تفسير سورة الزخرف

تفسير القاسمي
تفسير سورة سورة الزخرف من كتاب محاسن التأويل المعروف بـتفسير القاسمي .
لمؤلفه جمال الدين القاسمي . المتوفي سنة 1332 هـ

بسم الله الرحمن الرحيم

٤٣- سورة الزخرف
سميت به لدلالة آيته على أن الدنيا في غاية الخسة في نفسها، وغاية العداوة مع ربها، بحيث لا تليق بالأصالة إلا لأعدائه. وهذا من أعظم مقاصد القرآن. أفاده المهايميّ. وهي مكية. قيل : إلا آية١ ﴿ وسأل من أرسلنا من قبلك ﴾ وآيها تسع وثمانون.
١ [٤٣ / الزخرف/ ٤٥]..

القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الزخرف (٤٣) : الآيات ١ الى ٣]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

حم (١) وَالْكِتابِ الْمُبِينِ (٢) إِنَّا جَعَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (٣)
حم وَالْكِتابِ الْمُبِينِ إِنَّا جَعَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ أي معانيه ومواعظه.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الزخرف (٤٣) : آية ٤]
وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتابِ لَدَيْنا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ (٤)
وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتابِ لَدَيْنا لَعَلِيٌّ أي رفيع القدر، بحيث لا رفعة وراءها حَكِيمٌ أي ذو الحكمة الجامعة.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الزخرف (٤٣) : آية ٥]
أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحاً أَنْ كُنْتُمْ قَوْماً مُسْرِفِينَ (٥)
أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحاً أَنْ كُنْتُمْ قَوْماً مُسْرِفِينَ أي أنهملكم ونصرف عنكم الذكر لإسرافكم. وإنما كانت الحاجة إلى الذكر للإسراف، إذ لو كانوا على السيرة العادلة والطريقة الوسطى لما احتيج إلى التذكير. بل التذكير يجب عند الإفراط والتفريط. ولهذا بعث الأنبياء في زمان الفترة. قاله القاشاني.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الزخرف (٤٣) : الآيات ٦ الى ٨]
وَكَمْ أَرْسَلْنا مِنْ نَبِيٍّ فِي الْأَوَّلِينَ (٦) وَما يَأْتِيهِمْ مِنْ نَبِيٍّ إِلاَّ كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (٧) فَأَهْلَكْنا أَشَدَّ مِنْهُمْ بَطْشاً وَمَضى مَثَلُ الْأَوَّلِينَ (٨)
وَكَمْ أَرْسَلْنا مِنْ نَبِيٍّ فِي الْأَوَّلِينَ وَما يَأْتِيهِمْ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ فَأَهْلَكْنا أَشَدَّ مِنْهُمْ بَطْشاً أي قوة وَمَضى مَثَلُ الْأَوَّلِينَ أي سلف في القرآن في غير موضع منه، ذكر قصتهم وحالهم في تكذيبهم وتعذيبهم وما مثلناه لهم. أي فليتوقع هؤلاء المستهزئون من العقوبة مثل ما حلّ بسلفهم.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الزخرف (٤٣) : الآيات ٩ الى ١٠]
وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ (٩) الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً وَجَعَلَ لَكُمْ فِيها سُبُلاً لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (١٠)
وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً أي مهادا تستقرون عليها وَجَعَلَ لَكُمْ فِيها سُبُلًا أي طرقا تتطرقونها من بلدة إلى بلدة، لمعايشكم ومتاجركم لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ أي بتلك السبل إلى حيث أردتم من القرى والأمصار.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الزخرف (٤٣) : آية ١١]
وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّماءِ ماءً بِقَدَرٍ فَأَنْشَرْنا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً كَذلِكَ تُخْرَجُونَ (١١)
وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّماءِ ماءً بِقَدَرٍ أي بمقدار الحاجة إليه. فلم يجعله طوفانا يهلك، ولا رذاذا لا ينبت، بل غيثا مغيثا فَأَنْشَرْنا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً أي أحيينا به بلدة ميتا من النبات، قد درست من الجدب وعفت من القحط كَذلِكَ تُخْرَجُونَ أي من بعد فنائكم ومصيركم بالأرض.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الزخرف (٤٣) : الآيات ١٢ الى ١٤]
وَالَّذِي خَلَقَ الْأَزْواجَ كُلَّها وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعامِ ما تَرْكَبُونَ (١٢) لِتَسْتَوُوا عَلى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا وَما كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ (١٣) وَإِنَّا إِلى رَبِّنا لَمُنْقَلِبُونَ (١٤)
وَالَّذِي خَلَقَ الْأَزْواجَ كُلَّها أي خلق كل شيء فزوّجه، فجعل منه الذكر والأنثى وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعامِ ما تَرْكَبُونَ أي من السفن والبهائم ما تركبونه لِتَسْتَوُوا عَلى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا وَما كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ أي مطيقين وَإِنَّا إِلى رَبِّنا لَمُنْقَلِبُونَ أي لصائرون إليه، وراجعون بعد مماتنا.
تنبيه:
في (الإكليل) : في الآية استحباب هذا الذكر عند ركوب الدابة والسفينة.
وكان ﷺ يقوله كلما استوى على راحلته أو دابته.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الزخرف (٤٣) : آية ١٥]
وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبادِهِ جُزْءاً إِنَّ الْإِنْسانَ لَكَفُورٌ مُبِينٌ (١٥)
وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبادِهِ جُزْءاً أي جعل هؤلاء المشركون لله من خلقه نصيبا.
وذلك قولهم للملائكة (هم بنات الله) قال القاشانيّ: أي اعترفوا بأنه خالق السموات والأرض ومبدعهما وفاطرهما. وقد جسموه وجزأوه بإثبات الولد له، الذي هو بعض من الوالد، مماثل له في النوع، لكونهم ظاهريين جسمانيين، لا يتجاوزون عن رتبة الحس والخيال، ولا يتجردون عن ملابس الجسمانيات، فيدركون الحقائق المجردة والذوات المقدسة، فضلا عن ذات الله تعالى. فكل ما تصوروا وتخيلوا، كان شيئا جسمانيا. ولهذا كذبوا الأنبياء في إثبات الآخرة والبعث والنشور، وكل ما يتعلق بالمعاد. إذ لا يتعدى إدراكهم الحياة الدنيا، وعقولهم المحجوبة عن نور الهداية، أمور المعاش. فلا مناسبة أصلا بين ذواتهم وذوات الأنبياء، إلا في ظاهر البشرية. فلا حاجة إلى ما وراءها. انتهى إِنَّ الْإِنْسانَ لَكَفُورٌ مُبِينٌ أي لجحود نعم ربه، التي أنعمها عليه. يبين كفرانه لمن تدبر حاله.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الزخرف (٤٣) : آية ١٦]
أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَناتٍ وَأَصْفاكُمْ بِالْبَنِينَ (١٦)
أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَناتٍ وَأَصْفاكُمْ بِالْبَنِينَ أي: بل اتخذ. والهمزة للإنكار تجهيلا لهم. وتعجيبا من شأنهم، حيث لم يرضوا بأن جعلوا لله من عباده جزءا، حتى جعلوا ذلك الجزء شر الجزأين وهو الإناث دون الذكور. على أنهم أنفر خلق الله عن الإناث، وأمقتهم لهن. ولقد بلغ بهم المقت إلى أن وادوهن. كأنه قيل: هبوا أن إضافة اتخاذ الولد إليه جائزة، فرضا وتمثيلا، أما تستحيون من الشطط في القسمة، ومن ادعائكم أنه آثركم على نفسه بخير الجزأين وأعلاهما، ترك له شرهما وأدناهما؟
قاله الزمخشري.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الزخرف (٤٣) : آية ١٧]
وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِما ضَرَبَ لِلرَّحْمنِ مَثَلاً ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (١٧)
وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِما ضَرَبَ لِلرَّحْمنِ مَثَلًا أي من البنات ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا أي من الكآبة والغم والحزن وَهُوَ كَظِيمٌ أي مملوء قلبه من الكرب.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الزخرف (٤٣) : آية ١٨]
أَوَمَنْ يُنَشَّؤُا فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصامِ غَيْرُ مُبِينٍ (١٨)
أَوَمَنْ يُنَشَّؤُا فِي الْحِلْيَةِ أي تربى في الزينة، يعني البنات وَهُوَ فِي الْخِصامِ أي في المجادلة غَيْرُ مُبِينٍ أي لمن خاصمة ببرهان وحجة، لعجزه وضعفه.
والمعنى: أو من كان كذلك جعلتموه جزءا لله من خلقه، وزعمتم أنه نصيبه منهم؟.
تنبيه:
قال الكيا الهرّاسي: في دليل على إباحة الحلي للنساء. وسئل أبو العالية من الذهب للنساء، فلم ير به بأسا، وتلا هذه الآية.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الزخرف (٤٣) : آية ١٩]
وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهادَتُهُمْ وَيُسْئَلُونَ (١٩)
وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً أي جعلوا ملائكة الله الذين هم عنده، يسبحونه ويقدسونه، إناثا. فقالوا (هم بنات الله) جهلا منهم بحق الله سبحانه، وجراءة منهم على قيل الكذب.
قال القاشاني: لما سمعوا من أسلافهم قول الأوائل من الحكماء في إثبات النفوس الملكية وتأنيثهم إياها، إما باعتبار اللفظ وإما باعتبار تأثرها وانفعالها عن الأرواح المقدسة العقلية، مع وصفهم إياها بالقرب من الحضرة الإلهية- توهموا أنوثتها في الحقيقة، التي هي بإزاء الذكورة في الحيوان مع اختصاصها بالله.
فجعلوها بنات. وقلما يعتقدها العاميّ إلا صورا إنسية لطيفة في غاية الحسن. انتهى.
أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ أي أحضروا خلق الله إياهم فوصفوهم بذلك لعلمهم بهم وبرؤيتهم إياهم؟ وهو تجهيل لهم، وتهكم بهم سَتُكْتَبُ شَهادَتُهُمْ أي على الملائكة بما هم مبرّءون عنه وَيُسْئَلُونَ أي عنها يوم القيامة، بأن يأتوا ببرهان على حقيقتها، ولن يجدوا إلى ذلك سبيلا. وفيه من الوعيد ما فيه. لأن كتابتها، والسؤال عنها، يقتضي العقاب والمجازاة عليها، وهو المراد.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الزخرف (٤٣) : الآيات ٢٠ الى ٢١]
وَقالُوا لَوْ شاءَ الرَّحْمنُ ما عَبَدْناهُمْ ما لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ (٢٠) أَمْ آتَيْناهُمْ كِتاباً مِنْ قَبْلِهِ فَهُمْ بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ (٢١)
382
وَقالُوا لَوْ شاءَ الرَّحْمنُ ما عَبَدْناهُمْ ما لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ أَمْ آتَيْناهُمْ كِتاباً مِنْ قَبْلِهِ فَهُمْ بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ هذا بيان لضلال لهم آخر، في جدلهم وخصامهم وتعنتهم. وقد استدل المعتزلة بظاهر الآية في أنه تعالى لا يشاء الشرور والمعاصي. وأهل السنة تأوّلوا الآية بما يلاقي العقد الصحيح. وهو عموم مشيئته تعالى لكل شيء، الناطق به غير ما آية. ولما كانت هذه الآية وأخواتها من معارك الأنظار قديما وحديثا آثرت أن أنقل هنا ما لمحققي المفسرين، جريا على قاعدتنا في التقاط نفائس ما للمتقدم، وتحلية مصنفاتنا بها، فنقول: قال القاشاني: لما سمعوا من الأنبياء تعليق الأشياء بمشيئة الله تعالى، افترضوه وجعلوه ذريعة في الإنكار. وقالوا ذلك لا عن علم وإيقان، بل على سبيل العناد والإفحام.. ولهذا ردّهم الله تعالى بقوله: ما لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ إذ لو علموا ذلك لكانوا موحدين، لا ينسبون التأثير إلا إلى الله. فلا يسعهم إلا عبادته دون غيره. إذ لا يرون حينئذ لغيره نفعا ولا ضرّا إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ لتكذيبهم أنفسهم في هذا القول بالفعل، حين عظموهم وخافوهم وخوّفوا أنبياءهم من بطشهم، كما قال قوم هود إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَراكَ بَعْضُ آلِهَتِنا بِسُوءٍ [هود: ٥٤]، ولمّا خوّفوا إبراهيم عليه السلام كيدهم، أجاب بقوله وَلا أَخافُ ما تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَشاءَ رَبِّي شَيْئاً [الأنعام: ٨٠]، إلى قوله وَكَيْفَ أَخافُ ما أَشْرَكْتُمْ [الأنعام: ٨١]، انتهى.
وفي البيضاوي وحواشيه: إن هذا القول استدلال منهم على امتناع النهي عن عبادة غيره تعالى أو على حسنها. يعنون أن عبادتهم الملائكة بمشيئته تعالى.
فيكون مأمورا بها أو حسنة. ويمتنع كونها منهيا عنها أو قبيحة. وهذا الاستدلال باطل. لأن المشيئة لا تستلزم الأمر أو الحسن، لأنها ترجيح بعض الممكنات على بعض، حسنا كان أو قبيحا. ولذلك جهلهم في استدلالهم هذا. والحاصل أن الإنكار متوجه إلى جعلهم ذلك دليلا على امتناع النهي عن عبادتهم، أو على حسنها: لا إلى هذا القول. فإنه كلمة حق أريد بها باطل. انتهى.
وقال الناصر في (الانتصاف) : نحن معاشر أهل السنة نقول: إن كل شيء بمشيئته تعالى، حتى الضلالة والهدى، اتباعا لدليل العقل، وتصديقا لنص النقل.
في أمثال قوله تعالى: يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ [النحل: ٩٣] و [فاطر:
٨]، وآية الزخرف هذه لا تزيد هذا المعتقد الصحيح إلا تمهيدا، ولا تفيده إلا تصويبا وتسديدا. فنقول: إذا قال الكافر (لو شاء الله ما كفرت) فهذه كلمة حق أراد بها باطلا، أما كونها كلمة حق، فلما مهدناه. وأما كونه أراد بها باطلا، فمراد الكافر
383
بذلك أن يكون له الحجة على الله، توهما أنه يلزم من مشيئة الله تعالى لضلالة من ضل، أن لا يعاقبه على ذلك. لأنه إنما فعل مقتضى مشيئته.
ثم قال: فإذا وضح ما قلناه، فإنما رد الله عليهم مقالتهم هذه. لأنهم توهموا أنها حجة على الله. فدحض الله حجتهم، وأكذب أمنيتهم، وبين أن مقالتهم صادرة عن ظن كاذب وتخرص محض، فقال: ما لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ و (إنهم إلا يظنون) وقد أفصحت أخت هذه الآية مع هذه الآية عن هذا التقدير.
وذلك قوله تعالى في سورة الأنعام: سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شاءَ اللَّهُ ما أَشْرَكْنا وَلا آباؤُنا وَلا حَرَّمْنا مِنْ شَيْءٍ، كَذلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذاقُوا بَأْسَنا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنا، إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ [الأنعام: ١٤٨]، فبين تعالى أن الحامل لهؤلاء على التكذيب بالرسل، والإشراك بالله، اغترارهم بأن لهم الحجة على الله بقولهم لَوْ شاءَ اللَّهُ ما أَشْرَكْنا [الأنعام: ١٤٨] فشبه تعالى حالهم في الاعتماد على هذا الخيال، بحال أوائلهم. ثم بين أنه معتقد نشأ عن ظن خلّب وخيال مكذب، فقال إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ [الأنعام: ١٤٨]، ثم لما أبطل أن يكون لهم في مقالتهم حجة على الله، أثبت تعالى الحجة له عليهم بقوله: فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ [الأنعام: ١٤٩]، ثم أوضح أن الرد عليهم ليس إلا في احتجاجهم على الله بذلك. لا لأن المقالة في نفسها كذب. فقال فَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ [الأنعام: ١٤٩]، وهو معنى قولهم لَوْ شاءَ اللَّهُ ما أَشْرَكْنا من حيث إن (لو) مقتضاها امتناع الهداية لامتناع المشيئة. فدلت الآية الأخيرة على أن الله تعالى لم يشأ هدايتهم. بل شاء ضلالتهم.
ولو شاء هدايتهم لما ضلوا. فهذا هو الدين القويم، والصراط المستقيم، والنور اللائح والمنهج الواضح. والذي يدحض به حجة هؤلاء، مع اعتقاد أن الله تعالى شاء وقوع الضلالة منهم، هو أنه تعالى جعل للعبد تأتيا وتيسرا للهداية وغيرها. من الأفعال الكسبية. حتى صارت الأفعال الصادرة منه مناط التكليف. لأنها اختيارية. يفرق بالضرورة بينها وبين العوارض القسرية. فهذه الآية أقامت الحجة. ووضحت، لمن اصطفاه الله للمعتقدات الصحيحة، المحجة. ولما كانت تفرقة دقيقة لم تنتظم في سلك الأفهام الكثيفة. فلا جرم أن أفهامهم تبددت. وأفكارهم تبدلت. فغلت طائفة القدرية واعتقدت أن العبد فعال لما يريد على خلاف مشيئة ربه. وجارت الجبرية فاعتقدت أن لا قدرة للعبد البتة ولا اختيار. وأن جميع الأفعال صادرة منه على سبيل الاضطراب. أما أهل الحق فمنحهم الله من هدايته قسطا.
384
وأرشدهم إلى الطريق الوسطى. فانتهجوا سبل السلام. وساروا ورائد التوفيق لهم إمام. مستضيئين بأنوار العقول المرشدة، إلى أن جميع الكائنات بقدرة الله تعالى ومشيئته. ولم يغب عن أفهامهم أن يكون بعض الأفعال للعبد مقدورة. لما وجدوه من التفرقة بين الاختيارية والقسرية بالضرورة. لكنها قدرة تقارن بلا تأثير.
وتميز بين الضروري والاختياري في التصوير. فهذا هو التحقيق. والله ولي التوفيق.
انتهى.
وقد سبق في آية (الأنعام) نقول عن الأئمة في الآية مسهبة: فراجعها إن شئت.
وقوله تعالى: أَمْ آتَيْناهُمْ كِتاباً مِنْ قَبْلِهِ أي من قبل هذا القرآن فَهُمْ بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ أي يعملون به ويدينون بما فيه ويحتجون به عليك. نظير قوله تعالى في الآية الأخرى قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنا
يعني بالعلم كتابا موحى فيه ذلك. وقوله تعالى:
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الزخرف (٤٣) : آية ٢٢]
بَلْ قالُوا إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُهْتَدُونَ (٢٢)
بَلْ قالُوا إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُهْتَدُونَ أي لا حجة لهم إلا تقليد آبائهم، الجهلة مثلهم.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الزخرف (٤٣) : آية ٢٣]
وَكَذلِكَ ما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلاَّ قالَ مُتْرَفُوها إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُقْتَدُونَ (٢٣)
وَكَذلِكَ ما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قالَ مُتْرَفُوها إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُقْتَدُونَ أي كما فعل هؤلاء المشركون من دفاع الحجة بالتقليد، فعل من قبلهم من أهل الكفر بالله.
قال القاضي: وفيه تسلية له صلّى الله عليه وسلّم، ودلالة على أن التقليد في نحو ذلك ضلال قديم، وأن مقلديهم أيضا لم يكن لهم سند منظور فيه. وتخصيص المترفين، إشعار بأن النعم وحب البطالة، صرفهم عن النظر إلى التقليد.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الزخرف (٤٣) : آية ٢٤]
قالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آباءَكُمْ قالُوا إِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ (٢٤)
قالَ وقرئ قل أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آباءَكُمْ قالُوا إِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ أي جاحدون منكرون، وإن كان أهدى. إقناطا للنذير من أن ينظروا أو يتفكروا فيه.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الزخرف (٤٣) : آية ٢٥]
فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (٢٥)
فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ أي بعذاب الاستئصال فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ أي آخر أمرهم، مما أصبح مثلا وعبرة.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الزخرف (٤٣) : آية ٢٦]
وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَراءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ (٢٦)
وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ قال القاضي: أي اذكر وقت قوله هذا، ليروا كيف تبرّأ عن التقليد وتمسّك بالدليل. أو ليقلدوه إن لم يكن لهم بدّ من التقليد، فإنه أشرف آبائهم لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَراءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ أي بريء من عبادتكم أو معبودكم. وبَراءٌ بفتح الباء الموحدة كما هو قراءة العامة، مصدر كالطلاق والعتاق، أريد به معنى الوصف مبالغة. فلذا أطلق على الواحد وغيره. وقرئ بضم الباء وهو اسم مفرد صفة مبالغة، كطوال وكرام، بضم الطاء والكاف. وقوله:
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الزخرف (٤٣) : آية ٢٧]
إِلاَّ الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ (٢٧)
إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي استثناء منقطع أو متصل. على أن (ما) يعمّ أولي العلم وغيرهم، وأنهم كانوا يعبدون الله والأصنام. أو (إلّا) بمعنى (غير) صفة ل (ما). أي إنني بريء من آلهة تعبدونها غير الذي فطرني. أي خلقني فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ أي للدين الحق، واتباع سبيل الرشد. والسين إما للتأكيد، ويؤيده آية الشعراء يَهْدِينِ بدونها. والقصة واحدة، والمضارع في الموضعين للاستمرار. وإما للتسويف والاستقبال، والمراد هداية زائدة على ما كان له أولا. فيتغاير ما في الآيتين من الحكاية أو المحكي، بناء على تكرر قصته.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الزخرف (٤٣) : آية ٢٨]
وَجَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (٢٨)
وَجَعَلَها أي شهادة التوحيد كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ أي موصي بها، موروثة متداولة محفوظة. كقوله تعالى وَوَصَّى بِها إِبْراهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ [البقرة: ١٣٢]، لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ أي لكي يرجعوا إلى عبادته، ويلجئوا إلى توحيده في سائر شؤونهم. أو لعل من أشرك منهم يرجع بدعاء من وحّد منهم.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الزخرف (٤٣) : آية ٢٩]
بَلْ مَتَّعْتُ هؤُلاءِ وَآباءَهُمْ حَتَّى جاءَهُمُ الْحَقُّ وَرَسُولٌ مُبِينٌ (٢٩)
بَلْ مَتَّعْتُ هؤُلاءِ يعني أهل مكة وَآباءَهُمْ أي من قبلهم بالحياة، فلم أعاجلهم على كفرهم حَتَّى جاءَهُمُ الْحَقُّ أي دعوة التوحيد أو القرآن وَرَسُولٌ مُبِينٌ أي ظاهر الرسالة بالآيات والحجج التي يحتج بها عليهم في دعوى رسالته.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الزخرف (٤٣) : آية ٣٠]
وَلَمَّا جاءَهُمُ الْحَقُّ قالُوا هذا سِحْرٌ وَإِنَّا بِهِ كافِرُونَ (٣٠)
وَلَمَّا جاءَهُمُ الْحَقُّ قالُوا هذا سِحْرٌ وَإِنَّا بِهِ كافِرُونَ أي جاحدون. فازدادوا في ضلالهم، لضمهم إلى شركهم، معاندة الحق.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الزخرف (٤٣) : آية ٣١]
وَقالُوا لَوْلا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ (٣١)
وَقالُوا لَوْلا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ أي من إحداهما، مكة والطائف. فالتعريف للعهد عَظِيمٍ أي بالجاه والمال. فإن الرسالة منصب عظيم لا يليق إلا بعظيم عندهم. قال القاضي: ولم يعلموا أنها رتبة روحانية. تستدعي عظيم النفس، بالتحلّي بالفضائل والكمالات القدسية، لا التزخرف بالزخارف الدنيوية.
وقوله تعالى:
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الزخرف (٤٣) : آية ٣٢]
أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَرَفَعْنا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (٣٢)
أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ إنكار، فيه تجهيل وتعجيب من تحكمهم فيما لا يتولّاه إلا هو تعالى. والمراد بالرحمة النبوّة نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا أي فجعلنا بعضهم غنيا وبعضهم فقيرا وَرَفَعْنا بَعْضَهُمْ أي بالغنى فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ يعني الغني بَعْضاً يعني الفقير سُخْرِيًّا أي مسخرا في العمل، وما به قوام المعايش، والوصول إلى المنافع. لا لكمال في الموسّع عليه، ولا لنقص في المقتّر عليه بل لحاجة التضامّ والتآلف، التي بها ينتظم شملهم.
وأما النفحات الربانية، والعلوم اللدنية، فليست مما يستدعي سعة ويسارا. لأنها اختصاص إلهي، وفيض رحماني، يمنّ به على أنفس مستعدّيه، وأرواح قابليه.
و (السخريّ) بالضم منسوب إلى السخرة بوزن (غرفة) وهي الاستخدام والقهر على العمل. وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ يعني أن النبوّة خير مما يجمعون من الحطام الفاني. أي: والعظيم من أعطيها وحازها، وهو النبيّ صلّى الله عليه وسلّم. لا من حاز الكثير من الشهوات المحبوبة. ثم أشار تعالى إلى حقارة الدنيا عنده، بقوله:
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الزخرف (٤٣) : الآيات ٣٣ الى ٣٥]
وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً لَجَعَلْنا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ وَمَعارِجَ عَلَيْها يَظْهَرُونَ (٣٣) وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْواباً وَسُرُراً عَلَيْها يَتَّكِؤُنَ (٣٤) وَزُخْرُفاً وَإِنْ كُلُّ ذلِكَ لَمَّا مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَالْآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ (٣٥)
وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً أي متفقة على الكفر بالله تعالى. أي لولا كراهة ذلك لَجَعَلْنا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمنِ أي لتكثير النعم عليه، مع كفره بالمنعم فيزداد عذابا لِبُيُوتِهِمْ بدل من لِمَنْ سُقُفاً بفتح السين وسكون القاف، وبضمهما، جمعا مِنْ فِضَّةٍ وَمَعارِجَ أي مصاعد من فضة عَلَيْها يَظْهَرُونَ أي يرتقون وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْواباً أي من فضة وَسُرُراً أي من فضة عَلَيْها يَتَّكِؤُنَ وَزُخْرُفاً أي: ولجعلنا لهم مع ذلك زخرفا، أي زينة من ذهب وجواهر فوق الفضة.
ثم أشار إلى أن لا دلالة في ذلك على فضيلتهم بقوله: وَإِنْ كُلُّ ذلِكَ لَمَّا مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا أي: وما كل هذه الأشياء التي ذكرت، من السقف من الفضة والمعارج والأبواب والسرر من الفضة، الزخرف، إلا متاع يستمتع به أهل الدنيا في الدنيا وَالْآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ أي: وزين الدار الآخرة وبهاؤها عند ربك للمتقين، أي الذين اتقوا الله فخافوا عقابه. فجدّوا في طاعته وحذروا معاصيه خاصة دون غيرهم.
قال المهايمي: يعني لا خصوصية في ذاك المتاع، بحيث يدل عدمه على عدم
388
منصب النبوة، وإنما الذي يدل عدمه على عدم النبوة، التقوى. فالنبوة إنما تكون لمن كمل تقواه. سواء كانت عنده الدنيا أم لا. وإنما كانت الزينة الدنيوية أحق بالكفار، لأنها تثير ظلمة الأهوية المانعة من رؤية الحق. بحيث يصير صاحبها أعشى. انتهى.
تنبيه:
ما قدمناه من أن معنى وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً على تقدير (لولا كراهة ذلك) وأن معنى كونهم أمة واحدة اجتماعهم على أمر واحد وهو الكفر، أي أن كراهة الاجتماع على الكفر هي المانعة من تمتيع الكافر بها على الوجه المذكور- هو ما ذكره المفسرون. فورد عليه أنه حين لم يوسع على الكافرين للفتنة التي كان يؤدي إليها التوسعة عليهم من إطباق الناس على الكفر لحبهم الدنيا وتهالكهم عليها، فهلا وسع على المسلمين ليطبق الناس على الإسلام؟ فأجيب بأن التوسعة عليهم مفسدة أيضا، لما تؤدي إليه من الدخول في الإسلام لأجل الدنيا. والدخول في الدين لأجل الدنيا من دين المنافقين فكانت الحكمة فيما دبر حيث جعل في الفريقين أغنياء وفقراء. وغلب الفقر على الغنى. هذا ما قاله الزمخشري.
وعندي أن لا حاجة لتقدير الكراهة. وأن معنى الآية غير ما ذكروه. وذلك أن المعنى: لولا أن يكونوا خلقوا ليكونوا أمة واحدة، للترافد والتعاون والتضامّ، وما به قوام حياتهم كالجسم الواحد، لجعلنا للناس ما ذكر من الزين والحليّ لدخوله تحت القدرة الكاملة. إلا أن ذلك مبطل للحكمة ومخرب لنظام الوجود. وإنما عبّر عن الناس بمن يكفر بالرحمن، رعاية للأكثر وهم الكفار فإنهم الذين طبقوا ظهر الأرض وملأوا وجهها. وحطّا لقدر الدنيا وتصغيرا لشأنها، بأن تؤتى لمن هو الأدنى منزلة.
والأخس قدرا. وخلاصة المعنى: أن خلقهم أمة واحدة مدنيين بالطبع، مانع من بسط الدنيا عليهم جميعهم. وهذا هو معنى (لولا) المطرد، أن ما بعدها أبدا مانع من جوابها. ولذلك يقولون (حرف امتناع لوجود).
فليس المعنى على ما ذكروه أبدا كما يظهر واضحا لمن أنعم النظر. وبالجملة، فالآية هذه تتمة لما قبلها، في جواب أولئك الظانين، أن العظمة الدنيوية تستتبع النبوة. فبين تعالى حكمته في تفاوت الخلق في الآية الأولى. وهي التسخير. وفي الثانية حقارة الدنيا عنده وأنه لولا التسخير لآتاها أحط الخلق وأبعدهم منه، مبالغة
389
في الإعلام بضعتها. وهذا مصداق ما ورد من أن الدنيا لا تزن عند الله جناح بعوضة، وأن ما عنده خير وأبقى.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الزخرف (٤٣) : آية ٣٦]
وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ (٣٦)
وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ أي يعرض عنه، فلم يخف سطوته ولم يخش عقابه نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ أي نجعل له شيطانا يغويه ويضله عن السبيل القويم دائما، لمقارنته له. قال القاشاني: قرئ (يعش) بضم الشين وفتحها: والفرق أن عشا يستعمل إذا نظر نظر العشى لعارض أو متعمدا، من غير آفة في بصره. وعشي إذا إيف بصره. فعلى الأول معناه: ومن كان له استعداد صاف وفطرة سليمة لإدراك ذكر الرحمن، أي القرآن النازل من عنده وفهم معناه. وعلم كونه حقا، فتعامى عنه لغرض دنيوي وبغي وحسد، أو لم يفهمه ولم يعلم حقيقته، لاحتجابه بالغواشي الطبيعية، واشتغاله باللذات الحسية عنه، أو لاغتراره بدينه وما هو عليه من اعتقاده ومذهبه الباطل نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطاناً جنيّا فيغويه بالتسويل والتزيين لما انهمك فيه من اللذات، وحرص عليه من الزخارف. أو بالشبه والأباطيل المغوية لما اعتكف عليه بهواه من دينه. أو إنسيا يغويه ويشاركه في أمره ويجانسه في طريقه ويبعده عن الحق. وعلى الثاني معناه. ومن إيف استعداده في الأصل، وشقي في الأزل بعمى القلب عن إدراك حقائق الذكر، وقصّر عن فهم معناه نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطاناً من نفسه أو جنسه، يقارنه في ضلالته وغوايته. انتهى.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الزخرف (٤٣) : آية ٣٧]
وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ (٣٧)
وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ قال ابن جرير: أي: وإن الشياطين ليصدون هؤلاء الذين يعشون عن ذكر الله، عن سبيل الحق، فيزينون لهم الضلالة، ويكرهون لهم الإيمان بالله، والعمل بطاعته. وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ أي يظن هؤلاء المشركون بالله، بتزيين الشياطين لهم ما هم عليه، أنهم على الصواب والهدى.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الزخرف (٤٣) : آية ٣٨]
حَتَّى إِذا جاءَنا قالَ يا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ (٣٨)
حَتَّى إِذا جاءَنا أي العاشي قالَ أي لشيطانه يا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ
الْمَشْرِقَيْنِ
أي بعد المشرق من المغرب. فغلب المشرق على المغرب، ثم ثنى.
وقيل المراد مشرقا الصيف والشتاء. والتقدير من المغربين، فاختصر. فَبِئْسَ الْقَرِينُ قال القاشاني: أي حتى إذا حضر عقابنا اللازم لاعتقاده وأعماله، والعذاب المستحق لمذهبه ودينه، تمنى غاية البعد بينه وبين شيطانه الذي أضله عن الحق، وزيّن له ما وقع بسببه في العذاب، واستوحش من قرينه واستذمه، لعدم الوصلة الطبيعية، أو انقطاع الأسباب بينهما بفساد الآلات البدنية.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الزخرف (٤٣) : آية ٣٩]
وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذابِ مُشْتَرِكُونَ (٣٩)
وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذابِ مُشْتَرِكُونَ قال القاشاني: أي لن ينفعكم التمني وقت حلول العذاب واستحقاق العقاب. إذا ثبت وصح ظلمكم في الدنيا، وتبين عاقبته، وكشف عن حاله. لأنكم مشتركون في العذاب لاشتراككم في سببه. أو ولن ينفعكم كونكم مشتركين في العذاب من شدته وإيلامه. أي كما ينفع الواقعين في أمر صعب، معاونتهم في تحمل أعبائه.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الزخرف (٤٣) : آية ٤٠]
أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ وَمَنْ كانَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٤٠)
أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ وَمَنْ كانَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ إنكار تعجيب من أن يكون هو الذي يقدر على هدايتهم. وأراد أنه لا يقدر على ذلك منهم إلا هو وحده تعالى. وقد تكرر في التنزيل التعبير عنهم بالصم العمي الضلال، لأنه لا أجمع من ذلك لشرح حالهم، ولا أبلغ منه. إذ سلبوا استماع حجج الله وهداه، كالأصم.
وإبصار آيات الله والاعتبار بها، كالأعمى. وقصد السّبيل الأمم، كالضالّ الحائر.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الزخرف (٤٣) : آية ٤١]
فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ (٤١)
فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ أي نقبضك قبل أن نظهرك عليهم فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ أي بالعذاب الأخروي.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الزخرف (٤٣) : آية ٤٢]
أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدْناهُمْ فَإِنَّا عَلَيْهِمْ مُقْتَدِرُونَ (٤٢)
أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدْناهُمْ فَإِنَّا عَلَيْهِمْ مُقْتَدِرُونَ وهذا كقوله تعالى:
فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنا يُرْجَعُونَ [غافر: ٧٧]، وفي تعبيره بالوعد، وهو لا يخلف الميعاد، إشارة إلى أنه هو الواقع. وهكذا كان. إذ لم يفلت أحد من صناديدهم، إلا من تحصّن بالإيمان.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الزخرف (٤٣) : آية ٤٣]
فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٤٣)
فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ يعني دين الله الذي أمر به وهو الإسلام. فإنه كامل الاستقامة من كل وجه. قال الشهاب: هذا تسلية له صلّى الله عليه وسلّم وأمر لأمته أو له، بالدوام على التمسّك. والفاء في جواب شرط مقدّر. أي إذا كان أحد هذين واقعا لا محالة، فاستمسك به.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الزخرف (٤٣) : آية ٤٤]
وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْئَلُونَ (٤٤)
وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ أي وإن الذي أوحي إليك لشرف لك ولقومك من قريش. لما خصهم به من نزوله بلسانهم. أو المراد بقومه، أتباعه. أي تنويه بقدرك وبقدر أمتك، لما أعطاه لهم بسببه من العلوم والمزايا والخصائص والشرائع الملائمة لسائر الأحوال والأزمان، وجوّز أن يراد بالذكر الموعظة وَسَوْفَ تُسْئَلُونَ أي عما عملتم فيه، من ائتماركم بأوامره، وانتهائكم عن نواهيه.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الزخرف (٤٣) : آية ٤٥]
وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنا أَجَعَلْنا مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ (٤٥)
وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنا أَجَعَلْنا مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ أي:
هل حكمنا بعبادة الأوثان؟ وهل جاءت في ملة من مللهم؟ قال القاضي: والمراد به الاستشهاد بإجماع الأنبياء على التوحيد والدلالة على أنه ليس ببدع ابتدعه، فيكذب ويعادى له. انتهى.
والذين أمر بمسألتهم الرسول صلّى الله عليه وسلّم، هم مؤمنو أهل الكتابين التوراة والإنجيل.
فالكلام بتقدير مضاف. أي أممهم المؤمنين. أو يجعل سؤالهم بمنزلة سؤال أنبيائهم. لأنهم إنما يخبرونه عن كتب الرسل. فإذا سألهم فكأنه سأل الأنبياء.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الزخرف (٤٣) : آية ٤٦]
وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلائِهِ فَقالَ إِنِّي رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ (٤٦)
وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا أي المصدقة له إِلى فِرْعَوْنَ لينهاه عن الاستعباد وَمَلَائِهِ أي لينهاهم عن التعبّد له فَقالَ إِنِّي رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ أي فأبان أنه لا يستحق العبادة غيره تعالى، وأن ليس لأحد سواه استعباد، لأنها حق الربوبية المطلقة.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الزخرف (٤٣) : آية ٤٧]
فَلَمَّا جاءَهُمْ بِآياتِنا إِذا هُمْ مِنْها يَضْحَكُونَ (٤٧)
فَلَمَّا جاءَهُمْ بِآياتِنا إِذا هُمْ مِنْها يَضْحَكُونَ فلما أتاهم بالحجج على التوحيد والبراءة من الشرك، إذا فرعون وقومه يضحكون. أي كما أن قومك، مما جئتهم به من الآيات والعبر، يسخرون. وهذا تسلية من الله عز وجل لنبيّه صلّى الله عليه وسلّم، عما كان يلقى من مشركي قومه. وإعلام منه له أن قومه من أهل الشرك، لن يعدوا أن يكونوا كسائر.
الأمم الذين كانوا على منهاجهم في الكفر بالله وتكذيب رسله. وندب منه نبيّه صلّى الله عليه وسلّم إلى الاستنان بهم، بالصبر عليهم، بسنن أولي العزم من الرسل. وإخبار منه له أن عقبى مردتهم إلى البوار والهلاك. كسنته في المتمردين عليهم قبله، وإظفاره بهم، وإعلائه أمره. كالذي فعل بموسى عليه السلام وقومه الذين آمنوا به. من إظهار هم على فرعون وملئه. أفاده ابن جرير. ثم أشار إلى أن موجب الهزء لم يكن إلا لعناد، لا لقصورها، بقوله:
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الزخرف (٤٣) : الآيات ٤٨ الى ٥٠]
وَما نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ إِلاَّ هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِها وَأَخَذْناهُمْ بِالْعَذابِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (٤٨) وَقالُوا يا أَيُّهَا السَّاحِرُ ادْعُ لَنا رَبَّكَ بِما عَهِدَ عِنْدَكَ إِنَّنا لَمُهْتَدُونَ (٤٩) فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ إِذا هُمْ يَنْكُثُونَ (٥٠)
وَما نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ إِلَّا هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِها أي السابقة عليها وَأَخَذْناهُمْ بِالْعَذابِ أي الدنيوي كالسنين، مما يلجئ إلى الرجوع، ولا أقل من رجائه لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ وَقالُوا يا أَيُّهَا السَّاحِرُ ادْعُ لَنا رَبَّكَ بِما عَهِدَ عِنْدَكَ أي من أنه لا يعذّب من آمن
بك ليكشف عنا العذاب إِنَّنا لَمُهْتَدُونَ أي بما تزعم أنه الهداية فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ إِذا هُمْ يَنْكُثُونَ أي العهد الذي عاهدوا عليه، ويتمادون في غيهم.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الزخرف (٤٣) : الآيات ٥١ الى ٥٣]
وَنادى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قالَ يا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهذِهِ الْأَنْهارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ (٥١) أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلا يَكادُ يُبِينُ (٥٢) فَلَوْلا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ جاءَ مَعَهُ الْمَلائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ (٥٣)
وَنادى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قالَ يا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهذِهِ الْأَنْهارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي يعني أنهار النيل أَفَلا تُبْصِرُونَ أي ما أنا فيه من النعيم والخير، وما فيه موسى من الفقر أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ أي ضعيف لا شيء له من الملك والأموال وَلا يَكادُ يُبِينُ أي الكلام، لمخالفة اللغة العبرانية اللغة القبطية فَلَوْلا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ جاءَ مَعَهُ الْمَلائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ أي يعينونه ويصدقونه.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الزخرف (٤٣) : الآيات ٥٤ الى ٥٥]
فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطاعُوهُ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ (٥٤) فَلَمَّا آسَفُونا انْتَقَمْنا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْناهُمْ أَجْمَعِينَ (٥٥)
فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ أي فاستفزهم بهذه المغالطات، وحملهم على أن يخفّوا له ويصدقوه فَأَطاعُوهُ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ فَلَمَّا آسَفُونا أي أغضبونا بطاعة عدونا وقبول مغالطاته بلا دليل، وتكذيب موسى وآياته، وندائه بالساحر، ونكث العهود انْتَقَمْنا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْناهُمْ أَجْمَعِينَ وذلك لاستغراقهم في بحر الضلال، الأجيال الطوال، وعدم نفع العظة معهم بحال من الأحوال.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الزخرف (٤٣) : الآيات ٥٦ الى ٥٨]
فَجَعَلْناهُمْ سَلَفاً وَمَثَلاً لِلْآخِرِينَ (٥٦) وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً إِذا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ (٥٧) وَقالُوا أَآلِهَتُنا خَيْرٌ أَمْ هُوَ ما ضَرَبُوهُ لَكَ إِلاَّ جَدَلاً بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ (٥٨)
فَجَعَلْناهُمْ سَلَفاً أي حجة للهالكين بعدهم وَمَثَلًا أي عبرة لِلْآخِرِينَ أي الناجين وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا أي في كونه كآدم، كما أشارت له آية إِنَّ
مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ
[آل عمران: ٥٩]، والمعنى: لما بين وصفه الحق من أنه عبد مخلوق منعم عليه بالنبوة، عبادته كفر، ودعاؤه شرك، إذ لم يأذن الله بعبادة غيره إِذا قَوْمُكَ مِنْهُ أي من مثله المضروب ووصفه المبين يَصِدُّونَ أي يعرضون ولا يعون وَقالُوا أَآلِهَتُنا خَيْرٌ أَمْ هُوَ يعنون بآلهتهم الملائكة الذين عبدوهم، زعما منهم أنهم بنات الله تعالى. كما ذكر عنهم ذلك في أول السورة. أي أنهم خير من عيسى وأفضل، لأنهم من الملأ الأعلى والنوع الأسمى، فإذا جازت عبادة المفضول وهو عيسى، فبالأولى عبادة الأفضل وهم الملائكة. كأنهم يقررون على شركهم أصولا صحيحة. ويبنون على تمسكهم أقيسة صريحة. وغفلوا، لجهلهم، عن بطلان المقيس والمقيس عليه. وأن البرهان الصادع قام على بطلان عبادة غيره تعالى، وعلى استحالة التوالد في ذاته العلية. وإذا اتضح الهدى فما وراءه إلا الضلال، والمشاغبة بالجدال. كما قال تعالى:
ما ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا أي ما ضربوا لك هذا القول إلا لأجل الجدل والخصومة، لا عن اعتقاد، لظهور بطلانه بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ أي شديد والخصومة بالباطل تمويها وتلبيسا.
وفي الحديث «١»
(ما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أوتوا الجدل)
وما ذكرناه في تفسير هذه الآية، هو الجلي الواضح، لدلالة السياق والسباق فقابل بينه وبين ما حكاه الغير وأنصف. ثم جلى شأن عيسى عليه السلام، بما يرفع كل لبس، بقوله سبحانه:
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الزخرف (٤٣) : آية ٥٩]
إِنْ هُوَ إِلاَّ عَبْدٌ أَنْعَمْنا عَلَيْهِ وَجَعَلْناهُ مَثَلاً لِبَنِي إِسْرائِيلَ (٥٩)
إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنا عَلَيْهِ أي بالنبوة والرسالة وَجَعَلْناهُ مَثَلًا لِبَنِي إِسْرائِيلَ أي آية لهم وحجة عليهم، بما ظهر على يديه، مما أيّد نبوته ورسالته وصدق دعواه.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الزخرف (٤٣) : آية ٦٠]
وَلَوْ نَشاءُ لَجَعَلْنا مِنْكُمْ مَلائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ (٦٠)
وَلَوْ نَشاءُ لَجَعَلْنا مِنْكُمْ أي بدلكم مَلائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ أي يكونون مكانكم. إيعاد لهم بأنهم في قبضة المشيئة في إهلاكهم، وإبدال من هو خير منهم.
(١). أخرجه الترمذي في: التفسير، ٤٣- سورة الزخرف، عن أبي أمامة.
كما في قوله تعالى: وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثالَكُمْ [محمد: ٣٨]، وقيل معنى لَجَعَلْنا مِنْكُمْ لولدنا منكم ملائكة، كما ولدنا عيسى من غير أب، لتعرفوا تميزنا بالقدرة. واللفظ الكريم يحتمله. إلا أن الأظهر هو الأول، لما جرت به عادة التنزيل، من خواتم أمثال ما تقدم، بنظائر هذا الوعيد، والله أعلم.
وقوله تعالى:
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الزخرف (٤٣) : الآيات ٦١ الى ٦٢]
وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ فَلا تَمْتَرُنَّ بِها وَاتَّبِعُونِ هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ (٦١) وَلا يَصُدَّنَّكُمُ الشَّيْطانُ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (٦٢)
وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ الضمير إما للقرآن كما ذهب إليه قوم، أي وإن القرآن الكريم يعلم بالساعة ويخبر عنها وعن أهوالها. وفي جعله عين العلم، مبالغة. والعلم بمعنى العلامة. وقيل الضمير لعيسى عليه السلام. أي إن ظهوره من أشراط الساعة.
ونزوله إلى الأرض في آخر الزمان دليل على فناء الدنيا. وقال بعضهم: معناه أن عيسى سبب للعلم بها. فإنه هو ومعجزاته من أعظم الدلائل على إمكان البعث. فالآية مجاز مرسل علاقته المسببية. إذ أطلق المسبب وهو العلم، وأراد السبب وهو عيسى ومعجزاته. كقولك (أمطرت السماء نباتا) أي مطرا يتسبب عنه النبات. وقرئ وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ بفتحتين. أي أنه كالجبل الذي يهتدى به إلى معرفة الطريق ونحوه.
فبعيسى عليه السلام يهتدى إلى طريقة إقامة الدليل على إمكان الساعة وكيفية حصولها. انتهى.
وهو جيد فَلا تَمْتَرُنَّ بِها وَاتَّبِعُونِ أي اتبعوا هداي أو شرعي أو رسولي. أو هو أمر للرسول أن يقوله هذا أي القرآن، أو ما أدعوكم إليه صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ وَلا يَصُدَّنَّكُمُ الشَّيْطانُ أي عن الاتباع إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الزخرف (٤٣) : الآيات ٦٣ الى ٦٤]
وَلَمَّا جاءَ عِيسى بِالْبَيِّناتِ قالَ قَدْ جِئْتُكُمْ بِالْحِكْمَةِ وَلِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (٦٣) إِنَّ اللَّهَ هُوَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ (٦٤)
وَلَمَّا جاءَ عِيسى بِالْبَيِّناتِ قالَ قَدْ جِئْتُكُمْ بِالْحِكْمَةِ وَلِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ
396
فِيهِ
أي من أحكام التوراة وغيرها. كاختلاف اليهود في القيامة، لعدم صراحتها في كتبهم. وقد جاء في نحوها آية وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ [آل عمران: ٥٠]، وقد وضع عن اليهود شيئا من إصر التوراة وأغلال الناموس، كما فعل في يوم السبت. خفف شدّة حكمه.
قال بعض المحققين: وإنما لم يقل (ولأبين لكم كل ما تختلفون فيه) لأنه لم يفعل ذلك. بل ترك بيان كثير من الأشياء، كالفساد الذي دخل في أغلب كتبهم للفارقليط (محمد صلّى الله عليه وسلّم) الذي يأتي بعده، لعدم استعداد الناس في زمنه لقبول كل شيء منه. كما قال هو نفسه في (إنجيل يوحنا) في الإصحاح السادس عشر.
وخصوصا إذا تعرّض للطعن في كتبهم، وهي رأس مالهم الوحيد وتراث أجدادهم.
ولو فعل ذلك لشكّ فيه الكثيرون منهم وكذّبوه، ولما اتبعه إلا الأقلون أو النادرون، فتضيع الفائدة من بعثته التي بيناها في المتن. وهي التي بعث من أجلها.
وأما قول الله تعالى عن لسانه وَمُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْراةِ [آل عمران: ٥٠]، فالمراد بمثل هذا التعبير، أنه بمجيئه عليه السلام تحققت نبوات التوراة عنه، وبه صحت وصدقت. وكلمة (التوراة) تطلق على كتاب العهد القديم.
فالمعنى أن مجيء عيسى كان وفق ما أنبأ به النبيون عنه من قبل. ولو لاه لما صدقت تلك النبوات، فإنها لا تنطبق إلا عليه. وليس المراد أن عيسى يقرّ كل ما في التوراة، كما يتوهم النصارى الآن من مثل هذه الآية. وإلا لما قال بعدها مباشرة وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ [آل عمران: ٥٠]، فكيف يقرّها وهو قد جاء ناسخا لبعض ما فيها؟ فتدبر ذلك ولا تكن كهؤلاء الذين يهرفون بما لا يعرفون. ويفسرون ما لا يفهمون. انتهى كلامه. وهو وجيه جدا.
فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ قال ابن جرير: أي إن الله الذي يستوجب علينا إفراده بالألوهية وإخلاص الطاعة له، ربي وربكم جميعا.
فاعبدوه وحده لا تشركوا معه في عبادته شيئا. فإنه لا يصح ولا ينبغي أن يعبد شيء سواه هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ أي هذا الذي أمرتكم به، من اتقاء الله وطاعتي، وإفراد الله بالألوهية، هو الطريق القويم. وإذا كان هذا قول عيسى عليه السلام، فلا عبرة بقول الملحدين فيه والمفترين عليه ما لم يقله. ثم أشار إلى وعيد من خالف الحق بعد وضوحه، بقوله تعالى:
397
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الزخرف (٤٣) : آية ٦٥]
فَاخْتَلَفَ الْأَحْزابُ مِنْ بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ عَذابِ يَوْمٍ أَلِيمٍ (٦٥)
فَاخْتَلَفَ الْأَحْزابُ أي الفرق المتحزبة اختلافا نشأ مِنْ بَيْنِهِمْ أي لا من قوله تعالى، ولا من قول عيسى. بل ظلما وعنادا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ عَذابِ يَوْمٍ أَلِيمٍ أي مؤلم من شدة الأهوال وكثرة الفضائح، وظلمهم بترك النظر في الدلائل العقلية والنقلية.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الزخرف (٤٣) : الآيات ٦٦ الى ٦٧]
هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (٦٦) الْأَخِلاَّءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ الْمُتَّقِينَ (٦٧)
هَلْ يَنْظُرُونَ أي قريش إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ أي المتخالون على المعاصي والفساد، والصدّ عن الحق يوم القيامة بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ أي معاد، يتبرأ كل من صاحبه إِلَّا الْمُتَّقِينَ أي المتصادقين في طاعة الله ومحبته. قال القاشانيّ: الخلة إما أن تكون خيرية، أو لا. والخيرية إما أن تكون في الله أو لله ومحبته. وغير الخيرية إما أن يكون سببها اللذة النفسانية أو النفع العقليّ. والقسم الأول هو المحبة الروحانية الذاتية المستندة إلى تناسب الأرواح في الأزل، التي قال «١» فيها (فما تعارف منها ائتلف) فهم إذا برزوا في هذه النشأة، وتوجهوا إلى الحق، وتجددوا عن مواد الرجس، فلما تلاقوا تعارفوا، وإذا تعارفوا تحابوا، لتجانسهم الأصلي، وتوافقهم في الوجهة والطريقة، وتشابههم في السبيرة والغريزة، وتجردهم عن الأغراض الفاسدة والأعراض الذاتية، التي هي سبب العداوة.
وانتفع كل منهم بالآخر في سلوكه وعرفانه. والتذ بلقائه، وتصفى بصفائه، وتعاونوا في أمور الدنيا والآخرة. فهي الخلة التامة الحقيقية التي لا تزول أبدا كمحبة الأنبياء والأصفياء والأولياء والشهداء. والقسم الثاني هو المحبة القلبية المستندة إلى تناسب الأوصاف والأخلاق والسير الفاضلة. ونشأته الاعتقادات والأعمال الصالحة. كمحبة الصلحاء والأبرار فيما بينهم. ومحبة العرفاء والأولياء إياهم. ومحبة الأنبياء أممهم.
والقسم الثالث هو المحبة النفسانية المستندة إلى اللذات الحسية والأعراض الجزئية.
(١). أخرجه البخاري في: الأنبياء، ٢- باب الأرواح جنود مجندة، الحديث رقم ١٥٧٦، عن عائشة.
وأخرجه مسلم في: ٤٥- البرّ والصلة والآداب، حديث رقم ١٥٩. [.....]
كمحبة الأزواج لمجرد الشهوة. ومحبة الفجار والفساق المتعاونين في اكتساب الشهوات واستلاب الأموال. والقسم الرابع هو المحبة العقلية المستندة إلى تسهيل أسباب المعاش، وتيسير المصالح الدنيوية. كمحبة التجار والصناع. ومحبة المحسن إليه للمحسن. فكل ما استند إلى غرض فان وسبب زائل، زال بزواله، وانقلب عند فقدانه عداوة. لتوقع كل من المتحابين ما اعتاد من صاحبه، من اللذة المعهودة والنفع المألوف. وامتناعه لزوال سببه. ولما كان الغالب على أهل العالم أحد القسمين الأخيرين، أطلق الكلام وقال: الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ لانقطاع أسباب الوصلة بينهم، وانتفاء الآلات البدنية عنهم، وامتناع حصول اللذة الحسية والنفع الجسماني وانقلابهما حسرات وآلاما وضررا وخسرانا.
قد زالت اللذات والشهوات، وبقيت العقوبات والتبعات. فكل يمقت صاحبه ويبغضه. لأنه يرى ما به من العذاب، منه وبسببه. ثم استثنى المتقين المتناولين للقسمين الباقيين لقتلهم، كما لقال وَقَلِيلٌ ما هُمْ [ص: ٢٤]، وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ [سبأ: ١٣]، ولعمري، إن القسم الأول أعز من الكبريت الأحمر.
وهم الكاملون في التقوى، البالغون إلى نهايتها، الفائزون بجميع مراتبها. ويليهم القسم الثاني. وكلا القسمين، لاشتراكهما في طلب مرضاة الله وطلب ثوابه واجتناب سخطه وعقابه، نسبهم سبحانه إلى نفسه بقوله:
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الزخرف (٤٣) : آية ٦٨]
يا عِبادِ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ (٦٨)
يا عِبادِ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ أي لأمنهم من العذاب وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ أي على فوات لذات الدنيا. لكونهم على ألذّ منها وأبهج، وأحسن حالا وأجمل.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الزخرف (٤٣) : آية ٦٩]
الَّذِينَ آمَنُوا بِآياتِنا وَكانُوا مُسْلِمِينَ (٦٩)
الَّذِينَ آمَنُوا بِآياتِنا أي صدقوا بكتاب الله ورسله، وعملوا بما جاءتهم به رسلهم وَكانُوا مُسْلِمِينَ أي أهل خضوع لله بقلوبهم، وقبول منهم لما جاءتهم به رسولهم عن ربهم، على دين إبراهيم عليه السلام، حنفاء، لا يهود ولا نصارى ولا أهل أوثان.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الزخرف (٤٣) : آية ٧٠]
ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْواجُكُمْ تُحْبَرُونَ (٧٠)
ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْواجُكُمْ تُحْبَرُونَ أي تسرّون سرورا يظهر حباره، أي أثره على وجوهكم، كقوله تعالى: تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ [المطففين:
٢٤].
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الزخرف (٤٣) : الآيات ٧١ الى ٧٢]
يُطافُ عَلَيْهِمْ بِصِحافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوابٍ وَفِيها ما تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيها خالِدُونَ (٧١) وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوها بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٧٢)
يُطافُ عَلَيْهِمْ بِصِحافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوابٍ الصحاف جمع (صحفة) وهي آنية الأكل. والأكواب جمع (كوب) وهو ما يشرب منه كالكوز. إلا أن الكوب ما لا عروة له. قال الشهاب: العروة ما يمسك منه ويمسي أذنا. ولذا قال من ألغز فيه:
وذي أذن بلا سمع... له قلب بلا قلب
إذا استولى على صبّ... فقل ما شئت في الصبّ
ومن اللطائف هنا ما قيل: إنه لما كانت أواني المأكولات أكثر بالنسبة لأواني المشروب عادة، جمع الأول جمع كثرة، والثاني جمع قلة. وَفِيها ما تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ أي بمشاهدته وَأَنْتُمْ فِيها خالِدُونَ وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوها بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ أي من الخيرات والأعمال الصالحات. وقد شبه ما استحقوه بأعمالهم الحسنة، من الجنة ونعيمها الباقي لهم، بما يخلفه المرء لورّاثه من الأملاك والأرزاق.
ويلزمه تشبيه العمل نفسه بالمورّث (على صيغة اسم الفاعل) فهو استعارة تبعية أو تمثيلية.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الزخرف (٤٣) : آية ٧٣]
لَكُمْ فِيها فاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْها تَأْكُلُونَ (٧٣)
لَكُمْ فِيها فاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْها تَأْكُلُونَ أي ما اشتهيتم. و (من) إما ابتدائية أو تبعيضية. ورجح بدلالته على كثرة النعم، وأنها غير مقطوعة ولا ممنوعة، وأنها مزينة بالثمار أبدا، موقرة بها.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الزخرف (٤٣) : الآيات ٧٤ الى ٧٥]
إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذابِ جَهَنَّمَ خالِدُونَ (٧٤) لا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ (٧٥)
إِنَّ الْمُجْرِمِينَ أي الذين اجترموا الكفر والمعاصي في الدنيا فِي عَذابِ جَهَنَّمَ خالِدُونَ لا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ أي لا يخفف ولا ينقص وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ أي مستسلمون يائسون.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الزخرف (٤٣) : آية ٧٦]
وَما ظَلَمْناهُمْ وَلكِنْ كانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ (٧٦)
وَما ظَلَمْناهُمْ أي بهذا العذاب وَلكِنْ كانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ أي بكفرهم الله وجحودهم توحيده.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الزخرف (٤٣) : الآيات ٧٧ الى ٧٨]
وَنادَوْا يا مالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنا رَبُّكَ قالَ إِنَّكُمْ ماكِثُونَ (٧٧) لَقَدْ جِئْناكُمْ بِالْحَقِّ وَلكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كارِهُونَ (٧٨)
وَنادَوْا أي بعد إدخالهم جهنم يا مالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنا رَبُّكَ أي ليمتنا. أي سله أن يفعل بنا ذلك. تمنوا تعطل الحواس وعدم الإحساس، لشدّة التألم بالعذاب الجسماني. قالَ إِنَّكُمْ ماكِثُونَ أي لابثون لَقَدْ جِئْناكُمْ بِالْحَقِّ وَلكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كارِهُونَ أي لا تقبلونه وتنفرون منه، وعبّر (بالأكثر) لأن من الأتباع من يكفر تقليدا.
لطيفة:
قال القاشاني: سمي خازن النار (مالكا) لاختصاصه بمن ملك الدنيا وآثرها.
لقوله تعالى: فَأَمَّا مَنْ طَغى وَآثَرَ الْحَياةَ الدُّنْيا فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوى [النازعات: ٣٧- ٣٩] كما سمي خازن الجنة (رضوانا) لاختصاصه بمن رضي الله عنهم ورضوا عنه.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الزخرف (٤٣) : آية ٧٩]
أَمْ أَبْرَمُوا أَمْراً فَإِنَّا مُبْرِمُونَ (٧٩)
أَمْ أَبْرَمُوا أَمْراً فَإِنَّا مُبْرِمُونَ أي أم أبرم مشركو مكة أمرا فأحكموه، يكيدون به
الحق الذي جاءهم، فإنا محكمون لهم ما يخزيهم ويذلهم، من النكال. كقوله تعالى: أَمْ يُرِيدُونَ كَيْداً فَالَّذِينَ كَفَرُوا هُمُ الْمَكِيدُونَ [الطور: ٤٢].
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الزخرف (٤٣) : آية ٨٠]
أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْواهُمْ بَلى وَرُسُلُنا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ (٨٠)
أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْواهُمْ أي ما أخفوه من تناجيهم بما يمكرون، فلا نجازيهم عليه لخفائه علينا بَلى أي نسمعهما ونطلع عليهما وَرُسُلُنا يعني الحفظة لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ أي ما تكلّموا به ولفظوا من قول. ثم أشار إلى ردّ إفكهم في أن الملائكة بنات الله تعالى، ختما للسورة مما بدئت به، المسمى عند البديعيين (رد العجز على الصدر) فقال سبحانه:
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الزخرف (٤٣) : آية ٨١]
قُلْ إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ (٨١)
قُلْ إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ أي لذلك الولد. والأولية بالنسبة إلى المخاطبين، لا لمن تقدّمهم. قال الشهاب: ولو أبقى على إطلاقه، على أن المراد إظهار الرغبة والمسارعة. جاز. انتهى.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الزخرف (٤٣) : آية ٨٢]
سُبْحانَ رَبِّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ (٨٢)
سُبْحانَ رَبِّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ على نفي التالي. وهو عبادة الولد. أي أوحّده وأنزّهه تعالى عما يصفونه من كونه مماثلا لشيء. لكونه ربّا خالقا للأجسام كلها. فلا يكون من جنسها. فيفيد انتفاء الولد على الطريق البرهاني.
وأما دلالته على الثاني فإذا جعل قوله: سُبْحانَ رَبِّ السَّماواتِ إلخ من كلام الله تعالى، لا من كلام الرسول، (أي نزّه رب السماوات عما يصفونه) فيكون نفيا للمقدم ويكون تعليق عبادة الرسول من باب التعليق بالمحال. والمعلق بالشرط عند عدمه فحوى بدلالة المفهوم، أبلغ عند علماء البيان من دلالة المنطوق. كما قال في استبعاد الرؤية فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكانَهُ فَسَوْفَ تَرانِي [الأعراف: ١٤٣]. انتهى.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الزخرف (٤٣) : آية ٨٣]
فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (٨٣)
فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا أي في باطلهم وَيَلْعَبُوا أي في دنياهم حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ قال ابن جرير: وذلك يوم يصليهم الله بفريتهم عليه، جهنم، وهو يوم القيامة.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الزخرف (٤٣) : آية ٨٤]
وَهُوَ الَّذِي فِي السَّماءِ إِلهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلهٌ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ (٨٤)
وَهُوَ الَّذِي فِي السَّماءِ إِلهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلهٌ أي المعبود فيهما بلا شريك وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ أي في تدبير خلقه وتسخيرهم لما يشاء بمصالحهم.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الزخرف (٤٣) : الآيات ٨٥ الى ٨٦]
وَتَبارَكَ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٨٥) وَلا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفاعَةَ إِلاَّ مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (٨٦)
وَتَبارَكَ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ وَلا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفاعَةَ أي الشفاعة لهم عند الله، كما زعموا أن أندادهم شفعاء إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ أي من آمن بالله وأقرّ بتوحيده، وهم يعلمون حقيقة توحيده. أي وحّدوه وأخلصوا له على علم منهم ويقين، كقوله: وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى [الأنبياء: ٢٨]. قال ابن كثير: هذا استثناء منقطع، أي لكن من شهد بالحق على بصيرة وعلم، فإنه تنفع شفاعته عنده، بإذنه له.
تنبيه:
قال الشهاب: استدل الفقهاء بهذه الآية على أن الشهادة لا تكون إلا عن علم، وأنها تجوز وإن لم يشهد.
وفي (الإكليل) قال إلكيا: يدل قوله تعالى: إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ على معنيين: أحدهما- أن الشهادة بالحق غير نافعة إلا مع العلم، وأن التقليد لا
يغني مع عدم العلم بصحة المقالة. والثاني- أن شرط سائر الشهادات في الحقوق وغيرها، أن يكون الشاهد عالما بها.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الزخرف (٤٣) : آية ٨٧]
وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ (٨٧)
وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ أي: خلقنا لتعذر المكابرة فيه من فرط ظهوره فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ أي يصرفون عن عبادته إلى عبادة غيره.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الزخرف (٤٣) : آية ٨٨]
وَقِيلِهِ يا رَبِّ إِنَّ هؤُلاءِ قَوْمٌ لا يُؤْمِنُونَ (٨٨)
وَقِيلِهِ أي قيل محمد صلوات الله عليه، شاكيا إلى ربه تبارك وتعالى، قومه الذين كذبوه وما يلقى منهم يا رَبِّ إِنَّ هؤُلاءِ أي الذين أمرتني بإنذارهم، وأرسلتني إليهم لدعائهم إليك قَوْمٌ لا يُؤْمِنُونَ أي بالتوحيد والرسالة واليوم الآخر.
كقوله تعالى: وَقالَ الرَّسُولُ يا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً [الفرقان:
٣٠].
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الزخرف (٤٣) : آية ٨٩]
فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (٨٩)
فَاصْفَحْ أي أعرض عَنْهُمْ وَقُلْ سَلامٌ أي لكم أو عليكم. أو أمري سلام.
أي متاركة فهو سلام متاركة لا تحية.
وقال الرازيّ: احتج قوم بهذه الآية على أنه يجوز السلام على الكافر. ثم قال:
إن صح هذا الاستدلال فإنه يوجب الاقتصار على مجرد قوله (سلام) وأن يقال للمؤمن (سلام عليكم) والمقصود التنبيه على التحية التي تذكر للمسلم والكافر.
وفيه نظر، لأنه جمود على الظاهر البحت هنا، والغفلة عن نظائره. من نحو قول إبراهيم عليه السلام لأبيه سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي [مريم: ٤٧]، وآية سَلامٌ عَلَيْكُمْ لا نَبْتَغِي الْجاهِلِينَ [القصص: ٥٥]، على أن الأكثر على أن الخبر هنا محذوف، أي (عليكم) والمقدر كالمذكور، والمحذوف لعلة كالثابت.
فالصواب أن السلام للمتاركة. والله أعلم فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ أي حقية ما أرسلت به، بسموّ الحق وزهوق الباطل.
404
تنبيه:
قرئ وَقِيلِهِ بالنصب عطفا على (سرّهم ونجواهم) وضعّف بوقوع الفصل بين المعطوف والمعطوف عليه، بما لا يحسن اعتراضا. أو على محل (الساعة) لأنه في محل نصب، لأنه مصدر مضاف لمفعوله. أو بإضمار فعله. أي وقال قيله. وقرئ بالجر عطفا على (الساعة) أو الواو للقسم والجواب محذوف. أي لأفعلن بهم ما أريد، أو مذكور وهو قوله إِنَّ هؤُلاءِ قَوْمٌ لا يُؤْمِنُونَ وقرئ بالرفع عطفا على (علم الساعة) بتقدير مضاف. أي وعنده علم قيله. أو مرفوع بالابتداء، وجملة (يا رب) إلخ هو الخبر. أو الخبر محذوف. أي وقيله كيت وكيت، مسموع أو متقبل. وفي (الحواشي) مجازيات جدلية، فازدد بمراجعتها علما.
405

بسم الله الرّحمن الرّحيم

سورة الدخان
قال المهايمي: سميت به لدلالة آيته على أنه جزاء غشيان أدخنة النفوس الخبيثة، بصائر قلوب أهلها وأرواحهم. ولذلك رأوا الدلائل شبهات الشياطين.
وجعلوا المميز بينهما مجنونا. وإن القرآن كاشف عنه ككشف الدخان المحسوس عنهم، وهي مكية. وآيها خمسون وتسع.
روي «١» الترمذي مرفوعا. من قرأ (حم الدخان) في ليلة، أصبح يستغفر له سبعون ألف ملك.
ثم قال: غريب. وعمرو بن أبي خثعم راويه، يضعّف. قال البخاري: منكر الحديث. أفاده ابن كثير.
(١) أخرجه في: ثواب القرآن، ٨- باب ما جاء في فضل (حم الدخان).
406
Icon