في الأحوال والرتب، ثم اتسع فيه فاستعمل في كل من تجاوز حدًّا إلى حدٍّ، وتخطى حكمًا إلى حكم، والموصول مبتدأ خبره ﴿لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا﴾ من الأشياء أصلًا؛ أي: ليس من شأنهم ذلك؛ لأنهم عجزة ﴿وَهُمْ يُخْلَقُونَ﴾؛ أي: شأنهم ومقتضى ذاتهم المخلوقية، لأنها ذوات ممكنة مفتقرة في ماهيتها ووجدانها إلى الموجد، قال في "القاموس": الخالق هو المتفرد في صفاته المبدع للشيء، المخترع على غير مثال سبق، فإن قلت: قوله تعالى في الآية السابقة: ﴿أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ﴾ يدل على أن هذه الأصنام لا تخلق شيئًا، فقوله هنا لا يخلقون شيئًا وهم يخلقون هذا هو نفس المعنى المذكور في تلك الآية، فما فائدة التكرار؟
قلت: فائدته أن المعنى المذكور في الآية المتقدمة أنهم لا يخلقون شيئًا فقط، والمذكور في هذه الآية أنهم لا يخلقون شيئًا وأنهم مخلوقون كغيرهم، فكان هذا زيادةً في المعنى، وهو فائدة التكرار، ذكره في "الخازن".
والمعنى: والآلهة التي تعبدونها من دون الله لا تخلق شيئًا، بل هي مخلوقة، فكيف يكون إلهًا ما كان مصنوعًا، وغيره هو الذي دبر وجوده؟ ونحو الآية قوله تعالى: ﴿قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ (٩٥) وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ (٩٦)﴾.
٢١ - ﴿أَمْوَاتٌ﴾ جمع ميت خبر ثان للموصول؛ أي: هي جمادات لا حياة فيها، ولم يقل موات؛ لأنهم صوروا على شكل من تحله الروح، وفي "القاموس": الموات كغراب وكسحاب ما لا روح فيه، وأرضٌ لا مالك لها ﴿غَيْرُ أَحْيَاءٍ﴾ جمع حيّ ضدُّ الميت؛ أي: غير قابلين للحياة، كالنطفة والبيضة فهي أموات على الإطلاق، والمعنى؛ أي: هي أمواتٌ ولا تعتريها الحياة بوجه، فلا تسمع ولا
قلت: فائدته أن المعنى المذكور في الآية المتقدمة أنهم لا يخلقون شيئًا فقط، والمذكور في هذه الآية أنهم لا يخلقون شيئًا وأنهم مخلوقون كغيرهم، فكان هذا زيادةً في المعنى، وهو فائدة التكرار، ذكره في "الخازن".
والمعنى: والآلهة التي تعبدونها من دون الله لا تخلق شيئًا، بل هي مخلوقة، فكيف يكون إلهًا ما كان مصنوعًا، وغيره هو الذي دبر وجوده؟ ونحو الآية قوله تعالى: ﴿قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ (٩٥) وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ (٩٦)﴾.
٢١ - ﴿أَمْوَاتٌ﴾ جمع ميت خبر ثان للموصول؛ أي: هي جمادات لا حياة فيها، ولم يقل موات؛ لأنهم صوروا على شكل من تحله الروح، وفي "القاموس": الموات كغراب وكسحاب ما لا روح فيه، وأرضٌ لا مالك لها ﴿غَيْرُ أَحْيَاءٍ﴾ جمع حيّ ضدُّ الميت؛ أي: غير قابلين للحياة، كالنطفة والبيضة فهي أموات على الإطلاق، والمعنى؛ أي: هي أمواتٌ ولا تعتريها الحياة بوجه، فلا تسمع ولا
(١) روح البيان.
169
تبصر ولا تعقل، وفائدة (١) قوله: ﴿غَيْرُ أَحْيَاءٍ﴾ بيان أن بعض ما لا حياة فيه قد تدركه الحياة بعد، كالنطفة التي ينشئها الله تعالى حيوانًا، وأجساد الحيوان التي تبعث بعد موتها، أما هذه الأصنام من الحجارة والأشجار، فلا يعقب موتها حياة، وذلك أتم في نقصها.
﴿وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ﴾؛ أي: وما تدري هذه الأصنام التي تعبدونها من دون الله متى تبعث عبدتها، فالضمير في يشعرون للأصنام، وفي يبعثون لعبدتها، وقيل: يجوز أن يكون الضمير في يبعثون للآلهة؛ أي: وما تشعر هذه الأصنام أيان تبعث، ويؤيد ذلك ما روي أن الله يبعث الأصنام، ويخلق لها أرواحًا معها شياطينها، فيؤمر بالكل إلى النار، ويدل على هذه قوله: ﴿إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ﴾ ولا يخفى ما في ذلك من التهكم بها، لأن شعور الجماد بالأمور الظاهرة بديهي الاستحالة لدى كل أحد، فكيف بما لا يعلمه إلا العليم الخبير، كما أن فيه تهكمًا بالمشركين من قبل أن آلهتهم لا يعلمون وقت بعثهم ليجازوهم على عبادتهم إياهم، وفيه تنبيه إلى أن البعث من لوازم التكليف؛ لأنه جزاء على العمل من خير أو شر، وأن معرفة وقته لا بد منه في الألوهية.
وقرأ الجمهور (٢) بالتاء من فوق في: ﴿تُسرون﴾ و ﴿تعلنون﴾ و ﴿تدعون﴾، وهي قراءة مجاهد والأعرج وشيبة وأبي جعفر وهبيرة عن عاصم، على معنى قل لهم، وقرأ عاصم في مشهوره ﴿يَدْعون﴾ بالياء من تحت، وبالتاء في السابقتين، وقرأ الأعمش وأصحاب عبد الله ﴿يَعْلَمُ الذي تُبدون وما تكتمون﴾ و ﴿تدعون﴾ بالتاء من فوق في الثلاثة، وقرأ طلحة ﴿ما يُخفون﴾ و ﴿ما يُعلنون﴾ و ﴿تدعون﴾ بالتاء من فوق، وهاتان القراءتان مخالفتان لسواد المصحف، والمشهور: ما روي عن الأعمش وغيره، فوجب حملها على التفسير لا على أنها قرآنٌ، وقرأ محمد اليمانيُّ ﴿يُدْعون﴾ بضم الياء وفتح العين مبينًا للمفعول، وقرأ أبو عبد الرحمن
﴿وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ﴾؛ أي: وما تدري هذه الأصنام التي تعبدونها من دون الله متى تبعث عبدتها، فالضمير في يشعرون للأصنام، وفي يبعثون لعبدتها، وقيل: يجوز أن يكون الضمير في يبعثون للآلهة؛ أي: وما تشعر هذه الأصنام أيان تبعث، ويؤيد ذلك ما روي أن الله يبعث الأصنام، ويخلق لها أرواحًا معها شياطينها، فيؤمر بالكل إلى النار، ويدل على هذه قوله: ﴿إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ﴾ ولا يخفى ما في ذلك من التهكم بها، لأن شعور الجماد بالأمور الظاهرة بديهي الاستحالة لدى كل أحد، فكيف بما لا يعلمه إلا العليم الخبير، كما أن فيه تهكمًا بالمشركين من قبل أن آلهتهم لا يعلمون وقت بعثهم ليجازوهم على عبادتهم إياهم، وفيه تنبيه إلى أن البعث من لوازم التكليف؛ لأنه جزاء على العمل من خير أو شر، وأن معرفة وقته لا بد منه في الألوهية.
وقرأ الجمهور (٢) بالتاء من فوق في: ﴿تُسرون﴾ و ﴿تعلنون﴾ و ﴿تدعون﴾، وهي قراءة مجاهد والأعرج وشيبة وأبي جعفر وهبيرة عن عاصم، على معنى قل لهم، وقرأ عاصم في مشهوره ﴿يَدْعون﴾ بالياء من تحت، وبالتاء في السابقتين، وقرأ الأعمش وأصحاب عبد الله ﴿يَعْلَمُ الذي تُبدون وما تكتمون﴾ و ﴿تدعون﴾ بالتاء من فوق في الثلاثة، وقرأ طلحة ﴿ما يُخفون﴾ و ﴿ما يُعلنون﴾ و ﴿تدعون﴾ بالتاء من فوق، وهاتان القراءتان مخالفتان لسواد المصحف، والمشهور: ما روي عن الأعمش وغيره، فوجب حملها على التفسير لا على أنها قرآنٌ، وقرأ محمد اليمانيُّ ﴿يُدْعون﴾ بضم الياء وفتح العين مبينًا للمفعول، وقرأ أبو عبد الرحمن
(١) روح البيان.
(٢) البحر المحيط.
(٢) البحر المحيط.
170
﴿إيَّان﴾ بكسر الهمزة، وهي لغة قومه سليم.
٢٢ - ولمَّا أبطل (١) طريق عبدة الأصنام، وبين فساد مذهبهم.. صرح بالمدعى، ولخص النتيجة بعد إقامة الحجة فقال: ﴿إِلَهُكُمْ﴾؛ أي: معبودكم الذي يستحق العبادة، وإفراد الطاعة له دون سائر الأشياء ﴿إِلَهٌ وَاحِدٌ﴾؛ أي: معبود واحد، لا تصلح العبادة إلا له، فأفردوا له الطاعة، وأخلصوا له العبادة، ولا تجعلوا معه شريكًا سواه، ثم ذكر الأسباب التي لأجلها أصر الكفار على الشرك وإنكار التوحيد فقال: ﴿فَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ﴾ وأحوالها من البعث والجزاء وغير ذلك؛ أي: فالذين لا يصدقون بوعد الله ووعيده، ولا يقرون بالمعاد إليه بعد الممات ﴿قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ﴾؛ أي: جاحدة لما قصصناه عليكم من قدرة الله وعظمته، وجزيل نعمه عليهم، وأن العبادة لا تصلح إلَّا له، والألوهية ليست لشيء سواه، فلا يؤثر فيها وعظ ولا ينجع فيها تذكير ﴿وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ﴾ عن قبول الحق، متعظمون عن الإذعان للصواب، مستمرون على الجحد، تقليدًا لما مضى عليه آباؤهم من الشرك به، كما حكى سبحانه عنهم قولهم: ﴿إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ﴾، ﴿أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ﴾ وقال: ﴿وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (٤٥)﴾ والمعنى؛ أي: وهم قوم لا يزال الاستكبار عن اعتراف الوحدانية والتعظيم عن قبول الحق دأبهم، كما أن الإنكار سجيتهم.
٢٣ - ثم ذكر وعيدهم على أعمالهم فقال: ﴿لَا جَرَمَ﴾ كلمة مركبة من كلمتين حرفٍ وفعلٍ، فقد ركبت لا مع جرم وجعل كلمةً واحدة، وتلك الكلمة مصدر بمعنى حقًّا، أو فعل بمعنى حقَّ وثبت، وقوله ﴿أَنَّ اللَّهَ﴾ إلخ فاعل بفعل ذلك المصدر المأخوذ من لا جرم، وذلك المصدر منصوب على المفعولية المطلقة؛ أي: حقَّ حقًّا وثبت ثبوتًا ﴿أَنَّ اللَّهَ﴾ سبحانه وتعالى ﴿يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ﴾ عنك من أقوالهم وأفعالهم ﴿وَمَا يُعْلِنُونَ﴾ من ذلك؛ أي: حق وثبت أن الله يعلم ما
٢٢ - ولمَّا أبطل (١) طريق عبدة الأصنام، وبين فساد مذهبهم.. صرح بالمدعى، ولخص النتيجة بعد إقامة الحجة فقال: ﴿إِلَهُكُمْ﴾؛ أي: معبودكم الذي يستحق العبادة، وإفراد الطاعة له دون سائر الأشياء ﴿إِلَهٌ وَاحِدٌ﴾؛ أي: معبود واحد، لا تصلح العبادة إلا له، فأفردوا له الطاعة، وأخلصوا له العبادة، ولا تجعلوا معه شريكًا سواه، ثم ذكر الأسباب التي لأجلها أصر الكفار على الشرك وإنكار التوحيد فقال: ﴿فَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ﴾ وأحوالها من البعث والجزاء وغير ذلك؛ أي: فالذين لا يصدقون بوعد الله ووعيده، ولا يقرون بالمعاد إليه بعد الممات ﴿قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ﴾؛ أي: جاحدة لما قصصناه عليكم من قدرة الله وعظمته، وجزيل نعمه عليهم، وأن العبادة لا تصلح إلَّا له، والألوهية ليست لشيء سواه، فلا يؤثر فيها وعظ ولا ينجع فيها تذكير ﴿وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ﴾ عن قبول الحق، متعظمون عن الإذعان للصواب، مستمرون على الجحد، تقليدًا لما مضى عليه آباؤهم من الشرك به، كما حكى سبحانه عنهم قولهم: ﴿إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ﴾، ﴿أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ﴾ وقال: ﴿وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (٤٥)﴾ والمعنى؛ أي: وهم قوم لا يزال الاستكبار عن اعتراف الوحدانية والتعظيم عن قبول الحق دأبهم، كما أن الإنكار سجيتهم.
٢٣ - ثم ذكر وعيدهم على أعمالهم فقال: ﴿لَا جَرَمَ﴾ كلمة مركبة من كلمتين حرفٍ وفعلٍ، فقد ركبت لا مع جرم وجعل كلمةً واحدة، وتلك الكلمة مصدر بمعنى حقًّا، أو فعل بمعنى حقَّ وثبت، وقوله ﴿أَنَّ اللَّهَ﴾ إلخ فاعل بفعل ذلك المصدر المأخوذ من لا جرم، وذلك المصدر منصوب على المفعولية المطلقة؛ أي: حقَّ حقًّا وثبت ثبوتًا ﴿أَنَّ اللَّهَ﴾ سبحانه وتعالى ﴿يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ﴾ عنك من أقوالهم وأفعالهم ﴿وَمَا يُعْلِنُونَ﴾ من ذلك؛ أي: حق وثبت أن الله يعلم ما
(١) المراغي.
171
يسر هؤلاء المشركون من إنكارهم لما قصصته عليك، واستكبارهم على الله تعالى، ويعلم ما يعلنون ويظهرون من كفرهم به وافترائهم عليه، ثم علل سوء صنيعهم بشدة استكبارهم فقال: ﴿إِنَّهُ﴾ تعالى ﴿لَا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ﴾؛ أي: لا يحب هؤلاء الذين يستكبرن عن توحيده، وعن الاستجابة لأنبيائه ورسله، بل يبغضهم أشد البغض وينتقم منهم أعظم الانتقام.
وقرأ عيسى الثقفي: ﴿إنَّ﴾ بكسر الهمزة على الاستئناف والقطع عما قبله، والمعنى (١): أنه لا يحب جنس المستكبرين، سواء كانوا مشركين أو مؤمنين، والاستكبار رفع النفس فوق قدرها وجحود الحق، والفرق بين المتكبر والمستكبر أن التكبر عام لإظهار الكبر الحق، كما في أوصاف الله تعالى، فإنه جاء في أسمائه الحسنى الجبَّار المتكبر، وفي قوله عليه السلام: "التكبُّر على المتكبر صدقةٌ"، ولإظهار الكبر الباطل كما في قوله تعالى: ﴿سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ﴾، والاستكبار إظهار الكبر باطلًا كما في قوله تعالى في حق إبليس ﴿اسْتَكْبَرَ﴾ ومنه ما في هذا المقام.
أخرج مسلم والترمذي وأبو داود وابن ماجه عن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - ﷺ -: "لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر، ولا يدخل النار من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان"، فقال رجل: يا رسول الله الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنًا ونعله حسنة، فقال: "إن الله جميل يحب الجمال، الكبر: بطر الحق وغمص الناس".
وفي "الصحيح": "إن المتكبرين أمثال الذر يوم القيامة يطؤهم الناس بأقدامهم لتكبرهم" وقال العلماء: كل ذنب يمكن ستره وإخفاؤه إلا التكبر، فإنه فسق يلزمه الإعلان، وهو أصل العصيان كله ذكره القرطبي، وحكى أنه (٢) افتخر رجلان عند موسى - عليه السلام - بالنسب والحسب، فقال أحدهما: أنا فلان
وقرأ عيسى الثقفي: ﴿إنَّ﴾ بكسر الهمزة على الاستئناف والقطع عما قبله، والمعنى (١): أنه لا يحب جنس المستكبرين، سواء كانوا مشركين أو مؤمنين، والاستكبار رفع النفس فوق قدرها وجحود الحق، والفرق بين المتكبر والمستكبر أن التكبر عام لإظهار الكبر الحق، كما في أوصاف الله تعالى، فإنه جاء في أسمائه الحسنى الجبَّار المتكبر، وفي قوله عليه السلام: "التكبُّر على المتكبر صدقةٌ"، ولإظهار الكبر الباطل كما في قوله تعالى: ﴿سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ﴾، والاستكبار إظهار الكبر باطلًا كما في قوله تعالى في حق إبليس ﴿اسْتَكْبَرَ﴾ ومنه ما في هذا المقام.
أخرج مسلم والترمذي وأبو داود وابن ماجه عن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - ﷺ -: "لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر، ولا يدخل النار من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان"، فقال رجل: يا رسول الله الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنًا ونعله حسنة، فقال: "إن الله جميل يحب الجمال، الكبر: بطر الحق وغمص الناس".
وفي "الصحيح": "إن المتكبرين أمثال الذر يوم القيامة يطؤهم الناس بأقدامهم لتكبرهم" وقال العلماء: كل ذنب يمكن ستره وإخفاؤه إلا التكبر، فإنه فسق يلزمه الإعلان، وهو أصل العصيان كله ذكره القرطبي، وحكى أنه (٢) افتخر رجلان عند موسى - عليه السلام - بالنسب والحسب، فقال أحدهما: أنا فلان
(١) روح البيان.
(٢) روح البيان.
(٢) روح البيان.
172
ابن فلان حتى عد تسعةً، فأوحى الله تعالى إليه قل له: هم في النار، وأنت عاشرهم، وأنشد بعضهم:
فعليك بالتواضع وعدم الفخر على أحدٍ، فإن التواضع باب من أبواب الجنة، والفخر باب من أبواب النار، واللازم فتح أبواب الجنان وسد أبواب النيران، وتحصيل الفقر المعنوي الذي لمس الفخر في الحقيقة إلا به، فإنه لا يليق المرء بدولة المعنى ورياسة الحال وسلطنة المقام إلا بتحلية ذاته بحلية التواضع وزينة الفناء، اللهم اجعلنا من أهل التواضع لا من أرباب التملق، واجعلنا من أصحاب التحقق بعد التخلق.
الإعراب
﴿أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (١) يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ (٢)﴾.
﴿أَتَى أَمْرُ اللَّهِ﴾: فعل وفاعل ومضاف إليه، والجملة مستأنفة ﴿فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ﴾ ﴿الفاء﴾: حرف عطف وتفريع ﴿لاَ تَسْتَعْجِلُوهُ﴾: جازم وفعل وفاعل ومفعول، والجملة معطوفة على الجملة التي قبلها، ﴿سُبْحَانَهُ﴾: منصوب على المفعولية المطلقة بفعل محذوف وجوبًا، تقديره: أسبحه سبحانًا، أو سبحوه سبحانًا، والجملة مستأنفة، ﴿وَتَعَالَى﴾: فعل ماض، وفاعله ضمير يعود على ﴿اللَّهِ﴾، والجملة معطوفة على جملة التسبيح، ﴿عَمَّا﴾ ﴿عَنْ﴾: حرف جر، ﴿ما﴾ اسم موصول، أو موصوفة في محل الجر بـ ﴿عَنْ﴾، أو ﴿ما﴾ مصدرية، ﴿يُشْرِكُونَ﴾: فعل وفاعل، والجملة صلة لـ ﴿ما﴾ أو صفة لها، والعائد أو الرابط محذوف، تقديره: عمَّا يشركونه به من الأصنام، أو صلةٌ ﴿ما﴾ المصدرية، تقديره: عن إشراكهم، الجار والمجرور متعلق بـ ﴿تَعَالَى﴾ أو بـ ﴿سُبْحَانَهُ﴾ على سبيل التنازع، ﴿يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ﴾: فعل ومفعول، وفاعله ضمير يعود على ﴿اللَّهِ﴾،
وَلاَ تَمْشِ فَوْقَ الأرْضِ إلا تَوَاضُعًا | فَكَمْ تَحْتَهَا قومٌ هُمُ مِنْكَ أَرفَعُ |
فَإِنْ كُنْتَ في عِزٍّ وَحِرْزٍ وَرِفْعَةٍ | فَكَمْ مَات مِنْ قَوْمٍ هُمُ مِنْكَ أَمْنَعُ |
الإعراب
﴿أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (١) يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ (٢)﴾.
﴿أَتَى أَمْرُ اللَّهِ﴾: فعل وفاعل ومضاف إليه، والجملة مستأنفة ﴿فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ﴾ ﴿الفاء﴾: حرف عطف وتفريع ﴿لاَ تَسْتَعْجِلُوهُ﴾: جازم وفعل وفاعل ومفعول، والجملة معطوفة على الجملة التي قبلها، ﴿سُبْحَانَهُ﴾: منصوب على المفعولية المطلقة بفعل محذوف وجوبًا، تقديره: أسبحه سبحانًا، أو سبحوه سبحانًا، والجملة مستأنفة، ﴿وَتَعَالَى﴾: فعل ماض، وفاعله ضمير يعود على ﴿اللَّهِ﴾، والجملة معطوفة على جملة التسبيح، ﴿عَمَّا﴾ ﴿عَنْ﴾: حرف جر، ﴿ما﴾ اسم موصول، أو موصوفة في محل الجر بـ ﴿عَنْ﴾، أو ﴿ما﴾ مصدرية، ﴿يُشْرِكُونَ﴾: فعل وفاعل، والجملة صلة لـ ﴿ما﴾ أو صفة لها، والعائد أو الرابط محذوف، تقديره: عمَّا يشركونه به من الأصنام، أو صلةٌ ﴿ما﴾ المصدرية، تقديره: عن إشراكهم، الجار والمجرور متعلق بـ ﴿تَعَالَى﴾ أو بـ ﴿سُبْحَانَهُ﴾ على سبيل التنازع، ﴿يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ﴾: فعل ومفعول، وفاعله ضمير يعود على ﴿اللَّهِ﴾،
173
والجملة مستأنفة، ﴿بِالرُّوحِ﴾: جار ومجرور حال من ﴿الْمَلَائِكَةَ﴾ أي: حالة كونهم مُتلَبسِينَ بالروح والوحي ﴿مِنْ أَمْرِهِ﴾: جار ومجرور حالٌ من ﴿الرُّوح﴾ ﴿عَلَى مَنْ يَشَاءُ﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿يُنَزِّلُ﴾، ﴿يَشَاءُ﴾: فعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على ﴿اللَّهِ﴾، والجملة صلة الموصول، والعائد محذوف، تقديره: على من يشاؤه، ﴿مِنْ عِبَادِهِ﴾: جار ومجرور ومضاف إليه، حال من الموصول أو من العائد المحذوف. ﴿أَنْ﴾: مفسرة بمعنى: أي، ﴿أَنْذِرُوا﴾: فعل وفاعل، والجملة مفسرة للروح، بمعنى الوحي الدال على القول، وإن شئت قلت: ﴿أَنْ﴾: مصدرية، ﴿أَنْذِرُوا﴾: فعل وفاعل في محل النصب بـ ﴿أَنْ﴾ المصدرية مبني على حذف النون، وجملة ﴿أَنْ﴾ المصدرية مع صلتها في تأويل مصدر مجرور على كونه بدلًا من ﴿الرُّوحِ﴾ تقديره: ينزل الملائكة بالروح من أمره، ينزل الملائكة بإنذارهم للناس، ﴿أنَّه﴾ ﴿أن﴾: حرف نصب، و ﴿الهاء﴾: ضمير الشأن في محل النصب، ﴿لَاَ﴾: نافية تعمل عمل إن ﴿إلَهَ﴾: في محل النصب اسمها، وخبر ﴿لَاَ﴾ محذوف جوازًا تقديره: لا إله موجود، ﴿إِلَاَ﴾: أداة استثناء مفرغ، ﴿أَنَا﴾: ضمير رفع منفصل في محل الرفع بدل من الضمير المستكن في خبر ﴿لَاَ﴾، وجملة ﴿لَا﴾ في محل الرفع خبر ﴿أنَّ﴾، وجملة ﴿أنَّ﴾ في تأويل مصدر منصوب على المفعولية لـ ﴿أَنْذِرُوا﴾ تقديره: أن أنذروا عدم كون إله غيري. ﴿فَاتَّقُونِ﴾ ﴿الفاء﴾ (١): فاء الفصيحة؛ لأنها أفصحت عن جواب شرط مقدر، تقديره: إذا كان الأمر كما ذكر، من جريان عادته تعالى بتنزيل الملائكة على الأنبياء، وأمرهم بأن ينذروا الناس أنه لا شريك له في الألوهية، وأردتم بيان ما هو اللازم لكم.. فأقول لكم: ﴿اتقوا﴾: فعل أمر مبني على حذف النون، والواو فاعل، والنون نون الوقاية، وياء المتكلم المحذوفة اجتزاء عنها بكسرة نون الوقاية في محل النصب مفعول به، والجملة الفعلية في محل النصب مقول لجواب إذا المقدرة، وجملة إذا المقدرة مستأنفة، ويحتمل كون الفاء تفريعية كما في "الشهاب".
(١) الفتوحات.
174
﴿خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ تَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (٣) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ (٤)﴾.
﴿خَلَقَ السَّمَاوَاتِ﴾: فعل ومفعول به، ﴿وَالْأَرْضَ﴾: معطوف على ﴿السَّمَاوَاتِ﴾، وفاعله ضمير يعود على ﴿اللَّهِ﴾، والجملة مستأنفة، ﴿بِالْحَقِّ﴾: جار ومجرور، صفة لمصدر محذوف، تقديره: خلقًا متلبسًا بالحق والحكمة، لا بالعبث، أو في محل النصب حال من فاعل ﴿خَلَقَ﴾؛ أي: حالة كونه محقًّا، ﴿تعالى﴾: فعل ماض، وفاعله ضمير يعود على ﴿الله﴾، والجملة مستأنفة، أو في محل النصب حال ثانية من فاعل ﴿خَلَقَ﴾؛ أي: خلق السموات حالة كونه متعاليًا عن النقائص، ﴿عَمَّا﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿تَعَالَى﴾، وجملة ﴿يُشْرِكُونَ﴾ صلةٌ لـ ﴿ما﴾، أو صفةٌ لها، أو صلة ﴿ما﴾ المصدرية، كما مر آنفًا ﴿خَلَقَ الْإِنْسَانَ﴾: فعل ومفعول، وفاعله ضمير يعود على ﴿الله﴾، والجملة مستأنفة، ﴿مِنْ نُطْفَةٍ﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿خَلَقَ﴾، ﴿فَإذَا﴾ ﴿الفاء﴾: حرف عطف وتعقيب ﴿إذا﴾: حرف مفاجأة ﴿هُوَ خَصِيمٌ﴾: مبتدأ وخبر ﴿مُبِينٌ﴾: صفة ﴿خَصِيمٌ﴾، والجملة الاسمية معطوفة على جملة ﴿خَلَقَ الْإِنْسَانَ﴾.
﴿وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ (٥) وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ (٦)﴾.
﴿وَالْأَنْعَامَ﴾: مفعول بفعل محذوف وجوبًا يفسره المذكور بعده، تقديره: وأوجد الأنعام، والجملة مستأنفة، ﴿خَلَقَهَا﴾: فعل ومفعول، وفاعله ضمير يعود على ﴿اللَّهِ﴾، والجملة الفعلية جملة مفسرة، لا محلَّ لها من الإعراب. ﴿لَكُمْ﴾: جار ومجرور، متعلق بـ ﴿خَلَق﴾ ﴿فِيهَا﴾: خبر مقدم، ﴿دِفْءٌ﴾: مبتدأ مؤخر، والجملة الاسمية في محل النصب حالٌ من ﴿الْأَنْعَامَ﴾، أو من الضمير المنصوب، ﴿وَمَنَافِعُ﴾: معطوف على ﴿دِفْءٌ﴾ ﴿وَمِنْهَا﴾: متعلق بما بعده، وجملة ﴿تَأْكُلُونَ﴾ في محل النصب معطوفة على جملة قوله: ﴿فِيهَا دِفْءٌ﴾. ﴿وَلَكُمْ﴾: جار ومجرور خبر مقدم، ﴿فِيهَا﴾ جار ومجرور متعلق بالاستقرار الذي تعلق به الخبر، أو حال من ﴿جَمَالٌ﴾، ﴿جَمَالٌ﴾: مبتدأ مؤخر،
﴿خَلَقَ السَّمَاوَاتِ﴾: فعل ومفعول به، ﴿وَالْأَرْضَ﴾: معطوف على ﴿السَّمَاوَاتِ﴾، وفاعله ضمير يعود على ﴿اللَّهِ﴾، والجملة مستأنفة، ﴿بِالْحَقِّ﴾: جار ومجرور، صفة لمصدر محذوف، تقديره: خلقًا متلبسًا بالحق والحكمة، لا بالعبث، أو في محل النصب حال من فاعل ﴿خَلَقَ﴾؛ أي: حالة كونه محقًّا، ﴿تعالى﴾: فعل ماض، وفاعله ضمير يعود على ﴿الله﴾، والجملة مستأنفة، أو في محل النصب حال ثانية من فاعل ﴿خَلَقَ﴾؛ أي: خلق السموات حالة كونه متعاليًا عن النقائص، ﴿عَمَّا﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿تَعَالَى﴾، وجملة ﴿يُشْرِكُونَ﴾ صلةٌ لـ ﴿ما﴾، أو صفةٌ لها، أو صلة ﴿ما﴾ المصدرية، كما مر آنفًا ﴿خَلَقَ الْإِنْسَانَ﴾: فعل ومفعول، وفاعله ضمير يعود على ﴿الله﴾، والجملة مستأنفة، ﴿مِنْ نُطْفَةٍ﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿خَلَقَ﴾، ﴿فَإذَا﴾ ﴿الفاء﴾: حرف عطف وتعقيب ﴿إذا﴾: حرف مفاجأة ﴿هُوَ خَصِيمٌ﴾: مبتدأ وخبر ﴿مُبِينٌ﴾: صفة ﴿خَصِيمٌ﴾، والجملة الاسمية معطوفة على جملة ﴿خَلَقَ الْإِنْسَانَ﴾.
﴿وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ (٥) وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ (٦)﴾.
﴿وَالْأَنْعَامَ﴾: مفعول بفعل محذوف وجوبًا يفسره المذكور بعده، تقديره: وأوجد الأنعام، والجملة مستأنفة، ﴿خَلَقَهَا﴾: فعل ومفعول، وفاعله ضمير يعود على ﴿اللَّهِ﴾، والجملة الفعلية جملة مفسرة، لا محلَّ لها من الإعراب. ﴿لَكُمْ﴾: جار ومجرور، متعلق بـ ﴿خَلَق﴾ ﴿فِيهَا﴾: خبر مقدم، ﴿دِفْءٌ﴾: مبتدأ مؤخر، والجملة الاسمية في محل النصب حالٌ من ﴿الْأَنْعَامَ﴾، أو من الضمير المنصوب، ﴿وَمَنَافِعُ﴾: معطوف على ﴿دِفْءٌ﴾ ﴿وَمِنْهَا﴾: متعلق بما بعده، وجملة ﴿تَأْكُلُونَ﴾ في محل النصب معطوفة على جملة قوله: ﴿فِيهَا دِفْءٌ﴾. ﴿وَلَكُمْ﴾: جار ومجرور خبر مقدم، ﴿فِيهَا﴾ جار ومجرور متعلق بالاستقرار الذي تعلق به الخبر، أو حال من ﴿جَمَالٌ﴾، ﴿جَمَالٌ﴾: مبتدأ مؤخر،
175
والجملة الاسمية في محل النصب معطوفة على جملة قوله: ﴿فِيهَا دِفْءٌ﴾، ﴿حِينَ﴾: منصوب على الظرفية الزمانية، وجملة ﴿تُرِيحُونَ﴾ في محل الجر مضاف إليه لـ ﴿حِينَ﴾، والظرف متعلق بـ ﴿جَمَالٌ﴾ لأنه بمعنى تجمل، أو صفة له، ﴿وَحِينَ تَسْرَحُونَ﴾ معطوف على ﴿حِينَ تُرِيحُونَ﴾.
﴿وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (٧)﴾.
﴿وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ﴾ فعل ومفعول، وفاعله ضمير يعود على ﴿الأنعام﴾، والجملة مستأنفة، ﴿إِلَى بَلَدٍ﴾: جار ومجرور، متعلق بـ ﴿تحمل﴾. ﴿لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ﴾: جازم وفعل ناقص واسمه وخبره ومضاف إليه، والجملة الفعلية في محل الجر صفة لـ ﴿بَلَدٍ﴾، ﴿إِلَّا﴾: أداة استثناء مفرغ، ﴿بِشِقِّ الْأَنْفُسِ﴾ جار ومجرور ومضاف إليه، حال من الضمير المستكن في ﴿بَالِغِيهِ﴾ مشقوقًا عليكم. ﴿إِنَّ رَبَّكُمْ﴾: ناصب واسمه، ﴿لَرَءُوفٌ﴾ خبره، و ﴿اللام﴾: حرف ابتداء، ﴿رَحِيمٌ﴾: صفة ﴿رؤوف﴾، أو خبر ثان، وجملة ﴿إنَّ﴾ مستأنفة مسوقة لتعليل ما قبلها.
﴿وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (٨)﴾.
﴿وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ﴾ معطوفات على ﴿الأنعام﴾. ﴿لِتَرْكَبُوهَا﴾ ﴿اللام﴾ حرف جر وتعليل ﴿تركبوها﴾: فعل وفاعل ومفعول منصوب بأن مضمرة بعد لام التعليل، والجملة في تأويل مصدر مجرور بلام التعليل، والجار والمجرور متعلق بـ ﴿خَلَق﴾؛ أي: وخلق الخيل والبغال والحمير لركوبكم إياها، ﴿وَزِينَةً﴾: مفعول (١) مطلق لفعل محذوف، معطوف على ﴿لِتَرْكَبُوهَا﴾؛ أي: وخلقها لتركبوها، ولتتزينوا بها زينة، ويجوز أن يكون مفعولًا لأجله؛ أي: وللزينة، وقيل التقدير: وجعلها زينةً، ويقرأ بغير واو، وفيه الوجوه المذكور، وفيها وجهان آخران:
﴿وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (٧)﴾.
﴿وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ﴾ فعل ومفعول، وفاعله ضمير يعود على ﴿الأنعام﴾، والجملة مستأنفة، ﴿إِلَى بَلَدٍ﴾: جار ومجرور، متعلق بـ ﴿تحمل﴾. ﴿لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ﴾: جازم وفعل ناقص واسمه وخبره ومضاف إليه، والجملة الفعلية في محل الجر صفة لـ ﴿بَلَدٍ﴾، ﴿إِلَّا﴾: أداة استثناء مفرغ، ﴿بِشِقِّ الْأَنْفُسِ﴾ جار ومجرور ومضاف إليه، حال من الضمير المستكن في ﴿بَالِغِيهِ﴾ مشقوقًا عليكم. ﴿إِنَّ رَبَّكُمْ﴾: ناصب واسمه، ﴿لَرَءُوفٌ﴾ خبره، و ﴿اللام﴾: حرف ابتداء، ﴿رَحِيمٌ﴾: صفة ﴿رؤوف﴾، أو خبر ثان، وجملة ﴿إنَّ﴾ مستأنفة مسوقة لتعليل ما قبلها.
﴿وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (٨)﴾.
﴿وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ﴾ معطوفات على ﴿الأنعام﴾. ﴿لِتَرْكَبُوهَا﴾ ﴿اللام﴾ حرف جر وتعليل ﴿تركبوها﴾: فعل وفاعل ومفعول منصوب بأن مضمرة بعد لام التعليل، والجملة في تأويل مصدر مجرور بلام التعليل، والجار والمجرور متعلق بـ ﴿خَلَق﴾؛ أي: وخلق الخيل والبغال والحمير لركوبكم إياها، ﴿وَزِينَةً﴾: مفعول (١) مطلق لفعل محذوف، معطوف على ﴿لِتَرْكَبُوهَا﴾؛ أي: وخلقها لتركبوها، ولتتزينوا بها زينة، ويجوز أن يكون مفعولًا لأجله؛ أي: وللزينة، وقيل التقدير: وجعلها زينةً، ويقرأ بغير واو، وفيه الوجوه المذكور، وفيها وجهان آخران:
(١) العكبري.
176
أحدهما أن يكون مصدرًا في موضع الحال من الضمير في ﴿تركبوا﴾.
والثاني: أن تكون حالًا من الهاء؛ أي: لتركبوها تزينًا بها، ﴿وَيَخْلُقُ مَا﴾: فعل ومفعول، وفاعل ضمير يعود على ﴿اللَّهِ﴾، والجملة مستأنفة، ﴿لَا تَعْلَمُونَ﴾: فعل وفاعل، والجملة صلة لـ ﴿مَا﴾ أو صفة لها، والعائد أو الرابط المفعول المحذوف؛ أي: ما لا تعلمونه.
﴿وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْهَا جَائِرٌ وَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ (٩)﴾.
﴿وَعَلَى اللَّهِ﴾: خبر مقدم، ﴿قَصْدُ السَّبِيلِ﴾: مبتدأ مؤخر، والجملة مستأنفة، وهو من إضافة الصفة إلى الموصوف، والمعنى: وعلى الله بيان السبيل القصد وهو الإِسلام، والقصد بمعنى المقصود كما في "الجَمَل"، ﴿وَمِنْهَا﴾: خبر مقدم، ﴿جَائِرٌ﴾: مبتدأ مؤخر، والجملة مستأنفة، وهو صفة لموصوف محذوف؛ أي: ومنها سبيل جائر، والسبيل: تذكر وتؤنث، ﴿وَلَوْ﴾: حرف شرط، ﴿شَاءَ﴾: فعل ماض، وفاعله ضمير يعود على ﴿اللَّهِ﴾، والجملة فعل شرط لـ ﴿لَوْ﴾، ﴿لَهَدَاكُمْ﴾ ﴿اللام﴾: رابطة لجواب ﴿لَوْ﴾، ﴿هداكم﴾: فعل ومفعول، وفعله ضمير يعود على ﴿اللَّهِ﴾. ﴿أَجْمَعِينَ﴾ تأكيد لضمير المفعول، والجملة جواب ﴿لو﴾، وجملة ﴿لو﴾ مستأنفة.
﴿هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ (١٠)﴾.
﴿هُوَ الَّذِي﴾: مبتدأ وخبر والجملة مستأنفة، ﴿أَنْزَلَ﴾: فعل ماضي، وفاعله ضمير يعود على الموصول، ﴿مِنَ السَّمَاءِ﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿أَنْزَلَ﴾، ﴿مَاءً﴾: مفعول به، والجملة الفعلية صلة الموصول، ﴿لَكُمْ﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿أَنْزَلَ﴾ أو صفة لـ ﴿مَاءً﴾، ﴿مِنْهُ﴾: خبر مقدم، ﴿شَرَابٌ﴾: مبتدأ مؤخر، والجملة الاسمية في محل النصب صفة لـ ﴿مَاءً﴾ أو مستأنفة و ﴿من﴾ في قوله: ﴿منه﴾ ابتدائية، ويصح أن يكون ﴿لَكُمْ﴾ خبرًا مقدمًا لـ ﴿شَرَابٌ﴾، ﴿وَمِنْهُ﴾: حال من الضمير المستكن في الخبر كما في "روح البيان" و ﴿مِنْ﴾ فيه
والثاني: أن تكون حالًا من الهاء؛ أي: لتركبوها تزينًا بها، ﴿وَيَخْلُقُ مَا﴾: فعل ومفعول، وفاعل ضمير يعود على ﴿اللَّهِ﴾، والجملة مستأنفة، ﴿لَا تَعْلَمُونَ﴾: فعل وفاعل، والجملة صلة لـ ﴿مَا﴾ أو صفة لها، والعائد أو الرابط المفعول المحذوف؛ أي: ما لا تعلمونه.
﴿وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْهَا جَائِرٌ وَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ (٩)﴾.
﴿وَعَلَى اللَّهِ﴾: خبر مقدم، ﴿قَصْدُ السَّبِيلِ﴾: مبتدأ مؤخر، والجملة مستأنفة، وهو من إضافة الصفة إلى الموصوف، والمعنى: وعلى الله بيان السبيل القصد وهو الإِسلام، والقصد بمعنى المقصود كما في "الجَمَل"، ﴿وَمِنْهَا﴾: خبر مقدم، ﴿جَائِرٌ﴾: مبتدأ مؤخر، والجملة مستأنفة، وهو صفة لموصوف محذوف؛ أي: ومنها سبيل جائر، والسبيل: تذكر وتؤنث، ﴿وَلَوْ﴾: حرف شرط، ﴿شَاءَ﴾: فعل ماض، وفاعله ضمير يعود على ﴿اللَّهِ﴾، والجملة فعل شرط لـ ﴿لَوْ﴾، ﴿لَهَدَاكُمْ﴾ ﴿اللام﴾: رابطة لجواب ﴿لَوْ﴾، ﴿هداكم﴾: فعل ومفعول، وفعله ضمير يعود على ﴿اللَّهِ﴾. ﴿أَجْمَعِينَ﴾ تأكيد لضمير المفعول، والجملة جواب ﴿لو﴾، وجملة ﴿لو﴾ مستأنفة.
﴿هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ (١٠)﴾.
﴿هُوَ الَّذِي﴾: مبتدأ وخبر والجملة مستأنفة، ﴿أَنْزَلَ﴾: فعل ماضي، وفاعله ضمير يعود على الموصول، ﴿مِنَ السَّمَاءِ﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿أَنْزَلَ﴾، ﴿مَاءً﴾: مفعول به، والجملة الفعلية صلة الموصول، ﴿لَكُمْ﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿أَنْزَلَ﴾ أو صفة لـ ﴿مَاءً﴾، ﴿مِنْهُ﴾: خبر مقدم، ﴿شَرَابٌ﴾: مبتدأ مؤخر، والجملة الاسمية في محل النصب صفة لـ ﴿مَاءً﴾ أو مستأنفة و ﴿من﴾ في قوله: ﴿منه﴾ ابتدائية، ويصح أن يكون ﴿لَكُمْ﴾ خبرًا مقدمًا لـ ﴿شَرَابٌ﴾، ﴿وَمِنْهُ﴾: حال من الضمير المستكن في الخبر كما في "روح البيان" و ﴿مِنْ﴾ فيه
177
تبعيضية على هذا الوجه، ﴿وَمِنْهُ﴾: خبر مقدم، وهي هنا سببية، ﴿شَجَرٌ﴾: مبتدأ مؤخر، والجملة معطوفة على الجملة التي قبلها، ﴿فِيهِ﴾: متعلق بما بعده، ﴿تُسِيمُونَ﴾: فعل وفاعل، والجملة الفعلية صفة لـ ﴿شَجَرٌ﴾.
﴿يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنَابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (١١)﴾.
﴿يُنْبِتُ﴾: فعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على ﴿اللَّهِ﴾، والجملة مستأنفة، ﴿لَكُمْ﴾: متعلق بـ ﴿يُنْبِتُ﴾ وكذا تعلق به قوله ﴿بِهِ﴾، أي: بسببه، ﴿الزَّرْعَ﴾: مفعول به، ﴿وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنَابَ﴾: معطوفات على الزرع. ﴿وَمِنْ﴾ ﴿الواو﴾: عاطفة، و ﴿مِنْ﴾ زائدةٌ على رأي الكوفيين، ﴿كُلِّ الثَّمَرَاتِ﴾: معطوف على ﴿الزَّرْعَ﴾، أو ﴿وَمِنْ﴾ اسم بمعنى بعض معطوف على ﴿الزَّرْعَ﴾ على رأي البصريين، ﴿كُلِّ الثَّمَرَاتِ﴾ مضاف إليه كذا في "روح البيان". ﴿إِنَّ﴾: حرف نصب، ﴿فِي ذَلِكَ﴾: خبرها مقدم، ﴿لَآيَةً﴾: اسمها مؤخر، و ﴿اللام﴾ حرف ابتداء، ﴿لِقَوْمٍ﴾: جار ومجرور صفةٌ ﴿لَآيَةً﴾، وجملة ﴿يَتَفَكَّرُونَ﴾: صفة لـ ﴿لِقَوْمٍ﴾، وجملة ﴿إنَّ﴾ مستأنفة.
﴿وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (١٢)﴾.
﴿وَسَخَّرَ﴾: فعل ماض، وفعله ضمير يعود على ﴿اللَّهِ﴾، والجملة مستأنفة، ﴿لَكُمُ﴾: متعلق به، ﴿اللَّيْلَ﴾: مفعول به، ﴿وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ﴾: معطوفات على ﴿اللَّيْلَ﴾، ﴿وَالنُّجُومُ﴾ عل قراءة النصب معطوف على ﴿اللَّيْلَ﴾ أيضًا، ﴿مُسَخَّرَاتٌ﴾: حال من الجميع، ﴿بِأَمْرِهِ﴾: متعلق بـ ﴿مُسَخَّرَاتٌ﴾، وعلى قراءة الرفع ﴿النجوم﴾: مبتدأ، ﴿مُسَخَّرَاتٌ﴾، خبره، والجملة الاسمية معطوفة على الجملة الفعلية ﴿إِنَّ﴾: حرف نصب، ﴿فِي ذَلِكَ﴾: خبرها مقدم لـ ﴿لَآيَاتٍ﴾ اسمها مؤخر، و ﴿اللام﴾ حرف ابتداء، ﴿لِقَوْمٍ﴾: صفة لـ ﴿لَآيَاتٍ﴾، وجملة ﴿يَعْقِلُونَ﴾ صفة لـ ﴿لِقَوْمٍ﴾ وجملة ﴿إِنَّ﴾ مستأنفة.
﴿يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنَابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (١١)﴾.
﴿يُنْبِتُ﴾: فعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على ﴿اللَّهِ﴾، والجملة مستأنفة، ﴿لَكُمْ﴾: متعلق بـ ﴿يُنْبِتُ﴾ وكذا تعلق به قوله ﴿بِهِ﴾، أي: بسببه، ﴿الزَّرْعَ﴾: مفعول به، ﴿وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنَابَ﴾: معطوفات على الزرع. ﴿وَمِنْ﴾ ﴿الواو﴾: عاطفة، و ﴿مِنْ﴾ زائدةٌ على رأي الكوفيين، ﴿كُلِّ الثَّمَرَاتِ﴾: معطوف على ﴿الزَّرْعَ﴾، أو ﴿وَمِنْ﴾ اسم بمعنى بعض معطوف على ﴿الزَّرْعَ﴾ على رأي البصريين، ﴿كُلِّ الثَّمَرَاتِ﴾ مضاف إليه كذا في "روح البيان". ﴿إِنَّ﴾: حرف نصب، ﴿فِي ذَلِكَ﴾: خبرها مقدم، ﴿لَآيَةً﴾: اسمها مؤخر، و ﴿اللام﴾ حرف ابتداء، ﴿لِقَوْمٍ﴾: جار ومجرور صفةٌ ﴿لَآيَةً﴾، وجملة ﴿يَتَفَكَّرُونَ﴾: صفة لـ ﴿لِقَوْمٍ﴾، وجملة ﴿إنَّ﴾ مستأنفة.
﴿وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (١٢)﴾.
﴿وَسَخَّرَ﴾: فعل ماض، وفعله ضمير يعود على ﴿اللَّهِ﴾، والجملة مستأنفة، ﴿لَكُمُ﴾: متعلق به، ﴿اللَّيْلَ﴾: مفعول به، ﴿وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ﴾: معطوفات على ﴿اللَّيْلَ﴾، ﴿وَالنُّجُومُ﴾ عل قراءة النصب معطوف على ﴿اللَّيْلَ﴾ أيضًا، ﴿مُسَخَّرَاتٌ﴾: حال من الجميع، ﴿بِأَمْرِهِ﴾: متعلق بـ ﴿مُسَخَّرَاتٌ﴾، وعلى قراءة الرفع ﴿النجوم﴾: مبتدأ، ﴿مُسَخَّرَاتٌ﴾، خبره، والجملة الاسمية معطوفة على الجملة الفعلية ﴿إِنَّ﴾: حرف نصب، ﴿فِي ذَلِكَ﴾: خبرها مقدم لـ ﴿لَآيَاتٍ﴾ اسمها مؤخر، و ﴿اللام﴾ حرف ابتداء، ﴿لِقَوْمٍ﴾: صفة لـ ﴿لَآيَاتٍ﴾، وجملة ﴿يَعْقِلُونَ﴾ صفة لـ ﴿لِقَوْمٍ﴾ وجملة ﴿إِنَّ﴾ مستأنفة.
178
﴿وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ (١٣)﴾.
﴿وَمَا﴾: موصولة، أو موصوفة في محل النصب معطوفة على ﴿اللَّيْلَ﴾ على ما ذكره الزمخشري، أو منصوب بفعل محذوف تقديره: وخلق لكم ما ذرأ لكم، على ما ذكره أبو البقاء، ﴿ذَرَأَ﴾: فعل ماض، وفاعله ضمير يعود على ﴿اللَّهِ﴾ ﴿لكم﴾: متعلق به، وكذا يتعلَّق به قوله: ﴿في الأرض﴾، والجملة الفعلية صلة لـ ﴿ما﴾ أو صفة لها، والعائد أو الرابط محذوف تقديره: وما ذرأ لكم في الأرض ﴿مُخْتَلِفًا﴾ حال من ما الموصولة، أو من العائد المحذوف، ﴿أَلْوَانُهُ﴾: فاعل ﴿مُخْتَلِفًا﴾، ﴿إِنَّ﴾: حرف نصب ﴿فِي ذَلِكَ﴾: خبرها مقدم، ﴿لَآيَةً﴾: اسمها، ﴿لِقَوْمٍ﴾: صفة ﴿لَآيَةً﴾، ﴿يَذَّكَّرُونَ﴾: صفة لـ ﴿لِقَوْمٍ﴾، وجملة ﴿إِنَّ﴾ مستأنفة.
﴿وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (١٤)﴾.
﴿وَهُوَ الَّذِي﴾: مبتدأ وخبر، والجملة مستأنفة، ﴿سَخَّرَ الْبَحْرَ﴾: فعل ومفعول، وفاعله ضمير يعود على الموصول، والجملة صلة الموصول، ﴿لِتَأْكُلُوا﴾ ﴿اللام﴾: لام كي، ﴿تأكلوا﴾: فعل وفاعل منصوب بأن مضمرة بعد لام كي، ﴿مِنْهُ﴾: جار ومجرور، متعلق بـ ﴿تأكلوا﴾ و ﴿من﴾ لابتداء الغاية، ﴿لَحْمًا﴾: مفعول به، ﴿طَرِيًّا﴾: صفة ﴿لَحْمًا﴾، والجملة الفعلية مع أن المضمرة في تأويل مصدر مجرور باللام، تقديره: لأكلكم منه، الجار والمجرور متعلق بـ ﴿سَخَّرَ﴾، ﴿وَتَسْتَخْرِجُوا﴾: فعل وفاعل، معطوف على ﴿تأكلوا﴾، ﴿مِنهُ﴾: متعلق به، ﴿حِلْيَةً﴾: مفعول به، ﴿تَلْبَسُونَهَا﴾: فعل وفاعل ومفعول، والجملة صفة لـ ﴿حِلْيَةً﴾، ﴿وَتَرَى الْفُلْكَ﴾: فعل ومفعول، وفاعله ضمير يعود على المخاطب، ﴿مَوَاخِرَ﴾: حال من ﴿الْفُلْكَ﴾ لأن رأى هنا بصرية تتعدى لمفعول واحد ﴿فِيهِ﴾: متعلق بـ ﴿مَوَاخِرَ﴾ والجملة الفعلية معترضة، لاعتراضها بين
﴿وَمَا﴾: موصولة، أو موصوفة في محل النصب معطوفة على ﴿اللَّيْلَ﴾ على ما ذكره الزمخشري، أو منصوب بفعل محذوف تقديره: وخلق لكم ما ذرأ لكم، على ما ذكره أبو البقاء، ﴿ذَرَأَ﴾: فعل ماض، وفاعله ضمير يعود على ﴿اللَّهِ﴾ ﴿لكم﴾: متعلق به، وكذا يتعلَّق به قوله: ﴿في الأرض﴾، والجملة الفعلية صلة لـ ﴿ما﴾ أو صفة لها، والعائد أو الرابط محذوف تقديره: وما ذرأ لكم في الأرض ﴿مُخْتَلِفًا﴾ حال من ما الموصولة، أو من العائد المحذوف، ﴿أَلْوَانُهُ﴾: فاعل ﴿مُخْتَلِفًا﴾، ﴿إِنَّ﴾: حرف نصب ﴿فِي ذَلِكَ﴾: خبرها مقدم، ﴿لَآيَةً﴾: اسمها، ﴿لِقَوْمٍ﴾: صفة ﴿لَآيَةً﴾، ﴿يَذَّكَّرُونَ﴾: صفة لـ ﴿لِقَوْمٍ﴾، وجملة ﴿إِنَّ﴾ مستأنفة.
﴿وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (١٤)﴾.
﴿وَهُوَ الَّذِي﴾: مبتدأ وخبر، والجملة مستأنفة، ﴿سَخَّرَ الْبَحْرَ﴾: فعل ومفعول، وفاعله ضمير يعود على الموصول، والجملة صلة الموصول، ﴿لِتَأْكُلُوا﴾ ﴿اللام﴾: لام كي، ﴿تأكلوا﴾: فعل وفاعل منصوب بأن مضمرة بعد لام كي، ﴿مِنْهُ﴾: جار ومجرور، متعلق بـ ﴿تأكلوا﴾ و ﴿من﴾ لابتداء الغاية، ﴿لَحْمًا﴾: مفعول به، ﴿طَرِيًّا﴾: صفة ﴿لَحْمًا﴾، والجملة الفعلية مع أن المضمرة في تأويل مصدر مجرور باللام، تقديره: لأكلكم منه، الجار والمجرور متعلق بـ ﴿سَخَّرَ﴾، ﴿وَتَسْتَخْرِجُوا﴾: فعل وفاعل، معطوف على ﴿تأكلوا﴾، ﴿مِنهُ﴾: متعلق به، ﴿حِلْيَةً﴾: مفعول به، ﴿تَلْبَسُونَهَا﴾: فعل وفاعل ومفعول، والجملة صفة لـ ﴿حِلْيَةً﴾، ﴿وَتَرَى الْفُلْكَ﴾: فعل ومفعول، وفاعله ضمير يعود على المخاطب، ﴿مَوَاخِرَ﴾: حال من ﴿الْفُلْكَ﴾ لأن رأى هنا بصرية تتعدى لمفعول واحد ﴿فِيهِ﴾: متعلق بـ ﴿مَوَاخِرَ﴾ والجملة الفعلية معترضة، لاعتراضها بين
179
المعطوف الذي هو ﴿لتبتغوا﴾ والمعطوف عليه الذي هو ﴿لِتَأْكُلُوا﴾، ﴿وَلِتَبْتَغُوا﴾: فعل وفاعل، منصوب بأن مضمرة بعد لام كي ﴿مِنْ فَضْلِهِ﴾: متعلق به، والجملة معطوفة على جملة ﴿لِتَأْكُلُوا مِنْهُ﴾، ﴿وَلَعَلَّكُمْ﴾: ناصب واسمه، وجملة ﴿تَشْكُرُونَ﴾ خبره، وجملة ﴿لعلَّ﴾ معطوفة على جملة ﴿لِتَأْكُلُوا﴾ لأنها تعليلية.
﴿وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَارًا وَسُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (١٥) وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ (١٦)﴾:
﴿وَأَلْقَى﴾: فعل ماض، وفاعله ضمير يعود على ﴿اللهِ﴾، ﴿فِي الْأَرْضِ﴾: متعلق به، والجملة الفعلية معطوفة على جملة ﴿سَخَّرَ﴾، أو مستأنفة، ﴿رَوَاسِيَ﴾: صفة لمفعول محذوف؛ أي: جبالًا رواسي، ولم ينون لأنه اسم لا ينصرف، لكونه على زنة مفاعل، ﴿أَن﴾: حرف نصب ومصدر، ﴿تَمِيدَ﴾: فعل مضارع منصوب بـ ﴿أَن﴾ وفاعله ضمير يعود على ﴿الْأَرْضِ﴾، ﴿بِكُمْ﴾: متعلق به، والجملة الفعلية مع أن المضمرة في تأويل مصدر مجرور بإضافة المصدر المقدر الواقع مفعولًا لأجله، والتقدير: وألقى في الأرض رواسي خشية ميدها وتحركها بكم، ﴿وَأَنْهَارًا وَسُبُلًا﴾: معطوفان على ﴿رَوَاسِيَ﴾، ولكنه على تأويل ﴿ألقى﴾ بمعنى خلق، ﴿لَعَلَّكُمْ﴾: ناصب واسمه، وجملة ﴿تَهتَدُونَ﴾ خبره، وجملة ﴿لعلَّ﴾ مستأنفة مسوقة لتعليل ما قبلها، ﴿وَعَلَامَاتٍ﴾: معطوف على ﴿رَوَاسِيَ﴾ أيضًا، ﴿وَبِالنَّجْمِ﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿يَهْتَدُونَ﴾، ﴿هُمْ﴾: مبتدأ، وجملة ﴿يَهْتَدُونَ﴾: خبره، والجملة الاسمية مستأنفة.
﴿أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (١٧)﴾.
﴿أَفَمَن﴾ ﴿الهمزة﴾: للاستفهام الإنكاري داخلة على محذوف، و ﴿الفاء﴾: عاطفة على ذلك المحذوف، والتقدير: أتتصور المشابهة والمشاركة بين الخالق وغيره بعد ظهور الدلائل، ﴿مَنْ﴾: اسم موصول في محل الرفع مبتدأ، ﴿يَخلُقُ﴾: فعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على ﴿من﴾، والجملة صلة الموصول،
﴿وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَارًا وَسُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (١٥) وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ (١٦)﴾:
﴿وَأَلْقَى﴾: فعل ماض، وفاعله ضمير يعود على ﴿اللهِ﴾، ﴿فِي الْأَرْضِ﴾: متعلق به، والجملة الفعلية معطوفة على جملة ﴿سَخَّرَ﴾، أو مستأنفة، ﴿رَوَاسِيَ﴾: صفة لمفعول محذوف؛ أي: جبالًا رواسي، ولم ينون لأنه اسم لا ينصرف، لكونه على زنة مفاعل، ﴿أَن﴾: حرف نصب ومصدر، ﴿تَمِيدَ﴾: فعل مضارع منصوب بـ ﴿أَن﴾ وفاعله ضمير يعود على ﴿الْأَرْضِ﴾، ﴿بِكُمْ﴾: متعلق به، والجملة الفعلية مع أن المضمرة في تأويل مصدر مجرور بإضافة المصدر المقدر الواقع مفعولًا لأجله، والتقدير: وألقى في الأرض رواسي خشية ميدها وتحركها بكم، ﴿وَأَنْهَارًا وَسُبُلًا﴾: معطوفان على ﴿رَوَاسِيَ﴾، ولكنه على تأويل ﴿ألقى﴾ بمعنى خلق، ﴿لَعَلَّكُمْ﴾: ناصب واسمه، وجملة ﴿تَهتَدُونَ﴾ خبره، وجملة ﴿لعلَّ﴾ مستأنفة مسوقة لتعليل ما قبلها، ﴿وَعَلَامَاتٍ﴾: معطوف على ﴿رَوَاسِيَ﴾ أيضًا، ﴿وَبِالنَّجْمِ﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿يَهْتَدُونَ﴾، ﴿هُمْ﴾: مبتدأ، وجملة ﴿يَهْتَدُونَ﴾: خبره، والجملة الاسمية مستأنفة.
﴿أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (١٧)﴾.
﴿أَفَمَن﴾ ﴿الهمزة﴾: للاستفهام الإنكاري داخلة على محذوف، و ﴿الفاء﴾: عاطفة على ذلك المحذوف، والتقدير: أتتصور المشابهة والمشاركة بين الخالق وغيره بعد ظهور الدلائل، ﴿مَنْ﴾: اسم موصول في محل الرفع مبتدأ، ﴿يَخلُقُ﴾: فعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على ﴿من﴾، والجملة صلة الموصول،
180
﴿كَمَن﴾: جار ومجرور خبر المبتدأ، ﴿لَا يَخْلُقُ﴾: فعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على ﴿مَنْ﴾، والجملة صلة ﴿مَنْ﴾ الموصولة والجملة الاسمية معطوفة على الجملة المحذوفة، ﴿أفَلَا﴾ ﴿الهمزة﴾: للاستفام التوبيخي داخلةٌ على محذوف، و ﴿الفاء﴾: عاطفة على ذلك المحذوف، ﴿لا﴾: نافية، ﴿تَذَكَّرُونَ﴾: فعل وفاعل، والجملة الفعلية معطوفة على الجملة المحذوفة، والتقدير: ألا تلاحظون القدرة الباهرة للخالق سبحانه والعجز الظاهر للأصنام فلا تذكرون ذلك، فتعرفون فساد ما أنتم عليه، كما مرَّ في مبحث التفسير.
﴿وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (١٨) وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ (١٩)﴾.
﴿وَإِن﴾ ﴿الواو﴾: استئنافية، ﴿إِن تعدوا نعمة الله﴾: جازم وفعل وفاعل ومفعولي ومضاف إليه، مجزوم بـ ﴿إنْ﴾ الشرطية على كونه فعل شرط لها، ﴿لَا تُحْصُوهَا﴾: ناف وفعل وفاعل ومفعول، مجزوم بـ ﴿إن﴾ الشرطية على كونه جوابًا لها، وجملة ﴿إنْ﴾ الشرطية مستأنفة، ﴿إِنَّ اللَّهَ﴾: ناصب واسمه، ﴿لَغَفُورٌ﴾: خبره، و ﴿اللام﴾: حرف ابتداء، ﴿رَحِيمٌ﴾: صفة ﴿غفور﴾ أو خبر ثان، وجملة ﴿إِنَّ﴾ مستأنفة مسوقة لتعليل ما قبلها، ﴿وَاللَّهُ﴾: مبتدأ، وجملة ﴿يَعْلَمُ﴾ خبره، والجملة الاسمية مستأنفة ﴿مَا﴾: اسم موصول، أو نكرة موصوفة في محل النصب مفعول به؛ لأنَّ علم هنا بمعنى عرف، ﴿تُسِرُّونَ﴾: فعل وفاعل، والجملة صلة لـ ﴿مَا﴾ أو صفة لها، والعائد أو الرابط محذوف، تقديره: يعلم ما تسرون، ﴿وَمَا تُعْلِنُونَ﴾: معطوف على ﴿مَا تُسِرُّونَ﴾، ويجري فيه من الإعراب ما جرى فيه.
﴿وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ (٢٠) أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ (٢١)﴾.
﴿وَالَّذِينَ﴾: مبتدأ، ﴿يَدْعُونَ﴾: فعل وفاعل، والجملة صلة الموصول، العائد محذف تقديره: والأصنام الذين يدعونهم ﴿مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾: جار ومجرور، حال من فاعل ﴿يَدْعُونَ﴾؛ أي: حالة كونهم متجاوزين الله في دعائهم إلى
﴿وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (١٨) وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ (١٩)﴾.
﴿وَإِن﴾ ﴿الواو﴾: استئنافية، ﴿إِن تعدوا نعمة الله﴾: جازم وفعل وفاعل ومفعولي ومضاف إليه، مجزوم بـ ﴿إنْ﴾ الشرطية على كونه فعل شرط لها، ﴿لَا تُحْصُوهَا﴾: ناف وفعل وفاعل ومفعول، مجزوم بـ ﴿إن﴾ الشرطية على كونه جوابًا لها، وجملة ﴿إنْ﴾ الشرطية مستأنفة، ﴿إِنَّ اللَّهَ﴾: ناصب واسمه، ﴿لَغَفُورٌ﴾: خبره، و ﴿اللام﴾: حرف ابتداء، ﴿رَحِيمٌ﴾: صفة ﴿غفور﴾ أو خبر ثان، وجملة ﴿إِنَّ﴾ مستأنفة مسوقة لتعليل ما قبلها، ﴿وَاللَّهُ﴾: مبتدأ، وجملة ﴿يَعْلَمُ﴾ خبره، والجملة الاسمية مستأنفة ﴿مَا﴾: اسم موصول، أو نكرة موصوفة في محل النصب مفعول به؛ لأنَّ علم هنا بمعنى عرف، ﴿تُسِرُّونَ﴾: فعل وفاعل، والجملة صلة لـ ﴿مَا﴾ أو صفة لها، والعائد أو الرابط محذوف، تقديره: يعلم ما تسرون، ﴿وَمَا تُعْلِنُونَ﴾: معطوف على ﴿مَا تُسِرُّونَ﴾، ويجري فيه من الإعراب ما جرى فيه.
﴿وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ (٢٠) أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ (٢١)﴾.
﴿وَالَّذِينَ﴾: مبتدأ، ﴿يَدْعُونَ﴾: فعل وفاعل، والجملة صلة الموصول، العائد محذف تقديره: والأصنام الذين يدعونهم ﴿مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾: جار ومجرور، حال من فاعل ﴿يَدْعُونَ﴾؛ أي: حالة كونهم متجاوزين الله في دعائهم إلى
181
الأصنام، ﴿لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا﴾: فعل وفاعل ومفعول، والجملة خبر المبتدأ، والجملة الاسمية مستأنفة ﴿وَهُمْ﴾: مبتدأ، وجملة ﴿يُخْلَقُونَ﴾ خبر أول له، ﴿أَمْوَاتٌ﴾: خبر ثان له، والجملة مستأنفة مؤكدة لما قبلها، ﴿غَيْرُ أَحْيَاءٍ﴾: صفة مؤكدة لـ ﴿أَمْوَاتٌ﴾، ﴿وَمَا﴾ ﴿الواو﴾: عاطفة: ﴿ما﴾: نافية، وجملة ﴿يَشْعُرُونَ﴾ معطوفة على جملة قوله ﴿يُخْلَقُونَ﴾ على كونها خبرًا ثالثًا لهم، ﴿أَيَّانَ﴾: اسم استفهام في محل النصب على الظرفية مبني على الفتح، والظرف متعلق بـ ﴿يُبْعَثُونَ﴾، ﴿يُبْعَثُونَ﴾: فعل ونائب فاعل، والجملة في موضع نصب بـ ﴿يَشْعُرُونَ﴾؛ لأنه معلق عنها باسم الاستفهام، إذ معناه العلم كما ذكره في "البحر".
﴿إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ (٢٢)﴾.
﴿إِلَهُكُمْ إِلَهٌ﴾: مبتدأ وخبر، ﴿وَاحِدٌ﴾: صفة لازمة له والجملة مستأنفة، ﴿فَالَّذِينَ﴾: مبتدأ أول، و ﴿الفاء﴾: استئنافية، ﴿لَا يُؤْمِنُونَ﴾: فعل وفاعل، صلة الموصول، ﴿بِالْآخِرَةِ﴾: متعلق به، ﴿قُلُوبُهُمْ﴾: مبتدأ ثان، ﴿مُنْكِرَةٌ﴾: خبر له، وجملة الثاني خبر للأول، وجملة الأول مستأنفة ﴿وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ﴾: مبتدأ وخبر، والجملة في محل النصب حال من ضمير ﴿قُلُوبُهُمْ﴾؛ لأن المضاف جزء من المضاف إليه.
﴿لَا جَرَمَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ (٢٣)﴾.
﴿لَا جَرَمَ﴾: اسم مركب تركيب خمسة عشر، وبعد التركيب صار معناها معنى فعلٍ، وهو حق، فإذًا نقول في إعرابها: ﴿لَا جَرَمَ﴾: فعل ماض بمعنى حق مبني على الفتح، ﴿أَنَّ اللَّهَ﴾: ناصب واسمه، وجملة ﴿يَعْلَمُ﴾، وجملة ﴿أَنَّ﴾ في تأويل مصدر مرفوع على الفاعلية لـ ﴿لَا جَرَمَ﴾، والتقدير: حق وثبت علم الله، ما يسرون وما يعلنون ﴿مَا﴾: موصولة، أو موصوفة في محل النصب مفعول ﴿يَعْلَمُ﴾، وجملة ﴿يُسِرُّونَ﴾ صلة لـ ﴿مَا﴾ أو صفة لها، والعائد أو الرابط محذوف تقديره: ما يسرونه، ﴿وَمَا يُعْلِنُونَ﴾ معطوف على ﴿مَا يُسِرُّونَ﴾، ﴿إِنَّهُ﴾: ناصب واسمه، ﴿لَا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ﴾: فعل ومفعول، وفاعله ضمير يعود على ﴿اللهَ﴾، والجملة الفعلية في محل الرفع خبر ﴿إن﴾ وجملة ﴿إن﴾ مستأنفة
﴿إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ (٢٢)﴾.
﴿إِلَهُكُمْ إِلَهٌ﴾: مبتدأ وخبر، ﴿وَاحِدٌ﴾: صفة لازمة له والجملة مستأنفة، ﴿فَالَّذِينَ﴾: مبتدأ أول، و ﴿الفاء﴾: استئنافية، ﴿لَا يُؤْمِنُونَ﴾: فعل وفاعل، صلة الموصول، ﴿بِالْآخِرَةِ﴾: متعلق به، ﴿قُلُوبُهُمْ﴾: مبتدأ ثان، ﴿مُنْكِرَةٌ﴾: خبر له، وجملة الثاني خبر للأول، وجملة الأول مستأنفة ﴿وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ﴾: مبتدأ وخبر، والجملة في محل النصب حال من ضمير ﴿قُلُوبُهُمْ﴾؛ لأن المضاف جزء من المضاف إليه.
﴿لَا جَرَمَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ (٢٣)﴾.
﴿لَا جَرَمَ﴾: اسم مركب تركيب خمسة عشر، وبعد التركيب صار معناها معنى فعلٍ، وهو حق، فإذًا نقول في إعرابها: ﴿لَا جَرَمَ﴾: فعل ماض بمعنى حق مبني على الفتح، ﴿أَنَّ اللَّهَ﴾: ناصب واسمه، وجملة ﴿يَعْلَمُ﴾، وجملة ﴿أَنَّ﴾ في تأويل مصدر مرفوع على الفاعلية لـ ﴿لَا جَرَمَ﴾، والتقدير: حق وثبت علم الله، ما يسرون وما يعلنون ﴿مَا﴾: موصولة، أو موصوفة في محل النصب مفعول ﴿يَعْلَمُ﴾، وجملة ﴿يُسِرُّونَ﴾ صلة لـ ﴿مَا﴾ أو صفة لها، والعائد أو الرابط محذوف تقديره: ما يسرونه، ﴿وَمَا يُعْلِنُونَ﴾ معطوف على ﴿مَا يُسِرُّونَ﴾، ﴿إِنَّهُ﴾: ناصب واسمه، ﴿لَا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ﴾: فعل ومفعول، وفاعله ضمير يعود على ﴿اللهَ﴾، والجملة الفعلية في محل الرفع خبر ﴿إن﴾ وجملة ﴿إن﴾ مستأنفة
182
مسوقة لتعليل ما قبلها.
وفي "الشهاب": في هذه اللفظة أعني ﴿لَا جَرَمَ﴾ خلاف بين النحاة، فذهب الخليل وسيبويه والجمهور إلى أن ﴿جرم﴾ اسم مركب مع ﴿لا﴾ تركيب خمسة عشر، وبعد التركيب صار معناها معنى فعلٍ، وهو حق، وما بعدها مرتفع بالفاعلية بمجموع لا جرم لتأويله بالفعل، أو بمصدر قائم مقامه، وهو حقًّا على ما ذكره أبو البقاء، وقيل: هو مركب أيضًا - كلا رجل - وما بعدها خبر، ومعناها لا محالة ولا بد، وقيل: إنه على تقدير جارٍّ؛ أي: من أن الله إلخ انتهى.
وقيل: إن لا نافية لكلام مقدر تكلم به الكفرة، وجرم بمعنى حق ووجب اهـ: "زاده"، وقد تقدم لها مزيد بسط في سورة هود فراجعه.
التصريف ومفردات اللغة
﴿أَتَى أَمْرُ اللَّهِ﴾؛ أي: قرب ودنا، ويقال في مجرى العادة لما يجب وقوعه: قد أتى وقد وقع، فيقال لمن طلب مساعدة حان مجيؤها: جاءك الغوث، و ﴿أَمْرُ اللَّهِ﴾: عذابه للكافرين أو يوم القيامة.
﴿فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ﴾ الاستعجال طلب الشيء قبل وقته، كما في "الخازن"، وهو من استفعل السداسي.
﴿يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ﴾: الوحي، وهو قائم في الدين مقام الروح من الجسد، فهو محيي القلوب التي أماتها الجهل.
﴿أَنْ أَنْذِرُوا﴾ والإنذار (١) الإعلام، خلا إنه مختص بإعلام المحذور، من نذر بالشيء من باب فرح إذا علمه فحذره، وأنذره بالأمر إنذارًا إذا أعلمه وحذره وخوفه في إبلاغه، كذا في "القاموس"؛ أي: أعلموا الناس أيها الأنبياء.
﴿فَاتَّقُونِ﴾؛ أي: خافوا عقابي، لمخالفة أمري وعبادة غيري.
﴿خَلَقَ الْإِنْسَانَ﴾؛ أي: غير آدم، ﴿مِنْ نُطْفَةٍ﴾ والنطفة القطرة من الماء،
وفي "الشهاب": في هذه اللفظة أعني ﴿لَا جَرَمَ﴾ خلاف بين النحاة، فذهب الخليل وسيبويه والجمهور إلى أن ﴿جرم﴾ اسم مركب مع ﴿لا﴾ تركيب خمسة عشر، وبعد التركيب صار معناها معنى فعلٍ، وهو حق، وما بعدها مرتفع بالفاعلية بمجموع لا جرم لتأويله بالفعل، أو بمصدر قائم مقامه، وهو حقًّا على ما ذكره أبو البقاء، وقيل: هو مركب أيضًا - كلا رجل - وما بعدها خبر، ومعناها لا محالة ولا بد، وقيل: إنه على تقدير جارٍّ؛ أي: من أن الله إلخ انتهى.
وقيل: إن لا نافية لكلام مقدر تكلم به الكفرة، وجرم بمعنى حق ووجب اهـ: "زاده"، وقد تقدم لها مزيد بسط في سورة هود فراجعه.
التصريف ومفردات اللغة
﴿أَتَى أَمْرُ اللَّهِ﴾؛ أي: قرب ودنا، ويقال في مجرى العادة لما يجب وقوعه: قد أتى وقد وقع، فيقال لمن طلب مساعدة حان مجيؤها: جاءك الغوث، و ﴿أَمْرُ اللَّهِ﴾: عذابه للكافرين أو يوم القيامة.
﴿فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ﴾ الاستعجال طلب الشيء قبل وقته، كما في "الخازن"، وهو من استفعل السداسي.
﴿يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ﴾: الوحي، وهو قائم في الدين مقام الروح من الجسد، فهو محيي القلوب التي أماتها الجهل.
﴿أَنْ أَنْذِرُوا﴾ والإنذار (١) الإعلام، خلا إنه مختص بإعلام المحذور، من نذر بالشيء من باب فرح إذا علمه فحذره، وأنذره بالأمر إنذارًا إذا أعلمه وحذره وخوفه في إبلاغه، كذا في "القاموس"؛ أي: أعلموا الناس أيها الأنبياء.
﴿فَاتَّقُونِ﴾؛ أي: خافوا عقابي، لمخالفة أمري وعبادة غيري.
﴿خَلَقَ الْإِنْسَانَ﴾؛ أي: غير آدم، ﴿مِنْ نُطْفَةٍ﴾ والنطفة القطرة من الماء،
(١) روح البيان.
183
يقال: نطف رأسه ماء؛ أي: قطر وقيل هي الماء الصافي، ويعبر بها عن ماء الرجل، اهـ "سمين".
وفي "المصباح" نطف (١) الماء ينطف - من باب قتل - سال، وقال أبو زيد: نطفت القربة تنطف وتنطف نطفانًا إذا قطرت، والنطفة ماء الرجل والمرأة، وجمعها نطف ونطاف، مثل برمة وبرم وبرام، والنطفة أيضًا الماء الصافي قل أو كثر، ولا فعل للنطفة؛ أي: لا يستعمل لها فعل من لفظها اهـ.
وفي "المختار": أن نطف من باب قتل وضرب اهـ، والمراد (٢) بالنطفة هنا مادة التلقيح.
﴿فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ﴾ والخصيم بمعنى المخاصم، كالخليط بمعنى المخالط، والعشير بمعنى المعاشر، والمراد به هنا المنطيق المجادل عن نفسه المنازع للخصوم، والمبين المظهر للحجة، أو المفصح عما في ضميره بمنطقه.
﴿وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ﴾ قال الجوهري: والنعم واحد الأنعام، وأكثر ما يقع هذا الاسم على الإبل اهـ. الدفءُ: السخانة، والمراد به هنا ما يستدفأ به من الأكسية المتخذة من أصوافها وأوبارها وأشعارها.
﴿وَمَنَافِعُ﴾ والمراد بها درها وركوبها، والحرث بها، وحملها للماء ونحو ذلك.
﴿جَمَالٌ﴾ والجمال ما يتجمل به ويتزين، والجمال الحسن، والمعنى هنا: لكم فيها تجمل وتزين عند الناظرين إليها، قال في "القاموس": الجمال الحسن في الخلق والخلق، وتجمل: تزين، وجمله: زينه، وفي الحديث (٣): "جمال الرجل فصاحة لسانه"، وفي حديث آخر: "الجمال صواب المقال، والكمال حسن الفعال".
﴿حِينَ تُرِيحُونَ﴾ من الإراحة، وهي رد المواشي بالعشي إلى مراحها؛ أي: مأواها بالليل؛ أي: تردونها بالعشي؛ أي: آخر النهار من المرعى إلى مراحها
وفي "المصباح" نطف (١) الماء ينطف - من باب قتل - سال، وقال أبو زيد: نطفت القربة تنطف وتنطف نطفانًا إذا قطرت، والنطفة ماء الرجل والمرأة، وجمعها نطف ونطاف، مثل برمة وبرم وبرام، والنطفة أيضًا الماء الصافي قل أو كثر، ولا فعل للنطفة؛ أي: لا يستعمل لها فعل من لفظها اهـ.
وفي "المختار": أن نطف من باب قتل وضرب اهـ، والمراد (٢) بالنطفة هنا مادة التلقيح.
﴿فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ﴾ والخصيم بمعنى المخاصم، كالخليط بمعنى المخالط، والعشير بمعنى المعاشر، والمراد به هنا المنطيق المجادل عن نفسه المنازع للخصوم، والمبين المظهر للحجة، أو المفصح عما في ضميره بمنطقه.
﴿وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ﴾ قال الجوهري: والنعم واحد الأنعام، وأكثر ما يقع هذا الاسم على الإبل اهـ. الدفءُ: السخانة، والمراد به هنا ما يستدفأ به من الأكسية المتخذة من أصوافها وأوبارها وأشعارها.
﴿وَمَنَافِعُ﴾ والمراد بها درها وركوبها، والحرث بها، وحملها للماء ونحو ذلك.
﴿جَمَالٌ﴾ والجمال ما يتجمل به ويتزين، والجمال الحسن، والمعنى هنا: لكم فيها تجمل وتزين عند الناظرين إليها، قال في "القاموس": الجمال الحسن في الخلق والخلق، وتجمل: تزين، وجمله: زينه، وفي الحديث (٣): "جمال الرجل فصاحة لسانه"، وفي حديث آخر: "الجمال صواب المقال، والكمال حسن الفعال".
﴿حِينَ تُرِيحُونَ﴾ من الإراحة، وهي رد المواشي بالعشي إلى مراحها؛ أي: مأواها بالليل؛ أي: تردونها بالعشي؛ أي: آخر النهار من المرعى إلى مراحها
(١) المصباح.
(٢) المراغي.
(٣) روح البيان.
(٢) المراغي.
(٣) روح البيان.
184
ومباركها، يقال أراح الماشية إذا ردها إلى المراح بضم الميم، وهو موضع إراحة الإبل والبقر والغنم.
﴿تَسْرَحُونَ﴾؛ أي: تخرجونها غدوة؛ أي: أول النهار من حظائرها ومبيتها إلى مسارحها ومراعيها، من سرح الراعي الإبل إذا رعاها وأرسلها في المرعى، من باب قطع وخضع، وفي "المصباح": سرحت الإبل سرحًا من باب نفع وسروحًا أيضًا، رعت بنفسها وسرحتها يتعدى ولا يتعدى، وسرَّحتها بالتثقيل مبالغة وتكثير اهـ.
﴿وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ﴾ والأثقال (١) جمع ثقل بفتح الثاء والقاف، كأسباب وسبب، أو جمع ثقل بكسر فسكون كحمل وأحمال، وهو متاع المسافر من طعام وغيره وما يحتاج إليه من آلاته، وسُمِّي ثقلًا لأنه يثقل الإنسان حمله، وقيل المراد أبدانهم.
﴿إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ﴾ والشق بالكسر والفتح الكلفة والمشقة، وشق الأنفس مشقتها وتعبها، وقال الجوهري الشق المشقة ومنه قوله تعالى: ﴿لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ﴾، وحكى أبو عبيدة: بفتح الشين وهما بمعنًى، ويجوز أن يكون المفتوح مصدرًا من شققت عليه أشق شقًّا، والمكسور بمعنى النصف، يقال أخذت شق الشاة وشقة الشاة، ويكون المعنى على هذا في الآية؛ أي: لم تكون بالغيه إلَّا بذهاب نصف النفس من التعب.
﴿وَالْخَيْلَ﴾ اسم جنس لا واحد له من لفظه، بل من معناه وهو فرس، وقيل جمع خائل كضان جمع ضائن، وسميت خيلًا لاختيالها في مشيها.
﴿وَالْبِغَالَ﴾ جمع بغل، وهو متولد بين الخيل والحمار.
﴿قَصْدُ السَّبِيلِ﴾ والقصد الاستقامة، يقال سبيل قصدٌ وقاصدٌ إذا أداك إلى مطلوبك، وفي "السمين": والقصد مصدر يوصف به، فهو بمعنى قاصد، يقال سبيل قصد وقاصد؛ أي: مستقيم، كأنه يقصد الوجه الذي يؤمه السالك لا يعدل عنه اهـ.
﴿تَسْرَحُونَ﴾؛ أي: تخرجونها غدوة؛ أي: أول النهار من حظائرها ومبيتها إلى مسارحها ومراعيها، من سرح الراعي الإبل إذا رعاها وأرسلها في المرعى، من باب قطع وخضع، وفي "المصباح": سرحت الإبل سرحًا من باب نفع وسروحًا أيضًا، رعت بنفسها وسرحتها يتعدى ولا يتعدى، وسرَّحتها بالتثقيل مبالغة وتكثير اهـ.
﴿وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ﴾ والأثقال (١) جمع ثقل بفتح الثاء والقاف، كأسباب وسبب، أو جمع ثقل بكسر فسكون كحمل وأحمال، وهو متاع المسافر من طعام وغيره وما يحتاج إليه من آلاته، وسُمِّي ثقلًا لأنه يثقل الإنسان حمله، وقيل المراد أبدانهم.
﴿إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ﴾ والشق بالكسر والفتح الكلفة والمشقة، وشق الأنفس مشقتها وتعبها، وقال الجوهري الشق المشقة ومنه قوله تعالى: ﴿لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ﴾، وحكى أبو عبيدة: بفتح الشين وهما بمعنًى، ويجوز أن يكون المفتوح مصدرًا من شققت عليه أشق شقًّا، والمكسور بمعنى النصف، يقال أخذت شق الشاة وشقة الشاة، ويكون المعنى على هذا في الآية؛ أي: لم تكون بالغيه إلَّا بذهاب نصف النفس من التعب.
﴿وَالْخَيْلَ﴾ اسم جنس لا واحد له من لفظه، بل من معناه وهو فرس، وقيل جمع خائل كضان جمع ضائن، وسميت خيلًا لاختيالها في مشيها.
﴿وَالْبِغَالَ﴾ جمع بغل، وهو متولد بين الخيل والحمار.
﴿قَصْدُ السَّبِيلِ﴾ والقصد الاستقامة، يقال سبيل قصدٌ وقاصدٌ إذا أداك إلى مطلوبك، وفي "السمين": والقصد مصدر يوصف به، فهو بمعنى قاصد، يقال سبيل قصد وقاصد؛ أي: مستقيم، كأنه يقصد الوجه الذي يؤمه السالك لا يعدل عنه اهـ.
(١) روح البيان.
185
﴿جَائِرٌ﴾؛ أي: مائل عن المحجة منحرف عن الحق.
﴿وَمِنْهُ شَجَرٌ﴾ والمراد بالشجر هنا مطلق النبات، سواء كان له ساق أم لا اهـ "شيخنا"، فالشجر في الأصل ما له ساق قوي، والنجم ما لا ساق له قوي.
﴿تُسِيمُونَ﴾؛ أي: ترعون دوابكم من أسام الماشية، ويقال سومها، إذا جعلها ترعى، وفي "الخازن": تقول أسمت السائمة إذا خليتها ترعى، وسامت إذا رعت حيث شاءت اهـ ويقال: سامت السائمة تسوم سومًا رعت فهي سائمة، وأسمتها؛ أي: أخرجتها إلى الرعي، فأنا مسيم وهي مسامة وسائمة، وأصل السوم الإبعاد في المرعى، قال أخذ من السومة وهي العلامة؛ لأنها تؤثر في الأرض علامات برعيها.
﴿النَّخِيلَ﴾ والنخل بمعنى واحد، وهو اسم جمع والواحدة نخلة كالثمرة والثمر.
﴿الأعناب﴾ جمع الأعناب للإشارة إلى ما فيها من الاشتمال على الأصناف المختلفة.
﴿وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ﴾ يقال ذرأ الله الخلق يذرؤهم ذرءًا خلقهم، فهو ذارىء، ومنه الذرية وهي نسل الثقيلين.
﴿مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ﴾؛ أي: أصنافه ﴿لَحْمًا طَرِيًّا﴾ وفي "السمين": الطراوة ضد اليبوسة؛ أي: غضًّا طريًّا، ويقال طريت كذا؛ أي: جددته اهـ، وفي "المصباح": طرو الشيء بالواو وزان قرب فهو طرىء؛ أي: غض بين الطراوة، وطرىء وزان تعب، فهو طرىء بين الطراوة، وطرأ فلان علينا يطرأ مهموزًا بفتحتين طروًّا أطلع، فهو طارئ، وطرأ الشيء يطرأ أيضًا طرآنًا مهموزًا حصل بغتة فهو طارئ، وأطريت العسل بالياء طراء عقدته، وأطريت فلانًا مدحته بأحسن ما فيه، ويقال بالغت في مدحه، وجاوزت الحد، وقال السرقسطي: في باب الهمز والياء: أطرأته مدحته وأطريته أثنيت عليه اهـ.
﴿حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا﴾ وفي "المصباح": حلي الشيء بعيني وبصدري يحلى - من باب تعب - حلاوةً، إذا حسن عندي وأعجبني، وحليت المرأة حليًّا ساكن اللام
﴿وَمِنْهُ شَجَرٌ﴾ والمراد بالشجر هنا مطلق النبات، سواء كان له ساق أم لا اهـ "شيخنا"، فالشجر في الأصل ما له ساق قوي، والنجم ما لا ساق له قوي.
﴿تُسِيمُونَ﴾؛ أي: ترعون دوابكم من أسام الماشية، ويقال سومها، إذا جعلها ترعى، وفي "الخازن": تقول أسمت السائمة إذا خليتها ترعى، وسامت إذا رعت حيث شاءت اهـ ويقال: سامت السائمة تسوم سومًا رعت فهي سائمة، وأسمتها؛ أي: أخرجتها إلى الرعي، فأنا مسيم وهي مسامة وسائمة، وأصل السوم الإبعاد في المرعى، قال أخذ من السومة وهي العلامة؛ لأنها تؤثر في الأرض علامات برعيها.
﴿النَّخِيلَ﴾ والنخل بمعنى واحد، وهو اسم جمع والواحدة نخلة كالثمرة والثمر.
﴿الأعناب﴾ جمع الأعناب للإشارة إلى ما فيها من الاشتمال على الأصناف المختلفة.
﴿وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ﴾ يقال ذرأ الله الخلق يذرؤهم ذرءًا خلقهم، فهو ذارىء، ومنه الذرية وهي نسل الثقيلين.
﴿مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ﴾؛ أي: أصنافه ﴿لَحْمًا طَرِيًّا﴾ وفي "السمين": الطراوة ضد اليبوسة؛ أي: غضًّا طريًّا، ويقال طريت كذا؛ أي: جددته اهـ، وفي "المصباح": طرو الشيء بالواو وزان قرب فهو طرىء؛ أي: غض بين الطراوة، وطرىء وزان تعب، فهو طرىء بين الطراوة، وطرأ فلان علينا يطرأ مهموزًا بفتحتين طروًّا أطلع، فهو طارئ، وطرأ الشيء يطرأ أيضًا طرآنًا مهموزًا حصل بغتة فهو طارئ، وأطريت العسل بالياء طراء عقدته، وأطريت فلانًا مدحته بأحسن ما فيه، ويقال بالغت في مدحه، وجاوزت الحد، وقال السرقسطي: في باب الهمز والياء: أطرأته مدحته وأطريته أثنيت عليه اهـ.
﴿حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا﴾ وفي "المصباح": حلي الشيء بعيني وبصدري يحلى - من باب تعب - حلاوةً، إذا حسن عندي وأعجبني، وحليت المرأة حليًّا ساكن اللام
186
لبست الحلي، وجمعه حليٌّ، والأصل على فعول مثل فلس وفلوس، والحلية بالكسر الصفة، والجمع حلي مقصورًا، وتضم الحاء وتكسر، وحلية السيف زينته، قال ابن فارس: ولا تجمع، وتحلت المرأة لبست الحلي واتخذته، وحليتها بالتشديد ألبستها الحلي واتخذته لها لتلبسه، وحليت السويق جعلت فيه شيئًا حلوًا حتى حلا اهـ.
﴿مَوَاخِرَ﴾؛ أي: ترى السفن شواق للماء تدفعه. بصدرها، ومخر السفينة شقها الماء بصدرها، قال الجوهري: مخر السابح إذا شق الماء بصدره، ومخر الأرض شقها للزراعة، قال ابن جرير: المخر في اللغة صوت هبوب الريح ولم يقيد بكونه في ماء اهـ.
وفي "المختار": مخرت السفينة من باب قطع ودخل إذا جرت تشق الماء مع صوت، ومنه قوله تعالى: ﴿وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ﴾؛ أي: جواري.
﴿وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ﴾؛ أي: جبالًا ثوابت، يقال رسا يرسو إذا ثبت وأقام.
﴿أنْ تَمِيدَ بِكُمْ﴾؛ أي: أن تميل بكم، وفي "المختار": ماد الشيء يميد ميدًا من باب باع، ومادت الأغصان والأشجار تمايلت، وماد الرجل تبختر اهـ.
﴿وَعَلَامَاتٍ﴾ جمع علامة ففي "المصباح": وأعلمت على كذا بالألف من الكتاب وغيره جعلت عليه علامة، وأعلمت الثوب جعلت له علمًا من طراز وغيره، وهو العلامة، وجمع العلم أعلام مثل سبب وأسباب، وجمع العلامة علامات، وعلمت له علامة بالتشديد وضعت له أمارة يعرفها اهـ.
﴿وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ﴾ يقال شعر به كنصر وكرم شعرًا وشعورًا علم به وفطن له وعقله، وأيان مركب من أي التي للاستفهام وأن بمعنى الزمان، فلذلك كان بمعنى متى؛ أي سؤالًا عن الزمان كما كان أين سؤالًا عن المكان، فلما ركِّبا وجعلا اسما واحدًا بنيا على الفتح كبعلبك، ذكره في "روح البيان".
﴿مَوَاخِرَ﴾؛ أي: ترى السفن شواق للماء تدفعه. بصدرها، ومخر السفينة شقها الماء بصدرها، قال الجوهري: مخر السابح إذا شق الماء بصدره، ومخر الأرض شقها للزراعة، قال ابن جرير: المخر في اللغة صوت هبوب الريح ولم يقيد بكونه في ماء اهـ.
وفي "المختار": مخرت السفينة من باب قطع ودخل إذا جرت تشق الماء مع صوت، ومنه قوله تعالى: ﴿وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ﴾؛ أي: جواري.
﴿وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ﴾؛ أي: جبالًا ثوابت، يقال رسا يرسو إذا ثبت وأقام.
﴿أنْ تَمِيدَ بِكُمْ﴾؛ أي: أن تميل بكم، وفي "المختار": ماد الشيء يميد ميدًا من باب باع، ومادت الأغصان والأشجار تمايلت، وماد الرجل تبختر اهـ.
﴿وَعَلَامَاتٍ﴾ جمع علامة ففي "المصباح": وأعلمت على كذا بالألف من الكتاب وغيره جعلت عليه علامة، وأعلمت الثوب جعلت له علمًا من طراز وغيره، وهو العلامة، وجمع العلم أعلام مثل سبب وأسباب، وجمع العلامة علامات، وعلمت له علامة بالتشديد وضعت له أمارة يعرفها اهـ.
﴿وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ﴾ يقال شعر به كنصر وكرم شعرًا وشعورًا علم به وفطن له وعقله، وأيان مركب من أي التي للاستفهام وأن بمعنى الزمان، فلذلك كان بمعنى متى؛ أي سؤالًا عن الزمان كما كان أين سؤالًا عن المكان، فلما ركِّبا وجعلا اسما واحدًا بنيا على الفتح كبعلبك، ذكره في "روح البيان".
187
البلاغة
وقد تضمنت هذه الآيات ضروبًا من البلاغة، وأنواعًا من الفصاحة والبيان والبديع:
فمنها: التعبير عن المستقبل بلفظ الماضي في قوله: ﴿أَتَى أَمْرُ اللَّهِ﴾ إشعارًا بتحقق وقوعه.
ومنها: الالتفات من الخطاب في قوله: ﴿فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ﴾ إلى الغيبة في قوله: ﴿عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ تحقيرًا لشأنهم وحطًّا لدرجتهم عن رتبة الخطاب.
ومنها: الاستعارة التصريحية في قوله: ﴿بِالرُّوحِ﴾ حيث شبه الوحي بمعنى الموحى به الذي من جملة التوحيد بالروح، بجامع أن الروح به إحياء الجسد، والوحي به إحياء القلوب من الجهالات، فاستعير له لفظ الروح على طريقة الاستعارة التصريحية.
ومنها: الالتفات من الغيبة في قوله: ﴿عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ إلى الخطاب في قوله: ﴿فَاتَّقُونِ﴾ مخاطبةً لهم بما هو المقصود، وإيماء إلى أن التقوى هي المقصود من الإنذار.
ومنها: التعبير بآخر الأمر عن أوله في قوله: ﴿فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ﴾ ويسمى مجاز الأول كقوله: ﴿إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا﴾.
ومنها: الالتفات من الغيبة في قوله: ﴿خَلَقَ الْإِنْسَانَ﴾ إلى الخطاب في قوله: ﴿خَلَقَهَا لَكُمْ﴾ فيقضي أن المخاطب مطلق بني آدم، المندرجين تحت الإنسان تأمل.
ومنها: عطف العام على الخاص في قوله: ﴿وَمَنَافِعُ﴾.
ومنها: القصر في قوله: ﴿وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ﴾ فيكون القصر فيه إضافيًّا إلى سائر الحيوانات، حتى لا ينتقض بمثل الخبز ونحوه من المأكولات المعتادة.
ومنها: الطباق بين: ﴿تُرِيحُونَ﴾ ﴿تَسْرَحُونَ﴾.
ومنها: صفة المبالغة في قوله: ﴿خَصِيمٌ مُبِينٌ﴾.
وقد تضمنت هذه الآيات ضروبًا من البلاغة، وأنواعًا من الفصاحة والبيان والبديع:
فمنها: التعبير عن المستقبل بلفظ الماضي في قوله: ﴿أَتَى أَمْرُ اللَّهِ﴾ إشعارًا بتحقق وقوعه.
ومنها: الالتفات من الخطاب في قوله: ﴿فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ﴾ إلى الغيبة في قوله: ﴿عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ تحقيرًا لشأنهم وحطًّا لدرجتهم عن رتبة الخطاب.
ومنها: الاستعارة التصريحية في قوله: ﴿بِالرُّوحِ﴾ حيث شبه الوحي بمعنى الموحى به الذي من جملة التوحيد بالروح، بجامع أن الروح به إحياء الجسد، والوحي به إحياء القلوب من الجهالات، فاستعير له لفظ الروح على طريقة الاستعارة التصريحية.
ومنها: الالتفات من الغيبة في قوله: ﴿عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ إلى الخطاب في قوله: ﴿فَاتَّقُونِ﴾ مخاطبةً لهم بما هو المقصود، وإيماء إلى أن التقوى هي المقصود من الإنذار.
ومنها: التعبير بآخر الأمر عن أوله في قوله: ﴿فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ﴾ ويسمى مجاز الأول كقوله: ﴿إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا﴾.
ومنها: الالتفات من الغيبة في قوله: ﴿خَلَقَ الْإِنْسَانَ﴾ إلى الخطاب في قوله: ﴿خَلَقَهَا لَكُمْ﴾ فيقضي أن المخاطب مطلق بني آدم، المندرجين تحت الإنسان تأمل.
ومنها: عطف العام على الخاص في قوله: ﴿وَمَنَافِعُ﴾.
ومنها: القصر في قوله: ﴿وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ﴾ فيكون القصر فيه إضافيًّا إلى سائر الحيوانات، حتى لا ينتقض بمثل الخبز ونحوه من المأكولات المعتادة.
ومنها: الطباق بين: ﴿تُرِيحُونَ﴾ ﴿تَسْرَحُونَ﴾.
ومنها: صفة المبالغة في قوله: ﴿خَصِيمٌ مُبِينٌ﴾.
188
ومنها: جمع المؤكدات في قوله: ﴿إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾.
ومنها: الإسناد إلى العام في قوله: ﴿وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ﴾؛ أي: الأنعام مرادًا به الخاص وهو الإبل.
ومنها: المجاز في قوله: ﴿إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ﴾ لأنه حقيقة في النصف والجانب، فاستعير للمشقة والتعب، كما تقول: لن تناله إلا بقطعة من كبدك على المجاز.
ومنها: الإجمال بعد التفصيل في قوله: ﴿وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾.
ومنها: المجاز في قوله: ﴿وَمِنْهُ شَجَرٌ﴾ لأن المراد بالشجر هنا مطلق النبات سواء كان له ساق أْم لا، وهو حقيقة فيما كان له ساق.
ومنها: التعميم بعد التخصيص في قوله: ﴿وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ﴾.
ومنها: الإسناد العقلي في قوله: ﴿قَصْدُ السَّبِيلِ﴾ لما فيه من إسناد حال السالك وهو القصد إلى السبيل، كأنه يقصد الوجه الذي يؤمه السالك لا يعدل عنه، كما ذكره في "روح البيان".
ومنها: تنكير ماء في قوله: ﴿مِنَ السَّمَاءِ مَاءً﴾ للدلالة على التبعيض، أي: بعض الماء، فإنه لم ينزل من السماء الماء كله.
ومنها: الطباق بين: ﴿اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ﴾ في قوله: ﴿وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ﴾.
ومنها: التفنن في قوله: ﴿لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾، وفي قوله: ﴿لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾، وفي قوله: ﴿لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ﴾ كما مر في مبحث التفسير.
ومنها: التلويح في قوله: ﴿لَحْمًا طَرِيًّا﴾ المراد به السمك، عبر عنه باللحم مع كونه حيوانًا، للتلويح بانحصار الانتفاع به في الأكل كما في "الإرشاد"، وللإيذان بعدم احتياجه للذبح كسائر الحيوانات غير الجراد.
ومنها: الإسناد المجازي في قوله: ﴿حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا﴾؛ أي: يلبسها نساؤكم لكم، فهي حلية لكم، بهذا الاعتبار كذا قالوا.
ومنها: الإسناد إلى العام في قوله: ﴿وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ﴾؛ أي: الأنعام مرادًا به الخاص وهو الإبل.
ومنها: المجاز في قوله: ﴿إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ﴾ لأنه حقيقة في النصف والجانب، فاستعير للمشقة والتعب، كما تقول: لن تناله إلا بقطعة من كبدك على المجاز.
ومنها: الإجمال بعد التفصيل في قوله: ﴿وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾.
ومنها: المجاز في قوله: ﴿وَمِنْهُ شَجَرٌ﴾ لأن المراد بالشجر هنا مطلق النبات سواء كان له ساق أْم لا، وهو حقيقة فيما كان له ساق.
ومنها: التعميم بعد التخصيص في قوله: ﴿وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ﴾.
ومنها: الإسناد العقلي في قوله: ﴿قَصْدُ السَّبِيلِ﴾ لما فيه من إسناد حال السالك وهو القصد إلى السبيل، كأنه يقصد الوجه الذي يؤمه السالك لا يعدل عنه، كما ذكره في "روح البيان".
ومنها: تنكير ماء في قوله: ﴿مِنَ السَّمَاءِ مَاءً﴾ للدلالة على التبعيض، أي: بعض الماء، فإنه لم ينزل من السماء الماء كله.
ومنها: الطباق بين: ﴿اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ﴾ في قوله: ﴿وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ﴾.
ومنها: التفنن في قوله: ﴿لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾، وفي قوله: ﴿لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾، وفي قوله: ﴿لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ﴾ كما مر في مبحث التفسير.
ومنها: التلويح في قوله: ﴿لَحْمًا طَرِيًّا﴾ المراد به السمك، عبر عنه باللحم مع كونه حيوانًا، للتلويح بانحصار الانتفاع به في الأكل كما في "الإرشاد"، وللإيذان بعدم احتياجه للذبح كسائر الحيوانات غير الجراد.
ومنها: الإسناد المجازي في قوله: ﴿حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا﴾؛ أي: يلبسها نساؤكم لكم، فهي حلية لكم، بهذا الاعتبار كذا قالوا.
189
ومنها: الاستعارة التصريحية التبعية في قوله: ﴿وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ﴾ لأن الإلقاء حقيقة في الرمي والطرح، فاستعاره للخلق والوضع والجعل، فكان الجبال الرواسي حصيات قبضهن قابض بيده فنبذهن في الأرض، فهو تصوير لعظمته وتمثيل لقدرته، وإن كل عسير فهو عليه يسير.
ومنها: الاستعارة التبعية في قوله: ﴿وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾، وقوله: ﴿لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾ لأن لعل فيهما مستعار لمعنى الإرادة كما في "روح البيان".
ومنها: الإلتفات من الخطاب إلى الغيبة في قوله: ﴿وبالنجم هم يهتدون﴾ لإفهام العموم لئلا يظن أن المخاطب مخصوص وليس كذلك، والمعنى: بالنجم هم؛ أي: أهل الأرض كلهم لا خصوص قريش.
ومنها: التشبيه المقلوب في قوله: ﴿أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ﴾ لأن حق العبارة أن يقال أفمن لا يخلق كمن يخلق.
ومنها: الاستفهام الإنكاري فيه.
ومنها: الاستفهام التوبيخي في قوله: ﴿أَفَلَا تَذَكَّرُونَ﴾.
ومنها: جمع المؤكدات وصفة المبالغة في قوله: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ﴾.
ومنها: الإطناب في قوله: ﴿أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ﴾ تأكيدًا لسفاهة من عبد الأصنام، ومثله: ﴿لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ﴾.
ومنها: الطباق بين ﴿تُسِرُّونَ﴾ و ﴿تُعْلِنُونَ﴾.
ومنها: طباق السلب في قوله: ﴿أفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ﴾.
ومنها: الجناس الناقص في قوله: ﴿لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ﴾.
ومنها: الحذف والزيادة في عدة مواضع.
والله سبحانه وتعالى أعلم
* * *
ومنها: الاستعارة التبعية في قوله: ﴿وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾، وقوله: ﴿لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾ لأن لعل فيهما مستعار لمعنى الإرادة كما في "روح البيان".
ومنها: الإلتفات من الخطاب إلى الغيبة في قوله: ﴿وبالنجم هم يهتدون﴾ لإفهام العموم لئلا يظن أن المخاطب مخصوص وليس كذلك، والمعنى: بالنجم هم؛ أي: أهل الأرض كلهم لا خصوص قريش.
ومنها: التشبيه المقلوب في قوله: ﴿أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ﴾ لأن حق العبارة أن يقال أفمن لا يخلق كمن يخلق.
ومنها: الاستفهام الإنكاري فيه.
ومنها: الاستفهام التوبيخي في قوله: ﴿أَفَلَا تَذَكَّرُونَ﴾.
ومنها: جمع المؤكدات وصفة المبالغة في قوله: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ﴾.
ومنها: الإطناب في قوله: ﴿أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ﴾ تأكيدًا لسفاهة من عبد الأصنام، ومثله: ﴿لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ﴾.
ومنها: الطباق بين ﴿تُسِرُّونَ﴾ و ﴿تُعْلِنُونَ﴾.
ومنها: طباق السلب في قوله: ﴿أفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ﴾.
ومنها: الجناس الناقص في قوله: ﴿لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ﴾.
ومنها: الحذف والزيادة في عدة مواضع.
والله سبحانه وتعالى أعلم
* * *
190
قال الله سبحانه جلَّ وعلا:
﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (٢٤) لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ (٢٥) قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ (٢٦) ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُخْزِيهِمْ وَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ قَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَالسُّوءَ عَلَى الْكَافِرِينَ (٢٧) الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ فَأَلْقَوُا السَّلَمَ مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ بَلَى إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٢٨) فَادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (٢٩) وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا خَيْرًا لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ (٣٠) جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ كَذَلِكَ يَجْزِي اللَّهُ الْمُتَّقِينَ (٣١) الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٣٢) هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (٣٣) فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُوا وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (٣٤) وَقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا عَبَدْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ نَحْنُ وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (٣٥) وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (٣٦) إِنْ تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (٣٧) وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ بَلَى وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (٣٨) لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كَانُوا كَاذِبِينَ (٣٩) إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٤٠)﴾.
المناسبة
قوله تعالى: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (٢٤)...﴾
﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (٢٤) لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ (٢٥) قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ (٢٦) ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُخْزِيهِمْ وَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ قَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَالسُّوءَ عَلَى الْكَافِرِينَ (٢٧) الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ فَأَلْقَوُا السَّلَمَ مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ بَلَى إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٢٨) فَادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (٢٩) وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا خَيْرًا لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ (٣٠) جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ كَذَلِكَ يَجْزِي اللَّهُ الْمُتَّقِينَ (٣١) الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٣٢) هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (٣٣) فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُوا وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (٣٤) وَقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا عَبَدْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ نَحْنُ وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (٣٥) وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (٣٦) إِنْ تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (٣٧) وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ بَلَى وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (٣٨) لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كَانُوا كَاذِبِينَ (٣٩) إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٤٠)﴾.
المناسبة
قوله تعالى: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (٢٤)...﴾
191
الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أن الله سبحانه وتعالى لما ذكر دلائل (١) التوحيد، ونصب البراهين الواضحة على بطلان عبادة الأصنام.. أردف ذلك بذكر شبهات من أنكروا النبوة مع الجواب عنها، وبين أنهم ليسوا ببدع في هذه المقالة، فقد سبقتهم أمم قبلهم، فأخذهم الله تعالى أخذ عزيز مقتدر، فأهلكهم في الدنيا، وسيخزيهم يوم القيامة بما فعلوا، ثم ذكر أنهم حين يشاهدون العذاب يستسلمون ويقولون ما كنا نعمل من سوء، ولكن الله عليم بهم وبما فعلوا، ولا مثوى لأمثال هؤلاء المتكبرين إلا جهنم وبئس المثوى هي.
قوله تعالى: ﴿وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ...﴾ الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أن الله سبحانه وتعالى لما (٢) بين أحوال المكذبين بالله ورسوله، الذين ينكرون وحيه ويقولون إن محمدًا قد لفق أساطير الأولين وتراهاتهم، ونقلها للناس، وادعى أنها من رب الأرض والسموات، وذكر ما سينالهم من النكال والوبال، إذ يدخلون جهنم خالدين فيها كفاء ما اجترحت أيديهم من الآثام وكسبته من المعاصي.. أردف ذلك بوصف المؤمنين الذين إذا سئلوا ماذا أنزل ربكم قالوا خيرًا، وذكر ما أعده لهم من الخير والسعادة في جنات تجري من تحتها الأنهار جزاءً وفاقًا لما أحسنوا من العمل، وأتوا به من جميل الصنع.
قوله تعالى: ﴿هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ﴾ الآية، مناسبة هذه الآية لما قبلها (٣): أنه تعالى لما ذكر طعن الكفار في القرآن بقولهم أساطير الأولين، ثم أتبع ذلك بوعيدهم وتهديدهم، ثم وَعَدَ من وصف القرآن بالخيرية.. بين أن أولئك الكفرة لا يرتدعون من حالهم إلا أن تأتيهم الملائكة بالتهديد، أو أمر الله بعذاب الاستئصال.
وعبارة "المراغي" هنا: مناسبة هذه الآية: أن الله سبحانه وتعالى لما ذكر
قوله تعالى: ﴿وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ...﴾ الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أن الله سبحانه وتعالى لما (٢) بين أحوال المكذبين بالله ورسوله، الذين ينكرون وحيه ويقولون إن محمدًا قد لفق أساطير الأولين وتراهاتهم، ونقلها للناس، وادعى أنها من رب الأرض والسموات، وذكر ما سينالهم من النكال والوبال، إذ يدخلون جهنم خالدين فيها كفاء ما اجترحت أيديهم من الآثام وكسبته من المعاصي.. أردف ذلك بوصف المؤمنين الذين إذا سئلوا ماذا أنزل ربكم قالوا خيرًا، وذكر ما أعده لهم من الخير والسعادة في جنات تجري من تحتها الأنهار جزاءً وفاقًا لما أحسنوا من العمل، وأتوا به من جميل الصنع.
قوله تعالى: ﴿هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ﴾ الآية، مناسبة هذه الآية لما قبلها (٣): أنه تعالى لما ذكر طعن الكفار في القرآن بقولهم أساطير الأولين، ثم أتبع ذلك بوعيدهم وتهديدهم، ثم وَعَدَ من وصف القرآن بالخيرية.. بين أن أولئك الكفرة لا يرتدعون من حالهم إلا أن تأتيهم الملائكة بالتهديد، أو أمر الله بعذاب الاستئصال.
وعبارة "المراغي" هنا: مناسبة هذه الآية: أن الله سبحانه وتعالى لما ذكر
(١) المراغي.
(٢) المراغي.
(٣) البحر المحيط.
(٢) المراغي.
(٣) البحر المحيط.
192
طعن المشركين في القرآن بنحو قولهم إنه أساطير الأولين، وإنه قول شاعر، ثم هددهم بضروب من التهديد والوعيد، ثم أتبعه بالوعد بالثواب لمن صدق به.. قفى على ذلك ببيان أن الكفار لا يزدجرون عن أباطيلهم إلا إذا جاءتهم الملائكة قابضة أرواحهم، أو يأتيهم عذاب الاستئصال، فلا يبقى منهم أحدًا، ثم أتبعه ببيان أن هؤلاء ليسوا ببدع في الأمم، فقد فعل من قبلهم مثل فعلهم، فأصابهم الهلاك جزاء ما فعلوا، وما ظلمهم الله ولكن هم قد ظلموا أنفسهم: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾.
قوله تعالى: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا عَبَدْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ نَحْنُ وَلَا آبَاؤُنَا...﴾ الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أن الله سبحانه وتعالى لمَّا ذكر (١) أن هؤلاء المشركين لا يزدجرون إلا إذا جاءتهم الملائكة بالتهديد والوعيد، أو أتاهم عذاب الاستئصال، كما حدث لمن قبلهم من الأمم جزاء استهزائهم برسل الله تعالى.. قفى على ذلك ببيان أنهم طعنوا في إرسال الأنبياء جملة، وقالوا إنا مجبورون على أعمالنا فلا فائدة من إرسالهم، فلو شاء الله أن نؤمن به ولا نشرك به شيئًا ونحل ما أحله ولا نحرم شيئًا مما حرمنا... لكان الأمر كما أراد، لكنه لم يشأ إلا ما نحن عليه، فما يقوله الرسل إنما هو من تلقاء أنفسهم، لا من عند الله تعالى.
وقد رد الله عليهم مقالهم، بأنه كلام قد سبق بمثله المكذبون من الأمم السالفة، وما على الرسل إلا التبليغ، وليس عليهم الهداية، ولم يترك الله أمةً دون أن يرسل إليها هاديًا يأمر بعبادته، وينهاهم عن الضلال والشرك، فمنهم من استجاب دعوته، ومنهم من أضلَّه الله على علم، فحقت عليهم كلمة ربك، وأخذهم أخذ عزيز مقتدر، ثم أمرهم بالضرب في الأرض ليروا آثار أولئك المكذبين، الذين أخذوا بذنوبهم، ثم ذكر رسوله بأن الحرص على إيمانهم لا ينفعك شيئًا، فإن الله لا يخلق الهداية جبرًا وقسرًا فيمن يختار الضلالة لنفسه،
قوله تعالى: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا عَبَدْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ نَحْنُ وَلَا آبَاؤُنَا...﴾ الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أن الله سبحانه وتعالى لمَّا ذكر (١) أن هؤلاء المشركين لا يزدجرون إلا إذا جاءتهم الملائكة بالتهديد والوعيد، أو أتاهم عذاب الاستئصال، كما حدث لمن قبلهم من الأمم جزاء استهزائهم برسل الله تعالى.. قفى على ذلك ببيان أنهم طعنوا في إرسال الأنبياء جملة، وقالوا إنا مجبورون على أعمالنا فلا فائدة من إرسالهم، فلو شاء الله أن نؤمن به ولا نشرك به شيئًا ونحل ما أحله ولا نحرم شيئًا مما حرمنا... لكان الأمر كما أراد، لكنه لم يشأ إلا ما نحن عليه، فما يقوله الرسل إنما هو من تلقاء أنفسهم، لا من عند الله تعالى.
وقد رد الله عليهم مقالهم، بأنه كلام قد سبق بمثله المكذبون من الأمم السالفة، وما على الرسل إلا التبليغ، وليس عليهم الهداية، ولم يترك الله أمةً دون أن يرسل إليها هاديًا يأمر بعبادته، وينهاهم عن الضلال والشرك، فمنهم من استجاب دعوته، ومنهم من أضلَّه الله على علم، فحقت عليهم كلمة ربك، وأخذهم أخذ عزيز مقتدر، ثم أمرهم بالضرب في الأرض ليروا آثار أولئك المكذبين، الذين أخذوا بذنوبهم، ثم ذكر رسوله بأن الحرص على إيمانهم لا ينفعك شيئًا، فإن الله لا يخلق الهداية جبرًا وقسرًا فيمن يختار الضلالة لنفسه،
(١) المراغي.
193
كما لا يجد أحدًا يدفع عنه بأس الله ونقمته.
قوله تعالى: ﴿وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ...﴾ الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أن الله سبحانه وتعالى لما ذكر (١) حجتهم، وقولهم إنه لا حاجة إلى الأنبياء جميعًا لأنا مجبورون فيما نفعل، وأنه لو شاء الله أن نهتدي لكان دون حاجة إلى إرسال الأنبياء، ورده عليهم بأن الحاجة إليهم إنما هي في تبليغ ما أمر به وترك ما نهى عنه، ولا يلزمون أحدًا بإيمانٍ ولا كفرٍ... أردف هذا بشبهة أخرى لهم، إذ قالوا إنما نحتاج إلى الأنبياء لو كان لنا عودة إلى حياة جديدة بعد الموت فيها ثواب وعقاب، ولكن العودة إلى حياة أخرى غير ممكنة ولا معقولة، ذاك أن الجسم إذا تفرق وذهبت أجزاؤه كل مذهب.. امتنع أن يعود بعينه ليحاسب ويعاقب، فرد الله عليهم ما قالوا بأن هذا ممكن وقد وعد عليه وعدًا حقًّا، وأنه فعل ذلك ليميز الخبيث من الطيب، والعاصي من المطيع، وأيضًا فإيجاده تعالى للأشياء لا يتوقف على سبق مادة ولا آلةٍ، بل يقع ذلك بمحض قدرته ومشيئته، وليس لقدرته دافعٌ ولا مانعٌ.
أسباب النزول
قوله تعالى: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (٢٤)﴾ الآية، قيل سبب نزولها (٢): أن النضر بن الحارث سافر من مكة إلى الحيرة، وكان قد اتخذ كتب التواريخ والأمثال، فجاء إلى مكة فكان يقول إنما يحدث محمد بأساطير الأولين، وحديثي أجمل من حديثه فنزلت الآية.
قوله تعالى: ﴿وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ...﴾ الآية، سبب نزولها (٣): ما أخرجه ابن جرير وابن أبي حاتم وابن المنذر عن أبي العالية قال: كان لرجل من المسلمين على رجل من المشركين دين، فأتاه يتقاضاه، فكان فيما يتكلم به:
قوله تعالى: ﴿وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ...﴾ الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أن الله سبحانه وتعالى لما ذكر (١) حجتهم، وقولهم إنه لا حاجة إلى الأنبياء جميعًا لأنا مجبورون فيما نفعل، وأنه لو شاء الله أن نهتدي لكان دون حاجة إلى إرسال الأنبياء، ورده عليهم بأن الحاجة إليهم إنما هي في تبليغ ما أمر به وترك ما نهى عنه، ولا يلزمون أحدًا بإيمانٍ ولا كفرٍ... أردف هذا بشبهة أخرى لهم، إذ قالوا إنما نحتاج إلى الأنبياء لو كان لنا عودة إلى حياة جديدة بعد الموت فيها ثواب وعقاب، ولكن العودة إلى حياة أخرى غير ممكنة ولا معقولة، ذاك أن الجسم إذا تفرق وذهبت أجزاؤه كل مذهب.. امتنع أن يعود بعينه ليحاسب ويعاقب، فرد الله عليهم ما قالوا بأن هذا ممكن وقد وعد عليه وعدًا حقًّا، وأنه فعل ذلك ليميز الخبيث من الطيب، والعاصي من المطيع، وأيضًا فإيجاده تعالى للأشياء لا يتوقف على سبق مادة ولا آلةٍ، بل يقع ذلك بمحض قدرته ومشيئته، وليس لقدرته دافعٌ ولا مانعٌ.
أسباب النزول
قوله تعالى: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (٢٤)﴾ الآية، قيل سبب نزولها (٢): أن النضر بن الحارث سافر من مكة إلى الحيرة، وكان قد اتخذ كتب التواريخ والأمثال، فجاء إلى مكة فكان يقول إنما يحدث محمد بأساطير الأولين، وحديثي أجمل من حديثه فنزلت الآية.
قوله تعالى: ﴿وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ...﴾ الآية، سبب نزولها (٣): ما أخرجه ابن جرير وابن أبي حاتم وابن المنذر عن أبي العالية قال: كان لرجل من المسلمين على رجل من المشركين دين، فأتاه يتقاضاه، فكان فيما يتكلم به:
(١) المراغي.
(٢) البحر المحيط.
(٣) لباب النقول.
(٢) البحر المحيط.
(٣) لباب النقول.
194
والذي أرجوه بعد الموت إنه لكذا وكذا، فقال له المشرك: إنك لتزعم أنك تبعث من بعد الموت، وأقسم جهد يمينه لا يبعث الله من يموت، فأنزل الله: ﴿وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ...﴾ الآية.
وأخرج (١) هؤلاء عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - ﷺ -: "قال الله: سبَّني ابن آدم، ولم يكن ينبغي له أن يسبني، وكذبني ولم يكن ينبغي له أن يكذبني، فأما تكذيبه إياي فقال: ﴿وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ﴾، وقلت: ﴿بَلَى وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا﴾، وأما سبه إياي فقال: ﴿إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ﴾، وقلت: ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (١) اللَّهُ الصَّمَدُ (٢) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (٣) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ (٤)﴾.
التفسير وأوجه القراءة
٢٤ - ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ﴾ روي أنه اجتمعت (٢) قريش فقالوا: إن محمدًا رجل حلو اللسان، إذا كلم رجلًا.. ذهب بقلبه، فانظروا ناسًا من أشرافكم، فابعثوهم في كل طريق مكة على رأس ليلة أو ليلتين، فمن جاء يريده.. ردوه عنه، فخرج ناس منهم من كل طريق، فكان إذا جاء وافد من القوم ينظر ما يقول محمد فنزل بهم.. قالوا له: هو رجل كذاب ما يتبعه إلا السفهاء والعبيد، ومن لا خير فيه، وأما أشياخ قومه وأخيارهم فهم مفارقوه، فيرجعه أحدهم، وإذا كان الوافد ممن هداه الله.. يقول: بئس الوافد أنا لقومي إن كنت جئت حتى إذا بلغت مسيرة يوم.. رجعت قبل أن ألقى هذا الرجل فأنظر ما يقول، فيدخل مكة فيلقى المؤمنين فيسألهم ما يقول لهم فيقولون خيرًا، فذلك قوله: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ﴾؛ أي: لهؤلاء المشركين المستكبرين المقتسمين طرق مكة من قبل الوفود، أو وفود الحاج في الموسم. ﴿مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ﴾؛ أي: أي شيء أنزل ربكم على محمد - ﷺ -، أو ما الذي أنزل ربكم على محمد ﴿قَالُوا﴾؛ أي: قال أولئك المشركون المقتسمون طرق مكة للوافدين الذين سألوهم عن محمد وعما أنزل عليه: {أَسَاطِيرُ
وأخرج (١) هؤلاء عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - ﷺ -: "قال الله: سبَّني ابن آدم، ولم يكن ينبغي له أن يسبني، وكذبني ولم يكن ينبغي له أن يكذبني، فأما تكذيبه إياي فقال: ﴿وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ﴾، وقلت: ﴿بَلَى وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا﴾، وأما سبه إياي فقال: ﴿إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ﴾، وقلت: ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (١) اللَّهُ الصَّمَدُ (٢) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (٣) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ (٤)﴾.
التفسير وأوجه القراءة
٢٤ - ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ﴾ روي أنه اجتمعت (٢) قريش فقالوا: إن محمدًا رجل حلو اللسان، إذا كلم رجلًا.. ذهب بقلبه، فانظروا ناسًا من أشرافكم، فابعثوهم في كل طريق مكة على رأس ليلة أو ليلتين، فمن جاء يريده.. ردوه عنه، فخرج ناس منهم من كل طريق، فكان إذا جاء وافد من القوم ينظر ما يقول محمد فنزل بهم.. قالوا له: هو رجل كذاب ما يتبعه إلا السفهاء والعبيد، ومن لا خير فيه، وأما أشياخ قومه وأخيارهم فهم مفارقوه، فيرجعه أحدهم، وإذا كان الوافد ممن هداه الله.. يقول: بئس الوافد أنا لقومي إن كنت جئت حتى إذا بلغت مسيرة يوم.. رجعت قبل أن ألقى هذا الرجل فأنظر ما يقول، فيدخل مكة فيلقى المؤمنين فيسألهم ما يقول لهم فيقولون خيرًا، فذلك قوله: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ﴾؛ أي: لهؤلاء المشركين المستكبرين المقتسمين طرق مكة من قبل الوفود، أو وفود الحاج في الموسم. ﴿مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ﴾؛ أي: أي شيء أنزل ربكم على محمد - ﷺ -، أو ما الذي أنزل ربكم على محمد ﴿قَالُوا﴾؛ أي: قال أولئك المشركون المقتسمون طرق مكة للوافدين الذين سألوهم عن محمد وعما أنزل عليه: {أَسَاطِيرُ
(١) المراغي.
(٢) روح البيان.
(٢) روح البيان.
الْأَوَّلِينَ}؛ أي: هذا الذي تذكرون أنه منزل من ربكم على محمد هو أساطير الأولين؛ أي: أحاديث الأمم الماضية وأخبارهم العاطلة، وأكاذيبهم الباطلة، التي غرر بهم الناس واستمال قلوبهم بها، وليس من الإنزال في شيء، وليس فيه شيء من العلوم والحقائق.
وقرأ الجمهور (١): برفع ﴿أَسَاطِيرُ﴾ فاحتمل أن يكون التقدير: المذكور أساطير أو المنزل أساطير، وقرىء شاذًا: ﴿أساطير﴾ بالنصب على معنى ذكرتم أساطير، أو أنزل أساطير، على سبيل التهكم والسخرية؛ لأن التصديق بالإنزال ينافي أساطير، وهم يعتقدون أنه ما نزل شي، ولا أنَّ ثم منزلٌ.
والمعنى: أي (٢) وإذا قيل لهؤلاء الذين لا يؤمنون بالآخرة من المشركين أي شيء أنزله ربكم؟ قالوا: لم ينزل شيئًا إنما الذي يتلى علينا أساطير الأولين؛ أي: هو مأخوذ من كتب المتقدمين، ونحو الآية قوله حكاية عنهم: ﴿وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (٥)﴾ وكانوا يفترون على الرسول - ﷺ - أقوالًا مختلفة، فتارة يقولون: إنه ساحرٌ، وأخرى إنه شاعر أو كاهن، وثالثة إنه مجنون، ثم قر قرارهم على ما اختلقه زعيمهم الوليد بن المغيرة المخزومي كما حكى عنه الكتاب الكريم:
﴿إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ (١٨) فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (١٩) ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (٢٠) ثُمَّ نَظَرَ (٢١) ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ (٢٢) ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ (٢٣) فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ (٢٤)﴾؛ أي: ينقل ويحكى، فتفرقوا معتقدين صحة قوله، وصدق رأيه، قبحهم الله تعالى.
وكان المشركون يقتسمون مداخل مكة، ينفرون عن رسول الله - ﷺ -، إذا سألهم وفود الحاج يقولون هذه المقالة،
٢٥ - ثم بين عاقبة أمرهم فقال: ﴿لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ﴾؛ أي: قالوا (٣) هذه المقالة لكي يحملوا أوزارهم وآثامهم الخاصة بهم، وهي أوزار ضلالهم ﴿كَامِلَةً﴾ لم يكفر منها شيءٌ بمصيبة أصابتهم في الدنيا،
وقرأ الجمهور (١): برفع ﴿أَسَاطِيرُ﴾ فاحتمل أن يكون التقدير: المذكور أساطير أو المنزل أساطير، وقرىء شاذًا: ﴿أساطير﴾ بالنصب على معنى ذكرتم أساطير، أو أنزل أساطير، على سبيل التهكم والسخرية؛ لأن التصديق بالإنزال ينافي أساطير، وهم يعتقدون أنه ما نزل شي، ولا أنَّ ثم منزلٌ.
والمعنى: أي (٢) وإذا قيل لهؤلاء الذين لا يؤمنون بالآخرة من المشركين أي شيء أنزله ربكم؟ قالوا: لم ينزل شيئًا إنما الذي يتلى علينا أساطير الأولين؛ أي: هو مأخوذ من كتب المتقدمين، ونحو الآية قوله حكاية عنهم: ﴿وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (٥)﴾ وكانوا يفترون على الرسول - ﷺ - أقوالًا مختلفة، فتارة يقولون: إنه ساحرٌ، وأخرى إنه شاعر أو كاهن، وثالثة إنه مجنون، ثم قر قرارهم على ما اختلقه زعيمهم الوليد بن المغيرة المخزومي كما حكى عنه الكتاب الكريم:
﴿إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ (١٨) فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (١٩) ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (٢٠) ثُمَّ نَظَرَ (٢١) ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ (٢٢) ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ (٢٣) فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ (٢٤)﴾؛ أي: ينقل ويحكى، فتفرقوا معتقدين صحة قوله، وصدق رأيه، قبحهم الله تعالى.
وكان المشركون يقتسمون مداخل مكة، ينفرون عن رسول الله - ﷺ -، إذا سألهم وفود الحاج يقولون هذه المقالة،
٢٥ - ثم بين عاقبة أمرهم فقال: ﴿لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ﴾؛ أي: قالوا (٣) هذه المقالة لكي يحملوا أوزارهم وآثامهم الخاصة بهم، وهي أوزار ضلالهم ﴿كَامِلَةً﴾ لم يكفر منها شيءٌ بمصيبة أصابتهم في الدنيا،
(١) البحر المحيط.
(٢) المراغي.
(٣) روح البيان.
(٢) المراغي.
(٣) روح البيان.
196
لعدم إسلامهم الذي هو سبب لتكفير الذنوب، كما يكفر بها أوزار المؤمنين، فإن ذنوبهم تكفر عنه من الصلاة إلى الصلاة، من رمضان إلى رمضان، ومن الحج إلى الحج، وتكفر بالشدائد والمصائب؛ أي: المكروهات من الآلام والأسقام، والقحط حتى خدش العود وعثرة القدم، ﴿يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾ ظرف ليحملوا، فاللام (١) في قوله: ﴿لِيَحْمِلُوا﴾ للتعليل كما فسرنا، وقيل إن اللام هي لام العاقبة؛ لأنهم لم يصفوا القرآن بكونه أساطير لأجل أن يحملوا الأوزار، ولكن لما كان عاقبتهم ذلك حسن التعليل به، كقوله: ﴿لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا﴾، وقيل هي لام الأمر والأوزار جمع وزرٍ: الآثام.
قال الإِمام الرازي: وقوله: ﴿كَامِلَةً﴾ يدل (٢) على أنه سبحانه وتعالى قد يسقط بعض العقاب عن المؤمنين، إذ لو كان هذا المعنى حاصلًا في حق الكل.. لم يكن لتخصيص هؤلاء الكفاء بهذا التكميل فائدة، ﴿و﴾ ليحملوا ﴿من أوزار الذين يضلونهم﴾؛ أي (٣): بعض أوزار من ضل بإضلالهم، وهو وزر الإضلال والتسبب للضلال؛ لأنهما شريكان، هذا يضله وهذا يطاوعه، فيتحاملان الوزر، وفي الحديث الصحيح عن أبي هريرة - رضي الله عنه -: أن رسول الله - ﷺ - قال: "من دعا إلى هدى.. كان له من الأجر مثل أجور من تبعه، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئًا، ومن دعا إلى ضلالة.. كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه، لا ينقص ذلك من آثامهم شيئًا" أخرجه مسلم، ومعنى الآية والحديث (٤): أن الرئيس أو الكبير إذا سنَّ سنة حسنة أو قبيحة فتبعه عليها جماعة، فعملوا بها.. فإن الله سبحانه وتعالى يعظم ثوابه أو عقابه، حتى يكونه ذلك الثواب أو العقاب الذي يستحقه الأتباع إلى الرؤساء، لأن ذلك ليس بعدلٍ، ويدل عليه قوله تعالى: ﴿أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى (٣٨)﴾، وقوله: ﴿وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى (٣٩)﴾.
قال الواحديُّ: ولفظة ﴿مِنْ﴾ (٥) في قوله: ﴿وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ﴾
قال الإِمام الرازي: وقوله: ﴿كَامِلَةً﴾ يدل (٢) على أنه سبحانه وتعالى قد يسقط بعض العقاب عن المؤمنين، إذ لو كان هذا المعنى حاصلًا في حق الكل.. لم يكن لتخصيص هؤلاء الكفاء بهذا التكميل فائدة، ﴿و﴾ ليحملوا ﴿من أوزار الذين يضلونهم﴾؛ أي (٣): بعض أوزار من ضل بإضلالهم، وهو وزر الإضلال والتسبب للضلال؛ لأنهما شريكان، هذا يضله وهذا يطاوعه، فيتحاملان الوزر، وفي الحديث الصحيح عن أبي هريرة - رضي الله عنه -: أن رسول الله - ﷺ - قال: "من دعا إلى هدى.. كان له من الأجر مثل أجور من تبعه، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئًا، ومن دعا إلى ضلالة.. كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه، لا ينقص ذلك من آثامهم شيئًا" أخرجه مسلم، ومعنى الآية والحديث (٤): أن الرئيس أو الكبير إذا سنَّ سنة حسنة أو قبيحة فتبعه عليها جماعة، فعملوا بها.. فإن الله سبحانه وتعالى يعظم ثوابه أو عقابه، حتى يكونه ذلك الثواب أو العقاب الذي يستحقه الأتباع إلى الرؤساء، لأن ذلك ليس بعدلٍ، ويدل عليه قوله تعالى: ﴿أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى (٣٨)﴾، وقوله: ﴿وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى (٣٩)﴾.
قال الواحديُّ: ولفظة ﴿مِنْ﴾ (٥) في قوله: ﴿وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ﴾
(١) الشوكاني.
(٢) الفخر الرازي.
(٣) روح البيان.
(٤) الخازن.
(٥) الواحدي.
(٢) الفخر الرازي.
(٣) روح البيان.
(٤) الخازن.
(٥) الواحدي.
197
ليست للتبعيض؛ لأنها لو كانت للتبعيض لنقص عن الأتباع بعض الأوزار، وذلك غير جائز لقوله عليه الصلاة والسلام: "لا ينقص ذلك من آثامهم شيئًا"، ولكنها للجنس؛ أي: وليحملوا من جنس أوزار الأتباع.
وقوله: ﴿بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾ حال من الفاعل؛ أي: يضلونهم غير عالمين بأن ما يدعون إليه طريق الضلال، وبما يستحقونه من العذاب الشديد في مقابلة الإضلال، أو من المفعول؛ أي: يضلون من لا يعلم أنهم ضلالٌ.
وفائدة (١) التقييد بهذا الإشعار بأن مكرهم لا يروج عند ذوي لب، وإنما يتبعهم الأغبياء، والتنبيه على أن جهلهم ذلك لا يكون عذرًا، إذ كان يجب عليهم أن يبحثوا ويميزوا بين المحق الحقيق بالاتباع وبين المبطل، ﴿أَلَا﴾ حرف تنبيه ﴿سَاءَ﴾ من أفعال الذم بمعنى بئس، والضمير الذي فيه يجب أن يكون مبهمًا يفسره ﴿مَا يَزِرُونَ﴾ والمخصوص بالذم محذوف؛ أي: بئس شيئًا يزرونه؛ أي: يحملونه، والمخصوص بالذم فعلهم ففيه وعيدٌ وتهديد لهم.
واعلم: أنه لا يحمل أحدٌ وزر أحد، إذ كل نفس تحمل ما اكتسب هي، لا ما كسبت غيرها، إذ ليس ذلك من مقتضى الحكمة الإلهية، وأما حمل وزر الإضلال فهو حمل وزر نفس؛ لأنه مضاف إليه لا إلى غيره، فعلى العاقل أن يجتنب من الضلال والإضلال في أمور الشريعة، فمن حمل القرآن على الأساطير، ودعا الناس إلى القول بها، فقد ضل وأضل، وكذا في جميع أمور الشريعة.
٢٦ - ثم بين لهم أن غائلة مكرهم عائدةٌ إليهم، ووبال ذلك لاحقٌ بهم، كدأب من قبلهم من الأمم الخالية الذين أصابهم من العذاب ما أصابهم بتكذيبهم لرسلهم، فقال: ﴿قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ﴾؛ أي: من قبل كفار قريش، والمكر الخديعة؛ أي: قد مكر أهل مكة بمحمد - ﷺ -، كما مكر الذين من قبلهم بأنبيائهم، وصار المكر سببًا لهلاكهم لا لهلاك غيرهم؛ لأن من حفر لأخيه جبًّا وقع فيه منكبًا، وفي هذا وعيد للكفار المعاصرين له - ﷺ -، بأن مكرهم سيعود
وقوله: ﴿بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾ حال من الفاعل؛ أي: يضلونهم غير عالمين بأن ما يدعون إليه طريق الضلال، وبما يستحقونه من العذاب الشديد في مقابلة الإضلال، أو من المفعول؛ أي: يضلون من لا يعلم أنهم ضلالٌ.
وفائدة (١) التقييد بهذا الإشعار بأن مكرهم لا يروج عند ذوي لب، وإنما يتبعهم الأغبياء، والتنبيه على أن جهلهم ذلك لا يكون عذرًا، إذ كان يجب عليهم أن يبحثوا ويميزوا بين المحق الحقيق بالاتباع وبين المبطل، ﴿أَلَا﴾ حرف تنبيه ﴿سَاءَ﴾ من أفعال الذم بمعنى بئس، والضمير الذي فيه يجب أن يكون مبهمًا يفسره ﴿مَا يَزِرُونَ﴾ والمخصوص بالذم محذوف؛ أي: بئس شيئًا يزرونه؛ أي: يحملونه، والمخصوص بالذم فعلهم ففيه وعيدٌ وتهديد لهم.
واعلم: أنه لا يحمل أحدٌ وزر أحد، إذ كل نفس تحمل ما اكتسب هي، لا ما كسبت غيرها، إذ ليس ذلك من مقتضى الحكمة الإلهية، وأما حمل وزر الإضلال فهو حمل وزر نفس؛ لأنه مضاف إليه لا إلى غيره، فعلى العاقل أن يجتنب من الضلال والإضلال في أمور الشريعة، فمن حمل القرآن على الأساطير، ودعا الناس إلى القول بها، فقد ضل وأضل، وكذا في جميع أمور الشريعة.
٢٦ - ثم بين لهم أن غائلة مكرهم عائدةٌ إليهم، ووبال ذلك لاحقٌ بهم، كدأب من قبلهم من الأمم الخالية الذين أصابهم من العذاب ما أصابهم بتكذيبهم لرسلهم، فقال: ﴿قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ﴾؛ أي: من قبل كفار قريش، والمكر الخديعة؛ أي: قد مكر أهل مكة بمحمد - ﷺ -، كما مكر الذين من قبلهم بأنبيائهم، وصار المكر سببًا لهلاكهم لا لهلاك غيرهم؛ لأن من حفر لأخيه جبًّا وقع فيه منكبًا، وفي هذا وعيد للكفار المعاصرين له - ﷺ -، بأن مكرهم سيعود
(١) روح البيان.
198
عليهم كما عاد مكر من قبلهم على أنفسهم.
قال في "المدارك": الجمهور عل أن المراد به - نمروذ بن كنعان - وكان من أكبر ملوك أهل الأرض في زمن إبراهيم عليه السلام، حين بنى الصرح ببابل، وكان قصرًا عظيمًا طوله خمسة آلاف ذراع، وعرضه فرسخان ليقاتل عليه من في السماء بزعمه، ويطلع على إله إبراهيم عليه السلام، فهبت ريح فقصفت وألقت رأسه في البحر، وخر عليهم الباقي فأهلكهم وهم تحته، ولما سقط تبلبلت ألسنة الناس من الفزع، فتكلموا يومئذ بثلاثة وسبعين لسانًا، فلذلك سميت بابل، وكان لسان الناس قبل ذلك السريانية، وهذا قول مردود؛ لأن التبلبل يوجب الاختلاط والتكلم بشيء غير مستقيم، فأما أن يوجب إحداث لغات مضبوطة الحواشي فباطل، وإنما اللغات تعليم من الله تعالى.
قلت (١): هكذا ذكره البغوي، وفي هذا نظر؛ لأن صالحًا عليه السلام كان قبلهم، وكان يتكلم بالعربية، وكان أهل اليمن عربًا منهم جرهم، الذي نشأ إسماعيل بينهم، وتعلم منهم العربية، وكانت قبائل من العرب قديمة قبل إبراهيم عليه السلام، مثل طسم وجديس وكل هؤلاء عرب تكلموا في قديم الزمان بالعربية، ويدل على صحة هذا قوله: ﴿وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى﴾ الله أعلم، وقيل حمل قوله: ﴿قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ﴾ على العموم أولى، فتكون الآية عامة في جميع الماكرين المبطلين، الذين يحاولون إلحاق الضرر والمكر بالغير.
﴿فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ﴾؛ أي: أتى أمر الله، وهو الريح التي أخربت بنيانهم، قال المفسرون: أرسل الله ريحًا فألقت رأس الصرح في البحر، وخر عليهم الباقي فهلكوا والبنيان (٢) البناء والجمع أبنية، والقواعد جمع قاعدة، وقواعد البيت أساسه وأساطينه وسواريه، ما سيأتي في مباحث التصريف؛ أي: قصد الله سبحانه وتعالى وأراد تخريب بنائهم من جهة أصوله وأساسه، وأتاه أمره وحكمه وبأسه، أو من جهة الأساطين والسواري التي بنوا عليها بأن ضعفت وزلزلت،
قال في "المدارك": الجمهور عل أن المراد به - نمروذ بن كنعان - وكان من أكبر ملوك أهل الأرض في زمن إبراهيم عليه السلام، حين بنى الصرح ببابل، وكان قصرًا عظيمًا طوله خمسة آلاف ذراع، وعرضه فرسخان ليقاتل عليه من في السماء بزعمه، ويطلع على إله إبراهيم عليه السلام، فهبت ريح فقصفت وألقت رأسه في البحر، وخر عليهم الباقي فأهلكهم وهم تحته، ولما سقط تبلبلت ألسنة الناس من الفزع، فتكلموا يومئذ بثلاثة وسبعين لسانًا، فلذلك سميت بابل، وكان لسان الناس قبل ذلك السريانية، وهذا قول مردود؛ لأن التبلبل يوجب الاختلاط والتكلم بشيء غير مستقيم، فأما أن يوجب إحداث لغات مضبوطة الحواشي فباطل، وإنما اللغات تعليم من الله تعالى.
قلت (١): هكذا ذكره البغوي، وفي هذا نظر؛ لأن صالحًا عليه السلام كان قبلهم، وكان يتكلم بالعربية، وكان أهل اليمن عربًا منهم جرهم، الذي نشأ إسماعيل بينهم، وتعلم منهم العربية، وكانت قبائل من العرب قديمة قبل إبراهيم عليه السلام، مثل طسم وجديس وكل هؤلاء عرب تكلموا في قديم الزمان بالعربية، ويدل على صحة هذا قوله: ﴿وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى﴾ الله أعلم، وقيل حمل قوله: ﴿قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ﴾ على العموم أولى، فتكون الآية عامة في جميع الماكرين المبطلين، الذين يحاولون إلحاق الضرر والمكر بالغير.
﴿فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ﴾؛ أي: أتى أمر الله، وهو الريح التي أخربت بنيانهم، قال المفسرون: أرسل الله ريحًا فألقت رأس الصرح في البحر، وخر عليهم الباقي فهلكوا والبنيان (٢) البناء والجمع أبنية، والقواعد جمع قاعدة، وقواعد البيت أساسه وأساطينه وسواريه، ما سيأتي في مباحث التصريف؛ أي: قصد الله سبحانه وتعالى وأراد تخريب بنائهم من جهة أصوله وأساسه، وأتاه أمره وحكمه وبأسه، أو من جهة الأساطين والسواري التي بنوا عليها بأن ضعفت وزلزلت،
(١) الخازن.
(٢) روح البيان.
(٢) روح البيان.
199
﴿فَخَرَّ﴾؛ أي: سقط ﴿عَلَيْهِمُ السَّقْفُ﴾؛ أي: سقف بنائهم ﴿مِنْ فَوْقِهِمْ﴾ فأهلكهم، وقوله: ﴿مِنْ فَوْقِهِمْ﴾ للتأكيد؛ لأن السقف لا يخر إلا من فوقهم، وقيل (١) جاء بفوقهم وعليهم، للإيذان بأنهم كانوا تحته، فإن العرب لا تقول سقط علينا البيت وليسوا تحته، روي أنه هبت عليه ريحٌ هائلة فألقت رأسه في البحر، وخر الباقي عليهم، ولما سقط الصرح تبلبلت الألسن من الفزع يومئذٍ، فتكلموا ثلاثة وسبعين لسانًا، فلذلك سميت ببابل، وكان لسان الناس قبل ذلك بالسريانية كما مر.
هذا (٢) إذا حملنا تفسير الآية على القول الأول، وهو ظاهر اللفظ، وإن حملنا تفسير الآية على القول الثاني، وهو حملها على العموم.. كان المعنى أنهم لما رتبوا منصوبات ليمكروا بها أنبياء الله تعالى، وأهل الحق من عباده.. أهلكهم الله تعالى، وجعل هلاكهم مثل هلاك قوم بنوا بنيانًا شديدًا ودعموه، فانهدم ذلك البنيان وسقط عليهم سقف بنيانهم، فأهلكهم، شبهت حال أولئك الماكرين في تسويتهم المكايد، وإبطاله تعالى تلك الحيل، وجعله تعالى إياها أسبابًا لهلاكهم، بحال قوم بنوا بنيانًا وعمدوه بالأساطين، فضعضعت تلك الأساطين، فسقط عليهم السقف، فهلكوا، فو مثل ضربه الله تعالى لمن مكر بآخر فأهلكه الله بمكره، ومنه المثل السائر على ألسنة الناس: من حفر لأخيه قليبًا وقع فيه قريبًا.
﴿وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ﴾، أي: وجاءهم الهلاك بالريح ﴿مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ﴾ بإتيانه منه، بل يتوقعون إتيان مقابله مما يريدون ويشتهون، أو أنهم اعتمدوا على منصوباتهم، ثم تولد البلاء منها بأعيانها.
والمعنى: أن هؤلاء الماكرين القائلين للقرآن العظيم أساطير الأولين سيأتيهم في الدنيا من العذاب مثل ما أتاهم، من جهة لا تخطر ببالهم.
وخلاصة ذلك: أن الله تعالى أحبط أعمالهم، وجعلها وبالًا عليهم ونقمة لهم.
هذا (٢) إذا حملنا تفسير الآية على القول الأول، وهو ظاهر اللفظ، وإن حملنا تفسير الآية على القول الثاني، وهو حملها على العموم.. كان المعنى أنهم لما رتبوا منصوبات ليمكروا بها أنبياء الله تعالى، وأهل الحق من عباده.. أهلكهم الله تعالى، وجعل هلاكهم مثل هلاك قوم بنوا بنيانًا شديدًا ودعموه، فانهدم ذلك البنيان وسقط عليهم سقف بنيانهم، فأهلكهم، شبهت حال أولئك الماكرين في تسويتهم المكايد، وإبطاله تعالى تلك الحيل، وجعله تعالى إياها أسبابًا لهلاكهم، بحال قوم بنوا بنيانًا وعمدوه بالأساطين، فضعضعت تلك الأساطين، فسقط عليهم السقف، فهلكوا، فو مثل ضربه الله تعالى لمن مكر بآخر فأهلكه الله بمكره، ومنه المثل السائر على ألسنة الناس: من حفر لأخيه قليبًا وقع فيه قريبًا.
﴿وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ﴾، أي: وجاءهم الهلاك بالريح ﴿مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ﴾ بإتيانه منه، بل يتوقعون إتيان مقابله مما يريدون ويشتهون، أو أنهم اعتمدوا على منصوباتهم، ثم تولد البلاء منها بأعيانها.
والمعنى: أن هؤلاء الماكرين القائلين للقرآن العظيم أساطير الأولين سيأتيهم في الدنيا من العذاب مثل ما أتاهم، من جهة لا تخطر ببالهم.
وخلاصة ذلك: أن الله تعالى أحبط أعمالهم، وجعلها وبالًا عليهم ونقمة لهم.
(١) روح البيان.
(٢) الخازن.
(٢) الخازن.
200
وقرأ الجمهور (١): ﴿بُنْيَانَهُمْ﴾، وقرأت فرقة ﴿بنْيَتُهم﴾ وقرأ جعفر: ﴿بَيْتهُم﴾ والضحاك: ﴿بيوتهم﴾، وقرأ الجمهور: ﴿السَّقْفُ﴾ مفردًا، والأعرج ﴿السقف﴾ بضمتين، وزيد بن علي ومجاهد بضم السين فقط، وتقدم توجيه مثل هاتين القراءتين في: ﴿وبالنجم﴾، وقرأت فرقة (﴿السَّقُف﴾ بفتح السين وضم القاف، وهي لغة في السقف ولعل السقف مخفف منه، ولكنه كثر استعماله، كما قالوا في رجل رجل وهي لغة تميمية.
٢٧ - وبعد أن بين سبحانه ما حل بأصحاب المكر في الدنيا من العذاب والهلاك.. بين حالهم في الآخرة فقال: ﴿ثُمَّ﴾ بعد ما عجل لهم العذاب في الدنيا إن ربك: ﴿يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُخْزِيهِمْ﴾ ويذلهم ويهينهم بعذاب أليم؛ أي (٢): يذل أولئك المفترين والماكرين والذين من قبلهم جميعًا بعذاب الخزي على رؤوس الأشهاد. وفيه (٣) إشهار بأن العذاب يحصل لهم في الدنيا والآخرة، لأن الخزي هو العذاب مع الهوان، وأصل الخزي ذل يستحيى منه، وثم لتفاوت ما بين الجزاءين ﴿وَيَقُولُ﴾ لهم حين ورودهم عليه، على سبيل الاستهزاء والسخرية والتوبيخ، والفضيحة لهم، فهو إلى آخره بيان للإخزاء ﴿أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ﴾ تزعمون في الدنيا أنهم شركائي، وكنتم ﴿تُشَاقُّونَ﴾؛ أي: تخاصمون الأنبياء والمؤمنين ﴿فِيهِمْ﴾؛ أي: في شأنهم، بأنهم شركاء أحقاء، حين بينوا لكم بطلانها، وهلا تحضرونهم اليوم ليدفعوا عنكم ما يحل بكم من العذاب، فقد كنتم تعبدونهم في الدنيا وتتولونهم، والولي ينصر وليه، والمراد من المشاقة فيهم مخاصمة الأنبياء وأتباعهم في شأنهم، وزعمهم أنهم شركاء حقًّا، حين بينوا لهم ذلك، والمراد بالاستفهام عن ذلك الاستهزاء والتبكيت والتوبيخ والاحتقار لشأنهم، إذ كانوا يقولون: إن صح ما تدعون إليه من عذابنا فالأصنام تشفع لنا، والاستفسار عن مكانهم لا يوجب غيبتهم حقيقةً، بل يكفي ذلك عدم حضورهم بالعنوان الذي كانوا يزعمون أنهم متصفون به، من عنوان الإلهية، فليس هناك
٢٧ - وبعد أن بين سبحانه ما حل بأصحاب المكر في الدنيا من العذاب والهلاك.. بين حالهم في الآخرة فقال: ﴿ثُمَّ﴾ بعد ما عجل لهم العذاب في الدنيا إن ربك: ﴿يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُخْزِيهِمْ﴾ ويذلهم ويهينهم بعذاب أليم؛ أي (٢): يذل أولئك المفترين والماكرين والذين من قبلهم جميعًا بعذاب الخزي على رؤوس الأشهاد. وفيه (٣) إشهار بأن العذاب يحصل لهم في الدنيا والآخرة، لأن الخزي هو العذاب مع الهوان، وأصل الخزي ذل يستحيى منه، وثم لتفاوت ما بين الجزاءين ﴿وَيَقُولُ﴾ لهم حين ورودهم عليه، على سبيل الاستهزاء والسخرية والتوبيخ، والفضيحة لهم، فهو إلى آخره بيان للإخزاء ﴿أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ﴾ تزعمون في الدنيا أنهم شركائي، وكنتم ﴿تُشَاقُّونَ﴾؛ أي: تخاصمون الأنبياء والمؤمنين ﴿فِيهِمْ﴾؛ أي: في شأنهم، بأنهم شركاء أحقاء، حين بينوا لكم بطلانها، وهلا تحضرونهم اليوم ليدفعوا عنكم ما يحل بكم من العذاب، فقد كنتم تعبدونهم في الدنيا وتتولونهم، والولي ينصر وليه، والمراد من المشاقة فيهم مخاصمة الأنبياء وأتباعهم في شأنهم، وزعمهم أنهم شركاء حقًّا، حين بينوا لهم ذلك، والمراد بالاستفهام عن ذلك الاستهزاء والتبكيت والتوبيخ والاحتقار لشأنهم، إذ كانوا يقولون: إن صح ما تدعون إليه من عذابنا فالأصنام تشفع لنا، والاستفسار عن مكانهم لا يوجب غيبتهم حقيقةً، بل يكفي ذلك عدم حضورهم بالعنوان الذي كانوا يزعمون أنهم متصفون به، من عنوان الإلهية، فليس هناك
(١) البحر المحيط.
(٢) روح البيان.
(٣) الخازن.
(٢) روح البيان.
(٣) الخازن.
شركاء ولا أماكنها، والخلاصة أنه لا شركاء ولا أماكن لهم.
وقرأ الجمهور (١): شركائي ممدودًا مهموزًا مفتوح الياء، وقرأت فرقة كذلك تسكنها، فسقط في الدرج لالتقاء الساكنين، والبزي عن ابن كثير بخلاف عنه مقصورًا، وفتح الياء هنا خاصةً بوزن هداي، وروي عنه ترك الهمز في القصص، وقرأ الجمهور ﴿تشاقون﴾ بفتح النون، وقرأ نافع بكسرها، ورويت عن الحسن، ولا يلتفت إلى تضعيف أبي حاتم هذه القراءة، وقرأت فرقة بتشديدها، أدغم نون الرفع في نون الوقاية.
ثم ذكر مقال الأنبياء والمرسلين في شأنهم يوم القيامة بقوله: ﴿قَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ﴾ من أهل الموقف، وهم الأنبياء - صلوات الله عليهم - والمؤمنون الذين أوتوا علمًا بدلائل التوحيد، وكانوا يدعونهم في الدنيا إلى التوحيد، فيجادلونهم ويتكبرون عليهم؛ أي: يقولون توبيخًا لهم وإظهارًا للشماتة بهم ﴿إِنَّ الْخِزْيَ﴾؛ أي: الفضيحة والذل والهوان ﴿اليوم﴾ في هذا اليوم، الذي يفصل فيه القضاء، متعلق بالخزي، وإيراده (٢) للإشعار بأنهم كانوا قبل ذلك في عزة وشقاق.
﴿وَالسُّوءَ﴾؛ أي: العذاب ﴿عَلَى الْكَافِرِينَ﴾ باللهِ تعالى وبآياته ورسله، وهو قصر للجنس الادّعائي، كأن ما يكون من الذل وهو العذاب لعصاة المؤمنين لعدم بقائه، ليس من ذلك الجنس، ومرادهم بهذه المقالة الشماتة، وزيادة الإهانة للكافرين وفي ذلك إعظام للعلم، إذ لا يقول ذلك إلا أهله.
٢٨ - ثم بين الكافرين الذين يستحقون هذا العذاب، هم الذين استمر كفرهم إلى أن تتوفاهم الملائكة وهم ظالموا أنفسهم، فقال: ﴿الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ﴾ والموصول في محل الجر على أنه نعت للكافرين، وفائدة هذا النعت تخصيص الخزي والسوء بمن استمر كفره إلى حين الموت، دون من آمن منهم، ولو في آخر عمره؛ أي: إن الخزي والسوء على الكافرين الذين استمروا على الكفر حتى تقبض ملائكة الموت أرواحهم؛ أي: عزرائيل وأعوانه حالة كونهم {ظَالِمِي
وقرأ الجمهور (١): شركائي ممدودًا مهموزًا مفتوح الياء، وقرأت فرقة كذلك تسكنها، فسقط في الدرج لالتقاء الساكنين، والبزي عن ابن كثير بخلاف عنه مقصورًا، وفتح الياء هنا خاصةً بوزن هداي، وروي عنه ترك الهمز في القصص، وقرأ الجمهور ﴿تشاقون﴾ بفتح النون، وقرأ نافع بكسرها، ورويت عن الحسن، ولا يلتفت إلى تضعيف أبي حاتم هذه القراءة، وقرأت فرقة بتشديدها، أدغم نون الرفع في نون الوقاية.
ثم ذكر مقال الأنبياء والمرسلين في شأنهم يوم القيامة بقوله: ﴿قَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ﴾ من أهل الموقف، وهم الأنبياء - صلوات الله عليهم - والمؤمنون الذين أوتوا علمًا بدلائل التوحيد، وكانوا يدعونهم في الدنيا إلى التوحيد، فيجادلونهم ويتكبرون عليهم؛ أي: يقولون توبيخًا لهم وإظهارًا للشماتة بهم ﴿إِنَّ الْخِزْيَ﴾؛ أي: الفضيحة والذل والهوان ﴿اليوم﴾ في هذا اليوم، الذي يفصل فيه القضاء، متعلق بالخزي، وإيراده (٢) للإشعار بأنهم كانوا قبل ذلك في عزة وشقاق.
﴿وَالسُّوءَ﴾؛ أي: العذاب ﴿عَلَى الْكَافِرِينَ﴾ باللهِ تعالى وبآياته ورسله، وهو قصر للجنس الادّعائي، كأن ما يكون من الذل وهو العذاب لعصاة المؤمنين لعدم بقائه، ليس من ذلك الجنس، ومرادهم بهذه المقالة الشماتة، وزيادة الإهانة للكافرين وفي ذلك إعظام للعلم، إذ لا يقول ذلك إلا أهله.
٢٨ - ثم بين الكافرين الذين يستحقون هذا العذاب، هم الذين استمر كفرهم إلى أن تتوفاهم الملائكة وهم ظالموا أنفسهم، فقال: ﴿الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ﴾ والموصول في محل الجر على أنه نعت للكافرين، وفائدة هذا النعت تخصيص الخزي والسوء بمن استمر كفره إلى حين الموت، دون من آمن منهم، ولو في آخر عمره؛ أي: إن الخزي والسوء على الكافرين الذين استمروا على الكفر حتى تقبض ملائكة الموت أرواحهم؛ أي: عزرائيل وأعوانه حالة كونهم {ظَالِمِي
(١) البحر المحيط.
(٢) روح البيان.
(٢) روح البيان.
أَنْفُسِهِمْ} ومعرضيها للعذاب المخلد، باستمرارهم عل كفرهم واستكبارهم عن طاعة الملك الجبار، وتبديلهم فطرة الله تبديلًا وأي ظلم للنفس أشد من الكفر (١)، وقرأ حمزة والأعمش: ﴿يتوفاهم﴾ بالياء من أسفل في الموضعين، وقرىء بإدغام تاء المضارعة في التاء بعدها، وفي مصحف عبد الله بتاء واحدة في الموضعين، ذكره في "البحر".
ثم ذكر حالهم حينئذٍ من الخضوع والمذلة فقال: ﴿فَأَلْقَوُا السَّلَمَ﴾ عطف على قوله تعالى: ﴿وَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ﴾ والسلم بالتحريك الاستسلام؛ أي: فيلقون الاستسلام والانقياد في الآخرة، حين عاينوا العذاب، ويتركون المشاقة والمخاصمة، وينزلون عما كانوا عليه في الدنيا من التكبر، والعلو وشدة الشكيمة قائلين: ﴿مَا كُنَّا نَعْمَلُ﴾ في الدنيا ﴿مِنْ سُوءٍ﴾؛ أي: من شرك، قالوا ذلك منكرين لصدوره عنهم قصدًا لتخليص نفوسهم من العذاب؛ أي: أسلموا (٢) وأقروا لله بالعبودية، حين عاينوا العذاب عند الموت، قائلين ما كنا نشرك بربنا أحدًا، وهم قد كذبوا على ربهم واعتصموا بالباطل رجاء النجاة، ونحو الآية قوله تعالى حكاية عنهم: ﴿وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ﴾.
﴿بَلَى﴾ رد عليهم من قبل الله تعالى، أو من قبل الملائكة، أو من قبل أولي العلم، وإثبات لما نفوه؛ أي: فتقول الملائكة بلى كنتم تعملون أعظم الشرك وأقبح الآثام و ﴿إِنَّ اللَّهَ﴾ سبحانه وتعالى ﴿عَلِيمٌ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ في الدنيا من الشرك، فهو يجازيكم عليه، وهذا أوانه فلا يفيدكم إنكاركم وكذبكم على أنفسكم
٢٩ - والفاء في قوله: ﴿فَادْخُلُوا﴾ للتعقيب ﴿أَبْوَابَ جَهَنَّمَ﴾؛ أي: كل صنف بابه المعدُّ له؛ أي: فادخلوا طبقات جهنم، وذوقوا ألوانًا من العذاب، بما دنستم به أنفسكم من الإشراك بربكم، واجتراحكم عظيم الموبقات والمعاصي، حالة كونكم ﴿خَالِدِينَ فِيهَا﴾ أبدًا إن (٣) أريد بالدخول حدوثه.. فالحال مقدرة، وإن أريد مطلق الكون فيها.. فمقارنة، والفاء في قوله ﴿فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ﴾ عن قبول
ثم ذكر حالهم حينئذٍ من الخضوع والمذلة فقال: ﴿فَأَلْقَوُا السَّلَمَ﴾ عطف على قوله تعالى: ﴿وَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ﴾ والسلم بالتحريك الاستسلام؛ أي: فيلقون الاستسلام والانقياد في الآخرة، حين عاينوا العذاب، ويتركون المشاقة والمخاصمة، وينزلون عما كانوا عليه في الدنيا من التكبر، والعلو وشدة الشكيمة قائلين: ﴿مَا كُنَّا نَعْمَلُ﴾ في الدنيا ﴿مِنْ سُوءٍ﴾؛ أي: من شرك، قالوا ذلك منكرين لصدوره عنهم قصدًا لتخليص نفوسهم من العذاب؛ أي: أسلموا (٢) وأقروا لله بالعبودية، حين عاينوا العذاب عند الموت، قائلين ما كنا نشرك بربنا أحدًا، وهم قد كذبوا على ربهم واعتصموا بالباطل رجاء النجاة، ونحو الآية قوله تعالى حكاية عنهم: ﴿وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ﴾.
﴿بَلَى﴾ رد عليهم من قبل الله تعالى، أو من قبل الملائكة، أو من قبل أولي العلم، وإثبات لما نفوه؛ أي: فتقول الملائكة بلى كنتم تعملون أعظم الشرك وأقبح الآثام و ﴿إِنَّ اللَّهَ﴾ سبحانه وتعالى ﴿عَلِيمٌ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ في الدنيا من الشرك، فهو يجازيكم عليه، وهذا أوانه فلا يفيدكم إنكاركم وكذبكم على أنفسكم
٢٩ - والفاء في قوله: ﴿فَادْخُلُوا﴾ للتعقيب ﴿أَبْوَابَ جَهَنَّمَ﴾؛ أي: كل صنف بابه المعدُّ له؛ أي: فادخلوا طبقات جهنم، وذوقوا ألوانًا من العذاب، بما دنستم به أنفسكم من الإشراك بربكم، واجتراحكم عظيم الموبقات والمعاصي، حالة كونكم ﴿خَالِدِينَ فِيهَا﴾ أبدًا إن (٣) أريد بالدخول حدوثه.. فالحال مقدرة، وإن أريد مطلق الكون فيها.. فمقارنة، والفاء في قوله ﴿فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ﴾ عن قبول
(١) البحر المحيط.
(٢) المراح.
(٣) روح البيان.
(٢) المراح.
(٣) روح البيان.
التوحيد، وسائر ما أتت به الأنبياء، عاطفة على فاء التعقيب، واللام للتأكيد تجري مجرى القسم، والمثوى المنزل والمقام والمخصوص بالذم محذوف، وهو جهنم؛ أي: فوالله لبئس وقبح مثوى المتكبرين عن توحيد الله، وطاعة الرسل، والمخصوص بالذم جهنم؛ أي: فلبئس (١) المقيل والمقام دار الذل والهوان، لمن كان متكبرًا عن اتباع الرسل، والاهتداء بالآيات التي أنزلت عليهم، وما أفظعها من دار وصفها ربنا بقوله: ﴿لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا﴾.
وذكرهم بعنوان (٢) التكبر للإشعار بعلته لثوابهم وإقامتهم فيها، والمراد المتكبر عن التوحيد، أو كل متكبر من المشركين والمسلمين.
فائدة: قال الشيخ علي السمرقندي في تفسيره المسمى بـ "بحر العلوم": التكبر ينقسم على ثلاثة أقسام: التكبر على الله تعالى، وهو أخبث أنواع الكبر وأقبحها، وما منشأه إلا الجهل المحض، ثم التكبر على الرسل من تعزز النفس، وترفعها عن الانقياد لبشر مثل سائر الناس، وهذا كالتكبر على الله تعالى في الوقاحة واستحقاق العذاب السرمديِّ، والثالث التكبر على العباد، وهو بأن يستعظم نفسه، ويستحقر غيره، فيأبى عن الانقياد لهم، ويدعوه إلى الترفع عليهم، فيزدريهم ويستصغرهم ويستنكف عن مساواتهم، وهو أيضًا قبيح، وصاحبه جاهل كبير يستأهل سخطًا عظيمًا لو لم يتب، وإن كان دون الأولين للدخول تحت عموم قوله: ﴿مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ﴾، وأيضًا من تكبر على أحد من عباد الله فقد نازع الله في ردائه وفي صفةٍ من صفاته، قال أبو صالح حمدان بن أحمد القصار - رحمه الله تعالى -: من ظن أن نفسه خيرٌ من نفس فرعون فقد أظهر الكبر.
٣٠ - ثم أتبع أوصاف الأشقياء بأوصاف السعداء فقال: ﴿وَقيِلَ﴾ روي (٣) أن أحياء العرب كانوا يبعثون أيام موسم الحج من يأتيهم بخبر النبي - ﷺ -، فإذا جاء الوافد كفه المقتسمون الذين اقتسموا طرق مكة، وأمروه بالانصراف، وقالوا: إن
وذكرهم بعنوان (٢) التكبر للإشعار بعلته لثوابهم وإقامتهم فيها، والمراد المتكبر عن التوحيد، أو كل متكبر من المشركين والمسلمين.
فائدة: قال الشيخ علي السمرقندي في تفسيره المسمى بـ "بحر العلوم": التكبر ينقسم على ثلاثة أقسام: التكبر على الله تعالى، وهو أخبث أنواع الكبر وأقبحها، وما منشأه إلا الجهل المحض، ثم التكبر على الرسل من تعزز النفس، وترفعها عن الانقياد لبشر مثل سائر الناس، وهذا كالتكبر على الله تعالى في الوقاحة واستحقاق العذاب السرمديِّ، والثالث التكبر على العباد، وهو بأن يستعظم نفسه، ويستحقر غيره، فيأبى عن الانقياد لهم، ويدعوه إلى الترفع عليهم، فيزدريهم ويستصغرهم ويستنكف عن مساواتهم، وهو أيضًا قبيح، وصاحبه جاهل كبير يستأهل سخطًا عظيمًا لو لم يتب، وإن كان دون الأولين للدخول تحت عموم قوله: ﴿مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ﴾، وأيضًا من تكبر على أحد من عباد الله فقد نازع الله في ردائه وفي صفةٍ من صفاته، قال أبو صالح حمدان بن أحمد القصار - رحمه الله تعالى -: من ظن أن نفسه خيرٌ من نفس فرعون فقد أظهر الكبر.
٣٠ - ثم أتبع أوصاف الأشقياء بأوصاف السعداء فقال: ﴿وَقيِلَ﴾ روي (٣) أن أحياء العرب كانوا يبعثون أيام موسم الحج من يأتيهم بخبر النبي - ﷺ -، فإذا جاء الوافد كفه المقتسمون الذين اقتسموا طرق مكة، وأمروه بالانصراف، وقالوا: إن
(١) المراغي.
(٢) روح البيان.
(٣) روح البيان.
(٢) روح البيان.
(٣) روح البيان.
204
لم تلقه كان خيرًا لك، فإنه ساحر كاهن كذاب مجنون، فيقول: أنا شر وافد إن رجعت إلى قومي دون أن استطلع أمر محمد وأراه، فيلقرأ صحاب النبي - ﷺ - فيخبرونه بصدقه، فذلك قوله: ﴿وَقِيلَ﴾، أي: من طرق الوافدين ﴿لِلَّذِينَ اتَّقَوْا﴾ عن الكفر والشرك، وهم المؤمنون المخلصون ﴿مَاذَا﴾؛ أي: أي شيء، فهو مفعول قوله: ﴿أَنْزَلَ رَبُّكُمْ﴾؛ أي: أي شيء أنزل ربكم على محمد - ﷺ -؟
﴿قَالُوا﴾؛ أي: قال المتقون في جواب سؤال الوافد: أنزل ربنا ﴿خَيْرًا﴾.
وهو اسم جامع لكل خير ديني ودنيوي وأخروي ظاهري معنوي، وفي تطبيق الجواب بالسؤال إشارة إلى أن الإنزال واقع، وأنه نبي حق، وقرأ زيد بن علي ﴿خَيْرٌ﴾ بالرفع: أي: المُنْزَلُ خيرٌ، كما في "البحر".
قال الثعلبي: فإن (١) قيل: لم ارتفع الجواب في قوله: ﴿أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ﴾ وانتصب في قوله: ﴿خَيْرًا﴾؟ فالجواب أن المشركين لم يؤمنوا بالتنزيل، فكأنهم قالوا: الذي يقوله محمد هو أساطير الأولين، والمؤمنون آمنوا بالنزول فقالوا: أنزل خيرًا اهـ.
والمعنى: أي وقيل للذين خافوا عقاب ربهم: أي شيء أنزله ربكم؟ قالوا: أنزل خيرًا وبركة ورحمة لمن اتبع دينه، وآمن برسوله، وقوله: ﴿لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا﴾ قيل: هذا من كلام الله عن وجل، وقيل: هو حكاية لكلام الذين اتقوا، فيكون على هذا بدلًا من ﴿خَيْرًا﴾ وعلى الأول يكون كلامًا مستأنفًا مسوقًا للمدح للمتقين.
والمعنى: للذين أحسنوا أعمالهم وأخلصوا، وقالوا: لا إله إلا الله محمد رسول الله، فإنه أحسن الحسنات وأسُّ الديانات.
﴿فِي هَذِهِ﴾ الدار ﴿الدُّنْيَا حَسَنَةٌ﴾؛ أي: مثوبة حسنة مكافأة فيها بإحسانهم، وهي عصمة الدماء والأموال، واستحقاق المدح والثناء والظفر على الأعداء ﴿وَلَدَارُ الْآخِرَةِ﴾؛ أي: ولثوابهم فيها ﴿خَيْرٌ﴾ مما أوتوا في الدنيا من المثوبة، أو
﴿قَالُوا﴾؛ أي: قال المتقون في جواب سؤال الوافد: أنزل ربنا ﴿خَيْرًا﴾.
وهو اسم جامع لكل خير ديني ودنيوي وأخروي ظاهري معنوي، وفي تطبيق الجواب بالسؤال إشارة إلى أن الإنزال واقع، وأنه نبي حق، وقرأ زيد بن علي ﴿خَيْرٌ﴾ بالرفع: أي: المُنْزَلُ خيرٌ، كما في "البحر".
قال الثعلبي: فإن (١) قيل: لم ارتفع الجواب في قوله: ﴿أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ﴾ وانتصب في قوله: ﴿خَيْرًا﴾؟ فالجواب أن المشركين لم يؤمنوا بالتنزيل، فكأنهم قالوا: الذي يقوله محمد هو أساطير الأولين، والمؤمنون آمنوا بالنزول فقالوا: أنزل خيرًا اهـ.
والمعنى: أي وقيل للذين خافوا عقاب ربهم: أي شيء أنزله ربكم؟ قالوا: أنزل خيرًا وبركة ورحمة لمن اتبع دينه، وآمن برسوله، وقوله: ﴿لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا﴾ قيل: هذا من كلام الله عن وجل، وقيل: هو حكاية لكلام الذين اتقوا، فيكون على هذا بدلًا من ﴿خَيْرًا﴾ وعلى الأول يكون كلامًا مستأنفًا مسوقًا للمدح للمتقين.
والمعنى: للذين أحسنوا أعمالهم وأخلصوا، وقالوا: لا إله إلا الله محمد رسول الله، فإنه أحسن الحسنات وأسُّ الديانات.
﴿فِي هَذِهِ﴾ الدار ﴿الدُّنْيَا حَسَنَةٌ﴾؛ أي: مثوبة حسنة مكافأة فيها بإحسانهم، وهي عصمة الدماء والأموال، واستحقاق المدح والثناء والظفر على الأعداء ﴿وَلَدَارُ الْآخِرَةِ﴾؛ أي: ولثوابهم فيها ﴿خَيْرٌ﴾ مما أوتوا في الدنيا من المثوبة، أو
(١) الشوكاني.
205
المعنى (١): دار الآخرة خيرٌ من الدنيا على الإطلاق، فإن الآخرة كالجوهر والدنيا كالخزف، وقيمة الجوهر أرفع من قيمة الخزف، بل لا مناسبة بينهما أصلًا.
﴿وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ﴾؛ أي: وعزة الله وجلاله لنعم وحسن دار المتقين دار الآخرة، فالمخصوص بالمدح محذوف لدلالة ما قبله عليه، وقال الحسن: دار المتقين الدنيا لأنهم منها يتزودون للآخرة، والقول (٢) الأول أولى، وهو قول جمهور المفسرين؛
٣١ - لأن الله فسر هذه الدار بقوله: ﴿جَنَّاتُ عَدْنٍ﴾ عدن علم على طبقة من طبقات الجنة الثمانية؛ أي: لهم بساتين عدن حال كونهم ﴿يَدْخُلُونَهَا﴾ حال كونها ﴿تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا﴾؛ أي: من تحت منازلها وأشجارها ﴿الْأَنْهَارُ﴾ الأربعة على أن يكون المنبع فيها بشهادة مِنْ، ﴿لَهُمْ﴾ خبر مقدم ﴿فِيهَا﴾؛ أي: في تلك الجنات حال من المبتدأ المؤخر، وهو قوله ﴿مَا يَشَاءُونَ﴾ ويحبون من أنواع المشتهيات، مما لا عين رأت ولا أذن سمعت، قال البيضاوي: في تقديم الظرف تنبيهٌ (٣) على أن الإنسان لا يجد جميع ما يريده إلا في الجنة اهـ.
قال بعضهم: إن قلت (٤) هل يجوز للمرء أن يشتهي في الجنة اللواطة، وقد ذهب إليه من لا وقوف له على جلية الحال؟
فالجواب: أن الاشتهاء المذكور مخالف لحكمة الرب الغفور، ولو جاز هو.. لجاز نكاح الأمهات فيها، على تقدير الاشتهاء، وإنه مما لا يستريب عاقل في بطلانه، ألا ترى أن المذكور وكذا الزنى واللواطة والكذب ونحوها، كان حرامًا مؤبدًا في الدنيا في جميع الأديان، لكونه مما لا تقتضي الحكمة حله، بخلاف الخمر ونحوها، ولذا كانت هي أحد الأنهار الجارية فيها، فنسأل الله تعالى أن يجعلنا ممن لا يستطيب ما استخبثته الطباع السليمة.
﴿كَذَلِكَ﴾؛ أي: مثل ذلك الجزاء الأوفى ﴿يَجْزِي اللَّهُ الْمُتَّقِينَ﴾ والمراد بالمتقين كل من يتقي الشرك، وما يوجب النار من المعاصي، والموصول في
﴿وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ﴾؛ أي: وعزة الله وجلاله لنعم وحسن دار المتقين دار الآخرة، فالمخصوص بالمدح محذوف لدلالة ما قبله عليه، وقال الحسن: دار المتقين الدنيا لأنهم منها يتزودون للآخرة، والقول (٢) الأول أولى، وهو قول جمهور المفسرين؛
٣١ - لأن الله فسر هذه الدار بقوله: ﴿جَنَّاتُ عَدْنٍ﴾ عدن علم على طبقة من طبقات الجنة الثمانية؛ أي: لهم بساتين عدن حال كونهم ﴿يَدْخُلُونَهَا﴾ حال كونها ﴿تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا﴾؛ أي: من تحت منازلها وأشجارها ﴿الْأَنْهَارُ﴾ الأربعة على أن يكون المنبع فيها بشهادة مِنْ، ﴿لَهُمْ﴾ خبر مقدم ﴿فِيهَا﴾؛ أي: في تلك الجنات حال من المبتدأ المؤخر، وهو قوله ﴿مَا يَشَاءُونَ﴾ ويحبون من أنواع المشتهيات، مما لا عين رأت ولا أذن سمعت، قال البيضاوي: في تقديم الظرف تنبيهٌ (٣) على أن الإنسان لا يجد جميع ما يريده إلا في الجنة اهـ.
قال بعضهم: إن قلت (٤) هل يجوز للمرء أن يشتهي في الجنة اللواطة، وقد ذهب إليه من لا وقوف له على جلية الحال؟
فالجواب: أن الاشتهاء المذكور مخالف لحكمة الرب الغفور، ولو جاز هو.. لجاز نكاح الأمهات فيها، على تقدير الاشتهاء، وإنه مما لا يستريب عاقل في بطلانه، ألا ترى أن المذكور وكذا الزنى واللواطة والكذب ونحوها، كان حرامًا مؤبدًا في الدنيا في جميع الأديان، لكونه مما لا تقتضي الحكمة حله، بخلاف الخمر ونحوها، ولذا كانت هي أحد الأنهار الجارية فيها، فنسأل الله تعالى أن يجعلنا ممن لا يستطيب ما استخبثته الطباع السليمة.
﴿كَذَلِكَ﴾؛ أي: مثل ذلك الجزاء الأوفى ﴿يَجْزِي اللَّهُ الْمُتَّقِينَ﴾ والمراد بالمتقين كل من يتقي الشرك، وما يوجب النار من المعاصي، والموصول في
(١) روح البيان.
(٢) الخازن.
(٣) بيضاوي.
(٤) روح البيان.
(٢) الخازن.
(٣) بيضاوي.
(٤) روح البيان.
٣٢ - قوله: ﴿الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ﴾ في محل نصب نعت للمتقين المذكور قبله؛ أي: يقبض ملك الموت وأعوانه أرواحهم حال كونهم ﴿طَيِّبِينَ﴾؛ أي: طاهرين (١) من الكفر والشرك، مبرئين عن العلائق الجسمانية، متوجهين إلى حضرة القدس، فرحين ببشارة الملائكة إياهم بالجنة، حتى صاروا كأنهم مشاهدون لها، ومن هذا حاله لا يتألم بالموت.
وقرأ زيد بن ثابت وأبو عبد الرحمن (٢): ﴿جنات عدن﴾ بالنصب على الاشتغال؛ أي: يدخلون جنات عدن يدخلونها، وهذه القراءة تقوي إعراب جنات عدن بالرفع على أنه مبتدأ، ويدخلونها الخبر، وقرأ زيد بن عليّ: ﴿ولِنعْمَةُ دارِ﴾ بتاءِ مضمومةٍ، ودارٍ مخفوضٍ بالإضافة، فيكون نعمة مبتدأ وجنات الخبر.
وقرأ السلمي: ﴿تدخلونها﴾ بتاء الخطاب، وقرأ إسماعيل بن جعفر عن نافع: ﴿يدخلونها﴾ بياء على الغيبة، والفعل مبني للمفعول، ورويت عن أبي جعفر وشيبة.
وقرأ الأعمش وحمزة (٣):) ﴿تَتَوَفَّاهُمُ﴾ في هذا الموضع، وفي الموضع الأول بالياء التحتية، وقرأ الباقون: لمثناة الفوقية، واختار القراءة الأولى أبو عبيد مستدلًا بما روي عن ابن مسعود أنه قال: إن قريشًا زعموا أن الملائكة إناث فذكروهم أنتم.
وجملة قوله: ﴿يَقُولُونَ﴾ حالٌ من الملائكة؛ أي: حالة كون الملائكة قائلين لهم على وجه التعظيم والتبشير ﴿سَلَامٌ عَلَيْكُمُ﴾ لا يحيق بكم بعد مكروه، ﴿ادْخُلُوا الْجَنَّةَ﴾ التي أعدها لكم ربكم، ووعدكموها، والمراد دخولهم له في وقته، ﴿بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾؛ أي: بسبب (٤) ثباتكم على التقوى والطاعة والعمل وإن لم يكن موجبًا للجنة؛ لأن الدخول فيها محض فضل الله إلا أن الباء دلت على أن الدرجات إنما تنال بالأعمال وصدق الأحوال، فإن المراد من دخول
وقرأ زيد بن ثابت وأبو عبد الرحمن (٢): ﴿جنات عدن﴾ بالنصب على الاشتغال؛ أي: يدخلون جنات عدن يدخلونها، وهذه القراءة تقوي إعراب جنات عدن بالرفع على أنه مبتدأ، ويدخلونها الخبر، وقرأ زيد بن عليّ: ﴿ولِنعْمَةُ دارِ﴾ بتاءِ مضمومةٍ، ودارٍ مخفوضٍ بالإضافة، فيكون نعمة مبتدأ وجنات الخبر.
وقرأ السلمي: ﴿تدخلونها﴾ بتاء الخطاب، وقرأ إسماعيل بن جعفر عن نافع: ﴿يدخلونها﴾ بياء على الغيبة، والفعل مبني للمفعول، ورويت عن أبي جعفر وشيبة.
وقرأ الأعمش وحمزة (٣):) ﴿تَتَوَفَّاهُمُ﴾ في هذا الموضع، وفي الموضع الأول بالياء التحتية، وقرأ الباقون: لمثناة الفوقية، واختار القراءة الأولى أبو عبيد مستدلًا بما روي عن ابن مسعود أنه قال: إن قريشًا زعموا أن الملائكة إناث فذكروهم أنتم.
وجملة قوله: ﴿يَقُولُونَ﴾ حالٌ من الملائكة؛ أي: حالة كون الملائكة قائلين لهم على وجه التعظيم والتبشير ﴿سَلَامٌ عَلَيْكُمُ﴾ لا يحيق بكم بعد مكروه، ﴿ادْخُلُوا الْجَنَّةَ﴾ التي أعدها لكم ربكم، ووعدكموها، والمراد دخولهم له في وقته، ﴿بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾؛ أي: بسبب (٤) ثباتكم على التقوى والطاعة والعمل وإن لم يكن موجبًا للجنة؛ لأن الدخول فيها محض فضل الله إلا أن الباء دلت على أن الدرجات إنما تنال بالأعمال وصدق الأحوال، فإن المراد من دخول
(١) المراح.
(٢) البحر المحيط.
(٣) الشوكاني.
(٤) روح البيان.
(٢) البحر المحيط.
(٣) الشوكاني.
(٤) روح البيان.
الجنة إنما هو اقتسام المنازل بحسب الأعمال.
وفي "تفسير المراغي": والمراد (١) من قوله: ﴿ادْخُلُوا الْجَنَّةَ﴾ البشارة بالدخول فيها بعد البعث، إذا أريد الدخول بالأرواح والأبدان، فإن أريد الدخول بالأرواح فحسب، كان ذلك حين التوفي كما يشير إليه قوله - ﷺ -: "القبر إما روضة من رياض الجنة، أو حفرة من حفر النار"، أخرج ابن جرير والبيهقي عن محمد بن كعب القرظي قال: "إذا أشرف العبد المؤمن على الموت.. جاءه ملك الموت، فقال: السلام عليك يا وليَّ الله، الله يقرأ عليك السلام، وبشره بالجنة"، ٣٣ - ٣٣ والاستفهام في قوله: ﴿هَلْ يَنْظُرُونَ﴾ إنكاري؛ أي: ما ينتظر كفار مكة الذين قالوا إن القرآن أساطير الأولين ﴿إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ﴾، أى: ملك الموت وأعوانه لقبض رواحهم بالتهديد والتعذيب، لمواظبتهم على الأسباب الموجبة له المؤدية إليه، فكأنهم يقصدون إتيانه ويترصدون لوروده، وليس المراد أنهم ينتظرون ذلك حقيقةً لأنهم لا يصدقونه ﴿أَوْ﴾ إلا أن ﴿يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ﴾، أي: عذابه في الدنيا المستأصل لهم، كما فعل بأسلافهم من الكفار، فيرسل عليهم الصواعق، أو يخسف بهم الأرض، أو يأتيهم العذاب من حيث لا يشعرون، وهذا تهديد لهم على تماديهم في الباطل واغترارهم بالدنيا.
وخلاصة هذا: حثهم على الإيمان بالله ورسوله، والرجوع إلى الحق قبل أن ينزل بهم ما نزل بمن قبلهم من السالفين المكذبين لرسلهم.
وقرأ الأعمش وابن وثاب وحمزة والكسائي وخلف (٢): ﴿إلا أن يأتيهم الملائكة﴾ بالياء التحتية، وقرأ الباقون بالمثناة الفوقية.
ثم ذكر أنهم ليسوا بأول من كذب بالرسل فقال: ﴿كَذَلِكَ﴾؛ أي: مثل فعل هؤلاء من الشرك والظلم والتكذيب والاستهزاء ﴿فَعَلَ الَّذِينَ﴾ خلوا ﴿مِنْ قَبْلِهِمْ﴾ من الأمم فأصابهم العذاب المعجل.
﴿وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ﴾ بذلك، فإنه أنزل بهم ما استحقوه بكفرهم {وَلَكِنْ كَانُوا
وفي "تفسير المراغي": والمراد (١) من قوله: ﴿ادْخُلُوا الْجَنَّةَ﴾ البشارة بالدخول فيها بعد البعث، إذا أريد الدخول بالأرواح والأبدان، فإن أريد الدخول بالأرواح فحسب، كان ذلك حين التوفي كما يشير إليه قوله - ﷺ -: "القبر إما روضة من رياض الجنة، أو حفرة من حفر النار"، أخرج ابن جرير والبيهقي عن محمد بن كعب القرظي قال: "إذا أشرف العبد المؤمن على الموت.. جاءه ملك الموت، فقال: السلام عليك يا وليَّ الله، الله يقرأ عليك السلام، وبشره بالجنة"، ٣٣ - ٣٣ والاستفهام في قوله: ﴿هَلْ يَنْظُرُونَ﴾ إنكاري؛ أي: ما ينتظر كفار مكة الذين قالوا إن القرآن أساطير الأولين ﴿إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ﴾، أى: ملك الموت وأعوانه لقبض رواحهم بالتهديد والتعذيب، لمواظبتهم على الأسباب الموجبة له المؤدية إليه، فكأنهم يقصدون إتيانه ويترصدون لوروده، وليس المراد أنهم ينتظرون ذلك حقيقةً لأنهم لا يصدقونه ﴿أَوْ﴾ إلا أن ﴿يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ﴾، أي: عذابه في الدنيا المستأصل لهم، كما فعل بأسلافهم من الكفار، فيرسل عليهم الصواعق، أو يخسف بهم الأرض، أو يأتيهم العذاب من حيث لا يشعرون، وهذا تهديد لهم على تماديهم في الباطل واغترارهم بالدنيا.
وخلاصة هذا: حثهم على الإيمان بالله ورسوله، والرجوع إلى الحق قبل أن ينزل بهم ما نزل بمن قبلهم من السالفين المكذبين لرسلهم.
وقرأ الأعمش وابن وثاب وحمزة والكسائي وخلف (٢): ﴿إلا أن يأتيهم الملائكة﴾ بالياء التحتية، وقرأ الباقون بالمثناة الفوقية.
ثم ذكر أنهم ليسوا بأول من كذب بالرسل فقال: ﴿كَذَلِكَ﴾؛ أي: مثل فعل هؤلاء من الشرك والظلم والتكذيب والاستهزاء ﴿فَعَلَ الَّذِينَ﴾ خلوا ﴿مِنْ قَبْلِهِمْ﴾ من الأمم فأصابهم العذاب المعجل.
﴿وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ﴾ بذلك، فإنه أنزل بهم ما استحقوه بكفرهم {وَلَكِنْ كَانُوا
(١) المراغي.
(٢) الشوكاني.
(٢) الشوكاني.
أنفُسَهُمْ يَظلِمونَ} بالكفر والمعاصي المؤدية إلى ذلك، فكذبوا الرسل فاستحقوا ما نزل بهم.
والمعنى (١): أي وما ظلمهم الله تعالى بإنزال العذاب بهم؛ لأنه أعذر إليهم، وأقام حججه عليهم بإرسال رسله وإنزال كتبه، ولكن ظلموا أنفسهم بمخالفة الرسل وتكذيبهم ما جاؤوا به.
٣٤ - ثم أعقبه بذكر ما ترتب على أعمالهم فقال: ﴿فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُوا﴾ معطوف على قوله: ﴿فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ﴾ وما بينهما اعتراض، وقيل (٢) في الكلام تقديم وتأخير، والتقدير: كذلك فعل الذين من قبلهم فأصابهم سيئات ما عملوا وما ظلمهم الله... إلخ.
والمعنى: فأصابهم بحكم عدل جزاء سيئات أعمالهم، أو جزاء أعمالهم السيئة، على طريقة تسمية المسبب باسم سببه، إيذانًا بفظاعته، لا على حذف لمضاف، فإنه يوهم أن لهم أعمالًا غير سيئاتهم، ﴿وَحَاقَ بِهِمْ﴾؛ أي: أحاط بهم ونزل من الحيق الذي هو إحاطة الشر كما في "القاموس"؛ أي: نزل بهم على وجه الإحاطة.
﴿مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ﴾ من العذاب الموعود؛ أي: نزل بهم العذاب الذي كانوا به يستهزئون أو عقاب استهزائهم.
٣٥ - ﴿وَقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا﴾ بالله من أهل مكة، فعبدوا الأصنام والأوثان من دونه تعالى، معتذرين عما هم عليه من الشرك محتجين بالقدر ﴿لَوْ شَاءَ اللَّهُ﴾ سبحانه وتعالى عدم عبادتنا لشيءٍ غيره ﴿مَا عَبَدْنَا مِنْ دُونِهِ﴾ تعالى ﴿مِنْ شَيْءٍ﴾؛ أي: ما عبدنا من دونه شيئًا من الأصنام ﴿نَحْنُ وَلَا آبَاؤُنَا﴾ الذين اقتدينا بهم في ديننا ﴿وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ﴾؛ أي: ولو شاء الله تعالى عدم تحريمنا شيئًا من البحيرة والسائبة والوصيلة والحام.. ما حرمنا من دونه شيئًا من ذلك.
والمعنى: ما نعبد هذه الأصنام إلا لأنه قد رضي عبادتنا لها، ولا حرمنا ما
والمعنى (١): أي وما ظلمهم الله تعالى بإنزال العذاب بهم؛ لأنه أعذر إليهم، وأقام حججه عليهم بإرسال رسله وإنزال كتبه، ولكن ظلموا أنفسهم بمخالفة الرسل وتكذيبهم ما جاؤوا به.
٣٤ - ثم أعقبه بذكر ما ترتب على أعمالهم فقال: ﴿فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُوا﴾ معطوف على قوله: ﴿فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ﴾ وما بينهما اعتراض، وقيل (٢) في الكلام تقديم وتأخير، والتقدير: كذلك فعل الذين من قبلهم فأصابهم سيئات ما عملوا وما ظلمهم الله... إلخ.
والمعنى: فأصابهم بحكم عدل جزاء سيئات أعمالهم، أو جزاء أعمالهم السيئة، على طريقة تسمية المسبب باسم سببه، إيذانًا بفظاعته، لا على حذف لمضاف، فإنه يوهم أن لهم أعمالًا غير سيئاتهم، ﴿وَحَاقَ بِهِمْ﴾؛ أي: أحاط بهم ونزل من الحيق الذي هو إحاطة الشر كما في "القاموس"؛ أي: نزل بهم على وجه الإحاطة.
﴿مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ﴾ من العذاب الموعود؛ أي: نزل بهم العذاب الذي كانوا به يستهزئون أو عقاب استهزائهم.
٣٥ - ﴿وَقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا﴾ بالله من أهل مكة، فعبدوا الأصنام والأوثان من دونه تعالى، معتذرين عما هم عليه من الشرك محتجين بالقدر ﴿لَوْ شَاءَ اللَّهُ﴾ سبحانه وتعالى عدم عبادتنا لشيءٍ غيره ﴿مَا عَبَدْنَا مِنْ دُونِهِ﴾ تعالى ﴿مِنْ شَيْءٍ﴾؛ أي: ما عبدنا من دونه شيئًا من الأصنام ﴿نَحْنُ وَلَا آبَاؤُنَا﴾ الذين اقتدينا بهم في ديننا ﴿وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ﴾؛ أي: ولو شاء الله تعالى عدم تحريمنا شيئًا من البحيرة والسائبة والوصيلة والحام.. ما حرمنا من دونه شيئًا من ذلك.
والمعنى: ما نعبد هذه الأصنام إلا لأنه قد رضي عبادتنا لها، ولا حرمنا ما
(١) المراغي.
(٢) الشوكاني.
(٢) الشوكاني.
209
حرمنا من البحائر والسوائب والوصائل ونحو ذلك إلا لأنه قد رضي ذلك منا، ولو كان كارهًا لما فعلنا.. لهدانا إلى سواء السبيل، أو لعجل لنا العقوبة وما مكننا من عبادتها.
والخلاصة (١): فإشراكنا بالله الأوثان وتحريمنا الأنعام والحرث بمشيئته تعالى، وهو راضٍ بذلك، وحينئذٍ فلا فائدة في مجيئك إلينا، بالأمر والنهي في إرسالك إلينا، وقد رد الله تعالى عليهم شبهتهم بقوله: ﴿كَذَلِكَ﴾؛ أي: مثل ذلك الفعل الشنيع ﴿فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ﴾ من الأمم، فأشركوا بالله، وحرموا حله، وعصوا رسله، وجادلوهم بالباطل حين نبهوهم على الخطأ، وهدوهم إلى الحق.
واستن هؤلاء سنتهم، وسلكوا سبيلهم في تكذيب الرسول، واتباع أفعال آبائهم الضلال.
ثم بين خطاهم فيما يقولون ويفعلون فقال: ﴿فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ﴾؛ أي: فهل (٢) على الرسل الذين أمروا بتبليغ رسالات ربهم، من أمره ونهيه، إلا إبلاغ الرسالة، وإيضاح طريق الحق، وإظهار أحكام الوحي، التي منها أن مشيئة الله تعالى تتعلق بهداية من وجه همته إلى تحصيل الحق، كما قال ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا﴾ وليس من وظيفتهم إلجاء الناس إلى الإيمان شاؤوا أو أبوا، فإن ذلك ليس من شأنهم، ولا من الحكمة التي عليها مدار التكليف، حتى يستدل بعدم ظهور آثارها على عدم حقية الرسل أو على عدم تعلق مشيئة الله بذلك.
والاستفهام في قوله: ﴿فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ﴾ إنكاري؛ أي: ليست (٣) وظيفتهم إلا تبليغ الرسالة تبليغًا واضحًا، وإطلاع الخلق على بطلان الشرك وقبحه، لا إلجاءهم إلى قبول الحق، وتنفيذ قولهم عليهم شاؤوا أو أبوا.
وقصارى ذلك (٤): أن الثواب والعقاب لا بُدَّ فيهما من أمرين، تعلق مشيئته
والخلاصة (١): فإشراكنا بالله الأوثان وتحريمنا الأنعام والحرث بمشيئته تعالى، وهو راضٍ بذلك، وحينئذٍ فلا فائدة في مجيئك إلينا، بالأمر والنهي في إرسالك إلينا، وقد رد الله تعالى عليهم شبهتهم بقوله: ﴿كَذَلِكَ﴾؛ أي: مثل ذلك الفعل الشنيع ﴿فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ﴾ من الأمم، فأشركوا بالله، وحرموا حله، وعصوا رسله، وجادلوهم بالباطل حين نبهوهم على الخطأ، وهدوهم إلى الحق.
واستن هؤلاء سنتهم، وسلكوا سبيلهم في تكذيب الرسول، واتباع أفعال آبائهم الضلال.
ثم بين خطاهم فيما يقولون ويفعلون فقال: ﴿فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ﴾؛ أي: فهل (٢) على الرسل الذين أمروا بتبليغ رسالات ربهم، من أمره ونهيه، إلا إبلاغ الرسالة، وإيضاح طريق الحق، وإظهار أحكام الوحي، التي منها أن مشيئة الله تعالى تتعلق بهداية من وجه همته إلى تحصيل الحق، كما قال ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا﴾ وليس من وظيفتهم إلجاء الناس إلى الإيمان شاؤوا أو أبوا، فإن ذلك ليس من شأنهم، ولا من الحكمة التي عليها مدار التكليف، حتى يستدل بعدم ظهور آثارها على عدم حقية الرسل أو على عدم تعلق مشيئة الله بذلك.
والاستفهام في قوله: ﴿فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ﴾ إنكاري؛ أي: ليست (٣) وظيفتهم إلا تبليغ الرسالة تبليغًا واضحًا، وإطلاع الخلق على بطلان الشرك وقبحه، لا إلجاءهم إلى قبول الحق، وتنفيذ قولهم عليهم شاؤوا أو أبوا.
وقصارى ذلك (٤): أن الثواب والعقاب لا بُدَّ فيهما من أمرين، تعلق مشيئته
(١) المراح.
(٢) روح البيان.
(٣) الشوكاني.
(٤) المراغي.
(٢) روح البيان.
(٣) الشوكاني.
(٤) المراغي.
210
تعالى بوقوع أحدهما، وتوجيه همة العبد إلى تحصيل أسبابه، وصرف اختياره إلى الدأب على إيجاده، وإلا كان كل من الثواب والعقاب اضطراريًّا لا اختياريًّا، والرسل ليس من شأنهم إلا تبليغ الأوامر والنواهي، أما العمل بها إلجاء وقسرًا، فليس من وظيفتهم لا في كثير ولا قليل.
ثم بين سبحانه أن بعثة الرسل أمر جرت به السنة الإلهية في الأمم كلها، وجعلت سببًا لهدى من أراد الله هدايته، وزيادة ضلال من أراد ضلاله، كالغذاء الصالح ينفع المزاج السوي ويقويه، ويضر المزاج المنحرف ويفنيه، فقال:
٣٦ - ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ﴾؛ أي: وعزتي وجلالي لقد أرسلنا في كل أمة من الأمم التي سلفت قبلكم ﴿رَسُولًا﴾ خاصًّا بهم، كما بعثناك في هؤلاء لإقامة الحجة عليهم، ﴿وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا﴾، و ﴿أن﴾ في قوله: ﴿أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ﴾ إما مصدرية (١)؛ أي: بعثنا بأن اعبدوا الله، أو مفسرة لأن في البعث معنى القول؛ أي: قلنا لهم على لسان الرسول اعبدوا الله وحده لا شريك له، ﴿وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ﴾؛ أي: واتركوا كل معبود دون الله كالشيطان والكاهن والصنم وكل من دعا إلى الضلال، أو واحذروا أن يغويكم الشيطان ويصدكم عن سبيل الله فتضلوا، والطاغوت هو الشيطان، وكل ما يدعو إلى الضلالة، وذلك لإلزام الحجة، وقطع المعذرة، مع علمه أن منهم من لا يأتمر بالأوامر ولا يؤمن، و ﴿الفاء﴾ في قوله: ﴿فَمِنْهُمْ﴾ فاء (٢) الفصيحة؛ أي: فبلغوا ما بعثوا به من الأمر، بعبادة الله وحده، واجتناب الطاغوت، فتفرقوا، فمنهم؛ أي: فمن هذه الأمم التي بعث الله إليها رسله، ﴿مَنْ هَدَى اللَّهُ﴾؛ أي: أرشده إلى دينه وتوحيده وعبادته، واجتناب الطاغوت، أو خلق (٣) فيه الاهتداء إلى الحق الذي هو عبادته واجتناب الطاغوت، بعد صرف قدرتهم واختيارهم الجزئي إلى تحصيله ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ﴾؛ أي: وجبت وثبتت عليه الضلالة إلى حين الموت، لعناده وإصراره على الكفر، وعدم صرف قدرته، فلم يخلق فيه الاهتداء، ولم يرد أن يطهر قلبه.
ثم بين سبحانه أن بعثة الرسل أمر جرت به السنة الإلهية في الأمم كلها، وجعلت سببًا لهدى من أراد الله هدايته، وزيادة ضلال من أراد ضلاله، كالغذاء الصالح ينفع المزاج السوي ويقويه، ويضر المزاج المنحرف ويفنيه، فقال:
٣٦ - ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ﴾؛ أي: وعزتي وجلالي لقد أرسلنا في كل أمة من الأمم التي سلفت قبلكم ﴿رَسُولًا﴾ خاصًّا بهم، كما بعثناك في هؤلاء لإقامة الحجة عليهم، ﴿وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا﴾، و ﴿أن﴾ في قوله: ﴿أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ﴾ إما مصدرية (١)؛ أي: بعثنا بأن اعبدوا الله، أو مفسرة لأن في البعث معنى القول؛ أي: قلنا لهم على لسان الرسول اعبدوا الله وحده لا شريك له، ﴿وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ﴾؛ أي: واتركوا كل معبود دون الله كالشيطان والكاهن والصنم وكل من دعا إلى الضلال، أو واحذروا أن يغويكم الشيطان ويصدكم عن سبيل الله فتضلوا، والطاغوت هو الشيطان، وكل ما يدعو إلى الضلالة، وذلك لإلزام الحجة، وقطع المعذرة، مع علمه أن منهم من لا يأتمر بالأوامر ولا يؤمن، و ﴿الفاء﴾ في قوله: ﴿فَمِنْهُمْ﴾ فاء (٢) الفصيحة؛ أي: فبلغوا ما بعثوا به من الأمر، بعبادة الله وحده، واجتناب الطاغوت، فتفرقوا، فمنهم؛ أي: فمن هذه الأمم التي بعث الله إليها رسله، ﴿مَنْ هَدَى اللَّهُ﴾؛ أي: أرشده إلى دينه وتوحيده وعبادته، واجتناب الطاغوت، أو خلق (٣) فيه الاهتداء إلى الحق الذي هو عبادته واجتناب الطاغوت، بعد صرف قدرتهم واختيارهم الجزئي إلى تحصيله ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ﴾؛ أي: وجبت وثبتت عليه الضلالة إلى حين الموت، لعناده وإصراره على الكفر، وعدم صرف قدرته، فلم يخلق فيه الاهتداء، ولم يرد أن يطهر قلبه.
(١) روح البيان.
(٢) المراغي.
(٣) روح البيان.
(٢) المراغي.
(٣) روح البيان.
211
قال الزجاج (١): أعلم الله تعالى أنه بعث الرسل بالأمر بالعبادة، وهو من وراء الإضلال والهداية، ومثل هذه الآية قوله تعالى: ﴿فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلَالَةُ﴾ وفي هذه الآية التصريح بأن الله أمر جميع عباده بعبادته، واجتناب الطاغوت، وأنهم بيع ذلك فريقان: فمنهم من هدى، ومنهم من حقت عليهم الضلالة، فكان في ذلك دليلٌ على أن أمر الله سبحانه لا يستلزم موافقة إرادته، فإنه يأمر الكل بالإيمان، ولا يريد الهداية إلا للبعض، إذ لو أرادها للكل لم يكفر أحد، وهذا معنى ما حكيناه عن الزجاج هنا.
وإجمال القول (٢): أن المشيئة الشرعية للكفر منتفية؛ لأنه تعالى نهاهم عن ذلك على ألسنة رسله، والمشيئة الكونية وهي تمكين عباده من الكفر، وتقديره لهم بحسب اختيارهم وصرف همتهم إلى تحصيل أسبابه، لا حجة لهم فيها، لأنه تعالى خلق النار وجعل أهلها من الشياطين وأهل الكفر، وهو لا يرضى لعباده الكفر، وله في ذلك حجةٌ ناصعةٌ وحكمة بالغة.
ثم بين سبحانه أنه أنكر على عباده المكذبين كفرهم بإنزال العقوبة بهم في الدنيا بعد إنذار الرسل فقال: ﴿فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ﴾؛ أي: فممن بعثنا فيهم رسلنا من هداه الله، ووفقه لتصديقهم وقبول إرشادهم، والعمل بما جاؤوا به، ففازوا وأفلحوا ونجوا من عذابه، ومنهم من جاروا عن قصد السبيل، فكفروا بالله، وكذبوا وسله، واتبعوا الطاغوت، فأهلكهم بعقابه، وأنزل بهم شديد بأسه الذي لا يرد عن القوم المجرمين.
و ﴿الفاء﴾ في قوله: ﴿فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ﴾ فاء الفصيحة؛ أي: إذا عرفتم التفريق المذكور، وأردتم معرفة عاقبة من حقت عليهم الضلالة.. فأقول لكم سيروا وسافروا يا معشر قريش، إذ الكلام معهم في أكناف الأرض ونواحيها ﴿فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ﴾؛ أي: كيف كان آخر أمر المكذبين لرسلهم، من عاد وثمود، ومن سار بسيرتهم ممن حقت عليهم الضلالة، لعلكم تعتبرون
وإجمال القول (٢): أن المشيئة الشرعية للكفر منتفية؛ لأنه تعالى نهاهم عن ذلك على ألسنة رسله، والمشيئة الكونية وهي تمكين عباده من الكفر، وتقديره لهم بحسب اختيارهم وصرف همتهم إلى تحصيل أسبابه، لا حجة لهم فيها، لأنه تعالى خلق النار وجعل أهلها من الشياطين وأهل الكفر، وهو لا يرضى لعباده الكفر، وله في ذلك حجةٌ ناصعةٌ وحكمة بالغة.
ثم بين سبحانه أنه أنكر على عباده المكذبين كفرهم بإنزال العقوبة بهم في الدنيا بعد إنذار الرسل فقال: ﴿فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ﴾؛ أي: فممن بعثنا فيهم رسلنا من هداه الله، ووفقه لتصديقهم وقبول إرشادهم، والعمل بما جاؤوا به، ففازوا وأفلحوا ونجوا من عذابه، ومنهم من جاروا عن قصد السبيل، فكفروا بالله، وكذبوا وسله، واتبعوا الطاغوت، فأهلكهم بعقابه، وأنزل بهم شديد بأسه الذي لا يرد عن القوم المجرمين.
و ﴿الفاء﴾ في قوله: ﴿فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ﴾ فاء الفصيحة؛ أي: إذا عرفتم التفريق المذكور، وأردتم معرفة عاقبة من حقت عليهم الضلالة.. فأقول لكم سيروا وسافروا يا معشر قريش، إذ الكلام معهم في أكناف الأرض ونواحيها ﴿فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ﴾؛ أي: كيف كان آخر أمر المكذبين لرسلهم، من عاد وثمود، ومن سار بسيرتهم ممن حقت عليهم الضلالة، لعلكم تعتبرون
(١) الشوكاني.
(٢) المراغي.
(٢) المراغي.
212
حين تشاهدون من منازلهم وديارهم آثار الهلاك والعذاب، وفي الإتيان (١) بالفاء الدالة على التعقيب في قوله: ﴿فَانْظُرُوا﴾ إشارة إلى وجوب المبادرة إلى النظر والاستدلال المؤديين إلى الإقلاع عن الضلال.
والمعنى (٢): أي فسيروا في الأرض التي كان يسكنها القوم الظالمون، والبلاد التي كانوا يعمرونها، كديار عاد وثمود ومن سار سيرتهم، ممن حقت عليهم الضلالة، وانظروا إلى آثار سخطنا عليهم، لعلكم تعتبرون بما حل بهم.
ثم خاطب سبحانه رسوله - ﷺ - مسليًا له على ما يراه من جحود قومه، وشديد إعراضهم، ومبالغتهم في عنادهم، مع أسفه عليهم، وعظيم رغبته في إيمانهم، ومبينًا أن الأمر بيد الله، وليس له من الأمر شيءٌ فقال: ﴿إِنْ تَحْرِصْ﴾ يا محمد ﴿عَلَى هُدَاهُمْ﴾؛ أي: على هداية قومك؛ أي: إن تطلب هداية قريش بجهدك.. لا ينفعهم حرصك على إيمانهم وهدايتهم، إذا كان الله تعالى يريد إضلالهم بسوء اختيارهم، وتوجيه عزائمهم إلى عمل المعاصي والإشراك بربهم، وجملة قوله: ﴿فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ﴾ معللة لجواب الشرط الذي قدرناه؛ أي: لأنه تعالى لا يخلق الهداية قسرًا فيمن يخلق فيه الضلالة لسوء اختياره، ﴿وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ﴾؛ أي: وما لهم ناصرٌ ينصرهم من الله إن إراد عقوبتهم، كما قال: ﴿أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ﴾؛ أي: وليس لهم أحدٌ يعينهم على مطلوبهم في الدنيا والآخرة من دفع العذاب عنهم.
ومجمل القول (٣): أنَّ من اختار الضلالة ووجه همته إلى تحصيل أسبابها، فالله سبحانه لا يخلق فيه الهداية قسرًا وإلجاءً؛ لأن مدار الإيمان والكفر الاختيار لا الإلجاء والاضطرار.
٣٧ - وقرأ النخعي (٤): ﴿وإن﴾ بزيادة واو وهو والحسن وأبو حيوة ﴿تَحْرِصْ﴾ بفتح الراء مضارع حرص بكسرها وهي لغة، وقرأ الجمهور بالكسر مضارع حرص
والمعنى (٢): أي فسيروا في الأرض التي كان يسكنها القوم الظالمون، والبلاد التي كانوا يعمرونها، كديار عاد وثمود ومن سار سيرتهم، ممن حقت عليهم الضلالة، وانظروا إلى آثار سخطنا عليهم، لعلكم تعتبرون بما حل بهم.
ثم خاطب سبحانه رسوله - ﷺ - مسليًا له على ما يراه من جحود قومه، وشديد إعراضهم، ومبالغتهم في عنادهم، مع أسفه عليهم، وعظيم رغبته في إيمانهم، ومبينًا أن الأمر بيد الله، وليس له من الأمر شيءٌ فقال: ﴿إِنْ تَحْرِصْ﴾ يا محمد ﴿عَلَى هُدَاهُمْ﴾؛ أي: على هداية قومك؛ أي: إن تطلب هداية قريش بجهدك.. لا ينفعهم حرصك على إيمانهم وهدايتهم، إذا كان الله تعالى يريد إضلالهم بسوء اختيارهم، وتوجيه عزائمهم إلى عمل المعاصي والإشراك بربهم، وجملة قوله: ﴿فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ﴾ معللة لجواب الشرط الذي قدرناه؛ أي: لأنه تعالى لا يخلق الهداية قسرًا فيمن يخلق فيه الضلالة لسوء اختياره، ﴿وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ﴾؛ أي: وما لهم ناصرٌ ينصرهم من الله إن إراد عقوبتهم، كما قال: ﴿أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ﴾؛ أي: وليس لهم أحدٌ يعينهم على مطلوبهم في الدنيا والآخرة من دفع العذاب عنهم.
ومجمل القول (٣): أنَّ من اختار الضلالة ووجه همته إلى تحصيل أسبابها، فالله سبحانه لا يخلق فيه الهداية قسرًا وإلجاءً؛ لأن مدار الإيمان والكفر الاختيار لا الإلجاء والاضطرار.
٣٧ - وقرأ النخعي (٤): ﴿وإن﴾ بزيادة واو وهو والحسن وأبو حيوة ﴿تَحْرِصْ﴾ بفتح الراء مضارع حرص بكسرها وهي لغة، وقرأ الجمهور بالكسر مضارع حرص
(١) روح البيان.
(٢) المراغي.
(٣) المراغي.
(٤) البحر المحيط.
(٢) المراغي.
(٣) المراغي.
(٤) البحر المحيط.
بالفتح، وهي لغة الحجاز، وقرأ الحرميان نافع وابن كثير، والعربيان أبو عمرو وابن عامر، والحسن والأعرج ومجاهد وشيبة وشبل ومزاحم الخراساني والعطاردي وابن سيرين: ﴿لَا يَهْدِي﴾ مبنيًّا للمفعول، ومن مفعول لم يسم فاعله، والفاعل في ﴿يُضِلُّ﴾ ضمير الله، والعائد على مَنْ محذوف، تقديره: من يضله الله، وقرأ الكوفيون وابن مسعود وابن المسيب وجماعة: ﴿يَهْدي﴾ مبنيًّا للفاعل، والظاهر أن في يهدي ضميرًا يعود على الله ومن مفعول، وعلى ما حكى الفراء: إن هدى يأتي بمعنى اهتدى، يكون لازمًا، والفاعل من؛ أي: لا يهتدي من يضله، وقرأت فرقة منهم عبد الله: ﴿لا يهدي﴾ بفتح الياء وكسر الهاء والدال، قال ابن عطية: وهي ضعيفة، انتهى.
وإذا ثبت أن هدى لازم بمعنى اهتدى.. لم تكن ضعيفةً؛ لأنه أدخل على اللازم همزة التعدية، فالمعنى لا يجعل مهتديًا من أصله، وفي مصحف أبي: ﴿لا هادي لمن أضلَّ﴾، وقال الزمخشري: وفي قراءة أبيٍّ فإن الله لا هادي لمن يضل، ولمن أضل، وقرىء يضل بفتح الياء.
٣٨ - ثم ذكر عناد قريش وإنكارهم للبعث فقال: ﴿وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ﴾؛ أي: حلف الذين أشركوا ﴿جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ﴾؛ أي: غاية أيمانهم، وإذا حلف الرجل بالله.. فقد حلف جهد يمينه، فإن الكفار كانوا يحلفون بآبائهم وآلهتهم، فإذا كان الأمر عظيمًا.. حلفوا باللهِ تعالى، وهذا عطف على قوله تعالى: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا﴾ إعلامًا بأنهم كما أنكروا التوحيد أنكروا البعث وقوله: ﴿جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ﴾ مصدر في موضع الحال وقوله: ﴿لَا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ﴾ من عباده مقسم عليه؛ أي: حلف (١) هؤلاء المشركون بالله حالة كونهم جاهدين ومبالغين في أيمانهم، حتى بلغوا غاية شدتها ووكادتها، قائلين: لا يبعث الله يوم القيامة من يموت من عباده، فإنهم يجدون في تقولهم أن الشيء إذا صار عدمًا محضًا لا يعود بعينه، بل العائد يكون شيئًا آخر، ولقد رد الله تعالى عليهم أبلغ ردّ بقوله: ﴿بَلَى﴾ إثباتٌ
وإذا ثبت أن هدى لازم بمعنى اهتدى.. لم تكن ضعيفةً؛ لأنه أدخل على اللازم همزة التعدية، فالمعنى لا يجعل مهتديًا من أصله، وفي مصحف أبي: ﴿لا هادي لمن أضلَّ﴾، وقال الزمخشري: وفي قراءة أبيٍّ فإن الله لا هادي لمن يضل، ولمن أضل، وقرىء يضل بفتح الياء.
٣٨ - ثم ذكر عناد قريش وإنكارهم للبعث فقال: ﴿وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ﴾؛ أي: حلف الذين أشركوا ﴿جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ﴾؛ أي: غاية أيمانهم، وإذا حلف الرجل بالله.. فقد حلف جهد يمينه، فإن الكفار كانوا يحلفون بآبائهم وآلهتهم، فإذا كان الأمر عظيمًا.. حلفوا باللهِ تعالى، وهذا عطف على قوله تعالى: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا﴾ إعلامًا بأنهم كما أنكروا التوحيد أنكروا البعث وقوله: ﴿جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ﴾ مصدر في موضع الحال وقوله: ﴿لَا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ﴾ من عباده مقسم عليه؛ أي: حلف (١) هؤلاء المشركون بالله حالة كونهم جاهدين ومبالغين في أيمانهم، حتى بلغوا غاية شدتها ووكادتها، قائلين: لا يبعث الله يوم القيامة من يموت من عباده، فإنهم يجدون في تقولهم أن الشيء إذا صار عدمًا محضًا لا يعود بعينه، بل العائد يكون شيئًا آخر، ولقد رد الله تعالى عليهم أبلغ ردّ بقوله: ﴿بَلَى﴾ إثباتٌ
(١) روح البيان.
لما بعد النفي، أي: بلى يبعثهم الله تعالى بعد الموت ﴿وَعْدًا﴾ مصدر مؤكد لنفسه، وهو ما دل عليه بلى، فإن البعث موعد من الله تعالى ﴿عَلَيْهِ﴾ إنجازه لامتناع الخلف في وعده، أو لأن البعث مقتضى حكمته ﴿حَقًّا﴾ صفة أخرى للوعد، والتقدير: بلى يبعثهم الله وعد بذلك وعدًا حقًّا واجبًا عليه إنجازه بمقتضى حكمته، وقيل هما مصدران مؤكدان للجملة المقدرة؛ أي: وعد (١) ذلك وعدًا ثابتًا عليه، وحق ذلك حقًّا، أي: ثبت ذلك ثبوتًا على الله، فينجزه لامتناع الخلف في وعده ﴿وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ﴾؛ أي: أهل مكة ﴿لَا يَعْلَمُونَ﴾ أنهم يبعثون، وأن ذلك يسير عليه سبحانه، غير عسير، لقصور نظرهم بالمألوف، فيتوهمون امتناع البعث، ولجهلهم بشؤون الله تعالى، من العلم والقدرة والحكمة وغيرها من صفات الكمال، وعدم وقوفهم على سرِّ التكوين.
وقرأ الضحاك (٢): ﴿بلى وعد عليه حق﴾ والتقدير: بعثهم وعد عليه حق، وحق صفة لوعد، والمعنى؛ أي: بلى (٣) سيبعثه الله بعد مماته، وقد وعد ذلك وعدًا حقًّا لا بد منه، ولكن أكثر الناس لجهلهم بشؤون الله وصفات كماله، من علم وقدرة وحكمة ونحوها، يعلمون أن وعد الله لا بد من نفاذه، وأنه باعثهم بعد مماتهم يوم القيامة أحياء، ومن قبل هذا جرؤوا على مخالفة الرسل، ووقعوا في الكفر والمعاصي.
٣٩ - ثم ذكر سبحانه الحكمة في المعاد وقيام الأجساد يوم التناد فقال: ﴿لِيُبَيِّنَ لَهُمُ﴾ و ﴿اللام﴾ متعلقة بـ ﴿يبعثهم﴾ المقدر بعد بلى، أي: بلى يبعث الله كل من يموت مؤمنًا كان أو كافرًا، ليبين لمنكري البعث، وقوله: ﴿الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ﴾ في موضع نصب على أنه مفعول يبين؛ أي: ليبين للمشركين الذين ينكرون البعث الأمر الذي يختلفون فيه مع المؤمنين، من أمر الدين بتعذيبهم، وإثابة المؤمنين، مما جاءت به الرسل وخالفتهم فيه أممهم، فيمتاز الخبيث من
وقرأ الضحاك (٢): ﴿بلى وعد عليه حق﴾ والتقدير: بعثهم وعد عليه حق، وحق صفة لوعد، والمعنى؛ أي: بلى (٣) سيبعثه الله بعد مماته، وقد وعد ذلك وعدًا حقًّا لا بد منه، ولكن أكثر الناس لجهلهم بشؤون الله وصفات كماله، من علم وقدرة وحكمة ونحوها، يعلمون أن وعد الله لا بد من نفاذه، وأنه باعثهم بعد مماتهم يوم القيامة أحياء، ومن قبل هذا جرؤوا على مخالفة الرسل، ووقعوا في الكفر والمعاصي.
٣٩ - ثم ذكر سبحانه الحكمة في المعاد وقيام الأجساد يوم التناد فقال: ﴿لِيُبَيِّنَ لَهُمُ﴾ و ﴿اللام﴾ متعلقة بـ ﴿يبعثهم﴾ المقدر بعد بلى، أي: بلى يبعث الله كل من يموت مؤمنًا كان أو كافرًا، ليبين لمنكري البعث، وقوله: ﴿الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ﴾ في موضع نصب على أنه مفعول يبين؛ أي: ليبين للمشركين الذين ينكرون البعث الأمر الذي يختلفون فيه مع المؤمنين، من أمر الدين بتعذيبهم، وإثابة المؤمنين، مما جاءت به الرسل وخالفتهم فيه أممهم، فيمتاز الخبيث من
(١) الفتوحات.
(٢) الفتوحات.
(٣) المراغي.
(٢) الفتوحات.
(٣) المراغي.
الطيب، والمطيع من العاصي، والظالم من المظلوم، إلى نحو أولئك ممن كان مدار دعوة الرسل عليه، وأنكرته الأمم الذي أرسلوا إليهم، ويجزي الذين أساؤوا بما علموا، ويجزي الذين أحسنوا بالحسن، وقوله: ﴿وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ معطوف على ﴿لِيُبَيِّنَ﴾؛ أي: بلى يبعثهم ليبين لهم الذي يختلفون فيه، وليعلم الذين جحدوا وقوع البعث والجزاء ﴿أَنَّهُمْ كَانُوا كَاذِبِينَ﴾ في قولهم: لا يبعث الله من يموت، وسيدعون إلى نار جهنم دعا، وتقول لهم الزبانية: ﴿هَذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ (١٤) أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنْتُمْ لَا تُبْصِرُونَ (١٥) اصْلَوْهَا فَاصْبِرُوا أَوْ لَا تَصْبِرُوا سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (١٦)﴾ هذا (١) إشارة إلى السبب الداعي إلى البعث المقتضى له، من حيث الحكمة، وهو التمييز بين الحق والباطل، والمحق والمبطل، والثواب والعقاب.
٤٠ - ثم أخبر سبحانه عن كامل قدرته، وأنه لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء فقال: ﴿إِنَّمَا﴾ و ﴿ما﴾ فيه كافة ﴿قَوْلُنَا﴾ مبتدأ ﴿لِشَيْءٍ﴾؛ أي: أي شيء كان مما عز وهان، متعلق بـ ﴿قَوْلُنَا﴾ على أن اللام للتبليغ، كهي في قولنا: قلت له قم فقام، فإن قلت: فيه دليل على أن المعدوم شيءٌ؛ لأنه سماه شيئًا قبل كونه.
قُلْتُ: التعبير عنه بذلك باعتبار وجوده عند تعلق مشيئته تعالى، لا أنه كان شيئًا قبل ذلك. وفي "التأويلات النجمية": في الآية دلالة على أن المعدوم الذي في علم الله إيجاده شيء، بخلاف المعدوم الذي في علم الله عدمه أبدًا، ﴿إِذَا أَرَدْنَاهُ﴾ ظرف لـ ﴿قَوْلُنَا﴾؛ أي: وقت إرادتنا لوجوده ﴿أَنْ نَقُولَ لَهُ﴾ خبر المبتدأ ﴿كُن﴾؛ أي: احدث وابرز من العدم إلى الوجود، لأنه من كان التامة بمعني الحدوث التام، ﴿فَيَكُونُ﴾ ذلك الشيء ويحدث، عطف على مقدر؛ أي: فنقول ذلك فيكون، أو جواب لشرط محذوف؛ أي: فإذا قلنا ذلك.. فهو يكون ويحدث عقيب ذلك، وهذا الكلام مجازٌ عن سرعة الإيجاد وسهولته على الله، وليس هناك قول ولا مقول له، ولا آمر ولا مأمور، حتى يقال إنه يلزم أحد
٤٠ - ثم أخبر سبحانه عن كامل قدرته، وأنه لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء فقال: ﴿إِنَّمَا﴾ و ﴿ما﴾ فيه كافة ﴿قَوْلُنَا﴾ مبتدأ ﴿لِشَيْءٍ﴾؛ أي: أي شيء كان مما عز وهان، متعلق بـ ﴿قَوْلُنَا﴾ على أن اللام للتبليغ، كهي في قولنا: قلت له قم فقام، فإن قلت: فيه دليل على أن المعدوم شيءٌ؛ لأنه سماه شيئًا قبل كونه.
قُلْتُ: التعبير عنه بذلك باعتبار وجوده عند تعلق مشيئته تعالى، لا أنه كان شيئًا قبل ذلك. وفي "التأويلات النجمية": في الآية دلالة على أن المعدوم الذي في علم الله إيجاده شيء، بخلاف المعدوم الذي في علم الله عدمه أبدًا، ﴿إِذَا أَرَدْنَاهُ﴾ ظرف لـ ﴿قَوْلُنَا﴾؛ أي: وقت إرادتنا لوجوده ﴿أَنْ نَقُولَ لَهُ﴾ خبر المبتدأ ﴿كُن﴾؛ أي: احدث وابرز من العدم إلى الوجود، لأنه من كان التامة بمعني الحدوث التام، ﴿فَيَكُونُ﴾ ذلك الشيء ويحدث، عطف على مقدر؛ أي: فنقول ذلك فيكون، أو جواب لشرط محذوف؛ أي: فإذا قلنا ذلك.. فهو يكون ويحدث عقيب ذلك، وهذا الكلام مجازٌ عن سرعة الإيجاد وسهولته على الله، وليس هناك قول ولا مقول له، ولا آمر ولا مأمور، حتى يقال إنه يلزم أحد
(١) روح البيان.
216
المحالين إما خطاب المعدوم، أو تحصيل الحاصل؛ أي: إذا أردنا وجود شيء فليس إلا أن نقول له احدث فهو يحدث بلا توقف.
والمعنى: أي (١) إنا إذا أردنا أن نبعث من يموت. فلا تعب علينا ولا نصب في إحيائه ولا بعثه؛ لأنا إذا أردنا ذلك.. فإنما نقول له كن فيكون، لا معاناة فيه ولا كلفة علينا، ونحو الآية قوله: ﴿فَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾، وقوله: ﴿وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ (٥٠)﴾، وقوله: ﴿مَا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ﴾.
وخلاصة هذا: أنه تعالى مثل حصول المقدورات وفق مشيئته، وسرعة حدوثها حين إرادته سرعة حصول المأمور حين أمر الآمر، وقوله دون هوادة ولا تراخ، ولكن العباد (٢) خوطبوا بذلك على قدر عقولهم، ولو أراد الله خلق الدنيا وما فيها في قدر لمح البصر.. لقدر على ذلك، فالمعنى: إنما إيجادنا لشيء عند تعلق إرادتنا به أن نوجده في أسرع ما يكون، وقرأ ابن كثير ونافع وعاصم وأبو عمرو وحمزة ﴿فَيَكُونُ﴾ رفعًا، وكذلك في كل القرآن، وقرأ ابن عامر والكسائي: ﴿فيكون﴾ نصبًا، قال مكيٌّ بن إبراهيم: من رفع قطعه عما قبله.
والمعنى: فهو يكون، ومن نصب عطفه على يقول. والله أعلم.
الإعراب
﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (٢٤) لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ (٢٥)﴾.
﴿وَإِذَا﴾ ﴿الواو﴾: استئنافية ﴿إذا﴾: ظرف لما يستقبل من الزمان، ﴿قِيلَ﴾ فعلٌ ماض مغير الصيغة، ﴿لَهُمْ﴾: متعلق به، ﴿مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ﴾: نائب فاعل محكي، وإن شئت قلت: ﴿مَاذَا﴾: اسم استفهام مركب في محل النصب مفعول مقدم وجوبًا، ﴿أَنْزَلَ رَبُّكُمْ﴾: فعل وفاعل، والجملة الفعلية في محل الرفع نائب
والمعنى: أي (١) إنا إذا أردنا أن نبعث من يموت. فلا تعب علينا ولا نصب في إحيائه ولا بعثه؛ لأنا إذا أردنا ذلك.. فإنما نقول له كن فيكون، لا معاناة فيه ولا كلفة علينا، ونحو الآية قوله: ﴿فَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾، وقوله: ﴿وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ (٥٠)﴾، وقوله: ﴿مَا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ﴾.
وخلاصة هذا: أنه تعالى مثل حصول المقدورات وفق مشيئته، وسرعة حدوثها حين إرادته سرعة حصول المأمور حين أمر الآمر، وقوله دون هوادة ولا تراخ، ولكن العباد (٢) خوطبوا بذلك على قدر عقولهم، ولو أراد الله خلق الدنيا وما فيها في قدر لمح البصر.. لقدر على ذلك، فالمعنى: إنما إيجادنا لشيء عند تعلق إرادتنا به أن نوجده في أسرع ما يكون، وقرأ ابن كثير ونافع وعاصم وأبو عمرو وحمزة ﴿فَيَكُونُ﴾ رفعًا، وكذلك في كل القرآن، وقرأ ابن عامر والكسائي: ﴿فيكون﴾ نصبًا، قال مكيٌّ بن إبراهيم: من رفع قطعه عما قبله.
والمعنى: فهو يكون، ومن نصب عطفه على يقول. والله أعلم.
الإعراب
﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (٢٤) لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ (٢٥)﴾.
﴿وَإِذَا﴾ ﴿الواو﴾: استئنافية ﴿إذا﴾: ظرف لما يستقبل من الزمان، ﴿قِيلَ﴾ فعلٌ ماض مغير الصيغة، ﴿لَهُمْ﴾: متعلق به، ﴿مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ﴾: نائب فاعل محكي، وإن شئت قلت: ﴿مَاذَا﴾: اسم استفهام مركب في محل النصب مفعول مقدم وجوبًا، ﴿أَنْزَلَ رَبُّكُمْ﴾: فعل وفاعل، والجملة الفعلية في محل الرفع نائب
(١) المراغي.
(٢) المراح.
(٢) المراح.
217
فاعل لـ ﴿قِيلَ﴾ وإن شئت قلت: ﴿ما﴾ اسم استفهام في محل الرفع مبتدأ، ﴿ذا﴾ اسم موصول بمعنى الذي في محل الرفع خبرٌ، ﴿أَنْزَلَ رَبُّكُمْ﴾: فعل وفاعل، والجمل صلة لـ ﴿ذا﴾ الموصولة، والعائد محذوف تقديره: ما الذي أنزله ربكم، والجملة الاسمية في محل الرفع نائب فاعل لـ ﴿قِيلَ﴾ وجملة ﴿قِيلَ﴾ في محل الجر مضاف إليه لـ ﴿إذا﴾ على كونها فعل شرط لها، ﴿قَالُوا﴾ فعل وفاعل، والجملة جواب ﴿إذا﴾ وجملة ﴿إذا﴾ مستأنفة ﴿أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ﴾: خبرٌ ومضاف إليه لمبتدأ محذوف تقديره: المنزل أساطير الأولين، وسموه منزلًا على سبيل التهكم، أو على سبيل التقدير ﴿لِيَحْمِلُوا﴾ ﴿اللام﴾: حرف جر وعاقبة ﴿يحملوا أوزارهم﴾ فعل وفاعل ومفعول، منصب بأن مضمرة جوازًا بعد لام كي ﴿كَامِلَة﴾: حال من الأوزار، ﴿يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾: ظرف متعلق بـ ﴿يحملوا﴾، والجملة الفعلية صلة أن المضمرة، أن مع صلتها في تأويل مصدر مجرور باللام، تقديره: قالوا لصيرورة عاقبتهم حملهم أوزارهم يوم القيامة، ﴿وَمِنْ أَوْزَارِ﴾: معطوف على ﴿أَوْزَارَهُمْ﴾، و ﴿وَمِنْ﴾ إما زائدة أو تبعيضية، ﴿الَّذِينَ﴾: اسم موصول في محل الجر مضاف إليه، ﴿يُضِلُّونَهُمْ﴾: فعل وفاعل ومفعول، والجملة صلة الموصول، ﴿بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾: جار ومجرور ومضاف إليه، إما حال من فاعل ﴿يُضِلُّونَهُمْ﴾، أو من مفعوله كما مر ﴿أَلَا﴾: حرف تنبيه ﴿سَاءَ﴾: فعل ماض من أفعال الذم، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبًا، لشبهه بالمثل، تقديره: هو يعود على الشيء المبهم الذي يفسره التمييز، ﴿مَا﴾: نكرة موصوفة في محل النصب على التمييز لفاعل ﴿سَاءَ﴾، ﴿يَزِرُونَ﴾: فعل وفاعل، والجملة الفعلية في محل النصب صفة لـ ﴿مَا﴾، والرابط محذوف تقديره: ألا ساءَ الشيء شيئًا يزورنه، والمخصوص بالذم محذوف تقديره: حملهم هذا، وجملة ﴿سَاءَ﴾ جملة إنشائية لا محل لها من الإعراب.
﴿قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ (٢٦)﴾.
﴿قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ﴾: فعل وفاعل، والجملة مستأنفة ﴿مِنْ قَبْلِهِمْ﴾: جار
﴿قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ (٢٦)﴾.
﴿قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ﴾: فعل وفاعل، والجملة مستأنفة ﴿مِنْ قَبْلِهِمْ﴾: جار
218
ومجرور صلة الموصول، ﴿فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ﴾: فعل وفاعل ومفعول، والجملة معطوفة على جملة ﴿مَكَرَ﴾ و ﴿الفاء﴾ للعطف والتعقيب ﴿مِنَ الْقَوَاعِدِ﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿أتى﴾، ﴿فَخَرَّ﴾ ﴿الفاء﴾: حرف عطف وتعقيب، ﴿خر﴾: فعل ماض، ﴿عَلَيْهِمُ﴾: متعلق به، ﴿السَّقْفُ﴾: فاعل ﴿مِنْ فَوْقِهِمْ﴾: جار ومجرور ومضاف إليه، متعلق بـ ﴿خَرَّ﴾ والجملة الفعلية معطوفة على جملة ﴿أتى﴾. ﴿وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ﴾: فعل ومفعول وفاعل، والجملة معطوفة على جملة قوله: ﴿فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ﴾، ﴿مِنْ حَيْثُ﴾: جار ومجرور، متعلق بـ ﴿أتى﴾، وجملة ﴿لَا يَشْعُرُونَ﴾ في محل الجر مضاف إليه لـ ﴿حَيْثُ﴾.
﴿ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُخْزِيهِمْ وَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ قَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَالسُّوءَ عَلَى الْكَافِرِينَ (٢٧) الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ فَأَلْقَوُا السَّلَمَ مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ بَلَى إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٢٨)﴾.
﴿ثُمَّ﴾: حرف عطف وتراخ، ﴿يوم القيامة﴾ ظرف متعلق بما بعده، ﴿يخزيهم﴾: فعل ومفعول، وفاعله ضمير يعود على ﴿اللَّهُ﴾، والجملة معطوفة على جملة قوله: ﴿وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ﴾ ﴿وَيَقُولُ﴾: فعل مضارع معطوف على ﴿يُخْزِيهِمْ﴾، وفاعله ضمير يعود على ﴿اللَّهُ﴾ ﴿أَيْنَ شُرَكَائِيَ﴾: إلى قوله: ﴿قَالَ الَّذِينَ﴾ مقول محكي، وإن شئت قلت: ﴿أَيْنَ﴾ اسم استفهام للاستفهام التوبيخي في محل الرفع خبر مقدم وجوبًا، ﴿شُرَكَائِيَ﴾: مبتدأ مؤخر، والجملة الاسمية في محل النصب مقول لـ ﴿يقول﴾ ﴿الَّذِينَ﴾ في محل الرفع صفة لـ ﴿شُرَكَائِيَ﴾: ﴿كُنْتُمْ﴾: فعل ناقص واسمه، وجملة ﴿تُشَاقُّونَ﴾ في محل النصب خبر ﴿كان﴾ ﴿فِيهِمْ﴾: جار ومجرور، متعلق بـ ﴿تُشَاقُّونَ﴾، وجملة ﴿كان﴾ صلة الموصول، ﴿قَالَ الَّذِينَ﴾: فعل وفاعل، والجملة مستأنفة ﴿أُوتُوا الْعِلْمَ﴾: فعل مغير ونائب فاعل ومفعول ثان؛ لأن أتى هنا بمعنى أعطى يتعدى لمفعولين، أولهما صار نائب فاعل، لـ ﴿أُوتُوا﴾ والأصل قال الذين آتاهم الله العلم، والجملة الفعلية صلة الموصول، ﴿إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ﴾ إلى قوله: ﴿فَأَلْقَوُا السَّلَمَ﴾: مقول محكي لـ ﴿قَالَ﴾، وإن شئت قلت: ﴿إِنَّ الْخِزْيَ﴾: ناصب واسمه،
﴿ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُخْزِيهِمْ وَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ قَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَالسُّوءَ عَلَى الْكَافِرِينَ (٢٧) الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ فَأَلْقَوُا السَّلَمَ مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ بَلَى إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٢٨)﴾.
﴿ثُمَّ﴾: حرف عطف وتراخ، ﴿يوم القيامة﴾ ظرف متعلق بما بعده، ﴿يخزيهم﴾: فعل ومفعول، وفاعله ضمير يعود على ﴿اللَّهُ﴾، والجملة معطوفة على جملة قوله: ﴿وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ﴾ ﴿وَيَقُولُ﴾: فعل مضارع معطوف على ﴿يُخْزِيهِمْ﴾، وفاعله ضمير يعود على ﴿اللَّهُ﴾ ﴿أَيْنَ شُرَكَائِيَ﴾: إلى قوله: ﴿قَالَ الَّذِينَ﴾ مقول محكي، وإن شئت قلت: ﴿أَيْنَ﴾ اسم استفهام للاستفهام التوبيخي في محل الرفع خبر مقدم وجوبًا، ﴿شُرَكَائِيَ﴾: مبتدأ مؤخر، والجملة الاسمية في محل النصب مقول لـ ﴿يقول﴾ ﴿الَّذِينَ﴾ في محل الرفع صفة لـ ﴿شُرَكَائِيَ﴾: ﴿كُنْتُمْ﴾: فعل ناقص واسمه، وجملة ﴿تُشَاقُّونَ﴾ في محل النصب خبر ﴿كان﴾ ﴿فِيهِمْ﴾: جار ومجرور، متعلق بـ ﴿تُشَاقُّونَ﴾، وجملة ﴿كان﴾ صلة الموصول، ﴿قَالَ الَّذِينَ﴾: فعل وفاعل، والجملة مستأنفة ﴿أُوتُوا الْعِلْمَ﴾: فعل مغير ونائب فاعل ومفعول ثان؛ لأن أتى هنا بمعنى أعطى يتعدى لمفعولين، أولهما صار نائب فاعل، لـ ﴿أُوتُوا﴾ والأصل قال الذين آتاهم الله العلم، والجملة الفعلية صلة الموصول، ﴿إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ﴾ إلى قوله: ﴿فَأَلْقَوُا السَّلَمَ﴾: مقول محكي لـ ﴿قَالَ﴾، وإن شئت قلت: ﴿إِنَّ الْخِزْيَ﴾: ناصب واسمه،
219
﴿الْيَوْمَ﴾: ظرف متعلق بـ ﴿الْخِزْيَ﴾؛ لأنه مصدر فيه الألف واللام، أو متعلق بالاستقرار الذي تعلق به الجار والمجرور الواقع خبرًا؛ لأن كما ذكره أبو البقاء، ﴿وَالسُّوءَ﴾: معطوف على ﴿الْخِزْيَ﴾، ﴿عَلَى الْكَافِرِينَ﴾ خبر ﴿إنَّ﴾، وجملة ﴿إنَّ﴾ في محل النصب مقول ﴿قَالَ﴾، ﴿الَّذِينَ﴾: صفة لـ ﴿الْكَافِرِينَ﴾، ﴿تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ﴾: فعل ومفعول وفاعل، صلة الوصول، ﴿ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ﴾: حال من ضمير الغائبين، ومضاف إليه، ﴿فَأَلْقَوُا السَّلَمَ﴾: فعل وفاعل ومفعول، معطوف على جملة قوله ﴿قَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ﴾ أو على ﴿تَتَوَفَّاهُمُ﴾، و ﴿الفاء﴾: حرف عطف وتعقيب، ويجوز أن يكون مستأنفًا، والفاء حينئذٍ استئنافية، ذكره أبو البقاء ﴿مَا﴾ نافية ﴿كُنَّا﴾ فعل ناقص واسمه ﴿نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ﴾ فعل ومفعول، و ﴿مِنْ﴾ زائدة، وفاعله ضمير يعود على المشركين، وجملة ﴿نَعْمَلُ﴾ في محل النصب خبر ﴿كان﴾، وجملة ﴿كان﴾ في محل النصب مقولٌ لقول محذوف، حال من فاعل ﴿ألقوا﴾؛ أي: فألقوا السلم قائلين: ﴿مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ﴾. ﴿بَلَى﴾: حرف جواب لإثبات ما بعد حرف النفي قائمة مقام الجواب المحذوف، تقديره: بلى كنتم تعملون أقبح الشرك وأشد الآثام، والجملة الجوابية مستأنفة، ﴿إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ﴾: ناصب واسمه وخبره، والجملة مستأنفة مسوقة لتعليل الجواب المحذوف ﴿بِمَا﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿عَلِيمٌ﴾، ﴿كُنْتُمْ﴾: فعل ناقص واسمه، وجملة ﴿تَعْمَلُونَ﴾ خبر ﴿كان﴾ وجملة كان صلة لـ ﴿ما﴾ أو صفة لها، والعائد أو الرابط محذوف تقديره: بما كنتم تعملونه.
﴿فَادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (٢٩)﴾.
﴿فَادْخُلُوا﴾ ﴿الفاء﴾: حرف عطف وتعقيب، ﴿ادخلوا﴾: فعل وفاعل، ﴿أَبْوَابَ جَهَنَّمَ﴾: ظرف ومضاف إليه متعلق بـ ﴿ادخلوا﴾، أو منصوب على التشبيه بالمفعول به، والجملة معطوفة على الجواب تقديره: بلى كنتم تعملون أشد الشرك وأقبح الآثام فادخلوا أبواب جهنم، ﴿خَالِدِينَ﴾: حال مقدرة من فاعل ﴿ادخلوا﴾ ﴿فِيهَا﴾: متعلق بـ ﴿خَالِدِينَ﴾، ﴿فَلَبِئْسَ﴾ الفاء}: حرف عطف وتعقيب، ﴿اللام﴾؛ موطئة للقسم، ﴿بئس مثوى المتكبرين﴾: فعل وفاعل، والجملة الفعلية جواب القسم المحذوف، وجملة القسم معطوفة على جملة قوله:
﴿فَادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (٢٩)﴾.
﴿فَادْخُلُوا﴾ ﴿الفاء﴾: حرف عطف وتعقيب، ﴿ادخلوا﴾: فعل وفاعل، ﴿أَبْوَابَ جَهَنَّمَ﴾: ظرف ومضاف إليه متعلق بـ ﴿ادخلوا﴾، أو منصوب على التشبيه بالمفعول به، والجملة معطوفة على الجواب تقديره: بلى كنتم تعملون أشد الشرك وأقبح الآثام فادخلوا أبواب جهنم، ﴿خَالِدِينَ﴾: حال مقدرة من فاعل ﴿ادخلوا﴾ ﴿فِيهَا﴾: متعلق بـ ﴿خَالِدِينَ﴾، ﴿فَلَبِئْسَ﴾ الفاء}: حرف عطف وتعقيب، ﴿اللام﴾؛ موطئة للقسم، ﴿بئس مثوى المتكبرين﴾: فعل وفاعل، والجملة الفعلية جواب القسم المحذوف، وجملة القسم معطوفة على جملة قوله:
220
﴿فَادْخُلُوا﴾؛ أي: فادخلوا أبواب جهنم فيقال فيكم: والله لبئس مثوى المتكبرين، والمخصوص بالذم محذوف تقديره: جهنم.
﴿وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا خَيْرًا لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ (٣٠)﴾.
﴿وَقِيلَ﴾ ﴿الواو﴾: استئنافية، ﴿قيل﴾: فعل ماض مغير الصيغة، ﴿لِلَّذِينَ﴾: متعلق به، ﴿اتَّقَوْا﴾: فعل وفاعل، صلة الموصول، ﴿مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ﴾ نائب فاعل محكي لـ ﴿قيل﴾، وجملة ﴿قيل﴾ مستأنفة، وإن شئت قلت: ﴿مَاذَا﴾: اسم استفهام مركب في محل النصب مفعول مقدم وجوبًا، ﴿أَنْزَلَ رَبُّكُمْ﴾: فعل وفاعل، والجملة الفعلية في محل الرفع نائب فاعل لـ ﴿قيل﴾، وإن شئت قلت ﴿مَاذَا﴾ مبتدأ وخبر، وجملة ﴿أَنْزَلَ رَبُّكُمْ﴾ صلة لـ ﴿ذا﴾ الموصولة، كما مر نظيره فراجعه، ﴿قَالُوا﴾: فعل وفاعل، الجملة مستأنفة، ﴿خَيْرًا﴾: مفعول لفعل محذوف تقديره: أنزل خيرًا، والجملة المحذوفة في محل النصب مقول قالوا، ﴿لِلَّذِينَ﴾ جار ومجرور خبر مقدم، ﴿أَحْسَنُوا﴾: فعل وفاعل صلة الموصولة ﴿فِي هَذِهِ﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿أَحْسَنُوا﴾، ﴿الدُّنْيَا﴾: بدل من اسم الإشارة، أو عطف بيان عنه ﴿حَسَنَةٌ﴾: مبتدأ مؤخر، والجملة الاسمية مستأنفة، أو في محل النصب بدل من ﴿خَيْرًا﴾، أو جملة مفسرة له ﴿وَلَدَارُ الْآخِرَةِ﴾: مبتدأ ومضاف إليه، و ﴿اللام﴾ حرف ابتداء ﴿خَيْرٌ﴾: خبر المبتدأ، والجملة الاسمية معطوفة على جملة قوله: ﴿لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا﴾ ﴿وَلَنِعْمَ﴾: ﴿الواو﴾: عاطفة، و ﴿اللام﴾: موطئة للقسم المحذوف، ﴿نِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ﴾: فعل وفاعل ومضاف إليه، والجملة الفعلية جواب القسم المحذوف، والتقدير: والله لنعم دار المتقين، وجملة القسم معطوفة على الجملة التي قبلها، والمخصوص بالمدح محذوف تقديره: هي.
﴿جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ كَذَلِكَ يَجْزِي اللَّهُ الْمُتَّقِينَ (٣١)﴾.
﴿جَنَّاتُ عَدْنٍ﴾ مبتدأ ومضاف إليه، والخبر محذوف تقديره: لهم جنات عدن، والجملة مستأنفة، وفيه أوجه أخر تركناها خوف الإطالة، ﴿يَدْخُلُونَهَا﴾: فعل
﴿وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا خَيْرًا لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ (٣٠)﴾.
﴿وَقِيلَ﴾ ﴿الواو﴾: استئنافية، ﴿قيل﴾: فعل ماض مغير الصيغة، ﴿لِلَّذِينَ﴾: متعلق به، ﴿اتَّقَوْا﴾: فعل وفاعل، صلة الموصول، ﴿مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ﴾ نائب فاعل محكي لـ ﴿قيل﴾، وجملة ﴿قيل﴾ مستأنفة، وإن شئت قلت: ﴿مَاذَا﴾: اسم استفهام مركب في محل النصب مفعول مقدم وجوبًا، ﴿أَنْزَلَ رَبُّكُمْ﴾: فعل وفاعل، والجملة الفعلية في محل الرفع نائب فاعل لـ ﴿قيل﴾، وإن شئت قلت ﴿مَاذَا﴾ مبتدأ وخبر، وجملة ﴿أَنْزَلَ رَبُّكُمْ﴾ صلة لـ ﴿ذا﴾ الموصولة، كما مر نظيره فراجعه، ﴿قَالُوا﴾: فعل وفاعل، الجملة مستأنفة، ﴿خَيْرًا﴾: مفعول لفعل محذوف تقديره: أنزل خيرًا، والجملة المحذوفة في محل النصب مقول قالوا، ﴿لِلَّذِينَ﴾ جار ومجرور خبر مقدم، ﴿أَحْسَنُوا﴾: فعل وفاعل صلة الموصولة ﴿فِي هَذِهِ﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿أَحْسَنُوا﴾، ﴿الدُّنْيَا﴾: بدل من اسم الإشارة، أو عطف بيان عنه ﴿حَسَنَةٌ﴾: مبتدأ مؤخر، والجملة الاسمية مستأنفة، أو في محل النصب بدل من ﴿خَيْرًا﴾، أو جملة مفسرة له ﴿وَلَدَارُ الْآخِرَةِ﴾: مبتدأ ومضاف إليه، و ﴿اللام﴾ حرف ابتداء ﴿خَيْرٌ﴾: خبر المبتدأ، والجملة الاسمية معطوفة على جملة قوله: ﴿لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا﴾ ﴿وَلَنِعْمَ﴾: ﴿الواو﴾: عاطفة، و ﴿اللام﴾: موطئة للقسم المحذوف، ﴿نِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ﴾: فعل وفاعل ومضاف إليه، والجملة الفعلية جواب القسم المحذوف، والتقدير: والله لنعم دار المتقين، وجملة القسم معطوفة على الجملة التي قبلها، والمخصوص بالمدح محذوف تقديره: هي.
﴿جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ كَذَلِكَ يَجْزِي اللَّهُ الْمُتَّقِينَ (٣١)﴾.
﴿جَنَّاتُ عَدْنٍ﴾ مبتدأ ومضاف إليه، والخبر محذوف تقديره: لهم جنات عدن، والجملة مستأنفة، وفيه أوجه أخر تركناها خوف الإطالة، ﴿يَدْخُلُونَهَا﴾: فعل
221
وفاعل ومفعول، والجملة في محل النصب حال من الضمير المستكن في الخبر المحذوف، ﴿تَجْرِي﴾: فعل مضارع ﴿مِنْ تَحْتِهَا﴾: متعلق به، ﴿الْأَنْهَارُ﴾ فاعل، وجملة ﴿تَجْرِي﴾ في محل النصب حال من مفعول ﴿يَدْخُلُونَهَا﴾ ﴿لَهُمْ﴾: جار ومجرور، خبر مقدم ﴿فِيهَا﴾: جار ومجرور، متعلق بـ لاستقرار الذي تعلق به الخبر، ﴿مَا﴾ اسم موصول في محل الرفع مبتدأ مؤخر، ﴿يَشَاءُونَ﴾: فعل وفاعل، والجملة صلة الموصول، والعائد محذوف تقديره: ما يشاؤونه ويشتهونه والجملة الاسمية في محل النصب حال ثانية من مفعول ﴿يَدْخُلُونَهَا﴾. ﴿كَذَلِكَ﴾: جار ومجرور صفة لمصدر محذوف، ﴿يَجْزِي اللَّهُ الْمُتَّقِينَ﴾: فعل وفاعل ومفعول، والتقدير: يجزى الله المتقين جزاء مثل الجزاء الذي ذكرناه، والجملة الفعلية مستأنفة.
﴿الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٣٢)﴾.
﴿الَّذِينَ﴾: اسم موصول في محل النصب صفة لـ ﴿الْمُتَّقِينَ﴾. ﴿تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ﴾: فعل ومفعول وفاعل، والجملة صلة الموصول، ﴿طَيِّبِينَ﴾ حال من المفعول في ﴿تَتَوَفَّاهُمُ﴾، ﴿يَقُولُونَ﴾: فعل وفاعل، والجملة في محل النصب حال من ﴿الْمَلَائِكَةُ﴾ ﴿سَلَامٌ عَلَيْكُمُ﴾ إلى آخر الآية: مقولٌ محكي لـ ﴿يَقُولُونَ﴾، وإن شئت قلت: ﴿سَلَامٌ﴾: مبتدأ سوغ الابتداء بالنكرة وقوعه في معرض الدعاء، ﴿عَلَيْكُمُ﴾: خبره، والجملة الاسمية في محل النصب مقول القول، ﴿ادْخُلُوا الْجَنَّةَ﴾: فعل وفاعل مفعول، والجملة الفعلية في محل النصب مقول القول، ﴿بِمَا﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿ادْخُلُوا﴾، و ﴿الباء﴾ سببية، ﴿كُنْتُمْ﴾: فعل ناقص واسمه، وجملة ﴿تَعْمَلُونَ﴾ خبره، وجعله ﴿كان﴾ صلة لـ ﴿ما﴾، أو صفة لها، والعائد أو الرابط محذوف تقديره: تعملونه، ويصح أن تكون مصدريةً؛ أي: بعملكم.
﴿هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (٣٣)﴾.
﴿الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٣٢)﴾.
﴿الَّذِينَ﴾: اسم موصول في محل النصب صفة لـ ﴿الْمُتَّقِينَ﴾. ﴿تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ﴾: فعل ومفعول وفاعل، والجملة صلة الموصول، ﴿طَيِّبِينَ﴾ حال من المفعول في ﴿تَتَوَفَّاهُمُ﴾، ﴿يَقُولُونَ﴾: فعل وفاعل، والجملة في محل النصب حال من ﴿الْمَلَائِكَةُ﴾ ﴿سَلَامٌ عَلَيْكُمُ﴾ إلى آخر الآية: مقولٌ محكي لـ ﴿يَقُولُونَ﴾، وإن شئت قلت: ﴿سَلَامٌ﴾: مبتدأ سوغ الابتداء بالنكرة وقوعه في معرض الدعاء، ﴿عَلَيْكُمُ﴾: خبره، والجملة الاسمية في محل النصب مقول القول، ﴿ادْخُلُوا الْجَنَّةَ﴾: فعل وفاعل مفعول، والجملة الفعلية في محل النصب مقول القول، ﴿بِمَا﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿ادْخُلُوا﴾، و ﴿الباء﴾ سببية، ﴿كُنْتُمْ﴾: فعل ناقص واسمه، وجملة ﴿تَعْمَلُونَ﴾ خبره، وجعله ﴿كان﴾ صلة لـ ﴿ما﴾، أو صفة لها، والعائد أو الرابط محذوف تقديره: تعملونه، ويصح أن تكون مصدريةً؛ أي: بعملكم.
﴿هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (٣٣)﴾.
222
﴿هَلْ﴾: حرف استفهام للاستفهام الإنكاري، ﴿يَنْظُرُونَ﴾: فعل وفاعل، والجملة مستأنفة، ﴿إِلَّا﴾: أداة استثناء مفرغ، ﴿أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ﴾: ناصب وفعل ومفعول وفاعل، والجملة الفعلية مع ﴿أَنْ﴾ المصدرية في تأويل مصدر منصوب على المفعولية، والتقدير: هل ينتظرون إلا إتيان الملائكة إياهم، ﴿أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ﴾: فعل وفاعل معطوف على ﴿تَأْتِيَهُمُ﴾؛ أي: ما ينتظرون إلا إتيان الملائكة، أو إتيان أمر ربك، ﴿كَذَلِكَ﴾: صفة لمصدر محذوف، ﴿فَعَلَ الَّذِينَ﴾: فعل وفاعل، ﴿مِنْ قَبْلِهِمْ﴾: جار ومجرور، صلة الموصول، والجملة مستأنفة، والتقدير: فعل الذين من قبلهم فعلًا مثل فعل هؤلاء المشركين من قومك، ﴿وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ﴾: ناف وفعل ومفعول وفاعل، والجملة الفعلية معترضة لاعتراضها بين المعطوف الذي هو ﴿فَأَصَابَهُمْ﴾ والمعطوف عليه الذي هو ﴿فَعَلَ﴾، و ﴿وَلَكِنْ﴾ ﴿الواو﴾: عاطفة، ﴿لكن﴾: حرف استدراك، ﴿كَانُوا﴾: فعل ناقص واسمه، ﴿أَنْفُسَهُمْ﴾: مفعول مقدم لـ ﴿يَظْلِمُونَ﴾ وجملة ﴿يَظْلِمُونَ﴾ في محل النصب خبر ﴿كان﴾، وجملة ﴿كان﴾ معطوفة على جملة قوله: ﴿وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ﴾.
﴿فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُوا وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (٣٤)﴾.
﴿فَأَصَابَهُمْ﴾ ﴿الفاء﴾: حرف عطف وتعقيب، ﴿أَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا﴾: فعل ومفعول وفاعل ومضاف إليه، والجملة معطوفة على جملة قوله: ﴿فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ﴾ وما بينهما اعتراض اهـ "سمين "، وجملة ﴿عَمِلُوا﴾ صلةٌ لـ ﴿مَا﴾ أو صفة لها، ﴿وَحَاقَ﴾: فعل ماض، ﴿بِهِمْ﴾: متعلق به، ﴿مَا﴾: موصولة أو موصوفة في محل الرفع فاعل، والجملة معطوفة على جملة ﴿أصابهم﴾، ﴿كَانُوا﴾: فعل ناقص واسمه، ﴿بِهِ﴾: متعلق بما بعده، وجملة ﴿يَسْتَهْزِئُونَ﴾ خبر ﴿كان﴾، وجملة ﴿كان﴾ صلة لـ ﴿مَا﴾ أو صفة لها.
﴿وَقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا عَبَدْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ نَحْنُ وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ﴾.
﴿وَقَالَ الَّذِينَ﴾: فعل وفاعل، والجملة مستأنفة، ﴿أَشْرَكُوا﴾: فعل وفاعل،
﴿فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُوا وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (٣٤)﴾.
﴿فَأَصَابَهُمْ﴾ ﴿الفاء﴾: حرف عطف وتعقيب، ﴿أَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا﴾: فعل ومفعول وفاعل ومضاف إليه، والجملة معطوفة على جملة قوله: ﴿فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ﴾ وما بينهما اعتراض اهـ "سمين "، وجملة ﴿عَمِلُوا﴾ صلةٌ لـ ﴿مَا﴾ أو صفة لها، ﴿وَحَاقَ﴾: فعل ماض، ﴿بِهِمْ﴾: متعلق به، ﴿مَا﴾: موصولة أو موصوفة في محل الرفع فاعل، والجملة معطوفة على جملة ﴿أصابهم﴾، ﴿كَانُوا﴾: فعل ناقص واسمه، ﴿بِهِ﴾: متعلق بما بعده، وجملة ﴿يَسْتَهْزِئُونَ﴾ خبر ﴿كان﴾، وجملة ﴿كان﴾ صلة لـ ﴿مَا﴾ أو صفة لها.
﴿وَقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا عَبَدْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ نَحْنُ وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ﴾.
﴿وَقَالَ الَّذِينَ﴾: فعل وفاعل، والجملة مستأنفة، ﴿أَشْرَكُوا﴾: فعل وفاعل،
223
والجملة صلة الموصول، ﴿لَوْ شَاءَ اللَّهُ﴾ إلى قوله: ﴿كَذَلِكَ﴾ مقول محكي لـ ﴿قالوا﴾، وإن شئت قلت: ﴿لَوْ﴾: حرف شرط ﴿شَاءَ اللَّهُ﴾: فعل وفاعل، والجملة فعل شرط لـ ﴿لَوْ﴾، ﴿مَا﴾: نافية، ﴿عَبَدْنَا﴾: فعل وفاعل، ﴿مِنْ دُونِهِ﴾: حال من ﴿شَيْءٍ﴾ لأنه صفة نكرة قدمت عليها، ﴿مِنْ شَيْءٍ﴾: مفعول ﴿عَبَدْنَا﴾، و ﴿مِن﴾ زائدة وجملة ﴿عَبَدْنَا﴾ جواب ﴿لَوْ﴾ الشرطية، وجملة ﴿لَوْ﴾ الشرطية في محل النصب مقول ﴿قال﴾. ﴿نَحْنُ﴾: تأكيد لضمير الفاعل في ﴿عَبَدْنَا﴾، ﴿وَلَا آبَاؤُنَا﴾: معطوف على ذلك الضمير، ﴿وَلَا حَرَّمْنَا﴾: فعل وفاعل معطوف على ﴿عَبَدْنَا﴾، ﴿مِنْ﴾: زائدة، ﴿دُونِهِ﴾: ظرف حال من ضمير ﴿حَرَّمْنَا﴾؛ أي: حالة كوننا دونه؛ أي: دون الله؛ أي: مستقلين بتحريمه، كما في "الجَمَلِ". ﴿مِنْ شَيْءٍ﴾: مفعول ﴿حَرَّمْنَا﴾ و ﴿مِنْ﴾ زائدة.
﴿كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ﴾.
﴿كَذَلِكَ﴾: صفة لمصدر محذوف، ﴿فَعَلَ الَّذِينَ﴾: فعل وفاعل ﴿مِنْ قَبْلِهِمْ﴾: صلة الموصول، والجملة مستأنفة، والتقدير: فعل الذين من قبلهم فعلًا مثل فعل هؤلاء المشركين، ﴿فَهَلْ﴾ ﴿الفاء﴾ فاء الفصيحة؛ لأنها أفصحت عن جواب شرط مقدر، تقديره: إذا عرفت فعل هؤلاء، وفعل الذين من قبلهم، وأردت بيان ما على الرسل.. فأقول لك: هل على الرسل، ﴿هَلْ﴾؛ حرف استفهام، للاستفهام الإنكاري، ﴿عَلَى الرُّسُلِ﴾: جار ومجرور خبر مقدم، ﴿إِلَّا﴾: أداة استثناء مفرغ، ﴿الْبَلَاغُ﴾: مبتدأ مؤخر، ﴿المبين﴾: صفة لـ ﴿الْبَلَاغُ﴾ والجملة الاستفهامية في محل النصب مقولٌ لجواب إذا المقدرة، وجملة إذا المقدرة مستأنفة.
﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ﴾.
﴿وَلَقَدْ﴾ ﴿الواو﴾: استئنافية و ﴿اللام﴾: موطئة للقسم، ﴿قد﴾: حرف تحقيق، ﴿بَعَثْنَا﴾: فعل وفاعل، ﴿فِي كُلِّ أُمَّةٍ﴾: جار ومجرور ومضاف إليه،
﴿كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ﴾.
﴿كَذَلِكَ﴾: صفة لمصدر محذوف، ﴿فَعَلَ الَّذِينَ﴾: فعل وفاعل ﴿مِنْ قَبْلِهِمْ﴾: صلة الموصول، والجملة مستأنفة، والتقدير: فعل الذين من قبلهم فعلًا مثل فعل هؤلاء المشركين، ﴿فَهَلْ﴾ ﴿الفاء﴾ فاء الفصيحة؛ لأنها أفصحت عن جواب شرط مقدر، تقديره: إذا عرفت فعل هؤلاء، وفعل الذين من قبلهم، وأردت بيان ما على الرسل.. فأقول لك: هل على الرسل، ﴿هَلْ﴾؛ حرف استفهام، للاستفهام الإنكاري، ﴿عَلَى الرُّسُلِ﴾: جار ومجرور خبر مقدم، ﴿إِلَّا﴾: أداة استثناء مفرغ، ﴿الْبَلَاغُ﴾: مبتدأ مؤخر، ﴿المبين﴾: صفة لـ ﴿الْبَلَاغُ﴾ والجملة الاستفهامية في محل النصب مقولٌ لجواب إذا المقدرة، وجملة إذا المقدرة مستأنفة.
﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ﴾.
﴿وَلَقَدْ﴾ ﴿الواو﴾: استئنافية و ﴿اللام﴾: موطئة للقسم، ﴿قد﴾: حرف تحقيق، ﴿بَعَثْنَا﴾: فعل وفاعل، ﴿فِي كُلِّ أُمَّةٍ﴾: جار ومجرور ومضاف إليه،
224
متعلق بـ ﴿بَعَثْنَا﴾. ﴿رَسُولًا﴾: مفعول به، والجملة الفعلية جواب القسم، وجملة القسم مستأنفة، ﴿أَنِ﴾ مصدريةٌ أو مفسرة ﴿اعْبُدُوا اللَّهَ﴾: فعل وفاعل ومفعول، والجملة الفعلية مع ﴿أَنِ﴾ المصدرية في تأويل مصدر مجرور بحرف جر محذوف، تقديره: بعبادة الله، الجار والمجرور متعلق بـ ﴿بَعَثْنَا﴾. ﴿وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ﴾: فعل وفاعل ومفعول معطوف على ﴿اعْبُدُوا﴾، ﴿فَمِنْهُمْ﴾ ﴿الفاء﴾ فاء الفصيحة، لأنها أفصحت عن جواب شرط مقدر، تقديره: إذا عرفت بعثنا في كل أمة رسولًا، وأردت بيان حال أممهم.. فأقول لك: منهم مَنْ هدى الله، ﴿منهم﴾: جار ومجرور خبر مقدم، ﴿مَنْ﴾: نكرة موصوفة كما في "العكبري" أو موصولة في محل الرفع مبتدأ مؤخر، والجملة الاسمية في محل النصب مقولٌ لجواب إذا المقدرة، وجملة إذا المقدرة مستأنفة، ﴿هَدَى اللَّهُ﴾: فعل وفاعل، والجله صفة لـ ﴿مَنْ﴾ المَوْصُوفةِ، أو صلة ﴿مَنْ﴾ الموصولة، والعائد أو الرابط محذوف تقديره: من هداهم الله، ﴿وَمِنْهُمْ﴾: خبر مقدم، ﴿مَنْ﴾: اسم موصول مبتدأ مؤخر، والجملة الاسمية في محل النصب معطوفة على الجملة التي قبلها ﴿حَقَّتْ﴾: فعل ماض، ﴿عَلَيْهِ﴾: متعلق به، ﴿الضَّلَالَةُ﴾: فاعل، والجملة صلة لـ ﴿مَنْ﴾ أو صفة لها.
﴿فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ﴾.
﴿فَسِيرُوا﴾ ﴿الفاء﴾: فاء الفصيحة لأنها أفصحت عن جواب شرط مقدر، تقديره: إذا عرفتم التفريق المذكور، وأردتم معرفة حال من حقت عليه الضلالة.. فأقول لكم ﴿سيْروا﴾: فعل وفاعل، ﴿فِي الْأَرْضِ﴾: متعلق بـ ﴿سيروا﴾، والجملة في محل النصب مقول لجواب إذا المقدرة، وجملة إذا المقدرة مستأنفة، ﴿فَانْظُرُوا﴾: ﴿الفاء﴾: حرف عطف وتعقيب، ﴿انظروا﴾: فعل وفاعل معطوف على ﴿سيروا﴾، ﴿كَيْفَ﴾: اسم استفهام في محل النصب خبر ﴿كَانَ﴾ مقدم عليها، وهي معلقة لـ ﴿انظروا﴾ عن العمل فيما بعده، ﴿كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ﴾ فعل ناقص واسمه ومضاف إليه، وجملة ﴿كَانَ﴾ في محل النصب مفعول ﴿انظروا﴾.
﴿فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ﴾.
﴿فَسِيرُوا﴾ ﴿الفاء﴾: فاء الفصيحة لأنها أفصحت عن جواب شرط مقدر، تقديره: إذا عرفتم التفريق المذكور، وأردتم معرفة حال من حقت عليه الضلالة.. فأقول لكم ﴿سيْروا﴾: فعل وفاعل، ﴿فِي الْأَرْضِ﴾: متعلق بـ ﴿سيروا﴾، والجملة في محل النصب مقول لجواب إذا المقدرة، وجملة إذا المقدرة مستأنفة، ﴿فَانْظُرُوا﴾: ﴿الفاء﴾: حرف عطف وتعقيب، ﴿انظروا﴾: فعل وفاعل معطوف على ﴿سيروا﴾، ﴿كَيْفَ﴾: اسم استفهام في محل النصب خبر ﴿كَانَ﴾ مقدم عليها، وهي معلقة لـ ﴿انظروا﴾ عن العمل فيما بعده، ﴿كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ﴾ فعل ناقص واسمه ومضاف إليه، وجملة ﴿كَانَ﴾ في محل النصب مفعول ﴿انظروا﴾.
225
﴿إِنْ تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (٣٧)﴾.
﴿إِنْ﴾: حرف شرط، ﴿تَحْرِصْ﴾: فعل مضارع مجزوم بـ ﴿إِنْ﴾ على كونه فعل شرط لها، وفاعله ضمير يعود على محمد، ﴿عَلَى هُدَاهُمْ﴾: متعلق به، وجواب ﴿إِنْ﴾ الشرطية محذوف، تقديره: فلا ينفعهم حرصك، وجملة ﴿إِنْ﴾ الشرطية مستأنفة، ﴿فَإِنَّ اللَّهَ﴾ ﴿الفاء﴾ تعليلية للجواب المحذوف، ﴿إن الله﴾: ناصب واسمه، ﴿لَا يَهْدِي﴾: فعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على ﴿اللَّهَ﴾، والجملة الفعلية في محل الرفع خبر ﴿إن﴾ وجملة ﴿إن﴾ في محل الجر بلام التعليل المقدرة، المدلول عليها بالفاء التعليلية ﴿مَنْ﴾: اسم موصول في محل النصب مفعول ﴿يَهْدِي﴾ ﴿يُضِلُّ﴾: فعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على ﴿اللَّهَ﴾، والجملة صلة الموصول، والعائد محذوف تقديره: من يُضِلُّهُ ﴿وَمَا﴾: ﴿الواو﴾ عاطفة، ﴿ما﴾: حجازية أو تميمية ﴿لَهُمْ﴾: خبر ﴿ما﴾ مقدم، أو خبر المبتدأ، ﴿مِنْ نَاصِرِينَ﴾: اسمها مؤخر، أو مبتدأ مؤخر، و ﴿مِنْ﴾ زائدة، والجملة معطوفة على جملة ﴿إن﴾.
﴿وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ بَلَى وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (٣٨)﴾.
﴿وَأَقْسَمُوا﴾: فعل وفاعل، والجملة مستأنفة، ﴿بِاللَّهِ﴾: متعلق بـ ﴿أقسموا﴾ ﴿جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ﴾: منصوب على المصدرية، واقع موقع الحال، كما مر في مبحث التفسير، ﴿لَا يَبْعَثُ اللَّهُ من﴾: فعل وفاعل ومفعول، والجملة في محل النصب مقول لقول محذوف، واقع حالًا من فاعل ﴿أقسموا﴾؛ أي: وأقسموا باللهِ جهد أيمانهم قائلين ﴿لَا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ﴾ ﴿يَمُوتُ﴾: فعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على ﴿مَنْ﴾، والجملة صلة الموصول، ﴿بَلَى﴾: حرف جواب لإثبات ما بعد النفي، نائب عن الجواب المحذوف، تقديره: بلى يبعثه الله تعالى، والجملة المحذوفة مستأنفة، ﴿وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا﴾: مصدران مؤكدان منصوبان بفعلهما المقدر، تقديره: وعد ذلك وعدًا، وحق ذلك حقًّا، ﴿عَلَيْهِ﴾: جار ومجرور صفةٌ
﴿إِنْ﴾: حرف شرط، ﴿تَحْرِصْ﴾: فعل مضارع مجزوم بـ ﴿إِنْ﴾ على كونه فعل شرط لها، وفاعله ضمير يعود على محمد، ﴿عَلَى هُدَاهُمْ﴾: متعلق به، وجواب ﴿إِنْ﴾ الشرطية محذوف، تقديره: فلا ينفعهم حرصك، وجملة ﴿إِنْ﴾ الشرطية مستأنفة، ﴿فَإِنَّ اللَّهَ﴾ ﴿الفاء﴾ تعليلية للجواب المحذوف، ﴿إن الله﴾: ناصب واسمه، ﴿لَا يَهْدِي﴾: فعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على ﴿اللَّهَ﴾، والجملة الفعلية في محل الرفع خبر ﴿إن﴾ وجملة ﴿إن﴾ في محل الجر بلام التعليل المقدرة، المدلول عليها بالفاء التعليلية ﴿مَنْ﴾: اسم موصول في محل النصب مفعول ﴿يَهْدِي﴾ ﴿يُضِلُّ﴾: فعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على ﴿اللَّهَ﴾، والجملة صلة الموصول، والعائد محذوف تقديره: من يُضِلُّهُ ﴿وَمَا﴾: ﴿الواو﴾ عاطفة، ﴿ما﴾: حجازية أو تميمية ﴿لَهُمْ﴾: خبر ﴿ما﴾ مقدم، أو خبر المبتدأ، ﴿مِنْ نَاصِرِينَ﴾: اسمها مؤخر، أو مبتدأ مؤخر، و ﴿مِنْ﴾ زائدة، والجملة معطوفة على جملة ﴿إن﴾.
﴿وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ بَلَى وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (٣٨)﴾.
﴿وَأَقْسَمُوا﴾: فعل وفاعل، والجملة مستأنفة، ﴿بِاللَّهِ﴾: متعلق بـ ﴿أقسموا﴾ ﴿جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ﴾: منصوب على المصدرية، واقع موقع الحال، كما مر في مبحث التفسير، ﴿لَا يَبْعَثُ اللَّهُ من﴾: فعل وفاعل ومفعول، والجملة في محل النصب مقول لقول محذوف، واقع حالًا من فاعل ﴿أقسموا﴾؛ أي: وأقسموا باللهِ جهد أيمانهم قائلين ﴿لَا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ﴾ ﴿يَمُوتُ﴾: فعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على ﴿مَنْ﴾، والجملة صلة الموصول، ﴿بَلَى﴾: حرف جواب لإثبات ما بعد النفي، نائب عن الجواب المحذوف، تقديره: بلى يبعثه الله تعالى، والجملة المحذوفة مستأنفة، ﴿وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا﴾: مصدران مؤكدان منصوبان بفعلهما المقدر، تقديره: وعد ذلك وعدًا، وحق ذلك حقًّا، ﴿عَلَيْهِ﴾: جار ومجرور صفةٌ
226
لـ ﴿وَعْدًا﴾، ﴿وَلَكِنَّ﴾ ﴿الواو﴾ عاطفة ﴿لكن﴾: حرف نصب واستدراك، ﴿أَكْثَرَ النَّاسِ﴾: اسمها، وجملة ﴿لَا يَعْلَمُونَ﴾ في محل الرفع خبر ﴿لكن﴾، والجملة الاستدراكية معطوفة على الجملة الجوابية المحذوفة.
﴿لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كَانُوا كَاذِبِينَ (٣٩)﴾.
﴿لِيُبَيِّنَ﴾ ﴿اللام﴾: حرف جر وتعليل، ﴿يبين﴾: فعل مضارع منصوب بأن مضمرة جوازًا بعد لام كَي، وفاعله ضمير يعود على ﴿اللَّهِ﴾ ﴿لَهُمُ﴾: جار ومجرور متعلق به، والجملة الفعلية مع أن المضمرة في تأويل مصدر مجرور باللام، تقديره: لتبيينه لهم، الجار والمجرور متعلق بالجواب المقدر بعد بلى؛ أي: بلى يبعثهم الله لتبيينه لهم، ﴿الَّذِي﴾: اسم موصول في محل النصب مفعول يبين، ﴿يَخْتَلِفُونَ﴾: فعل وفاعل ﴿فِيهِ﴾: متعلق به، والجملة صلة الموصول، ﴿وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ﴾: فعل وفاعل، منصوب بأن مضمرة بعد لام كي، والجملة الفعلية مع أن المضمرة في تأويل مصدر مجرور باللام، تقديره: ولعلم الذين كفروا، الجار والمجرور معطوف على الجار والمجرور في قوله: ﴿لِيُبَيِّنَ لَهُمُ﴾، ﴿كَفَرُوا﴾: فعل وفاعل، صلة الموصول، ﴿أَنَّهُمْ﴾: ناصب واسمه، ﴿كَانُوا كَاذِبِينَ﴾ فعل ناقص واسمه وخبره، وجملة ﴿كان﴾ في محل الرفع خبر ﴿أنَّ﴾، وجملة ﴿أن﴾ في تأويل مصدر ساد مسد مفعولي ﴿علم﴾.
﴿إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٤٠)﴾.
﴿إِنَّمَا﴾ ﴿إن﴾: حرف نصب، و ﴿ما﴾: كافة، ﴿قَوْلُنَا﴾: مبتدأ أو مضاف إليه، ﴿لِشَيْءٍ﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿قَوْلُنَا﴾، ﴿إِذَا﴾: ظرف لما يستقبل من الزمان مجرد عن معنى الشرط في حل النصب على الظرفية، مبني على السكون، ﴿أَرَدْنَاهُ﴾: فعل وفاعل ومفعول، والجملة في محل الجر مضاف إليه لـ ﴿إِذَا﴾ تقديره: وَقْتَ إرادتنا إياه، والظرف متعلق بـ ﴿قَوْلُنَا﴾، ﴿أَنْ﴾: حرف نصب ومصدر، ﴿نَقُولَ﴾: فعل مضارع منصوب بـ ﴿أَنْ﴾، وفعله ضمير يعود على ﴿اللهُ﴾ ﴿لَهُ﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿نَقُولَ﴾، ﴿كُنْ﴾: مقول محكي لـ ﴿نَقُولَ﴾، وإن شئت قلت: ﴿كُنْ﴾: فعل أمر تام بمعنى أحدث، وفاعله ضمير يعود على
﴿لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كَانُوا كَاذِبِينَ (٣٩)﴾.
﴿لِيُبَيِّنَ﴾ ﴿اللام﴾: حرف جر وتعليل، ﴿يبين﴾: فعل مضارع منصوب بأن مضمرة جوازًا بعد لام كَي، وفاعله ضمير يعود على ﴿اللَّهِ﴾ ﴿لَهُمُ﴾: جار ومجرور متعلق به، والجملة الفعلية مع أن المضمرة في تأويل مصدر مجرور باللام، تقديره: لتبيينه لهم، الجار والمجرور متعلق بالجواب المقدر بعد بلى؛ أي: بلى يبعثهم الله لتبيينه لهم، ﴿الَّذِي﴾: اسم موصول في محل النصب مفعول يبين، ﴿يَخْتَلِفُونَ﴾: فعل وفاعل ﴿فِيهِ﴾: متعلق به، والجملة صلة الموصول، ﴿وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ﴾: فعل وفاعل، منصوب بأن مضمرة بعد لام كي، والجملة الفعلية مع أن المضمرة في تأويل مصدر مجرور باللام، تقديره: ولعلم الذين كفروا، الجار والمجرور معطوف على الجار والمجرور في قوله: ﴿لِيُبَيِّنَ لَهُمُ﴾، ﴿كَفَرُوا﴾: فعل وفاعل، صلة الموصول، ﴿أَنَّهُمْ﴾: ناصب واسمه، ﴿كَانُوا كَاذِبِينَ﴾ فعل ناقص واسمه وخبره، وجملة ﴿كان﴾ في محل الرفع خبر ﴿أنَّ﴾، وجملة ﴿أن﴾ في تأويل مصدر ساد مسد مفعولي ﴿علم﴾.
﴿إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٤٠)﴾.
﴿إِنَّمَا﴾ ﴿إن﴾: حرف نصب، و ﴿ما﴾: كافة، ﴿قَوْلُنَا﴾: مبتدأ أو مضاف إليه، ﴿لِشَيْءٍ﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿قَوْلُنَا﴾، ﴿إِذَا﴾: ظرف لما يستقبل من الزمان مجرد عن معنى الشرط في حل النصب على الظرفية، مبني على السكون، ﴿أَرَدْنَاهُ﴾: فعل وفاعل ومفعول، والجملة في محل الجر مضاف إليه لـ ﴿إِذَا﴾ تقديره: وَقْتَ إرادتنا إياه، والظرف متعلق بـ ﴿قَوْلُنَا﴾، ﴿أَنْ﴾: حرف نصب ومصدر، ﴿نَقُولَ﴾: فعل مضارع منصوب بـ ﴿أَنْ﴾، وفعله ضمير يعود على ﴿اللهُ﴾ ﴿لَهُ﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿نَقُولَ﴾، ﴿كُنْ﴾: مقول محكي لـ ﴿نَقُولَ﴾، وإن شئت قلت: ﴿كُنْ﴾: فعل أمر تام بمعنى أحدث، وفاعله ضمير يعود على
227
الشيء، والجملة في محل النصب مقولٌ لـ ﴿قُلْ﴾ وجملة ﴿نَقُولَ﴾ مع ﴿أَنْ﴾ المصدرية في تأويل مصدر مرفوع على الخبرية، تقديره: إنما قولنا لشيء وقت إرادتنا إياه قولنا له كن، والجملة الاسمية مستأنفة، ﴿فَيَكُونُ﴾ ﴿الفاء﴾: عاطفة، ﴿يكون﴾ فعل مضارع تام، وفاعله ضمير يعود على ﴿شيء﴾، والجملة الفعلية معطوفة على جملة مقدرة تدل عليها الفاء، تقديره: فنقول ذلك فيكون، ويجوز أن يكون جوابًا لشرط محذوف، تقديره: فإذا قلنا ذلك فهو يكون، كذا في "الفتوحات" وغيرها، والله أعلم.
التصريف ومفردات اللغة
﴿أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ﴾ الأساطير جمع أسطورة، كأحاديث جمع أُحدوثة، وأضاحيك جمع أضحوكة، وأعجايب جمع أعجوبة، وأراجيح جمع أرجوحة، وهي الأكاذيب والأباطل والترهات، وقال في "القاموس": الأساطير الأحاديث التي لا نظام لها، جمع إسطار وإسطير بكسرهما وأسطور، وبالهاء في الكل اهـ. ﴿أَوْزَارَهُمْ﴾ والأوزار الآثام، واحدها وزر كأحمال وحمل، والوزر الثقل والحمل الثقيل، ﴿سَاءَ مَا يَزِرُونَ﴾؛ أي: بئس شيئًا يحملونه، ﴿قَدْ مَكَر﴾ والمكر صرف غيرك مما يريده بحيلة، ويراد به هنا مباشرة الأسباب وترتيب المقدمات.
﴿فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِد﴾؛ أي: أهلكه وأفناه، كما يقال أتى عليه الدهر، والبنيان البناء يجمع على أبنية، والقواعد جمع قاعدة، وقواعد البيت أساسه، أو أساطينه ودعائمه وعمده، ﴿فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ﴾ والسقف يجمع على سقوف، وهو القياس، وعلى سُقُفٍ وسُقْفٍ، وفُعَلٌ وفُعْلٌ، محفوظان في فَعْلٍ، وليسا مقيسين فيه، ﴿تُشَاقُّونَ فِيهِمْ﴾؛ أي: تخاصمون وتنازعون الأنبياء وأتباعهم في شأنهم، وأصله أن كلا من المتخاصمين في شق وجانب غير شق الآخر، وعبارة "الخازن": المشاقة عبارة عن كون كل واحد من الخصمين في شقِّ غير شق صاحبه، والمعنى: ما لهم لا يحضرون معكم ليدفعوا عنكم ما نزل بكم من العذاب والهوان اهـ. وأصل الخزي ذل يستحي منه، وأصل ﴿تُشَاقُّونَ﴾ تشاققون بوزن تفاعلون، ﴿فَأَلْقَوُا السَّلَمَ﴾ والسلم بالتحريك الاستسلام؛ أي: فيلقون
التصريف ومفردات اللغة
﴿أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ﴾ الأساطير جمع أسطورة، كأحاديث جمع أُحدوثة، وأضاحيك جمع أضحوكة، وأعجايب جمع أعجوبة، وأراجيح جمع أرجوحة، وهي الأكاذيب والأباطل والترهات، وقال في "القاموس": الأساطير الأحاديث التي لا نظام لها، جمع إسطار وإسطير بكسرهما وأسطور، وبالهاء في الكل اهـ. ﴿أَوْزَارَهُمْ﴾ والأوزار الآثام، واحدها وزر كأحمال وحمل، والوزر الثقل والحمل الثقيل، ﴿سَاءَ مَا يَزِرُونَ﴾؛ أي: بئس شيئًا يحملونه، ﴿قَدْ مَكَر﴾ والمكر صرف غيرك مما يريده بحيلة، ويراد به هنا مباشرة الأسباب وترتيب المقدمات.
﴿فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِد﴾؛ أي: أهلكه وأفناه، كما يقال أتى عليه الدهر، والبنيان البناء يجمع على أبنية، والقواعد جمع قاعدة، وقواعد البيت أساسه، أو أساطينه ودعائمه وعمده، ﴿فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ﴾ والسقف يجمع على سقوف، وهو القياس، وعلى سُقُفٍ وسُقْفٍ، وفُعَلٌ وفُعْلٌ، محفوظان في فَعْلٍ، وليسا مقيسين فيه، ﴿تُشَاقُّونَ فِيهِمْ﴾؛ أي: تخاصمون وتنازعون الأنبياء وأتباعهم في شأنهم، وأصله أن كلا من المتخاصمين في شق وجانب غير شق الآخر، وعبارة "الخازن": المشاقة عبارة عن كون كل واحد من الخصمين في شقِّ غير شق صاحبه، والمعنى: ما لهم لا يحضرون معكم ليدفعوا عنكم ما نزل بكم من العذاب والهوان اهـ. وأصل الخزي ذل يستحي منه، وأصل ﴿تُشَاقُّونَ﴾ تشاققون بوزن تفاعلون، ﴿فَأَلْقَوُا السَّلَمَ﴾ والسلم بالتحريك الاستسلام؛ أي: فيلقون
228
الاستسلام والانقياد في الآخرة حين عاينوا العذاب، ويتركون المشاقة، ﴿بَلَى﴾: حرف يجاب به لإثبات ما بعد النفي.
﴿مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ﴾ المثوى المنزل والمقام، ﴿وَحَاقَ بِهِمْ﴾؛ أي: وأحاط بهم جزاؤه ونزل، من الحيق الذي لا يستعمل إلا في الشر، كما في "القاموس": الحَيْقُ ما يشتمل على الإنسان من مكروه فعله، والمراد أن أصل معناه الإحاطة مطلقًا، لكنه خص في الاستعمال بإحاطة الشر، فلا يقال حاقت به النعمة، بل النقمة اهـ. "شهاب"، وفي "المختار": حاق به الشي أحاط به، وبابه باع ومنه قوله تعالى: ﴿وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ﴾ اهـ.
﴿إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ﴾ والبلاغ اسم مصدر بمعنى الإبلاغ اهـ "شهاب"؛ أي: ليست وظيفتهم إلا تبليغ الرسالة تبليغًا واضحًا، ﴿وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ﴾ والطاغوت فعلوت من الطغيان، كالجبروت الملكوت من الجبر والملك، وأصله طغيوت فقدم اللام على العين، وتاؤه زائدة دون التأنيث، واختلف في الطاغوت، فقال بعضهم كل ما عبد من دون الله فهو طاغوت، وقال الحسن: الطاغوت الشيطان، والمراد من اجتنابه اجتناب ما يدعوا إليه مما نهي عنه شرعًا، ولما كان ذلك الارتكاب بأمر الشيطان ووسوسته سمي ذلك عبادة للشيطان اهـ. "زاده"، وهو من الطغيان يذكر ويؤنث اهـ "مصباح"، ويقع على الواحد كقوله تعالى: ﴿يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ﴾، وعلى الجمع كقوله تعالى: ﴿أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ﴾ والجمع الطواغيت اهـ "مختار"، ومن إطلاقه على الجمع ما هنا، والحاصل: أنَّ الطاغوت كلُّ ما عبدُ من دون الله تعالى، من شيطان وكاهن وصنم، وكل من دعا إلى ضلال.
﴿مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ﴾ حقت وجبت وثبتت بالقضاء السابق في الأزل لإصراره على الكفر والعناد، ﴿إِنْ تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ﴾ في "المصباح": حرص عليه حرصًا من باب ضرب إذا اجتهد، والاسم الحرص بالكسر، وحرص على الدنيا من باب شرب أيضًا، وحرص حرصًا من باب تعب لغة إذا رغب رغبة مذمومة اهـ. وفي "السمين": قرأ العامة: ﴿إِنْ تَحْرِصْ﴾ بكسر الراء مضارع حرص بفتحها،
﴿مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ﴾ المثوى المنزل والمقام، ﴿وَحَاقَ بِهِمْ﴾؛ أي: وأحاط بهم جزاؤه ونزل، من الحيق الذي لا يستعمل إلا في الشر، كما في "القاموس": الحَيْقُ ما يشتمل على الإنسان من مكروه فعله، والمراد أن أصل معناه الإحاطة مطلقًا، لكنه خص في الاستعمال بإحاطة الشر، فلا يقال حاقت به النعمة، بل النقمة اهـ. "شهاب"، وفي "المختار": حاق به الشي أحاط به، وبابه باع ومنه قوله تعالى: ﴿وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ﴾ اهـ.
﴿إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ﴾ والبلاغ اسم مصدر بمعنى الإبلاغ اهـ "شهاب"؛ أي: ليست وظيفتهم إلا تبليغ الرسالة تبليغًا واضحًا، ﴿وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ﴾ والطاغوت فعلوت من الطغيان، كالجبروت الملكوت من الجبر والملك، وأصله طغيوت فقدم اللام على العين، وتاؤه زائدة دون التأنيث، واختلف في الطاغوت، فقال بعضهم كل ما عبد من دون الله فهو طاغوت، وقال الحسن: الطاغوت الشيطان، والمراد من اجتنابه اجتناب ما يدعوا إليه مما نهي عنه شرعًا، ولما كان ذلك الارتكاب بأمر الشيطان ووسوسته سمي ذلك عبادة للشيطان اهـ. "زاده"، وهو من الطغيان يذكر ويؤنث اهـ "مصباح"، ويقع على الواحد كقوله تعالى: ﴿يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ﴾، وعلى الجمع كقوله تعالى: ﴿أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ﴾ والجمع الطواغيت اهـ "مختار"، ومن إطلاقه على الجمع ما هنا، والحاصل: أنَّ الطاغوت كلُّ ما عبدُ من دون الله تعالى، من شيطان وكاهن وصنم، وكل من دعا إلى ضلال.
﴿مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ﴾ حقت وجبت وثبتت بالقضاء السابق في الأزل لإصراره على الكفر والعناد، ﴿إِنْ تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ﴾ في "المصباح": حرص عليه حرصًا من باب ضرب إذا اجتهد، والاسم الحرص بالكسر، وحرص على الدنيا من باب شرب أيضًا، وحرص حرصًا من باب تعب لغة إذا رغب رغبة مذمومة اهـ. وفي "السمين": قرأ العامة: ﴿إِنْ تَحْرِصْ﴾ بكسر الراء مضارع حرص بفتحها،
229
وهي اللغة العالية لغة الحجاز، وقرأ الحسن: ﴿تَحْرص﴾ بفتح الراء مضارع حرص بكسرها وهي لغة لبعضهم اهـ.
﴿وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ﴾ الإقسام والقسم محركة اليمين بالله، وسمي الحلف قسمًا لأنه يكون عند انقسام الناس إلى مصدَّق ومكذب، والجهد بفتح الجيم المشقة، وبضمها الطاعة، يقال جهد الرجل في كذا - كمنع - جدَّ فيه وبالغ واجتهد، وجهد أيمانهم؛ أي: غاية اجتهادهم فيها، وبلى كلمة جوابٍ كنعم لكنها لا تقع إلا بعد النفي، فتثبت ما بعده، ﴿وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا﴾؛ أي: وعد ذلك وعدًا عليه حقًّا؛ أي: ثابتًا متحققًا لا شك فيه.
البلاغة
وقد تضمنت هذه الآيات ضروبًا من البلاغة، وأنواعًا من الفصاحة والبيان والبديع:
فمنها: جناس الاشتقاق بين ﴿أَوْزَارَهُمْ﴾ وبين ﴿يَزِرُونَ﴾.
ومنها: الاستعارة التمثيلية في قوله: ﴿قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ (٢٦)﴾ شبهت حال أولئك الماكرين بحال قوم بنوا بنيانًا شديد الدعائم فانهدم ذلك البنيان، وسقط عليهم فأهلكهم، بطريق الاستعارة التمثيلية، ووجه الشبه أن ما عدوه سببًا لبقائهم عاد سببًا لفنائهم، كقولهم: من حفر حفرة لأخيه سقط فيها.
ومنها: القصر في قوله: ﴿إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَالسُّوءَ عَلَى الْكَافِرِينَ﴾ وهو قصر للجنس الادعائي، كأن ما يكون من الذل - وهو العذاب - لعصاة المؤمنين لعدم بقائه ليس من ذلك الجنس.
ومنها: الإيجاز بالحذف في قوله: ﴿قَالُوا خَيْرًا﴾؛ أي: قالوا: أنزل خيرًا.
ومنها: الجناس المغاير بين ﴿أحسنوا﴾ و ﴿حسنة﴾ في قوله: ﴿لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ﴾.
﴿وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ﴾ الإقسام والقسم محركة اليمين بالله، وسمي الحلف قسمًا لأنه يكون عند انقسام الناس إلى مصدَّق ومكذب، والجهد بفتح الجيم المشقة، وبضمها الطاعة، يقال جهد الرجل في كذا - كمنع - جدَّ فيه وبالغ واجتهد، وجهد أيمانهم؛ أي: غاية اجتهادهم فيها، وبلى كلمة جوابٍ كنعم لكنها لا تقع إلا بعد النفي، فتثبت ما بعده، ﴿وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا﴾؛ أي: وعد ذلك وعدًا عليه حقًّا؛ أي: ثابتًا متحققًا لا شك فيه.
البلاغة
وقد تضمنت هذه الآيات ضروبًا من البلاغة، وأنواعًا من الفصاحة والبيان والبديع:
فمنها: جناس الاشتقاق بين ﴿أَوْزَارَهُمْ﴾ وبين ﴿يَزِرُونَ﴾.
ومنها: الاستعارة التمثيلية في قوله: ﴿قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ (٢٦)﴾ شبهت حال أولئك الماكرين بحال قوم بنوا بنيانًا شديد الدعائم فانهدم ذلك البنيان، وسقط عليهم فأهلكهم، بطريق الاستعارة التمثيلية، ووجه الشبه أن ما عدوه سببًا لبقائهم عاد سببًا لفنائهم، كقولهم: من حفر حفرة لأخيه سقط فيها.
ومنها: القصر في قوله: ﴿إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَالسُّوءَ عَلَى الْكَافِرِينَ﴾ وهو قصر للجنس الادعائي، كأن ما يكون من الذل - وهو العذاب - لعصاة المؤمنين لعدم بقائه ليس من ذلك الجنس.
ومنها: الإيجاز بالحذف في قوله: ﴿قَالُوا خَيْرًا﴾؛ أي: قالوا: أنزل خيرًا.
ومنها: الجناس المغاير بين ﴿أحسنوا﴾ و ﴿حسنة﴾ في قوله: ﴿لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ﴾.
230
ومنها: الطباق بين الدنيا والآخرة.
ومنها: الجناس أيضًا بين ﴿اتَّقَوْا﴾ و ﴿الْمُتَّقِينَ﴾ في هذه الآية.
ومنها: المجاز المرسل في قوله: ﴿فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُوا﴾؛ أي: جزية أعمالهم السيئة على طريقة تسمية المسبب باسم سببه، إيذانًا بفظاعته، لا على حذف مضاف، فإنه يوهم أنَّ لهم أعمالًا غير سيئاتهم، ذكره في "روح البيان".
ومنها: الإطناب في قوله: ﴿مَا عَبَدْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ﴾ ﴿وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ﴾.
ومنها: الطباق في قوله: ﴿هَدَى اللَّهُ﴾ و ﴿حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ﴾، وفي قوله: ﴿لَا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ﴾.
ومنها: الاستعارة التصريحية في قوله: ﴿لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ﴾ لأن الأوزار حقيقة في الأحمال الثقيلة، فاستعاره للآثام.
ومنها: الكناية في قوله: ﴿فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ﴾ لأنه كناية عن إرادة تخريبه.
ومنها: التأكيد في قوله: ﴿مِنْ فَوْقِهِمْ﴾ لأن السقف لا يخرُّ إلا من فوق.
ومنها: المقابلة بين قوله: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ﴾ وبين قوله: ﴿وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ﴾.
ومنها: الجناس المماثل بين قوله: ﴿مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ﴾ وبين قوله: ﴿بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾، وفي قوله: ﴿وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾.
ومنها: التشبيه في قوله: ﴿كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ﴾.
ومنها: المجاز في قوله: ﴿أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ لأنه مجاز عن سرعة الإيجاد وسهولته على الله، وتمثيل الغائب، وهو تأثير قدرته في المراد بالشاهد،
ومنها: الجناس أيضًا بين ﴿اتَّقَوْا﴾ و ﴿الْمُتَّقِينَ﴾ في هذه الآية.
ومنها: المجاز المرسل في قوله: ﴿فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُوا﴾؛ أي: جزية أعمالهم السيئة على طريقة تسمية المسبب باسم سببه، إيذانًا بفظاعته، لا على حذف مضاف، فإنه يوهم أنَّ لهم أعمالًا غير سيئاتهم، ذكره في "روح البيان".
ومنها: الإطناب في قوله: ﴿مَا عَبَدْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ﴾ ﴿وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ﴾.
ومنها: الطباق في قوله: ﴿هَدَى اللَّهُ﴾ و ﴿حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ﴾، وفي قوله: ﴿لَا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ﴾.
ومنها: الاستعارة التصريحية في قوله: ﴿لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ﴾ لأن الأوزار حقيقة في الأحمال الثقيلة، فاستعاره للآثام.
ومنها: الكناية في قوله: ﴿فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ﴾ لأنه كناية عن إرادة تخريبه.
ومنها: التأكيد في قوله: ﴿مِنْ فَوْقِهِمْ﴾ لأن السقف لا يخرُّ إلا من فوق.
ومنها: المقابلة بين قوله: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ﴾ وبين قوله: ﴿وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ﴾.
ومنها: الجناس المماثل بين قوله: ﴿مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ﴾ وبين قوله: ﴿بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾، وفي قوله: ﴿وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾.
ومنها: التشبيه في قوله: ﴿كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ﴾.
ومنها: المجاز في قوله: ﴿أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ لأنه مجاز عن سرعة الإيجاد وسهولته على الله، وتمثيل الغائب، وهو تأثير قدرته في المراد بالشاهد،
231
وهو أمر المطاع للمطيع في حصول المأمور به من غير امتناعٍ وتوقف، ولا افتقارٍ إلى مزاولة عمل، واستعمال آلة، وليس هناك قول ولا مقول له، ولا آمرٌ ولا مأمور، حتى يقال إنه يلزم أحد المحالين: إما خطاب المعدوم، أو تحصيل الحاصل.
ومنها: الزيادة والحذف في عدة مواضع.
والله سبحانه وتعالى أعلم
* * *
ومنها: الزيادة والحذف في عدة مواضع.
والله سبحانه وتعالى أعلم
* * *
232
قال الله سبحانه جلَّ وعلا:
﴿وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (٤١) الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (٤٢) وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (٤٣) بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (٤٤) أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ (٤٥) أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ (٤٦) أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (٤٧) أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّأُ ظِلَالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ سُجَّدًا لِلَّهِ وَهُمْ دَاخِرُونَ (٤٨) وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ وَالْمَلَائِكَةُ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ (٤٩) يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (٥٠) وَقَالَ اللَّهُ لَا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ (٥١) وَلَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَهُ الدِّينُ وَاصِبًا أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَتَّقُونَ (٥٢) وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ (٥٣) ثُمَّ إِذَا كَشَفَ الضُّرَّ عَنْكُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْكُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ (٥٤) لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (٥٥) وَيَجْعَلُونَ لِمَا لَا يَعْلَمُونَ نَصِيبًا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ تَاللَّهِ لَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَفْتَرُونَ (٥٦) وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَنَاتِ سُبْحَانَهُ وَلَهُمْ مَا يَشْتَهُونَ (٥٧) وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (٥٨) يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (٥٩) لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٦٠) وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ (٦١) وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ مَا يَكْرَهُونَ وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ أَنَّ لَهُمُ الْحُسْنَى لَا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النَّارَ وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ (٦٢) تَاللَّهِ لَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَهُوَ وَلِيُّهُمُ الْيَوْمَ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (٦٣) وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (٦٤)﴾.
المناسبة
قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ...﴾ الآيتين، مناسبة هاتين الآيتين لما
﴿وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (٤١) الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (٤٢) وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (٤٣) بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (٤٤) أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ (٤٥) أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ (٤٦) أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (٤٧) أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّأُ ظِلَالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ سُجَّدًا لِلَّهِ وَهُمْ دَاخِرُونَ (٤٨) وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ وَالْمَلَائِكَةُ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ (٤٩) يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (٥٠) وَقَالَ اللَّهُ لَا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ (٥١) وَلَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَهُ الدِّينُ وَاصِبًا أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَتَّقُونَ (٥٢) وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ (٥٣) ثُمَّ إِذَا كَشَفَ الضُّرَّ عَنْكُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْكُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ (٥٤) لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (٥٥) وَيَجْعَلُونَ لِمَا لَا يَعْلَمُونَ نَصِيبًا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ تَاللَّهِ لَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَفْتَرُونَ (٥٦) وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَنَاتِ سُبْحَانَهُ وَلَهُمْ مَا يَشْتَهُونَ (٥٧) وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (٥٨) يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (٥٩) لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٦٠) وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ (٦١) وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ مَا يَكْرَهُونَ وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ أَنَّ لَهُمُ الْحُسْنَى لَا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النَّارَ وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ (٦٢) تَاللَّهِ لَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَهُوَ وَلِيُّهُمُ الْيَوْمَ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (٦٣) وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (٦٤)﴾.
المناسبة
قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ...﴾ الآيتين، مناسبة هاتين الآيتين لما
233
قبلهما: أن الله سبحانه وتعالى لما حكى (١) أن الكفار أقسموا بالله جهد أيمانهم على إنكار البعث والقيامة، وتمادوا في الغيِّ والضلالة ومن هذه حالة فليس بالعسير عليه أن يقدم على إيذاء المؤمنين بألوان من الإيذاء، حتى يضطروهم إلى الهجرة من الديار، ومفارقة الأهل والأوطان.. ذكر هنا حكم تلك الهجرة، وبين ما لهؤلاء المهاجرين من حسناتٍ في الدنيا، وأجرٍ في الآخرة، من جزاء أنهم فارقوا أوطانهم، وصبروا وتوكلوا على الله سبحانه وتعالى، وفي هذا ترغيب لغيرهم في الهجرة، واحتمال كل أذى في سبيل الله احتسابًا للأجر.
وقال ابن عطية (٢): لما ذكر الله كفار مكة الذين أقسموا بالله بأنَّ الله لا يبعث من يموت، ورد على قولهم.. ذكر مؤمني مكة المعاصرين لهم، وهم الذين هاجروا إلى أرض الحبشة، هذا قول الجمهور، وهو الصحيح في سبب الآية، لأن هجرة المدينة ما كانت إلا بعد وقت نزول الآية انتهى، والظاهر أن الذين هاجروا عام في المهاجرين كائنًا ما كانوا فيشمل أولهم وآخرهم.
قوله تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ...﴾ الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أن الله سبحانه وتعالى لما ذكر (٣) ما قاله المشركون من أنهم لا حاجة لهم إلى الأنبياء؛ لأن الحاجة إليهم إنما تدعو لو كانت هناك حياةٌ أخرى يحاسبون فيها، وهم لا يصدقون بها، وليس من المعقول أن تكون.. أردف ذلك بشبهة أخرى لهم، إذ قالوا: هب الله أرسل رسولًا، فليس من الجائز أن يكون بشرًا، فالله أعلى وأجل من أن يكون رسوله واحدًا من البشر، فلو بعث إلينا رسولًا لبعثه ملكًا، ثم أجاب عن هذه الشبهة: بأن سنة الله أن يبعث رسله من البشر، وإن كنتم في شكٍّ من ذلك فاسألوا أهل الكتاب عن ذلك، ثم هدّدهم أن يخسف بهم الأرض كما خسف بقارون، أو يأتيهم بعذاب من السماء فيهلكهم بغتة كما فعل بقوم لوط، أو يأخذهم وهم يتقلبون في أسفارهم ومعايشهم، أو
وقال ابن عطية (٢): لما ذكر الله كفار مكة الذين أقسموا بالله بأنَّ الله لا يبعث من يموت، ورد على قولهم.. ذكر مؤمني مكة المعاصرين لهم، وهم الذين هاجروا إلى أرض الحبشة، هذا قول الجمهور، وهو الصحيح في سبب الآية، لأن هجرة المدينة ما كانت إلا بعد وقت نزول الآية انتهى، والظاهر أن الذين هاجروا عام في المهاجرين كائنًا ما كانوا فيشمل أولهم وآخرهم.
قوله تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ...﴾ الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أن الله سبحانه وتعالى لما ذكر (٣) ما قاله المشركون من أنهم لا حاجة لهم إلى الأنبياء؛ لأن الحاجة إليهم إنما تدعو لو كانت هناك حياةٌ أخرى يحاسبون فيها، وهم لا يصدقون بها، وليس من المعقول أن تكون.. أردف ذلك بشبهة أخرى لهم، إذ قالوا: هب الله أرسل رسولًا، فليس من الجائز أن يكون بشرًا، فالله أعلى وأجل من أن يكون رسوله واحدًا من البشر، فلو بعث إلينا رسولًا لبعثه ملكًا، ثم أجاب عن هذه الشبهة: بأن سنة الله أن يبعث رسله من البشر، وإن كنتم في شكٍّ من ذلك فاسألوا أهل الكتاب عن ذلك، ثم هدّدهم أن يخسف بهم الأرض كما خسف بقارون، أو يأتيهم بعذاب من السماء فيهلكهم بغتة كما فعل بقوم لوط، أو يأخذهم وهم يتقلبون في أسفارهم ومعايشهم، أو
(١) المراغي.
(٢) البحر المحيط.
(٣) المراغي.
(٢) البحر المحيط.
(٣) المراغي.
234
يأخذهم طائفة بعد أخرى، ثم أعقب هذا بما يدل على كمال قدرته في تدبير أحوال العالم العلوي والسفلي على أتمِّ نظام، وأحكم تقدير.
قوله تعالى: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّأُ ظِلَالُهُ عَنِ الْيَمِينِ...﴾ الآية، مناسبة هذه الآية لما قبلها: أن الله سبحانه وتعالى لما ذكر (١) قدرته على تعذيب الماكرين، وإهلاكهم بأنواع من الأخذ.. ذكر تعالى طواعية ما خلق من غيرهم، وخضوعه ضد حال الماكرين لينبههم على أنه ينبغي بل يجب عليهم أن يكونوا طائعين منقادين لأمره.
قوله تعالى: ﴿وَقَالَ اللَّهُ لَا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ...﴾ الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أن الله سبحانه وتعالى لما بين (٢) في الآيات السالفة أنَّ كل ما سواه من جماد وحيوان وإنس وجن وملك منقادٌ له، وخاضعٌ لسلطانه.. أتبع ذلك بالنهي عن الشرك به، وبين أن كل ما سواه فهو ملكه، وأنه مصدر النعم كلِّها، وأن الإنسان يتضرع إليه إذا مسه التفسير، فإذا كشفه عنه.. رجع إلى كفره، وأنَّ الحياة الدنيا قصيرة الأمد، ثم يعلم الكفار بعدئذٍ ما يحل بهم من النكال والوبال جزاءً لهم على سيء أعمالهم، وقبيح أقوالهم، وعبارة أبي (٣) حيَّان: مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أنه سبحانه وتعالى لما ذكر انقياد ما في السموات وما في الأرض لما يريده تعالى منها، فكان هو المتفرد بذلك.. نهى أن يشرك به، ودلَّ النهي عن اتخاذ إلهين على النهي عن اتخاذ آلهة، ولمَّا كان الاسم الموضوع للإفراد والتثنية قد يتجوز فيه، فيراد به الجنس، نحو: نعم الرجل زيدٌ، ونعم الرجلان الزيدان، أكد الموضوع لهما بالوصف، فقيل: إلهين اثنين، وقيل إلهٌ واحدٌ، ولمَّا نهى عن اتخاذ الإلهين واستلزم النهي عن اتخاذ آلهة.. أخبر تعالى أنه إله واحد، كما قال: ﴿وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ﴾ بأداة الحصر، وبالتأكيد بالوحدة، ثم أمرهم بأن يرهبوه، والتفت من الغيبة إلى الحضور لأنه أبلغ في الرهبة.
قوله تعالى: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّأُ ظِلَالُهُ عَنِ الْيَمِينِ...﴾ الآية، مناسبة هذه الآية لما قبلها: أن الله سبحانه وتعالى لما ذكر (١) قدرته على تعذيب الماكرين، وإهلاكهم بأنواع من الأخذ.. ذكر تعالى طواعية ما خلق من غيرهم، وخضوعه ضد حال الماكرين لينبههم على أنه ينبغي بل يجب عليهم أن يكونوا طائعين منقادين لأمره.
قوله تعالى: ﴿وَقَالَ اللَّهُ لَا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ...﴾ الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أن الله سبحانه وتعالى لما بين (٢) في الآيات السالفة أنَّ كل ما سواه من جماد وحيوان وإنس وجن وملك منقادٌ له، وخاضعٌ لسلطانه.. أتبع ذلك بالنهي عن الشرك به، وبين أن كل ما سواه فهو ملكه، وأنه مصدر النعم كلِّها، وأن الإنسان يتضرع إليه إذا مسه التفسير، فإذا كشفه عنه.. رجع إلى كفره، وأنَّ الحياة الدنيا قصيرة الأمد، ثم يعلم الكفار بعدئذٍ ما يحل بهم من النكال والوبال جزاءً لهم على سيء أعمالهم، وقبيح أقوالهم، وعبارة أبي (٣) حيَّان: مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أنه سبحانه وتعالى لما ذكر انقياد ما في السموات وما في الأرض لما يريده تعالى منها، فكان هو المتفرد بذلك.. نهى أن يشرك به، ودلَّ النهي عن اتخاذ إلهين على النهي عن اتخاذ آلهة، ولمَّا كان الاسم الموضوع للإفراد والتثنية قد يتجوز فيه، فيراد به الجنس، نحو: نعم الرجل زيدٌ، ونعم الرجلان الزيدان، أكد الموضوع لهما بالوصف، فقيل: إلهين اثنين، وقيل إلهٌ واحدٌ، ولمَّا نهى عن اتخاذ الإلهين واستلزم النهي عن اتخاذ آلهة.. أخبر تعالى أنه إله واحد، كما قال: ﴿وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ﴾ بأداة الحصر، وبالتأكيد بالوحدة، ثم أمرهم بأن يرهبوه، والتفت من الغيبة إلى الحضور لأنه أبلغ في الرهبة.
(١) البحر المحيط.
(٢) المراغي.
(٣) البحر المحيط.
(٢) المراغي.
(٣) البحر المحيط.
235
قوله تعالى: ﴿وَيَجْعَلُونَ لِمَا لَا يَعْلَمُونَ نَصِيبًا...﴾ الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أنه تعالى لما بيَّن (١) سخف أقوال أهل الشرك.. أردف ذلك بذكر قبائح أفعالهم التي تمجها الأذواق السليمة.
قوله تعالى: ﴿وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ...﴾ الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها (٢): أن الله سبحانه وتعالى لما حكى عن الكفار عظيم ما ارتكبوه من الكفر، ونسبة التوالد له.. بيّن تعالى أنه يُمهلهم ولا يعاجلهم بالعقوبة إظهارًا لفضله ورحمته.
وعبارة "المراغي": مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أنه سبحانه وتعالى لما حكى (٣) عن المشركين عظيم كفرهم وقبيح أفعالهم.. بين هنا حلمه بخلقه مع ظلمهم، وأنه يمهلهم بالعقوبة إظهارًا لفضله ورحمته، ولو أخذهم بما كسبت أيديهم ما ترك على ظهر الأرض دابة، أما الظالم فبظلمه، وأما غيره فبشؤمه كما قال سبحانه: ﴿وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً﴾ لكنه سبحانه يحلم ويستر وينظر إلى أجل مسمى، ثم سلى رسوله - ﷺ - على ما كان يناله من أذى عشيرته بأن قومه ليسوا ببدع في الأمم، فقد أرسلنا رسلًا إلى أمم من قبلك فكذبوهم، ذلك بهم أسوة، فلا يحزننك تكذيبهم، ولا تبخع نفسك عليهم أسى وحسرة.
أسباب النزول
قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ...﴾ الآية، سبب نزولها (٤): ما أخرجه ابن جرير عن داود بن أبي هند قال: نزل قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا﴾ إلى قوله: ﴿وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾ في أبي جندل بن سهيل.
وقال ابن الجوزي (٥): قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ﴾ اختلفوا فيمن نزلت فيه على ثلاثة أقوال:
قوله تعالى: ﴿وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ...﴾ الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها (٢): أن الله سبحانه وتعالى لما حكى عن الكفار عظيم ما ارتكبوه من الكفر، ونسبة التوالد له.. بيّن تعالى أنه يُمهلهم ولا يعاجلهم بالعقوبة إظهارًا لفضله ورحمته.
وعبارة "المراغي": مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أنه سبحانه وتعالى لما حكى (٣) عن المشركين عظيم كفرهم وقبيح أفعالهم.. بين هنا حلمه بخلقه مع ظلمهم، وأنه يمهلهم بالعقوبة إظهارًا لفضله ورحمته، ولو أخذهم بما كسبت أيديهم ما ترك على ظهر الأرض دابة، أما الظالم فبظلمه، وأما غيره فبشؤمه كما قال سبحانه: ﴿وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً﴾ لكنه سبحانه يحلم ويستر وينظر إلى أجل مسمى، ثم سلى رسوله - ﷺ - على ما كان يناله من أذى عشيرته بأن قومه ليسوا ببدع في الأمم، فقد أرسلنا رسلًا إلى أمم من قبلك فكذبوهم، ذلك بهم أسوة، فلا يحزننك تكذيبهم، ولا تبخع نفسك عليهم أسى وحسرة.
أسباب النزول
قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ...﴾ الآية، سبب نزولها (٤): ما أخرجه ابن جرير عن داود بن أبي هند قال: نزل قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا﴾ إلى قوله: ﴿وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾ في أبي جندل بن سهيل.
وقال ابن الجوزي (٥): قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ﴾ اختلفوا فيمن نزلت فيه على ثلاثة أقوال:
(١) المراغي.
(٢) البحر المحيط.
(٣) المراغي.
(٤) لباب النقول.
(٥) زاد المسير.
(٢) البحر المحيط.
(٣) المراغي.
(٤) لباب النقول.
(٥) زاد المسير.
236
أحدها: أنها نزلت في ستةٍ من أصحاب رسول الله - ﷺ -، بلال وعمار وصهيب وخباب بن الأرت وعابس وجبير موليان لقريش، أخذهم أهل مكة فجعلوا يعذبونهم ليردوهم عن الإِسلام، قاله أبو صالح عن ابن عباس.
والثاني: أنها نزلت في أبي جندل بن سهيل بن عمرو، قاله داود بن أبي هند.
والثالث: أنهم جميع المهاجرين أو أصحاب رسول الله - ﷺ -، قاله قتادة.
قوله تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا...﴾ الآية، قال (١) المفسرون في سبب نزول هذه الآية هذه لما أنكر مشركو قريش نبوة محمَّد - ﷺ -، وقالوا: الله أعظم من أن يكون رسوله بشرًا فهلا بعث إلينا ملكًا.. نزلت هذه الآية.
قوله تعالى: ﴿وَقَالَ اللَّهُ لَا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ...﴾ الآية، سبب نزولها (٢): أنَّ رجلًا من المسلمين دعا الله في صلاته ودعا الرحمن، فقال رجل من المشركين: أليس يزعم محمد وأصحابه أنهم يعبدون ربًّا واحدًا، فما بال هذا يدعو ربين اثنين، فنزلت هذه الآية، قاله مقاتل.
التفسير وأوجه القراءة
٤١ - ﴿وَالَّذِينَ هَاجَرُوا﴾؛ أي: فارقوا أهاليهم وديارهم وأوطانهم، من مكة إلى الحبشة أو إلى المدينة ﴿فِي اللَّهِ﴾؛ أي: في شأن الله ورضاه وفي حقه والتمكين من طاعته، وقيل: ﴿فِي﴾ بمعنى اللام مع حذف مضاف؛ أي: لإظهار دين الله ونصرته ﴿مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا﴾ وعذِّبوا وأُهينوا في مكة ﴿لَنُبَوِّئَنَّهُمْ﴾؛ أي: لننزلنهم ﴿فِي الدُّنْيَا﴾ تبوئةً ﴿حَسَنَةً﴾؛ أي: تنزيلًا طيبًا في أرض طيبة كريمة، فهو صفة لمصدر محذوف، أو مبأة حسنه ومنزلًا طيبًا، وهي المدينة المنورة حيث آواهم أهلها ونصروهم، يقال (٣) بوَّاه منزلًا أنزله، والمباءة المنزل، فهي منصوبة على الظرفية، أو على أنها مفعول ثان من كان لنبوئنهم بمعنى لنعطينهم، وهم (٤)
والثاني: أنها نزلت في أبي جندل بن سهيل بن عمرو، قاله داود بن أبي هند.
والثالث: أنهم جميع المهاجرين أو أصحاب رسول الله - ﷺ -، قاله قتادة.
قوله تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا...﴾ الآية، قال (١) المفسرون في سبب نزول هذه الآية هذه لما أنكر مشركو قريش نبوة محمَّد - ﷺ -، وقالوا: الله أعظم من أن يكون رسوله بشرًا فهلا بعث إلينا ملكًا.. نزلت هذه الآية.
قوله تعالى: ﴿وَقَالَ اللَّهُ لَا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ...﴾ الآية، سبب نزولها (٢): أنَّ رجلًا من المسلمين دعا الله في صلاته ودعا الرحمن، فقال رجل من المشركين: أليس يزعم محمد وأصحابه أنهم يعبدون ربًّا واحدًا، فما بال هذا يدعو ربين اثنين، فنزلت هذه الآية، قاله مقاتل.
التفسير وأوجه القراءة
٤١ - ﴿وَالَّذِينَ هَاجَرُوا﴾؛ أي: فارقوا أهاليهم وديارهم وأوطانهم، من مكة إلى الحبشة أو إلى المدينة ﴿فِي اللَّهِ﴾؛ أي: في شأن الله ورضاه وفي حقه والتمكين من طاعته، وقيل: ﴿فِي﴾ بمعنى اللام مع حذف مضاف؛ أي: لإظهار دين الله ونصرته ﴿مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا﴾ وعذِّبوا وأُهينوا في مكة ﴿لَنُبَوِّئَنَّهُمْ﴾؛ أي: لننزلنهم ﴿فِي الدُّنْيَا﴾ تبوئةً ﴿حَسَنَةً﴾؛ أي: تنزيلًا طيبًا في أرض طيبة كريمة، فهو صفة لمصدر محذوف، أو مبأة حسنه ومنزلًا طيبًا، وهي المدينة المنورة حيث آواهم أهلها ونصروهم، يقال (٣) بوَّاه منزلًا أنزله، والمباءة المنزل، فهي منصوبة على الظرفية، أو على أنها مفعول ثان من كان لنبوئنهم بمعنى لنعطينهم، وهم (٤)
(١) زاد المسير.
(٢) زاد المسير.
(٣) روح البيان.
(٤) المراح.
(٢) زاد المسير.
(٣) روح البيان.
(٤) المراح.
237
رسول الله - ﷺ - وأصحابه الذين أخرجهم أهل مكة من ديارهم، فهاجروا إلى الحبشة ثم إلى المدينة، وعلى هذا يكون نزول الآية في أصحاب الهجرتين، فيكون نزولها في المدينة بين الهجرتين، وقال ابن عباس - رضي الله عنهما -: نزلت هذه الآية في ستةٍ من الصحابة: صهيب وبلال وعمار وخبَّاب وعابس وجبير، أخذهم المشركون يعذبونهم ليرجعوا عن الإِسلام إلى الكفر، فأما بلال فيخرجونه إلى بطحاء مكة في شدة الحر، ويشدونه ويجعلون على صدره الحجارة، وهو يقول: أحد أحد، فاشتراه منهم أبو بكر وأعتقه، وأما صهيب فقال: أنا رجل كبير، من كنت معكم... لم أنفعكم، وإن كنت عليكم.. لم أضركم فافتدى منهم وهاجر، وأما سائرهم فقد قالوا بعض ما أراد أهل مكة أو كلمة الكفر، فتركوا عذابهم ثم هاجروا، فبسبب هجرتهم ظهرت قوة الإِسلام، كما أن بنصرة الأنصار قويت شوكتهم، فلذلك غلبوا على أهل مكة وعلى العرب قاطبةً، وعلى أهل المشرق والمغرب، وعن عمر - رضي الله عنه - كان إذا أعطى رجلًا أو المهاجرين عطاءً قال: خذ بارك الله لك فيه، هذا ما وعدك الله في الدنيا، وما ادخر لك في الآخرة أكبر.
والمعنى: أي (١) والذين فارقوا قومهم ودورهم وأوطانهم وذهبوا إلى بلاد أخرى احتسابًا لأجر الله ونيلًا لمرضاته، أو بعد ما نالهم أو الكفار أو أذى في أنفسهم وأموالهم، لنسكننهم في الدنيا مساكن حية يرضونها، إذ هم لمَّا تركوا مساكنهم وأموالهم ابتغاء مرضاة الله.. عوَّضهم الله خيرًا منها في الدنيا، فمكَّن لهم في البلاد، وحكَّمهم في رقاب العباد، وصاروا أمراء وحكامًا، وكان كل منهم للمتقين إمامًا.
ثم أخبر سبحانه أنَّ ثوابه لهم في الدار الآخرة أعظم مما أعطاهم في الدنيا، فقال: ﴿وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ﴾ المعد لهم في مقابلة الهجرة ﴿أَكْبَرُ﴾ مما يعجل لهم في الدنيا؛ أي: ولثواب الله إياهم على هجرتهم من أجله في الآخرة أكبر وأعظم من الأجر الكائن في الدنيا؛ لأنَّ ثوابه إياهم هنالك الجنة، التي لا يفنى
والمعنى: أي (١) والذين فارقوا قومهم ودورهم وأوطانهم وذهبوا إلى بلاد أخرى احتسابًا لأجر الله ونيلًا لمرضاته، أو بعد ما نالهم أو الكفار أو أذى في أنفسهم وأموالهم، لنسكننهم في الدنيا مساكن حية يرضونها، إذ هم لمَّا تركوا مساكنهم وأموالهم ابتغاء مرضاة الله.. عوَّضهم الله خيرًا منها في الدنيا، فمكَّن لهم في البلاد، وحكَّمهم في رقاب العباد، وصاروا أمراء وحكامًا، وكان كل منهم للمتقين إمامًا.
ثم أخبر سبحانه أنَّ ثوابه لهم في الدار الآخرة أعظم مما أعطاهم في الدنيا، فقال: ﴿وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ﴾ المعد لهم في مقابلة الهجرة ﴿أَكْبَرُ﴾ مما يعجل لهم في الدنيا؛ أي: ولثواب الله إياهم على هجرتهم من أجله في الآخرة أكبر وأعظم من الأجر الكائن في الدنيا؛ لأنَّ ثوابه إياهم هنالك الجنة، التي لا يفنى
(١) المراغي.
238
نعيمها ولا يزول خيرها، وفي "المدارك" الوقف لازم عليه لأنّ جواب قوله: ﴿لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ﴾ محذوف، والضمير للكفار؛ أي: لو علم الكفار أن الله تعالى يجمع لهؤلاء المهاجرين خير الدارين.. لوافقوهم في الدين، ويجوز (١) أن يعود إلى المهاجرين.
والمعنى: لو كان المهاجرون يعلمون ما أعدَّ الله لهم في الآخرة.. لزادوا في الجد والاجتهاد والصبر على ما أصابهم من أذى المشركين.
٤٢ - هؤلاء المهاجرون هم ﴿الَّذِينَ صَبَرُوا﴾ على أذية الكفار، ومفارقة الأهل والوطن، وعلى المجاهدة وبذل الأموال والأنفس في سبيل الله ﴿وَعَلَى رَبِّهِمْ﴾ خاصة ﴿يَتَوَكَّلُونَ﴾؛ أي: يعتمدون في أمورهم، منقطعين إليه، معرضين عما سواه، مفوضين الأمر كله إليه تعالى، والتعبير (٢) بصيغة المضارع لاستحضار صورة توكلهم البديعة، وجملة التوكل معطوفة على الصلة أو في محل النصب على الحال.
والمعنى: أي (٣) هؤلاء هم الذين صبروا على ما نالهم من أذى قومهم ولم يرجعوا القهقرى، وعلى مفارقة الوطن المحبوب، لا سيما حرم الله المحبوب لكل قلب مؤمن، فكيف لمن كان مسقط رأسه، وعلى بذل الروح في ذات الله، وعلى احتمال الغربة بين ناس لم تجمعهم بهم ألفة نسبٍ ولا جوارٍ في دار، وقد فوضوا أمرهم إلى ربهم الذي أحسن لهم العاقبة في الدنيا والآخرة، وأعرضوا عن كل ما سواه.
٤٣ - وسبب قوله تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ﴾؛ لأن مشركي قريش لما بلَّغهم النبي - ﷺ - الرسالة، ودعاهم إلى عبادة الله تعالى.. أنكروا ذلك، وقالوا: الله أعظم من أن يكون رسوله بشرًا، ولو أراد أن يبعث إلينا رسولًا.. لبعث من الملائكة الذين عنده، فنزل قوله تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ﴾ يا محمَّد إلى الأمم الماضية رسلًا للدعوة إلى توحيدنا، ﴿إِلَّا رِجَالًا﴾؛ أي: إلا ذكورًا بالغين آدميين لا نساءً، إذ مبنى أحوالهن على الستر، والنبوة تقتضي الظهور، ولا صبيانًا لعدم
والمعنى: لو كان المهاجرون يعلمون ما أعدَّ الله لهم في الآخرة.. لزادوا في الجد والاجتهاد والصبر على ما أصابهم من أذى المشركين.
٤٢ - هؤلاء المهاجرون هم ﴿الَّذِينَ صَبَرُوا﴾ على أذية الكفار، ومفارقة الأهل والوطن، وعلى المجاهدة وبذل الأموال والأنفس في سبيل الله ﴿وَعَلَى رَبِّهِمْ﴾ خاصة ﴿يَتَوَكَّلُونَ﴾؛ أي: يعتمدون في أمورهم، منقطعين إليه، معرضين عما سواه، مفوضين الأمر كله إليه تعالى، والتعبير (٢) بصيغة المضارع لاستحضار صورة توكلهم البديعة، وجملة التوكل معطوفة على الصلة أو في محل النصب على الحال.
والمعنى: أي (٣) هؤلاء هم الذين صبروا على ما نالهم من أذى قومهم ولم يرجعوا القهقرى، وعلى مفارقة الوطن المحبوب، لا سيما حرم الله المحبوب لكل قلب مؤمن، فكيف لمن كان مسقط رأسه، وعلى بذل الروح في ذات الله، وعلى احتمال الغربة بين ناس لم تجمعهم بهم ألفة نسبٍ ولا جوارٍ في دار، وقد فوضوا أمرهم إلى ربهم الذي أحسن لهم العاقبة في الدنيا والآخرة، وأعرضوا عن كل ما سواه.
٤٣ - وسبب قوله تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ﴾؛ لأن مشركي قريش لما بلَّغهم النبي - ﷺ - الرسالة، ودعاهم إلى عبادة الله تعالى.. أنكروا ذلك، وقالوا: الله أعظم من أن يكون رسوله بشرًا، ولو أراد أن يبعث إلينا رسولًا.. لبعث من الملائكة الذين عنده، فنزل قوله تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ﴾ يا محمَّد إلى الأمم الماضية رسلًا للدعوة إلى توحيدنا، ﴿إِلَّا رِجَالًا﴾؛ أي: إلا ذكورًا بالغين آدميين لا نساءً، إذ مبنى أحوالهن على الستر، والنبوة تقتضي الظهور، ولا صبيانًا لعدم
(١) الخازن.
(٢) روح البيان.
(٣) المراغي.
(٢) روح البيان.
(٣) المراغي.
239
كمالهم، ونبوة عيسى في المهد لا تنافيه إذ الرسالة أخص، قال ابن الجوزي اشتراط الأربعين في حق الأنبياء ليس بشيء، ولا ملائكة لاختلاف الجنس، وقوله تعالى: ﴿جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا﴾؛ أي: إلى الملائكة أو إلى الأنبياء ﴿نُوحِي إِلَيْهِمْ﴾ على ألسنة الملائكة في الأغلب وأكثر الأمر، وفيه (١) إشارة إلى أن الرسالة النبوة والولاية لا تسكن إلا في قلوب الرَّجال الذين لا تلهيهم تجارةٌ ولا بيع عن ذكر الله.
والمعنى (٢): أي وما أرسلنا من قبلك رسلًا إلى أممهم للدعوة إلى توحيدنا والانتهاء إلى أمرنا إلا رجالًا من بني آدم نوحي إليهم لا ملائكة، ومجمل القول: إنا لم نرسل إلى قومك إلا مثل الذين كنا نرسلهم إلى من قبلهم من الأمم؛ أي: رسلًا من جنسهم وعلى منهاجهم، روى الضحاك عن ابن عباس: الله لمَّا بعث محمدًا - ﷺ -. أنكر العرب ذلك وقالوا: الله أعظم من أن يكون رسوله بشرًا، فأنزل الله: ﴿أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ﴾ الآية، ونحو الآية قوله: ﴿وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ﴾، وقوله: ﴿مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ (٣٣) وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَرًا مِثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذًا لَخَاسِرُونَ (٣٤)﴾، وقوله: ﴿لَوْلَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا﴾.
وقرأ الجمهور (٣): ﴿يُوحَى﴾ بالياء وفتح الحاء، وقرأت فرقة: بالياء وكسرها، وقرأ عبد الله والسلمي وطلحة وحفص عن عاصم: بالنون وكسرها.
ولمَّا (٤) كان كفار مكة مقرين بأن اليهود والنصارى هم أهل العلم بما أنزل الله في التوراة والإنجيل.. صرف الخطاب إليهم، وأمرهم أن يرجعوا إلى أهل الكتاب، فقال: ﴿فَاسْأَلُوا﴾ يا معشر قريش إن شككتم في ذلك ﴿أَهْلَ الذِّكْرِ﴾؛ أي: أهل العلم بذلك؛ أي: علماء أهل الكتاب، ليخبروكم أن الله تعالى لم يبعث إلى الأمم السالفة إلا بشرًا، وكانوا يشاورونهم في بعض الأمور، ولذلك أحالهم إلى هؤلاء للإلزام؛ أي: فإذا أخبروكم بذلك.. زالت الشبهة من
والمعنى (٢): أي وما أرسلنا من قبلك رسلًا إلى أممهم للدعوة إلى توحيدنا والانتهاء إلى أمرنا إلا رجالًا من بني آدم نوحي إليهم لا ملائكة، ومجمل القول: إنا لم نرسل إلى قومك إلا مثل الذين كنا نرسلهم إلى من قبلهم من الأمم؛ أي: رسلًا من جنسهم وعلى منهاجهم، روى الضحاك عن ابن عباس: الله لمَّا بعث محمدًا - ﷺ -. أنكر العرب ذلك وقالوا: الله أعظم من أن يكون رسوله بشرًا، فأنزل الله: ﴿أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ﴾ الآية، ونحو الآية قوله: ﴿وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ﴾، وقوله: ﴿مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ (٣٣) وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَرًا مِثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذًا لَخَاسِرُونَ (٣٤)﴾، وقوله: ﴿لَوْلَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا﴾.
وقرأ الجمهور (٣): ﴿يُوحَى﴾ بالياء وفتح الحاء، وقرأت فرقة: بالياء وكسرها، وقرأ عبد الله والسلمي وطلحة وحفص عن عاصم: بالنون وكسرها.
ولمَّا (٤) كان كفار مكة مقرين بأن اليهود والنصارى هم أهل العلم بما أنزل الله في التوراة والإنجيل.. صرف الخطاب إليهم، وأمرهم أن يرجعوا إلى أهل الكتاب، فقال: ﴿فَاسْأَلُوا﴾ يا معشر قريش إن شككتم في ذلك ﴿أَهْلَ الذِّكْرِ﴾؛ أي: أهل العلم بذلك؛ أي: علماء أهل الكتاب، ليخبروكم أن الله تعالى لم يبعث إلى الأمم السالفة إلا بشرًا، وكانوا يشاورونهم في بعض الأمور، ولذلك أحالهم إلى هؤلاء للإلزام؛ أي: فإذا أخبروكم بذلك.. زالت الشبهة من
(١) روح البيان.
(٢) المراغي.
(٣) البحر المحيط.
(٤) الشوكاني.
(٢) المراغي.
(٣) البحر المحيط.
(٤) الشوكاني.
240
قلوبكم، ﴿إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ أنَّ الرسل من البشر.
والمعنى: أي فاسألوا (١) أهل الكتب السابقة من اليهود والنصارى، أبشرًا كانت الرسل إليهم أم ملائكةً؟ فإن كانوا ملائكةً.. أنكرتم، وإن كانوا بشرًا فلا تنكروا أن يكون محمد - ﷺ - رسولًا،
٤٤ - وقوله: ﴿بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ﴾ متعلق بمحذوف على أنه صفة لرجالًا؛ أي: وما أرسلنا من قبلك إلا رجالًا متلبسين بالمعجزات الباهرة، الدالَّة على صدق من يدعي الرسالة، كعصا موسى، وناقة صالح، ومتلبسين بالكتب المشتملة على التكاليف الشرعية، التي يبلغونها من الله تعالى إلى العباد، كالتوراة والإنجيل، والبينات جمع بينة، وهي المعجزة الواضحة، والزبير جمع زبور، وهو الكتاب بمعنى المزبور؛ أي: المكتوب.
أي: وما أرسلنا رسلًا من قبلك إلا رجالًا متلبسين بالأدلة والحجج، التي تشهد لهم بصدق نبوتهم، وبالكتب التي تشمل على التكاليف والشرائع التي يبلغونها من الله إلى العباد.
وقيل: في الكلام (٢) تقديم وتأخير، والتقدير: وما أرسلنا من قبلك بالبينات والزبير إلا رجالًا، وقيل: يتعلق بمحذوف دلَّ عليه المذكور؛ أي: أرسلناهم بالبينات والزبر، وقيل: متعلق بتعلمون على أنه مفعوله والباء زائدة؛ أي: إن كنتم لا تعلمون بالبينات والزبير، وقيل: متعلق بنوحي؛ أي: نوحي إليهم بالبينات والزبر، وقيل: منصوب بتقدير: أعني، والباء زائدة.
﴿وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ﴾؛ أي: وأنزلنا عليك يا محمَّد القرآن منجمًا في ثلاث وعشرين سنة بحسب الوقائع، وإنما سمّاه ذكرًا لأن فيه مواعظ وتنبيهًا للغافلين؛ يعني: أنه سبب (٣) الذكر، فأطلق عليه اسم المسبب، ﴿لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ﴾ كافةً العرب والعجم ﴿مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ﴾ في ذلك الذكر من الأحكام والشرائع، وغير ذلك من أحوال القرون المهلكة بأفانين العذاب، حسب أعمالهم الموجبة لذلك
والمعنى: أي فاسألوا (١) أهل الكتب السابقة من اليهود والنصارى، أبشرًا كانت الرسل إليهم أم ملائكةً؟ فإن كانوا ملائكةً.. أنكرتم، وإن كانوا بشرًا فلا تنكروا أن يكون محمد - ﷺ - رسولًا،
٤٤ - وقوله: ﴿بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ﴾ متعلق بمحذوف على أنه صفة لرجالًا؛ أي: وما أرسلنا من قبلك إلا رجالًا متلبسين بالمعجزات الباهرة، الدالَّة على صدق من يدعي الرسالة، كعصا موسى، وناقة صالح، ومتلبسين بالكتب المشتملة على التكاليف الشرعية، التي يبلغونها من الله تعالى إلى العباد، كالتوراة والإنجيل، والبينات جمع بينة، وهي المعجزة الواضحة، والزبير جمع زبور، وهو الكتاب بمعنى المزبور؛ أي: المكتوب.
أي: وما أرسلنا رسلًا من قبلك إلا رجالًا متلبسين بالأدلة والحجج، التي تشهد لهم بصدق نبوتهم، وبالكتب التي تشمل على التكاليف والشرائع التي يبلغونها من الله إلى العباد.
وقيل: في الكلام (٢) تقديم وتأخير، والتقدير: وما أرسلنا من قبلك بالبينات والزبير إلا رجالًا، وقيل: يتعلق بمحذوف دلَّ عليه المذكور؛ أي: أرسلناهم بالبينات والزبر، وقيل: متعلق بتعلمون على أنه مفعوله والباء زائدة؛ أي: إن كنتم لا تعلمون بالبينات والزبير، وقيل: متعلق بنوحي؛ أي: نوحي إليهم بالبينات والزبر، وقيل: منصوب بتقدير: أعني، والباء زائدة.
﴿وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ﴾؛ أي: وأنزلنا عليك يا محمَّد القرآن منجمًا في ثلاث وعشرين سنة بحسب الوقائع، وإنما سمّاه ذكرًا لأن فيه مواعظ وتنبيهًا للغافلين؛ يعني: أنه سبب (٣) الذكر، فأطلق عليه اسم المسبب، ﴿لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ﴾ كافةً العرب والعجم ﴿مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ﴾ في ذلك الذكر من الأحكام والشرائع، وغير ذلك من أحوال القرون المهلكة بأفانين العذاب، حسب أعمالهم الموجبة لذلك
(١) المراغي.
(٢) الشوكاني.
(٣) روح البيان.
(٢) الشوكاني.
(٣) روح البيان.
على وجه التفصيل بيانًا شافيًا، كما ينبىء عنه صيغة التفعيل في الفعلين، ﴿وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾ فيما نُزِّل إليهم، فينتبهوا لما فيه من العبر، ويحترزوا عما يؤدي إلى مثل ما أصاب الأولين من العذاب.
والمعنى: أي (١) وأنزلنا إليك القرآن تذكيرًا وعظةً للناس، لتُعرِّفهم ما أنزل إليهم من الأحكام والشرائع، وأحوال القرون المهلكة بأفانين العذاب جزاء عنادهم مع أنبيائهم وتبين لهم ما أشكل عليهم من الأحكام، وتفصل لهم ما أجمل بحسب مراتبهم في الاستعداد والفهم لأسرار التشريع، ﴿وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾؛ أي: وتوقعًا منك وانتظارًا لتفكرهم في هاتيك الأسرار والعبر، وإبعادًا لهم عن سلوك سبيل الغابرين من المكذبين، حتى لا يصيبهم مثل ما أصابهم.
٤٥ - ثم حذرهم وخوفهم مغبة ما هم فيه من العصيان والكفر فقال: ﴿أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ﴾ والهمزة (٢) فيه للاستفهام التوبيخي التقريعي المضمن للإنكار داخلة على محذوف، والفاء عاطفة على ذلك المحذوف المنسحب عليه النظم الكريم؛ أي: أنزلنا إليك الذكر لتبين لهم مضمونه، الذي من جملته أنباء الأمم المهلكة بفنون العذاب، ولم يتفكروا في ذلك؛ أي: ألم يتفكروا ﴿أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ﴾ اهـ "أبي السعود". والتقدير: أيُعْرِضُ الذين فعلوا المكرات السيئات برسول الله - ﷺ - في دار الندوة من تقييده أو قتله، أو إخراجه من مكة كما ذكر في الأنفال، ومكروا بأصحابه حين راموا صدهم عن الإيمان عن التذكر في هذا الذكر المشتمل على أنباء الأمم المهلكة؛ أي: أأعرض هؤلاء الماكرون عن التفكر فيه فأمنوا ﴿أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ﴾؛ أي: أن يغور الله بهم الأرض، حتى يدخلوا فيها إلى الأرض السفلى، كما فعل بقارون وأصحابه، والإنكار (٣) موجه إلى المعطوفين معًا.
وذكر بعضهم أن الكركي لا يطأ الأرض بقدميه بل بإحداهما، فإذا وطئها.. لم يعتمد عليها خوفًا أن تخسف الأرض، فإذا لم يأمن الطير من الخسف.. فما
والمعنى: أي (١) وأنزلنا إليك القرآن تذكيرًا وعظةً للناس، لتُعرِّفهم ما أنزل إليهم من الأحكام والشرائع، وأحوال القرون المهلكة بأفانين العذاب جزاء عنادهم مع أنبيائهم وتبين لهم ما أشكل عليهم من الأحكام، وتفصل لهم ما أجمل بحسب مراتبهم في الاستعداد والفهم لأسرار التشريع، ﴿وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾؛ أي: وتوقعًا منك وانتظارًا لتفكرهم في هاتيك الأسرار والعبر، وإبعادًا لهم عن سلوك سبيل الغابرين من المكذبين، حتى لا يصيبهم مثل ما أصابهم.
٤٥ - ثم حذرهم وخوفهم مغبة ما هم فيه من العصيان والكفر فقال: ﴿أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ﴾ والهمزة (٢) فيه للاستفهام التوبيخي التقريعي المضمن للإنكار داخلة على محذوف، والفاء عاطفة على ذلك المحذوف المنسحب عليه النظم الكريم؛ أي: أنزلنا إليك الذكر لتبين لهم مضمونه، الذي من جملته أنباء الأمم المهلكة بفنون العذاب، ولم يتفكروا في ذلك؛ أي: ألم يتفكروا ﴿أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ﴾ اهـ "أبي السعود". والتقدير: أيُعْرِضُ الذين فعلوا المكرات السيئات برسول الله - ﷺ - في دار الندوة من تقييده أو قتله، أو إخراجه من مكة كما ذكر في الأنفال، ومكروا بأصحابه حين راموا صدهم عن الإيمان عن التذكر في هذا الذكر المشتمل على أنباء الأمم المهلكة؛ أي: أأعرض هؤلاء الماكرون عن التفكر فيه فأمنوا ﴿أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ﴾؛ أي: أن يغور الله بهم الأرض، حتى يدخلوا فيها إلى الأرض السفلى، كما فعل بقارون وأصحابه، والإنكار (٣) موجه إلى المعطوفين معًا.
وذكر بعضهم أن الكركي لا يطأ الأرض بقدميه بل بإحداهما، فإذا وطئها.. لم يعتمد عليها خوفًا أن تخسف الأرض، فإذا لم يأمن الطير من الخسف.. فما
(١) المراغي.
(٢) أبي السعود.
(٣) روح البيان.
(٢) أبي السعود.
(٣) روح البيان.
بال الإنسان العاقل يمشي على الأرض وهو غافل انتهى.
﴿أَوْ﴾ أمنوا أن ﴿يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ﴾؛ أي: عذاب الاستئصال ﴿مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ﴾ به؛ أي: من جهة لا تخطر ببالهم، فيهلكهم بغتةً كما فعل بقوم لوط وغيرهم،
٤٦ - ﴿أَوْ﴾ أمنوا أن ﴿يَأْخُذَهُمْ﴾ الله سبحانه بالعقوبة ﴿فِي تَقَلُّبِهِمْ﴾؛ أي: في حالة تحركهم في أسفارهم إقبالًا وإدبارًا، فهو حال أو المفعول؛ أي: حالة كونهم متقلِّبين في أسفارهم، والتقلب الحركة إقبالًا وإدبارًا اهـ "شهاب"، فإنَّه سبحانه (١) وتعالى قادر على أن يهلكهم في السفر، كما يهلكهم في الحضر، وهم لا يفوتونه بسبب ضربهم في الأرض، وبعدهم عن الأوطان، وقيل: المراد في حال تقلبهم في قضاء أوطارهم بوجود الحيل، فيحول الله بينهم وبين مقاصدهم وحيلهم، وقيل: في حال تقلبهم في الليل على فرشهم، وقيل: في حال إقبالهم وإدبارهم، وذهابهم ومجيئهم بالليل والنهار، وقيل غير ذلك.
﴿فَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ﴾؛ أي: فإذا أخذهم بالعقوبة بأيِّ سبب وفي أيِّ حالةٍ.. فما هم بناجين من عذاب الله القهار، سابقين قضاءه بالهرب والفرار على ما يوهمه التقلب والسير في الديار.
٤٧ - ﴿أَوْ﴾ أمنوا أن ﴿يَأْخُذَهُمْ﴾ الله سبحانه وتعالى بالعذاب حالة كونهم ﴿عَلَى تَخَوُّفٍ﴾ وتوقع؛ أي: مخافة من وقوع العذاب، بأن يكونوا متوقعين للعذاب حذرين منه، غير غافلين عنه، بأن يهلك قومًا قبلهم فيتخوفوا، فيأتيهم الله به وهم متخوفون، وقيل: معنى ﴿عَلَى تَخَوُّفٍ﴾؛ أي: على تنقصٍ، قال ابن الأعرابي: أي تنقصٍ من الأموال والأنفس والثمرات.
والمعنى (٢): أو يأخذهم على أن ينقصهم شيئًا بعد شيء في أنفسهم وأموالهم حتى يهلكوا، ولا يهلكهم في حالة واحدة، فيكون المراد مما قبله عذاب الاستئصال، ومنه الأخذ شيئًا فشيئًا، والمراد بذكر الأحوال الثلاث بيان قدرة الله تعالى على إهلاكهم بأيِّ وجهٍ كان، لا الحصر فيها.
﴿أَوْ﴾ أمنوا أن ﴿يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ﴾؛ أي: عذاب الاستئصال ﴿مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ﴾ به؛ أي: من جهة لا تخطر ببالهم، فيهلكهم بغتةً كما فعل بقوم لوط وغيرهم،
٤٦ - ﴿أَوْ﴾ أمنوا أن ﴿يَأْخُذَهُمْ﴾ الله سبحانه بالعقوبة ﴿فِي تَقَلُّبِهِمْ﴾؛ أي: في حالة تحركهم في أسفارهم إقبالًا وإدبارًا، فهو حال أو المفعول؛ أي: حالة كونهم متقلِّبين في أسفارهم، والتقلب الحركة إقبالًا وإدبارًا اهـ "شهاب"، فإنَّه سبحانه (١) وتعالى قادر على أن يهلكهم في السفر، كما يهلكهم في الحضر، وهم لا يفوتونه بسبب ضربهم في الأرض، وبعدهم عن الأوطان، وقيل: المراد في حال تقلبهم في قضاء أوطارهم بوجود الحيل، فيحول الله بينهم وبين مقاصدهم وحيلهم، وقيل: في حال تقلبهم في الليل على فرشهم، وقيل: في حال إقبالهم وإدبارهم، وذهابهم ومجيئهم بالليل والنهار، وقيل غير ذلك.
﴿فَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ﴾؛ أي: فإذا أخذهم بالعقوبة بأيِّ سبب وفي أيِّ حالةٍ.. فما هم بناجين من عذاب الله القهار، سابقين قضاءه بالهرب والفرار على ما يوهمه التقلب والسير في الديار.
٤٧ - ﴿أَوْ﴾ أمنوا أن ﴿يَأْخُذَهُمْ﴾ الله سبحانه وتعالى بالعذاب حالة كونهم ﴿عَلَى تَخَوُّفٍ﴾ وتوقع؛ أي: مخافة من وقوع العذاب، بأن يكونوا متوقعين للعذاب حذرين منه، غير غافلين عنه، بأن يهلك قومًا قبلهم فيتخوفوا، فيأتيهم الله به وهم متخوفون، وقيل: معنى ﴿عَلَى تَخَوُّفٍ﴾؛ أي: على تنقصٍ، قال ابن الأعرابي: أي تنقصٍ من الأموال والأنفس والثمرات.
والمعنى (٢): أو يأخذهم على أن ينقصهم شيئًا بعد شيء في أنفسهم وأموالهم حتى يهلكوا، ولا يهلكهم في حالة واحدة، فيكون المراد مما قبله عذاب الاستئصال، ومنه الأخذ شيئًا فشيئًا، والمراد بذكر الأحوال الثلاث بيان قدرة الله تعالى على إهلاكهم بأيِّ وجهٍ كان، لا الحصر فيها.
(١) الشوكاني.
(٢) روح البيان.
(٢) روح البيان.
﴿فَإِنَّ رَبَّكُمْ﴾، أيها العباد، ﴿لَرَءُوفٌ﴾ بكم حيث لا يعاجلكم بالعقوبة، ويحلم عنكم مع استحقاقكم لها، ﴿رَحِيمٌ﴾ بكم حيث لا يأخذكم في الحال ويتوب عليكم في المآل، ويجازي توبتكم بالفضل والنوال، ولمَّا (١) كان تعالى قادرًا على هذه الأمور، ولم يعاجلهم بها.. ناسب وصفه بالرأفة والرحمة.
وحاصل المعنى: أي (٢) أفأمن الذين مكروا برسول الله - ﷺ - من أهل مكة وراموا صد أصحابه عن الإيمان بالله تعالى أن يصيبهم بعقوبة من عنده:
١ - إمَّا بأن يخسف بهم الأرض، ويبيدهم من صفحة الوجود، كما فعل بقارون من قبل.
٢ - وإما بأن يأتيهم بعذاب من السماء فجأة من حيث لا يشعرون، كما صنع بقوم لوط.
٣ - وإمَّا بأن يأخذهم بعقوبة وهم في أسفارهم يكدحون في الأرض ابتغاء الرزق، وما هم بممتنعين عليه فائتين له بالهرب والفرار كما قال: ﴿وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ (١٨٣)﴾ وقال - ﷺ -: "إن الله تعالى لَيُمْلِي للظالم حتى إذا أخذه لم يُفْلِتْهُ".
٤ - وإمَّا بأن يخيفهم أوَّلًا، ثم يعذبهم بعد ذلك، بأن يهلك طائفة فتخاف التي تليها، حتى يأتي عليهم جميعًا، ويكون هذا أشد عليهم إيلامًا ووحشة، وختم الآية بما ختم به لبيان أنه لم يأخذهم بعذاب معجل، بل أخذهم بحالات يخاف منها كالرياح الشديدة والصواعق والزلازل، وفي ذلك امتداد وقت ومهلة يمكن فيها تلافي التقصير، وهذا من آثار رحمته بعباده.
٤٨ - ثم ذكر آثار قدرته على خلقه فقال: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا﴾ الهمزة (٣) فيه للإنكار المضمن للتوبيخ، داخلة على محذوف، والواو عاطفة على ذلك المحذوف، والرؤية هي البصرية المؤدِّية إلى التفكر، والضمير لكفار مكة؛ أي: ألم ينظروا
وحاصل المعنى: أي (٢) أفأمن الذين مكروا برسول الله - ﷺ - من أهل مكة وراموا صد أصحابه عن الإيمان بالله تعالى أن يصيبهم بعقوبة من عنده:
١ - إمَّا بأن يخسف بهم الأرض، ويبيدهم من صفحة الوجود، كما فعل بقارون من قبل.
٢ - وإما بأن يأتيهم بعذاب من السماء فجأة من حيث لا يشعرون، كما صنع بقوم لوط.
٣ - وإمَّا بأن يأخذهم بعقوبة وهم في أسفارهم يكدحون في الأرض ابتغاء الرزق، وما هم بممتنعين عليه فائتين له بالهرب والفرار كما قال: ﴿وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ (١٨٣)﴾ وقال - ﷺ -: "إن الله تعالى لَيُمْلِي للظالم حتى إذا أخذه لم يُفْلِتْهُ".
٤ - وإمَّا بأن يخيفهم أوَّلًا، ثم يعذبهم بعد ذلك، بأن يهلك طائفة فتخاف التي تليها، حتى يأتي عليهم جميعًا، ويكون هذا أشد عليهم إيلامًا ووحشة، وختم الآية بما ختم به لبيان أنه لم يأخذهم بعذاب معجل، بل أخذهم بحالات يخاف منها كالرياح الشديدة والصواعق والزلازل، وفي ذلك امتداد وقت ومهلة يمكن فيها تلافي التقصير، وهذا من آثار رحمته بعباده.
٤٨ - ثم ذكر آثار قدرته على خلقه فقال: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا﴾ الهمزة (٣) فيه للإنكار المضمن للتوبيخ، داخلة على محذوف، والواو عاطفة على ذلك المحذوف، والرؤية هي البصرية المؤدِّية إلى التفكر، والضمير لكفار مكة؛ أي: ألم ينظروا
(١) البحر المحيط.
(٢) المراغي.
(٣) روح البيان.
(٢) المراغي.
(٣) روح البيان.
244
ويروا ﴿إِلَى مَا خَلَقَ اللَّهُ﴾ تعالى ﴿مِنْ شَيْءٍ﴾ بيان لـ ﴿ما﴾ الموصولة؛ أي: من كل شيء له ظل، ﴿يَتَفَيَّأُ ظِلَالُهُ﴾؛ أي: يتقلص ويتحول وينتقل ظلاله شيئًا فشيئًا من جانب إلى جانب، وتدور من موضع إلى موضع، حسبما تقتضيه إرادة الخالق، وقوله: ﴿عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ﴾ متعلق بـ ﴿يَتَفَيَؤُأ﴾؛ أي: عن جهة أيمانها وشمائلها؛ أي: عن (١) جانبي كل واحد منها، أو عن يمين الفلك وهو جهة المشرق، وعن شمائل الفلك وهي جهات المغرب، وأفرد اليمين باعتبار لفظ ما، وجمع الشمائل باعتبار معناها، وقيل إنما (٢) وحد اليمين وجع الشمائل لأن مذهب العرب إذا اجتمعت علامتان في شيء واحد أن يلغى واحد ويكتفى بأحدهما، كقوله تعالى: ﴿وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ﴾، وقوله تعالى: ﴿يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ﴾ كذا في الأسئلة المقحمة.
والحاصل: أن الهمزة في: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا﴾ للإنكار، كما مرَّ آنفًا، وهي داخلة في الحقيقة على النفي، وإنكار النفي نفيٌ له، ونفي النفي إثبات.
والمعنى: قد رأى هؤلاء الذين مكروا السيئات من أهل مكة أمثال هذه الصنائع، فما لهم لم يتفكروا فيه، ليظهر لهم كمال قدرته تعالى وقهره، فيخافوا منه حالة كون تلك الظلال ﴿سُجَّدًا لِلَّهِ﴾؛ أي: ساجدين لله، دائرين على مراد الله تعالى في الامتداد والتقلص وغيرهما، غير ممتنعة عليه فيما سخرها له من التفيُّؤ، وقوله: ﴿وَهُمْ دَاخِرُونَ﴾ حال من الضمير المستتر في ﴿سُجَّدًا﴾، فهي حال متداخلة؛ أي: خاضعون صاغرون من الدخور وهو الصغار والذل؛ أي: والحال أن أصحابها من الأجرام داخرة؛ أي: صاغرة منقادة لحكمه تعالى، ووصفها بالدخور مغن عن وصف ظلالها به؛ أي: ألم ينظر (٣) أهل مكة ولم يروا بأبصارهم إلى جسم قائم له ظل من جبل وشجر وبناء يرجع ظلاله من المشرق ومن المغرب واقعة على الأرض ملتصقة بها على هيئة الساجد، وهم داخرون؛ أي: منقادون لقدرة الله تعالى وتدبيره، ولما وصفت الظلال بالانقياد لأمره
والحاصل: أن الهمزة في: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا﴾ للإنكار، كما مرَّ آنفًا، وهي داخلة في الحقيقة على النفي، وإنكار النفي نفيٌ له، ونفي النفي إثبات.
والمعنى: قد رأى هؤلاء الذين مكروا السيئات من أهل مكة أمثال هذه الصنائع، فما لهم لم يتفكروا فيه، ليظهر لهم كمال قدرته تعالى وقهره، فيخافوا منه حالة كون تلك الظلال ﴿سُجَّدًا لِلَّهِ﴾؛ أي: ساجدين لله، دائرين على مراد الله تعالى في الامتداد والتقلص وغيرهما، غير ممتنعة عليه فيما سخرها له من التفيُّؤ، وقوله: ﴿وَهُمْ دَاخِرُونَ﴾ حال من الضمير المستتر في ﴿سُجَّدًا﴾، فهي حال متداخلة؛ أي: خاضعون صاغرون من الدخور وهو الصغار والذل؛ أي: والحال أن أصحابها من الأجرام داخرة؛ أي: صاغرة منقادة لحكمه تعالى، ووصفها بالدخور مغن عن وصف ظلالها به؛ أي: ألم ينظر (٣) أهل مكة ولم يروا بأبصارهم إلى جسم قائم له ظل من جبل وشجر وبناء يرجع ظلاله من المشرق ومن المغرب واقعة على الأرض ملتصقة بها على هيئة الساجد، وهم داخرون؛ أي: منقادون لقدرة الله تعالى وتدبيره، ولما وصفت الظلال بالانقياد لأمره
(١) الفتوحات.
(٢) روح البيان.
(٣) المراح.
(٢) روح البيان.
(٣) المراح.
245
تعالى.. أشبهت العقلاء، فعبّر عنها بلفظ من يعقل، لأن الدخور من خصائصهم، أو لأن من جملة ذلك من يعقل فغلب.
والخلاصة: أي (١) ألم ينظر هؤلاء الذين مكروا السيئات إلى ما خلق الله من الأجسام القائمة كالأشجار والجبال، التي تتفيَّأ ظلالها وترجع من موضع إلى موضع عن اليمين والشمائل، فهي في أوَّل النهار على حالٍ، ثم تتقلص، ثم تعود إلى حال أخرى في آخر النهار، مائلةً من جانب إلى جانب ومن ناحيةٍ إلى أخرى صاغرة منقادة لربها خاضعة لقدرته.
وقرأ السُّلمي والأعرج والأخوان حمزة والكسائي (٢): ﴿أولم تروا﴾ بتاء الخطاب إما على العموم للخلق استؤنف به الإخبار، وإما على معنى قل لهم، إذا كان خطابًا خاصًّا، وقرأ باقي السبعة: بالياء على الغيبة، واحتمل أيضًا أن يعود الضمير على الذين مكروا، واحتمل أن يكون إخبارًا عن المكلفين، والأول أظهر لتقدم ذكرهم، وقرأ أبي عمرو وعيسى ويعقوب: ﴿تَتَفَيّؤُ﴾ بالتاء على التأنيث، وباقي السبعة بالياء.
وقرأ الجمهور: ﴿ظِلَالُهُ﴾ جمع ظل، وقرأ عيسى: ﴿ظُلَلُه﴾ جمع ظُلَّة، كحُلَّةٍ وحُلَلٍ، والرؤية هنا رؤية القلب التي يقع بها الاعتبار، ولكنها بواسطة رؤية العين.
٤٩ - ثم ذكر ما هو كالدليل لما سلف فقال: ﴿وَلِلَّهِ﴾ سبحانه وتعالى وحده لا لغيره، فالقصر (٣) فيه قصر قلب وإفراد كما سيأتي في مبحث البلاغة، ﴿يَسْجُدُ﴾؛ أي: يخضع وينقاد، قال العلماء: السجود على نوعين سجود طاعة وعبادةٍ كسجود المسلم، وسجود انقياد وخضوع كسجود الظلال. ﴿مَا فِي السَّمَاوَاتِ﴾ من العلويات قاطبةً، ودخل فيه الشمس والقمر والنجوم ﴿وَمَا فِي الْأَرْضِ﴾ كائنًا ما كان ﴿مِنْ دَابَّةٍ﴾ بيان لما في الأرض؛ أي: من كل دابة تدب عليها، فإن قوله تعالى:
والخلاصة: أي (١) ألم ينظر هؤلاء الذين مكروا السيئات إلى ما خلق الله من الأجسام القائمة كالأشجار والجبال، التي تتفيَّأ ظلالها وترجع من موضع إلى موضع عن اليمين والشمائل، فهي في أوَّل النهار على حالٍ، ثم تتقلص، ثم تعود إلى حال أخرى في آخر النهار، مائلةً من جانب إلى جانب ومن ناحيةٍ إلى أخرى صاغرة منقادة لربها خاضعة لقدرته.
وقرأ السُّلمي والأعرج والأخوان حمزة والكسائي (٢): ﴿أولم تروا﴾ بتاء الخطاب إما على العموم للخلق استؤنف به الإخبار، وإما على معنى قل لهم، إذا كان خطابًا خاصًّا، وقرأ باقي السبعة: بالياء على الغيبة، واحتمل أيضًا أن يعود الضمير على الذين مكروا، واحتمل أن يكون إخبارًا عن المكلفين، والأول أظهر لتقدم ذكرهم، وقرأ أبي عمرو وعيسى ويعقوب: ﴿تَتَفَيّؤُ﴾ بالتاء على التأنيث، وباقي السبعة بالياء.
وقرأ الجمهور: ﴿ظِلَالُهُ﴾ جمع ظل، وقرأ عيسى: ﴿ظُلَلُه﴾ جمع ظُلَّة، كحُلَّةٍ وحُلَلٍ، والرؤية هنا رؤية القلب التي يقع بها الاعتبار، ولكنها بواسطة رؤية العين.
٤٩ - ثم ذكر ما هو كالدليل لما سلف فقال: ﴿وَلِلَّهِ﴾ سبحانه وتعالى وحده لا لغيره، فالقصر (٣) فيه قصر قلب وإفراد كما سيأتي في مبحث البلاغة، ﴿يَسْجُدُ﴾؛ أي: يخضع وينقاد، قال العلماء: السجود على نوعين سجود طاعة وعبادةٍ كسجود المسلم، وسجود انقياد وخضوع كسجود الظلال. ﴿مَا فِي السَّمَاوَاتِ﴾ من العلويات قاطبةً، ودخل فيه الشمس والقمر والنجوم ﴿وَمَا فِي الْأَرْضِ﴾ كائنًا ما كان ﴿مِنْ دَابَّةٍ﴾ بيان لما في الأرض؛ أي: من كل دابة تدب عليها، فإن قوله تعالى:
(١) المراغي.
(٢) البحر المحيط.
(٣) روح البيان.
(٢) البحر المحيط.
(٣) روح البيان.
﴿وَاللهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ﴾ يدل (١) على اختصاص الدابة بما في الأرض؛ لأنَّ ما في السماء لا يخلق بطريق التوالد، وليس لهم دبيبٌ، بل لهم أجنحة يطيرون بها، والظاهر أن الطيران لا ينافي الدبيب، وقد قيل إن في السماء خلقًا يدبون ودبيبه لا يستلزم كونه مخلوقًا من الماء المعهود، إذ من الماء كل شيء حيٍّ، فيكون ﴿مِنْ دَابَّةٍ﴾ بيانًا لما في السماء والأرض، و ﴿ما﴾ عام للعقلاء وغيرهم، وفي "الأسئلة المقحمة": أن ما لا يعقل أكثر عددًا ممن يعقل، فغلب جانب ما لا يعقل لأنه أكثر عددًا، ﴿وَالْمَلَائِكَةِ﴾ معطوف على ما في السموات، عطف جبريل على الملائكة تعظيمًا وإجلالًا، ﴿وَهُمْ﴾؛ أي: والحال أيُّ الملائكة مع على شأنهم ﴿لَا يَسْتَكْبِرُونَ﴾؛ أي: لا يتعظمون عن عبادته والسجود له، بل يتذللون، فكل شيء بين يدي صانعه ساجدٌ بسجود يلائم حاله، كما أن كل شيء يسبح بحمده تسبيحًا يلائم حاله، فتسبيح بعضهم بلسان القال، وتسبيح بعضهم بلسان الحال، والله يعلم لسان حالهم، كما يعلم لسان قالهم، وفي هذا رد على قريش حيث زعموا أن الملائكة بنات الله.
والمعنى: أي ولله (٢) يخضع ما في السموات وما في الأرض مما يدب عليها، وكذلك ملائكته الذين في السماء، وهم لا يستكبرون عن التذلل والخضوع له،
٥٠ - ﴿يَخَافُونَ رَبَّهُمْ﴾؛ أي: مَالِكَ أمرهم، والجملة حال من الضمير في: ﴿لَا يَسْتَكْبِرُونَ﴾ ﴿مِنْ فَوْقِهِمْ﴾، حال من ربهم؛ أي: يخافونه تعالى خوف هيبةٍ وإجلال، وهو فوقهم بالقهر لقوله تعالى: ﴿وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِه﴾، أو يخافون أن يرسل عليهم عذابًا من فوقهم، فهو متعلق بـ ﴿يَخَافُونَ﴾ ﴿وَيَفْعَلُونَ﴾؛ في: الملائكة ﴿مَا يُؤْمَرُونَ﴾؛ أي: ما يأمرهم الخالق به من الطاعات والتدبيرات، من غير تثاقل عنه وتوانٍ فيه، فبواطنهم وظواهرهم مبرأة من الأخلاق الفاسدة والأفعال الباطلة، وفيه أن الملائكة مكلفون مدارون على الأمر والنهي، والوعد والوعيد، وبين الخوف والرجاء.
والمعنى: أي ولله (٢) يخضع ما في السموات وما في الأرض مما يدب عليها، وكذلك ملائكته الذين في السماء، وهم لا يستكبرون عن التذلل والخضوع له،
٥٠ - ﴿يَخَافُونَ رَبَّهُمْ﴾؛ أي: مَالِكَ أمرهم، والجملة حال من الضمير في: ﴿لَا يَسْتَكْبِرُونَ﴾ ﴿مِنْ فَوْقِهِمْ﴾، حال من ربهم؛ أي: يخافونه تعالى خوف هيبةٍ وإجلال، وهو فوقهم بالقهر لقوله تعالى: ﴿وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِه﴾، أو يخافون أن يرسل عليهم عذابًا من فوقهم، فهو متعلق بـ ﴿يَخَافُونَ﴾ ﴿وَيَفْعَلُونَ﴾؛ في: الملائكة ﴿مَا يُؤْمَرُونَ﴾؛ أي: ما يأمرهم الخالق به من الطاعات والتدبيرات، من غير تثاقل عنه وتوانٍ فيه، فبواطنهم وظواهرهم مبرأة من الأخلاق الفاسدة والأفعال الباطلة، وفيه أن الملائكة مكلفون مدارون على الأمر والنهي، والوعد والوعيد، وبين الخوف والرجاء.
(١) روح البيان.
(٢) المراغي.
(٢) المراغي.
وحمل (١) هذه الجمل على الملائكة أولى من حمله على جميع من تقدم ذكره، لأن في مخلوقات الله من يستكبر عن عبادته ولا يخافه ولا يفعل ما يؤمر به، كالكفار والعصاة الذين لا يتصفون بهذه الصفات وإبليس وجنوده.
والمعنى: أي (٢) يخاف هؤلاء الملائكة والدواب التي في الأرض ربهم، الذي هو من فوقهم بالقوة والقهر، أن يعذبهم إن عصوه، ويفعلون ما أمرهم به، فيؤدون حقوقه ويجتنبون سخطه، ونحو الآية قوله: ﴿وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلَالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ﴾.
ومجمل القول: أنه تعالى نبه إلى أنه لعظمته وكبريائه تدين له المخلوقات بأسرها، جمادها ونباتها وحيوانها، ومكلفوها من الإنس والجن والملائكة، وهذه السجدة من عزائم سجود القرآن، فيسن للقارىء والمستمع أن يسجد عند قراءتها وسماعها.
٥١ - ولما بين سبحانه أن مخلوقاته السماوية والأرضية منقادة له خاضعة لجلاله.. أتبع ذلك بالنهي عن الشرك بقوله: ﴿وَقَالَ اللَّهُ﴾ سبحانه وتعالى لجميع المكلفين ﴿لَا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ﴾ تأكيد لما فهم من إلهين من التثنية، يعني نفسه والأصنام ﴿إِنَّمَا هُوَ﴾ سبحانه وتعالى ﴿إِلَهٌ وَاحِدٌ﴾؛ أي: معبود واحد لا شريك له في ذاته وصفاته، ولا شبيه له في أفعاله.
وقد قيل (٣): إن التثنية في إلهين قد دلت على الاثنينية، والإفراد في إله قد دل على الوحدة، فما وجه وصف إلهين باثنين، ووصف إله بواحد؟
فقيل في الجواب: إن في الكلام تقديمًا وتأخيرًا، والتقدير: لا تتخذوا اثنين إلهين، إنما هو واحد إلهٌ، وقيل: إن التكرير لأجل المبالغة في التنفير عن اتخاذ الشريك، وقيل: إن فائدة زيادة اثنين هي أن يعلم أن النهي راجع إلى التعدد لا إلى الجنسية، وفائدة زيادة واحد دفع توهم أن المراد إثبات الإلهية دون الوحدانية، مع
والمعنى: أي (٢) يخاف هؤلاء الملائكة والدواب التي في الأرض ربهم، الذي هو من فوقهم بالقوة والقهر، أن يعذبهم إن عصوه، ويفعلون ما أمرهم به، فيؤدون حقوقه ويجتنبون سخطه، ونحو الآية قوله: ﴿وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلَالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ﴾.
ومجمل القول: أنه تعالى نبه إلى أنه لعظمته وكبريائه تدين له المخلوقات بأسرها، جمادها ونباتها وحيوانها، ومكلفوها من الإنس والجن والملائكة، وهذه السجدة من عزائم سجود القرآن، فيسن للقارىء والمستمع أن يسجد عند قراءتها وسماعها.
٥١ - ولما بين سبحانه أن مخلوقاته السماوية والأرضية منقادة له خاضعة لجلاله.. أتبع ذلك بالنهي عن الشرك بقوله: ﴿وَقَالَ اللَّهُ﴾ سبحانه وتعالى لجميع المكلفين ﴿لَا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ﴾ تأكيد لما فهم من إلهين من التثنية، يعني نفسه والأصنام ﴿إِنَّمَا هُوَ﴾ سبحانه وتعالى ﴿إِلَهٌ وَاحِدٌ﴾؛ أي: معبود واحد لا شريك له في ذاته وصفاته، ولا شبيه له في أفعاله.
وقد قيل (٣): إن التثنية في إلهين قد دلت على الاثنينية، والإفراد في إله قد دل على الوحدة، فما وجه وصف إلهين باثنين، ووصف إله بواحد؟
فقيل في الجواب: إن في الكلام تقديمًا وتأخيرًا، والتقدير: لا تتخذوا اثنين إلهين، إنما هو واحد إلهٌ، وقيل: إن التكرير لأجل المبالغة في التنفير عن اتخاذ الشريك، وقيل: إن فائدة زيادة اثنين هي أن يعلم أن النهي راجع إلى التعدد لا إلى الجنسية، وفائدة زيادة واحد دفع توهم أن المراد إثبات الإلهية دون الوحدانية، مع
(١) الشوكاني.
(٢) المراغي.
(٣) الشوكاني.
(٢) المراغي.
(٣) الشوكاني.
248
أن الإلهية له سبحانه مسلمة في نفسها، وإنما خلاف المشركين في الواحدية.
وعبارة "النسفي" هنا: فإن قلت (١): إنما جمعوا بين العدد والمعدود فيما وراء الواحد والاثنين، فقالوا: عندي رجال ثلاثة، لأن المعدود عار عن الدلالة على العدد الخاص، فأما رجل ورجلان فمعدودان فيهما دلالة على العدد؛ فلا حاجة إلى أن يقال رجل واحد ورجلان اثنان.
قلتُ: الاسم الحامل لمعنى الإفراد والتثنية دالٌ على شيئين، على الجنسية والعدد المخصوص، فإذا أريدت الدلالة على أن المعني به منهما هو العدد.. شفع بما يؤكد، فدل به على القصد إليه والعناية به، ألا ترى أنك لو قلت إنما هو إله ولم تؤكده بواحد لم يحسن، وخيل أنك تثبت الإلهية لا الوحدانية.
﴿فَإِيَّايَ﴾ لا غيري ﴿فَارْهَبُونِ﴾؛ أي: فخافون؛ أي: إن كنتم راهبين شيئًا.. فارهبوني لا غيري، فإني ذلك الواحد الذي يسجد له ما في السموات والأرض، فالفاء واقعة في جواب شرط محذوف.
والمعنى: أي (٢) وقال الله سبحانه لعباده لا تتخذوا لي شريكًا ولا تعبدوا سواي، فإنكم إذا عبدتم معي غيري.. جعلتموه لي شريكًا، ولا شريك لي إنما هو إله واحد ومعبود واحد، وأنا ذاك، فاتقوني وخافوا عقابي بمعصيتكم إياي بإشراككم بي غيري، أو عبادتكم سواي.
وإنَّما ذكر (٣) العدد مع أن صيغة التثنية مغنية عنه للدلالة على أنَّ المنهي عنه هي الاثنينية، وإنها منافية للألوهية، كما أن وصف الإله بالوحدة في قوله: ﴿إنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ﴾ للدلالة على أنَّ المقصود إثبات الواحدانية، وأنها من لوازم الألوهية، أما الألوهية فغير منكرة ولا منازع فيها، كما مر ذلك آنفًا عن الشوكاني والنسفي.
والخلاصة: أنه تعالى أخبر أنه لا إله إلا هو، وأنه لا تنبغي العبادة إلا له وحده.
وعبارة "النسفي" هنا: فإن قلت (١): إنما جمعوا بين العدد والمعدود فيما وراء الواحد والاثنين، فقالوا: عندي رجال ثلاثة، لأن المعدود عار عن الدلالة على العدد الخاص، فأما رجل ورجلان فمعدودان فيهما دلالة على العدد؛ فلا حاجة إلى أن يقال رجل واحد ورجلان اثنان.
قلتُ: الاسم الحامل لمعنى الإفراد والتثنية دالٌ على شيئين، على الجنسية والعدد المخصوص، فإذا أريدت الدلالة على أن المعني به منهما هو العدد.. شفع بما يؤكد، فدل به على القصد إليه والعناية به، ألا ترى أنك لو قلت إنما هو إله ولم تؤكده بواحد لم يحسن، وخيل أنك تثبت الإلهية لا الوحدانية.
﴿فَإِيَّايَ﴾ لا غيري ﴿فَارْهَبُونِ﴾؛ أي: فخافون؛ أي: إن كنتم راهبين شيئًا.. فارهبوني لا غيري، فإني ذلك الواحد الذي يسجد له ما في السموات والأرض، فالفاء واقعة في جواب شرط محذوف.
والمعنى: أي (٢) وقال الله سبحانه لعباده لا تتخذوا لي شريكًا ولا تعبدوا سواي، فإنكم إذا عبدتم معي غيري.. جعلتموه لي شريكًا، ولا شريك لي إنما هو إله واحد ومعبود واحد، وأنا ذاك، فاتقوني وخافوا عقابي بمعصيتكم إياي بإشراككم بي غيري، أو عبادتكم سواي.
وإنَّما ذكر (٣) العدد مع أن صيغة التثنية مغنية عنه للدلالة على أنَّ المنهي عنه هي الاثنينية، وإنها منافية للألوهية، كما أن وصف الإله بالوحدة في قوله: ﴿إنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ﴾ للدلالة على أنَّ المقصود إثبات الواحدانية، وأنها من لوازم الألوهية، أما الألوهية فغير منكرة ولا منازع فيها، كما مر ذلك آنفًا عن الشوكاني والنسفي.
والخلاصة: أنه تعالى أخبر أنه لا إله إلا هو، وأنه لا تنبغي العبادة إلا له وحده.
(١) النسفي.
(٢) المراغي.
(٣) المراغي.
(٢) المراغي.
(٣) المراغي.
249
٥٢ - ثم لما قرر سبحانه وحدانيته وأنه الذي يجب أن يخص بالرهبة منه والرغبة إليه.. ذكر أن الكل في ملكه وتحت تصرفه، فقال: وله سبحانه وتعالى خلقًا وملكًا ﴿مَا فِي السَّمَاوَاتِ﴾ من الملائكة وغيرهم ﴿وَ﴾ ما في ﴿الْأَرْضِ﴾ من الجن والإنس وغيرها ﴿وَلَهُ﴾ سبحانه وتعالى لا لغيره ﴿الدِّينُ﴾؛ أي: الطاعة والانقياد من كل شيء في السموات والأرض وما بينهما، ﴿وَاصِبًا﴾ حال من ﴿الدِّينُ﴾؛ أي: حالة كون الدين واصبًا؛ أي: واجبًا لله على خلقه، ثابتًا دائمًا لا زوال له، لأنه الإله وحده الواجب أن يرهب منه، والهمزة في قوله: ﴿أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَتَّقُونَ﴾ للتوبيخ والتقريع المضمن للإنكار (١) داخلة على محذوف، والفاء عاطفة على ذلك المحذوف، والتقدير: أي أبعد العلم بما ذكر من التوحيد واختصاص الكل به خلقًا وملكًا غير الله تطيعون فتتقون.
والمعنى: أي فبعد (٢) أن علمتم هذا ترهبون غير الله، وتحذرون أن يسلبكم نعمةً، أو يجلب لكم أذى، أو ينزل بكم نقمة إذا أنتم أخلصتم العبادة لربكم، وأفردتم الطاعة له، وما لكم نافع سواه، وإجمال ذلك أنكم بعد أن عرفتم أن إله العالم واحد، وعرفتم أن كل ما سواه فهو في حاجة إليه في وجوده وبقائه، كيف يعقل أن يكون لامرىء رغبة أو رهبةً من غيره تعالى.
٥٣ - ولما بين أن الواجب أن لا يتقى غير الله.. ذكر أنه يجب أن لا يشكر إلا هو فقال: ﴿وَمَا بِكُمْ﴾؛ أي: أي شيء يلابسكم ويصاحبكم ﴿مِنْ نِعْمَةٍ﴾؛ أي: نعمة كانت على اختلاف أنواعها كالغنى وصحة الجسم والخصب ونحوها ﴿فَمِنَ اللَّهِ﴾؛ أي: فهي من قبل الله تعالى، فـ ﴿ما﴾ شرطية (٣) أو موصولة متضمنة لمعنى الشرط باعتبار الإخبار دون الحصول، فإن ملابسة النعمة بهم سبب للإخبار بأنها منه تعالى، لا لحصولها منه، والنعمة (٤) إما دينية، وهي معرفة الحق لذاته ومعرفة الخير لأجل العمل به، وإما دنيوية نفسانية، أو بدنية أو خارجية، كالعادات
والمعنى: أي فبعد (٢) أن علمتم هذا ترهبون غير الله، وتحذرون أن يسلبكم نعمةً، أو يجلب لكم أذى، أو ينزل بكم نقمة إذا أنتم أخلصتم العبادة لربكم، وأفردتم الطاعة له، وما لكم نافع سواه، وإجمال ذلك أنكم بعد أن عرفتم أن إله العالم واحد، وعرفتم أن كل ما سواه فهو في حاجة إليه في وجوده وبقائه، كيف يعقل أن يكون لامرىء رغبة أو رهبةً من غيره تعالى.
٥٣ - ولما بين أن الواجب أن لا يتقى غير الله.. ذكر أنه يجب أن لا يشكر إلا هو فقال: ﴿وَمَا بِكُمْ﴾؛ أي: أي شيء يلابسكم ويصاحبكم ﴿مِنْ نِعْمَةٍ﴾؛ أي: نعمة كانت على اختلاف أنواعها كالغنى وصحة الجسم والخصب ونحوها ﴿فَمِنَ اللَّهِ﴾؛ أي: فهي من قبل الله تعالى، فـ ﴿ما﴾ شرطية (٣) أو موصولة متضمنة لمعنى الشرط باعتبار الإخبار دون الحصول، فإن ملابسة النعمة بهم سبب للإخبار بأنها منه تعالى، لا لحصولها منه، والنعمة (٤) إما دينية، وهي معرفة الحق لذاته ومعرفة الخير لأجل العمل به، وإما دنيوية نفسانية، أو بدنية أو خارجية، كالعادات
(١) روح البيان.
(٢) المراغي.
(٣) روح البيان.
(٤) الشوكاني.
(٢) المراغي.
(٣) روح البيان.
(٤) الشوكاني.
250
المالية وغيرها، وكل واحدة من هذه جنس تحته أنواع لا حصر لها، والكل من الله سبحانه، فعلى العاقل أن لا يشكر إلا إياه.
ثم بين تلون الإنسان بعد استغراقه في بحر النعم فقال: ﴿ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ﴾؛ أي: الفقر والبلاء في جسدكم والقحط ونحوها مساسًا يسيرًا، ﴿فَإِلَيْهِ﴾؛ أي: فإلى الله لا إلى غيره ﴿تَجْأَرُونَ﴾؛ أي: تتضرعون في كشفه، فلا كاشف له إلا هو، والجؤار (١): رفع الصوت بالدعاء والاستغاثة، ﴿ثُمَّ إِذَا كَشَفَ﴾ الله تعالى ﴿الضُّرَّ﴾ الذي نزل بكم وأزاله ﴿عَنْكُمْ﴾؛ أي: إذا رفع عنكم ما نزل بكم من الضر، ﴿إِذَا فَرِيقٌ﴾؛ أي: جماعة ﴿مِنْكُمْ﴾ وهم كفاركم ﴿بِرَبِّهِمْ﴾ الذي كشف عنهم الضر ﴿يُشْرِكُونَ﴾ فيجعلون معه إلهًا آخر من صنم أو نحوه، والآية مسوقة للتعجيب من فعل هؤلاء، حيث يضعون الإشراك باللهِ الذي أنعم عليهم بكشف ما نزل بهم من الضر مكان الشكر له، و ﴿اللام﴾ في قوله: ﴿لِيَكْفُرُوا﴾ بعبادة غيره ﴿بِمَا آتَيْنَاهُمْ﴾؛ أي: بما أعطيناهم من نعمة كشف الضر عنهم ﴿لام﴾ كي؛ أي: لكي يكفروا بما آتيناهم من نعمة كشف الضر، حتى (٢) كأنَّ هذا الكفران منهم الواقع في موضع الشكر الواجب عليهم غرضٌ لهم، ومقصد من مقاصدهم، وهذا غاية في العتو والعناد ليس وراءها غاية، ففي ﴿اللام﴾ استعارة تبعية كما سيأتي، وقوله: ﴿لِيَكْفُرُوا﴾ من الكفران، وقيل: ﴿اللام﴾ للعاقبة، يعني: ما كانت عاقبة تلك التضرعات إلا هذا الكفران.
ثم قال سبحانه على سبيل التهديد والترهيب ملتفتًا من الغيبة إلى الخطاب: ﴿فَتَمَتَّعُوا﴾ بما أنتم فيه من ذلك بقية آجالكم؛ أي: فعيشوا وانتفعوا بمتاع الحياة الدنيا أيامًا قليلةً، وهو أمر تهديد ﴿فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ﴾ عاقبة أمركم، وما يحل بكم في هذه الدار، وما تصيرون إليه في الدار الآخرة.
وحاصل معنى الآيات (٣): أي ﴿وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ﴾ في أبدانكم من عافيةٍ
ثم بين تلون الإنسان بعد استغراقه في بحر النعم فقال: ﴿ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ﴾؛ أي: الفقر والبلاء في جسدكم والقحط ونحوها مساسًا يسيرًا، ﴿فَإِلَيْهِ﴾؛ أي: فإلى الله لا إلى غيره ﴿تَجْأَرُونَ﴾؛ أي: تتضرعون في كشفه، فلا كاشف له إلا هو، والجؤار (١): رفع الصوت بالدعاء والاستغاثة، ﴿ثُمَّ إِذَا كَشَفَ﴾ الله تعالى ﴿الضُّرَّ﴾ الذي نزل بكم وأزاله ﴿عَنْكُمْ﴾؛ أي: إذا رفع عنكم ما نزل بكم من الضر، ﴿إِذَا فَرِيقٌ﴾؛ أي: جماعة ﴿مِنْكُمْ﴾ وهم كفاركم ﴿بِرَبِّهِمْ﴾ الذي كشف عنهم الضر ﴿يُشْرِكُونَ﴾ فيجعلون معه إلهًا آخر من صنم أو نحوه، والآية مسوقة للتعجيب من فعل هؤلاء، حيث يضعون الإشراك باللهِ الذي أنعم عليهم بكشف ما نزل بهم من الضر مكان الشكر له، و ﴿اللام﴾ في قوله: ﴿لِيَكْفُرُوا﴾ بعبادة غيره ﴿بِمَا آتَيْنَاهُمْ﴾؛ أي: بما أعطيناهم من نعمة كشف الضر عنهم ﴿لام﴾ كي؛ أي: لكي يكفروا بما آتيناهم من نعمة كشف الضر، حتى (٢) كأنَّ هذا الكفران منهم الواقع في موضع الشكر الواجب عليهم غرضٌ لهم، ومقصد من مقاصدهم، وهذا غاية في العتو والعناد ليس وراءها غاية، ففي ﴿اللام﴾ استعارة تبعية كما سيأتي، وقوله: ﴿لِيَكْفُرُوا﴾ من الكفران، وقيل: ﴿اللام﴾ للعاقبة، يعني: ما كانت عاقبة تلك التضرعات إلا هذا الكفران.
ثم قال سبحانه على سبيل التهديد والترهيب ملتفتًا من الغيبة إلى الخطاب: ﴿فَتَمَتَّعُوا﴾ بما أنتم فيه من ذلك بقية آجالكم؛ أي: فعيشوا وانتفعوا بمتاع الحياة الدنيا أيامًا قليلةً، وهو أمر تهديد ﴿فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ﴾ عاقبة أمركم، وما يحل بكم في هذه الدار، وما تصيرون إليه في الدار الآخرة.
وحاصل معنى الآيات (٣): أي ﴿وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ﴾ في أبدانكم من عافيةٍ
(١) روح البيان.
(٢) الشوكاني.
(٣) المراغي.
(٢) الشوكاني.
(٣) المراغي.
251
وصحةٍ وسلامة، وفي أموالكم من نماءٍ وزيادةٍ ﴿فَمِنَ اللَّهِ﴾؛ أي: فالله هو المنعم بها عليكم، والمتفضل بها لا سواه، فبيده الخير، وهو على كل شيء قدير، فيجب عليكم أن تشكروه على هذه النعم المتواصلة، وإحسانه الدائم الذي لا ينقطع، ولقد أجاد من قال:
﴿ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ﴾؛ أي: ثم إذا أصابكم في أبدانكم سقم ومرض، أو حاجة عارضة أو شدة وجهد في العيش ووسائل الحياة. ﴿فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ﴾؛ أي: فإليه تصرخون بالدعاء، وتستغيثون به ليكشف ذلك عنكم، علمًا منكم أنه لا يقدر على إزالة ذلك إلا هو،
٥٤ - ﴿ثُمَّ إِذَا كَشَفَ الضُّرَّ عَنْكُمْ﴾؛ أي: ثم إذا وهب لكم ربكم العافية، ورفع عنكم ما أصابكم من مرض في أبدانكم، أو شدةٍ في معاشكم بتفريج البلاء عنكم.. إذا جماعة منكم يجعلون لله شريكًا في العبادة، فيعبدون الأوثان، ويذبحون لها الذبائح شكرًا لغير من أنعم بالفرج وأزال من الضر.
٥٥ - ﴿لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ﴾؛ أي: قيضنا لهم ذلك لتكون عاقبة أمرهم أن يجحدوا نعم الله عليهم، وأنه هو المسدي لها، وأنه هو الكاشف للنقم عنهم، وقد فعلوا ذلك لسوء استعدادهم وخبث طويتهم، وبما ران على قلوبهم من الكفر والعصيان، فجحدوا فضل الملك الديان، وإحسان صاحب الطول والإحسان، ثم توعدهم على سوء صنيعهم، وأبان لهم عاقبة أمرهم فقال: ﴿فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ﴾؛ أي: فتمتعوا في هذه الحياة الدنيا إلى أن توافيكم آجالكم، وتبلغوا الميقات الذي وقت لحياتكم وتمتعكم فيها، وبعدئذٍ ستصيرون إلى ربكم فتعلمون عند لقائه وبال ما كسبت أيديكم، وسوء مغبة أعمالكم، وتندمون حين لا ينفع الندم.
وقرأ أبو العالية (١): ﴿فَيُمْتَعُوا﴾ بالياء من تحت مضمومة مبنيًّا للمفعول
أحْسِنْ إِلَى النَّاسِ تَسْتَعْبِدْ قُلُوْبَهُمُ | فَطَالَمَا اسْتَعْبَدَ الإِنْسَانَ إِحْسَانُ |
٥٤ - ﴿ثُمَّ إِذَا كَشَفَ الضُّرَّ عَنْكُمْ﴾؛ أي: ثم إذا وهب لكم ربكم العافية، ورفع عنكم ما أصابكم من مرض في أبدانكم، أو شدةٍ في معاشكم بتفريج البلاء عنكم.. إذا جماعة منكم يجعلون لله شريكًا في العبادة، فيعبدون الأوثان، ويذبحون لها الذبائح شكرًا لغير من أنعم بالفرج وأزال من الضر.
٥٥ - ﴿لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ﴾؛ أي: قيضنا لهم ذلك لتكون عاقبة أمرهم أن يجحدوا نعم الله عليهم، وأنه هو المسدي لها، وأنه هو الكاشف للنقم عنهم، وقد فعلوا ذلك لسوء استعدادهم وخبث طويتهم، وبما ران على قلوبهم من الكفر والعصيان، فجحدوا فضل الملك الديان، وإحسان صاحب الطول والإحسان، ثم توعدهم على سوء صنيعهم، وأبان لهم عاقبة أمرهم فقال: ﴿فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ﴾؛ أي: فتمتعوا في هذه الحياة الدنيا إلى أن توافيكم آجالكم، وتبلغوا الميقات الذي وقت لحياتكم وتمتعكم فيها، وبعدئذٍ ستصيرون إلى ربكم فتعلمون عند لقائه وبال ما كسبت أيديكم، وسوء مغبة أعمالكم، وتندمون حين لا ينفع الندم.
وقرأ أبو العالية (١): ﴿فَيُمْتَعُوا﴾ بالياء من تحت مضمومة مبنيًّا للمفعول
(١) البحر المحيط.
ساكن الميم، وهو مضارع متع مخففًا، وهو معطوف على ليكفروا، وقرأ: ﴿فسوف يعلمون﴾ بالياء على الغيبة وقد رواهما مكحول الشامي عن أبي رافع مولى النبي - ﷺ -، والتمتع هنا بالحياة الدنيا ومآلها إلى الزوال.
٥٦ - ثم حكى سبحانه نوعًا آخر من قبائح أعمالهم ﴿وَيَجْعَلُونَ﴾؛ أي: كفار مكة بعد ما وقع منهم الجؤار إلى الله سبحانه في كشف الضر عنهم، وبعد ما يعقب كشفه عنهم من الكفر منهم بالله والإشراك به ﴿لِمَا لَا يَعْلَمُونَ﴾؛ أي للأصنام التي لا يعلم الكفار حقيقتها وقدرها الخسيس، ويعتقدون فيها أنها تنفع وتضر، وتشفع عند الله تعالى، وقيل: المعنى: أنهم؛ أي: الكفار يجعلون للأصنام وهم - أي الأصنام - لا يعلمون شيئًا لكونهم جمادات، ففاعل يعلمون على هذا هي الأصنام، وأجراها مجرى العقلاء في جمعها بالواو والنون جريًا على اعتقاد الكفار فيها.
وحاصل المعنى: ويجعل هؤلاء الكفار للأصنام التي لا تعقل شيئًا ﴿نَصِيبًا﴾؛ أي: حظًّا وجزءًا ﴿مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ﴾؛ أي: من الأموال التي رزقناهم إياها من الزرع والأنعام وغيرهما تقربًا إليها، ﴿فَقَالُوا هَذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَذَا لِشُرَكَائِنَا﴾ وهي؛ أي: الأصنام لا تشعر أجعلوا لها نصيبًا وحظًّا في أنعامهم وزروعهم أم لا، ﴿تَاللَّهِ لَتُسْأَلُنَّ﴾ أيها الكفار يوم القيامة سؤال توبيخ وتقريع ﴿عَمَّا كُنْتُمْ تَفْتَرُونَ﴾ في الدنيا، وتختلقونه من الكذب على الله تعالى بأنها آلهة حقيقة بأن يتقرب إليها؛ أي: أقسم لأسألنكم عما افتريتموه واختلقتموه من الباطل، ولأعاقبنكم على ذلك عقوبة تكون كفاء كفرانكم نعمي وافترائكم عليَّ، ونحو الآية: ﴿فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (٩٢) عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (٩٣)﴾.
٥٧ - ثم ذكر نوعًا آخر من قبائحهم فقال: ﴿وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ﴾ سبحانه وتعالى ﴿الْبَنَاتِ﴾؛ أي: وينسب بعض الكفار البنات إلى الله سبحانه، ويقولون: الملائكة بنات الله، وهم خزاعة وكنانة، وإنَّما (١) أطلقوا لفظ البنات على الملائكة
٥٦ - ثم حكى سبحانه نوعًا آخر من قبائح أعمالهم ﴿وَيَجْعَلُونَ﴾؛ أي: كفار مكة بعد ما وقع منهم الجؤار إلى الله سبحانه في كشف الضر عنهم، وبعد ما يعقب كشفه عنهم من الكفر منهم بالله والإشراك به ﴿لِمَا لَا يَعْلَمُونَ﴾؛ أي للأصنام التي لا يعلم الكفار حقيقتها وقدرها الخسيس، ويعتقدون فيها أنها تنفع وتضر، وتشفع عند الله تعالى، وقيل: المعنى: أنهم؛ أي: الكفار يجعلون للأصنام وهم - أي الأصنام - لا يعلمون شيئًا لكونهم جمادات، ففاعل يعلمون على هذا هي الأصنام، وأجراها مجرى العقلاء في جمعها بالواو والنون جريًا على اعتقاد الكفار فيها.
وحاصل المعنى: ويجعل هؤلاء الكفار للأصنام التي لا تعقل شيئًا ﴿نَصِيبًا﴾؛ أي: حظًّا وجزءًا ﴿مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ﴾؛ أي: من الأموال التي رزقناهم إياها من الزرع والأنعام وغيرهما تقربًا إليها، ﴿فَقَالُوا هَذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَذَا لِشُرَكَائِنَا﴾ وهي؛ أي: الأصنام لا تشعر أجعلوا لها نصيبًا وحظًّا في أنعامهم وزروعهم أم لا، ﴿تَاللَّهِ لَتُسْأَلُنَّ﴾ أيها الكفار يوم القيامة سؤال توبيخ وتقريع ﴿عَمَّا كُنْتُمْ تَفْتَرُونَ﴾ في الدنيا، وتختلقونه من الكذب على الله تعالى بأنها آلهة حقيقة بأن يتقرب إليها؛ أي: أقسم لأسألنكم عما افتريتموه واختلقتموه من الباطل، ولأعاقبنكم على ذلك عقوبة تكون كفاء كفرانكم نعمي وافترائكم عليَّ، ونحو الآية: ﴿فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (٩٢) عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (٩٣)﴾.
٥٧ - ثم ذكر نوعًا آخر من قبائحهم فقال: ﴿وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ﴾ سبحانه وتعالى ﴿الْبَنَاتِ﴾؛ أي: وينسب بعض الكفار البنات إلى الله سبحانه، ويقولون: الملائكة بنات الله، وهم خزاعة وكنانة، وإنَّما (١) أطلقوا لفظ البنات على الملائكة
(١) الخازن.
لاستتارهم عن العيون كالنساء، أو لدخول لفظ التأنيث في تسميتهم، ﴿سُبْحَانَهُ﴾؛ أي: تنزيها له تعالى عن البنات والبنين، وعن كل ما لا يليق به من صفات الحدوث، نزه سبحانه نفسه عما نسبه إليه هؤلاء الجفاة الذين لا عقول لهم صحيحة، ولا أفهام مستقيمة، إن هم إلا كالأنعام، بل هم أضل، وفي هذا التنزيه تعجيب من حالهم، ﴿و﴾ يجعلون ﴿لهم﴾؛ أي: لأنفسهم ﴿مَا يَشْتَهُونَ﴾؛ أي: ما يحبونه؛ أي: ويختارون لأنفسهم الأولاد الذكور، على أنَّ ﴿ما﴾ في محل النصب بالفعل المقدر، ويجوز أن تكون في محل رفع بالابتداء، والظرف المقدم خبره، والجملة حالية، وأنكر النصب الزجاج، وأجازه الفراء.
والمعنى: أي (١) ولقد بلغ من جهل هؤلاء المشركين وعظيم أباطيلهم أنهم يجعلون لمن خلقهم، ودبر شؤونهم، واستحق شكرهم على جزيل نعمائه البنات، إذ قالت خزاعة: الملائكة بنات الله، كما قال عزَّ اسمه: ﴿وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا﴾ وعبدوها مع الله، وقد أخطؤوا في ذلك خطأ كبيرًا، وضلوا ضلالًا بعيدًا، إذ نسبوا إليه الأولاد، ولا أولاد له، وأعطوه منها أخسها وهي البنات، وهم لا يرضونها لأنفسهم، بل لا يرضون إلا البنين، كما قال تعالى: ﴿أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثَى (٢١) تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى (٢٢)﴾، وقال: ﴿أألَا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ (١٥١) وَلَدَ اللَّهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (١٥٢) أَصْطَفَى الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِينَ (١٥٣) مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (١٥٤)﴾.
٥٨ - قال ابن عباس: يقول سبحانه: تجعلون لي البنات ترضونهن لي ولا ترضونهن لأنفسكم، ثم ذكر سبحانه كراهتهم للإناث التي جعلوها لله سبحانه فقال: ﴿وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ﴾؛ أي: أحد هؤلاء الذين جعلوا لله البنات، ﴿بِالْأُنْثَى﴾؛ أي: بولادة أنثى؛ أي: أُخبر بولادة أنثى له ﴿ظَلَّ وَجْهُهُ﴾؛ أي: صار وجهه ﴿مُسْوَدًّا﴾؛ أي: متغيِّر (٢) اللون بما يحصل له من الغم وانكسار القلب، وليس المراد السواد الذي هو ضد البياض، بل المراد الكناية بالسواد عن الانكسار
والمعنى: أي (١) ولقد بلغ من جهل هؤلاء المشركين وعظيم أباطيلهم أنهم يجعلون لمن خلقهم، ودبر شؤونهم، واستحق شكرهم على جزيل نعمائه البنات، إذ قالت خزاعة: الملائكة بنات الله، كما قال عزَّ اسمه: ﴿وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا﴾ وعبدوها مع الله، وقد أخطؤوا في ذلك خطأ كبيرًا، وضلوا ضلالًا بعيدًا، إذ نسبوا إليه الأولاد، ولا أولاد له، وأعطوه منها أخسها وهي البنات، وهم لا يرضونها لأنفسهم، بل لا يرضون إلا البنين، كما قال تعالى: ﴿أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثَى (٢١) تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى (٢٢)﴾، وقال: ﴿أألَا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ (١٥١) وَلَدَ اللَّهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (١٥٢) أَصْطَفَى الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِينَ (١٥٣) مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (١٥٤)﴾.
٥٨ - قال ابن عباس: يقول سبحانه: تجعلون لي البنات ترضونهن لي ولا ترضونهن لأنفسكم، ثم ذكر سبحانه كراهتهم للإناث التي جعلوها لله سبحانه فقال: ﴿وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ﴾؛ أي: أحد هؤلاء الذين جعلوا لله البنات، ﴿بِالْأُنْثَى﴾؛ أي: بولادة أنثى؛ أي: أُخبر بولادة أنثى له ﴿ظَلَّ وَجْهُهُ﴾؛ أي: صار وجهه ﴿مُسْوَدًّا﴾؛ أي: متغيِّر (٢) اللون بما يحصل له من الغم وانكسار القلب، وليس المراد السواد الذي هو ضد البياض، بل المراد الكناية بالسواد عن الانكسار
(١) المراغي.
(٢) الشوكاني.
(٢) الشوكاني.
والتغير الذي يحصل بسبب الغم، والعرب تقول لكل من لقي مكروها قد اسود وجهه غمًّا وحزنًا، قاله الزجاج، وقال الماوردي: بل المراد سواد اللون حقيقة، قال: وهو قول الجمهور، والأولى، فإن المعلوم بالوجدان أن من غضب وحزن واغتم لا يحصل في لونه إلا مجرد التغير، وظهور الكآبة والانكسار لا السواد الحقيقي.
وجملة قوله: ﴿وَهُوَ كَظِيمٌ﴾ في محل نصب على الحال؛ أي: ظل وجهه مسودًّا، والحال أنه مملوء غضبًا على المرأة، لأجل ولادتها الأنثى، ومن هنا (١) أخذ المعبرون من رأى أو روئي له أن وجهه اسودَّ، فإن امرأته تلد أنثى، أو ممتلىءٌ من الغم غيظًا وخنقًا، قال الأخفش: هو الذي يكظم غيظه ولا يظهره،
٥٩ - ﴿يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ﴾؛ أي: يتغيب ويختفي ويستتر من قوله، ﴿مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ﴾؛ أي: من أجل سوء المبشر به، ومن أجل تعييرهم له بها، والتعبير عنها بـ ﴿ما﴾ لإسقاطها عن درجة العقلاء؛ أي: يختفي (٢) منهم من أجل كراهية الأنثى التي بشر وأخبر بها، من حيث كونها لا تكتسب، وكونها يخاف عليها الزنا، وكان الرجل في الجاهلية إذا ظهر آثار الطلق بأمرته.. اختفى عن القوم، إلى أن يعلم ما يولد له، فإن كان ذكرًا.. فرح به، وإن كان أنثى.. حزن ولم يظهر للناس أيَّامًا، يدبر فيها ماذا يصنع بها، وذلك قوله تعالى: ﴿أَيُمْسِكُهُ﴾ تذكير الضمير باعتبار لفظ ﴿ما﴾؛ أي: أيمسك ذلك المولود ويتركه ﴿عَلَى هُونٍ﴾؛ أي: مع ذُلٍّ وتعيير يلحقه بسببها؛ أي: يحفظ ما بشر به من الأنثى، ويتركه بلا دفْنٍ مع رضاه بذل نفسه، فقوله: ﴿عَلَى هُونٍ﴾ إمَّا (٣) حال من الفاعل؛ أي: يمسكها مع رضاه بهوان نفس، أو من المفعول، أي: يمسكها مهانة ذليلة للعمل والاستقاء والخدمة، ﴿أَمْ يَدُسُّهُ﴾ ويخفيه ﴿فِي التُّرَابِ﴾ بالوأد؛ أي: دفنها حية؛ أي: إذا بشر حدهم بالأنثى.. يكون مترددًا بين أمرين، إما أن يمسكه على هون، وإما أن
وجملة قوله: ﴿وَهُوَ كَظِيمٌ﴾ في محل نصب على الحال؛ أي: ظل وجهه مسودًّا، والحال أنه مملوء غضبًا على المرأة، لأجل ولادتها الأنثى، ومن هنا (١) أخذ المعبرون من رأى أو روئي له أن وجهه اسودَّ، فإن امرأته تلد أنثى، أو ممتلىءٌ من الغم غيظًا وخنقًا، قال الأخفش: هو الذي يكظم غيظه ولا يظهره،
٥٩ - ﴿يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ﴾؛ أي: يتغيب ويختفي ويستتر من قوله، ﴿مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ﴾؛ أي: من أجل سوء المبشر به، ومن أجل تعييرهم له بها، والتعبير عنها بـ ﴿ما﴾ لإسقاطها عن درجة العقلاء؛ أي: يختفي (٢) منهم من أجل كراهية الأنثى التي بشر وأخبر بها، من حيث كونها لا تكتسب، وكونها يخاف عليها الزنا، وكان الرجل في الجاهلية إذا ظهر آثار الطلق بأمرته.. اختفى عن القوم، إلى أن يعلم ما يولد له، فإن كان ذكرًا.. فرح به، وإن كان أنثى.. حزن ولم يظهر للناس أيَّامًا، يدبر فيها ماذا يصنع بها، وذلك قوله تعالى: ﴿أَيُمْسِكُهُ﴾ تذكير الضمير باعتبار لفظ ﴿ما﴾؛ أي: أيمسك ذلك المولود ويتركه ﴿عَلَى هُونٍ﴾؛ أي: مع ذُلٍّ وتعيير يلحقه بسببها؛ أي: يحفظ ما بشر به من الأنثى، ويتركه بلا دفْنٍ مع رضاه بذل نفسه، فقوله: ﴿عَلَى هُونٍ﴾ إمَّا (٣) حال من الفاعل؛ أي: يمسكها مع رضاه بهوان نفس، أو من المفعول، أي: يمسكها مهانة ذليلة للعمل والاستقاء والخدمة، ﴿أَمْ يَدُسُّهُ﴾ ويخفيه ﴿فِي التُّرَابِ﴾ بالوأد؛ أي: دفنها حية؛ أي: إذا بشر حدهم بالأنثى.. يكون مترددًا بين أمرين، إما أن يمسكه على هون، وإما أن
(١) روح البيان.
(٢) المراح.
(٣) روح البيان.
(٢) المراح.
(٣) روح البيان.
255
يدسه في التراب، فيفعل ما ظهر له من الأمرين، فالعرب (١) كانوا مختلفين في قتل البنات، فمنهم من يحفر الحفيرة ويدفنها فيها إلى أن تموت، ومنهم من يرميها من شاهق جبل، ومنهم من يغرقها، ومنهم من يذبحها، وهم كانوا يفعلون ذلك تارةً للغيرة والحمية، وتارةً خوفًا من الفقر ولزوم النفقة، ولقد بلغ بهم المقت إلى أن يهجر بعضهم البيت الذي فيه المرأة إذا ولدت أنثى، ﴿أَلَا﴾ حرف تنبيه ﴿سَاءَ﴾ لإنشاء الذم؛ أي: انتهبوا واستمعوا ما أقول لكم: ساء وقبح ﴿مَا يَحْكُمُونَ﴾؛ أي: ما يحكم هؤلاء المشركون في حق الله تعالى، وفي حق أنفسهم، حيث أضافوا البنات التي يكرهونها إلى الله سبحانه، وأضافوا البنين المحبوبين عندهم إلى أنفسهم، والمخصوص بالذم حكمهم هذا.
والمعنى: أي وإذا (٢) بشر أحد هؤلاء الذين جعلوا لله البنات بولادة أنثى.. ظل وجهه مسودًا كئيبًا من الهم، ممتلئًا غيظًا وخنقًا من شدة ما هو فيه من الحزن، يتوارى من الناس خجلًا واستحياءً، ولا يود أن يراه أحد من مساءته بما بشِّر بها، ويدور بخلده أحد أمرين: إما أن يمسكها ويبقيها بقاء ذلة وهوان، فلا يورثها ولا يعني بها، بل يفضل الذكور عليها، وإما أن يدسها في التراب، ويدفنها وهي حية، وذلك هو الوأد المذكور، في قوله تعالى: ﴿وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ (٨) بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ (٩)﴾.
ومعنى قوله: ﴿أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ﴾؛ أي: بئس (٣) ما قالوا، وبئس ما قسموا، وبئس ما نسبوه إليه، فإنهم بالغوا في استنكاف من البنت من وجوه:
١ - اسوداد الوجه.
٢ - الاختفاء من القوم من شدة نفرتهم منها.
٣ - أنهم يقدمون على قتلها ووأدها خشية العار، أو خوف الجوع والفقر.
والمعنى: أي وإذا (٢) بشر أحد هؤلاء الذين جعلوا لله البنات بولادة أنثى.. ظل وجهه مسودًا كئيبًا من الهم، ممتلئًا غيظًا وخنقًا من شدة ما هو فيه من الحزن، يتوارى من الناس خجلًا واستحياءً، ولا يود أن يراه أحد من مساءته بما بشِّر بها، ويدور بخلده أحد أمرين: إما أن يمسكها ويبقيها بقاء ذلة وهوان، فلا يورثها ولا يعني بها، بل يفضل الذكور عليها، وإما أن يدسها في التراب، ويدفنها وهي حية، وذلك هو الوأد المذكور، في قوله تعالى: ﴿وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ (٨) بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ (٩)﴾.
ومعنى قوله: ﴿أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ﴾؛ أي: بئس (٣) ما قالوا، وبئس ما قسموا، وبئس ما نسبوه إليه، فإنهم بالغوا في استنكاف من البنت من وجوه:
١ - اسوداد الوجه.
٢ - الاختفاء من القوم من شدة نفرتهم منها.
٣ - أنهم يقدمون على قتلها ووأدها خشية العار، أو خوف الجوع والفقر.
(١) المراح.
(٢) المراغي.
(٣) المراغي.
(٢) المراغي.
(٣) المراغي.
256
قرأ الجحدري (١): ﴿أيمسكها على هوان أم يدسها﴾ بالتأنيث عودًا على قوله: بالأنثى، أو على معنى ما بُشِّر به، ووافقه عيسى على قراءة، هوان على وزن فعال، وقرأت فرقة: ﴿أيمسكه﴾ بضمير التذكير ﴿أم يَدُسُّها﴾ بضمير التأنيث، وقرأت فرقة: ﴿على هون﴾ بفتح الهاء، وقرأ الأعمش: ﴿على سوء﴾، وهي عندي تفسير لا قراءة، لمخالفتها السواد المجمع عليه.
٦٠ - ثم جعل تذييلا لما تقدم قوله: ﴿لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ﴾؛ أي: للذين لا يصدقون بالمعاد والثواب والعقاب من المشركين الذين ذكرت قبائحهم ﴿مَثَلُ السَّوْءِ﴾؛ أي: الصفة القبيحة من حاجتهم إلى الولد ليقوم مقامهم بعد موتهم، وتفضيلهم للذكور للاستظهار بهم، ووأدهم للبنات خشية العار أو الفقر، وذلك يومئ إلى العجز والقصور والشح البالغ أقصى غاية.
﴿وَلِلَّهِ﴾ سبحانه وتعالى ﴿الْمَثَلُ الْأَعْلَى﴾؛ أي: الصفة العليا العجيبة الشأن، وهي صفة الألوهية المنزهة عن صفات المخلوقين، وهي أنه الواحد المنزه عن الولد، وأنه لا إله إلَّا هو، وله صفات الكمال والجلال من القدرة والعلم والإرادة ونحو ذلك، ﴿وَهُوَ الْعَزِيزُ﴾؛ أي: المنيع الذي لا يغالب، فلا يضره نسبتهم إليه ما لا يليق به، ﴿الْحَكِيمُ﴾ الذي لا يفعل إلا ما تقتضيه الحكمة البالغة.
٦١ - ثم لمَّا حكى سبحانه عن القوم عظيم كفرهم.. بين سعة كرمه وحلمه، حيث لم يعاجلهم بالعقوية، ولم يؤاخذهم بظلمهم فقال: ﴿وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ﴾ فاعل هنا بمعنى فعل؛ أي: ولو أخذ الله سبحانه وتعالى ﴿النَّاسَ﴾؛ أي: الكفار أو جميع العصاة ﴿بِظُلْمِهِمْ﴾؛ أي: بسبب كفرهم ومعاصيهم.. ﴿مَا تَرَكَ عَلَيْهَا﴾؛ أي: على الأرض المدلول عليها بالناس، وبقوله: ﴿مِنْ دَابَّةٍ﴾؛ لأنها ما يدب على الأرض، وتقول العرب (٢): فلان أفضل من عليها، وفلان أكرم من تحتها، فيردون الكناية إلى الأرض والسماء من غير سبق ذكر، لظهور الأمر بين يدي كل
٦٠ - ثم جعل تذييلا لما تقدم قوله: ﴿لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ﴾؛ أي: للذين لا يصدقون بالمعاد والثواب والعقاب من المشركين الذين ذكرت قبائحهم ﴿مَثَلُ السَّوْءِ﴾؛ أي: الصفة القبيحة من حاجتهم إلى الولد ليقوم مقامهم بعد موتهم، وتفضيلهم للذكور للاستظهار بهم، ووأدهم للبنات خشية العار أو الفقر، وذلك يومئ إلى العجز والقصور والشح البالغ أقصى غاية.
﴿وَلِلَّهِ﴾ سبحانه وتعالى ﴿الْمَثَلُ الْأَعْلَى﴾؛ أي: الصفة العليا العجيبة الشأن، وهي صفة الألوهية المنزهة عن صفات المخلوقين، وهي أنه الواحد المنزه عن الولد، وأنه لا إله إلَّا هو، وله صفات الكمال والجلال من القدرة والعلم والإرادة ونحو ذلك، ﴿وَهُوَ الْعَزِيزُ﴾؛ أي: المنيع الذي لا يغالب، فلا يضره نسبتهم إليه ما لا يليق به، ﴿الْحَكِيمُ﴾ الذي لا يفعل إلا ما تقتضيه الحكمة البالغة.
٦١ - ثم لمَّا حكى سبحانه عن القوم عظيم كفرهم.. بين سعة كرمه وحلمه، حيث لم يعاجلهم بالعقوية، ولم يؤاخذهم بظلمهم فقال: ﴿وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ﴾ فاعل هنا بمعنى فعل؛ أي: ولو أخذ الله سبحانه وتعالى ﴿النَّاسَ﴾؛ أي: الكفار أو جميع العصاة ﴿بِظُلْمِهِمْ﴾؛ أي: بسبب كفرهم ومعاصيهم.. ﴿مَا تَرَكَ عَلَيْهَا﴾؛ أي: على الأرض المدلول عليها بالناس، وبقوله: ﴿مِنْ دَابَّةٍ﴾؛ لأنها ما يدب على الأرض، وتقول العرب (٢): فلان أفضل من عليها، وفلان أكرم من تحتها، فيردون الكناية إلى الأرض والسماء من غير سبق ذكر، لظهور الأمر بين يدي كل
(١) البحر المحيط.
(٢) روح البيان.
(٢) روح البيان.
متكلم وسامع، ولم يقل على ظهرها احترازًا من الجمع بين الظاءين في كلام واحد، وهو ﴿لَوْ﴾ وجوابه، فإنه ثقيل في كلام العرب.
والمعنى: أي ولو يؤاخذ الله كفار بني آدم وعصاتهم بكفرهم ومعاصيهم.. ما ترك على ظهر الأرض دابةً تدب عليها، بل أهلكها بالكلية، بشؤم ظلم الظالمين، كقوله تعالى: ﴿وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً﴾ فهلاك الدواب بآجالها، وهلاك الناس عقوبة.
وأخرج البيهقي وغيره عن أبي هريرة أنه سمع رجلًا يقول: إنّ الظالم لا يضر إلا نفسه، فقال: لا والله، بل إن الحبارى في وكرها لتموت من ظلم الظالم.
وعن ابن مسعود - رضي الله عنه -: لو عذب الله الخلائق بذنوب بني آدم.. لأصاب العذاب جميع الخلائق، حتى الجُعْلان في جحرها، ولأمسكت السماء عن الإمطار، ولكن أخرهم بالعفو والفضل، ثم تلا هذه الآية.
﴿وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ﴾؛ أي: ولكن بحلمه يؤخر هؤلاء الظلمة الكفرة، فلا يعاجلهم بالعقوبة، بل يمهلهم ﴿إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى﴾؛ أي: إلى أجل معين معلوم، سماه الله وعينه لعذابهم أو لأعمارهم؛ كي يكثر عذابهم، أو يتوالدوا ويتناسلوا ﴿فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ﴾ المسمى ﴿لَا يَسْتَأْخِرُونَ﴾ عن ذلك الأجل؛ أي: لا يستأخرون، وصيغة استفعل هنا للإشعار بعجزهم عنه مع طلبهم له، ﴿سَاعَةً﴾؛ أي: أقصر وقت، وهو مثل في القلة، ﴿وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ﴾ عليه ساعة؛ أي: لا يتقدمون عليه، وإنما (١) تعرض لذكره مع أنه لا يتصور الاستقدام عند مجيء الأجل مبالغة في عدم الاستئخار بنظمه في سلك ما يمتنع.
والمعنى: فإذا جاء الوقت الذي وقت لهلاكهم.. لا يتأخرون عن الهلاك ساعة فيمهلون، ولا يتقدمون قبله، حتى يستوفوا أعمارهم،
٦٢ - ﴿وَيَجْعَلُونَ لِلَّه﴾ سبحانه
والمعنى: أي ولو يؤاخذ الله كفار بني آدم وعصاتهم بكفرهم ومعاصيهم.. ما ترك على ظهر الأرض دابةً تدب عليها، بل أهلكها بالكلية، بشؤم ظلم الظالمين، كقوله تعالى: ﴿وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً﴾ فهلاك الدواب بآجالها، وهلاك الناس عقوبة.
وأخرج البيهقي وغيره عن أبي هريرة أنه سمع رجلًا يقول: إنّ الظالم لا يضر إلا نفسه، فقال: لا والله، بل إن الحبارى في وكرها لتموت من ظلم الظالم.
وعن ابن مسعود - رضي الله عنه -: لو عذب الله الخلائق بذنوب بني آدم.. لأصاب العذاب جميع الخلائق، حتى الجُعْلان في جحرها، ولأمسكت السماء عن الإمطار، ولكن أخرهم بالعفو والفضل، ثم تلا هذه الآية.
﴿وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ﴾؛ أي: ولكن بحلمه يؤخر هؤلاء الظلمة الكفرة، فلا يعاجلهم بالعقوبة، بل يمهلهم ﴿إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى﴾؛ أي: إلى أجل معين معلوم، سماه الله وعينه لعذابهم أو لأعمارهم؛ كي يكثر عذابهم، أو يتوالدوا ويتناسلوا ﴿فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ﴾ المسمى ﴿لَا يَسْتَأْخِرُونَ﴾ عن ذلك الأجل؛ أي: لا يستأخرون، وصيغة استفعل هنا للإشعار بعجزهم عنه مع طلبهم له، ﴿سَاعَةً﴾؛ أي: أقصر وقت، وهو مثل في القلة، ﴿وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ﴾ عليه ساعة؛ أي: لا يتقدمون عليه، وإنما (١) تعرض لذكره مع أنه لا يتصور الاستقدام عند مجيء الأجل مبالغة في عدم الاستئخار بنظمه في سلك ما يمتنع.
والمعنى: فإذا جاء الوقت الذي وقت لهلاكهم.. لا يتأخرون عن الهلاك ساعة فيمهلون، ولا يتقدمون قبله، حتى يستوفوا أعمارهم،
٦٢ - ﴿وَيَجْعَلُونَ لِلَّه﴾ سبحانه
(١) روح البيان.
258
وتعالى، أي: يجعل هؤلاء المشركون لله تعالى وينسبون إليه سبحانه ﴿مَا يَكْرَهُونَ﴾ لأنفسهم من البنات والشركاء في الرياسة، ﴿و﴾ مع ذلك ﴿تصف﴾؛ أي: تقول ﴿أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ﴾ مفعول تصف، وهو أي ذلك الكذب: ﴿أَنَّ لَهُمُ﴾ عند الله تعالى ﴿الْحُسْنَى﴾؛ أي: العاقبة الحسنى، وهي الجنة على تقدير وجودها إن كان البعث حقًّا، كقوله تعالى: ﴿وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلَى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنَى﴾، فلا ينافي قولهم: لا يبعث الله من يموت، فإنه يكفي في صحته الفرض والتقدير، وجملة أنَّ مع معموليها بدل كل من ﴿الْكَذِبَ﴾.
والمعنى: ويكذبون (١) فيما يدعون، إذ يزعمون أن لهم العاقبة الحسنى عند الله، وهي الجنة على تقدير وجودها، فقد روي أنهم قالوا إن كان محمدٌ صادقًا في البعث.. فلنا الجنة بما نحن عليه، فرد الله عليهم مقالهم بقوله: ﴿لَا جَرَمَ﴾؛ أي: حق وثبت ﴿أَنَّ لَهُمُ النَّارَ﴾؛ أي: كون عذاب النار لهم بدل ما جعلوه لأنفسهم من الحسنى، ﴿و﴾ لا جرم ﴿أنهم مفرطون﴾؛ أي: مقدمون إلى النار معجلون إليها، أو متروكون منسيون فيها. وقرأ (٢) الحسن ومجاهد: ﴿باختلاف ألسنتْهم﴾ بإسكان التاء، وهي لغة تميم، جمع لسانًا المذكر، نحو حمار وأحمرة، وفي التأنيث ألسن كذراع وأذرع، وقرأ معاذ بن جبل وبعض أهل الشام: ﴿الكذب﴾ بضم الكاف والذال والباء صفة للألسن، جمع كذوب كصبور وصبر، وهو مقيس، أو جمع كاذب كشارفٍ وشرفٍ، ولا ينقاس وعلى هذه القراءة ﴿أنَّ لهم﴾ مفعول تصف، وقر الحسن وعيسى بن عمر: ﴿إنَّ لهم﴾ بكسر الهمزة، وإنَّ جواب قسم أغنت عنه لا جرم، وقرأ ابن عباس وابن مسعود وأبو رجاء وشيبة ونافع وأكثر أهل المدينة: ﴿مُفْرِطُونَ﴾ بكسر الراء، من أفرط حقيقةً؛ أي: متجاوزين الحد في معاصي الله، وباقي السبعة والحسن والأعرج وأصحاب ابن عباس ونافع في رواية: بفتح الراء، من أفرطته إلى كذا قدمته، معدى بالهمزة، من فرط إلى كذا تقدم إليه، وقرأ أبو جعفر: ﴿مفرَّطون﴾ مشدد من
والمعنى: ويكذبون (١) فيما يدعون، إذ يزعمون أن لهم العاقبة الحسنى عند الله، وهي الجنة على تقدير وجودها، فقد روي أنهم قالوا إن كان محمدٌ صادقًا في البعث.. فلنا الجنة بما نحن عليه، فرد الله عليهم مقالهم بقوله: ﴿لَا جَرَمَ﴾؛ أي: حق وثبت ﴿أَنَّ لَهُمُ النَّارَ﴾؛ أي: كون عذاب النار لهم بدل ما جعلوه لأنفسهم من الحسنى، ﴿و﴾ لا جرم ﴿أنهم مفرطون﴾؛ أي: مقدمون إلى النار معجلون إليها، أو متروكون منسيون فيها. وقرأ (٢) الحسن ومجاهد: ﴿باختلاف ألسنتْهم﴾ بإسكان التاء، وهي لغة تميم، جمع لسانًا المذكر، نحو حمار وأحمرة، وفي التأنيث ألسن كذراع وأذرع، وقرأ معاذ بن جبل وبعض أهل الشام: ﴿الكذب﴾ بضم الكاف والذال والباء صفة للألسن، جمع كذوب كصبور وصبر، وهو مقيس، أو جمع كاذب كشارفٍ وشرفٍ، ولا ينقاس وعلى هذه القراءة ﴿أنَّ لهم﴾ مفعول تصف، وقر الحسن وعيسى بن عمر: ﴿إنَّ لهم﴾ بكسر الهمزة، وإنَّ جواب قسم أغنت عنه لا جرم، وقرأ ابن عباس وابن مسعود وأبو رجاء وشيبة ونافع وأكثر أهل المدينة: ﴿مُفْرِطُونَ﴾ بكسر الراء، من أفرط حقيقةً؛ أي: متجاوزين الحد في معاصي الله، وباقي السبعة والحسن والأعرج وأصحاب ابن عباس ونافع في رواية: بفتح الراء، من أفرطته إلى كذا قدمته، معدى بالهمزة، من فرط إلى كذا تقدم إليه، وقرأ أبو جعفر: ﴿مفرَّطون﴾ مشدد من
(١) المراغي.
(٢) البحر المحيط.
(٢) البحر المحيط.
259
فرط؛ أي: مقصرون مضيعون، وعنه أيضًا فتح الراء وشدها؛ أي: مقدمون من فرطته المعدى بالتضعيف من فرط بمعنى تقدم.
٦٣ - ثم بين (١) سبحانه أنَّ هذا الصنيع الذي صدر من قريش قد حدث مثله من الأمم السالفة في حق أنبيائهم، فقال مسلِّيًا رسوله على ما كان يناله من الغم بسبب جهالاتهم: ﴿تَاللَّهِ لَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ﴾؛ أي: والله لقد أرسلنا رسلًا من قبلك إلى أممهم بمثل ما أرسلناك به إلى أمتك من الدعاء إلى توحيد الله تعالى، وإخلاص العبادة له، وخلع الأنداد والأوثان ﴿فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ﴾؛ أي: فحسن لهم الشيطان أعمالهم القبيحة، من الكفر بالله والتكذيب بالرسل وعبادة الأوثان، فكذبوا رسلهم، وردوا عليهم ما جاءوا به من عند ربهم، وما كان ناصرهم فيما اختاروا إلا الشيطان، ﴿فَهُوَ﴾؛ أي: الشيطان ﴿وَلِيُّهُمُ﴾؛ أي: ناصرهم وقرينهم ومتولي أمورهم ﴿الْيَوْمَ﴾؛ أي: في الدنيا بإغوائهم وإضلالهم، وبئس الناصر والقرين، ﴿وَلَهُمْ﴾ في الآخرة ﴿عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾، هو عذاب النار حين ورودهم إلى ربهم، إذ لا تنفعهم إذ ذاك ولاية الشيطان، كما لا تنفعهم في الدنيا، وعبارة "الشوكاني" هنا: ويحتمل (٢) أن يكون اليوم عبارة عن زمان الدنيا، فيكون المعنى: فهو قرينهم في الدنيا، ويحتمل أن يكون اليوم عبارة عن يوم القيامة وما بعده، فيكون للحال الآتية، ويكون الولي بمعنى الناصر، والمراد نفي الناصر عنهم على أبلغ الوجوه، لأن الشيطان لا يتصور منه النصرة أصلًا في الدار الآخرة، وإذا كان الناصر منحصرًا فيه.. لزم أن لا نصرة من غيره، ويحتمل يراد باليوم بعض زمان الدنيا، وهو على وجهين:
الأول: أن يراد البعض الذي قد مضى، وهو الذي وقع فيه التزيين من الشيطان للأمم الماضية، فيكون على طريق الحكاية للحال الماضية.
والثاني: أن يراد البعض الحاضر، وهو وقت نزول الآية، والمراد تزيين
٦٣ - ثم بين (١) سبحانه أنَّ هذا الصنيع الذي صدر من قريش قد حدث مثله من الأمم السالفة في حق أنبيائهم، فقال مسلِّيًا رسوله على ما كان يناله من الغم بسبب جهالاتهم: ﴿تَاللَّهِ لَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ﴾؛ أي: والله لقد أرسلنا رسلًا من قبلك إلى أممهم بمثل ما أرسلناك به إلى أمتك من الدعاء إلى توحيد الله تعالى، وإخلاص العبادة له، وخلع الأنداد والأوثان ﴿فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ﴾؛ أي: فحسن لهم الشيطان أعمالهم القبيحة، من الكفر بالله والتكذيب بالرسل وعبادة الأوثان، فكذبوا رسلهم، وردوا عليهم ما جاءوا به من عند ربهم، وما كان ناصرهم فيما اختاروا إلا الشيطان، ﴿فَهُوَ﴾؛ أي: الشيطان ﴿وَلِيُّهُمُ﴾؛ أي: ناصرهم وقرينهم ومتولي أمورهم ﴿الْيَوْمَ﴾؛ أي: في الدنيا بإغوائهم وإضلالهم، وبئس الناصر والقرين، ﴿وَلَهُمْ﴾ في الآخرة ﴿عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾، هو عذاب النار حين ورودهم إلى ربهم، إذ لا تنفعهم إذ ذاك ولاية الشيطان، كما لا تنفعهم في الدنيا، وعبارة "الشوكاني" هنا: ويحتمل (٢) أن يكون اليوم عبارة عن زمان الدنيا، فيكون المعنى: فهو قرينهم في الدنيا، ويحتمل أن يكون اليوم عبارة عن يوم القيامة وما بعده، فيكون للحال الآتية، ويكون الولي بمعنى الناصر، والمراد نفي الناصر عنهم على أبلغ الوجوه، لأن الشيطان لا يتصور منه النصرة أصلًا في الدار الآخرة، وإذا كان الناصر منحصرًا فيه.. لزم أن لا نصرة من غيره، ويحتمل يراد باليوم بعض زمان الدنيا، وهو على وجهين:
الأول: أن يراد البعض الذي قد مضى، وهو الذي وقع فيه التزيين من الشيطان للأمم الماضية، فيكون على طريق الحكاية للحال الماضية.
والثاني: أن يراد البعض الحاضر، وهو وقت نزول الآية، والمراد تزيين
(١) المراغي.
(٢) الشوكاني.
(٢) الشوكاني.
الشيطان لكفار قريش، فيكون الضمير في ﴿وليهم﴾ لكفار قريش؛ أي فهو ولي هؤلاء اليوم، أو على حذف. (*)
الإعراب
﴿وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (٤١) الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (٤٢)﴾.
﴿وَالَّذِينَ﴾: اسم موصول مبني على الفتح في محل رفع مبتدأ. ﴿هَاجَرُوا﴾: فعل وفاعل، وجملة ﴿هَاجَرُوا﴾ صلة الموصول لا محل لها من الإعراب. ﴿فِي اللَّهِ﴾: جار ومجرور متعلقان بالفعل ﴿هَاجَرُوا﴾ وحرف الجر ﴿فِي﴾ للتعليل؛ أي: لإقامة دين الله ﴿مِنْ بَعْدِ﴾: جار ومجرور متعلقان بحال ﴿مَا﴾ مصدرية. ﴿ظُلِمُوا﴾: فعل وفاعل و ﴿مَا﴾ المصدرية مؤولة مع مدخولها بمصدر مضاف إلى بعد؛ أي: من بعد ظلمهم بالأذى من أهل مكة ﴿لَنُبَوِّئَنَّهُمْ﴾ اللام: موطئة للقسم ﴿نبوئنهم﴾: فعل ومفعول به، وجملة ﴿نبوئنهم﴾ خبر اسم الموصول ﴿وَالَّذِينَ﴾. ﴿فِي الدُّنْيَا﴾: جار ومجرور متعلقان بحال ﴿حَسَنَةً﴾: صفة لمصدر محذوف؛ أي: ثبوته حسنة، فهي نائب مفعول مطلق، ولك أن تقربها مفعولًا ثانيًا لـ ﴿نبوئنهم﴾ لتضمن معناه نعطينهم، فتكون صفة لمحذوف، أي: دارًا حسنة ﴿وَلَأَجْرُ﴾: ﴿الواو﴾ حالية، و ﴿اللام﴾ للابتداء ﴿أجر﴾: مبتدأ ﴿الْآخِرَةِ﴾: مضاف إليه ﴿أَكْبَرُ﴾: خبر ﴿لَوْ﴾ شرطية ﴿كَانُوا﴾ ماض ناقص، والواو اسمها وجملة ﴿يَعْلَمُونَ﴾ خبره، وجملة ﴿كان﴾ فعل شرط لـ ﴿لَوْ﴾، وجواب ﴿لَوْ﴾ محذوف، تقديره: لوافقوهم في الدين، وجملة ﴿لَوْ﴾ مستأنفة. ﴿الَّذِينَ﴾: خبر لمبتدأ محذوف تقديره: هم الذين، والجملة مستأنفة، وجملة ﴿صَبَرُوا﴾ صلة الموصول، ﴿وَعَلَى رَبِّهِمْ﴾: متعلق بما بعده، وجملة ﴿يَتَوَكَّلُونَ﴾ معطوف على ﴿صَبَرُوا﴾.
﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (٤٣)﴾.
الإعراب
﴿وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (٤١) الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (٤٢)﴾.
﴿وَالَّذِينَ﴾: اسم موصول مبني على الفتح في محل رفع مبتدأ. ﴿هَاجَرُوا﴾: فعل وفاعل، وجملة ﴿هَاجَرُوا﴾ صلة الموصول لا محل لها من الإعراب. ﴿فِي اللَّهِ﴾: جار ومجرور متعلقان بالفعل ﴿هَاجَرُوا﴾ وحرف الجر ﴿فِي﴾ للتعليل؛ أي: لإقامة دين الله ﴿مِنْ بَعْدِ﴾: جار ومجرور متعلقان بحال ﴿مَا﴾ مصدرية. ﴿ظُلِمُوا﴾: فعل وفاعل و ﴿مَا﴾ المصدرية مؤولة مع مدخولها بمصدر مضاف إلى بعد؛ أي: من بعد ظلمهم بالأذى من أهل مكة ﴿لَنُبَوِّئَنَّهُمْ﴾ اللام: موطئة للقسم ﴿نبوئنهم﴾: فعل ومفعول به، وجملة ﴿نبوئنهم﴾ خبر اسم الموصول ﴿وَالَّذِينَ﴾. ﴿فِي الدُّنْيَا﴾: جار ومجرور متعلقان بحال ﴿حَسَنَةً﴾: صفة لمصدر محذوف؛ أي: ثبوته حسنة، فهي نائب مفعول مطلق، ولك أن تقربها مفعولًا ثانيًا لـ ﴿نبوئنهم﴾ لتضمن معناه نعطينهم، فتكون صفة لمحذوف، أي: دارًا حسنة ﴿وَلَأَجْرُ﴾: ﴿الواو﴾ حالية، و ﴿اللام﴾ للابتداء ﴿أجر﴾: مبتدأ ﴿الْآخِرَةِ﴾: مضاف إليه ﴿أَكْبَرُ﴾: خبر ﴿لَوْ﴾ شرطية ﴿كَانُوا﴾ ماض ناقص، والواو اسمها وجملة ﴿يَعْلَمُونَ﴾ خبره، وجملة ﴿كان﴾ فعل شرط لـ ﴿لَوْ﴾، وجواب ﴿لَوْ﴾ محذوف، تقديره: لوافقوهم في الدين، وجملة ﴿لَوْ﴾ مستأنفة. ﴿الَّذِينَ﴾: خبر لمبتدأ محذوف تقديره: هم الذين، والجملة مستأنفة، وجملة ﴿صَبَرُوا﴾ صلة الموصول، ﴿وَعَلَى رَبِّهِمْ﴾: متعلق بما بعده، وجملة ﴿يَتَوَكَّلُونَ﴾ معطوف على ﴿صَبَرُوا﴾.
﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (٤٣)﴾.
(*) قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: تفسير آية رقم ٦٤ غير موجود بالمطبوع
261
﴿وَمَا أَرْسَلْنَا﴾ ﴿الواو﴾: استئنافية، ﴿ما﴾: نافية، ﴿أَرْسَلْنَا﴾: فعل وفاعل، ﴿مِنْ قَبْلِكَ﴾: متعلق بـ ﴿أَرْسَلْنَا﴾، ﴿إِلَّا﴾: أداة استثناء مفرغ، ﴿رِجَالًا﴾: مفعول به، والجملة الفعلية مستأنفة، ﴿نُوحِي﴾: فعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على ﴿اللهِ﴾. ﴿إِلَيْهِمْ﴾: متعلق به، وجملة ﴿نُوحِي﴾ صفة لـ ﴿رِجَالًا﴾. ﴿فَاسْأَلُوا﴾ ﴿الفاء﴾: واقعة في جواب شرط مقدر، تقديره: إن شككتم فيما ذكر.. فاسألوا أهل الذكر، ﴿اسألوا أهل الذكر﴾: فعل وفاعل ومفعول، والجملة الفعلية في محل الجزم بالشرط، وجملة الشرط المقدر مستأنفة. ﴿إِن﴾: حرف شرط، ﴿كُنْتُمْ﴾: فعل ناقص واسمه، وجملة ﴿لَا تَعْلَمُونَ﴾ خبره، وجملة ﴿كان﴾ في محل الجزم بـ ﴿أن﴾ الشرطية، على كونها فعل شرط لها، وجواب ﴿إِنْ﴾ الشرطية محذوف تقديره: إن كنتم لا تعلمون ذلك فإنهم يعلمونه، وجملة ﴿إِنْ﴾ الشرطية مستأنفة.
﴿بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (٤٤)﴾.
﴿بِالْبَيِّنَاتِ﴾: جار ومجرور صفة لـ ﴿رِجَالًا﴾ ﴿وَالزُّبُرِ﴾: معطوف على البينات؛ أي: رجالًا متلبسين بالبينات الزبر، وهذا أحسن الأعاريب فيه، السالم من الاعتراض كما ذكره الزمخشري، ﴿وَأَنْزَلْنَا﴾: فعل وفاعل، ﴿إِلَيْكَ﴾: متعلق به، ﴿الذِّكْرَ﴾ مفعول به، والجملة معطوفة على جملة قوله: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا﴾ ﴿لِتُبَيِّنَ﴾ ﴿اللام﴾: حرف جر وتعليل، ﴿تبين﴾: فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد لام كي، وفاعله ضمير يعود على محمَّد. ﴿لِلنَّاسِ﴾: متعلق به، ﴿مَا﴾: موصولة أو موصوفة في محل النصب مفعول به، وجملة ﴿تبين﴾ مع أن المضمرة في تأويل مصدر مجرور باللام، تقديره: لتَبِيينِكَ للناس، الجار والمجرور متعلق بـ ﴿أنزلنا﴾ ﴿نُزِّلَ﴾: فعل ماض مغير الصيغة، ونائب فاعله ضمير يعود على ﴿مَا﴾، ﴿إِلَيْهِمْ﴾: متعلق بـ ﴿نُزِّلَ﴾، وجملة ﴿نُزِّلَ﴾ صلةٌ لـ ﴿مَا﴾ أو صفة لها، ﴿وَلَعَلَّهُمْ﴾ ناصب واسمه، وجملة ﴿يَتَفَكَّرُونَ﴾ خبره، وجملة ﴿لعل﴾ في محل جر بلام التعليل المقدرة، تقديره: ولإرادة تفكرهم فيه؛ لأن
﴿بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (٤٤)﴾.
﴿بِالْبَيِّنَاتِ﴾: جار ومجرور صفة لـ ﴿رِجَالًا﴾ ﴿وَالزُّبُرِ﴾: معطوف على البينات؛ أي: رجالًا متلبسين بالبينات الزبر، وهذا أحسن الأعاريب فيه، السالم من الاعتراض كما ذكره الزمخشري، ﴿وَأَنْزَلْنَا﴾: فعل وفاعل، ﴿إِلَيْكَ﴾: متعلق به، ﴿الذِّكْرَ﴾ مفعول به، والجملة معطوفة على جملة قوله: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا﴾ ﴿لِتُبَيِّنَ﴾ ﴿اللام﴾: حرف جر وتعليل، ﴿تبين﴾: فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد لام كي، وفاعله ضمير يعود على محمَّد. ﴿لِلنَّاسِ﴾: متعلق به، ﴿مَا﴾: موصولة أو موصوفة في محل النصب مفعول به، وجملة ﴿تبين﴾ مع أن المضمرة في تأويل مصدر مجرور باللام، تقديره: لتَبِيينِكَ للناس، الجار والمجرور متعلق بـ ﴿أنزلنا﴾ ﴿نُزِّلَ﴾: فعل ماض مغير الصيغة، ونائب فاعله ضمير يعود على ﴿مَا﴾، ﴿إِلَيْهِمْ﴾: متعلق بـ ﴿نُزِّلَ﴾، وجملة ﴿نُزِّلَ﴾ صلةٌ لـ ﴿مَا﴾ أو صفة لها، ﴿وَلَعَلَّهُمْ﴾ ناصب واسمه، وجملة ﴿يَتَفَكَّرُونَ﴾ خبره، وجملة ﴿لعل﴾ في محل جر بلام التعليل المقدرة، تقديره: ولإرادة تفكرهم فيه؛ لأن
262
لعلَّ مستعارة هنا لمعنى الإرادة، والجار المقدر معطوف على الجار والمجرور في قوله: ﴿لِتُبَيِّنَ﴾ والتقدير: وأنزلنا إليك الذكر لتبيينك لهم ولإرادة تفكرهم فيه.
﴿أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ (٤٥)﴾.
﴿أَفَأَمِنَ﴾ ﴿الهمزة﴾: للاستفهام التوبيخي المضمن للإنكار داخلة على محذوف، و ﴿الفاء﴾ عاطفة على ذلك المحذوف، والتقدير: ألم يتفكروا في الذكر فَأَمِنَ الذين مكروا السيئات إلخ، ﴿أمن الذين﴾: فعل وفاعل، والجملة معطوفة على الجملة المحذوفة، ﴿مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ﴾: فعل وفاعل ومفعول، والجملة صلة الموصول، ﴿أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ﴾: ناصب وفعل وفاعل ﴿بِهِمُ﴾: متعلق به، ﴿الْأَرْضَ﴾: مفعول به، والجملة الفعلية مع ﴿أَن﴾ المصدرية في تأويل مصدر منصوب على كونه مفعولًا به لأمن؛ أي: أفامنوا خسف الله تعالى بهم الأرض، ﴿أَوْ﴾: حرف عطف وتنويع ﴿يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ﴾: فعل ومفعول وفاعل معطوف على ﴿يَخْسِفَ﴾ والتقدير: أو إتيان العذاب إياهم. ﴿مِنْ حَيْثُ﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿يَأْتِيَهُمُ﴾ ﴿حَيْثُ﴾ مضاف وجملة ﴿لَا يَشْعُرُونَ﴾ في محل الجر مضاف إليه لحيث.
﴿أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ (٤٦) أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (٤٧)﴾.
﴿أَوْ يَأْخُذَهُمْ﴾: فعل ومفعول معطوف على ﴿يَخسِفَ﴾، وفاعله ضمير يعود على ﴿الْعَذَابُ﴾، ﴿فِي تَقَلُّبِهِمْ﴾: جار ومجرور، حال من ضمير المفعول؛ أي: أو يأخذهم حال كونهم متقلبين في أسفارهم ﴿فَمَا﴾: ﴿الفاء﴾: واقعة في جواب شرط مقدر، تقديره: فإذا أخذهم بالعقوبة بأي سبب ﴿ما﴾: حجازية، ﴿هُم﴾: اسمها، ﴿بِمُعْجِزِينَ﴾: خبرها، والجملة الاسمية جواب إذا المقدرة، وجملة إذا المقدرة مستأنفة. ﴿أَوْ يَأْخُذَهُمْ﴾: فعل ومفعول معطوف على ﴿يَخسِفَ﴾، وفاعله ضمير يعود على ﴿اللَّهُ﴾ ﴿عَلَى تَخَوُّفٍ﴾: جار ومجرور، حال من ضمير المفعول، تقديره: حالة كونهم خائفين، ﴿فَإِنَّ رَبَّكُمْ﴾ ﴿الفاء﴾: تعليلية لمحذوف تقديره:
﴿أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ (٤٥)﴾.
﴿أَفَأَمِنَ﴾ ﴿الهمزة﴾: للاستفهام التوبيخي المضمن للإنكار داخلة على محذوف، و ﴿الفاء﴾ عاطفة على ذلك المحذوف، والتقدير: ألم يتفكروا في الذكر فَأَمِنَ الذين مكروا السيئات إلخ، ﴿أمن الذين﴾: فعل وفاعل، والجملة معطوفة على الجملة المحذوفة، ﴿مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ﴾: فعل وفاعل ومفعول، والجملة صلة الموصول، ﴿أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ﴾: ناصب وفعل وفاعل ﴿بِهِمُ﴾: متعلق به، ﴿الْأَرْضَ﴾: مفعول به، والجملة الفعلية مع ﴿أَن﴾ المصدرية في تأويل مصدر منصوب على كونه مفعولًا به لأمن؛ أي: أفامنوا خسف الله تعالى بهم الأرض، ﴿أَوْ﴾: حرف عطف وتنويع ﴿يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ﴾: فعل ومفعول وفاعل معطوف على ﴿يَخْسِفَ﴾ والتقدير: أو إتيان العذاب إياهم. ﴿مِنْ حَيْثُ﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿يَأْتِيَهُمُ﴾ ﴿حَيْثُ﴾ مضاف وجملة ﴿لَا يَشْعُرُونَ﴾ في محل الجر مضاف إليه لحيث.
﴿أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ (٤٦) أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (٤٧)﴾.
﴿أَوْ يَأْخُذَهُمْ﴾: فعل ومفعول معطوف على ﴿يَخسِفَ﴾، وفاعله ضمير يعود على ﴿الْعَذَابُ﴾، ﴿فِي تَقَلُّبِهِمْ﴾: جار ومجرور، حال من ضمير المفعول؛ أي: أو يأخذهم حال كونهم متقلبين في أسفارهم ﴿فَمَا﴾: ﴿الفاء﴾: واقعة في جواب شرط مقدر، تقديره: فإذا أخذهم بالعقوبة بأي سبب ﴿ما﴾: حجازية، ﴿هُم﴾: اسمها، ﴿بِمُعْجِزِينَ﴾: خبرها، والجملة الاسمية جواب إذا المقدرة، وجملة إذا المقدرة مستأنفة. ﴿أَوْ يَأْخُذَهُمْ﴾: فعل ومفعول معطوف على ﴿يَخسِفَ﴾، وفاعله ضمير يعود على ﴿اللَّهُ﴾ ﴿عَلَى تَخَوُّفٍ﴾: جار ومجرور، حال من ضمير المفعول، تقديره: حالة كونهم خائفين، ﴿فَإِنَّ رَبَّكُمْ﴾ ﴿الفاء﴾: تعليلية لمحذوف تقديره:
263
إنما لم يعاجلكم الله بهذه العقوبات لأن ربكم إلخ، ﴿إن ربكم لرؤوف﴾: ناصب واسمه وخبره و ﴿اللام﴾ حرف ابتداء، ﴿رَحِيمٌ﴾: صفة ﴿رؤوف﴾، أو خبر ثان لـ ﴿إنَّ﴾ وجملة ﴿إن﴾ مستأنفة مسوقة لتعليل ذلك المحذوف.
﴿أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّأُ ظِلَالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ سُجَّدًا لِلَّهِ وَهُمْ دَاخِرُونَ (٤٨)﴾.
﴿أَوَلَمْ﴾ ﴿الهمزة﴾: للاستفهام التوبيخي المضمن للإنكار داخلة على محذوف، و ﴿الواو﴾ عاطفة على ذلك المحذوف، والتقدير: ألم يتفكروا ولم يروا، والجملة المحذوفة مستأنفة ﴿لم يروا﴾: فعل وفاعل مجزوم بـ ﴿لم﴾، ﴿إِلَى مَا﴾: جار ومجرور متعلق به، ضمنه معنى نظر فعداه بـ ﴿إِلَى﴾ ﴿خَلَقَ اللَّهُ﴾: فعل وفاعل، والجملة صلة لـ ﴿مَا﴾ أو صفة لها، والعائد أو الرابط محذوف تقديره: إلى ما خلقه الله، ﴿مِنْ شَيْءٍ﴾: جار ومجرور، حال من ﴿مَا﴾ أو من الضمير المحذوف، ﴿يَتَفَيَّأُ ظِلَالُهُ﴾: فعل وفاعل، والجملة صفة لـ ﴿شَيْءٍ﴾، ﴿عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ﴾: متعلق بـ ﴿يَتَفَيَّأُ﴾ ﴿سُجَّدًا﴾: حال من الظلال، ﴿لِلَّهِ﴾: متعلق بـ ﴿سُجَّدًا﴾ ﴿وَهُمْ دَاخِرُونَ﴾: مبتدأ وخبر، والجملة في محل النصب حال من الضمير المستتر في ﴿سُجَّدًا﴾، فهي حال متداخلة.
﴿وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ وَالْمَلَائِكَةُ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ (٤٩) يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (٥٠)﴾.
﴿وَلِلَّهِ﴾ الواو: استئنافية، ﴿لله﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿يَسْجُدُ﴾ ﴿يَسْجُدُ مَا﴾: فعل وفاعل، والجملة مستأنفة، ﴿فِي السَّمَاوَاتِ﴾: جار ومجرور، صلة لـ ﴿مَا﴾ أو صفة لها، ﴿وَمَا فِي الْأَرْضِ﴾: معطوف على ﴿مَا فِي السَّمَاوَاتِ﴾، ﴿مِنْ دَابَّةٍ﴾: حال من ﴿وَمَا فِي الْأَرْضِ﴾ ﴿وَالْمَلَائِكَةُ﴾: معطوف على ﴿مَا فِي السَّمَاوَاتِ﴾ عطف خاص على عام، ﴿وَهُمْ﴾: مبتدأ، وجملة ﴿لَا يَسْتَكْبِرُونَ﴾ خبره، والجملة الاسمية في محل النصب حال من ﴿الْمَلَائِكَةُ﴾. ﴿يَخَافُونَ رَبَّهُمْ﴾: فعل وفاعل ومفعول، والجملة في محل النصب حال من ضمير ﴿يَسْتَكْبِرُونَ﴾ {مِنْ
﴿أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّأُ ظِلَالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ سُجَّدًا لِلَّهِ وَهُمْ دَاخِرُونَ (٤٨)﴾.
﴿أَوَلَمْ﴾ ﴿الهمزة﴾: للاستفهام التوبيخي المضمن للإنكار داخلة على محذوف، و ﴿الواو﴾ عاطفة على ذلك المحذوف، والتقدير: ألم يتفكروا ولم يروا، والجملة المحذوفة مستأنفة ﴿لم يروا﴾: فعل وفاعل مجزوم بـ ﴿لم﴾، ﴿إِلَى مَا﴾: جار ومجرور متعلق به، ضمنه معنى نظر فعداه بـ ﴿إِلَى﴾ ﴿خَلَقَ اللَّهُ﴾: فعل وفاعل، والجملة صلة لـ ﴿مَا﴾ أو صفة لها، والعائد أو الرابط محذوف تقديره: إلى ما خلقه الله، ﴿مِنْ شَيْءٍ﴾: جار ومجرور، حال من ﴿مَا﴾ أو من الضمير المحذوف، ﴿يَتَفَيَّأُ ظِلَالُهُ﴾: فعل وفاعل، والجملة صفة لـ ﴿شَيْءٍ﴾، ﴿عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ﴾: متعلق بـ ﴿يَتَفَيَّأُ﴾ ﴿سُجَّدًا﴾: حال من الظلال، ﴿لِلَّهِ﴾: متعلق بـ ﴿سُجَّدًا﴾ ﴿وَهُمْ دَاخِرُونَ﴾: مبتدأ وخبر، والجملة في محل النصب حال من الضمير المستتر في ﴿سُجَّدًا﴾، فهي حال متداخلة.
﴿وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ وَالْمَلَائِكَةُ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ (٤٩) يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (٥٠)﴾.
﴿وَلِلَّهِ﴾ الواو: استئنافية، ﴿لله﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿يَسْجُدُ﴾ ﴿يَسْجُدُ مَا﴾: فعل وفاعل، والجملة مستأنفة، ﴿فِي السَّمَاوَاتِ﴾: جار ومجرور، صلة لـ ﴿مَا﴾ أو صفة لها، ﴿وَمَا فِي الْأَرْضِ﴾: معطوف على ﴿مَا فِي السَّمَاوَاتِ﴾، ﴿مِنْ دَابَّةٍ﴾: حال من ﴿وَمَا فِي الْأَرْضِ﴾ ﴿وَالْمَلَائِكَةُ﴾: معطوف على ﴿مَا فِي السَّمَاوَاتِ﴾ عطف خاص على عام، ﴿وَهُمْ﴾: مبتدأ، وجملة ﴿لَا يَسْتَكْبِرُونَ﴾ خبره، والجملة الاسمية في محل النصب حال من ﴿الْمَلَائِكَةُ﴾. ﴿يَخَافُونَ رَبَّهُمْ﴾: فعل وفاعل ومفعول، والجملة في محل النصب حال من ضمير ﴿يَسْتَكْبِرُونَ﴾ {مِنْ
264
فَوْقِهِمْ}: جار ومجرور، حال من ﴿رَبَّهُمْ﴾، ﴿وَيَفْعَلُونَ مَا﴾: فعل وفاعل ومفعول، والجملة في محل النصب معطوفة على جملة ﴿يَخَافُونَ﴾، ﴿يُؤْمَرُونَ﴾: فعل ونائب فاعل، والجملة صلة لـ ﴿مَا﴾ أو صفة لها، والعائد أو الرابط محذوف تقديره: ما يؤمرون به.
﴿* وَقَالَ اللَّهُ لَا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ (٥١) وَلَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَهُ الدِّينُ وَاصِبًا أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَتَّقُونَ (٥٢)﴾.
﴿وَقَالَ اللَّهُ﴾: فعل وفاعل، والجملة مستأنفة، ﴿لَا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ﴾: إلى آخر الآيات مقول محكي، وإن شئت قلت: ﴿لَا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ﴾: جازم وفعل وفاعل ومفعول، واتخذ هنا يتعدى إلى مفعول واحد، لأنه بمعنى لا تعبدوا، ﴿اثْنَيْنِ﴾: صفة مؤكدة لـ ﴿إِلَهَيْنِ﴾، والجملة في محل النصب مقول ﴿قال﴾، ﴿إِنَّمَا﴾: أداة حصر، ﴿هُوَ إِلَهٌ﴾: مبتدأ وخبر، ﴿وَاحِدٌ﴾: صفة ﴿إِلَهٌ﴾، والجملة في محل النصب مقول ﴿قال﴾ ﴿فَإِيَّايَ﴾ ﴿الفاء﴾: واقعة في جواب شرط محذوف تقديره: إن كنتم راهبين شيئًا فإياي فارهبون، ﴿إياي﴾: ضمير نصب منفصل في محل النصب بفعل محذوف وجوبًا يفسره المذكور بعده، تقديره: فإياي ارهبوا، والجملة المحذوفة جواب الشرط المحذوف، وجملة الشرط المحذوف في محل النصب مقول ﴿قال﴾ ﴿فَارْهَبُونِ﴾: فعل أمر مبني على حذف النون، و ﴿الواو﴾: فاعل، و ﴿النون﴾: نون الوقاية، وياء المتكلم المحذوفة اجتزاء عنها بكسرة نون الوقاية في محل النصب مفعول به، والجملة الفعلية جملة مفسرة لا محل لها من الإعراب، ﴿وَلَهُ﴾: جار ومجرور خبر مقدم، ﴿مَا﴾: موصولة أو موصوفة في محل الرفع مبتدأ مؤخر، والجملة الاسمية في محل النصب معطوفة على جملة ﴿لَا تَتَّخِذُوا﴾ على كونها مقول ﴿قال﴾، ﴿فِي السَّمَاوَاتِ﴾: جار ومجرور صلة ﴿مَا﴾ الموصولة، ﴿وَالْأَرْضِ﴾: معطوف على ﴿السَّمَاوَاتِ﴾، و ﴿وَلَهُ الدِّينُ﴾: خبر مقدم ومبتدأ مؤخر، والجملة في محل النصب معطوفة على ما قبلها على كونها مقول ﴿قال﴾، ﴿وَاصِبًا﴾: حال من ﴿الدِّينُ﴾ ﴿أَفَغَيْرَ اللَّهِ﴾ ﴿الهمزة﴾: فيه للاستفهام التوبيخي المضمن للإنكار داخلة على محذوف، و ﴿الفاء﴾: عاطفة على ذلك المحذوف،
﴿* وَقَالَ اللَّهُ لَا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ (٥١) وَلَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَهُ الدِّينُ وَاصِبًا أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَتَّقُونَ (٥٢)﴾.
﴿وَقَالَ اللَّهُ﴾: فعل وفاعل، والجملة مستأنفة، ﴿لَا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ﴾: إلى آخر الآيات مقول محكي، وإن شئت قلت: ﴿لَا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ﴾: جازم وفعل وفاعل ومفعول، واتخذ هنا يتعدى إلى مفعول واحد، لأنه بمعنى لا تعبدوا، ﴿اثْنَيْنِ﴾: صفة مؤكدة لـ ﴿إِلَهَيْنِ﴾، والجملة في محل النصب مقول ﴿قال﴾، ﴿إِنَّمَا﴾: أداة حصر، ﴿هُوَ إِلَهٌ﴾: مبتدأ وخبر، ﴿وَاحِدٌ﴾: صفة ﴿إِلَهٌ﴾، والجملة في محل النصب مقول ﴿قال﴾ ﴿فَإِيَّايَ﴾ ﴿الفاء﴾: واقعة في جواب شرط محذوف تقديره: إن كنتم راهبين شيئًا فإياي فارهبون، ﴿إياي﴾: ضمير نصب منفصل في محل النصب بفعل محذوف وجوبًا يفسره المذكور بعده، تقديره: فإياي ارهبوا، والجملة المحذوفة جواب الشرط المحذوف، وجملة الشرط المحذوف في محل النصب مقول ﴿قال﴾ ﴿فَارْهَبُونِ﴾: فعل أمر مبني على حذف النون، و ﴿الواو﴾: فاعل، و ﴿النون﴾: نون الوقاية، وياء المتكلم المحذوفة اجتزاء عنها بكسرة نون الوقاية في محل النصب مفعول به، والجملة الفعلية جملة مفسرة لا محل لها من الإعراب، ﴿وَلَهُ﴾: جار ومجرور خبر مقدم، ﴿مَا﴾: موصولة أو موصوفة في محل الرفع مبتدأ مؤخر، والجملة الاسمية في محل النصب معطوفة على جملة ﴿لَا تَتَّخِذُوا﴾ على كونها مقول ﴿قال﴾، ﴿فِي السَّمَاوَاتِ﴾: جار ومجرور صلة ﴿مَا﴾ الموصولة، ﴿وَالْأَرْضِ﴾: معطوف على ﴿السَّمَاوَاتِ﴾، و ﴿وَلَهُ الدِّينُ﴾: خبر مقدم ومبتدأ مؤخر، والجملة في محل النصب معطوفة على ما قبلها على كونها مقول ﴿قال﴾، ﴿وَاصِبًا﴾: حال من ﴿الدِّينُ﴾ ﴿أَفَغَيْرَ اللَّهِ﴾ ﴿الهمزة﴾: فيه للاستفهام التوبيخي المضمن للإنكار داخلة على محذوف، و ﴿الفاء﴾: عاطفة على ذلك المحذوف،
265
والتقدير: أبعد العلم بما ذكر من التوحيد غير الله تطيعون فتتقون، ﴿تَتَّقُونَ﴾: فعل وفاعل مرفوع بثبات النون، والجملة الفعلية معطوفة على تلك المحذوفة، وتلك المحذوفة في محل النصب مقول ﴿قال﴾.
﴿وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ (٥٣)﴾.
﴿وَمَا﴾ ﴿الواو﴾ عاطفة، ﴿ما﴾ اسم موصول في محل الرفع مبتدأ، ﴿بِكُم﴾: جار ومجرور صلة ﴿ما﴾ الموصولة؛ أي: وما وصل بكم، ﴿مِنْ نِعْمَةٍ﴾: جار ومجرور حال من ﴿ما﴾ أو من الضمير المُسْتَكِنِ في الظرف، ﴿فَمِنَ اللَّهِ﴾ ﴿الفاء﴾: زائدة في الخبر لشبه المبتدأ بأسماء الشروط في العموم ﴿من الله﴾: جار ومجرور خبر المبتدأ، والجملة الاسمية في محل النصب معطوفة على الجمل التي قبلها، على كونها مقول ﴿قال﴾ ﴿ثُمَّ﴾: حرف عطف وتراخ، ﴿إِذَا﴾: ظرف لما يستقبل من الزمان، ﴿مَسَّكُمُ الضُّرُّ﴾: فعل ومفعول وفاعل، والجملة في محل الخفض فعل شرط لـ ﴿إذا﴾، والظرف متعلق بالجواب الآتي، ﴿فَإِلَيْهِ﴾ ﴿الفاء﴾: رابطة لجواب ﴿إِذَا﴾ جوازًا، ﴿إليه﴾: متعلق بما بعده، وجملة ﴿تَجْأَرُونَ﴾ جواب ﴿إِذَا﴾، وجملة ﴿إِذَا﴾ في محل النصب معطوفة على الجملة التي قبلها على كونها مقول ﴿قال﴾.
﴿ثُمَّ إِذَا كَشَفَ الضُّرَّ عَنْكُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْكُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ (٥٤)﴾.
﴿ثُمَّ﴾: حرف عطف وترتيب، ﴿إذَا﴾: ظرف لما يستقبل من الزمان، ﴿كَشَفَ الضُّرَّ﴾: فعل وفاعل مستتر ومفعول به ﴿عَنْكُمْ﴾: متعلق به، والجملة في محل الخفض بإضافة ﴿إذَا﴾ إليها، والظرف متعلق بالجواب الآتي، ولكن ما بعد ﴿إِذَا﴾ الفجائية لا يعمل فيما قبلها، وفي "السمين": وفي الآية دليل على أن إذا الشرطية لا تكون معمولة لجوابها، لأن ما بعد إذا الفجائية لا يعمل فيما قبلها اهـ. ﴿إذَا﴾: حرف فجأة رابطة الجواب بالشرط وجوبًا، ﴿فَرِيقٌ﴾: مبتدأ، ﴿مِنْكُمْ﴾: صفته، ﴿بِرَبِّهِمْ﴾: متعلق بما بعده، وجملة ﴿يُشْرِكُونَ﴾ في محل الرفع خبر المبتدأ والجملة الاسمية جواب ﴿إِذَا﴾ لا محل لها من الإعراب، وجملة ﴿إِذَا﴾ في محل النصب معطوفة على الجملة التي قبلها، على كونها مقول
﴿وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ (٥٣)﴾.
﴿وَمَا﴾ ﴿الواو﴾ عاطفة، ﴿ما﴾ اسم موصول في محل الرفع مبتدأ، ﴿بِكُم﴾: جار ومجرور صلة ﴿ما﴾ الموصولة؛ أي: وما وصل بكم، ﴿مِنْ نِعْمَةٍ﴾: جار ومجرور حال من ﴿ما﴾ أو من الضمير المُسْتَكِنِ في الظرف، ﴿فَمِنَ اللَّهِ﴾ ﴿الفاء﴾: زائدة في الخبر لشبه المبتدأ بأسماء الشروط في العموم ﴿من الله﴾: جار ومجرور خبر المبتدأ، والجملة الاسمية في محل النصب معطوفة على الجمل التي قبلها، على كونها مقول ﴿قال﴾ ﴿ثُمَّ﴾: حرف عطف وتراخ، ﴿إِذَا﴾: ظرف لما يستقبل من الزمان، ﴿مَسَّكُمُ الضُّرُّ﴾: فعل ومفعول وفاعل، والجملة في محل الخفض فعل شرط لـ ﴿إذا﴾، والظرف متعلق بالجواب الآتي، ﴿فَإِلَيْهِ﴾ ﴿الفاء﴾: رابطة لجواب ﴿إِذَا﴾ جوازًا، ﴿إليه﴾: متعلق بما بعده، وجملة ﴿تَجْأَرُونَ﴾ جواب ﴿إِذَا﴾، وجملة ﴿إِذَا﴾ في محل النصب معطوفة على الجملة التي قبلها على كونها مقول ﴿قال﴾.
﴿ثُمَّ إِذَا كَشَفَ الضُّرَّ عَنْكُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْكُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ (٥٤)﴾.
﴿ثُمَّ﴾: حرف عطف وترتيب، ﴿إذَا﴾: ظرف لما يستقبل من الزمان، ﴿كَشَفَ الضُّرَّ﴾: فعل وفاعل مستتر ومفعول به ﴿عَنْكُمْ﴾: متعلق به، والجملة في محل الخفض بإضافة ﴿إذَا﴾ إليها، والظرف متعلق بالجواب الآتي، ولكن ما بعد ﴿إِذَا﴾ الفجائية لا يعمل فيما قبلها، وفي "السمين": وفي الآية دليل على أن إذا الشرطية لا تكون معمولة لجوابها، لأن ما بعد إذا الفجائية لا يعمل فيما قبلها اهـ. ﴿إذَا﴾: حرف فجأة رابطة الجواب بالشرط وجوبًا، ﴿فَرِيقٌ﴾: مبتدأ، ﴿مِنْكُمْ﴾: صفته، ﴿بِرَبِّهِمْ﴾: متعلق بما بعده، وجملة ﴿يُشْرِكُونَ﴾ في محل الرفع خبر المبتدأ والجملة الاسمية جواب ﴿إِذَا﴾ لا محل لها من الإعراب، وجملة ﴿إِذَا﴾ في محل النصب معطوفة على الجملة التي قبلها، على كونها مقول
266
﴿قال﴾.
﴿لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (٥٥)﴾.
﴿لِيَكفُرُوا﴾ ﴿اللام﴾: لام كي، ﴿يكفروا﴾: فعل وفاعل منصوب بأن مضمرة جوازًا بعد لام كي، ﴿بِمَا﴾: جار ومجرور متعلق به، والجملة الفعلية مع أن المضمرة في تأويل مصدر مجرور باللام، تقديره: لكفرانهم بما أعطيناهم، الجار والمجرور متعلق بـ ﴿يُشْرِكُونَ﴾ ﴿آتَيْنَاهُمْ﴾: فعل وفاعل ومفعول أول، والثاني محذوف تقديره: إياه، والجملة صلة لـ ﴿ما﴾ أو صفة لها، ﴿فَتَمَتَّعُوا﴾ ﴿الفاء﴾: رابطة لجواب إذا المقدرة، تقديره: إذا عرفت يا محمَّد حالهم هذا وأردت بيان ما تقول لهم.. فأقول لك قل لهم تمتعوا إلخ ﴿تمتعوا﴾: فعل وفاعل، والجملة في محل النصب مقول لجواب إذا المقدرة، وجملة إذا المقدرة مستأنفة، ﴿فَسَوْفَ﴾ ﴿الفاء﴾: عاطفة، ﴿سوف﴾: حرف استقبال وتنفيس، ﴿تَعْلَمُونَ﴾: فعل وفاعل، ومفعوله محذوف تقديره: عاقبة ما تصيرون إليه، والجملة الفعلية في محل النصب معطوفة على جملة ﴿تمتعوا﴾.
﴿وَيَجْعَلُونَ لِمَا لَا يَعْلَمُونَ نَصِيبًا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ تَاللَّهِ لَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَفْتَرُونَ (٥٦) وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَنَاتِ سُبْحَانَهُ وَلَهُمْ مَا يَشْتَهُونَ (٥٧)﴾.
﴿وَيَجْعَلُونَ﴾: فعل وفاعل، والجملة مستأنفة، وفي "أبي السعود": لعلها معطوفة على ما سبق بحسب المعنى: يفعلون ما يفعلون من اللجوء إلى الله تعالى عند مس الضر، ومن الإشراك به عندك كشفه ويجعلون إلخ اهـ، ﴿لِمَا﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿يجعلون﴾، ﴿لَا يَعْلَمُونَ﴾: فعل وفاعل، والمفعول محذوف تقديره: للأصنام التي لا تعلم عبادتهم إياها، والجملة الفعلية صلة لـ ﴿ما﴾ أو صفة لها، ﴿نَصِيبًا﴾: مفعول ﴿يجعلون﴾، ﴿مِمَّا﴾: جار ومجرور، صفة لـ ﴿نَصِيبًا﴾، ﴿رَزَقْنَاهُمْ﴾: فعل وفاعل ومفعول، والجملة صلة لـ ﴿ما﴾ أو صفة لها، والعائد أو الرابط محذوف تقديره: مما رزقناهم إياه، ﴿تَاللَّهِ﴾: جار ومجرور، متعلق بفعل قسم محذوف تقديره: أقسم بالله، وجملة القسم المحذوف مستأنفة، ﴿لَتُسْأَلُنَّ﴾ ﴿اللام﴾: موطئة للقسم، ﴿تسألن﴾: فعل مضارع مغير الصيغة مرفوع
﴿لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (٥٥)﴾.
﴿لِيَكفُرُوا﴾ ﴿اللام﴾: لام كي، ﴿يكفروا﴾: فعل وفاعل منصوب بأن مضمرة جوازًا بعد لام كي، ﴿بِمَا﴾: جار ومجرور متعلق به، والجملة الفعلية مع أن المضمرة في تأويل مصدر مجرور باللام، تقديره: لكفرانهم بما أعطيناهم، الجار والمجرور متعلق بـ ﴿يُشْرِكُونَ﴾ ﴿آتَيْنَاهُمْ﴾: فعل وفاعل ومفعول أول، والثاني محذوف تقديره: إياه، والجملة صلة لـ ﴿ما﴾ أو صفة لها، ﴿فَتَمَتَّعُوا﴾ ﴿الفاء﴾: رابطة لجواب إذا المقدرة، تقديره: إذا عرفت يا محمَّد حالهم هذا وأردت بيان ما تقول لهم.. فأقول لك قل لهم تمتعوا إلخ ﴿تمتعوا﴾: فعل وفاعل، والجملة في محل النصب مقول لجواب إذا المقدرة، وجملة إذا المقدرة مستأنفة، ﴿فَسَوْفَ﴾ ﴿الفاء﴾: عاطفة، ﴿سوف﴾: حرف استقبال وتنفيس، ﴿تَعْلَمُونَ﴾: فعل وفاعل، ومفعوله محذوف تقديره: عاقبة ما تصيرون إليه، والجملة الفعلية في محل النصب معطوفة على جملة ﴿تمتعوا﴾.
﴿وَيَجْعَلُونَ لِمَا لَا يَعْلَمُونَ نَصِيبًا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ تَاللَّهِ لَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَفْتَرُونَ (٥٦) وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَنَاتِ سُبْحَانَهُ وَلَهُمْ مَا يَشْتَهُونَ (٥٧)﴾.
﴿وَيَجْعَلُونَ﴾: فعل وفاعل، والجملة مستأنفة، وفي "أبي السعود": لعلها معطوفة على ما سبق بحسب المعنى: يفعلون ما يفعلون من اللجوء إلى الله تعالى عند مس الضر، ومن الإشراك به عندك كشفه ويجعلون إلخ اهـ، ﴿لِمَا﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿يجعلون﴾، ﴿لَا يَعْلَمُونَ﴾: فعل وفاعل، والمفعول محذوف تقديره: للأصنام التي لا تعلم عبادتهم إياها، والجملة الفعلية صلة لـ ﴿ما﴾ أو صفة لها، ﴿نَصِيبًا﴾: مفعول ﴿يجعلون﴾، ﴿مِمَّا﴾: جار ومجرور، صفة لـ ﴿نَصِيبًا﴾، ﴿رَزَقْنَاهُمْ﴾: فعل وفاعل ومفعول، والجملة صلة لـ ﴿ما﴾ أو صفة لها، والعائد أو الرابط محذوف تقديره: مما رزقناهم إياه، ﴿تَاللَّهِ﴾: جار ومجرور، متعلق بفعل قسم محذوف تقديره: أقسم بالله، وجملة القسم المحذوف مستأنفة، ﴿لَتُسْأَلُنَّ﴾ ﴿اللام﴾: موطئة للقسم، ﴿تسألن﴾: فعل مضارع مغير الصيغة مرفوع
267
وعلامة رفعه ثبات النون المحذوفة لتوالي الأمثال، أصله: لتسألونن، و ﴿واو﴾ الجماعة المحذوفة لالتقاء الساكنين في محل الرفع نائب فاعل، والجملة الفعلية جواب القسم لا محل لها من الإعراب، ﴿عَمَّا﴾: جار ومجرور، متعلق بـ ﴿تسألن﴾ على كونه مفعولًا ثانيًا لسأل، ﴿كُنْتُمْ﴾: فعل ناقص واسمه، وجملة ﴿تَفتَرُونَ﴾ خبره، وجملة كان صلة لـ ﴿ما﴾ أو صفة لها، والعائد أو الرابط محذوف تقديره: عما كنتم تفترونه، ﴿وَيَجْعَلُونَ﴾: فعل وفاعل معطوف على ﴿يجعلون﴾ الأول، ﴿لِلَّهِ﴾: متعلق به، ﴿الْبَنَاتِ﴾ مفعول ﴿يجعلون﴾، ﴿سُبْحَانَهُ﴾: منصوب على المفعولية المطلقة بفعل محذوف وجوبًا تقديره: أسبِّحُ الله سبحانًا، وجملة التسبيح جملة معترضة، ﴿وَلَهُم﴾: جار ومجرور خبر مقدم، ﴿مَّا﴾: موصولة أو موصوفة في محل الرفع مبتدأ مؤخر، وجملة ﴿يَشْتَهُونَ﴾ صلة لـ ﴿مَّا﴾ أو صفة لها، والعائد أو الرابط محذوف تقديره: ما يشتهونه، والجملة الاسمية في محل النصب حال من واو ﴿يجعلون﴾.
﴿وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (٥٨)﴾.
﴿وَإِذَا﴾ ﴿الواو﴾: استئنافية، ﴿إذا﴾: ظرف لما يستقبل من الزمان، ﴿بُشِّرَ أَحَدُهُمْ﴾: فعل ونائب فاعل، والجملة فعل شرط لـ ﴿إذا﴾، ﴿بِالْأُنْثَى﴾ متعلق بـ ﴿بُشِّرَ﴾، ﴿ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا﴾ فعل ناقص واسمه وخبره، ﴿وَهُوَ كَظِيمٌ﴾: مبتدأ وخبر، والجملة في محل النصب حال من ضمير ﴿وَجْهُهُ﴾، وجملة ﴿ظَلَّ﴾ جواب ﴿إذا﴾ وجملة ﴿إذا﴾ مستأنفة.
﴿يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (٥٩) لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٦٠)﴾.
﴿يَتَوَارَى﴾: فعل مضارع وفاعله ضمير يعود على ﴿أَحَدُهُمْ﴾، والجملة مستأنفة، أو في حل النصب حال من ضمير ﴿وَجْهُهُ﴾، ﴿مِنَ الْقَوْمِ﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿يَتَوَارَى﴾، وكذا يتعلق به قوله: ﴿مِنْ سُوءِ﴾ فلا يعترض بامتناع تعلق حرفي جر متحدي اللفظ بعامل واحد لاختلاف معناهما، فإن الأولى
﴿وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (٥٨)﴾.
﴿وَإِذَا﴾ ﴿الواو﴾: استئنافية، ﴿إذا﴾: ظرف لما يستقبل من الزمان، ﴿بُشِّرَ أَحَدُهُمْ﴾: فعل ونائب فاعل، والجملة فعل شرط لـ ﴿إذا﴾، ﴿بِالْأُنْثَى﴾ متعلق بـ ﴿بُشِّرَ﴾، ﴿ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا﴾ فعل ناقص واسمه وخبره، ﴿وَهُوَ كَظِيمٌ﴾: مبتدأ وخبر، والجملة في محل النصب حال من ضمير ﴿وَجْهُهُ﴾، وجملة ﴿ظَلَّ﴾ جواب ﴿إذا﴾ وجملة ﴿إذا﴾ مستأنفة.
﴿يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (٥٩) لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٦٠)﴾.
﴿يَتَوَارَى﴾: فعل مضارع وفاعله ضمير يعود على ﴿أَحَدُهُمْ﴾، والجملة مستأنفة، أو في حل النصب حال من ضمير ﴿وَجْهُهُ﴾، ﴿مِنَ الْقَوْمِ﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿يَتَوَارَى﴾، وكذا يتعلق به قوله: ﴿مِنْ سُوءِ﴾ فلا يعترض بامتناع تعلق حرفي جر متحدي اللفظ بعامل واحد لاختلاف معناهما، فإن الأولى
268
للابتداء، والثانية للعلة؛ أي: من أجل سوء ما بشر به اهـ "سمين"، ﴿سُوءِ﴾: مضاف، ﴿مَا﴾: موصولة أو موصوفة في محل الجر مضاف إليه، ﴿بُشِّرَ﴾: فعل ماض مغير الصيغة، ونائب فاعله ضمير يعود على ﴿أَحَدُهُمْ﴾. ﴿بِهِ﴾: متعلق به، والجملة الفعلية صلة لـ ﴿مَا﴾ أو صفة لها، ﴿أَيُمْسِكُهُ﴾ ﴿الهمزة﴾: حرف استفهام يطلب بها وبأم تعيين أحد الأمرين، ﴿يمسكه﴾: فعل ومفعول، وفاعله ضمير يعود على ﴿أَحَدُهُمْ﴾ ﴿عَلَى هُونٍ﴾: جار ومجرور، إما حال من فاعل ﴿يمسكه﴾؛ أي: حالة كون الأحد متلبسًا بهون نفسه وذلها، أو حال من الفعول؛ أي: حالة كون الأنثى متلبسة بهون وذل، وجملة ﴿يمسكه﴾ في محل النصب معمول لمحذوف حال من فاعل ﴿يَتَوَارَى﴾، والتقدير: يتوارى ذلك الأحد من الناس حالة كونه مفكرًا، أيمسكه على هون أم يدسه في التراب، ﴿أَمْ﴾: عاطفة متصلة، ﴿يَدُسُّهُ﴾: فعل ومفعول، وفاعله ضمير يعود على ﴿أحد﴾. ﴿فِي التُّرَابِ﴾: متعلق به، والجملة في محل النصب معطوفة على جملة ﴿أيُمْسِكُهُ﴾. ﴿أَلَا﴾: حرف تنبيه، ﴿سَاءَ﴾. فعل ماض لإنشاء الذم، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبًا يعود على شيء تقديره: ساء الشيء، ﴿مَا﴾: نكرة موصوفة في محل النصب تمييز لفاعل ﴿ساء﴾، وجملة ﴿يحكمونَ﴾ صفة لـ ﴿مَا﴾، والرابط محذوف تقديره: ساء الشيء شيئًا يحكمونه، وجملة ﴿سَاءَ﴾ في محل الرفع خبر للمخصوص بالذم المحذوف وجوبًا تقديره: حكمهم هذا، والجملة الاسمية جملة إنشائية لا محل لها من الإعراب، ﴿لِلَّذِينَ﴾: جار ومجرور خبر مقدم، وجملة ﴿لَا يُؤْمِنُونَ﴾ صلة الموصول، ﴿بِالْآخِرَةِ﴾: متعلق بـ ﴿يُؤْمِنُونَ﴾. ﴿مَثَلُ السَّوْءِ﴾: مبتدأ مؤخر ومضاف إليه، والجملة الاسمية مستأنفة، ﴿وَلِلَّهِ﴾: جار ومجرور خبر مقدم، ﴿الْمَثَلُ﴾: مبتدأ مؤخر، ﴿الْأَعْلَى﴾: صفة لـ ﴿الْمَثَلُ﴾، والجملة معطوفة على الجملة التي قبلها، ﴿وَهُوَ الْعَزِيزُ﴾: مبتدأ وخبر، والجملة مستأنفة ﴿الْحَكِيمُ﴾: صفة أو خبر ثان.
﴿وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى﴾.
﴿وَلَوْ﴾ ﴿الواو﴾: استئنافية ﴿لو﴾: حرف شرط، ﴿يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ﴾ فعل وفاعل ومفعول، ﴿بِظُلْمِهِمْ﴾: متعلق به، والجملة فعل شرط لـ ﴿لَوْ﴾، ﴿مَّا﴾:
﴿وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى﴾.
﴿وَلَوْ﴾ ﴿الواو﴾: استئنافية ﴿لو﴾: حرف شرط، ﴿يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ﴾ فعل وفاعل ومفعول، ﴿بِظُلْمِهِمْ﴾: متعلق به، والجملة فعل شرط لـ ﴿لَوْ﴾، ﴿مَّا﴾:
269
نافية، ﴿تَرَكَ﴾: فعل ماض، وفاعله ضمير يعود على ﴿اللَّهُ﴾، ﴿عَلَيْهَا﴾: متعلق به، ﴿مِنْ دَابَّةٍ﴾: مفعول به لـ ﴿تَرَكَ﴾ و ﴿مِنْ﴾ زائدة، والجملة الفعلية جواب ﴿لو﴾ الشرطية، وجملة ﴿لو﴾ مستأنفة، ﴿وَلَكِنْ﴾ حرف استدراك، ﴿يُؤَخِّرُهُمْ﴾: فعل ومفعول، وفاعله ضمير يعود على ﴿اللَّهُ﴾، ﴿إِلَى أَجَلٍ﴾: متعلق به، ﴿مُسَمًّى﴾: صفة ﴿أَجَلٍ﴾، والجملة الاستدراكية معطوفة على جملة ﴿لو﴾ الشرطية.
﴿فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ﴾.
﴿فَإِذَا﴾ ﴿الفاء﴾: فاء الفصيحة، لأنها أفصحت عن جواب شرط مقدر تقديره: إذا عرفت أنه يؤخرهم إلى أجل مسمى وأردت بيان حالهم وقت مجيء الأجل.. فأقول لك إذا جاء أجلهم، ﴿إذا﴾: ظرف لما يستقبل من الزمان، ﴿جَاءَ أَجَلُهُمْ﴾: فعل وفاعل، والجملة في محل الخفض بإضافة ﴿إذا﴾ إليها، على كونها فعل شرط لها، والظرف متعلق بالجواب، ﴿لَا يَسْتَأْخِرُونَ﴾: فعل وفاعل، والجملة جواب ﴿إذا﴾، وجملة ﴿إذا﴾ في محل النصب مقول لجواب إذا المقدرة، وجملة إذا المقدرة مستأنفة، ﴿سَاعَةً﴾ منصوب على الظرفية متعلق بـ ﴿يَسْتَأْخِرُونَ﴾، وجملة ﴿وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ﴾ معطوفة على جملة ﴿لَا يَسْتَأْخِرُونَ﴾.
﴿وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ مَا يَكْرَهُونَ وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ أَنَّ لَهُمُ الْحُسْنَى لَا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النَّارَ وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ (٦٢)﴾.
﴿وَيَجْعَلُونَ﴾: فعل وفاعل، والجملة مستأنفة، ﴿لِلَّهِ﴾: متعلق به، وهو في محل المفعول الثاني لـ ﴿جعل﴾ ﴿مَا﴾: موصولة أو موصوفة في محل النصب مفعول أول لـ ﴿جعل﴾، وجملة ﴿يَكْرَهُونَ﴾ صلة لـ ﴿مَا﴾ أو صفة لها، والعائد أو الرابط محذوف تقديره: يكرهونه، ﴿وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ﴾: فعل وفاعل، ﴿الْكَذِبَ﴾: مفعول به، والجملة معطوفة على جملة ﴿يجعلون﴾، ﴿أَنَّ﴾: حرف نصب، ﴿لَهُمُ﴾: خبرها مقدم، ﴿الْحُسْنَى﴾: اسمها مؤخر، وجملة ﴿أَنَّ﴾ في تأويل مصدر منصوب على كونه بدلًا من المفعول أعني ﴿الْكَذِبَ﴾؛ أي: وتصف ألسنتهم الكذب كون الحسنى لهم، أو مرفوع على كونه خبرًا لمبتدأ محذوف؛ أي: وهو كون الحسنى لهم، ﴿لَا جَرَمَ﴾: مركب مزجي بمعنى حق كما في
﴿فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ﴾.
﴿فَإِذَا﴾ ﴿الفاء﴾: فاء الفصيحة، لأنها أفصحت عن جواب شرط مقدر تقديره: إذا عرفت أنه يؤخرهم إلى أجل مسمى وأردت بيان حالهم وقت مجيء الأجل.. فأقول لك إذا جاء أجلهم، ﴿إذا﴾: ظرف لما يستقبل من الزمان، ﴿جَاءَ أَجَلُهُمْ﴾: فعل وفاعل، والجملة في محل الخفض بإضافة ﴿إذا﴾ إليها، على كونها فعل شرط لها، والظرف متعلق بالجواب، ﴿لَا يَسْتَأْخِرُونَ﴾: فعل وفاعل، والجملة جواب ﴿إذا﴾، وجملة ﴿إذا﴾ في محل النصب مقول لجواب إذا المقدرة، وجملة إذا المقدرة مستأنفة، ﴿سَاعَةً﴾ منصوب على الظرفية متعلق بـ ﴿يَسْتَأْخِرُونَ﴾، وجملة ﴿وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ﴾ معطوفة على جملة ﴿لَا يَسْتَأْخِرُونَ﴾.
﴿وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ مَا يَكْرَهُونَ وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ أَنَّ لَهُمُ الْحُسْنَى لَا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النَّارَ وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ (٦٢)﴾.
﴿وَيَجْعَلُونَ﴾: فعل وفاعل، والجملة مستأنفة، ﴿لِلَّهِ﴾: متعلق به، وهو في محل المفعول الثاني لـ ﴿جعل﴾ ﴿مَا﴾: موصولة أو موصوفة في محل النصب مفعول أول لـ ﴿جعل﴾، وجملة ﴿يَكْرَهُونَ﴾ صلة لـ ﴿مَا﴾ أو صفة لها، والعائد أو الرابط محذوف تقديره: يكرهونه، ﴿وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ﴾: فعل وفاعل، ﴿الْكَذِبَ﴾: مفعول به، والجملة معطوفة على جملة ﴿يجعلون﴾، ﴿أَنَّ﴾: حرف نصب، ﴿لَهُمُ﴾: خبرها مقدم، ﴿الْحُسْنَى﴾: اسمها مؤخر، وجملة ﴿أَنَّ﴾ في تأويل مصدر منصوب على كونه بدلًا من المفعول أعني ﴿الْكَذِبَ﴾؛ أي: وتصف ألسنتهم الكذب كون الحسنى لهم، أو مرفوع على كونه خبرًا لمبتدأ محذوف؛ أي: وهو كون الحسنى لهم، ﴿لَا جَرَمَ﴾: مركب مزجي بمعنى حق كما في
270
"الفتوحات"، ﴿أَنَّ﴾: حرف نصب، ﴿لَهُمُ﴾: خبرها مقدم، ﴿النَّارَ﴾: اسمها مؤخر، وجملة ﴿أَنَّ﴾: في تأويل مصدر مرفوع على كونه فاعلًا لـ ﴿جَرَمَ﴾، والتقدير: حق كون النار لهم، والجملة الفعلية مستأنفة، ﴿وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ﴾: ناصب واسمه وخبره، والجملة معطوفة على الجملة التي قبلها.
﴿تَاللَّهِ لَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَهُوَ وَلِيُّهُمُ الْيَوْمَ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (٦٣)﴾،
﴿تَاللَّهِ﴾: جار ومجرور متعلق بفعل قسم محذوف، وجملة القسم مستأنفة، ﴿لَقَدْ﴾ ﴿اللام﴾: موطئة لقسم، ﴿قد﴾: حرف تحقيق، ﴿أَرْسَلْنَا﴾: فعل وفاعل، والجملة جواب القسم، ﴿إِلَى أُمَمٍ﴾: متعلق بـ ﴿أَرْسَلْنَا﴾، ﴿مِنْ قَبْلِكَ﴾: جار ومجرور صفة لـ ﴿أُمَمٍ﴾، ﴿فَزَيَّنَ﴾ ﴿الفاء﴾: عاطفة ﴿زين﴾: فعل ماض، ﴿لَهُمُ﴾: متعلق به، ﴿الشَّيْطَانُ﴾: فاعل، ﴿أَعْمَالَهُمْ﴾: مفعول به، والجملة معطوفة على جملة ﴿أَرْسَلْنَا﴾، ﴿فَهُوَ وَلِيُّهُمُ﴾: مبتدأ وخبر، والجملة معطوفة مفرَّعة على جملة ﴿زيّن﴾، ﴿الْيَوْمَ﴾: ظرف متعلق بـ ﴿وَلَهُمْ﴾، ﴿وَلَهُمْ عَذَابٌ﴾: خبر ومبتدأ، ﴿أَلِيمٌ﴾: صفة ﴿عَذَابٌ﴾، والجملة الاسمية معطوفة على الجملة التي قبلها.
﴿وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (٦٤)﴾.
﴿وَمَا﴾ ﴿الواو﴾: استئنافية، ﴿ما﴾: نافية، ﴿أَنْزَلْنَا﴾: فعل وفاعل، ﴿عَلَيْكَ﴾: متعلق به، ﴿الْكِتَابَ﴾: مفعول به، والجملة مستأنفة. ﴿إِلَّا﴾: أداة استثناء من أعم العلل، ﴿لِتُبَيِّنَ﴾ ﴿اللام﴾ لام كي، ﴿تبين﴾: فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد لام كي، وفاعله ضمير يعود على محمَّد، ﴿لَهُمُ﴾: متعلق به، ﴿الَّذِي﴾: مفعول به، والجملة في تأويل مصدر مجرور باللام، والتقدير: وما أنزلنا عليك الكتاب لعلة من العلل إلا لتبيينك لهم الذي اختلفوا فيه، ﴿اخْتَلَفُوا﴾: فعل وفاعل صلة الموصول، ﴿فِيهِ﴾: متعلق به، ﴿وَهُدًى وَرَحْمَةً﴾: معطوفان على محل ﴿لِتُبَيِنَ﴾، ﴿لِقَوْمٍ﴾: تنازع فيه ﴿هدى ورحمة﴾، وجملة ﴿يُؤْمِنُونَ﴾ صفة لـ ﴿قومٍ﴾.
﴿تَاللَّهِ لَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَهُوَ وَلِيُّهُمُ الْيَوْمَ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (٦٣)﴾،
﴿تَاللَّهِ﴾: جار ومجرور متعلق بفعل قسم محذوف، وجملة القسم مستأنفة، ﴿لَقَدْ﴾ ﴿اللام﴾: موطئة لقسم، ﴿قد﴾: حرف تحقيق، ﴿أَرْسَلْنَا﴾: فعل وفاعل، والجملة جواب القسم، ﴿إِلَى أُمَمٍ﴾: متعلق بـ ﴿أَرْسَلْنَا﴾، ﴿مِنْ قَبْلِكَ﴾: جار ومجرور صفة لـ ﴿أُمَمٍ﴾، ﴿فَزَيَّنَ﴾ ﴿الفاء﴾: عاطفة ﴿زين﴾: فعل ماض، ﴿لَهُمُ﴾: متعلق به، ﴿الشَّيْطَانُ﴾: فاعل، ﴿أَعْمَالَهُمْ﴾: مفعول به، والجملة معطوفة على جملة ﴿أَرْسَلْنَا﴾، ﴿فَهُوَ وَلِيُّهُمُ﴾: مبتدأ وخبر، والجملة معطوفة مفرَّعة على جملة ﴿زيّن﴾، ﴿الْيَوْمَ﴾: ظرف متعلق بـ ﴿وَلَهُمْ﴾، ﴿وَلَهُمْ عَذَابٌ﴾: خبر ومبتدأ، ﴿أَلِيمٌ﴾: صفة ﴿عَذَابٌ﴾، والجملة الاسمية معطوفة على الجملة التي قبلها.
﴿وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (٦٤)﴾.
﴿وَمَا﴾ ﴿الواو﴾: استئنافية، ﴿ما﴾: نافية، ﴿أَنْزَلْنَا﴾: فعل وفاعل، ﴿عَلَيْكَ﴾: متعلق به، ﴿الْكِتَابَ﴾: مفعول به، والجملة مستأنفة. ﴿إِلَّا﴾: أداة استثناء من أعم العلل، ﴿لِتُبَيِّنَ﴾ ﴿اللام﴾ لام كي، ﴿تبين﴾: فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد لام كي، وفاعله ضمير يعود على محمَّد، ﴿لَهُمُ﴾: متعلق به، ﴿الَّذِي﴾: مفعول به، والجملة في تأويل مصدر مجرور باللام، والتقدير: وما أنزلنا عليك الكتاب لعلة من العلل إلا لتبيينك لهم الذي اختلفوا فيه، ﴿اخْتَلَفُوا﴾: فعل وفاعل صلة الموصول، ﴿فِيهِ﴾: متعلق به، ﴿وَهُدًى وَرَحْمَةً﴾: معطوفان على محل ﴿لِتُبَيِنَ﴾، ﴿لِقَوْمٍ﴾: تنازع فيه ﴿هدى ورحمة﴾، وجملة ﴿يُؤْمِنُونَ﴾ صفة لـ ﴿قومٍ﴾.
271
التصريف ومفردات اللغة
﴿لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً﴾؛ أي: لننزلنهم (١) في الدنيا مباءة حسنة، وهي المدينة المنورة، يقال بوأه منزلًا أنزله فيه، والمباءة المنزل، فهي منصوبة على الظرفية، أو على أنها مفعول ثان إن كان لنبوأنهم في معنى لنعطينهم، ﴿أَهْلَ الذِّكْرِ﴾؛ أي: علماء أهل الكتاب ﴿بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ﴾ البينات جمع بينة، وهي المعجزات الدالة على صدق الرسول، والزبر جمع زبور بمعنى مزبور؛ أي: مكتوب، كرسل جمع رسول، وهي كتب الشرائع والتكاليف التي يبلغها الرسل إلى العباد، ﴿وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ﴾؛ أي: القرآن سمي به لأنه تذكير وتنبيه للغافلين، ﴿لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ﴾؛ أي: لتوضح لهم ما خفي عليهم من أسرار التشريع بيانًا شافيًا، وصيغة التفعيل في الفعلين يدل على تكرار البيان والنزول كما هو كذلك، ﴿وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾ والتفكر تصرف القلب في معاني الأشياء لدرك المطلوب.
﴿أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ﴾ والمكر السعي بالفساد خفية، والسيئات جمع سيئة، وهي الأعمال التي تسوؤهم عاقبتها، ﴿يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ﴾؛ أي: يغورها ويزيلها من الوجود وهم على سطحها، يقال: خسف (٢) المكان يخسف خسوفًا ذهب في الأرض، وخسف الله به الأرض خسوفًا؛ أي: غاب به فيها، ومنه قوله: ﴿فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ﴾، وخسف هو في الأرض وخسف به، ﴿تَقَلُّبِهِمْ﴾؛ أي: في أسفارهم وسيرهم في البلاد البعيدة، للسعي في أرزاقهم، كما قال: ﴿لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ (١٩٦)﴾ وفي "القاموس": تقلب في الأمور تصرف كيف شاء انتهى، ﴿بِمُعْجِزِينَ﴾؛ أي: بفائتين الله تعالى بالهرب والفرار، ﴿عَلَى تَخَوُّفٍ﴾ والتخوف التنقص، من قولهم: تخوفت الشيء إذا تنقصته، والمراد أنه ينقص أموالهم وأنفسهم قليلًا حتى يأتي عليها الفناء جميعًا، قال في "القاموس" تخوف الشيء تنقصه، ومنه {أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى
﴿لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً﴾؛ أي: لننزلنهم (١) في الدنيا مباءة حسنة، وهي المدينة المنورة، يقال بوأه منزلًا أنزله فيه، والمباءة المنزل، فهي منصوبة على الظرفية، أو على أنها مفعول ثان إن كان لنبوأنهم في معنى لنعطينهم، ﴿أَهْلَ الذِّكْرِ﴾؛ أي: علماء أهل الكتاب ﴿بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ﴾ البينات جمع بينة، وهي المعجزات الدالة على صدق الرسول، والزبر جمع زبور بمعنى مزبور؛ أي: مكتوب، كرسل جمع رسول، وهي كتب الشرائع والتكاليف التي يبلغها الرسل إلى العباد، ﴿وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ﴾؛ أي: القرآن سمي به لأنه تذكير وتنبيه للغافلين، ﴿لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ﴾؛ أي: لتوضح لهم ما خفي عليهم من أسرار التشريع بيانًا شافيًا، وصيغة التفعيل في الفعلين يدل على تكرار البيان والنزول كما هو كذلك، ﴿وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾ والتفكر تصرف القلب في معاني الأشياء لدرك المطلوب.
﴿أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ﴾ والمكر السعي بالفساد خفية، والسيئات جمع سيئة، وهي الأعمال التي تسوؤهم عاقبتها، ﴿يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ﴾؛ أي: يغورها ويزيلها من الوجود وهم على سطحها، يقال: خسف (٢) المكان يخسف خسوفًا ذهب في الأرض، وخسف الله به الأرض خسوفًا؛ أي: غاب به فيها، ومنه قوله: ﴿فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ﴾، وخسف هو في الأرض وخسف به، ﴿تَقَلُّبِهِمْ﴾؛ أي: في أسفارهم وسيرهم في البلاد البعيدة، للسعي في أرزاقهم، كما قال: ﴿لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ (١٩٦)﴾ وفي "القاموس": تقلب في الأمور تصرف كيف شاء انتهى، ﴿بِمُعْجِزِينَ﴾؛ أي: بفائتين الله تعالى بالهرب والفرار، ﴿عَلَى تَخَوُّفٍ﴾ والتخوف التنقص، من قولهم: تخوفت الشيء إذا تنقصته، والمراد أنه ينقص أموالهم وأنفسهم قليلًا حتى يأتي عليها الفناء جميعًا، قال في "القاموس" تخوف الشيء تنقصه، ومنه {أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى
(١) روح البيان.
(٢) الشوكاني.
(٢) الشوكاني.
272
تَخَوُّفٍ} انتهى، وقال لبيد:
تَخَوَفَّهَا نُزوْليْ وَارْتِحَالِيْ
أي: تَنَقَّص لحمَها وشحمَها.
ولقي رجل أعرابيًّا فقال: يا فلان ما فعل دَينك؟ فقال: تخوفته، يعني تنقصته.
﴿يَتَفَيَّأُ ظِلَالُهُ﴾؛ أي: ينتقل من جانب إلى آخر، وفي "السمين": والتفيُّؤ (١) تفعل من فاء يفيء إذا رجع، وفاء قاصر فإذا أريد تعديته عدي بالهمزة، كقوله تعالى: ﴿مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ﴾ أو بالتضعيف نحو فيأ الله الظل فتفيأ، وتفيأ مطاوع فيَّأ، فهو لازمٌ، واختلف في الفيء، فقيل هو مطلق الظل سواء كان قبل الزوال أو بعده، وهو الموافق لمعنى الآية هنا، وقيل ما كان قبل الزوال فهو ظلٌ فقط، وما كان بعده فهو ظل وفيء، فالظل أعم، وقيل بل يختص الظل بما كان قبل الزوال، والفيء بما بعده، فالفيء لا يكون إلا بالعشي، وهو ما انصرفت عنه الشمس، والظل ما يكون بالغداة، وهو ما لم تنله اهـ.
﴿عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ﴾ واليمين والشمائل جانبا الشيء الكثيف من الجبال والأشجار وغيرها، والشمائل جمع شمال بالكسر ضد اليمين، وبالفتح الريح التي مهبها بين مطلع الشمس وبنات نعش، أو من مطلع الشمس إلى مسقط النسر الطائر، كما في "القاموس".
﴿سُجَّدًا لِلَّهِ﴾ جمع ساجد كشاهد وشهد وراكع وركع، وفي المختار": سجد إذا خضع، ومنه سجود الصلاة، وهو وضع الجبهة على الأرض، وبابه دخل اهـ، والمراد بالسجود هنا الانقياد والخضوع، من قولهم: سجدت النخلة إذا مالت لكثرة الحمل، ومنه قوله:
وَاسْجُدْ لِقِرْدِ السُّوْءِ في زَمَانِهِ
تَخَوَفَّهَا نُزوْليْ وَارْتِحَالِيْ
أي: تَنَقَّص لحمَها وشحمَها.
ولقي رجل أعرابيًّا فقال: يا فلان ما فعل دَينك؟ فقال: تخوفته، يعني تنقصته.
﴿يَتَفَيَّأُ ظِلَالُهُ﴾؛ أي: ينتقل من جانب إلى آخر، وفي "السمين": والتفيُّؤ (١) تفعل من فاء يفيء إذا رجع، وفاء قاصر فإذا أريد تعديته عدي بالهمزة، كقوله تعالى: ﴿مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ﴾ أو بالتضعيف نحو فيأ الله الظل فتفيأ، وتفيأ مطاوع فيَّأ، فهو لازمٌ، واختلف في الفيء، فقيل هو مطلق الظل سواء كان قبل الزوال أو بعده، وهو الموافق لمعنى الآية هنا، وقيل ما كان قبل الزوال فهو ظلٌ فقط، وما كان بعده فهو ظل وفيء، فالظل أعم، وقيل بل يختص الظل بما كان قبل الزوال، والفيء بما بعده، فالفيء لا يكون إلا بالعشي، وهو ما انصرفت عنه الشمس، والظل ما يكون بالغداة، وهو ما لم تنله اهـ.
﴿عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ﴾ واليمين والشمائل جانبا الشيء الكثيف من الجبال والأشجار وغيرها، والشمائل جمع شمال بالكسر ضد اليمين، وبالفتح الريح التي مهبها بين مطلع الشمس وبنات نعش، أو من مطلع الشمس إلى مسقط النسر الطائر، كما في "القاموس".
﴿سُجَّدًا لِلَّهِ﴾ جمع ساجد كشاهد وشهد وراكع وركع، وفي المختار": سجد إذا خضع، ومنه سجود الصلاة، وهو وضع الجبهة على الأرض، وبابه دخل اهـ، والمراد بالسجود هنا الانقياد والخضوع، من قولهم: سجدت النخلة إذا مالت لكثرة الحمل، ومنه قوله:
وَاسْجُدْ لِقِرْدِ السُّوْءِ في زَمَانِهِ
(١) الفتوحات.
273
﴿وَهُمْ دَاخِرُونَ﴾؛ أي: صاغرون منقادون، واحدهم داخرٌ، وهو الذي يفعل ما تأمره به شاء أو أبي، يقال دخر كمنع وفرح دخورًا ودخرًا إذا صغر وذل وأدخره كما في "القاموس". ﴿يَخَافُونَ رَبَّهُمْ﴾؛ أي: عقابه ﴿مِنْ فَوْقِهِمْ﴾؛ أي: بالقهر والغلبة، كما قال: ﴿وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ﴾.
﴿وَلَهُ الدِّينُ وَاصِبًا﴾؛ أي: ثابتًا واجبًا دائمًا لا يزول، والدين هو الطاعة والإخلاص وقال الفراء: ﴿وَاصِبًا﴾ معناه دائمًا، ومنه قول الدُّؤلي:
يقال: وصب الشيء يصب وصوبًا فهو واصب إذا دام، ووصب الرجل على الأمر إذا واظب عليه، وقيل الوصب التعب والإعياء، وفي "المصباح": وصب الشيء بالفتح وصوبًا دام، ووصب الدين وجب، وفي "القاموس": ووصب بالفتح يصب بالكسر وصوبًا دام وثبت كأوصب، وعلى الأمر.
﴿ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ﴾ والضر المرض والبلاء والحاجة والقحط، وكل ما يتضرر به الإنسان، ﴿تَجْأَرُونَ﴾ من جأر يجأر جؤارًا، وأصل الجؤار صياح الوحش، ثم استعمل في رفع الصوت بالدعاء والاستغاثة، وفي "الفتوحات": الجؤار بوزن زكام رفع الصوت بالدعاء في كشف المضار، وفي "القاموس": جأر - كمنع - جأرًا وجؤارًا بوزن غراب، رفع صوته بالدعاء، وتضرع واستغاث، والبقرة والثور صاحا، والنبات جؤارًا طال، والأرض طال نبتها اهـ.
﴿ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا﴾؛ أي: صار من الظلول بمعنى الصيرورة، كما يستعمل أكثر الأفعال الناقصة بمعناها، أو هو بمعناه يقال ظل يفعل كذا إذا فعله نهارًا؛ أي: دام النهار كله مسودًّا؛ لأن أكثر الوضع يتفق بالليل، ويتأخر إخبار المولود إلى النهار، وخصوصًا بالأنثى، فيظل نهاره مسودًّا، واسوداد الوجه كناية عن الاغتمام والتشوير.
﴿وَهُوَ كَظِيمٌ﴾ في "المصباح": كظمت الغيظ كظمًا - من باب ضرب - وكظومًا، إذا أمسكت على ما في نفسك منه على صفح أو غيظ، وفي التنزيل:
﴿وَلَهُ الدِّينُ وَاصِبًا﴾؛ أي: ثابتًا واجبًا دائمًا لا يزول، والدين هو الطاعة والإخلاص وقال الفراء: ﴿وَاصِبًا﴾ معناه دائمًا، ومنه قول الدُّؤلي:
لاَ أَبْتَغِيْ الْحَمْدَ الْقَلِيلَ بَقَاؤُهُ | بِذَمٍّ يَكُوْنُ الدَّهْرَ أجْمَعَ وَاصِبَا |
﴿ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ﴾ والضر المرض والبلاء والحاجة والقحط، وكل ما يتضرر به الإنسان، ﴿تَجْأَرُونَ﴾ من جأر يجأر جؤارًا، وأصل الجؤار صياح الوحش، ثم استعمل في رفع الصوت بالدعاء والاستغاثة، وفي "الفتوحات": الجؤار بوزن زكام رفع الصوت بالدعاء في كشف المضار، وفي "القاموس": جأر - كمنع - جأرًا وجؤارًا بوزن غراب، رفع صوته بالدعاء، وتضرع واستغاث، والبقرة والثور صاحا، والنبات جؤارًا طال، والأرض طال نبتها اهـ.
﴿ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا﴾؛ أي: صار من الظلول بمعنى الصيرورة، كما يستعمل أكثر الأفعال الناقصة بمعناها، أو هو بمعناه يقال ظل يفعل كذا إذا فعله نهارًا؛ أي: دام النهار كله مسودًّا؛ لأن أكثر الوضع يتفق بالليل، ويتأخر إخبار المولود إلى النهار، وخصوصًا بالأنثى، فيظل نهاره مسودًّا، واسوداد الوجه كناية عن الاغتمام والتشوير.
﴿وَهُوَ كَظِيمٌ﴾ في "المصباح": كظمت الغيظ كظمًا - من باب ضرب - وكظومًا، إذا أمسكت على ما في نفسك منه على صفح أو غيظ، وفي التنزيل:
274
﴿وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ﴾ وربما قيل: كظمت على الغيظ، وكظمني الغيظ فأنا كظيم ومكظوم، وكظم البعير كظومًا لم يجتر، وقال الأخفش: الكظيم هو الذي يكظم غيظه ولا يظهره، وقيل: إنه المغموم الذي يطبق فاه من الغم، مأخوذ من الكظامة، وهو سد فم البئر، قاله علي بن عيسى.
﴿يَتَوَارَى﴾؛ أي: يختفي ويتغيب، وقد كان من عادتهم في الجاهلية أن يتوارى الرجل حين ظهور آثار الطلق بامرأته، فإن أخبر بذكر.. ابتهج، وإن أخبر بأنثى.. حزن وبقي متواريًا أيامًا يدبر فيها ما يصنع، ﴿هُونٍ﴾؛ أي: يحفظه ويحبسه، كقوله: ﴿أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ﴾، ﴿هُونٍ﴾ الهون الهوان والذل بلغة قريش، وحكي عن الكسائي: أنه البلاء والشدة، قالت الخنساء:
﴿أَمْ يَدُسُّهُ﴾ يقال: دس الشيء في الشيء إذا أخفاه، ﴿مَثَلُ السَّوءِ﴾؛ أي: الصفة السوىء، وهي احتياجهم إلى الولد وكراهتهم للبنات، خوف الفقر والعار، والمثل بمعنى الصفة، والسوء بمعنى السؤى، بوزن موسى، وهو من إضافة الموصوف إلى صفته.
﴿وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى﴾؛ أي: الصفة العليا، وهي أنه لا إله إلا هو، وأن له جميع صفات الجلال والكمال، ﴿وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ﴾ فاعل هنا بمعنى فعل الثلاثي؛ أي: أخذ، ﴿لَا يَسْتَأْخِرُونَ﴾؛ أي: لا يتأخرون، وصيغة الاستفعال للإشعار بعجزهم عنه مع طلبهم له، ﴿سَاعَةً﴾؛ أي: أقصر وقت، وهي مثل في قلة المدة كما مر، ﴿لَا جَرَمَ﴾: تركيب مزجي من ﴿لا﴾ و ﴿جَرَم﴾، ومعناه الفعل؛ أي: حق وثبت، ﴿وَأَنَهُم مُفْرَطُونَ﴾؛ أي: مقدمون إلى النار معجلون إليها، من أفرطته إذا قدمته في طلب الماء، أو متروكون في النار، من أفرطت فلانًا خلفي إذا خلفته ونسيته خلفك، والفارط هو الذي يتقدم إلى الماء، والفُرَّاط المتقدمون في طلب الماء، والوُرَّاد المتأخرون، ومنه - ﷺ -: "أنا فرطكم على الحوض"؛ أي: متقدَّمكم، قال القطاميُّ:
﴿يَتَوَارَى﴾؛ أي: يختفي ويتغيب، وقد كان من عادتهم في الجاهلية أن يتوارى الرجل حين ظهور آثار الطلق بامرأته، فإن أخبر بذكر.. ابتهج، وإن أخبر بأنثى.. حزن وبقي متواريًا أيامًا يدبر فيها ما يصنع، ﴿هُونٍ﴾؛ أي: يحفظه ويحبسه، كقوله: ﴿أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ﴾، ﴿هُونٍ﴾ الهون الهوان والذل بلغة قريش، وحكي عن الكسائي: أنه البلاء والشدة، قالت الخنساء:
نُهِيْنُ النُّفُوْسَ وَهَوْنُ النُّفُوْسِ | يَوْمَ الْكَرِيهَةِ أبْقَى لَهَا |
﴿وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى﴾؛ أي: الصفة العليا، وهي أنه لا إله إلا هو، وأن له جميع صفات الجلال والكمال، ﴿وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ﴾ فاعل هنا بمعنى فعل الثلاثي؛ أي: أخذ، ﴿لَا يَسْتَأْخِرُونَ﴾؛ أي: لا يتأخرون، وصيغة الاستفعال للإشعار بعجزهم عنه مع طلبهم له، ﴿سَاعَةً﴾؛ أي: أقصر وقت، وهي مثل في قلة المدة كما مر، ﴿لَا جَرَمَ﴾: تركيب مزجي من ﴿لا﴾ و ﴿جَرَم﴾، ومعناه الفعل؛ أي: حق وثبت، ﴿وَأَنَهُم مُفْرَطُونَ﴾؛ أي: مقدمون إلى النار معجلون إليها، من أفرطته إذا قدمته في طلب الماء، أو متروكون في النار، من أفرطت فلانًا خلفي إذا خلفته ونسيته خلفك، والفارط هو الذي يتقدم إلى الماء، والفُرَّاط المتقدمون في طلب الماء، والوُرَّاد المتأخرون، ومنه - ﷺ -: "أنا فرطكم على الحوض"؛ أي: متقدَّمكم، قال القطاميُّ: