ﰡ
قوله: ﴿ وَتَقُولُواْ سُبْحَانَ ٱلَّذِي ﴾ إلخ، أي تقولوا بألسنتكم لتجمعوا بين القلب واللسان. قوله: ﴿ هَـٰذَا ﴾ أي المركوب من سفينة ودابة، وظاهر الآية أنه يقول ذلك عند ركوب السفينة أو الدابة وهو الأولى، وقال بعضهم: إن هذا مخصوص بالدابة، وأما السفينة فيقول فيها﴿ بِسْمِ ٱللَّهِ مَجْريٰهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾[هود: ٤١]﴿ وَمَا قَدَرُواْ ٱللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ ﴾[الزمر: ٦٧] الآية، وفي الحديث:" كان إذا وضع رجله في الركاب قال: بسم الله، فإذا استوى على الدابة قال: الحمد لله على كل حال ".
﴿ سُبْحَانَ ٱلَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَـٰذَا ﴾ إلى قوله: ﴿ وَإِنَّآ إِلَىٰ رَبِّنَا لَمُنقَلِبُونَ ﴾ فإذا كان الإنسان يريد السفر زاد: اللهم أنت الصاحب في السفر، والخليفة في الأهل، والمال، اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر، وكآبة المنقلب، والحور بعد الكور، وسوء المنظر في الأهل والمال. ومعنى الحور بعد الكور: الفرقة بعد الاجتماع، وورد: أن الإنسان إذا قرأ هذه الآية عند ركوب الدابة تقول الدابة: بارك الله فيك من مؤمن، خففت عن ظهري، وأطعت ربك، أنجح الله حاجتك، فالذي ينبغي للإنسان، أن لا يدع ذكر الله خصوصاً في هذه الماطن، فإنه معرض فيها للتلف، فكم من راكب دابة، عثرت به أو طاح عن ظهرها فهلك، وكم من راكب سفينة انكسرت به فغرق، وحينئذ فمنقلبه إلى الله، غير منفلت من قضائه، فيكون مستعداً لقضاء الله بإصلاح نفسه. قوله: ﴿ وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ ﴾ الجملة حالية وهو من الإقران أو المقارنة. قوله: (لمنصرفون) أي من الدنيا إلى دار البقاء، فتذكر بالحمل على السفينة والدابة الحمل على الجنازة، فالآية منبهة بالسير الدنيوي على السير الأخروي، ففيه إشارى للردّ على منكري البعث. قوله: ﴿ وَجَعَلُواْ لَهُ ﴾ إلخ هذا مرتبط بقوله:﴿ وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ ﴾[الزخرف: ٩] الخ، والمعنى: أنهم ينسبون الخلق لله تعالى، ومع ذلك يعتقدون أنه له شريكاً، فالمقصود التأمل في عقول هؤلاء الكفرة، حيث لم يضبطوا أحوالهم. قوله: (لأن الولد جزء الوالد) أي لأنه خارج عن مخه وعظامه، وهذا مناف لقولهم﴿ خَلَقَهُنَّ ٱلْعَزِيزُ ٱلْعَلِيمُ ﴾[الزخرف: ٩] لأن من شأن الوالد أن يكون مركباً، والإله ليس بمركب، بل هو واحد في ذاته وصفاته وأفعاله، وشأن الخالق أن يكون مخالفاً لما خلقه، والولد لا بد وأن يكون مماثلاً لوالده لأنه جزء منه، فتبين أو الولد على الله محال، وتبين أن هؤلاء الكفرة حالهم متناقض غير مضبوط. قوله: (بين) أشار بهذا إلى أن ﴿ مُّبِينٌ ﴾ من أبان اللازم، ويصح أن يقدر من أبان المتعدي، بمعنى مظهر الكفر. قوله: (بمعنى همزة الإنكار) أي والتوبيخ والتقريع، وتقدر ببل أو بها والهمزة، ففيها ثلاثة أوجه كما تقدم غير مرة. قوله: (لنفسه) متعلق باتخذ. قوله: (أخلصكم) أي خصكم. قوله: (اللازم) بالنصب نعت لقوله: ﴿ وَأَصْفَاكُم ﴾ المعطوف على ﴿ ٱتَّخَذَ ﴾ الواقع مقولاً لقول محذوف، فالمعنى أنهم قالوا. (الملائكة بنات الله) مع كراهة نسبتها لأنفسهم، ومحبة نسبة البنين لهم، فلزم منه أنهم قالوا: والبنون لنا. قوله: (فهو من جملة المنكر) أي لعطفه على ﴿ ٱتَّخَذَ ﴾ الداخل عليه أم التي هي بمعنى همزة الإنكار.
قوله: ﴿ وَقَالُواْ لَوْ شَآءَ ٱلرَّحْمَـٰنُ ﴾ إلخ، مفعول ﴿ شَآءَ ﴾ محذوف، أي عدم عبادة الملائكة ما عبدناهم، وهذا استدلال منهم بنفي مشيئة عدم العبادة، على امتناع النهي عنها، لزعمهم أن المشيئة متحدة مع الرضا وهو فاسد، لأن الله تعالى قد يريد ما لا يرضاه، فهو بيان لنوع آخر من كفرياتهم، فتحصل أنهم كفروا بمقالات ثلاث: هذه، وقولهم: الملائكة إناث، وقولهم: الملائكة بنات الله. قوله: ﴿ إِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ ﴾ قال هنا بلفظ ﴿ يَخْرُصُونَ ﴾ وفي الجاثية بلفظ (يذنون) لأن ما هنا متصل بقوله: ﴿ وَجَعَلُواْ ٱلْمَلاَئِكَةَ ﴾ الآية، أي قالوا: الملائكة بنات الله وإن الله قد شاء عبادتنا إياهم وهذا كذب فناسبه ﴿ يَخْرُصُونَ ﴾ وما هناك متصل بخلطهم الصدق بالكذب، لأن قولهم﴿ نَمُوتُ وَنَحْيَا ﴾[الجاثية: ٢٤] صدق، وإنكارهم البعث وقولهم﴿ وَمَا يُهْلِكُنَآ إِلاَّ ٱلدَّهْرُ ﴾[الجاثية: ٢٤] كذبه فناسبه يظنون.
قوله: (أي لم يقع ذلك) أشار به إلى أن الهمزة للإنكار. قوله: ﴿ بَلْ قَالُوۤاْ إِنَّا وَجَدْنَآ ﴾ إلخ، أي لم يأتوا بحجة عقلية ولا نقلية، بل اعترفوا بأنه لا مستند لهم سوى تقليد آبائهم. قوله: ﴿ أُمَّةٍ ﴾ قرأ العام بضم الهمزة بمعنى الطريقة والملة، وقرئ شذوذاً بكسرها بمعنى الطريقة أيضاً، وبالفتح المرة من الأم وهو القصد. قوله: (ماشون) أشار بتقدير هذا، إلى أن الجار والمجرور خبر إن، وعليه فيكون ﴿ مُّهْتَدُونَ ﴾ خبراً ثانياً. قوله: ﴿ مُّهْتَدُونَ ﴾ قاله هنا بلفظ ﴿ مُّهْتَدُونَ ﴾ وفيما يأتي بلفظ ﴿ مُّقْتَدُونَ ﴾ تفنناً. قوله: ﴿ وَكَذَلِكَ ﴾ أي والأمر كما ذكر من عجزهم عن الحجة وتمسكهم بالتقليد، وقوله: ﴿ مَآ أَرْسَلْنَا ﴾ استئناف مبين لذلك، دال على أن التقليد فيما بينهم ضلال قديم، ليس لأسلافهم أيضاً مستند غيره، وفيه تسلية لرسول الله. قوله: ﴿ إِلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَآ ﴾ جمع مترف اسم مفعول، وتفسير المفسر له باسم الفاعل تفسير باللازم. قوله: (مثل قول قومك) مفعول مطلق نعت مصدر محذوف، أي قولاً مثل قول قومك وقوله: ﴿ إِنَّا وَجَدْنَآ ﴾ مقول القول. قوله: (قُلْ) (لهم) خطاب للنبي صلى الله عليه وسلن أي قل لقومك يا محمد إلخ. قوله: ﴿ بِأَهْدَىٰ مِمَّا وَجَدتُّمْ ﴾ إلخ، أي بدين أهدى وأصوب مما وجدتم إلخ، أي من الضلالة التي ليست من الهداية في شيء، والتعبير بالتفصيل لأجل التنزل معهم وإرخاء العذاب. قوله: ﴿ فَٱنظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلْمُكَذِّبِينَ ﴾ أي فلا تكترث بتكذيب قومك لك، فإن عاقبتهم كغيرهم من المكذبين. قوله: (واذكره) قدره إشارة إى أن الظرف معمول لمحذوف، وسيأتي أن قوله:﴿ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾[الزخرف: ٢٨] متعلق بذلك المحذوف. قوله: ﴿ لأَبِيهِ ﴾ تقدم الخلاف في كونه أباه حقيقة أو عمه، وتوجيه كل من القولين مفصلاً. قوله: ﴿ بَرَآءٌ ﴾ العام على فتح الباء والراء، بعدها ألف فهمزة، مصدر وقع موقع الصفة وهي بريء، فلا يثنى ولا يجمع ولا يؤنث، وقرئ شذوذاً بضم الباء وكسرها، بوزن طوال وكرام. قوله: ﴿ إِلاَّ ٱلَّذِي فَطَرَنِي ﴾ يحتمل أن الاستثناء منقطع، بناء على أنهم كانوا يشركون مع الله غيره، وذلك أنهم كانوا يعبدون النمروذ، ويحتمل أن إلا صفة بمعنى غير. قوله: (يرشدني لدينه) أي يدلني على أحكامه من صلاة وغيرها، ودفع بذلك ما يقال: إن الهداية حاصلة، لكونه مجبولاً على التوحيد من﴿ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ ﴾[الأعراف: ١٧٢] فكيف يعبر بالمضارع فضلاً عن اقترابه بالسين، فأجاب بما ذكر، نظير ما أجاب به عن قوله:﴿ مَا كُنتَ تَدْرِي مَا ٱلْكِتَابُ وَلاَ ٱلإِيمَانُ ﴾[الشورى: ٥٢] وأجيب أيضاً: بأن السين زائدة، والمضارع للدلالة على الاستمرار، والمعنى يديمني على الهدى، وأجيب أيضاً: بأن المعنى سيثبتني على الهداية. قوله: (أي كلمة التوحيد) إلخ، تفسير للضمير البارز، والضمير المستتر يعود على إبراهيم، والمعنى: أن إبراهيم وصى بهذه الكلمة عقبه، قال تعالى:﴿ وَوَصَّىٰ بِهَآ إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ ﴾[البقؤة: ١٣٢] الآية. قوله: (أي أهل مكة) أشار بذلك إلى أن قوله: ﴿ لَعَلَّهُمْ ﴾ إلخ، متعلق باذكر الذي قدره، والمعنى: اذكر يا محمد لقومك ما ذكر، ليحصل عندهم رجوع إلى دين إبراهيم.
قوله: ﴿ عَن ذِكْرِ ٱلرَّحْمَـٰنِ ﴾ أضاف الذكر إلى هذا الاسم إشارة إلى أن الكافر بإعراضه عن القرآن، سد على نفسه باب الرحمة، ولو اتبعه لعمته الرحمة. قوله: ﴿ نُقَيِّضْ ﴾ جواب الشرط، وفعله قوله: ﴿ يَعْشُ ﴾ مجزوم بحذف الواو، والضمة دليل عليها. قوله: ﴿ فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ ﴾ أي في الدنيا، بأن يمنعه من الحلال، ويحمله على فعل الحرام، وينهاه عن الطاعة، ويأمره بالمعصية، أو في الآخرة إذا قام من قبره، لما ورد: إذا مقام من قبره، شفع بشيطان لا يزال معه حتى يدخله النار، وإن المؤمن ليشفع بملك حتى يقضي الله بين خلقه، والأولى العموم. قوله: ﴿ وَإِنَّهُمْ ﴾ جمع الضمير مراعاة لمعنى شيطان، كما أفرد أولاً في قوله: ﴿ فَهُوَ ﴾ مراعاة للفظه. قوله: ﴿ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ ﴾ الجملة حالية، أي يعتقدون أنهم على هدى، وهو بمعنى قوله تعالى:﴿ يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ ٱللَّهُ جَمِيعاً فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَىٰ شَيْءٍ أَلاَ إِنَّهُمْ هُمُ ٱلْكَاذِبُونَ ﴾[المجادلة: ١٨].
قوله: (في الجمع) أي في المواضع الثلاثة الأول، أي ليصدونهم ويحسبون أنهم، وقوله: (رعاية معنى من) أي بعد أن روعي لفظها في ثلاثة أيضاً: الضمير المستتر في ﴿ يَعْشُ ﴾ والضميران المجروران باللام في نقيض له ﴿ فَهُوَ لَهُ ﴾ وسيأتي مراعاة لفظها في موضعين المستتر في ﴿ جَاءَ ﴾ و ﴿ قَالَ ﴾ ثم مراعاة معناها في ثلاث مواضع﴿ وَلَن يَنفَعَكُمُ ٱلْيَوْمَ إِذ ظَّلَمْتُمْ أَنَّكُمْ ﴾[الزخرف: ٣٩].
قوله: ﴿ لاَ خَوْفٌ عَلَيْكُمُ ﴾ بالرفع والتنوين في قراءة العامة، وهو مبتدأ، و ﴿ عَلَيْكُمُ ﴾ خبره، وقرئ شذوذاً بالضم والفتح دون تنوين. قوله: ﴿ وَكَانُواْ مُسْلِمِينَ ﴾ أي مخلصين في أمر الدين. قوله: (زوجاتكم) أي المؤمنات. قوله: (تسرون) أي يظهر أثره على وجوهكم. قوله: (بقصاع) جمع قصعة وهي الإناء الذي يشبع العشرة، وأكبر منها الجفنة، والصحفة ما يشبع الخمسة، والمأكلة ما يشبع الرجلين أو الثلاثة، ورد أنه يطوف على أدنى أهل الجنة، منزلة سبعون ألف غلام، بسبعين ألف صحفة من ذهب، يغدى عليه بها في كل واحدة منها لون ليس له في صاحبتها، يأكل من آخرها كما ياكل من أولها، ويجد طعم آخرها كما يأكل من أولها، ويجد طعم آخرها كما يجد طعم أولها، لا يشبه بعضه بعضاً. قوله: (جمع كوب) أي كعود وأعواد. قوله: (لا عروة له) أي ليس له محل يمسك منه. قوله: (ليشرب الشارب من حيث شاء) أي لأن العروة تمنع من بعض الجهات، وروي أنهم يؤتون بالطعام والشراب، فإذا كان في آخر ذلك، أتوا بالشراب الطهور، فتنضمر لذلك بطونهم، وتفيض عرقاً من جلودهم أطيب من ريح المسك، قال تعالى:﴿ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَاباً طَهُوراً ﴾[الإنسان: ٢١].
قوله: ﴿ وَفِيهَا ﴾ أي الجنة. قوله: ﴿ مَا تَشْتَهِيهِ ٱلأَنْفُسُ ﴾ أي من الأشياء المعقولة والمسموعة والمنظورة والملموسة والمذوقة والمشمومة، روي" أن رجلاً قال: يا رسول الله أفي الجنة خيل؟ فإني أحب الخيل. فقال: إن يدخلك الله الجنة، فلا تشاء أن تركب فرساً من ياقوتة حمراء، فتعير لك في أي الجنة شئت إلا فعلت، فقال أعرابي: يا رسول الله في الجنة إبل؟ فإني أحب الإبل. فقال: يا أعرابي إن أدخلك الله الجنة، أصبت فيها ما اشتهت نفسك ولذت عينك "وتشتهي: بهاء واحدة اثنتين بينهما الياء، قراءتان سبعيتان. قوله: (تلذذاً) أي بطعامها وشرابها، لا عن عطش. قوله: (نظراً) أي وأعظمه النظر إلى وجه الله الكريم.
قوله: (لأحد) قدره إشارة إلى أن مفعول ﴿ ٱلشَّفَاعَةَ ﴾ محذوف. قوله: ﴿ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ﴾ الضمير عائد على ﴿ مِن ﴾ والجمع باعتبار معناها. قوله: ﴿ وَلَئِن سَأَلْتَهُم ﴾ أي العابدين مع ادعاء الشريك. قوله: ﴿ لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُ ﴾ جواب القسم، وجواب الشرط محذوف على القاعدة. قوله: (أي قول محمد النبي) تفسير لكل من المضاف والمضاف إليه، وقوله: (ونصبه على المصدر) أي فالقول والقيل المقالة كلها مصادر بمعنى واحد، وفي قراءة سبعية أيضاً بالجر، إما عطفاً على ﴿ ٱلسَّاعَةِ ﴾ أو أن الواو للقسم، والجواب: إما محذوف والتقدير لأفعلن بهم ما أريد، أو مذكور وهو قوله: إن هؤلاء قوم لا يؤمنون. قوله: ﴿ وَقُلْ سَلاَمٌ ﴾ خبر لمحذوف أي شأني سلام، أي ذو سلامة منكم ومني، فهو تباعد وتبرؤ منهم، فليس في الآية مشروعية السلام على الكفار. قوله: (وهذا قبل أن يؤمر بقتالهم) أي فالآية منسوخة، ويحتمل أن المراد الكف عن مقابلتهم بالكلام فلا نسخ فيها.