ﰡ
﴿ قَدْ ﴾ للتحقيق والمراد بسماع قولها إجابة مطلوبها، بأن أنزل حكم الظهار على ما يوافق مرادها. قوله: ﴿ فِي زَوْجِهَا ﴾ أي شأنه. قوله: (وكان قال لها أنت علي كظهر أمي) شروع في سبب نزول هذه الآيات، وأجمل المفسر في القصة وحاصلها تفصيلاً:" أنه روي أنها كانت حسنة الجسم، فدخل عليها زوجها مرة، فرآها ساجدة في الصلاة، فنظر إلى عجيزتها فأعجبه أمرها، فلما انصرفت من الصلاة طلب وقاعها فأبت، فغضب عليها وكان به لمم، فأصابه بعض لممه فقال لها: أنت علي كظهر أمي، ثم ندم على ما قال، وكان الظهار والإيلاء من طلاق أهل الجاهلية، فقال: ما أظنك إلا قد حرمت علي، فقالت: والله ما ذاك طلاق، فأتت رسوله الله صلى الله عليه وسلم وعائشة تغسل شق رأسه فقالت: يا رسول الله إن زوجي أوس بن الصامت تزوجني، وأنا شابة غنية ذات أهل ومال، حتى إذا أكل مالي، وأفنى شبابي، وتفرق أهلي، وكبر سني، ظاهر مني وقد ندم، فهل من شيء يجمعني وإياه تنعشني به؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: حرمت عليه، فقالت: يا رسول الله والذي أنزل عليك ما ذكر الطلاق، وإنه أبو ولدي وأحب الناس إليّ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: حرمت عليه، فقالت: أشكو إلى الله فاقتي ووحدتي، قد طالت له صحبتي، ونفضت له بطني، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا ما أراك إلا قد حرمت عليه، ولم أومر في شأنك بشيء، فجعلت تراجع رسول الله صلى الله عليه وسلم وإذا قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: حرمت عليه هتفت وقالت: أشكو إلى الله فاتقي ووحدتي وشدة حالي، وإن لي صبية صغاراً، إن ضممتهم إلي جاعوا، وإن ضممتهم إليه ضاعوا، وجعلت ترفع رأسها إلى السماء، وتقول: اللهم أشكو إليك، اللهم فأنزل على لسان نبيك فرجي، فكان هذا أول ظهار في الإسلام، فقامت عائشة تغسل شق رأسه الآخر، فقالت: انظر في أمري جعلني الله فداك يا رسول الله، فقالت عائشة: اقصري حديثك ومجادلتك، أما رأيت وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ كان إذا نزل الوحي، أخذه مثل السبات أي النوم، لما قضى الوحي قال: ادعي لي زوجك، فدعته فتلا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ﴿ قَدْ سَمِعَ ٱللَّهُ قَوْلَ ٱلَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا ﴾ الآيات إلى قوله: ﴿ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ ". وروى الشيخان عن عائشة قالت:" الحمد لله الذي وسع سمعه الأصوات لقد جاءت المجادلة خولة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكلمته، وأنا في جانب البيت، وما أسمع ما تقول، فأنزل الله ﴿ قَدْ سَمِعَ ٱللَّهُ قَوْلَ ٱلَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِيۤ إِلَى ٱللَّهِ ﴾ الآيات، فقال صلى الله عليه وسلم لزوجها: هل تستطيع العتق؟ فقال: لا والله، فقال: هل تستطيع الصوم؟ فقال: لا والله، إني أن أخأطني الأكل في اليوم مرة أو مرتين، كلَّ بصري، وظننت أني أموت، قال: فأطعم ستين مسكيناً، قال: ما أجد إلا أن تعينني منك بمعونة وصلة، فأعانه رسول الله صلى الله عليه وسلم بخمسة عشرة صاعاً، فتصدق بها على ستين مسكيناً ". وروي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه مر بها في زمن خلافته، وهو على حمار والناس حوله، فاستوقفته طويلاً ووعظته وقالت: يا عمر قد كنت تدعى عميراً، ثم قيل لك يا عمر، ثم قيل لك يا أمير المؤمنين، فاتق الله يا عمر، فإنه من أيقن بالموت خاف الفوت، ومن أيقن بالحساب خاف العذاب، وهو واقف يسمع كلامها، فقيل له: يا أمير المؤمنين، أتقف لهذه العجوز هذا الموقف؟ فقال: والله لو حبستني من أول النهار إلى آخره، لا زلت إلا للصلاة المكتوبة، أتدرون من هذه العجوز؟ هي خولة بنت ثعلبة، سمع الله قولها من فوق سبع سماوات، أيسمع رب العالمين قولها ولا يسمعه عمر؟ قوله: (عن ذلك) أي عن حكمه، هل هو فراق أو لا؟ قوله: (فأجابها بأنها حرمت عليه) أي وجوابه التحريم، دال على استمرار الحرمة التي كانت في الجاهلية، لأنه لا ينطبق عن الهوى. قوله: (وهي خولة بنت ثعلبة) أي ابن مالك الخزرجية. قوله: (وهو أوس بن الصامت) أي أخو عبادة من الصامت. قوله: ﴿ وَتَشْتَكِيۤ إِلَى ٱللَّهِ ﴾ أي تتضرع إلى الله. قوله: (وفاقتها) أي فقرها، وقوله: (وصبية) الجمع لما فوق الواحد، لأنهما كانا ولدين. قوله: (ضاعوا) أي من عدم تعهد الخدمة، وقوله: (جاعوا) أي من عدم النفقة لفقرها، ولعل نفقة الأولاد، لم تكن إذ ذاك واجبة على أبيهم. قوله: ﴿ وَٱللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمآ ﴾ استئناف جار مجرى التعليل لما قبله. قوله: (تراجعكما) أي فالمحاورة المراجعة في الكلام. قوله: ﴿ إِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ ﴾ تعليل لما قبله.
قوله: (حملا للمطلق) أي الذي هو وجوب الإطعام، أطلق في الآية عن التقييد، بكونه من قبل أن يتماسا على المقيد الذي هو وجوب الصيام ووجوب الرقبة، قيد كلاً بكونه من قبل أن يتماسا، والحمل معناه تقييد المطلق بالقيد الذي هو في المقيد. قوله: (لكل مسكين مد) ظاهره أنه مد النبي صلى الله عليه وسلم وعليه الشافعي، وقال مالك: إنه مد هشام بن عبد الملك، وكان يزيد على مد النبي صلى الله عليه وسلم ثلثاً تشديداً على المظاهر، بخلاف باقي الكفارات، فالمراد به مد النبي صلى الله عليه وسلم، وقدر الجميع تقريباً عند الشافعي في زماننا ثلاثون قدحاً بالمصري، لكل مسكين نصف قدح، وعند مالك أربعون قدحاً، لكل مسكين ثلثا قدح فتدبر. قوله: ﴿ ذَلِكَ ﴾ إشارة إلى ما مر من البيان والتعليم للأحكام والتنبيه عليها، وقوله: ﴿ لِتُؤْمِنُواْ ﴾ الخ، أي تستمروا على الإيمان وتعملوا بشرائعه، وترفضوا ما كان عليه الجاهلية. قوله: ﴿ وَلِلْكَافِرِينَ ﴾ أي المنكرين لتلك الأحكام. قوله: ﴿ إِنَّ ٱلَّذِينَ يُحَآدُّونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ ﴾ هذه الآية نزلت في أهل مكة عام الأحزاب، حين أرادوا التحزب على رسول الله وأصحابه، وكان في السنة الرابعة، وقيل في الخامسة، والمقصود منها تسلية رسول الله صلى الله عليه وسلم وبشارته، بأن أعداءهم المتحزبين القادمين عليهم، يكبتون ويذلون ويفرق جمعهم، فلا تخشوا بأسهم. قوله: (يخالفون) ﴿ ٱللَّهَ ﴾ أي يعادونه ورسوله، فسمى المحادة مخالفة، لأن المحادة أن تكون في حد يخالف حد صاحبك، وهو كناية عن المعاداة. قوله: ﴿ كُبِتُواْ ﴾ أي يكبتوا، وعبر بالماضي لتحقق الوقوع، لأن هذه الآية نزلت قبل قدومهم. قوله: (أذلوا) وقيل معناه أهلكوا، وقيل أخذوا، وقيل عذبوا، وقيل لعنوا، وقيل اغيظوا، وكلها متقاربة في المعنى. قوله: (في مخالفتهم) أي بسببها. قوله: ﴿ وَقَدْ أَنزَلْنَآ ﴾ الخ، الجملة حالية من الواو في ﴿ كُبِتُواْ ﴾.
قوله: ﴿ يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ ٱللَّهُ ﴾ ظرف المهين أو لعذاب، أو لمحذوف تقديره اذكر. قوله: ﴿ جَمِيعاً ﴾ أي بحيث لا يبقى أحد غير مبعوث، أو المعنى مجتمعين في حالة واحدة. قوله: ﴿ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوۤاْ ﴾ أي من القبائح، إما ببيان صدورها منهم، أو بتصويرها بصورة قبيحة هائلة على رؤوس الأشهاد، تخجيلاً لهم وتشهيراً لحالهم. قوله: ﴿ أَحْصَاهُ ٱللَّهُ ﴾ أي لم يفته منه شيء، بل أحاط بجميع ما صدر من خلقه. قوله: ﴿ وَنَسُوهُ ﴾ حال من مفعول أحصى، والمعنى: ذهلوا عنه لكثرته، أو تهاونكم به واعتقادهم أن لا حساب عليه.
قوله: ﴿ أَيْنَ مَا كَانُواْ ﴾ أي من الأماكن، فإن علمه تعالى بالأشياء، لا يتفاوت بقرب الأمكنة ولا بعدها.
قوله: ﴿ ذَلِكَ خَيْرٌ لَّكُمْ ﴾ أي التقديم خير لما فيه من طاعة الله ورسوله. قوله: (يعني فلا عليكم) أشار بذلك إلى أن جواب الشرط محذوف، وقوله: ﴿ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾ تعليل للمحذوف ودليل عليه. قوله: (ثم نسخ ذلك) أي الأمر بتقديم الصدقة بعد أن استمر زمناً، قيل هو ساعة، وقيل يوم، وقيل عشرة أيام، واختلفوا في الناسخ للأمر، فقيل هو الآية بعده وعليه المفسر تبعاً للجمهور، وقيل هو آية الزكاة. قوله:(بقوله) ﴿ ءَأَشْفَقْتُمْ ﴾ الخ، مراده الآية بتمامها. قوله: (بتحقيق الهمزتين) الخ، أشار بذلك لأربع قراءات سبعيات، وبقي قراءة خامسة سبعية، وذلك لأن التحقيق إما مع إدخال ألف أو بدونه. قوله: (الفقر) أشار بذلك إلى أن مفعول ﴿ ءَأَشْفَقْتُمْ ﴾ محذوف، والمعنى أخفتم من تقديم الصدقة الاحتياج؟. قوله: ﴿ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُواْ ﴾ يحتمل أن إذ باقية على بابها من المضي، والمعنى: إن تركتم ذلك فيما مضى، فتداركوه بإقامة الصلاة الخ، ويحتمل أنها بمعنى إن الشرطية. قوله: ﴿ وَتَابَ ٱللَّهُ عَلَيْكُمْ ﴾ الجملة حالية أو مستأنفة معترضة بين الشرط وجوابه. قوله: (رجع بكم عنها) أي عن وجوبها، فنسخها تخفيفاً عليكم. قوله: (أي دوموا على ذلك) أي المذكور من إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وطاعة الله ورسوله.
قوله: (بل هم مذبذبون) أي مترددون بين الإيمان الخالص والكفر الخالص، لأن فيهم طرفاً من الإيمان بحسب ظاهرهم، وطرفاً من الكفر بحسب باطنهم. قوله: ﴿ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ﴾ الجملة حالية من فاعل ﴿ يَحْلِفُونَ ﴾ والمعنى: يحلفون كاذبين، والحال أنهم يعلمون ذلك، فيمينهم غموس لا عذر لهم فيها، وهذه اليمين توجب لصاحبها الغمس في النار، إن كان مؤمناً خالصاً، فما بالك إن كان كافراً؟ وفائدة الإخبار عنهم بذلك، بيان ذمهم عليه. قوله: ﴿ أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً ﴾ مفعولان لا تخذوا، والمعنى: جعلوا أيمانهم الكاذبة وقاية لأنفسهم وأموالهم، فلولا ذلك لقوتلوا وأخذ مالهم. قوله: ﴿ فَلَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ ﴾ أي في الآخرة، والعذاب الأول في الدنيا أو القبر. قوله: (من عذابه) أشار بذلك إلى أن الكلام على حذف مضاف. قوله: ﴿ شَيْئاً ﴾ مفعول مطلق كما أشار له بقوله: (من الأغناء). قوله: ﴿ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ ﴾ أي في الدنيا. قوله: ﴿ وَيَحْسَبُونَ ﴾ حال من فاعل ﴿ يَحْلِفُونَ ﴾ والمعنى يحلفون، والحال أنهم يظنون أن حلفهم في الآخرة ينفعهم وينجيهم من عذابها، كما نفعهم في الدنيا بدفع القتال عنهم. قوله: ﴿ ٱسْتَحْوَذَ ﴾ هذا الفعل مما جاء على الأصل وخولف فيه القياس، إذ قياسه استحاذ بقلب الواو ألفاً، كاستعاذ واستقام. قوله: ﴿ فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ ٱللَّهِ ﴾ أي فلا يذكرونه بألسنتهم ولا بقلوبهم، وما يقع منهم من صورة الذكر باللسان فهو كذب. قوله: ﴿ هُمُ الخَاسِرُونَ ﴾ أي لأنهم فوتوا على أنفسهم النعيم الدائم، وعرضوها للعذاب المقيم. قوله: ﴿ أُوْلَـٰئِكَ فِي ٱلأَذَلِّينَ ﴾ أي مع الأذلين، أو معدودون في جملتهم. قوله: (المغلوبين) أي وهم الكفار والمنافقون.