تفسير سورة سورة الليل من كتاب أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن
.
لمؤلفه
الشنقيطي - أضواء البيان
.
المتوفي سنة 1393 هـ
ﰡ
قوله تعالى :﴿ وَالَّليْلِ إِذَا يَغْشَى ١ وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى ٢ ﴾.
يقسم الله تعالى بالليل والنهار وأثرهما على الكون، على أنهما آيتان عظيمتان.
وتقدم الكلام عليهما في السورة قبلها عند قوله :﴿ وَالنَّهَارِ إِذَا جَلاَّهَا ٣ وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا ٤ ﴾.
وتقدم للشيخ رحمة الله تعالى علينا وعليه الكلام على هاتين الآيتين، عند قوله تعالى :﴿ وَجَعَلْنَا الّلَيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ ﴾، في سورة بني إسرائيل، وذكر كل النصوص في هذا المعنى. وأثر الليل والنهار في حياة الناس، ومعرفة الحساب ونحوه.
يقسم الله تعالى بالليل والنهار وأثرهما على الكون، على أنهما آيتان عظيمتان.
وتقدم الكلام عليهما في السورة قبلها عند قوله :﴿ وَالنَّهَارِ إِذَا جَلاَّهَا ٣ وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا ٤ ﴾.
وتقدم للشيخ رحمة الله تعالى علينا وعليه الكلام على هاتين الآيتين، عند قوله تعالى :﴿ وَجَعَلْنَا الّلَيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ ﴾، في سورة بني إسرائيل، وذكر كل النصوص في هذا المعنى. وأثر الليل والنهار في حياة الناس، ومعرفة الحساب ونحوه.
قوله تعالى :﴿ وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ والأنثى ٣ ﴾.
تقدم للشيخ رحمة الله تعالى علينا وعليه بحث هذه المسألة، وإيراد كل النصوص في عدة مواضع، أشار إليها كلها في سورة النجم عند قوله تعالى :﴿ وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ والأنثى ٤٥ مِن نُّطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى ٤٦ ﴾، وقد قرئت بعدة قراءات منها ﴿ وَالذِّي خَلَقَ الذَّكَرَ والأنثى ٣ ﴾، ومنها ﴿ الذَّكَرَ والأنثى ٣ ﴾.
وذكرها ابن كثير مرفوعة إلى النَّبي صلى الله عليه وسلم في صحيح البخاري ومسلم، وعلى القراءة المشهورة.
﴿ وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ والأنثى ٣ ﴾، اختلف في لفظة " ما " فقيل : إنها مصدرية، أي وخلق الذكر والأنثى.
وقيل : بمعنى من، أي والذي خلق الذكر والأنثى. فعلى الأول يكون القسم بصفة من صفات الله وهي صفة الخلق، ويكون خص الذكر والأنثى لما فيهما من بديع صنع الله وقوة قدرته سبحانه على ما يأتي.
وعلى قراءة : والذكر والأنثى. يكون القسم بالمخلوق كالليل والنهار، لما في الخلق من قدرة الخالق أيضاً، وعلى أنها بمعنى الذي يكون القسم بالخالق سبحانه، وتكون ما هنا مثل ما في قوله :﴿ وَالسَّماءِ وَمَا بَنَاهَا ﴾، وغاية ما فيه استعمالها وهي في الأصل لغير أولي العلم، إلا أنها لوحظ فيها معنى الصفة، وهي صفة الخلق أو على ما تستعمله العرب عند القرينة، كقوله تعالى :﴿ وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ ﴾، وقوله :﴿ فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُمْ مِّنَ النِّسَاءِ ﴾، لما لوحظ فيه معنى الصفة وهو الاستمتاع، ساغ استعمال ما بدلاً عن من.
وفي اختصاص خلق الذكر والأنثى في هذا المقام لفت نظر إلى هذه الصفة، لما فيها من إعجاز البشر عنها، كما في الليل والنهار من الإعجاز للبشر من أن يقدروا على شيء في خصوصه، كما قدمنا في السورة قبلها.
وذلك : أن أصل التذكير والتأنيث أمر فوق إدراك وقوى البشر، وهي كالآتي أولاً في الحيوانات الثديية، وهي ذوات الرحم تحمل وتلد، فإنها تنتج عن طريق اتصال الذكور بالإناث.
وتذكير الجنين أو تأنيثه ليس لأبويه دخل فيه، إنه من نطفة أمشاج، أي أخلاط من ماء الأب والأم، وجعل هذا ذكراً وذاك أنثى، فهو هبة من الله كما في قوله :﴿ يَهَبُ لِمَن يَشَاءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَن يَشَاءُ الذُّكُورَ ٤٩ أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً وَيَجْعَلُ مَن يَشَاءُ عَقِيماً إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ ﴾.
وقد ثبت علمياً أن سبب التذكير والتأنيث من جانب الرجل، أي أن ماء المرأة صالح لهذا وذاك، وماء الرجل هو الذي به يكون التمييز لانقسام يقع فيه، فالمرأة لا تعدو أن تكون حرثاً، والرجل هو الزارع، ونوع الزرع يكون عن طريقه، كما أشارت إليه الآية الكريمة ﴿ نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ ﴾، والحرث لا يتصرف في الزرع، وإنما التصرف عن طريق الحارث.
ويتم ذلك عن طريق مبدء معلوم علمياً، وهو أن خلية التلقيح في الأنثى دائماً وأبدا مكونة من ثمانية وأربعين جزءاً، وهي دائماً وأبدًا تنقسم إلى قسمين متساويين أربعة وعشرين، فيلتحم قسم منها مع قسم خلية الذكر، وخلية الذكر سبعة وأربعون، وإنما أبداً تنقسم أيضاً عند التلقيح إلى قسمين، ولكن أحدهما أربعة وعشرون، والآخر ثلاثة وعشرون، فإذا أراد الله تذكير الحمل سبق القسم الذي من ثلاثة وعشرين. فيندمج مع قسيم خلية الأنثى، وهو أربعة وعشرون، فيكون مجموعهما سبعة وأربعين، فيكون الذكر بإذن اللَّه.
وإذا أراد الله تأنيث الحمل سبق القسم الذي هو أربعة وعشرون من الرجل، فيندمج مع قسيم خلية المرأة أربعة وعشرين، فيكون من مجموعهما ثمانية وأربعون، فتكون الأنثى بإذن اللَّه، وهكذا في جميع الحيوانات.
أما النباتات فإن بعض الأشجار تتميز فيه الذكور من الإناث، كالنخل والتوت مثلاً، وبقية الأشجار تكون الشجرة الواحدة تحمل زهرة الذكورة وزهرة الأنوثة، فتلقح الرياح بعضها من بعض.
وقد حدثني عدة أشخاص عن غريبتين في ذلك.
إحداهما : أن نخلة موجودة حتى الآن في بعض السنين فحلاً يؤخذ منه ليؤبر النخيل، وفي بعض السنين نخلة تطلع وتثمر.
وحدثني آخر في نفس المجلس : من أنه توجد عندهم شجرة نخل يكون أحد شقيها فحلاً يؤخذ منه الطلع يلقح به النخل، وشقها الآخر نخلة يتلقح من الشق الآخر لمجاورته.
كما حدثني ثالث : أن والده قطع بعض فحل النخل لكثرته في النخيل، وبعد قطعه نبت في أصله ومن جذعه وجذوره نخلة تثمر. وكل ذلك على خلاف العادة، ولكنه دال على قدرة الله تعالى، وأنه خالق الذكر والأنثى.
أما عمل هذا الجهاز في الحيوانات، بل وفي الحشرات الدقيقة، وتكاثرها، فهو فوق الحصر والحد.
وقد ذكروا في عالم الحشرات، ما يلقح نفسه بنفسه، باحتكاك بعض فخذية ببعض، وكل ذلك مما لا يعلمه ولا يقدر على إيجاده إلاَّ الله سبحانه وتعالى، مما لو تأمله العاقل لوجد فيه كما أسلفنا القدرة الباهرة، أعظم مما في الليل إذا يغشى وما في النهار إذا تجلى، ولاسيما إذا صغر الكائن كالبعوضة فما دونها مما لا يكاد يرى بالعين، ومع ذلك فإن فيه الذكورة والأنوثة. سبحانك اللَّهم ما أعظم شأنك.
تقدم للشيخ رحمة الله تعالى علينا وعليه بحث هذه المسألة، وإيراد كل النصوص في عدة مواضع، أشار إليها كلها في سورة النجم عند قوله تعالى :﴿ وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ والأنثى ٤٥ مِن نُّطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى ٤٦ ﴾، وقد قرئت بعدة قراءات منها ﴿ وَالذِّي خَلَقَ الذَّكَرَ والأنثى ٣ ﴾، ومنها ﴿ الذَّكَرَ والأنثى ٣ ﴾.
وذكرها ابن كثير مرفوعة إلى النَّبي صلى الله عليه وسلم في صحيح البخاري ومسلم، وعلى القراءة المشهورة.
﴿ وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ والأنثى ٣ ﴾، اختلف في لفظة " ما " فقيل : إنها مصدرية، أي وخلق الذكر والأنثى.
وقيل : بمعنى من، أي والذي خلق الذكر والأنثى. فعلى الأول يكون القسم بصفة من صفات الله وهي صفة الخلق، ويكون خص الذكر والأنثى لما فيهما من بديع صنع الله وقوة قدرته سبحانه على ما يأتي.
وعلى قراءة : والذكر والأنثى. يكون القسم بالمخلوق كالليل والنهار، لما في الخلق من قدرة الخالق أيضاً، وعلى أنها بمعنى الذي يكون القسم بالخالق سبحانه، وتكون ما هنا مثل ما في قوله :﴿ وَالسَّماءِ وَمَا بَنَاهَا ﴾، وغاية ما فيه استعمالها وهي في الأصل لغير أولي العلم، إلا أنها لوحظ فيها معنى الصفة، وهي صفة الخلق أو على ما تستعمله العرب عند القرينة، كقوله تعالى :﴿ وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ ﴾، وقوله :﴿ فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُمْ مِّنَ النِّسَاءِ ﴾، لما لوحظ فيه معنى الصفة وهو الاستمتاع، ساغ استعمال ما بدلاً عن من.
وفي اختصاص خلق الذكر والأنثى في هذا المقام لفت نظر إلى هذه الصفة، لما فيها من إعجاز البشر عنها، كما في الليل والنهار من الإعجاز للبشر من أن يقدروا على شيء في خصوصه، كما قدمنا في السورة قبلها.
وذلك : أن أصل التذكير والتأنيث أمر فوق إدراك وقوى البشر، وهي كالآتي أولاً في الحيوانات الثديية، وهي ذوات الرحم تحمل وتلد، فإنها تنتج عن طريق اتصال الذكور بالإناث.
وتذكير الجنين أو تأنيثه ليس لأبويه دخل فيه، إنه من نطفة أمشاج، أي أخلاط من ماء الأب والأم، وجعل هذا ذكراً وذاك أنثى، فهو هبة من الله كما في قوله :﴿ يَهَبُ لِمَن يَشَاءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَن يَشَاءُ الذُّكُورَ ٤٩ أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً وَيَجْعَلُ مَن يَشَاءُ عَقِيماً إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ ﴾.
وقد ثبت علمياً أن سبب التذكير والتأنيث من جانب الرجل، أي أن ماء المرأة صالح لهذا وذاك، وماء الرجل هو الذي به يكون التمييز لانقسام يقع فيه، فالمرأة لا تعدو أن تكون حرثاً، والرجل هو الزارع، ونوع الزرع يكون عن طريقه، كما أشارت إليه الآية الكريمة ﴿ نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ ﴾، والحرث لا يتصرف في الزرع، وإنما التصرف عن طريق الحارث.
ويتم ذلك عن طريق مبدء معلوم علمياً، وهو أن خلية التلقيح في الأنثى دائماً وأبدا مكونة من ثمانية وأربعين جزءاً، وهي دائماً وأبدًا تنقسم إلى قسمين متساويين أربعة وعشرين، فيلتحم قسم منها مع قسم خلية الذكر، وخلية الذكر سبعة وأربعون، وإنما أبداً تنقسم أيضاً عند التلقيح إلى قسمين، ولكن أحدهما أربعة وعشرون، والآخر ثلاثة وعشرون، فإذا أراد الله تذكير الحمل سبق القسم الذي من ثلاثة وعشرين. فيندمج مع قسيم خلية الأنثى، وهو أربعة وعشرون، فيكون مجموعهما سبعة وأربعين، فيكون الذكر بإذن اللَّه.
وإذا أراد الله تأنيث الحمل سبق القسم الذي هو أربعة وعشرون من الرجل، فيندمج مع قسيم خلية المرأة أربعة وعشرين، فيكون من مجموعهما ثمانية وأربعون، فتكون الأنثى بإذن اللَّه، وهكذا في جميع الحيوانات.
أما النباتات فإن بعض الأشجار تتميز فيه الذكور من الإناث، كالنخل والتوت مثلاً، وبقية الأشجار تكون الشجرة الواحدة تحمل زهرة الذكورة وزهرة الأنوثة، فتلقح الرياح بعضها من بعض.
وقد حدثني عدة أشخاص عن غريبتين في ذلك.
إحداهما : أن نخلة موجودة حتى الآن في بعض السنين فحلاً يؤخذ منه ليؤبر النخيل، وفي بعض السنين نخلة تطلع وتثمر.
وحدثني آخر في نفس المجلس : من أنه توجد عندهم شجرة نخل يكون أحد شقيها فحلاً يؤخذ منه الطلع يلقح به النخل، وشقها الآخر نخلة يتلقح من الشق الآخر لمجاورته.
كما حدثني ثالث : أن والده قطع بعض فحل النخل لكثرته في النخيل، وبعد قطعه نبت في أصله ومن جذعه وجذوره نخلة تثمر. وكل ذلك على خلاف العادة، ولكنه دال على قدرة الله تعالى، وأنه خالق الذكر والأنثى.
أما عمل هذا الجهاز في الحيوانات، بل وفي الحشرات الدقيقة، وتكاثرها، فهو فوق الحصر والحد.
وقد ذكروا في عالم الحشرات، ما يلقح نفسه بنفسه، باحتكاك بعض فخذية ببعض، وكل ذلك مما لا يعلمه ولا يقدر على إيجاده إلاَّ الله سبحانه وتعالى، مما لو تأمله العاقل لوجد فيه كما أسلفنا القدرة الباهرة، أعظم مما في الليل إذا يغشى وما في النهار إذا تجلى، ولاسيما إذا صغر الكائن كالبعوضة فما دونها مما لا يكاد يرى بالعين، ومع ذلك فإن فيه الذكورة والأنوثة. سبحانك اللَّهم ما أعظم شأنك.
قوله تعالى :﴿ إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى ﴾.
تقدم في السورة الأولى قوله تعالى :﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا ٩ وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا ١٠ ﴾، وكلاهما بالسعي إليه والعمل من أجله، وهنا يقول : إن سعيكم مهما كان لشتى، أي متباعد بعض عن بعض.
والشتات : التباعد والافتراق، وشتى : جمع شتيت، كمرضى ومريض، وقتلى وقتيل ونحوه، ومنه قول الشاعر :
وهذا جواب القسم، وفي القسم ما يشعر بالارتباط به، كبعد ما بين الليل والنهار، وما بين الذكر والأنثى، فهما مختلفان تماماً، وهكذا هما مفترقان في النتائج والوسائل، كبعد ما بين فلاح من زكاها، وخيبة من دساها المتقدم في السورة قبلها.
تقدم في السورة الأولى قوله تعالى :﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا ٩ وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا ١٠ ﴾، وكلاهما بالسعي إليه والعمل من أجله، وهنا يقول : إن سعيكم مهما كان لشتى، أي متباعد بعض عن بعض.
والشتات : التباعد والافتراق، وشتى : جمع شتيت، كمرضى ومريض، وقتلى وقتيل ونحوه، ومنه قول الشاعر :
قد يجمع الله الشتيتين بعد ما | يظنان كل الظن ألا تلاقيا |
ثم فصل هذا الشتات في التفصيل الآتي ﴿ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى ٥ وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى ٦ فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى ٧ وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَى ٨ وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى ٩ فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى ﴾.
وما أبعد ما بين العطاء والبخل والتصديق والتكذيب واليسرى والعسرى، وقد أطلق أعطى ليعم كل عطاء من ماله وجاهه وجهده حتى الكلمة الطيبة، بل حتى طلاقة الوجه، كما في الحديث " ولو أن أخاك بوجه طلق ".
والحسنى : قيل المجازاة على الأعمال.
وقيل : للخلف على الإنفاق.
وقيل : لا إله إلاَّ اللَّه.
وقيل : الجنة.
والذي يشهد له القرآن هو الأخير لقوله تعالى :﴿ * لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ ﴾، فقالوا : الحسنى هي الجنة، والزيادة النظر إلى وجهه الكريم، وهذا المعنى يشمل كل المعاني لأنها أحسن خلف لكل ما ينفق العبد، وخير وأحسن مجازاة على أي عمل مهما كان، ولا يتوصل إليها إلا بلا إله إلا اللَّه.
وقوله :﴿ فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى ٧ ﴾ وقوله :﴿ فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى ١٠ ﴾ بعد ذكر أعطى واتقى في الأولى، وبخل واستغنى في الثانية.
قيل : هو دلالة على أن فعل الطاعة ييسر إلى طاعة أخرى، وفعل المعصية يدفع إلى معصية أخرى.
قال ابن كثير : مثل قوله تعالى :﴿ وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُواْ بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ في طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ ﴾.
ثم قال : والآيات في هذا المعنى كثيرة، دالة على أن الله عزّ وجلّ، يجازي من قصد الخير بالتوفيق له، ومن قصد الشر بالخذلان، وكل ذلك بقدر مقدر.
والأحاديث الدالة على ذلك كثيرة. وذكر عن أبي بكر عند أحمد، وعن علي عند البخاري، وعبد اللَّه بن عمر عند أحمد، وعدد كثير بروايات متعددة، أشملها وأصحها حديث علي عند البخاري قال علي : " كنا مع النَّبي صلى الله عليه وسلم في بقيع الغرقد في جنازة فقال : ما منكم من أحد إلاَّ وقد كتب مقعده من الجنة ومقعده من النار " فقالوا : يا رسول الله، أفلا نتكل ؟ " فقال : اعملوا، فكل ميسر لما خلق له، ثم قرأ ﴿ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى ٥ وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى ٦ فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى ﴾ إلى قوله ﴿ لِلْعُسْرَى ﴾ فهي من الآيات التي لها تعلق ببحث القدر.
وتقدم مراراً بحث هذه المسألة. والعلم عند الله تعالى.
تنبيه
قال أبو حيان : جاء قوله :﴿ فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى ﴾ على سبيل المقابلة، لأن العسرى لا تيسير فيها. ا ه.
وهذا من حيث الأسلوب ممكن، ولكن لا يبعد أن يكون معنى التيسير موجوداً بالفعل، إذ المشاهد أن من خذلهم اللَّه عياذاً باللَّه يوجد منهم إقبال وقبول وارتياح، لما يكون أثقل وأشق ما يكون على غيرهم، ويرون ما هم فيه سهلاً ميسراً لا غضاضة عليهم فيه، بل وقد يستمرؤون الحرام ويستطعمونه.
كما ذكر لي شخص : أن لصًّا قد كفَّ عن السرقة حياءً من الناس، وبعد أن كثر ماله وكبر سنه أعطى رجلاً دراهم ليسرق له من زرع جاره، فذهب الرجل ودار من جهة أخرى وأتاه بثمرة من زرعه هو، أي زرع اللص نفسه، فلما أكلها تفلها، وقال : ليس فيه طعمة المسروق، فمن أين أتيت به ؟ قال : أتيت به من زرعك، ألا تستحي من نفسك، تسرق وعندك ما يغنيك. فخجل وكف.
وقد جاء عن عمر نقيض ذلك تماماً، وهو أنه لما طلب من غلامه أن يسقيه مما في شكوته من لبنه، فلما طعمه استنكر طعمه، فقال للغلام : من أين هذا ؟ فقال : مررت على إبل الصدقة فحلبوا لي منها، وها هو ذا، فوضع عمر إصبعه في فِيه، واستقاء ما شرب.
إنها حساسية الحرام استنكرها عمر، وأحس بالحرام فاستقاءه، وهذا وذاك بتيسير من الله تعالى، وصدق صلى الله عليه وسلم " اعملوا فكل ميسر لما خلق له ".
ونحن نشاهد في الأمور العادية أصحاب المهن والحرف كل واحد راضٍ بعمله وميسر له، وهكذا نظام الكون كله، والذي يهم هنا أن كلاً من الطاعة أو المعصية له أثره على ما بعده.
تنبيه
قيل : إن هذه المقارنة بين : من أعطى واتقى وصدق بالحسنى، ومن بخل واستغنى وكذب بالحسنى، واقعة بين أبي بكر رضي الله عنه، وبين غيره من المشركين.
ومعلوم أن العبرة بعموم اللفظ فهي عامة في كل من أعطى واتقى وصدق، أو بخل واستغنى وكذب. واللَّه تعالى أعلم.
وما أبعد ما بين العطاء والبخل والتصديق والتكذيب واليسرى والعسرى، وقد أطلق أعطى ليعم كل عطاء من ماله وجاهه وجهده حتى الكلمة الطيبة، بل حتى طلاقة الوجه، كما في الحديث " ولو أن أخاك بوجه طلق ".
والحسنى : قيل المجازاة على الأعمال.
وقيل : للخلف على الإنفاق.
وقيل : لا إله إلاَّ اللَّه.
وقيل : الجنة.
والذي يشهد له القرآن هو الأخير لقوله تعالى :﴿ * لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ ﴾، فقالوا : الحسنى هي الجنة، والزيادة النظر إلى وجهه الكريم، وهذا المعنى يشمل كل المعاني لأنها أحسن خلف لكل ما ينفق العبد، وخير وأحسن مجازاة على أي عمل مهما كان، ولا يتوصل إليها إلا بلا إله إلا اللَّه.
وقوله :﴿ فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى ٧ ﴾ وقوله :﴿ فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى ١٠ ﴾ بعد ذكر أعطى واتقى في الأولى، وبخل واستغنى في الثانية.
قيل : هو دلالة على أن فعل الطاعة ييسر إلى طاعة أخرى، وفعل المعصية يدفع إلى معصية أخرى.
قال ابن كثير : مثل قوله تعالى :﴿ وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُواْ بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ في طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ ﴾.
ثم قال : والآيات في هذا المعنى كثيرة، دالة على أن الله عزّ وجلّ، يجازي من قصد الخير بالتوفيق له، ومن قصد الشر بالخذلان، وكل ذلك بقدر مقدر.
والأحاديث الدالة على ذلك كثيرة. وذكر عن أبي بكر عند أحمد، وعن علي عند البخاري، وعبد اللَّه بن عمر عند أحمد، وعدد كثير بروايات متعددة، أشملها وأصحها حديث علي عند البخاري قال علي : " كنا مع النَّبي صلى الله عليه وسلم في بقيع الغرقد في جنازة فقال : ما منكم من أحد إلاَّ وقد كتب مقعده من الجنة ومقعده من النار " فقالوا : يا رسول الله، أفلا نتكل ؟ " فقال : اعملوا، فكل ميسر لما خلق له، ثم قرأ ﴿ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى ٥ وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى ٦ فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى ﴾ إلى قوله ﴿ لِلْعُسْرَى ﴾ فهي من الآيات التي لها تعلق ببحث القدر.
وتقدم مراراً بحث هذه المسألة. والعلم عند الله تعالى.
تنبيه
قال أبو حيان : جاء قوله :﴿ فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى ﴾ على سبيل المقابلة، لأن العسرى لا تيسير فيها. ا ه.
وهذا من حيث الأسلوب ممكن، ولكن لا يبعد أن يكون معنى التيسير موجوداً بالفعل، إذ المشاهد أن من خذلهم اللَّه عياذاً باللَّه يوجد منهم إقبال وقبول وارتياح، لما يكون أثقل وأشق ما يكون على غيرهم، ويرون ما هم فيه سهلاً ميسراً لا غضاضة عليهم فيه، بل وقد يستمرؤون الحرام ويستطعمونه.
كما ذكر لي شخص : أن لصًّا قد كفَّ عن السرقة حياءً من الناس، وبعد أن كثر ماله وكبر سنه أعطى رجلاً دراهم ليسرق له من زرع جاره، فذهب الرجل ودار من جهة أخرى وأتاه بثمرة من زرعه هو، أي زرع اللص نفسه، فلما أكلها تفلها، وقال : ليس فيه طعمة المسروق، فمن أين أتيت به ؟ قال : أتيت به من زرعك، ألا تستحي من نفسك، تسرق وعندك ما يغنيك. فخجل وكف.
وقد جاء عن عمر نقيض ذلك تماماً، وهو أنه لما طلب من غلامه أن يسقيه مما في شكوته من لبنه، فلما طعمه استنكر طعمه، فقال للغلام : من أين هذا ؟ فقال : مررت على إبل الصدقة فحلبوا لي منها، وها هو ذا، فوضع عمر إصبعه في فِيه، واستقاء ما شرب.
إنها حساسية الحرام استنكرها عمر، وأحس بالحرام فاستقاءه، وهذا وذاك بتيسير من الله تعالى، وصدق صلى الله عليه وسلم " اعملوا فكل ميسر لما خلق له ".
ونحن نشاهد في الأمور العادية أصحاب المهن والحرف كل واحد راضٍ بعمله وميسر له، وهكذا نظام الكون كله، والذي يهم هنا أن كلاً من الطاعة أو المعصية له أثره على ما بعده.
تنبيه
قيل : إن هذه المقارنة بين : من أعطى واتقى وصدق بالحسنى، ومن بخل واستغنى وكذب بالحسنى، واقعة بين أبي بكر رضي الله عنه، وبين غيره من المشركين.
ومعلوم أن العبرة بعموم اللفظ فهي عامة في كل من أعطى واتقى وصدق، أو بخل واستغنى وكذب. واللَّه تعالى أعلم.
قوله تعالى :﴿ وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى ﴾.
رد على من بخل واستغنى، وما هنا يمكن أن تكون نافية أي لا يغني عنه شيء، كما في قوله :﴿ مَا أَغْنَى عَنِّيِ مَالِيَهْ ٢٨ ﴾ وقوله :﴿ يَوْمَ لاَ يَنفَعُ مَالٌ وَلاَ بَنُونَ ﴾.
ويمكن أن تكون استفهامية وقوله :﴿ إِذَا تَرَدَّى ﴾، أي في النار عياذاً باللَّه، أو تردى في أعماله، فمآله إلى النار بسبب بخله في الدنيا، كما يشهد له قوله تعالى :﴿ وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَّهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَّهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُواْ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ﴾.
رد على من بخل واستغنى، وما هنا يمكن أن تكون نافية أي لا يغني عنه شيء، كما في قوله :﴿ مَا أَغْنَى عَنِّيِ مَالِيَهْ ٢٨ ﴾ وقوله :﴿ يَوْمَ لاَ يَنفَعُ مَالٌ وَلاَ بَنُونَ ﴾.
ويمكن أن تكون استفهامية وقوله :﴿ إِذَا تَرَدَّى ﴾، أي في النار عياذاً باللَّه، أو تردى في أعماله، فمآله إلى النار بسبب بخله في الدنيا، كما يشهد له قوله تعالى :﴿ وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَّهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَّهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُواْ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ﴾.
قوله تعالى :﴿ إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى ﴾.
فيه للعلماء أوجه، منها : إن طريق الهدى دال وموصل علينا بخلاف الضلال.
ومنها : التزام الله للخلق عليه لهم الهدى، وهذا الوجه محل إشكال، إذ إن بعض الخلق لم يهدهم اللَّه.
وقد بحث هذا الأمر الشيخ رحمة الله تعالى علينا وعليه في دفع إيهام الاضطراب، من أن الجواب عليه من حيث إن الهدى عام وخاص. واللَّه تعالى أعلم.
فيه للعلماء أوجه، منها : إن طريق الهدى دال وموصل علينا بخلاف الضلال.
ومنها : التزام الله للخلق عليه لهم الهدى، وهذا الوجه محل إشكال، إذ إن بعض الخلق لم يهدهم اللَّه.
وقد بحث هذا الأمر الشيخ رحمة الله تعالى علينا وعليه في دفع إيهام الاضطراب، من أن الجواب عليه من حيث إن الهدى عام وخاص. واللَّه تعالى أعلم.
قوله تعالى :﴿ وَإِنَّ لَنَا لَلآخِرَةَ وَالأولَى ﴾.
أي بكمال التصرف والأمر، وقد بينه تعالى في سورة الفاتحة ﴿ الْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ٢ ﴾، أي المتصرف في الدنيا ﴿ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ٤ ﴾، أي المتصرف في الآخرة وحده ﴿ لِّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ ١٦ ﴾.
وهذا كدليل على تيسيره لعباده إلى ما يشاء في الدنيا، ومجازاتهم بما شاء في الآخرة.
أي بكمال التصرف والأمر، وقد بينه تعالى في سورة الفاتحة ﴿ الْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ٢ ﴾، أي المتصرف في الدنيا ﴿ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ٤ ﴾، أي المتصرف في الآخرة وحده ﴿ لِّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ ١٦ ﴾.
وهذا كدليل على تيسيره لعباده إلى ما يشاء في الدنيا، ومجازاتهم بما شاء في الآخرة.
قوله تعالى :﴿ فَأَنذَرْتُكُمْ نَاراً تَلَظَّى ﴾.
أي تتلظى، واللظى : اللهب الخالص، وفي وصف النار هنا بلظى مع أن لها صفات عديدة منها : السعير، وسقر، والجحيم، والهاوية، وغير ذلك.
وذكر هنا صنفاً خاصاً، وهو من كذب وتولى، كما تقدم في موضع آخر في وصفها أيضاً بلظى في قوله تعالى :﴿ إِنَّهَا لَظَى نَزَّاعَةً لِّلشَّوَى ﴾، ثم بين أهلها بقوله :﴿ تَدْعُواْ مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى وَجَمَعَ فَأَوْعَى ﴾.
وهو كما هو هنا ﴿ فَأَنذَرْتُكُمْ نَاراً تَلَظَّى لاَ يَصْلاهَا إِلاَّ الأشْقَى الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى ﴾، وهو المعنى في قوله قبله :﴿ وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَى وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى ﴾، مما يدل أن للنار عدة حالات أو مناطق أو منازل، كل منزلة تختص بصنف من الناس، فاختصت لظى بهذا الصنف، واختصت سقر بمن لم يكن من المصلين، وكانوا يخوضون مع الخائضين، ونحو ذلك. ويشهد له قوله :﴿ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ في الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ ﴾، كما أن الجنة منازل ودرجات، حسب أعمال المؤمنين، واللَّه تعالى أعلم.
أي تتلظى، واللظى : اللهب الخالص، وفي وصف النار هنا بلظى مع أن لها صفات عديدة منها : السعير، وسقر، والجحيم، والهاوية، وغير ذلك.
وذكر هنا صنفاً خاصاً، وهو من كذب وتولى، كما تقدم في موضع آخر في وصفها أيضاً بلظى في قوله تعالى :﴿ إِنَّهَا لَظَى نَزَّاعَةً لِّلشَّوَى ﴾، ثم بين أهلها بقوله :﴿ تَدْعُواْ مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى وَجَمَعَ فَأَوْعَى ﴾.
وهو كما هو هنا ﴿ فَأَنذَرْتُكُمْ نَاراً تَلَظَّى لاَ يَصْلاهَا إِلاَّ الأشْقَى الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى ﴾، وهو المعنى في قوله قبله :﴿ وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَى وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى ﴾، مما يدل أن للنار عدة حالات أو مناطق أو منازل، كل منزلة تختص بصنف من الناس، فاختصت لظى بهذا الصنف، واختصت سقر بمن لم يكن من المصلين، وكانوا يخوضون مع الخائضين، ونحو ذلك. ويشهد له قوله :﴿ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ في الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ ﴾، كما أن الجنة منازل ودرجات، حسب أعمال المؤمنين، واللَّه تعالى أعلم.
قوله تعالى :﴿ لاَ يَصْلاَهَا إِلاَّ الأشْقَى الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى وَسَيُجَنَّبُهَا الأَتْقَى الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى ﴾.
هذه الآية من مواضع الإيهام، ولم يتعرض لها في دفع إيهام الاضطراب، وهو أنها تنص وعلى سبيل الحصر، أنه لا يصلى النار إلاَّ الأشقى مع مجيء قوله تعالى :﴿ وَإِن مِّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْماً مَّقْضِيّاً ﴾ مما يدل على ورود الجميع.
والجواب من وجهين : الأول كما قال الزمخشري : إن الآية بين حالي عظيم من المشركين وعظيم من المؤمنين، فأريد أن يبالغ في صفتيهما المتناقضتين.
فقيل : الأشقى وجعل مختصاً بالصلى، كأن النار لم تخلق إلا له، وقال الأتقى، وجعل مختصاً بالجنة، وكأن الجنة لم تخلق إلا له، وقيل : عنهما هما أبو جهل أو أُمية بن خلف المشركين، وأبو بكر الصديق رضي الله عنه، حكاه أبو حيان عن الزمخشري.
والوجه الثاني : هو أن الصلى الدخول والشي، وأن يكون وقود النار على سبيل الخلود، والورود والدخول المؤقت بزمن غير الصلى لقوله في آية الورود، التي هي قوله تعالى :﴿ وَإِن مِّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا ﴾، ﴿ ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيّاً ﴾، ويبقى الإشكال، بين الذين اتقوا وبين الأتقى ويجاب عنه : بأن التقى يرد، والأتقى لا يشعر بورودها، كمن يمر عليها كالبرق الخاطف. واللَّه تعالى أعلم.
ولولا التأكيد في آية الورود بالمجيء بحرف من وإلا وقوله :﴿ كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْماً مَّقْضِيّاً ﴾ لولا هذه المذكورات لكان يمكن أن يقال : إنها مخصوصة بهذه الآية، وأن الأتقى لا يردها، إلاَّ أن وجود تلك المذكورات يمنع من القول بالتخصيص. واللَّه تعالى أعلم.
وفيه تقرير مصير القسمين المتقدمين، من أعطى واتقى وصدق، ومن بخل واستغنى وكذب، وأن صليها بسبب التكذيب والتولي والإعراض وهو عين الشقاء، ويتجنبها الأتقى الذي صدق، وكان نتيجة تصديقه أنه أعطى ماله يتزكى، وجعل إتيان المال نتيجة التصديق أمر بالغ الأهمية.
وذلك أن العبد لا يخرج من ماله شيئاً إلاَّ بعوض، لأن الدنيا كلها معاوضة حتى الحيوان تعطيه علفاً يعطيك ما يقابله من خدمة أو حليب. إلخ.
فالمؤمن المصدق بالحسنى يعطي وينتظر الجزاء الأوفى الحسنة بعشر أمثالها، لأنه مؤمن أنه متعامل مع اللَّه، كما في قوله :﴿ مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا ﴾.
أما المكذب : فلم يؤمن بالجزاء آجلاً، فلا يخرج شيئاً لأنه لم يجد عوضاً معجلاً، ولا ينتظر ثواباً مؤجلاً، ولذا كان الذين تبؤوا الدار والإيمان، يحبون من هاجر إليهم ويواسونهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة، إيماناً بما عند اللَّه، بينما كان المنافقون لا ينفقون إلا كرهاً ولا يخرجون إلا الرديء، الذي لم يكونوا ليأخذوه من غيرهم إلاَّ ليغمضوا فيه، ولك ذلك سببه التصديق بالحسنى أو التكذيب بها.
ولذا جاء في الحديث الصحيح " والصدقة برهان " أي على صحة الإيمان بما وعد الله المتقين، من الخلف المضاعفة الحسنة.
وقوله :﴿ يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى ﴾، أي يتطهر ويستزيد، إذ التزكية تأتي بمعنى النماء، كقوله تعالى :﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا ﴾، وهذا رد على قوله تعالى :﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى ١٤ ﴾، وعلى عموم :﴿ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى ٥ ﴾، ولا يقال : إنها زكاة المال، لأن الزكاة لم تشرع إلا بالمدينة، والسورة مكية عند الجمهور، وقيل : مدنية. والصحيح الأول.
تنبيه
قد قيل أيضاً : إن المراد بقوله :﴿ وَسَيُجَنَّبُهَا الأَتْقَى ١٧ الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى ١٨ ﴾، إلى آخر السورة. نازل في أبي بكر رضي الله عنه، لما كان يعتق ضعفة المسلمين، ومن يعذبون على إسلامهم في مكة، فقيل له : لو اشتريت الأقوياء يساعدونك ويدافعون عنك. فأنزل الله الآيات إلى قوله :﴿ وَمَا لأحَدٍ عِندَهُ مِن نِّعْمَةٍ تُجْزَى إِلاَّ ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الأَعْلَى ﴾.
هذه الآية من مواضع الإيهام، ولم يتعرض لها في دفع إيهام الاضطراب، وهو أنها تنص وعلى سبيل الحصر، أنه لا يصلى النار إلاَّ الأشقى مع مجيء قوله تعالى :﴿ وَإِن مِّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْماً مَّقْضِيّاً ﴾ مما يدل على ورود الجميع.
والجواب من وجهين : الأول كما قال الزمخشري : إن الآية بين حالي عظيم من المشركين وعظيم من المؤمنين، فأريد أن يبالغ في صفتيهما المتناقضتين.
فقيل : الأشقى وجعل مختصاً بالصلى، كأن النار لم تخلق إلا له، وقال الأتقى، وجعل مختصاً بالجنة، وكأن الجنة لم تخلق إلا له، وقيل : عنهما هما أبو جهل أو أُمية بن خلف المشركين، وأبو بكر الصديق رضي الله عنه، حكاه أبو حيان عن الزمخشري.
والوجه الثاني : هو أن الصلى الدخول والشي، وأن يكون وقود النار على سبيل الخلود، والورود والدخول المؤقت بزمن غير الصلى لقوله في آية الورود، التي هي قوله تعالى :﴿ وَإِن مِّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا ﴾، ﴿ ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيّاً ﴾، ويبقى الإشكال، بين الذين اتقوا وبين الأتقى ويجاب عنه : بأن التقى يرد، والأتقى لا يشعر بورودها، كمن يمر عليها كالبرق الخاطف. واللَّه تعالى أعلم.
ولولا التأكيد في آية الورود بالمجيء بحرف من وإلا وقوله :﴿ كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْماً مَّقْضِيّاً ﴾ لولا هذه المذكورات لكان يمكن أن يقال : إنها مخصوصة بهذه الآية، وأن الأتقى لا يردها، إلاَّ أن وجود تلك المذكورات يمنع من القول بالتخصيص. واللَّه تعالى أعلم.
وفيه تقرير مصير القسمين المتقدمين، من أعطى واتقى وصدق، ومن بخل واستغنى وكذب، وأن صليها بسبب التكذيب والتولي والإعراض وهو عين الشقاء، ويتجنبها الأتقى الذي صدق، وكان نتيجة تصديقه أنه أعطى ماله يتزكى، وجعل إتيان المال نتيجة التصديق أمر بالغ الأهمية.
وذلك أن العبد لا يخرج من ماله شيئاً إلاَّ بعوض، لأن الدنيا كلها معاوضة حتى الحيوان تعطيه علفاً يعطيك ما يقابله من خدمة أو حليب. إلخ.
فالمؤمن المصدق بالحسنى يعطي وينتظر الجزاء الأوفى الحسنة بعشر أمثالها، لأنه مؤمن أنه متعامل مع اللَّه، كما في قوله :﴿ مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا ﴾.
أما المكذب : فلم يؤمن بالجزاء آجلاً، فلا يخرج شيئاً لأنه لم يجد عوضاً معجلاً، ولا ينتظر ثواباً مؤجلاً، ولذا كان الذين تبؤوا الدار والإيمان، يحبون من هاجر إليهم ويواسونهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة، إيماناً بما عند اللَّه، بينما كان المنافقون لا ينفقون إلا كرهاً ولا يخرجون إلا الرديء، الذي لم يكونوا ليأخذوه من غيرهم إلاَّ ليغمضوا فيه، ولك ذلك سببه التصديق بالحسنى أو التكذيب بها.
ولذا جاء في الحديث الصحيح " والصدقة برهان " أي على صحة الإيمان بما وعد الله المتقين، من الخلف المضاعفة الحسنة.
وقوله :﴿ يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى ﴾، أي يتطهر ويستزيد، إذ التزكية تأتي بمعنى النماء، كقوله تعالى :﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا ﴾، وهذا رد على قوله تعالى :﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى ١٤ ﴾، وعلى عموم :﴿ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى ٥ ﴾، ولا يقال : إنها زكاة المال، لأن الزكاة لم تشرع إلا بالمدينة، والسورة مكية عند الجمهور، وقيل : مدنية. والصحيح الأول.
تنبيه
قد قيل أيضاً : إن المراد بقوله :﴿ وَسَيُجَنَّبُهَا الأَتْقَى ١٧ الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى ١٨ ﴾، إلى آخر السورة. نازل في أبي بكر رضي الله عنه، لما كان يعتق ضعفة المسلمين، ومن يعذبون على إسلامهم في مكة، فقيل له : لو اشتريت الأقوياء يساعدونك ويدافعون عنك. فأنزل الله الآيات إلى قوله :﴿ وَمَا لأحَدٍ عِندَهُ مِن نِّعْمَةٍ تُجْزَى إِلاَّ ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الأَعْلَى ﴾.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٥:قوله تعالى :﴿ لاَ يَصْلاَهَا إِلاَّ الأشْقَى الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى وَسَيُجَنَّبُهَا الأَتْقَى الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى ﴾.
هذه الآية من مواضع الإيهام، ولم يتعرض لها في دفع إيهام الاضطراب، وهو أنها تنص وعلى سبيل الحصر، أنه لا يصلى النار إلاَّ الأشقى مع مجيء قوله تعالى :﴿ وَإِن مِّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْماً مَّقْضِيّاً ﴾ مما يدل على ورود الجميع.
والجواب من وجهين : الأول كما قال الزمخشري : إن الآية بين حالي عظيم من المشركين وعظيم من المؤمنين، فأريد أن يبالغ في صفتيهما المتناقضتين.
فقيل : الأشقى وجعل مختصاً بالصلى، كأن النار لم تخلق إلا له، وقال الأتقى، وجعل مختصاً بالجنة، وكأن الجنة لم تخلق إلا له، وقيل : عنهما هما أبو جهل أو أُمية بن خلف المشركين، وأبو بكر الصديق رضي الله عنه، حكاه أبو حيان عن الزمخشري.
والوجه الثاني : هو أن الصلى الدخول والشي، وأن يكون وقود النار على سبيل الخلود، والورود والدخول المؤقت بزمن غير الصلى لقوله في آية الورود، التي هي قوله تعالى :﴿ وَإِن مِّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا ﴾، ﴿ ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيّاً ﴾، ويبقى الإشكال، بين الذين اتقوا وبين الأتقى ويجاب عنه : بأن التقى يرد، والأتقى لا يشعر بورودها، كمن يمر عليها كالبرق الخاطف. واللَّه تعالى أعلم.
ولولا التأكيد في آية الورود بالمجيء بحرف من وإلا وقوله :﴿ كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْماً مَّقْضِيّاً ﴾ لولا هذه المذكورات لكان يمكن أن يقال : إنها مخصوصة بهذه الآية، وأن الأتقى لا يردها، إلاَّ أن وجود تلك المذكورات يمنع من القول بالتخصيص. واللَّه تعالى أعلم.
وفيه تقرير مصير القسمين المتقدمين، من أعطى واتقى وصدق، ومن بخل واستغنى وكذب، وأن صليها بسبب التكذيب والتولي والإعراض وهو عين الشقاء، ويتجنبها الأتقى الذي صدق، وكان نتيجة تصديقه أنه أعطى ماله يتزكى، وجعل إتيان المال نتيجة التصديق أمر بالغ الأهمية.
وذلك أن العبد لا يخرج من ماله شيئاً إلاَّ بعوض، لأن الدنيا كلها معاوضة حتى الحيوان تعطيه علفاً يعطيك ما يقابله من خدمة أو حليب. إلخ.
فالمؤمن المصدق بالحسنى يعطي وينتظر الجزاء الأوفى الحسنة بعشر أمثالها، لأنه مؤمن أنه متعامل مع اللَّه، كما في قوله :﴿ مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا ﴾.
أما المكذب : فلم يؤمن بالجزاء آجلاً، فلا يخرج شيئاً لأنه لم يجد عوضاً معجلاً، ولا ينتظر ثواباً مؤجلاً، ولذا كان الذين تبؤوا الدار والإيمان، يحبون من هاجر إليهم ويواسونهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة، إيماناً بما عند اللَّه، بينما كان المنافقون لا ينفقون إلا كرهاً ولا يخرجون إلا الرديء، الذي لم يكونوا ليأخذوه من غيرهم إلاَّ ليغمضوا فيه، ولك ذلك سببه التصديق بالحسنى أو التكذيب بها.
ولذا جاء في الحديث الصحيح " والصدقة برهان " أي على صحة الإيمان بما وعد الله المتقين، من الخلف المضاعفة الحسنة.
وقوله :﴿ يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى ﴾، أي يتطهر ويستزيد، إذ التزكية تأتي بمعنى النماء، كقوله تعالى :﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا ﴾، وهذا رد على قوله تعالى :﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى ١٤ ﴾، وعلى عموم :﴿ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى ٥ ﴾، ولا يقال : إنها زكاة المال، لأن الزكاة لم تشرع إلا بالمدينة، والسورة مكية عند الجمهور، وقيل : مدنية. والصحيح الأول.
تنبيه
قد قيل أيضاً : إن المراد بقوله :﴿ وَسَيُجَنَّبُهَا الأَتْقَى ١٧ الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى ١٨ ﴾، إلى آخر السورة. نازل في أبي بكر رضي الله عنه، لما كان يعتق ضعفة المسلمين، ومن يعذبون على إسلامهم في مكة، فقيل له : لو اشتريت الأقوياء يساعدونك ويدافعون عنك. فأنزل الله الآيات إلى قوله :﴿ وَمَا لأحَدٍ عِندَهُ مِن نِّعْمَةٍ تُجْزَى إِلاَّ ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الأَعْلَى ﴾.
هذه الآية من مواضع الإيهام، ولم يتعرض لها في دفع إيهام الاضطراب، وهو أنها تنص وعلى سبيل الحصر، أنه لا يصلى النار إلاَّ الأشقى مع مجيء قوله تعالى :﴿ وَإِن مِّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْماً مَّقْضِيّاً ﴾ مما يدل على ورود الجميع.
والجواب من وجهين : الأول كما قال الزمخشري : إن الآية بين حالي عظيم من المشركين وعظيم من المؤمنين، فأريد أن يبالغ في صفتيهما المتناقضتين.
فقيل : الأشقى وجعل مختصاً بالصلى، كأن النار لم تخلق إلا له، وقال الأتقى، وجعل مختصاً بالجنة، وكأن الجنة لم تخلق إلا له، وقيل : عنهما هما أبو جهل أو أُمية بن خلف المشركين، وأبو بكر الصديق رضي الله عنه، حكاه أبو حيان عن الزمخشري.
والوجه الثاني : هو أن الصلى الدخول والشي، وأن يكون وقود النار على سبيل الخلود، والورود والدخول المؤقت بزمن غير الصلى لقوله في آية الورود، التي هي قوله تعالى :﴿ وَإِن مِّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا ﴾، ﴿ ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيّاً ﴾، ويبقى الإشكال، بين الذين اتقوا وبين الأتقى ويجاب عنه : بأن التقى يرد، والأتقى لا يشعر بورودها، كمن يمر عليها كالبرق الخاطف. واللَّه تعالى أعلم.
ولولا التأكيد في آية الورود بالمجيء بحرف من وإلا وقوله :﴿ كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْماً مَّقْضِيّاً ﴾ لولا هذه المذكورات لكان يمكن أن يقال : إنها مخصوصة بهذه الآية، وأن الأتقى لا يردها، إلاَّ أن وجود تلك المذكورات يمنع من القول بالتخصيص. واللَّه تعالى أعلم.
وفيه تقرير مصير القسمين المتقدمين، من أعطى واتقى وصدق، ومن بخل واستغنى وكذب، وأن صليها بسبب التكذيب والتولي والإعراض وهو عين الشقاء، ويتجنبها الأتقى الذي صدق، وكان نتيجة تصديقه أنه أعطى ماله يتزكى، وجعل إتيان المال نتيجة التصديق أمر بالغ الأهمية.
وذلك أن العبد لا يخرج من ماله شيئاً إلاَّ بعوض، لأن الدنيا كلها معاوضة حتى الحيوان تعطيه علفاً يعطيك ما يقابله من خدمة أو حليب. إلخ.
فالمؤمن المصدق بالحسنى يعطي وينتظر الجزاء الأوفى الحسنة بعشر أمثالها، لأنه مؤمن أنه متعامل مع اللَّه، كما في قوله :﴿ مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا ﴾.
أما المكذب : فلم يؤمن بالجزاء آجلاً، فلا يخرج شيئاً لأنه لم يجد عوضاً معجلاً، ولا ينتظر ثواباً مؤجلاً، ولذا كان الذين تبؤوا الدار والإيمان، يحبون من هاجر إليهم ويواسونهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة، إيماناً بما عند اللَّه، بينما كان المنافقون لا ينفقون إلا كرهاً ولا يخرجون إلا الرديء، الذي لم يكونوا ليأخذوه من غيرهم إلاَّ ليغمضوا فيه، ولك ذلك سببه التصديق بالحسنى أو التكذيب بها.
ولذا جاء في الحديث الصحيح " والصدقة برهان " أي على صحة الإيمان بما وعد الله المتقين، من الخلف المضاعفة الحسنة.
وقوله :﴿ يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى ﴾، أي يتطهر ويستزيد، إذ التزكية تأتي بمعنى النماء، كقوله تعالى :﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا ﴾، وهذا رد على قوله تعالى :﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى ١٤ ﴾، وعلى عموم :﴿ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى ٥ ﴾، ولا يقال : إنها زكاة المال، لأن الزكاة لم تشرع إلا بالمدينة، والسورة مكية عند الجمهور، وقيل : مدنية. والصحيح الأول.
تنبيه
قد قيل أيضاً : إن المراد بقوله :﴿ وَسَيُجَنَّبُهَا الأَتْقَى ١٧ الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى ١٨ ﴾، إلى آخر السورة. نازل في أبي بكر رضي الله عنه، لما كان يعتق ضعفة المسلمين، ومن يعذبون على إسلامهم في مكة، فقيل له : لو اشتريت الأقوياء يساعدونك ويدافعون عنك. فأنزل الله الآيات إلى قوله :﴿ وَمَا لأحَدٍ عِندَهُ مِن نِّعْمَةٍ تُجْزَى إِلاَّ ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الأَعْلَى ﴾.
ﭱﭲ
ﰐ
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٦:نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٥:قوله تعالى :﴿ لاَ يَصْلاَهَا إِلاَّ الأشْقَى الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى وَسَيُجَنَّبُهَا الأَتْقَى الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى ﴾.
هذه الآية من مواضع الإيهام، ولم يتعرض لها في دفع إيهام الاضطراب، وهو أنها تنص وعلى سبيل الحصر، أنه لا يصلى النار إلاَّ الأشقى مع مجيء قوله تعالى :﴿ وَإِن مِّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْماً مَّقْضِيّاً ﴾ مما يدل على ورود الجميع.
والجواب من وجهين : الأول كما قال الزمخشري : إن الآية بين حالي عظيم من المشركين وعظيم من المؤمنين، فأريد أن يبالغ في صفتيهما المتناقضتين.
فقيل : الأشقى وجعل مختصاً بالصلى، كأن النار لم تخلق إلا له، وقال الأتقى، وجعل مختصاً بالجنة، وكأن الجنة لم تخلق إلا له، وقيل : عنهما هما أبو جهل أو أُمية بن خلف المشركين، وأبو بكر الصديق رضي الله عنه، حكاه أبو حيان عن الزمخشري.
والوجه الثاني : هو أن الصلى الدخول والشي، وأن يكون وقود النار على سبيل الخلود، والورود والدخول المؤقت بزمن غير الصلى لقوله في آية الورود، التي هي قوله تعالى :﴿ وَإِن مِّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا ﴾، ﴿ ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيّاً ﴾، ويبقى الإشكال، بين الذين اتقوا وبين الأتقى ويجاب عنه : بأن التقى يرد، والأتقى لا يشعر بورودها، كمن يمر عليها كالبرق الخاطف. واللَّه تعالى أعلم.
ولولا التأكيد في آية الورود بالمجيء بحرف من وإلا وقوله :﴿ كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْماً مَّقْضِيّاً ﴾ لولا هذه المذكورات لكان يمكن أن يقال : إنها مخصوصة بهذه الآية، وأن الأتقى لا يردها، إلاَّ أن وجود تلك المذكورات يمنع من القول بالتخصيص. واللَّه تعالى أعلم.
وفيه تقرير مصير القسمين المتقدمين، من أعطى واتقى وصدق، ومن بخل واستغنى وكذب، وأن صليها بسبب التكذيب والتولي والإعراض وهو عين الشقاء، ويتجنبها الأتقى الذي صدق، وكان نتيجة تصديقه أنه أعطى ماله يتزكى، وجعل إتيان المال نتيجة التصديق أمر بالغ الأهمية.
وذلك أن العبد لا يخرج من ماله شيئاً إلاَّ بعوض، لأن الدنيا كلها معاوضة حتى الحيوان تعطيه علفاً يعطيك ما يقابله من خدمة أو حليب. إلخ.
فالمؤمن المصدق بالحسنى يعطي وينتظر الجزاء الأوفى الحسنة بعشر أمثالها، لأنه مؤمن أنه متعامل مع اللَّه، كما في قوله :﴿ مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا ﴾.
أما المكذب : فلم يؤمن بالجزاء آجلاً، فلا يخرج شيئاً لأنه لم يجد عوضاً معجلاً، ولا ينتظر ثواباً مؤجلاً، ولذا كان الذين تبؤوا الدار والإيمان، يحبون من هاجر إليهم ويواسونهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة، إيماناً بما عند اللَّه، بينما كان المنافقون لا ينفقون إلا كرهاً ولا يخرجون إلا الرديء، الذي لم يكونوا ليأخذوه من غيرهم إلاَّ ليغمضوا فيه، ولك ذلك سببه التصديق بالحسنى أو التكذيب بها.
ولذا جاء في الحديث الصحيح " والصدقة برهان " أي على صحة الإيمان بما وعد الله المتقين، من الخلف المضاعفة الحسنة.
وقوله :﴿ يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى ﴾، أي يتطهر ويستزيد، إذ التزكية تأتي بمعنى النماء، كقوله تعالى :﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا ﴾، وهذا رد على قوله تعالى :﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى ١٤ ﴾، وعلى عموم :﴿ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى ٥ ﴾، ولا يقال : إنها زكاة المال، لأن الزكاة لم تشرع إلا بالمدينة، والسورة مكية عند الجمهور، وقيل : مدنية. والصحيح الأول.
تنبيه
قد قيل أيضاً : إن المراد بقوله :﴿ وَسَيُجَنَّبُهَا الأَتْقَى ١٧ الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى ١٨ ﴾، إلى آخر السورة. نازل في أبي بكر رضي الله عنه، لما كان يعتق ضعفة المسلمين، ومن يعذبون على إسلامهم في مكة، فقيل له : لو اشتريت الأقوياء يساعدونك ويدافعون عنك. فأنزل الله الآيات إلى قوله :﴿ وَمَا لأحَدٍ عِندَهُ مِن نِّعْمَةٍ تُجْزَى إِلاَّ ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الأَعْلَى ﴾.
هذه الآية من مواضع الإيهام، ولم يتعرض لها في دفع إيهام الاضطراب، وهو أنها تنص وعلى سبيل الحصر، أنه لا يصلى النار إلاَّ الأشقى مع مجيء قوله تعالى :﴿ وَإِن مِّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْماً مَّقْضِيّاً ﴾ مما يدل على ورود الجميع.
والجواب من وجهين : الأول كما قال الزمخشري : إن الآية بين حالي عظيم من المشركين وعظيم من المؤمنين، فأريد أن يبالغ في صفتيهما المتناقضتين.
فقيل : الأشقى وجعل مختصاً بالصلى، كأن النار لم تخلق إلا له، وقال الأتقى، وجعل مختصاً بالجنة، وكأن الجنة لم تخلق إلا له، وقيل : عنهما هما أبو جهل أو أُمية بن خلف المشركين، وأبو بكر الصديق رضي الله عنه، حكاه أبو حيان عن الزمخشري.
والوجه الثاني : هو أن الصلى الدخول والشي، وأن يكون وقود النار على سبيل الخلود، والورود والدخول المؤقت بزمن غير الصلى لقوله في آية الورود، التي هي قوله تعالى :﴿ وَإِن مِّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا ﴾، ﴿ ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيّاً ﴾، ويبقى الإشكال، بين الذين اتقوا وبين الأتقى ويجاب عنه : بأن التقى يرد، والأتقى لا يشعر بورودها، كمن يمر عليها كالبرق الخاطف. واللَّه تعالى أعلم.
ولولا التأكيد في آية الورود بالمجيء بحرف من وإلا وقوله :﴿ كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْماً مَّقْضِيّاً ﴾ لولا هذه المذكورات لكان يمكن أن يقال : إنها مخصوصة بهذه الآية، وأن الأتقى لا يردها، إلاَّ أن وجود تلك المذكورات يمنع من القول بالتخصيص. واللَّه تعالى أعلم.
وفيه تقرير مصير القسمين المتقدمين، من أعطى واتقى وصدق، ومن بخل واستغنى وكذب، وأن صليها بسبب التكذيب والتولي والإعراض وهو عين الشقاء، ويتجنبها الأتقى الذي صدق، وكان نتيجة تصديقه أنه أعطى ماله يتزكى، وجعل إتيان المال نتيجة التصديق أمر بالغ الأهمية.
وذلك أن العبد لا يخرج من ماله شيئاً إلاَّ بعوض، لأن الدنيا كلها معاوضة حتى الحيوان تعطيه علفاً يعطيك ما يقابله من خدمة أو حليب. إلخ.
فالمؤمن المصدق بالحسنى يعطي وينتظر الجزاء الأوفى الحسنة بعشر أمثالها، لأنه مؤمن أنه متعامل مع اللَّه، كما في قوله :﴿ مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا ﴾.
أما المكذب : فلم يؤمن بالجزاء آجلاً، فلا يخرج شيئاً لأنه لم يجد عوضاً معجلاً، ولا ينتظر ثواباً مؤجلاً، ولذا كان الذين تبؤوا الدار والإيمان، يحبون من هاجر إليهم ويواسونهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة، إيماناً بما عند اللَّه، بينما كان المنافقون لا ينفقون إلا كرهاً ولا يخرجون إلا الرديء، الذي لم يكونوا ليأخذوه من غيرهم إلاَّ ليغمضوا فيه، ولك ذلك سببه التصديق بالحسنى أو التكذيب بها.
ولذا جاء في الحديث الصحيح " والصدقة برهان " أي على صحة الإيمان بما وعد الله المتقين، من الخلف المضاعفة الحسنة.
وقوله :﴿ يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى ﴾، أي يتطهر ويستزيد، إذ التزكية تأتي بمعنى النماء، كقوله تعالى :﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا ﴾، وهذا رد على قوله تعالى :﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى ١٤ ﴾، وعلى عموم :﴿ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى ٥ ﴾، ولا يقال : إنها زكاة المال، لأن الزكاة لم تشرع إلا بالمدينة، والسورة مكية عند الجمهور، وقيل : مدنية. والصحيح الأول.
تنبيه
قد قيل أيضاً : إن المراد بقوله :﴿ وَسَيُجَنَّبُهَا الأَتْقَى ١٧ الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى ١٨ ﴾، إلى آخر السورة. نازل في أبي بكر رضي الله عنه، لما كان يعتق ضعفة المسلمين، ومن يعذبون على إسلامهم في مكة، فقيل له : لو اشتريت الأقوياء يساعدونك ويدافعون عنك. فأنزل الله الآيات إلى قوله :﴿ وَمَا لأحَدٍ عِندَهُ مِن نِّعْمَةٍ تُجْزَى إِلاَّ ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الأَعْلَى ﴾.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٦:نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٥:قوله تعالى :﴿ لاَ يَصْلاَهَا إِلاَّ الأشْقَى الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى وَسَيُجَنَّبُهَا الأَتْقَى الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى ﴾.
هذه الآية من مواضع الإيهام، ولم يتعرض لها في دفع إيهام الاضطراب، وهو أنها تنص وعلى سبيل الحصر، أنه لا يصلى النار إلاَّ الأشقى مع مجيء قوله تعالى :﴿ وَإِن مِّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْماً مَّقْضِيّاً ﴾ مما يدل على ورود الجميع.
والجواب من وجهين : الأول كما قال الزمخشري : إن الآية بين حالي عظيم من المشركين وعظيم من المؤمنين، فأريد أن يبالغ في صفتيهما المتناقضتين.
فقيل : الأشقى وجعل مختصاً بالصلى، كأن النار لم تخلق إلا له، وقال الأتقى، وجعل مختصاً بالجنة، وكأن الجنة لم تخلق إلا له، وقيل : عنهما هما أبو جهل أو أُمية بن خلف المشركين، وأبو بكر الصديق رضي الله عنه، حكاه أبو حيان عن الزمخشري.
والوجه الثاني : هو أن الصلى الدخول والشي، وأن يكون وقود النار على سبيل الخلود، والورود والدخول المؤقت بزمن غير الصلى لقوله في آية الورود، التي هي قوله تعالى :﴿ وَإِن مِّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا ﴾، ﴿ ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيّاً ﴾، ويبقى الإشكال، بين الذين اتقوا وبين الأتقى ويجاب عنه : بأن التقى يرد، والأتقى لا يشعر بورودها، كمن يمر عليها كالبرق الخاطف. واللَّه تعالى أعلم.
ولولا التأكيد في آية الورود بالمجيء بحرف من وإلا وقوله :﴿ كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْماً مَّقْضِيّاً ﴾ لولا هذه المذكورات لكان يمكن أن يقال : إنها مخصوصة بهذه الآية، وأن الأتقى لا يردها، إلاَّ أن وجود تلك المذكورات يمنع من القول بالتخصيص. واللَّه تعالى أعلم.
وفيه تقرير مصير القسمين المتقدمين، من أعطى واتقى وصدق، ومن بخل واستغنى وكذب، وأن صليها بسبب التكذيب والتولي والإعراض وهو عين الشقاء، ويتجنبها الأتقى الذي صدق، وكان نتيجة تصديقه أنه أعطى ماله يتزكى، وجعل إتيان المال نتيجة التصديق أمر بالغ الأهمية.
وذلك أن العبد لا يخرج من ماله شيئاً إلاَّ بعوض، لأن الدنيا كلها معاوضة حتى الحيوان تعطيه علفاً يعطيك ما يقابله من خدمة أو حليب. إلخ.
فالمؤمن المصدق بالحسنى يعطي وينتظر الجزاء الأوفى الحسنة بعشر أمثالها، لأنه مؤمن أنه متعامل مع اللَّه، كما في قوله :﴿ مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا ﴾.
أما المكذب : فلم يؤمن بالجزاء آجلاً، فلا يخرج شيئاً لأنه لم يجد عوضاً معجلاً، ولا ينتظر ثواباً مؤجلاً، ولذا كان الذين تبؤوا الدار والإيمان، يحبون من هاجر إليهم ويواسونهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة، إيماناً بما عند اللَّه، بينما كان المنافقون لا ينفقون إلا كرهاً ولا يخرجون إلا الرديء، الذي لم يكونوا ليأخذوه من غيرهم إلاَّ ليغمضوا فيه، ولك ذلك سببه التصديق بالحسنى أو التكذيب بها.
ولذا جاء في الحديث الصحيح " والصدقة برهان " أي على صحة الإيمان بما وعد الله المتقين، من الخلف المضاعفة الحسنة.
وقوله :﴿ يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى ﴾، أي يتطهر ويستزيد، إذ التزكية تأتي بمعنى النماء، كقوله تعالى :﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا ﴾، وهذا رد على قوله تعالى :﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى ١٤ ﴾، وعلى عموم :﴿ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى ٥ ﴾، ولا يقال : إنها زكاة المال، لأن الزكاة لم تشرع إلا بالمدينة، والسورة مكية عند الجمهور، وقيل : مدنية. والصحيح الأول.
تنبيه
قد قيل أيضاً : إن المراد بقوله :﴿ وَسَيُجَنَّبُهَا الأَتْقَى ١٧ الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى ١٨ ﴾، إلى آخر السورة. نازل في أبي بكر رضي الله عنه، لما كان يعتق ضعفة المسلمين، ومن يعذبون على إسلامهم في مكة، فقيل له : لو اشتريت الأقوياء يساعدونك ويدافعون عنك. فأنزل الله الآيات إلى قوله :﴿ وَمَا لأحَدٍ عِندَهُ مِن نِّعْمَةٍ تُجْزَى إِلاَّ ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الأَعْلَى ﴾.
هذه الآية من مواضع الإيهام، ولم يتعرض لها في دفع إيهام الاضطراب، وهو أنها تنص وعلى سبيل الحصر، أنه لا يصلى النار إلاَّ الأشقى مع مجيء قوله تعالى :﴿ وَإِن مِّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْماً مَّقْضِيّاً ﴾ مما يدل على ورود الجميع.
والجواب من وجهين : الأول كما قال الزمخشري : إن الآية بين حالي عظيم من المشركين وعظيم من المؤمنين، فأريد أن يبالغ في صفتيهما المتناقضتين.
فقيل : الأشقى وجعل مختصاً بالصلى، كأن النار لم تخلق إلا له، وقال الأتقى، وجعل مختصاً بالجنة، وكأن الجنة لم تخلق إلا له، وقيل : عنهما هما أبو جهل أو أُمية بن خلف المشركين، وأبو بكر الصديق رضي الله عنه، حكاه أبو حيان عن الزمخشري.
والوجه الثاني : هو أن الصلى الدخول والشي، وأن يكون وقود النار على سبيل الخلود، والورود والدخول المؤقت بزمن غير الصلى لقوله في آية الورود، التي هي قوله تعالى :﴿ وَإِن مِّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا ﴾، ﴿ ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيّاً ﴾، ويبقى الإشكال، بين الذين اتقوا وبين الأتقى ويجاب عنه : بأن التقى يرد، والأتقى لا يشعر بورودها، كمن يمر عليها كالبرق الخاطف. واللَّه تعالى أعلم.
ولولا التأكيد في آية الورود بالمجيء بحرف من وإلا وقوله :﴿ كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْماً مَّقْضِيّاً ﴾ لولا هذه المذكورات لكان يمكن أن يقال : إنها مخصوصة بهذه الآية، وأن الأتقى لا يردها، إلاَّ أن وجود تلك المذكورات يمنع من القول بالتخصيص. واللَّه تعالى أعلم.
وفيه تقرير مصير القسمين المتقدمين، من أعطى واتقى وصدق، ومن بخل واستغنى وكذب، وأن صليها بسبب التكذيب والتولي والإعراض وهو عين الشقاء، ويتجنبها الأتقى الذي صدق، وكان نتيجة تصديقه أنه أعطى ماله يتزكى، وجعل إتيان المال نتيجة التصديق أمر بالغ الأهمية.
وذلك أن العبد لا يخرج من ماله شيئاً إلاَّ بعوض، لأن الدنيا كلها معاوضة حتى الحيوان تعطيه علفاً يعطيك ما يقابله من خدمة أو حليب. إلخ.
فالمؤمن المصدق بالحسنى يعطي وينتظر الجزاء الأوفى الحسنة بعشر أمثالها، لأنه مؤمن أنه متعامل مع اللَّه، كما في قوله :﴿ مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا ﴾.
أما المكذب : فلم يؤمن بالجزاء آجلاً، فلا يخرج شيئاً لأنه لم يجد عوضاً معجلاً، ولا ينتظر ثواباً مؤجلاً، ولذا كان الذين تبؤوا الدار والإيمان، يحبون من هاجر إليهم ويواسونهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة، إيماناً بما عند اللَّه، بينما كان المنافقون لا ينفقون إلا كرهاً ولا يخرجون إلا الرديء، الذي لم يكونوا ليأخذوه من غيرهم إلاَّ ليغمضوا فيه، ولك ذلك سببه التصديق بالحسنى أو التكذيب بها.
ولذا جاء في الحديث الصحيح " والصدقة برهان " أي على صحة الإيمان بما وعد الله المتقين، من الخلف المضاعفة الحسنة.
وقوله :﴿ يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى ﴾، أي يتطهر ويستزيد، إذ التزكية تأتي بمعنى النماء، كقوله تعالى :﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا ﴾، وهذا رد على قوله تعالى :﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى ١٤ ﴾، وعلى عموم :﴿ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى ٥ ﴾، ولا يقال : إنها زكاة المال، لأن الزكاة لم تشرع إلا بالمدينة، والسورة مكية عند الجمهور، وقيل : مدنية. والصحيح الأول.
تنبيه
قد قيل أيضاً : إن المراد بقوله :﴿ وَسَيُجَنَّبُهَا الأَتْقَى ١٧ الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى ١٨ ﴾، إلى آخر السورة. نازل في أبي بكر رضي الله عنه، لما كان يعتق ضعفة المسلمين، ومن يعذبون على إسلامهم في مكة، فقيل له : لو اشتريت الأقوياء يساعدونك ويدافعون عنك. فأنزل الله الآيات إلى قوله :﴿ وَمَا لأحَدٍ عِندَهُ مِن نِّعْمَةٍ تُجْزَى إِلاَّ ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الأَعْلَى ﴾.
﴿ وَمَا لأحَدٍ عِندَهُ مِن نِّعْمَةٍ تُجْزَى إِلاَّ ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الأَعْلَى ﴾ وابتغاء وجه رب هو بعينه، وصدق بالحسنى أي لوجه الله يرجو الثواب من اللَّه.
وكما تقدم، فإن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، وإن صورة السبب قطعية الدخول. فهذه بشرى عظيمة للصديق رضي الله عنه، ولسوف يرضى في غاية من التأكيد من الله تعالى، على وعده إياه صلى الله عليه وسلم وأرضاه.
وذكر ابن كثير : أن في الصحيحين أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال : من أنفق زوجين في سبيل الله دعته خزنة الجنة : يا عبد اللَّه هذا خير، فقال أبو بكر : يا رسول اللَّه، ما على من يدعي منها ضرورة، فهل يدعي منها كلها أحد ؟ نعم، وأرجو أن تكون منهم. ا ه.
وإنا لنرجو الله كذلك فضلاً منه تعالى.
وكما تقدم، فإن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، وإن صورة السبب قطعية الدخول. فهذه بشرى عظيمة للصديق رضي الله عنه، ولسوف يرضى في غاية من التأكيد من الله تعالى، على وعده إياه صلى الله عليه وسلم وأرضاه.
وذكر ابن كثير : أن في الصحيحين أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال : من أنفق زوجين في سبيل الله دعته خزنة الجنة : يا عبد اللَّه هذا خير، فقال أبو بكر : يا رسول اللَّه، ما على من يدعي منها ضرورة، فهل يدعي منها كلها أحد ؟ نعم، وأرجو أن تكون منهم. ا ه.
وإنا لنرجو الله كذلك فضلاً منه تعالى.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٩:﴿ وَمَا لأحَدٍ عِندَهُ مِن نِّعْمَةٍ تُجْزَى إِلاَّ ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الأَعْلَى ﴾ وابتغاء وجه رب هو بعينه، وصدق بالحسنى أي لوجه الله يرجو الثواب من اللَّه.
وكما تقدم، فإن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، وإن صورة السبب قطعية الدخول. فهذه بشرى عظيمة للصديق رضي الله عنه، ولسوف يرضى في غاية من التأكيد من الله تعالى، على وعده إياه صلى الله عليه وسلم وأرضاه.
وذكر ابن كثير : أن في الصحيحين أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال : من أنفق زوجين في سبيل الله دعته خزنة الجنة : يا عبد اللَّه هذا خير، فقال أبو بكر : يا رسول اللَّه، ما على من يدعي منها ضرورة، فهل يدعي منها كلها أحد ؟ نعم، وأرجو أن تكون منهم. ا ه.
وإنا لنرجو الله كذلك فضلاً منه تعالى.
وكما تقدم، فإن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، وإن صورة السبب قطعية الدخول. فهذه بشرى عظيمة للصديق رضي الله عنه، ولسوف يرضى في غاية من التأكيد من الله تعالى، على وعده إياه صلى الله عليه وسلم وأرضاه.
وذكر ابن كثير : أن في الصحيحين أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال : من أنفق زوجين في سبيل الله دعته خزنة الجنة : يا عبد اللَّه هذا خير، فقال أبو بكر : يا رسول اللَّه، ما على من يدعي منها ضرورة، فهل يدعي منها كلها أحد ؟ نعم، وأرجو أن تكون منهم. ا ه.
وإنا لنرجو الله كذلك فضلاً منه تعالى.
ﮆﮇ
ﰔ
تنبيه
في قوله تعالى :﴿ وَلَسَوْفَ يَرْضَى ﴾، وذكر ابن كثير إجماع المفسرين أنها في أبي بكر رضي الله عنه أعلى منازل البشرى، لأن هذا الوصف بعينه، قيل للرسول صلى الله عليه وسلم قطعاً في السورة بعدها، سورة الضحى ﴿ وَلَلآخِرَةُ خَيْرٌ لَّكَ مِنَ الأَولَى وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى ﴾، فهو وعد مشترك للصديق وللرسول صلى الله عليه وسلم، إلاَّ أنه في حق الرسول صلى الله عليه وسلم أسند العطاء فيه للَّه تعالى بصفة الربوبية ﴿ وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ ﴾ كما ذكر فيه العطاء، مما يدل على غيره صلى الله عليه وسلم، وهو معلوم بالضرورة من أنه صلى الله عليه وسلم له عطاءات لا يشاركه فيها أحد، على ما سيأتي إن شاء اللَّه.
في قوله تعالى :﴿ وَلَسَوْفَ يَرْضَى ﴾، وذكر ابن كثير إجماع المفسرين أنها في أبي بكر رضي الله عنه أعلى منازل البشرى، لأن هذا الوصف بعينه، قيل للرسول صلى الله عليه وسلم قطعاً في السورة بعدها، سورة الضحى ﴿ وَلَلآخِرَةُ خَيْرٌ لَّكَ مِنَ الأَولَى وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى ﴾، فهو وعد مشترك للصديق وللرسول صلى الله عليه وسلم، إلاَّ أنه في حق الرسول صلى الله عليه وسلم أسند العطاء فيه للَّه تعالى بصفة الربوبية ﴿ وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ ﴾ كما ذكر فيه العطاء، مما يدل على غيره صلى الله عليه وسلم، وهو معلوم بالضرورة من أنه صلى الله عليه وسلم له عطاءات لا يشاركه فيها أحد، على ما سيأتي إن شاء اللَّه.