ﰡ
هي مكيّة كلها في قول الحسن وعكرمة وعطاء وجابر.
وروي عن ابن عباس وأبي الزبير: أنها نزلت بمكة سوى ثلاث آيات من آخرها فإنهن نزلن بين مكة والمدينة في منصرف رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم من أحد «١».
وتسمى هذه السورة بسورة النعم، بسبب ما عدد الله فيها.
[الآية الأولى]
وَمِنْ ثَمَراتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (٦٧).
وَمِنْ ثَمَراتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً: هو ما يسكر من الخمر.
وَرِزْقاً حَسَناً: هو جميع ما يؤكل من هاتين الشجرتين كالتمر والزبيب والخل، وكان نزول هذه الآية قبل تحريم الخمر.
وقيل: إن السّكر: الخل بلغة الحبشة.
والرزق الحسن: الطعام من الشجرتين.
وقيل: السّكر العصير الحلو الحلال. وسمي سكرا لأنه قد يصير مسكرا إذا بقي، فإذا بلغ الإسكار حرم. والقول الأول أولى، وعليه الجمهور.
وقد صرّح أهل اللغة بأن السّكر اسم للخمر ولم يخالف في ذلك إلا أبو عبيدة فإنه قال: السّكر الطعم. ومما يدل على ما قاله الجمهور قول الشاعر:
بئس [الصّحاة] «١» وبئس الشّرب شربهم | إذا جرى [فيهم المزّاء] «٢» والسّكر |
جعلت عيب الأكرمين سكرا
أي جعلت ذمهم طعما.
ورجح هذا ابن جرير فقال «٣» : إن السّكر ما يطعم من الطعام، ويحب شربه من ثمار النخيل والأعناب، وهو الرزق الحسن، واللفظ مختلف والمعنى واحد، مثل:
َّما أَشْكُوا بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ
[يوسف: ٨٦].
قال الزجاج: قول أبي عبيدة هذا لا يعرف، وأهل التفسير على خلافه، ولا حجة له في البيت الذي أنشده، لأن معناه عند غيره أنه يصف أنها تتخمر بعيوب الناس.
وقد حمل السّكر جماعة من الحنفية على ما يسكر من الأنبذة وعلى ما ذهب ثلثاه بالطبخ. قالوا: وإنما يمتن الله على عباده بما أحله لهم لا بما حرمه عليهم، وهذا مردود بالأحاديث الصحيحة المتواترة على فرض تأخره عن آية تحريم الخمر «٤».
(٢) حرّفت إلى (منهم الهذر) وهو خطأ، والتصوير من القرطبي (١٠/ ١٢٨).
(٣) انظره في تفسيره (١٤/ ٨٧، ٨٩).
(٤) فبالجملة: هذه الآية نسختها آية المائدة فَاجْتَنِبُوهُ [آية: ٩] وهذا على الراجح.
وعقّب القاضي ابن العربي بقوله: هذا بناء على أن السكر الخمر وقد اختلف العلماء في تأويله على خمسة أقوال:
الأول: أن معناه تتخذون من ما حرّم الله قاله ابن عباس والحسن.
الثاني: أنه الخلّ قاله الحسن أيضا.
الثالث: أنه كل ما يتطعم منه.
الرابع: أنه خمور الأعاجم.
الخامس: أنه ما يسدّ الجوع.
وأما الرزق الحسن ففيه ثلاثة أقوال:
الأول: أنه ما أحل الله.
الثاني: الأول بعينه- قاله ابن عباس والحسن وغيرهما.
الثالث: أنه النبيذ الحلو- قاله قتادة.
فإذا لم يقل إن السكر الخمر لم يتصور في الآية نسخ، وإذا قلنا أن المراد به الخمر وتقدير:
تتخذون منه ما حرم الله، فيكون معناه التوبيخ تقديره: أنعم الله عليكم بثمرات النخيل والأعناب [.....]
[الآية الثانية]
وَلا تَتَّخِذُوا أَيْمانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِها وَتَذُوقُوا السُّوءَ بِما صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَلَكُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (٩٤).وَلا تَتَّخِذُوا أَيْمانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ: وهي أيمان البيعة.
قال الواحدي: قال المفسرون: وهذا في نهي الذين بايعوا رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم عن نقض العهد على الإسلام ونصرة الدين، واستدلوا على هذا التخصيص بما في قوله:
فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِها: من المبالغة، وبما في قوله:
وَتَذُوقُوا السُّوءَ بِما صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَلَكُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (٩٤) لأنهم إذا نقضوا العهد مع رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم صدوا غيرهم عن الدخول في الإسلام، وعلى تسليم أن هذه الأيمان مع رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، هي سبب نزول هذه الآية، فالاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.
وقال جماعة من المفسرين: إن هذا تكرير لما قبله لقصد التأكيد والتقرير، أعني قوله: وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها [النحل: ٩١] إلى قوله: تَتَّخِذُونَ أَيْمانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ [النحل: ٩٢] الآية.
والمراد بالتوكيد التشديد والتغليظ والتوثيق، وليس المراد اختصاص النهي عن النقض بالإيمان المؤكدة، ولا يغيرها مما لا تأكيد فيه، فإن تحريم النقض يتناول الجميع، ولكن في نقض اليمين المؤكدة من الإثم فوق الإثم الذي في نقض ما لم يؤكد
وانظر فيما يتعلق بهذه الآية من أقوال أهل العلم والتفسير: «الناسخ والمنسوخ لابن العربي (٢/ ٢٨٠، ٢٨١)، والأحكام له (٣/ ١١٤١)، والنحاس (١٧٩)، وزاد المسير (١٠/ ٤٦٤)، والمصفّى (٢٠٨)، والقرطبي (١٠/ ١٢٨)، وابن البارزي (٢٩٦)، والبصائر (١/ ٢٨٠).
ويخص أيضا من هذا العموم يمين اللغو لقوله تعالى: لا يُؤاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ [البقرة: ٢٢٥] ويمكن أن يكون التقييد بالتوكيد هاهنا لإخراج أيمان اللغو، وقد تقدم بسط الكلام على الإيمان في البقرة.
وقيل: توكيد اليمين هو حلف الإنسان على الشيء الواحد مرارا.
وحكى القرطبي «٢» عن ابن عمر: أنّ التوكيد هو أن يحلف مرتين فإن حلف واحدة فلا كفارة عليه.
قال أبو عبيدة: كل أمر لم يكن صحيحا فهو دخل.
وقيل: الدخل ما أدخل في الشيء على فساده.
وقال الزجاج: غشا.
[الآية الثالثة]
فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ (٩٨).
فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ: الفاء لترتيب الاستعاذة على العمل الصالح.
وقيل: هذه الآية متصلة بقوله: وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ، والتقدير فإذا أخذت في قراءته فَاسْتَعِذْ.
قال الزجاج وغيره من أئمة اللغة: معناه إذا أردت أن تقرأ القرآن فاستعذ وليس معناه استعذ بعد أن تقرأ القرآن. ومثله: إذا أكلت فقل: بسم الله.
قال الواحدي: وهذا إجماع الفقهاء أن الاستعاذة قبل القراءة إلا ما روي عن أبي هريرة وابن سيرين وداود ومالك وحمزة من القراء فإنهم قالوا: الاستعاذة بعد القراءة،
(٢) انظره في «تفسيره» (١٠/ ١٧٠).
ومعنى فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ اسأله سبحانه أن يعيذك.
مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ (٩٨) : أي من وساوسه، وتخصيص قراءة القرآن من بين الأعمال الصالحة بالاستعاذة عند إرادتها للتنبيه على أنها كسائر الأعمال الصالحة عند إرادتها لهم لأنه إذا وقع الأمر بها عند قراءة القرآن الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، كانت عند إرادة غيرها أوفى، كذا قيل.
وكذا توجيه الخطاب إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم للإشعار بأن غيره أولى منه بفعل الاستعاذة، لأنه إذا أمر بها لدفع وساوس الشيطان- مع عصمته- فكيف بسائر أمته.
وقد ذهب الجمهور إلى أن الأمر في الآية للندب، وروي عن عطاء الوجوب أخذا بظاهر الأمر.
[الآية الرابعة]
مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ وَلكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (١٠٦).
مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ: قال القرطبي «١» : أجمع أهل العلم أن من أنكره على الكفر، حتى خشي على نفسه القتل، أنه لا إثم عليه [إن] «٢» كفر وقلبه مطمئن بالإيمان، ولا تبين منه زوجته، ولا يحكم عليه بحكم الكفر.
وحكي عن محمد بن الحسن أنه إذا أظهر الكفر كان مرتدا في الظاهر، وفيما بينه وبين الله على الإسلام، وتبين منه امرأته ولا يصلى عليه إن مات، ولا يرث أباه إن مات مسلما. وهذا القول مردود على قائله مدفوع بالكتاب والسنة.
وذهب الحسن البصري والأوزاعي والشافعي وسحنون إلى أن هذه الرخصة مثل
(٢) ما بين [معقوفين] زيادة اقتضاها السياق.
وَلكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً: أي اختاره وطابت به نفسه.
فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ: ليس بعد هذا الوعيد العظيم- وهو الجمع للمرتدين بين غضب الله وعظم عذابه بقوله: وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (١٠٦) وعيد «١».
[الآية الخامسة]
وَلا تَقُولُوا لِما تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هذا حَلالٌ وَهذا حَرامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ (١١٦).
وَلا تَقُولُوا لِما تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هذا حَلالٌ وَهذا حَرامٌ: قال الكسائي والزجاج: (ما) هنا مصدرية، وانتصاب الكذب بلا تقولوا، أي لا تقولوا الكذب لأجل وصف ألسنتكم. ومعناه لا تحللوا ولا تحرموا لأجل قول تنطق به ألسنتكم من غير حجة.
ويجوز أن تكون (ما) موصولة والكذب منتصبا بتصف، أي لا تقولوا للذي تصف
واختلفوا في الزنا؟ والصحيح أنه يجوز له الإقدام عليه ولا حدّ عليه خلافا لابن الماجشون، وأما الكفر بالله فذلك جائز له بدون خلاف على شرط أن يلفظ بلسانه، وقلبه منشرح بالإيمان، بل قال المحققون من علمائنا: إنه إذا تلفّظ بالكفر أنه لا يجوز له أن يجري على لسانه إلا جريان المعاريض. مثاله: أن يقال له: اكفر بالله؟ فيقول: أنا كافر بالله- يريد باللاهي ويحذف الياء.
والكفر وإن كان بالإكراه جائزا عند العلماء فإن من صبر على البلاء ولم يفتتن حتى قتل فإنه شهيد.
والمكره على القتل إذا قتل يقتل لأنه قتل من يكافئه ظلما استيفاء لنفسه فقتل كما لو قتله الجماعة.
وفي سبب نزول هذه الآية المكيّة ثلاث روايات: الأولى أنها نزلت في عمار بن ياسر وأمه سميّة حباب بن الإرث وسلمة بن هشام والوليد بن الوليد وعياش بن أبي ربيعة والمقداد بن الأسود وقوم أسلموا ففتنهم المشركون عن دينهم فثبت بعضهم على الإسلام وصبر بعضهم على البلاء ولم يصبر بعض فقتلت سمية وافتتن عمار في ظاهره دون باطنه وسأل النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم فنزلت الآية... اه.
ويجوز أن يكون في الكلام حذف بتقدير القول، أي ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم فتقول هذا حلال وهذا حرام وقائله هذا حرام وهذا حلال.
ويجوز أن ينتصب الكذب أيضا بتصف وتكون ما مصدرية، أي لا تقولوا هذا حلال وهذا حرام لوصف ألسنتكم الكذب.
واللام في قوله: لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ هي لام العاقبة لا لام العرض، أي فيعقب ذلك افتراؤكم على الله الكذب بالتحليل والتحريم، وإسناد ذلك إليه من غير أن يكون منه «١».
أخرج ابن أبي حاتم عن أبي نضرة قال: قرأت هذه الآية في سورة النحل: وَلا تَقُولُوا لِما تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هذا حَلالٌ وَهذا حَرامٌ إلى آخر الآية، فلم أزل أخاف الفتيا إلى يومي هذا «٢».
قال [الشوكاني في] «٣» «فتح القدير» «٤» : قلت: صدق رحمه الله فإن هذه الآية تتناول بعموم لفظها فينا من أفتى بخلاف ما في كتاب الله أو سنة رسوله صلّى الله عليه وآله وسلّم، كما يقع كثيرا من المؤثرين للرأي المقدمين له على الرواية، أو الجاهلين لعلم الكتاب والسنة كالمقلدة وإنهم لحقيقيون بأن يحال بينهم وبين فتواهم ويمنعوا من جهالاتهم، فإنهم أفتوا بغير علم من الله ولا هدى ولا كتاب منير فضلوا وأضلوا فهم ومن يستفتيهم كما قال القائل:
كبهيمة عمياء قاد زمامها | أعمى على عوج الطريق الجائر |
كذبت «٥» ! انتهى.
(٢) أورده السيوطي في «الدر» (٥/ ١٧٥) وعزاه لابن أبي حاتم فقط.
(٣) ما بين [] سقط من المطبوعة.
(٤) انظره في «تفسيره» هذا (٣/ ٢٠١).
(٥) ضعيف: رواه الطبراني في «الكبير» (٨٩٩٥) عن عطاء بن السائب، عن غير واحد من أصحابه به
.
وأما ما وجده في كتابه الذي تلقى عمن قلدوا فيه، فليس له أن يشهد على الله ورسوله ويغير الناس بذلك ولا علم له بحكم الله ورسوله.
قال غير واحد من السلف: ليحذر أحدكم أن يقول أحل الله كذا، وحرم كذا فيقول له الله كذبت لم أحل كذا ولم أحرمه.
وثبت في «صحيح مسلم» «٢» من حديث بريدة بن [الحصيب] «٣» أن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم قال: «إذا حاصرت حصنا فسألوك أن تنزلهم على حكم الله ورسوله فإنك لا تدري أتصيب حكم الله فيهم أم لا، ولكن أنزلهم على حكمك وحكم أصحابك».
وسمعت شيخ الإسلام- يعني الشيخ ابن تيمية رضي الله عنه- قال: حضرت مجلسا فيه القضاة وغيرهم، فجرت حكومة حكم فيها أحدهم بقول زفر، فقلت له: ما هذه الحكومة؟ فقال: هذا حكم الله! فقلت له: صار قول زفر حكم الله الذي حكم به وألزم به الأمة! قل: هذا حكم زفر وقوله، ولا تقل حكم الله ونحو هذا من الكلام.
انتهى.
[الآية السادسة]
ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (١٢٥) /.
وقال الهيثمي في «مجمع الزوائد» (١/ ٨٢) : وفيه من لم يسمّ».
(١) انظره في (١/ ٣٩).
(٢) حديث صحيح: رواه مسلم (١٢/ ٣٧، ٤٠)، وأبو داود (٢٦١٢)، (٢٦١٣)، والترمذي (١٤٠٨)، (١٦١٧)، وابن ماجة (٢٨٥٨)، وأحمد في «المسند» (٥/ ٣٥٢، ٣٥٨)، والدارمي (٢/ ٢١٥). [.....]
(٣) ما بين [معقوفين] صحّفت إلى (الخصيب) وهو خطأ، والتصويب من مصادر التخريج.
وسبيل الله: هو الإسلام.
بِالْحِكْمَةِ: أي بالمقالة المحكمة الصحيحة.
قيل: وهي الحجج القطعية المفيدة لليقين.
وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ: وهي المقالة المشتملة على الموعظة الحسنة التي يستحسنها السامع، وتكون في نفسها حسنة باعتبار انتفاع السامع بها.
قيل: وهي الحجج الظنية الإقناعية الموجبة للتصديق بمقدمات مقبولة. قيل:
وليس للدعوة إلا هاتان الطريقتان. ولكن الداعي قد يحتاج مع الخصم الألد إلى استعمال المعارضة والمناقضة ونحو ذلك من الجدل، ولهذا قال سبحانه:
وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ: أي بالطريق التي هي أحسن طرق المجادلة، وإنما أمر الله سبحانه بالمجادلة الحسنة لكون الداعي محقا وغرضه صحيحا وكان خصمه مبطلا وغرضه فاسدا «١».
[الآية السابعة] وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ (١٢٦).
وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ: أي بمثل ما فعل بكم لا تجاوزوا ذلك.
قال ابن جرير «٢» : نزلت هذه الآية فيمن أصيب بظلامة أن لا ينال من ظالمه إذا تمكن إلا مثل ظلامته، لا يتعداها إلى غيرها، وهذا صواب لأن الآية وإن قيل: إن لها سببا خاصا فالاعتبار بعموم اللفظ، وعمومه يؤدي هذا المعنى الذي ذكره. وسمى سبحانه الفعل الأول الذي هو فعل البادئ بالشر عقوبة، مع أن العقوبة ليست إلا فعل الثاني وهو المجازي، للمشاكلة وهي باب معروف وقع في كثير من آيات الكتاب
وانظر: النحاس (١٨٠)، والإيضاح (٢٩١)، وابن البازي (٢٩٥)، والبصائر (١/ ٢٨٠).
(٢) انظر: تفسير الطبري (١٤/ ١٩٧).
وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ (١٢٦) أي لئن صبرتم عن المعاقبة بالمثل فالصبر خير لكم من الانتصار، ووضع الصابرين الظاهر موضع الضمير ثناء من الله عليهم بأنهم صابرون على الشدائد.
وقد ذهب الجمهور إلى أن هذه الآية محكمة لأنها واردة في الصبر عن المعاقبة والثناء على الصابرين على العموم.
وقيل: هي منسوخة بآيات القتال ولا وجه لذلك.