تفسير سورة القصص

الدر المصون
تفسير سورة سورة القصص من كتاب الدر المصون في علوم الكتاب المكنون المعروف بـالدر المصون .
لمؤلفه السمين الحلبي . المتوفي سنة 756 هـ

قوله: ﴿نَتْلُواْ﴾ : يجوز أَنْ يكونَ مفعولُه محذوفاً، دَلَّتْ عليه صفتُه وهي ﴿مِن نَّبَإِ موسى﴾، تقديرُه: نَتْلو عليك شيئاً مِنْ نَبأ موسى. ويجوزُ أَنْ تكونَ «مِنْ» مزيدةً على رَأْيِ الأخفش. أي: نَتْلُو عليك نَبَأ موسى.
قوله: ﴿بالحق﴾ يجوزُ أَنْ يكونَ حالاً مِنْ فاعلِ «نَتْلو» أو من مفعولِه أي: مُلْتبسين أو مُلْتبساً بالحقِّ، أو متعلقٌ بنفسِ «نَتْلو» بمعنى: نَتْلوه بسببِ الحقِّ. و «لقوم» / متعلقٌ بفعلِ التلاوةِ أي: لأجلِ هؤلاء.
قوله: ﴿إِنَّ فِرْعَوْنَ﴾ : هذا هو المتلُوُّ فجيءَ به في جملةٍ مستأنفةٍ مؤكِّدة.
قوله: ﴿يَسْتَضْعِفُ﴾ يجوزُ فيه ثلاثةُ أوجهٍ، أحدها: أنه مستأنِفٌ، بيانٌ بحالِ الأهل الذين جَعَلهم فِرَقاً وأصنافاً. الثاني: أنه حالٌ مِنْ فاعلِ «جَعَل» أي: جعَلَهم كذا حالَ كونِه مُسْتَضْعِفاً طائفةً منههم. الثالث: أنه صفةٌ ل «شِيَعاً».
649
قوله: ﴿يُذَبِّحُ﴾ يجوزُ فيه ثلاثةُ الأوجهِ: الاستئنافُ تفسيراً ل «يَسْتَضْعِفُ»، أو الحالُ مِنْ فاعِله، أو صفةٌ ثانيةٌ لطائفة. والعامَّةُ على التشديدِ في «يُذَبِّح» للتكثير. وأبو حيوة وابن محيصن «يَذْبَحُ» مفتوحَ الياءِ والباءِ مضارعَ «ذَبَحَ» مخففاً.
650
قوله: ﴿وَنُرِيدُ﴾ : فيه وجهان، أظهرُهما: أنه عطفٌ على قولِه: «إنَّ فرعونَ»، عطفَ فعليةٍ على اسميةٍ، لأنَّ كلتيهما تفسيرٌ للنبأ. والثاني: أنَّها حالٌ مِنْ فاعلِ «يَسْتَضْعِفُ». وفيه ضعفٌ من حيث الصناعةُ، ومن حيث المعنى. أمَّا الصناعةُ فلكونِه مضارعاً مُثْبتاً فحقُّه أن يتجرَّد مِن الواوِ. وإضمارُ مبتدأ قبلَه أي: ونحن نريدُ كقولِه:
٣٥٨٤ -........................ ............. وأرْهَنُهُمْ مالِكاً
تكلُّفٌ لا حاجةَ إليه. وأمَّا المعنى فكيف يَجْتمع استضعافُ فرعونَ وإرادةُ المِنَّةِ من اللهِ؟ لأنه متى مَنَّ الله عليهم تَعَذَّرَ استضعافُ فرعونَ إياهم. وقد أُجيب عن ذلك. بأنَّه لمَّا كانت المِنَّةُ بخلاصِهِم مِنْ فرعونَ سريعةَ الوقوعِ، قريبتَه، جُعِلَتْ إرادةُ وقوعِها كأنها مقارِنَةٌ لاستضعافِهم.
قوله: ﴿وَنُمَكِّنَ﴾ : العامَّةُ على ذلك مِنْ غير لامِ علةٍ. والأعمش «ولِنُمَكِّنَ» بلامِ العلةِ، ومتعلَّقُها محذوفٌ أي: ولنمكِّنَ فَعَلْنا ذلك.
650
قوله: ﴿وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ﴾ قرأ الأخوانَ «يرى» بفتح الياءِ والراءِ مضارعَ «رَأى» مسنداً إلى فرعونَ وما عُطِفَ عليه فلذلك رفعوا. والباقون بضمِّ النون وكسرِ الراءِ مضارعَ «أرى» ؛ ولذلك نُصِبَ فرعنن وما عُطِف عليه مفعولاً أولَ. و «ما كانوا» هو الثاني و «منهم» متعلِّقٌ بفعلِ الرؤيةِ أو الإِراءة، لا ب «يَحْذَرون» لأنَّ ما بعد الموصولِ لا يَعْمَلُ فيما قبلَه. ولا ضرورةَ بنا إلى أَنْ نقول: اتُسِعَ فيه.
651
قوله: ﴿أَنْ أَرْضِعِيهِ﴾ : يجوزُ أَنْ تكونَ المفسِّرة والمصدريةَ. وقرأ عمر بن عبد العزيز وعمر بن عبد الواحد بكسرِ النونِ على التقاءِ الساكنين كأنه حَذَف همزةَ القطعِ على غيرِ قياسٍ، فالتقى ساكنان، فكُسِرَ أَوَّلُهما.
قوله: ﴿لِيَكُونَ﴾ : في اللامِ الوجهان المشهوران: العِلِّيَّةُ المجازيةُ بمعنى: أنَّ ذلك لَمَّا كان نتيجةَ فِعْلِهم وثمرتَه، شُبِّه بالداعي الذي يفعلُ الفاعلُ الفعلَ لأجله، أو الصيرورةُ. وقرأ العامَّةُ بفتحِ الحاءِ والزاي وهي لغةُ قريشٍ والأخوان بضمٍ وسكونٍ. وهما لغتان بمعنىً واحدٍ كالعُدْمِ والعَدَم.
651
قوله: ﴿خَاطِئِينَ﴾ : العامَّةُ على الهمزِ. مأخوذٌ من الخَطأ ضدَّ الصواب. وقُرِىءَ بياءٍ دونَ همزةٍ، فاحْتُمِلَ أن يكونَ كالأولِ ولكن خُفِّفَ، وأَنْ يكونَ مِنْ خطا يَخْطُو، أي: تجاوزَ الصوابَ.
652
قوله: ﴿قُرَّةُ عَيْنٍ﴾ : فيه وجهان، أظهرهما: أنَّه خبرُ مبتدأ مضمرٍ أي: هو قُرَّةُ عينٍ. والثاني: وهو بعيدٌ جداً أَنْ يكونَ مبتدأ، والخبرُ «لا تَقْتُلوه». وكأنَّ هذا القائلَ حقُّه أَنْ يُذَكَّر فيقول: لا تقتلوها إلاَّ أنه لمَّا كان المرادُ مذكراً ساغَ ذلك.
والعامَّة من القرَّاء والمفسرين وأهلِ العلم يقفون على «ولَكَ». ونقل ابن الأنباري بسنده إلى ابن عباس عنه أنه وَقَف على «لا» أي: هو قُرَّةُ عينٍ لي فقط، ولك لا، أي ليس هو لك قرةَ عين، ثم يَبْتَدِىء بقوله «تَقْتُلوه»، وهذا لا ينبغي أن يَصِحَّ عنه، وكيف يَبْقَى «تَقْتُلوه» من غيرِ نونِ رفعٍ ولا مُقْتَضٍ لحَذْفِها؟ ولذلك قال الفراء: «هو لحنٌ.
قوله: ﴿وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ﴾ جملةٌ حاليةٌ. وهل هي من كلامِ الباري تعالى وهو الظاهرُ، أو من كلامِ امرأةِ فرعون؟ كأنَّها لَمَّا رأَتْ مَلأَه أشاروا بقتلِه قالَتْ له كذا أي: افعلَ أنتَ ما أقولُ لك، وقومُك لا يَشْعُرون. وجَعَل الزمخشريُّ الجملةَ مِنْ قولِه: ﴿وَقَالَتِ امرأة فِرْعَوْنَ﴾ معطوفةً على»
فالتقطه «، والجملةَ مِنْ قولِه: ﴿إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ﴾ إلى» خاطئين «معترضاً بين المتعاطفين/، وجَعَلَ
652
متعلَّقَ الشعور مِنْ جنسِ الجملةِ المعترضةِ أي: لا يَشْعُرون أنهم على خطأ في التقاطِه. قال الشيخ:» ومتى أمكن حَمْلُ الكلامِ على ظاهرِه مِنْ غيرِ فصلٍ كان أحسنَ «.
653
قوله: ﴿فَارِغاً﴾ : خبرُ «أصبحَ» أي: فارغاً من العقلِ، أو من الصبرِ، أو من الحُزْن. وهو أبعدُها. ويَرُدُّه قراءاتٌ تُخالِفهُ: فقرأ فضالةُ والحسنُ «فَزِعاً» بالزاي، مِنَ الفزعِ. وابن عباس «قَرِعاً» بالقافِ وكسرِ الراء وسكونِها، مِنْ قَرِِعَ رأسُه: إذا انحسَرَ شعرُه. والمعنى: خلا مِنْ كلِّ شيء، وانحسَر عنه كلُّ شيءٍ، إلاَّ ذِكْرَ موسى. وقيل: الساكنُ الراءِ مصدرُ قَرَعَ يَقْرَعُ أي: أصيب. وقُرِىء «فِرْغاً» بكسر الفاءِ وسكونِ الراء. والغينِ معجمةً، أي: هَدْراً. كقوله:
٣٥٨٥ - فإنْ يَكُ قَتْلى قد أُصيبَتْ نفوسُهُمْ فلَنْ يَذْهبُوا فَرْغاً بقَتْلِ حِبالِ
«فَرْغاً» حالٌ مِنْ «بِقَتْلِ». وقرأ الخليلُ «فُرُغاً» بضم الفاء والراء وإعجامِ الغين، من هذا المعنى.
قوله: ﴿إِن كَادَتْ لَتُبْدِي﴾ «إنْ» : إمَّا مخففةٌ، وإمَّا نافيةٌ. واللامُ: إمَّا فارقةٌ، وإمَّا بمعنى إلاَّ.
قوله: ﴿لولا أَن رَّبَطْنَا﴾ جوابُها محذوفٌ أي: لأَبْدَتْ، كقولِه: {وَهَمَّ بِهَا
653
لولا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ} [يوسف: ٢٤]. و ﴿لِتَكُونَ مِنَ المؤمنين﴾ متعلقٌ ب «رَبَطْنا». والباء في «به» مزيدةٌ في المفعولِ أي: لِتُظْهِرَه وقيل: ليسَتْ زائدةً بل سببيةٌ. والمفعولُ محذوفٌ أي: لَتُبْديْ القولَ بسببِ موسى أو بسببِ الوَحْي. فالضميرُ يجوزُ عَوْدُه على موسى أوعلى الوحي.
654
قوله: ﴿قُصِّيهِ﴾ : أي: قُصِّي أثرَه أي: تَتَبَّعيه.
قوله: ﴿فَبَصُرَتْ بِهِ﴾ أي: أَبْصَرَتْه، وقرأ قتادةُ «بَصَرَتْ» بفتح الصاد. وعيسى بكسرِها. وتقدَّم معناه في طه.
قوله: ﴿عَن جُنُبٍ﴾ في موضعِ الحال: إمَّا مِنَ الفاعلِ أي: بَصُرَتْ به مُسْتَخْفِيَةً كائنةً عن جُنُبٍ، وإمَّا مِن المجرورِ، أي: بعيداً منها. وقرأ العامَّةُ «جُنُبٍ» بضمتين وهو صفةٌ لمحذوفٍ. أي: مِنْ مكان بعيد. وقال أبو عمرو ابن العلاء: «أي: عن شوق»، وهي لغةُ جُذام يقولون: جَنِبْتُ إليك أي: اشْتَقْتُ. وقرأ قتادة والحسن والأعرج وزيد بن علي بفتح الجيمِ وسكونِ النونِ، وعن قتادةَ أيضاً بفتحهما. وعن الحسن «جُنْبِ» بالضم والسكونِ. وعن سالم «عن جانبٍ» وكلُّها بمعنى واحد. ومثلُه: الجَنَابُ والجَنابَة.
654
قوله: ﴿وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ﴾ جملةٌ حاليةٌ، ومتعلَّق الشعورِ محذوفٌ أي: أنها تَقُصُّه، أو أنه سيكونُ لهم عَدُوَّاً وحَزَناً.
655
قوله: ﴿المراضع﴾ : قيل: يجوزُ أَنْ تكونَ جمعَ مُرْضِع، وهي المرأة.
وقيل: جمعُ «مَرْضَعْ» بفتح الميمِ والضاد. ثم جَوَّزوا فيه أَنْ يكونَ مكاناً أي: مكان الإِرضاع وهو الثَّدْيُ، وأَنْ يكونَ مصدراً أي: الإِرْضاعاتِ أي: أنواعَها.
قوله: ﴿مِن قَبْلُ﴾ أي: مِنْ قبلِ قَصِّها أثرَه.
قوله: ﴿وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ﴾ الظاهرُ أنه ضميرُ موسى. وقيل: لفرعون. ومن طريف ما يحكى: أنها لَمَّا قالَتْ لهم ذلك استنكروا حالَها وتفرَّسوا أنها قَرابَتُه. فقالَتْ: إنما أردْتُ: وهم للمَلِكِ ناصحون. فتخلَّصَتْ منهم. قاله ابن جريج. قلت: وهذا يُسَمَّى عند أهلِ البيانِ «الكلامَ المُوَجَّه» ومثلُه لَمَّا سُئل بعضُهم وكان بين أقوامٍ، بعضُهم يُحِبُّ عليَّاً دونَ غيرِه، وبعضُهم أبا بكر، وبعضُهم عمرَ، وبعضُهم عثمانَ، فقيل له: أيُّهم أحبُّ إلى رسول الله؟ فقال: مَنْ كانت ابنتُه تحته.
قوله: ﴿وَلاَ تَحْزَنَ﴾ : عطفٌ على «تَقَرَّ». ودمعةُ الفرحِ قارَّةٌ، ودمعة التَّرَحِ حارَّة. قال أبو تمام:
655
وقد تقدَّم تحقيقُ هذا في مريم.
656
قوله: ﴿على حِينِ غَفْلَةٍ﴾ : في موضع الحال [إمَّا] من الفاعل: كائناً على حين غَفْلَةٍ ِأي: مُسْتَخْفِياً، وإمَّا من المفعول. وقرأ أبو طالبٍ القارىء «على حينَ» بفتح النون. وتكلَّف الشيخُ تخريجَها على أنه حَمَلَ المصدرَ على الفعل في أنه إذا أضيف الظرفُ إليه جاز بناؤه على الفتح كقوله:
٣٥٨٦ - فأمَّا عيونُ العاشِقين فَأُسْخِنَتْ وأمَّا عيونُ الشامتينَ فَقَرَّتِ
٣٥٨٧ - على حينَ عاتَبْتُ المشيب على الصِّبا ...........................
و «مِنْ أهلِها» صفةٌ ل «غَفْلَة» أي: صادرةٍ من أهلها.
قوله: ﴿يَقْتَتِلاَنِ﴾ صفةٌ ل «رجلين». وقال ابن عطية: «حال منهما» وسيبويه وإنْ كان جَوَّزَها مِن النكرة/ مُطْلقاً. إلاَّ أنَّ غيرَه وهم الأكثرون يَشْتَرِطون فيها ما يُسَوِّغُ الابتداءَ بها وقرأ نعيم بن ميسرة «يَقَتِّلان» بالإِدغام نَقَلَ فتحَة التاءِ الأولى إلى القافِ وأدغمَ.
656
قوله: ﴿هذا مِن شِيعَتِهِ﴾ مبتدأٌ وخبرٌ في موضعِ الصفةِ ل «رجلين» أو الحالِ من الضمير في «يَقْتَتِلان» وهو بعيدٌ لعدمِ انتقالها.
وقوله: «هذا، وهذا» على حكايةِ الحالِ الماضيةِ فكأنهما حاضران. وقال المبردُ: «العربُ تُشير ب هذا إلى الغائب وأنشد الجرير:
٣٥٨٨ - هذا ابنُ عَمِّي في دمشقَ خليفةً لو شِئْتُ ساقَكُمُ إليَّ قَطِينا
قوله: ﴿فاستغاثه﴾ هذه قراءةُ العامَّةِ، من الغَوْثِ أي: طَلَبَ غَوْثَه ونَصْرَه. وقرأ سيبويه وابن مقسم والزعفراني بالعين المهملة، والنون، من الإِعانة. قال ابنُ عطية:»
هي تصحيفٌ «. وقال ابن جبارة صاحب» الكامل «:» الاختيارُ قراءةُ ابنِ مقسم؛ لأنَّ الإِعانة أولى في هذا البابِ «. قلت: نسبةُ التصحيفِ إلى هؤلاء غيرُ محمودةٍ، كما أن تَعالِيَ الهُذَليِّ في اختيارِ الشاذِّ غيرُ محمودٍ.
قوله: ﴿فَوَكَزَهُ﴾ أي: دَفَعَه بجميع كَفَّه. والفرقُ بين الوَكْزِ واللَّكْزِ: أنَّ الأولَ بجميعِ الكفِّ، والثانيْ بأطرافِ الأصابِع وقيل: بالعكسِ. والنَّكْزُ كاللَّكْزِ. قال:
657
٣٥٨٩ - يا أَيُّها الجاهِلُ ذو التَّنَزِّي لا تُوْعِدَنِّي حَيَّةً بالنَّكْزِ
وقرأ ابنُ مسعود» فَلَكَزه «و» فَنَكَزَه «باللام والنونِ.
قوله: ﴿فقضى﴾ أي: موسى، أو الله تعالى، أو ضميرُ الفعلِ ِأي: الوَكْزُ
قوله: ﴿مِنْ عَمَلِ﴾ : مِنْ وَسْوَسَتِه وتَسْوِيْلِه والإِشارةُ إلى القَتْلِ الصادرِ منه.
658
قوله: ﴿بِمَآ أَنْعَمْتَ﴾ : يجوزُ في الباءِ أن تكونَ قَسَماً، والجوابُ: لأَتُوْبَنَّ مقدراً. ويُفَسِّره «فَلَنْ أكونَ»، وأَنْ تكونَ متعلقةً بمحذوفٍ، ومعناها السببيَّةُ. أي: اعْصِمْني بسببِ ما أَنْعَمْتَ به عليَّ، ويترتَّبُ عليه قولُه: «فلن أكونَ ظَهيراً». و «ما» مصدريةٌ، أو بمعنى الذي. والعائدُ محذوفٌ. وقوله: «فلن» نفيٌ على حقيقتِه. وزعمَ بعضُهم أنه دعاءٌ، وأنَّ «لن» واقعةٌ موقعَ «لا». وأجاز قومٌ ذلك مُسْتَدِلِّينَ بهذه الآية، وبقولِ الشاعر:
٣٥٩٠ - لَنْ تَزالُوا كذلِكُمْ ثُمَّ لا زِلْ تَ لهمْ خالِداً خُلُوْدَ الجبالِ
وليس فيهما دلالةٌ لظهورِ النفيِ فيهما مِنْ غيرِ تقديرِ دعاءٍ، وإنْ كان في البيت أقوى.
قوله: ﴿خَآئِفاً﴾ : الظاهرُ أنه خبرُ «أَصْبح» و «في
658
المدينة» [متعلِّقٌ] به. ويجوزُ أَنْ يكونَ حالاً، والخبرُ «في المدينة». ويَضْعُفُ تمامُ «أصبحَ» أي: دَخَل في الصباح.
قوله: ﴿يَتَرَقَّبُ﴾ يجوزُ أَنْ يكونَ خبراً ثانياً، وأَنْ يكونَ حالاً ثانيةً، وأن يكونَ بدلاً من الحالِ الأولى، أو الخبر الأول، أو حالاً من الضميرِ في «خائفاً» فتكونُ متداخلةً. ومفعولُ «يترقَّبُ» محذوفٌ، أي: يترقَّبُ المكروهَ، أو الفرَجَ، أو الخبر: هل وصل لفرعونَ أم لا؟
قوله: ﴿فَإِذَا الذي﴾ «إذا» فجائيةٌ. و «الذي» مبتدأ. وخبره: إمَّا «إذا»، ف «يَسْتَصْرِخُه» حالٌ، وإمَّا «يَسْتَصْرِخُه» ف «إذا» فَضْلةٌ على بابها. و «بالأمس» معربٌ؛ لأنه متى دَخَلَتْ عليه أل أو أُضيفَ أُعْرِبَ، ومتى عَرِيَ منهما فحالُه معروفٌ: الحجازُ تَبْنيه، والتميميُّون يَمْنعونه الصرفَ كقولِه:
٣٥٩١ - لقد رَأَيْتُ عَجَباً مُذْ أَمْسا... على أنَّه قد يبنى مع أل نُدوراً، كقوله:
659
يروى بكسر السين.
قوله: ﴿قَالَ لَهُ موسى﴾ الضميرُ: قيل: للإِسرائيليِّ؛ لأنه كان سبباً في الفتنةِ الأولى. وقيل: للقبطيِّ.
660
قوله: ﴿فَلَمَّآ أَنْ أَرَادَ أَن يَبْطِشَ﴾ : الظاهرُ أنَّ الضميرَيْن لموسى. وقيل: للإِسرائيليِّ والعدوُّ هو القِبْطي. والضميرُ في «قال يا موسى» للإِسرائيليِّ، كأنه تَوَهَّم مِنْ موسى مُخاشَنَةً، فمِنْ ثَمَّ قال كذلك، وبهذا فشا خبرُه، وكان مَشْكوكاً في قاتِله.
و «أنْ» تَطَّرِدُ زيادتُها في موضعين، أحدُهما: بعد «لَمَّا» كهذِه. والثاني قبل «لو» مسبوقةً بقَسَمٍ كقولِه:
٣٥٩٢ - وإنِّي حُبِسْتُ اليومَ والأمسِ قبلَه إلى الشمسِ حتى كادَتِ الشمسُ تَغْرُبُ
٣٥٩٣ - أَمَا واللهِ أنْ وكنتُ حُرّاً .........................
[وقولِه] :
٣٥٩٤ - فَأُقْسِمُ أَنْ لو التَقَيْنَا وأنتُمُ لكان لنا يومٌ مِنْ الشَّرِّ مُظْلِمُ
والعامَّةُ على «يَبْطِشُ» بالكسرِ. وضَمَّها أبو جعفر.
قوله: ﴿يسعى﴾ : يجوزُ أَنْ يكونَ صفةً، وأَنْ يكونَ حالاً؛ لأنَّ النكرةَ قد تَخَصَّصَتْ بالوصفِ بقولِه: ﴿مِّنْ أَقْصَى المدينة﴾ فإن
660
جَعَلتْ «مِنْ أَقْصَى» متعلقاً ب «جاء» ف «يَسْعَى» صفةٌ ليس إلاَّ. قاله الزمخشريُّ، بناءً منه على مذهب الجمهورِ وقد تقدَّم/ أنَّ سيبويه يجيز ذلك مِنْ غيرِ شرطٍ. وفي آية يس تقدَّم «مْن أقصى» على «رجل» لأنَّه لم يكنْ مِنْ أقصاها، وإنما جاء منه، وهنا وصَفَه بأنه مِنْ أقصاها، وهما رجلان مختلفان وقِصَّتان متباينتان.
قوله: ﴿يَأْتَمِرُونَ﴾ أي: يَتَآمَرُوْنَ بمعنى يَتشاورون، كقولِ النَّمِر ابنِ تَوْلب:
٣٥٩٥ - أرى الناسَ قد أَحْدَثُوا شِيْمَةً وفي كلِّ حادثةٍ يُؤْتَمَرْ
وعن ابن قتيبة: يأمرُ بعضُهم بعضاً. أخذَه مِنْ قولِه تعالى: ﴿وَأْتَمِرُواْ بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ﴾ [الطلاق: ٦].
قوله: «لك» يجوزُ أَنْ يتعلَّقَ بما يَدُلُّ «الناصحين» عليه أي: ناصحٌ لك من الناصحين، أو بنفسِ «الناصحين» للاتِّساع في الظرف، أو على جهةِ البيان أي: أعني لك.
661
قوله: ﴿يَتَرَقَّبُ﴾ : أي: يترقَّبُ هِدايتَه وغَوْثَ الله إياه.
قوله: ﴿تَذُودَانِ﴾ : صفةٌ ل «امرَأَتَيْنِ» لا مفعولٌ ثان لأنَّ «وَجَدَ» بمعنى لَقِيَ. والذَّوْدُ: الطَّرْدُ والدَّفْعُ قال:
٣٥٩٦ - فَقام يَذُوْدُ الناسَ عنها بسَيْفِه ..........................
وقيل: حَبَسَ، ومفعولُه محذوفٌ أي: تَذُوْدان الناسَ عن غَنَمِهما، أو غَنَمَهما عن مزاحمةِ الناس. و «مِنْ دونِهم» أي من مكانٍ أسفلَ مِنْ مكانِهم.
قوله: ﴿مَا خَطْبُكُمَا﴾ قد تقدَّم في طه. وقال الزمخشري هنا: «وحقيقتُه ما مَخْطُوْبُكما؟ أي: ما مطلوبُكما من الذِّياد، سمى المخطوبَ خَطْباً، كما سُمِّي المَشْؤُوْن شأناً في قولك: ما شَأْنُك؟ يُقال: شَأَنْتُ شَأْنَه أي: قََصَدْتُ قَصْدَه». وقال ابنُ عطية: «السؤالُ بالخَطْبِ إنما هو في مُصابٍ أو مُضْطَهَدٍ» أو مَنْ يَشْفَقُ عليه، أو يأتي بمنكرٍ من الأمرِ «.
وقرأ شمر»
خِطْبُكما «بالكَسْر أي: ما زوجُكما؟ أي: لِمَ تَسْقِيان ولم يَسْقِ زوجُكما؟ وهي شاذَّةٌ جداً.
662
قوله: ﴿يُصْدِرَ﴾ قرأ أبو عمرٍو وابنُ عامرٍ بفتح الياءِ وضمِّ الدالِ مِنْ صَدَرَ يَصْدُر وهو قاصرٌ أي: يَصْدُرون بمواشِيهم. والباقون بضمِّ الياءِ وكسرِ الدالِ مضارعَ أَصْدَرَ مُعَدَّى بالهمزةِ، والمفعولُ محذوفٌ أي: يُصْدِرون مواشِيَهم. والعامَّةُ على كسرِ الراءِ من» الرِّعاء «وهو جمعُ تكسيرٍ غيرُ مَقيس؛ لأنَّ فاعِلاً الوصفَ المعتلَّ اللامِ كقاضٍ قياسُه فُعَلَة نحو: قُضَاة ورُمَاة. وقال الزمخشري:» وأما الرِّعاء بالكسرِ فقياسٌ كصِيامٍ وقِيامٍ «وليس كما ذَكَر لما ذَكَرْتُه.
وقرأ أبو عمرٍو في روايةٍ بفتحِ الراءِ. قال أبو الفضل:»
هو مصدرٌ أُقيم مُقامَ الصفةِ؛ فلذلك استوى فيه الواحدُ والجمعُ «، أو على حَذْفِ مضافٍ. وقُرِىء بضمِّها وهو اسمُ جمعٍ ك رُخَال، وثُناء.
وقرأ ابن مصرف»
لا نُسْقي «بضمِّ النونِ مِنْ أسقى، وقد تقدَّم الفرقُ بين سقى وأسقى في النحل.
663
قوله: ﴿فسقى لَهُمَا﴾ : مفعولُه محذوفٌ أي: غَنَمَهما لأجلِهما.
663
قوله: ﴿لِمَآ أَنزَلْتَ﴾ متعلقٌ ب «فقيرٌ». قال الزمخشري: «عَدَّى» فقيرٌ «باللام لأنه ضُمِّن معنى سائلٌ وطالبٌ. ويُحتمل: إني فقيرٌ من الدنيا لأجلِ ما أَنْزَلْتَ إليَّ من خيرِ الدين، وهو النجاةُ من الظالمين».
قلت: يعني أنَّ افْتَقَرَ يتعدَّى ب «مِنْ»، فإمَّا أن تجعلَه من بابِ التضمين، وإمَّا أَنْ تُعَلِّقَه بمحذوفٍ. و «أَنْزَلْتَ» قيل: ماضٍ على أصلِه. ويعني بالخيرِ ما تقدَّم مِنْ خيرِ الدين. وقيل: بمعنى المستقبل.
664
قوله: ﴿فَجَآءَتْهُ إِحْدَاهُمَا﴾ : قرأ ابن محيصن «فجاءَتْه حْداهما» بحذفِ الهمزةِ تخفيفاً على غيرِ قياسٍ كقولِهم: يا با فلان، وقولِه:
٣٥٩٧ - يا با المُغيرة رُبَّ أَمْرٍ مُعْضِلٍ فَرَّجْتُه بالمَكْرِ مني والدَّها
و «وَيْلُمِّه» أي: ويلٌ لأمِّه. قال:
٣٥٩٨ - وَيْلُمِّها خُلَّةً لو أنَّها صَدَقَتْ .........................
و «تَمْشي» حالٌ، و «على استحياء» حالٌ أخرى: إمَّا مِنْ «جاءَتْ»، وإمَّا مِنْ «تَمْشي».
قوله: ﴿أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى﴾ : رُوِيَ عن أبي عمرٍو: «أُنْكِحك حدى» بحَذْفِ همزةِ «إحدى»، وهذه تُشْبِهُ قراءةَ ابن محيصن «فجاءَتْه حْداهما». وتقدَّم التشديدُ في نونِ «هاتَيْن» في سورةِ النساء.
قوله: ﴿على أَن تَأْجُرَنِي﴾ في محلِّ نصبٍ على الحالِ: إمَّا من الفاعلِ أو من المفعول أي: مَشْروطاً على، أو عليك ذلك. «وتَأْجُرَني» مضارعُ أَجَرْتُه: كنتُ له أَجيراً. ومفعولُه الثاني محذوفٌ أي: تَأْجُرني نفسَك. و «ثماني حِجَج» ظرفٌ له. ونقل الشيخ عن الزمخشري أنها هي المفعولُ الثاني: قلتُ: الزمخشريُّ لم يَجْعَلها مفعولاً ثانياً على هذا الوجهِ، وإنما جَعَلَها مفعولاً ثانياً على وجهٍ آخرَ. وأمَّا على هذا الوجهِ فلم يَجْعَلْها غيرَ ظرفٍ. وهذا نصُّه ليتبيَّنَ لك. قال: «تَأْجُرُني مِنْ أَجَرْتُه إذا كنتَ له أَجيراً، كقولك: أَبَوْتُه إذا كنتَ له أباً. وثماني حِججٍ ظرفٌ، أو مِنْ آجَرْتُه [كذا] : إذا أَثْبَتَّه [إياه]. ومنه تعزيةٌ/ رسولِ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم:» آجَرَكم اللهُ ورَحِمَكم «و» ثمانيَ حِجَجٍ «مفعولٌ به. ومعناه رِعْيَةَ ثَمانِي حِججٍ». فنقل الشيخُ عنه الوجهَ الأولَ من المعنيَيْن المذكورَيْن ل «تَأْجُرَني» فقط، وحكى عنه أنه أعربَ «ثمانيَ حِجَج» مفعولاً به. وكيف يَسْتقيم ذلك أو يَتَّجه؟ وانظر إلى الزمخشريِّ كيف
665
قَدَّر مضافاً ليَصِحَّ المعنى به أي: رَعْيَ ثماني حِجج؛ لأنَّ العملَ هو الذي تقع الإِثابة عليه لا نفسُ الزمان فكيف تُوَجَّه الإِجازةُ على الزمان؟
قوله: ﴿فَمِنْ عِندِكَ﴾ يجوزُ أَنْ يكونَ في محلِّ رفع خبراً لمبتدأ محذوفٍ، تقديرُه: فهي مِنْ عندِك، أو نصبٍ أي: فقَد زِدْتها أو تَفَضَّلْتَ بها مِنْ عندِك.
قوله: ﴿أَنْ أَشُقَّ﴾ مفعولُ «أُرِيْدُ». وحقيقةُ قولِهم «شَقَّ عليه» أي: شَقَّ ظَنَّه نِصْفَيْن، فتارةً يقول: أُطيق، وتارة: لا أُطيق. وهو مِنْ أحسنِ مجازٍ.
666
قوله: ﴿ذَلِكَ﴾ : مبتدأٌ. والإِشارةُ به إلى ما تعاقَدَا عليه، والظرفُ خبرُه. وأُضِيْفَتْ «بين» لمفردٍ لتكررِها عطفاً بالواوِ. ولو قلتَ: «المالُ بين زيدٍ فعمرٍو» لم يَجُزْ. فأمَّا قولُه:
٣٥٩٩ -....................... ......... بين الدَّخولِ فَحَوْمَلِ
فكان الأصمعيُّ يَأْباها ويَرْوي «وحَوْمَلِ» بالواو. والصحيحُ بالفاءِ، وأوَّلَ البيتَ على: «الدَّخولِ وَحَوْمَلِ» مكانان كلٌّ منهما مشتملٌ على أماكنَ، نحو قولِك: «داري بين مصرَ» لأنه به المكانُ الجامع. والأصل: ذلك بَيْنَنا، ففرَّق بالعطف.
قوله: ﴿أَيَّمَا الأجلين﴾ «أيّ» شرطيةٌ. وجوابُها «فلا عُدْوانَ» عليَّ. وفي «ما» هذه قولان، أشهرُهما: أنها زائدةٌ كزيادتِها في أخواتِها مِنْ أدواتِ الشرط. والثاني: أنها نكرةٌ. والأَجَلَيْن بدلٌ منها. وقرأ الحسن وأبو عمرٍو في رواية «
666
أَيْما» بتخفيفِ الياءِ، كقوله:
٣٦٠٠ - تَنَظَّرْتُ نَصْراً والسِّماكَيْنِ أَيْهُما عليَّ من الغَيْثِ اسْتَهَلَّتْ مواطِرُهْ
وقرأ عبد الله «أَيَّ الأَجَلَيْنِ ما قَضَيْتُ» بإقحام «ما» بين «الأجلين» و «قَضَيْتُ». قال الزمخشري: «فإنْ قلتَ: ما الفرقُ بين موقعَيْ زيادةِ» ما «في القراءتين؟ قلت: وقعَتْ في المستفيضة مؤكِّدةً لإِبهامِ» أيّ «زائدةً في شِياعِها، وفي الشاذَّة تأكيداً للقضاءِ كأنه قال: أيَّ الأجلين صَمَّمْتُ على قضائه، وجَرَّدْت عَزيمتي له».
وقرأ أبو حيوةَ وابنُ قطيب «عِدْوان». قال الزمخشري: «فإنْ قلتَ: تَصَوُّرُ العُدْوان إنما هو في أحد الأجلَيْن الذي هو أقصرُهما، وهو المطالبةُ بتتمَّة العَشْر، فما معنى تعلُّقِ العُدْوانِ بهما جميعاً؟ قلت: معناه كما أنِّي إنْ طُوْلِبْتُ بالزيادةِ على العشر [كان عدواناً] لا شك فيه، فكذلك إنْ طولِبْتُ بالزيادةِ على الثمان. أراد بذلك تقريرَ ِأمرِ الخِيارِ، وأنه ثابتٌ مستقرٌّ، وأن الأجلَيْنِ على السَّواء: إمَّا هذا وإمَّا هذا». ثم قال: «وقيل: معناه: فلا أكونُ متعدياً. وهو
667
في نَفْي العدوان عن نفسه كقولِك: لا إثمَ علي ولا تَبِعَةَ». قال الشيخ: «وجوابُه الأولُ فيه تكثيرٌ». قلتُ: كأنه أعجبه الثاني، والثاني لم يَرْتَضِه الزمخشريُّ؛ لأنه ليس جواباً في الحقيقة؛ فإن السؤالَ باقٍ أيضاً. وكذلك نَقَلَه عن غيره.
وقال المبرد: «وقد عَلِم أنه لا عُدْوانَ عليه في أتَمِّهما، ولكنْ جَمَعَهما ليجعلَ الأولَ كالأَتَمِّ في الوفاء».
668
قوله: ﴿أَوْ جَذْوَةٍ﴾ : قرأ حمزة بضم الجيم. وعاصم بالفتح. والباقون بالكسرِ. وهي لغاتٌ في العُود الذي في رأسِه نارٌ، هذا هو المشهورُ. قال السُّلمي:
٣٦٠١ - حمى حُبِّ هذي النارِ حُبُّ خليلتي وحُبُّ الغواني فهو دونَ الحُباحُبِ
وبُدِّلْتُ بعد المِسْكِ والبانِ شِقْوةً دخانَ الجُذا في رأسِ أشمطَ شاحبِ
وقيَّده بعضُهم فقال: في رأسِه نارٌ مِنْ غيرِ لَهَبٍ. قال ابن مقبل:
668
٣٦٠٢ - باتَتْ حواطِبُ ليلى يَلْتَمِسْنَ لها جَزْلَ الجُذا غَيرَ خَوَّارٍ ولا دَعِرِ
الخَوَّارُ: الذي يتقصَّفُ. والدَّعِرُ: الذي فيه لَهَبٌ، وقد وَرَدَ ما يقتضي وجودَ اللهبِ فيه. قال الشاعر:
٣٦٠٣ - وأَلْقَى على قَبْسٍ من النارِ جَذْوةً شديداً عليها حَمْيُها والتهابُها
وقيل: الجَذْوَة: العُوْدُ الغليظُ سواءً كان في رأسه نارٌ أم لم يكنْ، وليس المرادُ هنا إلاَّ ما في رأسِه نارٌ.
قوله: ﴿مِّنَ النار﴾ صفةٌ ل جَذْوَةٍ، ولا يجوزُ تَعَلُّقها ب «آتِيْكُمْ» كما تَعَلَّق به «منها» ؛ لأنَّ هذه النارَ ليسَتْ النارَ المذكورةَ، والعربُ إذا تقدَّمَتْ نكرةٌ وأرادَتْ إعادَتَها أعادَتْها مضمرةً، أو معرَّفَةً ب أل العهديةِ، وقد جُمِع الأمران هنا.
669
قوله: ﴿مِن شَاطِىءِ﴾ :«مِنْ» لابتداءِ الغايةِ. والأَيْمن صفةٌ للشاطىء أو للوادي. والأَيمن من اليُمْن وهو البركة أو من اليمين المعادِلِ لليسار من العُضْوَيْن. ومعناه على هذا بالنسبة إلى موسى أي: الذي يَلي يمينَكَ دونَ يسارِك. والشاطىء ضفَّةُ الوادي والنهر أي حافَّتُه وطرفُه، وكذلك الشَّطُّ والسِّيْفُ والساحلُ كلُّها بمعنى. وجَمْعُ الشاطىء/ أشْطَاء قاله الراغب. وشاطَأْتُ فلاناً: ماشَيْتُه على الشاطىء.
قوله: ﴿فِي البقعة﴾ متعلقٌ ب «نُوْدِيَ» أو بمحذوفٍ على أنها حالٌ من
669
الشاطىء. وقرأ العامَّةُ بضم الباء وهي اللغةُ العاليةُ. وقرأ مَسْلَمَةُ والأشهبُ العُقيلي بفتحها. وهي لغةٌ حكاها أبو زيدٍ. قال: «سَمِعْتُهم يقولون: هذه بَقْعَةٌ طيِّبةٌ».
قوله: ﴿مِنَ الشجرة﴾ هذا بدلٌ مِنْ «شاطىء» بإعادةِ العاملِ، وهو بدلُ اشتمال.
قوله: ﴿أَن ياموسى﴾ «أنْ» هي المفسِّرةُ. وجُوِّز فيها أَنْ تكونَ المخففةَ. واسمُها ضميرُ الشأنِ. وجملةُ النداءِ مفسِّرةٌ له. وفيه بُعدٌ.
قوله: ﴿إني أَنَا الله﴾ العامَّةُ على الكسرِ على إضمار القولِ، أو على تضمينِ النداءِ معناه. وقُرِىء بالفتح. وفيه إشكالٌ؛ لأنه إنْ جُعِلَتْ «أَنْ» تفسيريةً وَجَبَ كسرُ «إِنِّي» للاستئنافِ المفسِّر للنداء بماذا كان؟ وإنْ جَعلْتَها مخففةً لَزِم تقديرُ «أَنِّي» بمصدرٍ، والمصدرُ مفردٌ، وضميرُ الشأن لا يُفَسَّرُ بمفردٍ. والذي ينبغي أَنْ تُخَرَّج عليه هذه القراءةُ أَنْ تكون «أَنْ» تفسيريةً و «أني» معمولةٌ لفعلٍ مضمرٍ، تقديرُه: أنْ يا موسى اعلَمْ أنِّي أنا الله.
670
قوله: ﴿مِنَ الرهب﴾ : متعلِّقٌ بأحدِ أربعةِ أشياء: إمَّا ب «ولى»، وإمَّا ب «مُدْبِراً»، وإمَّا ب «اضْمُمْ» ويظهر هذا الثالث إذا فَسَّرنا الرَّهْبَ بالكُمِّ، وإمَّا بمحذوفٍ أي: [تَسْكُن] من الرَّهْب. وقرأ حفصٌ بفتح الراءِ
670
وإسكانِ الهاء. والأخَوان وابنُ عامرٍ وأبو بكرٍ بالضمِّ والإِسكان. والباقون بفتحتين. والحسن وعيسى والجحدريُّ وقتادة بضمتين. وكلُّها لغاتٌ بمعنى الخَوْفِ. وقيل: هو بفتحتين الكُمُّ بلغةِ حِمْير وحنيفة. قال الزمخشري: «هو مِنْ بِدَع التفاسير» قال: «وليت شعري كيف صِحَّتُه في اللغةِ، وهل سُمِع من الثقاتِ الأثباتِ الذين تُرْتَضَى عربيتُهم؟ ثم ليت شعري كيف موقعُه في الآيةِ وكيف تطبيقُه المفصَّلُ كسائرِ كلماتِ التنزيل. على أنَّ موسى صلوات الله عليه ليلةَ المُناجاة ما كان عليه إلاَّ رُزْمانِقَةٌ من صوف لا كُمَّيْ لها» الرُّزْمانِقَةُ: المِدْرَعَة.
قال الشيخ: «هذا مرويٌّ عن الأصمعي، وهو ثقةٌ سمعهم يقولون: أَعْطِني ما رَهْبِك أي: كُمِّك. وأمَّا قولُه كيف موقعُه؟ فقالوا: معناه أخرِجْ يدَك مِنْ كُمِّك» قلت: كيف يَسْتقيم هذا التفسير؟ يُفَسِّرون اضْمُمْ بمعنى أَخْرِجْ.
وقال الزمخشري: «فإنْ قلتَ: قد جُعِل الجناحُ وهو اليدُ في أحد الموضعين مضموماً، وفي الآخر مضموماً إليه، وذلك قوله: ﴿واضمم إِلَيْكَ جَنَاحَكَ﴾ وقوله ﴿واضمم يَدَكَ إلى جَنَاحِكَ﴾ فما التوفيقُ بينهما؟ قلت: المرادُ بالجناحِ المضمومِ [هو] اليدُ اليمنى، وبالجناح المضمومِ إليه هو اليدُ اليسرى، وكلُّ واحدةٍ مِنْ يُمْنى اليدين ويُسْراهما جناح».
671
قوله: ﴿فَذَانِكَ﴾ قد تقدَّمَ قراءةُ التخفيفِ والتثقيلِ في سورة النساء وقرأ ابن مسعود وعيسى وشبل وأبو نوفل بياءٍ بعد نونٍ مكسورةٍ، وهي لغةُ هُذَيْلٍ. وقيل: تميمٌ. وروى شبل عن ابن كثير بياءٍ بعد نونٍ مفتوحةٍ. وهذا على لغةِ مَنْ يفتح نونَ التثنيةِ، كقوله:
٣٦٠٤ - على أَحْوَذِيَّيْنَ اسْتَقلَّتْ عَشِيَّةً فما هي إلاَّ لَمْحَةٌ وتَغيبُ
والياءُ بدلٌ من إحدى النونين ك «تَظَنَّيْت». وقرأ عبد الله بتشديدِ النون وياءٍ بعدها. ونُسِبَتْ لهُذَيْل. قال المهدوي: بل لغتُهم تخفيفُها. ولا أظنُّ الكسرةَ هنا إلاَّ إشباعاً كقراءةِ هشام ﴿أَفْئِيدَةً مِّنَ الناس﴾ [إبراهيم: ٣٧].
و «ذانِكَ» إشارةٌ إلى العصا واليد وهما مؤنثتان، وإنما ذُكِّر ما أُشير به إليهما لتذكيرِ خبرِهما وهو برهانان، كما أنه قد يُؤَنَّثُ لتأنيثِ خبرِه كقراءةِ ﴿ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتَهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ﴾ [الأنعام: ٢٣] فيمَنْ أََنَّثَ، ونَصَبَ «فِتْنَتَهم»، وكذا قولُ
672
الشاعر:
٣٦٠٥ -......................... فقد خابَ مَنْ كانَتْ سَرِيْرَتَه الغَدْرُ
وتقدَّم إيضاحُ هذا في الأنعام. والبُرْهان تقدَّم اشتقاقُه.
وقال الزمخشري هنا: «فإنْ قلتَ: لِمَ سُمِّيَتِ الحُجَّةُ بُرْهاناً؟ قلت: لبياضِها وإنارتِها، مِنْ قولِهم للمرأةِ البيضاء» بَرَهْرَهَةُ «بتكريرِ العين واللام. والدليلُ على زيادةِ النون قولهم: أَبْرَهَ الرجلُ إذا جاء بالبُرْهان. ونظيرُه تسميتُهم إياها سُلْطاناً، من السَّليطِ وهو الزيتُ لإِنارتِها».
قوله: ﴿إلى فِرْعَوْنَ﴾ متعلقٌ بمحذوفٍ فقدَّره أبو البقاء «مُرْسَلاً إلى فرعونَ» وغيرُه: اذهَبْ إلى فرعون. وهذا المقدَّرُ ينبغي أن يكونَ حالاً مِنْ «برهانان» أي: مُرْسَلاً بهما إلى فرعونَ. والعاملُ في هذه الحالِ ما في اسمِ الإِشارةِ.
673
قوله: ﴿هُوَ أَفْصَحُ﴾ : الفَصاحَةُ لغةً: الخُلوصُ. ومِنْه فَصُحَ اللبنُ وأَفْصَحَ فهو مُفْصِحٌ وفَصيح أي: خَلَصَ من الرَّغْوَة. ورُوِي/ قولُهم:
٣٦٠٦ -..........................
673
وتحتَ الرَّغْوَةِ اللبنُ الفَصيحُ
ومنه فَصُحَ الرجل: جادَتْ لغُته. وأَفْصَحَ: تكلَّم بالعربية. وقيل: بالعكس. وقيل: الفصيح الذي يَنْطِقُ. والأعجمُ: الذي لا ينطقُ. وعن هذا اسْتُعير أَفْصَح الصبحُ أي: بدا ضَوْءُه. وأفصح النصرانيُّ: دنا فِصْحُه بكسرِ الفاءِ وهو عيدٌ لهم. وأمَّا في اصطلاحِ أهل البيانِ فهي خُلُوصُ الكلمة من تنافرِ الحروفِ كقوله: «ترعى الهِعْخِع». ومن الغرابةِ. كقوله:
٣٦٠٧ -................... ومَرْسِناً مُسَرَّجاً... ومِنْ مخالفةِ القياس اللغوي كقوله:
٣٦٠٨ -....................
674
العَليِّ الأَجْلَل... وخُلوصُ الكلام من ضعفِ التأليف كقوله:
٣٦٠٩ - جزى ربُّه عني عَدِيَّ بنَ حاتمٍ ...........................
ومن تنافرِ الكلماتِ كقولهِ:
٣٦١٠ - وقبرُ حربٍ بمكانٍ قَفْرِ وليسَ قربَ قبرِ حَرْبٍ قبرُ
ومن التعقيدِ وهو: إمَّا إخلالُ نظمِ الكلامِ فلا يدرى كيفُ يُتوصَّلُ إلى معناه؟ كقوله:
٣٦١١ - وما مثلُه في الناسِ إلاَّ مُمَلَّكاً أبو أمِّه حيٌّ أبوه يُقارِبُهْ
وإمَّا عَدَمُ انتقالِ الذهنِ من المعنى الأول إلى المعنى الثاني، الذي هو لازِمه والمرادُ به، ظاهراً كقوله:
675
٣٦١٢ - سأطلبُ بُعْدَ الدارِ عنكم لِتَقْرَبُوا وَتَسْكُبُ عينايَ الدموعَ لتَجْمُدا
وخُلوصُ المتكلم من النطقِ بجميع ذلك فصارتِ الفصاحةُ يوصف بها ثلاثةُ أشياءَ: الكلمةُ والكلامُ والمتكلمُ بخلاف البلاغةِ فإنه لا يُوْصَفُ بها إلاَّ الأخيران. وهذا له موضوعٌ يُوَضَّحُ فيه، وإنما ذكَرْتُ لك ما ينبِّهُك على أصلِه.
و [قوله] :«لِساناً» تمييز.
قوله: «رِدْءاً» منصوبٌ على الحال. والرِّدْءُ: العَوْنُ وهو فِعْلٌ بمعنى مَفْعول كالدِّفْءِ بمعنى المَدْفوء به. ورَدَأْتُه على عَدُوِّه أَعَنْتُه عليه. ورَدَأْتُ الحائط: دَعَمْتُه بخشَبَة كيلا يَسْقُطَ. وقال النحاس: «يقال:» رَدَأْته وأَرْدَأْته «.
وقال سلامة بن جندل:
٣٦١٣ - ورِدْئي كلُّ أبيضَ مَشْرَفيٍّ شَحيذِ الحَدِّ أبيضَ ذي فُلولِ
وقال آخر:
676
وقرأ نافع» رِدا «بالنقل، وأبو جعفر كذلك إلاَّ أنه لم يُنَوِّنْه كأنه أجرى الوصلَ مجرى الوقفِ. ونافعٌ ليس من قاعدتِه النقلُ في كلمةٍ إلاَّ هنا. وقيل: ليس فيه نَقْلٌ وإنما هو مِنْ أردى على كذا. أي: زاد. قال الشاعر:
٣٦١٤ - ألم تَرَ أنَّ أَصْرَمَ كان رِدْئي وخيرَ الناسِ في قُلٍّ ومالِ
٣٦١٥ - وأسمرَ خَطِّيّاً كأنَّ كُعُوبَه نوى القَسْبِ قد أردى ذِراعاً على العَشْرِ
أي: زاد [وأنشده الجوهريُّ: قد أربى، وهو بمعناه].
قوله: ﴿يُصَدِّقُنِي﴾ قرأ حمزةُ وعاصمٌ بالرفع على الاستئناف أو الصفةِ ل»
رِدْءاً «أو الحالِ من هاء» أَرْسِلْه «، أو من الضميرِ في» رِدْءاً «. والباقون بالجزمِ جواباً للأمرِ. وزيد بن علي واُبَيٌّ» يُصَدِّقوني «ِأي: فرعونُ ومَلَؤُه. قال ابن خالويه:» وهذا شاهدٌ لِمَنْ جَزَم؛ لأنه لو كان رفعاً لقال «يُصَدِّقونَني» يعني بنونين «.
وهذا سهوٌ من ابن خالويه؛ لأنه متى اجتمعَتْ نونُ الرفعِ من نون الوقايةِ جازَتْ أوجهٌ، أحدها: الحذفُ، فهذا يجوزُ أن يكونَ مرفوعاً، وحَذْفُ نونِه لما ذكرْتُ لك. وقد تقدم تحقيقُ هذا في الأنعام وغيرِها. وحكاه الشيخُ عن ابنِ خالَويه ولم يُعْقِبْه بنَكير.
677
قوله: ﴿عَضُدَكَ﴾ : العامَّةُ على فتحِ العينِ وضمِّ الضادِ. والحسن وزيد بن علي بضمِّهما. وعن الحسن بضمةٍ وسكونٍ وعيسى بفتحِهما، وبعضُهم بفتحِ العينِ وكسرِ الضادِ. وفيه لغةٌ سادسةٌ: فتح العينِ وسكونُ الضادِ. ولا أعلمُها قراءةً. وهذا كنايةٌ عن التقوِيَةِ له بأخيه.
قوله: ﴿بِآيَاتِنَآ﴾ يجوزُ فيه أوجهٌ: أَنْ يتعلَّقَ ب «نَجْعَلُ» أو ب «يَصِلُوْن»، أو بمحذوفٍ أي: اذْهبا، أو على البيان، فيتعلَّقُ بمحذوفٍ أيضاً، أو ب «الغالبون»، على أنَّ أل ليست موصولةً، أو موصولةٌ واتُّسِعَ فيه ما لا يُتَّسَعُ في غيرِه، أو قَسَمٌ وجوابُه متقدِّمٌ وهو «فلا يَصِلُون»، أو مِنْ لَغْوِ القسمِ. قالهما الزمخشري. ورَدَّ عليه الشيخُ بأنَّ جوابَ القسمِ لا تدخُلُه الفاءُ عند الجمهور. ويريدُ بلَغْوِ القسمِ أنَّ جوابَه محذوفٌ أي: وحَقِّ آياتِنَا لتَغْلُبُنَّ.
قوله: ﴿وَقَالَ موسى﴾ : هذه قراءةُ العامَّة بإثباتِ واوِ العطفِ. وابنُ كثيرٍ حَذَفَها، وكلٌ وافقَ مصحفَه؛ فإنها ثابتةٌ في المصاحفِ غيرَ مصحفِ مكةَ. وإثباتُها وحَذْفُها واضحان، وهو الذي يسميِّه أهلُ البيان الوصلَ والفصلَ.
قوله: ﴿وَمَن تَكُونُ﴾ قرأ العامَّةُ «تكون» بالتأنيث و «له» خبرُها «وعاقبةُ» اسمُها. ويجوزُ أَنْ يكونَ اسمُها ضميرَ القصةِ، والتأنيثُ لأجلِ ذلك، و ﴿لَهُ عَاقِبَةُ الدار﴾ جملةٌ في موضع الخبرِ. وقرىء بالياء مِنْ تحتُ، على أَنْ تكونَ «
678
عاقبةٌ» اسمَها والتذكيرُ للفصلِ؛ لأنه تأنيثٌ مجازيٌّ. ويجوزُ أن يكون اسمُها ضميرَ الشأنِ. والجملةُ خبرٌ كما تقدم. ويجوزُ أَنْ تكونَ تامةً، وفيها ضميرٌ يرجِعُ إلى «مَنْ»، والجملةُ في موضعِ الحالِ. ويجوز أن تكونَ ناقصةً، واسمُها ضميرُ «مَنْ» /، والجملةُ خبرُها.
679
قوله: ﴿بِغَيْرِ الحق﴾ : حالٌ أي: استكبروا مُلتبسينَ بغيرِ الحقِّ.
قوله: ﴿لاَ يُرْجَعُونَ﴾ قرأ نافعٌ والأخوان مبنياً للفاعل. والباقون للمفعول.
قوله: ﴿وَجَعَلْنَاهُمْ﴾ أي: صَيَّرْناهم. وقال الزمخشري: «دَعَوْناهم» كأنه فرََّ مِنْ نسبةِ ذلك إلى الله تعالى، أعني التصييرَ؛ لأنه لا يوافِقُ مذهبَه. و «يَدْعُون» صفةٌ ل «أَئمةً».
قوله: ﴿وَيَوْمَ القِيَامَةِ﴾ فيه أوجهٌ، أحدها: أَنْ يتعلَّقَ ب «المقبوحين» على أنّ أل ليست موصولةً، أو موصولةٌ واتُّسِع فيه، وأن يتعلَّقَ بمحذوفٍ يُفَسِّره المقبوحين، كأنه قيل: وقُبِّحُوا يومَ القيامةِ نحو: ﴿لِعَمَلِكُمْ مِّنَ القالين﴾ [الشعراء: ١٦٨] أو يُعْطَفَ على موضع «في الدنيا» أي: وأَتْبَعْناهم لعنةً يوم القيامة، أو معطوفةٌ على «لعنةً» على حذفِ مضافٍ أي: ولعنةَ يوم القيامة. والوجهُ الثاني أظهرُها.
والمقبوحُ: المطرودُ. قبَّحه الله: طرده. قال:
679
٣٦١٦ - ألا قَبَّح اللهُ البراجِمَ كلِّها وجَدَّعَ يَرْبُوعاً وعَقَّر دارِما
وسُمِّيَ ضِدُّ الحُسْنِ قبيحاً؛ لأنَّ العينَ تَنْبُو عنه، فكأنها تطردُه يُقال: قَبُح قَباحةً. وقيل: من المقبوحينَ: من المَوْسومين بعلامةً مُنْكَرَةٍ كزُرْقة العيون وسوادِ الوجوهِ. والقبيحُ أيضاً: عَظْمُ الساعدِ ممَّا يلي النصفَ منه إلى المِرْفَقِ.
680
قوله: ﴿بَصَآئِرَ﴾ : يجوز أَنْ يكونَ مفعولاً له، وأن يكونَ حالاً: أمَّا على حَذْفِ مضافٍ أي: ذا بصائرَ أو على المبالغة.
قوله: ﴿بِجَانِبِ الغربي﴾ : يجوزُ أَنْ يكونَ مِنْ حَذْفِ الموصوف وإقامةِ صفتهِ مُقامَة أي: بجانبِ المكانِ الغربيِّ، وأَنْ يكونَ من إضافةِ الموصوفِ لصفتِه، وهو مذهبُ الكوفيين. ومثلُه: «بَقْلةُ الحمقَاء، ومَسْجد الجامع».
قوله: ﴿وَلَكِنَّآ أَنشَأْنَا﴾ : وجهُ الاستداركِ: أنَّ المعنى وما كنتَ شاهداً لموسى ما جَرَى عليه، ولكنَّا أَوْحَيْناه إليك. فذكر سببَ الوَحْيِ الذي هو إطالةُ الفترةِ، ودَلَّ به على المسَبَّب، على عادةِ الله تعالى في اختصاراته. فإذن هذا الاستداركُ هو شبيهُ بالاستدراكَيْن بعده. قاله الزمخشري بعد كلامٍ طويل.
قوله: ﴿ثَاوِياً﴾ أي: مُقيماً يقال: ثوى يَثْوِي ثَواءً وَثَوِّياً، فهو ثاوٍ ومَثْوِيٌّ. قال ذو الرمة:
680
٣٦١٧ - لقد كانَ في حَوْلٍ ثَواءٍ ثوَيْتُه تَقَضِّي لُباناتٍ ويُسْأَمُ سائِمُ
وقال آخر:
٣٦١٨ - طال الثَّواءُ على رُسومِ المنزلِ ....................
وقال العجاج:
٣٦١٩ - فباتَ حيث يَدْخُلُ الثَّوِيُّ... يعني: الضيفَ المقيم.
قوله: ﴿تَتْلُواْ﴾ يجوز أن يكونَ حالاً مِن الضميرِ في «ثاويا»، وأَنْ يكونَ خبراً ثانياً، وأنْ يكونَ هو الخبرَ و «ثاوياً» حالٌ. وجعله الفراء منقطعاً مِمَّا قبلَه أي: مستأنفاً كأنه قيل: وها أنت تَتْلُو على أمَّتِك. وفيه بُعدٌ.
681
قوله: ﴿مَّآ أَتَاهُم مِّن نَّذِيرٍ﴾ : في موضع الصفةِ ل «قوماً».
[قوله:] ﴿ولكن رَّحْمَةً﴾ أي: أَرْسَلْناك رحمةً أو أَعْلمناك بذلك رحمةً. وقرأ عيسى وأبو حيوةَ بالرفع أي: أنت رحمةٌ.
قوله: ﴿ولولا أَن تُصِيبَهُم﴾ : هي الامتناعيةُ. وأنْ وما في حَيِّزها في موضعِ رفعٍ بالابتداءِ. أي: ولولا إصابتُهم المصيبةَ. وجوابُها محذوفٌ فقدَّره الزجاج: «ما أرْسَلْنا إليهم رُسُلاً» يعني: أنَّ الحاملَ على إرسالِ الرسلِ إزاحةُ عِلَلِهم بهذا القولِ فهو كقولِه: ﴿لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى الله حُجَّةٌ بَعْدَ الرسل﴾ [النساء: ١٦٥]. وقدَّره ابنُ عطية: «لعاجَلْناهم» ولا معنى لهذا.
و «فَيَقولوا» عطفٌ [على] «تُصيبَهم»، و «لولا» الثانيةُ تحضيضٌ و «فنَتَّبِعَ» جوابُه، فلذلك نُصِبَ بإضمار «أَنْ». قال الزمخشري: «فإن قلتَ: كيف استقامَ هذا المعنى، وقد جُعِلَتْ العقوبةُ هي السببية لا القولُ؛ لدخولِ حرفِ الامتناعِ عليه دونَه؟ قلت: القولُ هو المقصودُ بأَنْ يكونَ سبباً للإِرسال ولكنَّ العقوبةَ لَمَّا كانت هي السببَ للقولِ، وكان وجودُه بوجودِها جُعِلَتِ العقوبةُ كأنها سببٌ للإِرسالِ بواسطة القولِ فَأُدْخلَتْ عليها» لولا «. وجيْءَ بالقول معطوفاً عليها بالفاءِ المُعْطِيَةِ معنى السببية، ويَؤُول معناه إلى قولِك:» ولولا قولُهم هذا إذا أصابَتْهم مصيبةٌ لَمَا أَرْسَلْنا «ولكن اخْتِيْرَتْ هذه الطريقةُ لنُكتةٍ: وهي أنهم لو لم يُعاقَبوا مثلاً على كفرِهم وقد عاينوا ما أُلْجِئوا به إلى العلمِ اليقين لم يقولوا: لولا أَرْسَلْتَ إلينا رسولاً، وإنما السببُ في قولِهم هذا هو العقابُ لا غيرَ، لا التأسُّفُ على ما فاتهم من الإِيمان بخالِقهم».
قوله: ﴿مِن قَبْلُ﴾ : إمَّا أَنْ يتعلَّقَ بيَكْفروا، أو ب «أُوْتِي» أي: مِنْ قبلِ ظهورِك.
682
قوله: ﴿سِحْرَانِ﴾ قرأ الكوفيون «سِحْران» أي: هما. أي: القرآن/ والتوراة، أو موسى وهارون وذلك على المبالغةِ، جعلوهما نفسَ السِّحْرِ، أو على حَذْفِ مضافٍ أي: ذَوا سِحْرَيْن. ولو صَحَّ هذا لكانَ يَنبغي أن يُفْرَدَ «سِحْر» ولكنه ثُنِّيَ تنبيهاً على التنويع. وقيل: المرادُ موسى ومحمدٌ عليهما السلام أو التوراةُ والإِنجيلُ. والباقون «ساحران» أي: موسى وهارون أو موسى ومحمدٌ كما تقدَّم.
قوله: ﴿تَظَاهَرَا﴾ العامَّةُ على تخفيفِ الظاءِ فعلاً ماضياً صفةً ل «سِحْران» أو «ساحران» أي: تَعاوَنا. وقرأ الحسن ويحيى بن الحارث الذِّماري وأبو حيوة واليزيدي بشديدِها. وقد لحَّنهم الناسُ. قال ابن خالويه: «تشديدُه لَحْنٌ؛ لأنه فعلٌ ماضٍ. وإنما يُشَدَّد في المضارع». وقال الهُذَلي: «لا معنى له» وقال أبو الفضل: «لا أعرفُ وجهَه». وهذا عجيبٌ من هؤلاءِ وقد حُذِفَتْ نونُ الرفع في مواضعَ، حتى في الفصيح، كقولِه عليه السلام: «لا تَدْخلوا الجنةَ حتى تؤْمِنوا ولا تُؤْمنوا حتى تحابُّوا» ولا فرقَ بين كونِها بعد واوٍ وألفٍ أو ياءٍ، فهذا أصلُه «تَتَظاهران» فَأُدْغِم وحُذِفت نونُه تخفيفاً.
وقرأ الأعمش وطلحة وكذا في مصحف عبد الله «اظَّاهَرا» بهمزةِ وصلٍ وشدِّ الظاءِ، وأصلُها «تَظاهرا» كقراءةِ العامةِ، فلمَّا أُريد الإِدغامُ سَكَّنْتَ الأولَ فاجْتُلبَتْ همزةُ الوصل.
683
قوله: ﴿أَتَّبِعْهُ﴾ : جوابُ الأمرِ وهو «فَأْتوا». «منهما» أي: من التوراةِ والقرآنِ، وهو مؤيدٌ لقراءة «سِحْران»، أو مِنْ كتابَيْهُما على حذف مضافٍ، وهو مؤيد لقراءةِ «ساحِران». وزيد بن علي «أتَّبِعُه» بالرفع استئنافاً أي: فأنا أتَّبعُه.
[قوله] :﴿فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُواْ لَكَ﴾ : استجاب بمعنى أجاب. قال الزمخشري: «فإنْ قلتَ: ما الفرقُ بين فعلِ الاستجابة في الآيةِ وبينه في قولِه:
٣٦٢٠ -..................... فلم يَسْتَجِبْه عند ذاك مُجِيْبُ
حيثُ عُدِّيَ بغيرِ لامٍ؟ قلت: هذا الفعلُ يتعدى إلى الدعاء بنفسِه وإلى الداعي باللام، ويُحْذَفُ الدعاء إذا عُدِّي إلى الداعي في الغالب، فيقال:»
استجاب اللهُ دعاءَه «أو» استجاب له «، ولايكاد يُقال: استجاب له دعاءَه. وأمَّا البيتُ فمعناه: فلم يَسْتَجبْ دعاءَه على حذفِ المضاف». قلت: قد تقدَّم تقريرُ هذا في البقرة، وأنَّ استجابَ بمعنى أجاب. والبيتُ الذي أشار إليه هو:
قوله: ﴿وَصَّلْنَا﴾ : العامَّةُ على التشديد: إمَّا من الوصلِ ضدِّ القطع أي: تابَعْنا بعضَه ببعض. وأصلُه مِنْ وَصْلِ الحَبْل. قال الشاعر:
وداعٍ دَعا يا مَنْ يُجيب إلى الندى فلم يَسْتَجِبْه عند ذاك مُجيبُ
٣٦٢١ - فَقُلْ لبني مروانَ ما بالُ ذِمَّتي بحبلٍ ضعيفِ لا يَزال يُوَصَّل
وإمَّا: جَعَلْناه أَوْصالاً، أي: أنواعاً من المعاني. قاله مجاهد. والحسن قرأ بتخفيفِ الصاد. وهو قريبٌ ممَّا تقدَّم.
قوله: ﴿الذين آتَيْنَاهُمُ﴾ : مبتدأٌ، و «هم» مبتدأ ثانٍ، و «يؤْمِنون» خبرُه. والجملةُ خبرُ الأولِ و «به» متعلِّقٌ ب «يُؤْمِنون». وقد يُعَكِّر على الزمخشريِّ وغيرِه مِنْ أهل البيانِ حيث قالوا: التقديمُ يُفيد الاختصاصَ وهنا لا يتأتَّى ذلك، لأنهم لو خَصُّوا إيمانَهم بهذا الكتابِ فقط لَزِمَ كفرُهم بما عَداه، وهو عكسُ المرادِ، وقد أبدى أهلُ البيانِ هذا في قوله: ﴿آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا﴾ [الملك: ٢٩] فقالوا: لو قَدَّم «به» لأَوْهَمَ الاختصاصَ بالإِيمان بالله وحدَه دونَ ملائكتِه وكتبِه ورسلِه واليومِ الآخر، وهذا بعينِه جارٍ هنا. والجوابُ: أنَّ الإِيمانَ بغيرهِ معلومٌ فانصَبَّ الغرضُ إلى الإِيمانِ بهذا.
قوله: ﴿مَّرَّتَيْنِ﴾ : منصوبٌ على المصدرِ. و ﴿بِمَا صَبَرُواْ﴾ «ما» مصدريةٌ. والباءُ تتعلَّق ب «يُؤْتَوْن» أو بنفسِ الأَجْر.
قوله: ﴿نُتَخَطَّفْ﴾ : العامَّةُ على الجزمِ جواباً للشرطِ. والمنقَري بالرفعِ على حَذْفِ الفاءِ كقوله:
٣٦٢٢ - مَنْ يَفْعَلِ الحسناتِ اللهُ يَشْكرها .......................
وكقراءة «يُدْرِكُكُمْ» [النساء: ٧٨] بالرفع أو على التقديم، وهو مذهب سيبويه.
قوله: ﴿أَوَلَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ حَرَماً﴾ قال أبو البقاء: «عَدَّاه بنفسه لأنه بمعنى جَعَلَ. وقد صَرَّح به في قولِه ﴿أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا جَعَلْنَا حَرَماً﴾ [العنكبوت: ٦٧] ومَكَّن متعدٍّ بنفسِه مِنْ غيرِ أنُ يُضَمِّنَ معنى» جَعَلَ «كقوله: ﴿مَكَّنَّاهم﴾. وقد تقدَّم تحقيقُه في الأنعام.
و»
آمِناً «قيل: بمعنى مُؤَمَّن/ أي: يُؤَمَّن مَنْ دخله. وقيل: هو على حَذْفِ مضافٍ أي: آمناً أهلُه. وقيل: فاعِل بمعنى النَّسبِ أي: ذا أَمنٍ.
قوله: ﴿يجبى﴾ قرأ نافعٌ بتاءِ التأنيثِ مراعاةً للفظِ»
ثَمَرات «. والباقون
686
بالياء للفَصْلِ، ولأنه تأنيثٌ مجازيٌ. والجملةُ صفةٌ ل» حرماً «أيضاً. وقرأ العامَّةُ» ثَمَرات «بفتحَتْين. وأبان بضمتين جمع ثُمُر بضمتَيْن. وبعضُهم بفتحٍ وسكونٍ.
قوله:»
رِزْقاً «إنْ جَعَلْتَه مصدراً جاز انتصابُه على المصدر المؤكِّد؛ لأنَّ معنى» يجبى إليه «: يَرْزُقهم، وأَنْ ينتصِبَ على المفعولِ له. والعاملُ محذوفٌ أي نَسُوْقه إليه رِزْقاً، وأَنْ يكونَ في موضعِ الحالِ مِنْ» ثَمَرات «لتخصيصِها بالإِضافةِ، وإنْ جَعَلْتَه اسماً للمرزوقِ انتصبَ على الحال مِنْ» ثَمَرات «.
687
قوله: ﴿مَعِيشَتَهَا﴾ : فيه أوجهٌ: مفعولٌ به على تضمينِ بَطِرَتْ خَسِرَت، أو على الظرف أي: أيام معيشتها قاله الزجاج أو على حذف «في» أي: في معيشتِها، أو على التمييز، أو على التشبيه بالمفعول به وهو قريبٌ مِنْ ﴿سَفِهَ نَفْسَهُ﴾ [البقرة: ١٣٠].
قوله: ﴿لَمْ تُسْكَن﴾ جملةٌ حاليةٌ، والعاملُ فيها معنى «تلك». ويجوزُ أَنْ يكونَ خبراً ثانياً.
قوله: ﴿إِلاَّ قَلِيلاً﴾ أي: إلاَّ سَكَناً قليلاً كسكونِ المسافر ونحوِه، أو إلاَّ زمناً قليلاً، أو إلاَّ مكاناً قليلاً. يعني أن القليلَ منها قد سكن.
قوله: ﴿فَمَتَاعُ﴾ : أي: فهو مَتاعُ. وقُرِىء «فمتاعاً
687
الحياةَ» بنصبِ «متاعاً» على المصدر أي: يتمتَّعون متاعاً، و «الحياةَ» نصبٌ على الظرف.
قوله: ﴿تَعْقِلُونَ﴾ قرأ أبو عمرو بالياءِ مِنْ تحتُ التفاتاً. والباقون بالخطاب جَرْياً على ما تقدَّم.
688
وقرأ طلحة «أمَنْ وَعَدْناه» بغيرِ فاءٍ.
قوله: ﴿ثُمَّ هُوَ﴾ : الكسائي وقالون بسكونِ الهاءِ إجراءً ل ثم مجرى الواو والفاء. والباقون بالضمِّ على الأصل.
قوله: ﴿الذين كُنتُمْ تَزْعُمُونَ﴾ : مفعولاه محذوفان أي: تزعمونهم شركاءَ.
قوله: ﴿هؤلاء الذين أَغْوَيْنَآ﴾ فيه وجهان، أحدهما، أنه مبتدأ، و «الذين أَغْوَيْنا» صفةٌ للمبتدأ. والعائدُ محذوفٌ أي: أَغْويناهم، والخبر «أَغْوَيْناهم». و ﴿كَمَا غَوَيْنَا﴾ نعتٌ لمصدرٍ محذوف. ذلك المصدرُ مطاوِعٌ لهذا الفعلِ أي: [أَغْوَيناهم] فَغَوَوْا غَيَّاً كما غَوَيْنا. قاله الزمخشريُّ. وهذا الوجهُ مَنعه أبو علي قال: «لأنه ليس في الخبر زيادةُ فائدةٍ على ما في صفتِه». قال: «فإنْ قلتَ: قد وُصِل بقوله ﴿كَمَا غَوَيْنَا﴾ وفيه
688
زيادةٌ. قلت: الزيادةُ في الظرفِ لا تُصَيِّره أصلاً في الجملة لأنَّ الظروفَ صِلاتٌ» ثم أعرب هو «هؤلاء» مبتدأً و «الذين أَغْوَيْناهم» خبرَه. و «أَغْوَيْناهم» مستأنف. وأجابَ أبو البقاء وغيرُه عن الأول: بأنَّ الظرفَ قد يَلْزَمُ كقولك: «زيد عمرٌو في دارِه».
قوله: ﴿مَا كانوا إِيَّانَا يَعْبُدُونَ﴾ «إيَّانا» مفعولُ «يَعْبُدون» قدِّم لأجلِ الفاصلةِ. وفي «ما» وجهان، أحدهما: هي نافيةٌ، والثانيةُ مصدريةٌ. ولا بُدَّ مِنْ تقديرِ حرفِ جرٍّ أي: تَبَرَّأْنا مِنْ ما كانوا أي: مِنْ عبادتِهم إيانا. وفيه بُعدٌ.
689
قوله: ﴿لَوْ أَنَّهُمْ كَانُواْ﴾ : جوابُها محذوفٌ أي: لَمَا رَأَوَا العذابَ أو لَدَفعوه.
قوله: ﴿فَعَمِيَتْ﴾ : العامَّةُ على تخفيفها. وقرأ الأعمشُ وجناح بن حبيش بضمِّ العينِ وتشديدِ الميم. وقد تقدَّمت القراءتان للسبعةِ في هود. وقرأ طلحة «لا يَسَّاءَلُوْن» بتشديدِ السينِ على إدغامِ التاءِ في السينِ كقراءةِ ﴿تَسَّآءَلُونَ بِهِ والأرحام﴾ [النساء: ١].
قوله: ﴿مَا كَانَ لَهُمُ الخيرة﴾ : فيه أوجهٌ، أحدها: أن «ما» نافيةٌ فالوقفُ على «يَخْتار». والثاني: «ما» مصدريةٌ أي: يختار اختيارَهم، والمصدرُ واقعٌ موقعَ المفعولِ به أي: مُختارهم.
الثالث: أَنْ تكونَ بمعنى الذي، والعائدُ محذوفٌ أي: ما كان لهم الخيرةُ فيه كقولِه: ﴿وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأمور﴾ [الشورى: ٤٣] أي: منه.
وجَوَّزَ ابنُ عطية أَنْ تكونَ «كان» تامةً و «لهم الخِيَرَةُ» جملةٌ مستأنفةٌ. قال: «ويَتَّجه عندي أن تكون» ما «مفعولةً إذا قدَّرْنا كان التامةَ أي: إنَّ اللهَ يختار كلِّ كائنٍ. و» لهم الخيرةُ «مستأنفٌ. معناه تعديدُ النِّعمِ عليهم في اختيار الله لهم لو قَبلوا». وجعل بعضُهم في «كان» ضميرَ الشأن/ وأنشد:
٣٦٣٣ - أمِنْ سُمَيَّةَ دَمْعُ العين تَذْرِيْفُ لو كان ذا منك قبل اليوم معروفُ
ولو كان «ذا» اسمَها لقال: «معروفاً». وابنُ عطيةَ منع ذلك في الآية قال: «لأنَّ تفسيرَ الأمرِ والشأنِ لا يكون بجملةٍ فيها محذوف». قلت: كأنه يريد أنَّ الجارَّ متعلقٌ بمحذوفٍ. وضميرُ الشأنِ لا يُفَسَّر إلاَّ بجملةٍ مصرَّح بجزْأَيْها. إلاَّ أنَّ في هذا نظراً إنْ أراده؛ لأن هذا الجارَّ قائمٌ مقامَ الخبرِ. ولا أظنُّ أحداً يمنعُ «هو السلطان في البلد» و «هي هندٌ في الدار».
690
والخِيَرَةُ مِنَ التخيير، كالطِّيَرَةِ من التَّطَيُّرِ فيُستعملان استعمالَ المصدر. وقال الزمخشري: «ما كان لهم الخيرةُ بيانٌ لقولِه» ويختار «لأنَّ معناه: ويختار ما يشاءُ، ولهذا لم يَدْخُلِ العاطفُ. والمعنىؤ: أنَّ الخِيَرَةَ للهِ تعالى في أفعالِه، وهو أعلمُ بوجوهِ الحكمة فيها ليس لأحدٍ مِنْ خَلْقِه أَنْ يختار عليه». قتل: لم يَزَلِ الناسُ يقولون: إن الوقفَ على «يختار»، والابتداءَ ب «ما» على أنها نافيةٌ هو مذهبُ أهلِ السنةِ. ونُقِل ذلك عن جماعةٍ كأبي جعفرٍ وغيرِه، وأنَّ كونَها موصولةً متصلةً ب «يختار» غيرَ موقوفٍ عليه مذهبُ المعتزلة. وهذا الزمخشريُّ قد قَّررَ كونَها نافيةً، وحَصَّل غرضَه في كلامِه، وهو موافقٌ لكلامِ أهلِ السُّنةِ ظاهراً، وإنْ كان لا يريده. وهذا الطبريُّ مِنْ كبار أهل السنة مَنَعَ أَنْ تكونَ [ما] نافيةً قال: لئلا يكون المعنى: أنَّه لم تكنْ لهم الخيرةُ فيما مضى، وهي لهم فيما يُستقبل، وأيضاً فلم يتقدَّمْ نفيٌ «. وهذا الذي قاله ابنُ جريرٍ مَرْوِيٌّ عن ابن عباس. وقال بعضُهم: ويختار لهم ما يشاء من الرسلِ، ف» ما «على هذا واقعةٌ على العقلاء.
691
قوله: ﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ﴾ :«أَرَأَيْتُمْ» و «جَعَلَ» تنازعا في «الليلَ» وأعملَ الثاني. ومفعولُ «أَرَأَيْتُم» هي جملةُ الاستفهامِ بعده. والعائدُ منها على «الليل» محذوفٌ، وتقديرُه: بضياءٍ بعدَه. وجوابُ الشرطِ محذوفٌ. وتحريرُ هذا قد مَضَى في الأنعام فهو نظيرُه.
691
و «سَرْمَداً» مفعولٌ ثانٍ، إنْ كان الجَعْلُ تصييراً، أو حالٌ إن كان خَلْقاً وإنشاءً. والسَّرْمَدُ: الدائمُ الذي لا ينقطعُ. قال طرفة:
٣٦٢٤ - لَعَمْرُكَ ما أَمْريْ عليَّ بغُمَّةٍ نهاري ولا لَيْلي عَلَيَّ بسَرْمَدِ
والظاهرُ أنَّ ميمَهُ أصليةٌ، ووزنُه فَعْلَل كجَعْفَر. وقيل: هي زائدةٌ. واشتقاقُه من السَّرْد، وهو تتابُعُ الشيءِ على الشيءِ، إلاَّ أنَّ زيادةِ الميمِ وَسَطاً وأخيراً لا يَنْقاسُ نحو: دُلامِص، وزُرْقُم، من الدِّلاص والزُّرْقَة.
قوله: ﴿إلى يَوْمِ﴾ متعلقٌ ب «جَعَل»، أو ب «سَرْمداً»، أو بمحذوفٍ على أنه صفةٌ ل «سَرْمَداً».
692
قوله :﴿ إِلَى يَوْمِ ﴾ متعلقٌ ب " جَعَل "، أو ب " سَرْمداً "، أو بمحذوفٍ على أنه صفةٌ ل " سَرْمَداً ".
قوله: ﴿لِتَسْكُنُواْ فِيهِ وَلِتَبتَغُواْ﴾ : من باب اللَّفِّ والنشر. ومنه:
قوله: ﴿مَآ إِنَّ مَفَاتِحَهُ﴾ :«ما» موصولةٌ بمعنى الذي،
692
صلتُها «إنَّ» وما في حَيِّزها، ولهذا كُسِرَتْ. ونَقَل الأخفش الصغير عن الكوفيين مَنْعَ الوَصْلِ ب «إنَّ»، وكان يَسْتَقْبح ذلك عنهم. يعني لوجودِه في القرآن.
قوله: ﴿لَتَنُوءُ بالعصبة﴾ فيه وجهان، أحدُهما: أنَّ الباءَ للتعديةِ كالهمزةِ، ولا قَلْبَ في الكلام. والمعنى: لَتُنِيْءُ المفاتيحُ العُصْبَةَ الأقوياءَ، كما تقولُ: أَجَأْتُه وجِئْتُ به، وأَذْهَبْتُه وذَهَبْتُ به. ومعنى ناء بكذا: نَهَضَ بِهِ بثِقَلٍ. قال:
٣٦٢٥ - كأنَّ قلوبَ الطيرِ رَطْباً ويابساً لدى وَكْرِها العُنَّابُ والحَشَفُ البالي
٣٦٢٦ - تَنُوْءُ بأُخْراها فَلأْياً قِيامُها وَتَمْشِي الهوينى عن قَريبٍ فَتَبْهَرُ
وقال أبو زيد: «نُؤْتُ بالعَمَل أي: نَهَضْتُ». قال:
٣٦٢٧ - إذا وَجَدْنا خَلَفاً بِئْسَ الخَلَفْ عبداً إذا ما ناء بالحِمْلِ وَقَفْ
وفَسَّره الزمخشريُّ بالإِثْقال. قال: «يُقال: ناء به الحِمْلُ، حتى أَثْقله وأماله» وعليه يَنْطبقُ المعنى أي: لَتُثْقِلُ المفاتحُ العُصْبةَ.
والثاني: أنَّ في الكلام قَلْباً، والأصلُ: لَتَنُوْءُ العُصْبةُ بالمفاتحِ، أي:
693
لَتَنْهَضُ بها. قاله أبو عبيد، كقولهم: «عَرَضْتُ الناقةَ على الحَوْضِ». وقد تقدم الكلامُ في القَلْبِ، وأنَّ فيه ثلاثةَ مذاهبَ.
وقرأ بُدَيْل بن مَيْسَرة «لَيَنُوْءُ» بالياء مِنْ تحتُ والتذكير؛ لأنه راعى المضافَ المحذوفَ. إذ التقديرُ: حِمْلُها أو ثِقْلُها. وقيل: الضَمير في «مفاتِحَه» لقارون، فاكتسب المضافُ من المضاف إليه التذكيرَ كقولِهم: «ذهبَتْ أهلُ اليمامةِ» قاله الزمخشري. يعني كما اكتسبَ «أهلُ» التأنيثَ اكتسَبَ هذا التذكيرَ.
قوله: ﴿إِذْ قَالَ﴾ فيه أوجهٌ: أَنْ يكونَ معمولاً لتنوءُ. قاله الزمخشري: أو ل «بغى» قاله ابنُ عطية. ورَدَّهما الشيخُ: / بأنَّ المعنى ليس على التقييد بهذا الوقتِ. أو ل «آتيناه» قاله أبو البقاء. ورَدَّه الشيخ: بأن الإِتياءَ لم يكنْ ذلك الوقتَ، أو لمحذوفٍ فقدَّره أبو البقاء: بَغَى عليهم. وهذا يَنْبغي أَنْ يُرَدَّ
694
بما رُدَّ به قولُ ابنِ عطية. وقَدَّره الطبري: اذكُرْ، وقَدَّره الشيخُ: أظهر الفرحَ وهو مناسِبٌ.
وقُرِىء «الفارِحين» حكاها عيسى الحجازي.
695
قوله: ﴿فِيمَآ آتَاكَ﴾ : يجوزُ أَنْ يتعلَّقَ ب «ابْتَغٍ»، وأَنْ يتعلَّقَ بمحذوفٍ على أنه حالٌ أي: مُتقلِّباً فيما آتاكَ. و «ما» مصدريةٌ أو بمعنى الذي.
قوله: ﴿كَمَآ أَحْسَنَ﴾ أي: إحْساناً كإحسانه إليك.
قوله: ﴿فِي الأرض﴾ يجوز أَنْ يتعلَّقَ ب «تَبْغِ» أو بالفساد، أو بمحذوفٍ على أنه حالٌ وهو بعيدٌ.
قوله: ﴿على عِلْمٍ﴾ : حالٌ مِنْ مرفوع «أُوتِيْتُه».
قوله: ﴿عندي﴾ إمَّا ظرفٌ ل «أُوْتِيْتُه»، وإمَّا صفةٌ للعلم.
قوله: ﴿مَنْ هُوَ أَشَدُّ﴾ :«مَنْ» موصولةٌ أو نكرةٌ موصوفةٌ. وهو في موضع المفعولِ ب «أَهْلَكَ». و «مِنْ قبلِه» متعلقٌ به. و «مِنَ القرون» يجوزُ فيه ذلك، ويجوزُ أَنْ يكونَ حالاً مِنْ «مَنْ هو أشدُّ».
قوله: ﴿وَلاَ يُسْأَلُ﴾ هذه قراءةُ العامَّةِ على البناء للمفعول، وبالياءِ مِنْ تحتُ ورَفْعِ الفعلِ. وقرأ أبو جعفر «ولا تُسْأَلْ» بالتاء مِنْ فوقُ والجزم. وابنُ سيرين وأبو العالية كذلك، إلاَّ أنه مبنيٌّ للفاعل وهو المخاطَبُ. قال ابن أبي إسحاق: «
695
لا يجوزُ ذلك حتى تنصبَ المجرمين». قال صاحب اللوامح: «هذا هو الظاهرُ؛ إلاَّ أنه لَمْ يَبْلُغْني فيه شيء. فإنْ تَرَكاه مرفوعاً فيحتمل وجهين، أحدهما: أَنْ يكونَ ِ» المجرمون «خبرَ مبتدأ محذوفٍ، أي: هم المجرمون. والثاني: أَنْ يكونَ بدلاً مِنْ أصلِ الهاءِ والميم في» ذُنوبهم «، لأنهما مرفوعا المحلِّ» يعني أنَّ ذنوباً مصدرٌ مضافٌ لفاعلِه. قال: «فحمل المجرمون على الأصلِ، كما تقدَّم لنا في قراءةِ ﴿مَثَلاً مَّا بَعُوضَةٍ﴾ [البقرة: ٢٦] بجرِّ بعوضة. وكان قد خَرَّجها على أن الأصلَ: بضَرْب مَثَلِ بعوضةٍ» وهذا تعسُّفٌ كثيرٌ. ولا ينبغي أَنْ يَقْرأ ابنُ سيرين وأبو العالية إلاَّ «المجرمين» بالياءِ فقط، وإنما تُرِك نَقْلُها لظهورِه.
696
قوله: ﴿فِي زِينَتِهِ﴾ : إمَّا متعلِّقٌ ب «خَرَجَ»، وإمَّا بمحذوفٍ على أنه حالٌ مِنْ فاعلِ «خَرَجَ».
قوله: ﴿وَيْلَكُمْ﴾ : منصوبٌ بمحذوفٍ أي: أَلْزمَكم اللهُ وَيْلَكم.
قوله: ﴿وَلاَ يُلَقَّاهَآ﴾ أي: هذه الخَصْلَةُ، وهي الزهدُ في الدنيا والرغبةُ فيما عند الله.
قوله: ﴿فَخَسَفْنَا بِه وَبِدَارِه﴾ : المشهورُ كَسْرُ هاءِ الكنايةِ في «به» و «بداره» لأجلِ كسرِ ما قبلَها. وقُرِىءَ بضمِّها. وقد تقدَّم أنها الأصلُ، وهي لغةُ الحجازِ.
696
قوله: ﴿مِن فِئَةٍ﴾ يجوز أن تكونَ اسمَ كان، إنْ كانَتْ ناقصةً، و «له» الخبرُ، أو «يَنْصُرونه»، وأَنْ تكونَ فاعلةً إنْ كانَتْ تامَّةً، و «يَنْصُرونه» صفةٌ ل «فِئَة» فيُحْكَمُ على موضعِها بالجرِّ لفظاً وبالرفعِ معنى؛ لأنَّ «مِنْ» مزيدةٌ فيها.
697
قوله: ﴿وَيْكَأَنَّ الله﴾ : و «ويْكَأنَّه» فيه مذاهبُ منها: أنَّ «وَيْ» كلمةٌ برأسِها وهي اسمُ فعلٍ معناها أَعْجَبُ أي أنا. والكافُ للتعليل، وأنَّ وما في حَيِّزها مجرورةٌ بها أي: أَعْجب لأنه لا يفلحُ الكافرون، وسُمِع «كما أنه لا يَعْلَمُ غفر اللهُ له». وقياسُ هذا القولِ أَنْ يُوْقَفَ على «وَيْ» وحدها، وقد فعل ذلك الكسائيُّ. إلاَّ أنه يُنْقل عنه أنه يُعتقدُ في الكلمةِ أنَّ أصلَها: وَيْلَكَ كما سيأتي، وهذا يُنافي وَقْفَه. وأنشد سيبويه:
٣٦٢٨ - وَيْ كأنْ مَنْ يكنْ له نَشَبٌ يُحْ بَبْ ومَنْ يَفْتَقِرْ يَعِشْ عيشَ ضُرِّ
الثاني: قال بعضهم: قوله: «كأنَّ» هنا للتشبيه، إلاَّ أنه ذهب منها معناه، وصارت للخبرِ واليقين. وأنشد:
٣٦٢٩ - كأنني حين أُمْسِي لا تُكَلِّمُني مُتَيَّمٌ يَشْتهي ما ليس موجودا
وهذا أيضاً يناسِبُه الوقفُ على «وَيْ».
697
الثالث: أنَّ «وَيْكَ» كلمةٌ برأسِها، والكافَ حرفُ خطابٍ، و «أنَّ» معمولٌه محذوفٌ أي: أعلمُ أنه لا يُفْلِحُ. قاله الأخفش. وعليه قولُه:
٣٦٣٠ - ألا وَيْكَ المَسَرَّةُ لا تَدُوْمُ ولا يَبْقى على البؤسِ النعيمُ
وقال عنترةُ:
٣٦٣١ - ولقد شَفَى نفسي وأَبْرَأَ سُقْمَها/ قيلُ الفوارسِ وَيْكَ عنترَ أَقْدمِ
وحقُّه أَنْ يقفَ على «وَيْكَ» وقد فعله أبو عمرو بن العلاء.
الرابع: أنَّ أصلَها وَيْلك فحذف. وإليه ذهب الكسائيُّ ويونس وأبو حاتم. وحقُّهم أَنْ يقفوا على الكافِ كما فعل أبو عمرٍو. ومَنْ قال بهذا استشهد بالبيتين المتقدمين؛ فإنه يُحتمل أَنْ يكونَ الأصلُ فيهما: وَيْلَكَ، فحذف. ولم يُرسَمْ في القرآن إلاَّ: وَيْكأنَّ، ويْكَأنَّه متصلةً في الموضعين، فعامَّةُ القراءِ اتَّبعوة الرسمَ، والكسائيُّ وقف على «وَيْ»، وأبو عمرٍو على وَيْكَ. وهذا كلُّه في وَقْفِ الاختبارِ دونَ الاختيارِ كنظائرَ تقدَّمَتْ.
الخامس: أنَّ «وَيْكأنَّ» كلَّها كلمةٌ متصلةٌ بسيطةٌ، ومعناها: ألم تَرَ، ورُبَّما
698
نُقِل ذلك عن ابن عباس. ونَقَلَ الكسائيُّ والفراء أنها بمعنى: أما ترى إلى صُنْعِ الله. وحكى ابن قتيبة أنها بمعنى: رَحْمَةً لك، في لغة حِمْير.
قوله: ﴿لولا أَن مَّنَّ﴾ قرأ الأعمشُ «لولا مَنَّ» بحذفِ «أنْ» وهي مُرادةٌ؛ لأنَّ «لولا» هذه لا يَليها إلاَّ المبتدأُ. وعنه «مَنُّ» برفع النونِ وجَرِّ الجلالةِ وهي واضحةٌ.
قوله: ﴿لَخَسَفَ﴾ حفص: «لَخَسَفَ» مبنياً للفاعل أي: الله تعالى. والباقون ببنائِه للمفعولِ. و «بنا» هو القائمُ مَقامَ الفاعلِ. وعبد الله وطلحةُ «لا نْخُسِفَ بنا» أي: المكان. وقيل: «بنا» هو القائمُ مَقامَ الفاعلِ، كقولك «انقُطِع بنا» وهي عبارةٌ... وقيل: الفاعلُ ضميرُ المَصدرِ أي: لا نخسَفَ الانخسافَ، وهي عِيٌّ أيضاً. وعن عبدِ الله «لَتُخُسِّفَ» بتاءٍ من فوقُ وتشديدِ السين مبنياً للمفعولِ، و «بنا» قائمةٌ مقامَه.
699
قوله: ﴿تِلْكَ الدار﴾ : مبتدأٌ وصفتُه. و «نجعلها» هو الخبرُ. ويجوز أَنْ تكونَ «الدارُ» خبراً، و «نَجْعَلُها» خبرٌ آخرُ، أو حالٌ. والأول أحسنُ.
قوله: ﴿وَلاَ فَسَاداً﴾ كَرَّر «لا» ليُفيدَ أنَّ كلاً منهما مستقلٌ في الآية لا مجموعُهما.
قوله: ﴿فَلاَ يُجْزَى الذين﴾ : مِنْ إقامةِ الظاهرِ مُقامَ المضمرِ تَشْنيعاً عليهم.
قوله: ﴿إِلاَّ مَا كَانُواْ﴾ أي: إلاَّ مثلَ ما كانوا.
قوله: ﴿إلى مَعَادٍ﴾ : تنكيرُه للتعظيم أَيْ: مَعادٍ أيِّ مَعادٍ وهو مكةُ أو الجنة.
قوله: ﴿مَن جَآءَ بالهدى﴾ منصوبٌ بمضمرٍ أي: يعلمُ أو ب أَعْلم، إنْ جَعَلْناها بمعنى عالم وأَعْمَلْناها إعمالَه.
قوله: ﴿إِلاَّ رَحْمَةً﴾ : فيه وجهان، أحدهما: هو منقطعٌ أي لكنْ رَحِمَكَ رحمةً. والثاني: أنه متصلٌ. قال الزمخشري: «هذا كلامٌ محمولٌ على المعنى. كأنه قيل: وما ألقى إليك الكتابَ إلاَّ رحمةً» فيكونُ استثناءً من الأحوالِ أو من المفعولِ له.
قوله: ﴿وَلاَ يَصُدُّنَّكَ﴾ قرأ العامَّةُ بفتح الياء وضمِّ الصاد، مِنْ صَدَّه، يَصُدَّه. وقٌرِىء بضمِّ الياء وكسرِ الصاد مِنْ أصَدَّه بمعنى صَدَّه، حكاها أبو زيدٍ عن كلبٍ. قال:
700
وأصلُ يَصُدُّونك: يَصُدُّونَنَّك، فَفُعِل فيه ما فُعِل في ﴿لَّيَقُولُنَّ مَا يَحْبِسُهُ﴾ [هود: ٨].
701
قوله: ﴿إِلاَّ وَجْهَهُ﴾ : مَنْ جَعَل «شيئاً» يُطْلَق على الباري تعالى وهو الصحيح قال: هذا استثناءٌ متصلٌ، والمرادُ بالوجهِ الذاتُ، وإنما جرى على عادةِ العربِ في التعبير بالأشرفِ عن الجملة. ومَنْ لم يُطْلِقْ عليه جَعَله متصلاً أيضاً، وجعل الوجهَ ما عُمِل لأجله أو الجاهَ الذي بين الناس، أو يجعلُه منقطعاً أي: لكن هو بحاله لم يَهْلَكْ.
قوله: ﴿تُرْجَعُونَ﴾ العامَّةُ على بنائِه للمفعولِ. وعيسى على بنائِه للفاعل، وهي حسنةٌ.
الموسوعة القرآنية Quranpedia.net - © 2024
Icon
٣٦٣٢ - أناسٌ أَصَدُّوا الناسَ بالسيفِ عنهم صُدودَ السَّوافي عن أُنوفِ المَخارِمِ