بسم الله الرحمن الرحيم
تفسير سورة والليل وهي مكيةﰡ
وَقيل: ﴿وَاللَّيْل إِذا يغشى﴾ أَي: أظلم.
وَيُقَال: يغشى النَّهَار.
وَالْقَوْل الثَّانِي: وَمَا خلق الذّكر وَالْأُنْثَى.
وَذكر الْفراء والزجاج: أَن الذّكر وَالْأُنْثَى هُوَ آدم وحواء.
وَقد قيل: إِنَّه على الْعُمُوم، وَللَّه أَن يقسم بِمَا شَاءَ من خلقه، وَقد ذكرنَا أَن الْقسم على تَقْدِيره ذكر الرب، وَكَأَنَّهُ قَالَ: وَرب اللَّيْل، وَرب النَّهَار إِلَى آخِره.
قَالَ الشَّاعِر:
وَقَوله تَعَالَى: ﴿أعْطى وَاتَّقَى﴾ أَي: بذل المَال بِالصَّدَقَةِ، وحاذر من الله تَعَالَى.
وَالْقَوْل الثَّانِي: وَصدق بِالْحُسْنَى أَي: بِالْجنَّةِ، قَالَه مُجَاهِد.
وَقيل: بالثواب، وَقَالَ أَبُو عبد الرَّحْمَن السّلمِيّ وَعَطَاء: صدق بِالْحُسْنَى أَي: بِلَا إِلَه إِلَّا الله.
وَقَوله: ﴿بخل﴾ أَي: بخل بِمَالِه، وَاسْتغْنى أَي: عَن ثَوَاب ربه.
قَالَ الْفراء: فَإِن سَأَلَ سَائل قَالَ: كَيفَ يستقم قَوْله: ﴿فسنيسره للعسرى﴾ وَكَيف ييسر العسير؟ أجَاب عَن هَذَا: أَن هَذَا مثل قَوْله تَعَالَى ﴿فبشر الَّذين كفرُوا بِعَذَاب أَلِيم﴾ فَوضع الْبشَارَة مَوضِع الْوَعيد بالنَّار، وَإِن لم تكن بِشَارَة على الْحَقِيقَة، كَذَلِك وضع التَّيْسِير فِي هَذَا الْموضع، وَإِن كَانَ تعسيرا فِي الْحَقِيقَة.
وَقد ذكر عَطاء الْخُرَاسَانِي أَن الْآيَة نزلت فِي رجل من الْأَنْصَار كَانَ لَهُ حَائِط، وَله نَخْلَة تتدلى فِي دَار جَاره، وَيَأْكُل جَاره مِمَّا يسْقط من ثمارها، فَمَنعه الْأنْصَارِيّ، فَشكى ذَلِك الْفَقِير إِلَى رَسُول الله، فَقَالَ النَّبِي للْأَنْصَارِيِّ: " بِعني هَذِه النَّخْلَة بنخلة لَك فِي الْجنَّة، فَأبى أَن يَبِيع، فاشتراها مِنْهُ أَبُو الدحداح بحائط لَهُ، وَأَعْطَاهَا ذَلِك الْفَقِير، فَأنْزل الله تَعَالَى فيهمَا هَذِه الْآيَات.
وَالأَصَح أَن الْآيَة نزلت فِي أبي بكر الصّديق - رَضِي الله عَنهُ - لِأَن السُّورَة مَكِّيَّة على قَول الْجَمِيع، فَلَا يَسْتَقِيم أَن تكون الْآيَة منزلَة فِي أحد من الْأَنْصَار.
وَقد (ورد) فِي الْآيَتَيْنِ خبر صَحِيح، وَهُوَ مَا روى مَنْصُور بن الْمُعْتَمِر، عَن سعد بن عُبَيْدَة، عَن أبي عبد الرَّحْمَن السّلمِيّ، عَن عَليّ بن أبي طَالب قَالَ: " كُنَّا فِي جَنَازَة بِالبَقِيعِ، فَأتى النَّبِي فَجَلَسَ وَجَلَسْنَا مَعَه، وَمَعَهُ عود ينكت بِهِ فِي الأَرْض، فَرفع رَأسه إِلَى السَّمَاء وَقَالَ: مَا من نفس منفوسة إِلَّا وَقد كتب مدخلها، فَقَالَ الْقَوْم: يَا رَسُول الله، أَفلا نَتَّكِل على كتَابنَا، فَمن كَانَ من أهل السَّعَادَة فَإِنَّمَا يعْمل للسعادة، وَمن كَانَ من أهل الشَّقَاء فَإِنَّهُ يعْمل للشقاء، قَالَ:
قَالَ رَضِي الله عَنهُ: أخبرنَا بذلك أَبُو عَليّ الشَّافِعِي بِمَكَّة، أخبرنَا أَبُو الْحسن بن فراس، أخبرنَا الديبلي أخبرنَا سعيد بن عبد الرَّحْمَن المَخْزُومِي، أخبرنَا سُفْيَان بن عُيَيْنَة، عَن مَنْصُور الحَدِيث.
وَيُقَال: من سلك سَبِيل الْهدى، فعلينا هداه مثل قَوْله ﴿وعَلى الله قصد السَّبِيل﴾ أَي: بَيَان السَّبِيل لمن قصد.
وَفِي الْآيَة سُؤال للمرجئة والخوارج، فَإِن الله تَعَالَى قَالَ: ﴿لَا يصلاها إِلَّا الأشقى﴾ أَي: لَا يقاسي حرهَا، وَلَا يدخلهَا إِلَّا الأشقى الَّذِي كذب وَتَوَلَّى، فَدلَّ أَن
الْمُؤمن وَإِن ارْتكب الْكَبَائِر لَا يدْخل النَّار، هَذَا للمرجئة، وَأما الْخَوَارِج قَالُوا: قد وافقتمونا أَن صَاحب الْكَبَائِر يدْخل النَّار، فَدلَّ أَنه كفر بارتكاب الْكَبِيرَة، والتحق بِمن كذب وَتَوَلَّى حَيْثُ قَالَ الله تَعَالَى: ﴿لَا يصلاها إِلَّا الأشقى الَّذِي كذب وَتَوَلَّى﴾.
وَالْجَوَاب من وُجُوه: أَحدهَا: أَن مَعْنَاهُ: لَا يصلاها إِلَّا الأشقى الَّذِي كذب وَتَوَلَّى، فالأشقى هم أَصْحَاب الْكَبَائِر، وَالَّذِي كذب وَتَوَلَّى هم الْكفَّار.
وَالْعرب تَقول: أكلت خبْزًا لَحْمًا تَمرا.
أَي: وَلَحْمًا وَتَمْرًا، وحذفوا الْوَاو، وَكَذَلِكَ هَاهُنَا، وَأنْشد أَبُو زيد الْأنْصَارِيّ:
(سعى الْفَتى لأمور لَيْسَ يُدْرِكهَا | فَالنَّفْس وَاحِدَة والهم منتشر) |
(والمرء مَا عَاشَ مَمْدُود لَهُ أثر | لَا يَنْتَهِي الْعُمر حَتَّى يَنْتَهِي الْأَثر) |
(كَيفَ أَصبَحت كَيفَ أمسيت فَمَا | يثبت الود فِي فؤاد الْكَرِيم) |
وَالْوَجْه الثَّانِي: أَن للنار دركات، وَالْمرَاد من الْآيَة دركة بِعَينهَا، لَا يدخلهَا إِلَّا الْكفَّار، قَالَ الله تَعَالَى: ﴿إِن الْمُنَافِقين فِي الدَّرك الْأَسْفَل من النَّار﴾ دلّت الْآيَة أَنه مَخْصُوص لِلْمُنَافِقين، وَهَذَا جَوَاب مَعْرُوف.
وَالْوَجْه الثَّالِث: أَن الْمَعْنى: لَا يصلاها، لَا يدخلهَا خَالِدا فِيهَا إِلَّا الأشقى الَّذِي كذب وَتَوَلَّى، وَصَاحب الْكَبِيرَة وَإِن دَخلهَا لَا يخلد فِيهَا.
كيف أصبحت كيف أمسيت فما | يثبت الود في فؤاد الكريم |
والوجه الثاني : أن للنار دركات، و المراد من الآية دركة بعينها، لا يدخلها إلا الكفار، قال الله تعالى :( إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار )١ دلت الآية أنه مخصوص للمنافقين، وهذا جواب معروف. والوجه الثالث : أن المعنى : لا يصلاها، لا يدخلها خالدا فيها إلا الأشقى الذي كذب وتولى، وصاحب الكبيرة وإن دخلها لا يخلد فيها.
وروى أَنه لما اشْترى الزنيرة وأعتقها - وَكَانَت قد أسلمت - عميت عَن قريب، فَقَالَ الْمُشْركُونَ: أعماها اللات والعزى، فَقَالَت: أَنا أكفر بِاللات والعزى، فَرد الله عَلَيْهَا بصرها.
وَمن الْمَعْرُوف أَن النَّبِي مر على بِلَال، وَهُوَ يعذب فِي رَمْضَاءُ مَكَّة، وَهُوَ يَقُول: أحد أحد، فَقَالَ النَّبِي: " سينجيك أحد، ثمَّ إِنَّه أَتَى أَبَا بكر وَقَالَ: رَأَيْت بِلَالًا
ومن المعروف أن النبي صلى الله عليه و سلم مر على بلال، وهو يعذب في رمضاء مكة، وهو يقول : أحد أحد، فقال النبي صلى الله عليه و سلم :" سينجيك أحد، ثم إنه أتى أبا بكر وقال : رأيت بلالا يعذب في الله، فذهب أبو بكر إلى بيته، وأخذ رطلا من ذهب، وجاء إلى أمية بن خلف واشتراه منه وأعتقه، فقالت قريش : إنما أعتقه ليد له عنده، فأنزل الله تعالى :( وما لأحد عنده من نعمة تجزى إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى ) أي : إلا طلب رضاء ربه المتعالى.
ومن المعروف أن النبي صلى الله عليه و سلم مر على بلال، وهو يعذب في رمضاء مكة، وهو يقول : أحد أحد، فقال النبي صلى الله عليه و سلم :" سينجيك أحد، ثم إنه أتى أبا بكر وقال : رأيت بلالا يعذب في الله، فذهب أبو بكر إلى بيته، وأخذ رطلا من ذهب، وجاء إلى أمية بن خلف واشتراه منه وأعتقه، فقالت قريش : إنما أعتقه ليد له عنده، فأنزل الله تعالى :( وما لأحد عنده من نعمة تجزى إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى ) أي : إلا طلب رضاء ربه المتعالى.
وَذكر النقاش فِي تَفْسِيره: " أَن جِبْرِيل - عَلَيْهِ السَّلَام - أَتَى النَّبِي فَقَالَ: قل لأبي بكر يَقُول الله تَعَالَى: أَنا عَنْك رَاض، فَهَل أَنْت عني رَاض؟، فَذكر ذَلِك لأبي بكر [فَبكى] وخر سَاجِدا، وَقَالَ: أَنا عَن رَبِّي رَاض، أَنا عَن رَبِّي رَاض ".
وروى عَليّ أَن النَّبِي قَالَ: " رحم الله أَبَا بكر، زَوجنِي ابْنَته، وحملني إِلَى دَار الْهِجْرَة، وَاشْترى بِلَالًا وَأعْتقهُ ".
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
﴿وَالضُّحَى (١) وَاللَّيْل إِذا سجى (٢) مَا وَدعك رَبك وَمَا قلى (٣) ﴾.تَفْسِير سُورَة الضُّحَى
وَهِي مَكِّيَّة