تفسير سورة القصص

أحكام القرآن
تفسير سورة سورة القصص من كتاب أحكام القرآن .
لمؤلفه الجصاص . المتوفي سنة 370 هـ

قوله تعالى :﴿ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ ﴾، وقال تعالى :﴿ قَتَلْتَ نَفْساً ﴾، فأخبر أنه قتله بوكزه ؛ ثم قال :﴿ رَبِّ إِنّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ﴾ ؛ فقال بعضهم : هذا يدل على أن القتل باللطمة عَمْدٌ، لولا ذلك لم يقل إني ظلمت نفسي على الإطلاق.
وهذا خطأ ؛ لأنه يجوز أن يقول ظلمت نفسي بإقدامي على الوَكْزِ من غير توقيف ولا دلالة فيه على أن القتل عمد، إذ الظلم لا يختص بالقتل دون الظلم، وكان صغيرةً.
قوله تعالى :﴿ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَماني حِجَجٍ ﴾ من الناس من يحتجّ بذلك في جواز عقد النكاح على منافع الحرّ ؛ وليس فيه دلالةً على ما ذكروا لأنه شرط منافعه لشعيب عليه السلام ولم يشرط لها مهراً، فهو بمنزلة من تزوج امرأة بغير مهر مسمى وشَرَطَ لوليها منافع الزوج مدة معلومة، فهذا إنما يدل على جواز عقد النكاح من غير تسمية مهر، وشرطه للمولى ذلك يدلّ على أن عقد النكاح لا تفسده الشروط التي لا يوجبها العقد. وجائز أن يكون قد كان النكاح جائزاً في تلك الشريعة بغير بَدَلٍ تستحقه المرأة، فإن كان كذلك فهذا منسوخ بشريعة النبي صلى الله عليه وسلم، ويدل على أنه قد كان جائزاً في تلك الشريعة أن يشرط للولي منفعة. ويحتجّ به في جواز الزيادة في العقود لقوله تعالى :﴿ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِنْدِكَ ﴾ ؛ قال ابن عباس :" قضى موسى أتمَّ الأَجَلَيْن وأوفاهما ".
قوله تعالى :﴿ فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الأَجَلَ وَسَارَ بأَهْلِهِ ﴾ يستدل به بعضهم على أن للزوج أن يسافر بامرأته وينقلها إلى بلد آخر ويفرق بينها وبين أبويها ؛ ولا دلالة فيه عندي على ذلك لأنه جائز أن يكون فعل برضاها.
قوله تعالى :﴿ وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ ﴾ الآية. قال مجاهد :" كان ناس من أهل الكتاب أسلموا، فآذاهم المشركون فصفحوا عنهم، يقولون سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين ".
قال أبو بكر : هذا سلام مُتَارَكَةٍ وليس بتحية، وهو نحو قوله :﴿ وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً ﴾ [ الفرقان : ٦٣ ]، وقوله :﴿ واهجرني مليّاً ﴾ [ مريم : ٤٦ ]، وقال إبراهيم :﴿ سلام عليك سأستغفر لك ربي ﴾ [ مريم : ٤٧ ].
ومن الناس من يظنّ أن هذا يجوز على جواز ابتداء الكافر بالسلام. وليس كذلك، لما وصفنا من أن السلام ينصرف على معنيين، أحدهما : المسالمة التي هي المتاركة، والثاني : التحية التي هي دعاء بالسلامة والأمن، نحو تسليم المسلمين بعضهم على بعض، وقوله صلى الله عليه وسلم :" للْمُؤْمِنِ عَلَى المُؤْمِنِ سِتٌّ أَحَدُهَا أَنْ يُسَلِّمَ عَلَيْهِ إِذَا لَقِيَهُ "، وقوله تعالى :﴿ وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها ﴾ [ النساء : ٨٦ ]، وقوله :﴿ تحيتهم فيها سلام ﴾ [ إبراهيم : ٢٣ ].
وقد رُوي عن النبي صلى الله عليه وسلم في الكفار :" لا تَبْدَأُوهُمْ بالسَّلامِ " و " إِنَّهُ إِذَا سَلَّمَ عَلَيْكُمْ أَهْلُ الكِتَابِ فَقُولُوا وعَلَيْكُمْ ".
Icon