تفسير سورة القصص

القطان
تفسير سورة سورة القصص من كتاب تيسير التفسير المعروف بـالقطان .
لمؤلفه إبراهيم القطان . المتوفي سنة 1404 هـ

نتلو عليك: ننزل عليك، نقصّ عليك. من نبأ: من خبرعجيب. شِيعا: فرقاً مختلفة. نمنّ: نتفضل. نمكّن لهم: نقويهم ونجعلهم الحاكمين. هامان: وزير فرعون.
طاسين ميم، هكذا تقرأ.. وهي حروف صوتيه سبقت لبيان ان القرآن المعجز يتألّف من هذه الحروف التي يتألف منها حديثكم، ولتنبيه السامعين. والمعنى: ان هذه الآياتِ التي نوحيها إليك أيها الرسول آياتُ القرآن الواضح، وفيها نقصّ عليك بعض أخبار موسى وفرعون بالحقّ ليعتبر المؤمنون بما فيه. ان فرعون تعاظَمَ في نفسه، وجاوز الحدّ في ظلمه، واستكبر في مصر، وفرّق أهلها فجعلهم فِرقاً وطوائف، يصطفي بعضهم ويسخّر البعض الآخر. لقد كان يستضعف بني إسرائيل، فيذبح الذكور من أولادهم ويستبقي الاناث، ﴿إِنَّهُ كَانَ مِنَ المفسدين﴾.
وأراد الله ان يتفضّل على الذين استضعّفهم فرعونُ في الأرضِ، وان يمكّن لهم سلطانَهم، ويثبتَ لفرعون ووزيره هامان وجنودهما ما كانوا يخشونه من ذَهاب مُلكهم على يد مولود من بني اسرائيل.
قراءات
قرأ حمزة والكسائي: ويرى فرعونَ وهامان: بالياء وفرعون مرفوع وهامان كذلك. وقرأ الباقون: ويُري فرعونَ وهامانَ بضم النون، ونصب فرعون وهامان.
وأوحينا الى أم موسى: ألهمناها. اليمّ: البحر والمراد هنا نهر النيل. حَزنا: الحزن بفتح الحاء والزاي، والحزن بضم الحاء وسكون الزاي... الغم ولمكروه من الشدة. قرة عين: فرح وسرور لنا. فراغا: خاليا من القعل. وان كادت لتبدي به: كادت تذهب الى آل فرعون وتعرّف نفسها بأنها أمه. ولولا ان ربطنا على قلبها: لولا ان ثبتناها وجعلناها تصبر. قُصّيه: اقتفي أثره وتتبعي خبره. فبصرت به عن جُنب: فأبصرته عن بعد وكأنها لا تريد ان تتبع أثره. وهم لا يشعرون: لا يدرون أنها اخته. حرّمنا عليه المراضع: جعلناه لا يقبل ان يرضع من غير امه. يكفلونه: يضمنون رضاعته وتربيته.
ولما وُلد موسى في أثناء تلك المحنة ألهمنا أمه أن تُرضعه وتخفيَه ما استطاعت الى ذلك سبيلا، وقلنا لها: إن خِفتِ عليه فألقيه في النيل، في صندوق، ولا تخافي عليه ولا تحزني، فنحن سنردّه اليك، وسيكون من الانبياء المرسلين.
فالتقطه آل فرعون وجاؤوا به الى سيّدتهم، امرأة فرعون، فأحبّته تلك المرأة وقالت لزوجها: لا تذبحْه، بل اتركه ليكون لنا مصدر سرور وفرح. كانوا لا يدرون أنه سيكون لهم عدواً وسببَ حزنٍ كبير، بإبطال دينهم وزوال مُلكهم على يديه.. ان فرعون ووزيره هامان وجنودهما كانوا مجرمين.
﴿وَقَالَتِ امرأة فِرْعَوْنَ قُرَّةُ عَيْنٍ لِّي وَلَكَ لاَ تَقْتُلُوهُ عسى أَن يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ﴾ بما قدّر الله في شأنه.
وصابح فؤادُ أم موسى فارغاً من العقلِ خوفاً على ابنها لوقوعه في يد فرعون، حتى إنها كادت تذهبُ الى آل فرعون وتعرِّف نفسَها بانها امه، لولا ان ثبّتها الله بالصبر.
وقالت لأخته: اقتفي أثر أخيك، وتتبعي خبره عن بعدٍ وهم لا يشعرون بك. ولم يقبل موسى ان يرضع من أي امرأة، فقال اخته لآل فرعون: هل ادّلكم على امرأة ترضعه وتقوم بأمره وتنصح في خدمته؟ ووافقوا. وهكذا ارجعناه الى امه لتطمئنّ الى وعدِنا ويذهب عنها الحزن، ولتعلم ان وعد الله حق، وانه سيكون من المرسَلين.
قراءات:
قرأ حمزة والكسائي: حُزنا بضم الحاء وسكون الزاي. والباقون: وحَزنا: بفتح الحاء والزاي وهما لغتان.
بلغ أشدّه: استكمل قوته وكفاية نموه. استوى: اعتدل وكمل عقله. حُكما: حكمة. المدينة: مصر. على حين غفلة: في وقت لا يتوقعون دخوله، من شيعته: من بني قومه. من عدوه: من الاقباط. فاستغاثه: طلب العون منه. فوكزه: ضربه بجمع يده. فقى عليه: فقتله. بما أنعمتَ عليّ: اقسم بنعمك علي. ظهيرا: معينا. يترقب: ينتظر ما يناله من اذى. استنصره: طلب نصره. يستصرخه: يطلب الاغاثة بصوت مرتفع. لغويٌّ مبين: ضال كبير. ان يبطش: ان يسطو عليه بعنف.
فلما بلغ موسى رشده واكتمل نموه، واستوى جمسا وعقلاً آتيناه حكمة ومعرفة وعلما، وكذلك نكافىء كل محسن.
ودخل موسى المدينةَ على حين غفلةٍ في وقت ليس من المعتاد الدخولُ فيه، فوجد رجلّين يقتتلان: أحدهما من بني دينه، والآخر من الاقباط. وحين استغاث به الذي من جماعته، ضرب موسى القبطيَّ بجُمعِ يده فقى عليه من غير قصد، فقال: هذا من عملِ الشيطان، إنه عدوٌّ مضلٌّ ظاهر العداوة.
ثم قال موسى متضرعا الى الله نادما على ما فعل: ربّ اني ظلمتُ نفسي بعملي هذا فاغفْر لي. فغفر الله له، إنه غفور رحيم.
قال موسى: يا رب، بحقّ إنعامك عليّ بالحكمة والعلم وَفِّقْني للخير والصواب، ولن أكون بعدَ هذا معيناً للمجرمين. وأصبح في مصر خائفاً يترصد وقوع القصاص به. فإذا صاحبُه الذي استنجد به بالأمس يستغيث به ثانية، فقال له موسى: إنك شرير ضالّ. ودفعته الغيرة عليه حتى هم ان يبطِش به فقال له الرجل: يا موسى، اتريد ان تقتلني كما قتلتَ نفساً بالأمس؟ أتريد ان تكون طاغية في الأرض من الجبابرة السفاكين لا الخيّرين!!
أقصى المدينة: من ابعد مكان فيها. يسعى: يسرع. الملأ: أشراف القوم ووجوههم. يأتمرون بك: يتشاورون في امرك. يترقب: يلتفت يمنة ويسرة. توجَّه تلقاء مدين: ذهب الى جهة مدينة مدين، وهي بأرض الحجاز محاذية للبحر الاحمر. سواء السبيل: أوسط الطرق وأسهلها. ولما ورد ماءَ مدين: لما وصل مكان الماء في مدين. تذودان: تمنعان غنمهما عن الماء خوفاً من السقاة الأقوياء. أُمة: جماعة. ما خطبكما: ما شأنكما. حتى يصدر الرِعاء: حتى يسقي الرعيان وينصرفون. الرعاء والرعاة والرعيان بمعنى واحد. تولّى الى الظل: ذهب الى الظل. الاستحياء: شدة الحياء. ليجزيك: ليعطيك أجرَ ما سقيت لنا. وقصّ عليه القصص: أخبره بخبره وقصته. أنكحك: أزوجّك. على ان تأجُرني ثماني حجج: على ان تكون عندي أجيراُ مدة ثمان سنين. فان أتممت عشرا فمن عندك. فان زدت وبقيت عندي مدة عشر سنين فهذا من فضلك. وما اريد ان اشقّ عليك: لا اريد ان ادخل عليك مشقة. ايما الأجَلين قضيت: اي أجل قضيته ثماني سنين او عشراً. فلا عدوان عليّ: لا حرج علي. والله على ما نقول وكيل: شهيد.
وجاء رجلٌ من شِعيته من أقصى المدينة مسرعاً، فقال: يا موسى، ان زعماء القوم يتشاورون في أمرك ليقتلوك. اخرج من مصر، إني لك من الناصحين. فخرج منها موسى وهو خائف يترقب أن يلحقه أحدٌ منهم، ضارعا الى الله ان ينجيه من الظالمين. ولما توجه الى «مدين» لعله يجد فيها مأمناً سأل ربه ان يهديه طريقَ الخير والنجاة. وهناك في مَدْيَنَ وجد ماءً، وكان عليه جماعة كبيرة يسقون مواشيهم. ووجد امرأتين في ناحيةٍ تمنعان اغنامهما ان ترد الماء، فسألهما عن شأنهما، ولماذا لا ترِدان الماء؟ قالتا: لا نستطيع ان نسقي حتى ينصرف الرعاة، وأبونا شيخ كبير فتولى موسى سقي غنمهما ثم انصرف الى الظل، وسأل ربه ان يسوق اليه رزقاً من خيره لأنه لا يملك شيئا.
وبعد برهة جاءت إحدى الفتاتين تسير في حياء، وقال له: إن أبي يدعوك ليعطيَك أجْرَ ما سقيتَ لنا. فلما ذهب معها الى ابيها وقص عليه قصة خروجه من مصر، قال له الشيخ: لا تخفْ، نجوتَ الآن من القوم الظالمين.
قالت احدى الفتاتين، يا أبتِ، استأجرْه ليكون راعياً لغنمنا، إنه خير من تستأجر، فهو قوي وأمين. فعرض عليه أبوهما ان يزوّجه واحدة من ابنتيه على ان يؤجِّره نفسَه مدةَ ثماني سنين، فان أتمها عشراً كان ذلك من فضله. فقبل موسى الشرط، وعاهده على الوفاء به، وقال: أي مدة من المدّتين أقضيها في العمل أكون وفيتك عهدك فلا اطالَب بزيادة عليها، والله شاهد على ما نقول.
لم يُذكر اسم الشيخ الكبير هذا في القرآن، ويقال إنه ابن أخِ شُعيب النبي، اذ ان موسى لم يدرك النبي شعيبا على الصحيح.
قراءات:
قرأ ابو عمرو وابن عامر: حتى يصدرُ ارعاء بفتح الياء وضم الدال. والباقون: حتى يصدر بضم الياء وكسر الدال.
قضى الأجل: اتم المدةَ المتفق عليها. آنس: أبصر. جذوة: جمرة ملتهبة. تصطلون: تستدفئون. البقعة المباركة: المكان الذي بارك الله فيه. جانّ: حية سريعة الحركة. ولم يعقّب: لم يرجع. اسلك يدَك: أدخِلها. الرهب: المخافة، الخوف.
فلما أتم موسى المدة التي اتفق عليها مع عمه حنّ الى وطنه، فاستأذن بالرحيل وسار بزوجته وما معه من الغنم التي حصل عليها من صهره عائدا الى مصر. وكان الجو باردا، وقد أظلم الليل، فضلّ موسى الطريق. وبينما هو كذلك رأى ناراً من ناحية جبل الطور، فقال لزوجته: امكثي، اني رأيت ناراً، لعلّي آتيك منها بخبر عن الطريق، او آتيك بشيء من النار تستدفئين بها.
فلما وصل الى المكان الذي رأى فيه النار، سمع مناديا من شاطىء الوادي الأيمن في البقعة المباركة يقول له: يا موسى، إني انا الله ربّ العالمين.. ألقِ عصاك. فألقاها موسى. فلما رآها تهتز كأنها حيّة هرب منها ولم يرجع اليها. فناداه ربّه: أقدم يا موسى ولا تخفْ، إنك من الآمنين. أدخِل يدك في جيبك تخرج بيضاءَ من غير مرض ولا عيب، (وكان موسى اسمر اللون)، هاتان معجزتان من الله، تواجه بهما فرعونَ وقومه.
ولما اعترى موسى الخوفُ من العصا وأخذته الدهشةُ من شعاعِ يده - أمره ربه ان يضع يدَه على صدره ليزول ما به من الخوف فقال: ﴿واضمم إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرهب﴾. قال ابن عباس: كل خائف اذا وضع يده على صدره زال خوفه.
قراءات:
جذوة: مثلثة الجيم وقرىء بها جميعا. وقرأ حفص: من الرَهْب بفتح الراء وسكون الهاء. وقرأ ابن كثير ونافع وابو عمرو: من الرَهَب بفتح الراء والهاء. وقرأ حفص: من الرَّهْب بفتح الراء وسكون الهاء. والباقون: من الرُهْب بضم الراء وسكون الهاء. وقرأ ابن كثير وأبو عمرو: فذانّك بتشديد النون، والباقون: فذانِك: بكسر النون دون تشديد.
رداءا: معينا. يصدقني: يوضح ما أقوله، ويجادل عني المشركين. سنشدّ عضُدك: سنقوّيك ونعينك بأخيك. ونجعل لكما سلطانا: قوة وغلبة. مفترى: مختلّق. ومن تكون له عاقبة الدار: ومن الذي يفوز.
قال موسى: يا رب لقد قتلتُ من قوم فرعونَ نفساً، فأخاف ان يقتصّوا مني.... إن أخي هارون ألإصحُ مني لساناً فأرسلْه معي معينا يُصدِّقني بحجتي ويجادل عني، لأأني أخاف ان يكذّبوني. هذا كما أن لساني لا يطاوعني عند المجادلة. قال الله: سنُعينك ونقوّيك بأخيك هارون، ونجعل لكما قوةً وحجة دافعة فلا يصلون إليكما.... اذهبا بآياتنا اليهم، فأنتما ومن اتبعكما الغالبون.
قراءات:
قرأ نافع: رِداء بكسر الراء وفتح الدال بغير همز. والباقون: رداءا بكسر الراء وسكون الدال بعدها همزة. وقرأ عاصم وحمزة: يصدقُني: بضم القاف. والباقون: يصدقني بسكون القاف.
هامان: وزير فرعون. صرحا: قصرا عاليا. اطّلع: أصعد واتطلع من فوقه. فنبذناهم: طرحناهم. يدعون الى النار: يدعون الى الكفر الموجب الى النار. لعنة: طرداً من الرحمة. من المقبوحين: المخزيين المهلكين. القرون الأولى: قوم نوح وهود وصالح. بصائر: أنوارا تهدي قلوبهم.
وقال فرعون عندما عجز عن محاجّة موسى: يا أيها القوم، ما علمت لكم إلهاً غيري كما يدّعي موسى، فاعملْ يا هامان لي بناءً عالياً أصعد وأرى اله موسى ﴿وَإِنِّي لأَظُنُّهُ مِنَ الكاذبين﴾.
واستكبر فرعون وجنودُه في أرض مصر... بغير الحق، وحسِبوا أنهم لا يُرْجَعون الينا حتى يلاقوا جزاءهم. فأخذْنا فرعونَ وجنوده فألقيناهم في البحر حين تعقبوا موسى ومن معه حتى يمنعوهم من الخروج من مصر.... فانظر يا محمد كيف كانت عاقبة الظالمين.
وجعلناهم دعاةً يدعُون إلى الكفر الذي يؤدي الى النار ﴿وَيَوْمَ القيامة لاَ يُنصَرُونَ﴾ وجعلنا اللعنة تتبعهم في هذه الدنيا، وهم يوم القيامة من المهلكين.
ولقد أنزلْنا التوراةَ على موسى بعد ما أهلكنا الأممَ التي سبقتْهم من الكافرين نوراً للناس ينصرون به الحق، وهدى ورحمة لعلهم يتذكرون.
قراءات:
قرأ ابن كثير: قال موسى، والباقون: وقال موسى بالواو. وقرأ حمزة والكسائي: ومن يكون له عاقبة الدار بالياء، والباقون: ومن تكون بالتاء. وقرأ نافع وحمزة والكسائي: لا يَرجِعون بفتح الياء وكسر الجيم، والباقون: لا يُرجَعون بضم الياء وفتح الجيم.
بجانب الغربي: هو جبل الطور في سيناء. قضينا: عهِدنا اليه وكلفناه أمرنا ونهينا. فتطاول عليهم العمُر: طال عليهم الأمد الذي بينهم وبين القرون الماضية. ثاويا: مقيما. وصّلنا لهم القولَ: انزلنا متواصلا بعضه اثر بعض.
وما كنتَ يا محمد حاضراً بجانب الوادي الغربي الذي وقع فيه الميقاتُ وأعطى الله فيه ألواحَ التوراة إلى موسى حين عهد إليه امرَ النبوة، فكيف يكذّب قومُك برسالتك وانت تتلو عليهم انباء السابقين!؟.
لقد كان ذلك منذ قرونٍ طويلةِ انقطعت فيها الرسالاتُ وطال الزمن فأتينا بك لقومك لتنذرَهم برسالتك، وما كنتَ مقيماً في «مدين» حتى تخبرَ أهلَ مكة بأنبائهم، ولكنّا أرسلناك وأخبرناك بقصصهم واخبارهم.
ولم تكن ايها الرسول حاضراً في جانب الطور حين نادى الهُ موسى واصطفاه لرسالته، ولكن الله أعلمَكَ بهذا القرآنِ رحمةً منه بك وبأمتك، لتبلّغه قوماً لم يأتهم رسول من قبلك، ﴿لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ﴾. وحتى لا يقول قومك حين تصيبهم كارثةٌ بسبب كفرهم: يا ربّ، إنك لم ترسلْ إلينا رسولاً يبلّغنا فنتبعه ﴿وَنَكُونَ مِنَ المؤمنين﴾ فأزحْنا العذرَ وبعثناك ايها الرسول اليهم.
فلما جاء محمد بالحق قالوا تمرداً وعنادا: هلاّ أوتيَ مثلَ ما أوتيَ موسى من المعجزات الحسيّة حتى نؤمن به! ويلهم، ألم يكفُروا بموسى كما كفروا بك! وقالوا إنما انتما ساحران ينصر أحدُكما الآخر ويعاونه.
ثم امر رسوله ان يتحدّى قومه أن يأتوا بكتابٍ أهدى من القرآن والتوراة للبشرَ وأصلحَ لحالهم فقال:
﴿قُلْ فَأْتُواْ بِكِتَابٍ مِّنْ عِندِ الله هُوَ أهدى مِنْهُمَآ أَتَّبِعْهُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ﴾.
ثم توعّدهم لأنهم لم يستطيعوا ان يأتوا بالكتاب فقال:
﴿فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُواْ لَكَ فاعلم أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَآءَهُمْ﴾
ومن أضلُّ ممن اتبعَ هواه بغيرِ هدى من الله! ان الله لا يهدي الذين يظلمون أنفسهَم بالتمادي في اتباع الهوى.
قراءات
قرأ اهل الكوفة: سِحران بغير الف يعني القرآن والتوراة. الباقون: ساحران: يعني موسى ومحمد، عليهما الصلاة والسلام.
مسلمين: منقادين لله. يدرأون: يدفعون: اللغو: ما لا فائدة فيه. لا نبتغي الجاهلين: لا نطلب صحبتهم.
قال ابن اسحاق: قدِم جماعة من النصارى على رسول الله ﷺ بمكة من الحبشة فوجدوه في المسجد، فجلسوا اليه وكلّموه وسألوه، ورجال من قريش حول الكعبة. فلما فرغوا من اسئلتهم عما أرادوا دعاهم الرسولُ الى الله تعالى وتلا عليهم القرآن. فلما سمعوا القرآن فاضت أعيُنهم من الدمع، ثم استجابوا لله وآمنوا به وصدقوا الرسول، وعرفوا منه ما كان يوصَف لهم في كتابهم من أمره. فاعترضهم أبو جهل ونفرٌ من قريش وحاولوا ان يصدّوهم عن إيمانهم. وأغلظوا لهم القول. فقالوا لهم: سلامٌ عليكم لا نجاهلكم، لنا ما نحن عليه، ولكم ما أنتم عليه.
وقال بعض المفسرين: إنهم نصارى من أهل نَجران.
والحق، أن بعض أهلِ الكتاب من النصارى يؤمنون بهذا القرآن، ويقولون: إنه الحقُّ من ربنا، بشّرنا الله به من قبلِ ان ينزل القرآن.... هؤلاء يعطيهم اللهُ أجرهم مرتَين نتيجةَ صبرهم على اذى الناس، وإيمانِهم، وايثارهم العملَ الصالح، وأنهم يقابلون السيئة بالعفو والاحسان، وينفقون في سبيل الله مما أعطاهم من اموال وخيرات، وإذا سمعوا الباطل من الجاهلين انصرفوا عنهم، وقالوا: لنا أعمالُنا ولكم اعمالكم، سلام عليكم لا نريد مصاحبة الجاهلين.
نتخطف: نسلب بلدنا ونقتل. يُجبى اليه: يجلب اليه. بطِرت معيشتَها: بغت وتجبّرت وكفرت بالنعمة. أمها: اكبرها، عاصمتها. من المحضَرين: الذين يحشرون للحساب والجزاء. وقد تكرر هذا التعبير في القرآن: ﴿لَكُنتُ مِنَ المحضرين﴾ [الصافات: ٥٧]. ﴿فَإِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ﴾ [الصافات: ١٢٧] ﴿فأولئك فِي العذاب مُحْضَرُونَ﴾ [الروم: ١٦] [سبأ: ٣٨].
﴿إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ ولكن الله يَهْدِي مَن يَشَآءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بالمهتدين﴾
يقرر جمهور المفسرين ان هذه الآية نزلت في ابي طالب، فقد ورد في الصحيحين أنها نزلت فيه. وروي عن ابن عباس وابن عمر ومجاهد والشعبي وقتادة أنها نزلت في أبي طالب. ففي الصحيحين من حديث الزهري عن سعيد بن المسيّب: «لما حضرتْ أبا طالبٍ الوفاةُ جاء رسول الله ﷺ فوجد عنده أبا جهل وعبدَ الله بن أمية بن المغيرة، فقال رسول الله: جاء رسول الله ﷺ فوجد عنده أبا جهل وعبدَ الله بن أمية بن المغيرة، فقال رسول الله: يا عم، قل لا اله الا الله، كلمة أحاجّ لك بها عند الله. فقال ابو جهل وعبد الله بن امية: يا أبا طالب، أترغبُ عن ملّة عبد المطلب؟. فكان آخر ما قال: انه على ملة عبد المطلب» وعند الشيعة الامامية الاجماع على ان ابا طالب مات مسلما، والله أعلم.
ومعنى الآية: انك لا تستطيع هداية من أحببتَ من قومك او غيرهم، وانما عليك البلاغ، واللهُ يهدي من يشاء، وله الحكمة بالبالغة في ذلك. ﴿وَهُوَ أَعْلَمُ بالمهتدين﴾.
ثم اخبر سبحانه عن اعتذار كفار قريش في عدم اتّباع الهدى فقال:
﴿وقالوا إِن نَّتَّبِعِ الهدى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَآ﴾
وقال مشركو مكة: إننا نخشى إن اتبعناك على دينك وخالفنا من حولنا من العرب ان يقصدونا بالأذى، ويُجلونا عن ديارنا، ويغلبونا على سلطاننا.
وقد رد الله عليهم مقالتهم فقال:
﴿أَوَلَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ حَرَماً آمِناً يجبى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِّزْقاً مِّن لَّدُنَّا ولكن أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ﴾
إن ما اعتذرتم به غيرُ صحيح، فقد كنتم آمنين في حرمي، تأكلون رزقي، وتعبدون غير، افتخافون اذا عبدتموني وآمنتم بي؟ وقد تفضّل عليكم ربك وأطعمكم من كل الثمرات التي تُجلَب من فِجاج الارض. ولكن اكثرهم جهلةٌ لا يعلمون ما فيه خيرهم وسعادتهم.
قراءات
قرأ الحمهور: يُجبى بالياء وقرأ نافع: تُجبى بالتاء.
﴿وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَن مِّن بَعْدِهِمْ إِلاَّ قَلِيلاً وَكُنَّا نَحْنُ الوارثين﴾
وكثير من القرى أثرى أهلُها فبطِروا وأفسدوا في الأرض فخرّب الله ديارهم واصبحت خاوية لم يسكنها أحدٌ بعدهم الا فترات عابرةً للمارين بها، وورثها الله جل جلاله. ومثلُه قوله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ القرى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ﴾
56
[هود: ١١٧].
ثم اخبر سبحانه عن عدله وانه لا يُهلك أحدا الا بعد الإنذار وقيام الحجّة بارسال الرسل فقال:
﴿وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ القرى حتى يَبْعَثَ في أُمِّهَا رَسُولاً يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي القرى إِلاَّ وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ﴾
ليست سنّة الله وعدله ان يُهلك القرى حتى يبعثَ في كُبراها رسولاً يتلو عيلهم الآياتِ ويدعوهم الى الله، ولا يمكن ان نهلك القرى والمدنَ الا اذا استمر أهلهُها على الظلم والفساد والاعتداء.
﴿وَمَآ أُوتِيتُم مِّن شَيْءٍ فَمَتَاعُ الحياة الدنيا وَزِينَتُهَا وَمَا عِندَ الله خَيْرٌ وأبقى أَفَلاَ تَعْقِلُونَ﴾ ؟
وما أُعظيتم أيها الناس من أعراضِ الدنيا وزينتِها من الأموال والاولاد إلا مجرد متاعٍ محدود تتمتعون به في هذه الحياة، أما الذي عند الله فهو خيرٌ من ذلك وأبقى لأهل طاعته من ذلك كله. ﴿أَفَلاَ تَعْقِلُونَ﴾ أيها الناس وتتدبرون اموركم فتعرفون الخير من الشر!؟
قراءت
قرأ ابو عمرو: يعقلون بالياء. والباقون: تعقلون بالتاء.
﴿أَفَمَن وَعَدْنَاهُ وَعْداً حَسَناً فَهُوَ لاَقِيهِ كَمَن مَّتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الحياة الدنيا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ القيامة مِنَ المحضرين﴾ ؟
هل يستوي المؤمن الذي وعدَه الله السعادةَ والنصر ثم يوم القيامة يدخله الجنة، مع الكافر الذي أعطاه الله الرزقَ الكثير وتمتّع في حياته، ثم هو يوم القيامة من المحضَرين للحساب والجزاء، الهالكين في النار!! انهما لا يستويان.
57
حقّ عليهم: وجب عليهم. القول: العذاب. أغويناهم: أضللناهم، الغواية: الضلال والفعل غوى يغَوى غياً وغواية فهو غاو. وفي سورة النجم ﴿مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غوى﴾. فعميت: خفيت. الأنباء: الحجج والاعذار، الخِيرة: الاختيار. تكنّ: تخفي. يعلنون: يظهرون. وله الحكم: له القضاء النافذ في كل شيء.
اذكر ايها الرسول لقومك يومَ ينادي ربُّ العزة المشركين ويقول لهم: أين الذين زعمتم انهم شركائي وعبدتموهم من دوني.
فيجيبه قادةُ الكفر ودعاة الضلال الذين ثَبَتَ عليهم العذابُ قائلين: يا ربنا، هؤلاء الذين أضللناهم، إنما أغويناهم باختيارهم كما غوينا نحن. لقد دعوناهم إلى ما نحن فضلّوا مثلنا باختيارهم، واننا نبرأ اليك منهم فما كانوا يعبدوننا في الحقيقة، وانما كانوا يعبدون أهواءهم.
ويقال للأتباع ادعوا شركاءَكم واستغيثوا بهم، ففعلوا فلم يجيبوهم، ورأوا العذابَ حاضرا، وتمنّوأنهم كانوا في دنياهم مؤمنين.
ويوم ينادي الله المشركين ويقول لهم: بماذا أجبتم الرسَلين؟ هل آمنتم بهم. فلا يستطيعون ان يقولوا شيئا، وغابت عنهم الحُجج، ولم يجدوا معذرة، ولا يسأل بعضهم بعضا من الدَّهَش والخوف.
وبعد ان بيّن حال الكفار المعذَّبين وما يجري عليهم من التوبيخ والاهانة - أَتبعه بذِكر من يتوب في الدنيا وما ينتظره من نعيم فقال:
﴿فَأَمَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فعسى أَن يَكُونَ مِنَ المفلحين﴾.
وأما من تاب من الشِرك، وآمن ايماناً قادقا وعمل الأعملَ الصالحةن فانهم يكونون عند الله من الفائزين برضوان الله وبالنعيم الدائم.
وربك يخلق ما يشاء ويختار ما يريد، ليس لأحدٍ الخيارُ في شيء، تنزه وتعالى عما يشركون، وربك يعلم ما تخفي صدورهم وما به يجهرون.
وهو الله لا إله يُعبد ويرجى الا هو، له الحمد في الدنيا من عباده على إنعامه وهدايته، وفي الآخرة على عدله ومثوبته. وهو وحده صاحب الحكم والفضل، واليه المرجع والمصير.
أرأيتم: أخبرِوني. سرمدا: دائما. تسكنون فيه: تستقرون فيه من متاعب الأعمال. ونزعنا: أخرجنا. شهيدا: شاهدا. وضلّ: غاب.
في هذه الآيات الكريمة تنبيهٌ للناس الى حقيقةٍ يجب ان يعوها، وهي ان الله تعالى لو خلق الأرضَ بحيث يكون ليلُها دائماً او نهارُها دائما لكان في ذلك حَرَجٌ على الخلق ولتَعَذّرت الحياة عليها. وليس غير الله تعالى مَن يستطيع ان ينعم علينا بالنهار والليل، لنسكنَ ونستريح بالليل من عناء العمل، وننشط في النهار لنبتغي فيه الرزق. وما أقسى الحياةَ لو كانت عملاً بلا راحة.... لذلك يجب ان نشكره تعالى على هذه النعم الجزيلة.
فاذكر ايها الرسول يوم ينادي اللهُ المشركين ويقول لهم: أين الشركاء الذين عبدتموهم من دوني؟ فلا يجيبون.
ويوم القيامة يُحضر الله من كل أمةٍ شاهداًهو نبيُّها يشهد عليهم بالحق، ثم يطلب الله منهم بعد ذلك حجتهم ﴿فَقُلْنَا هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ فعلموا أَنَّ الحق لِلَّهِ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ﴾ فيعجزن عن الجواب ﴿فعلموا أَنَّ الحق لِلَّهِ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ﴾ ويكذبون على ربهم في الدنيا.
فبغى عليهم: تكبر وتجبر. الكنوز: جمع كنز: وهو المال المدفون في باطن الأرض والمراد به هنا المال المدخَر. مفاتحه: جمع مفتح: ومفاتيح جمع مفتاح والمعنى واحد، وهو المفتاح المعروف لفتح الابواب. لَتنوء بالعصبة أولي القوة: يعني ان مفاتيح خزائنه من الكثرة بحيث يثقل حملها على الجماعة الاقوياء. لا تفرح: لا تبطَر، وتتمسك بالدنيا. على علم عندي: على حسن تصرفٍ في التجارة واكتساب المال. ويلكم: كلمة تستعمل للزجر. وي: كلمة يراد بها التندم والتعجب. ويقدر: يضيّق، يقلل.
كان قارون من قوم موسى، ويقول بعض المفسرين انه تكبّر على قومه غروراً بنفسه وماله، حيث أعطاه الله من الأموال قدراً كبيرا، بلغت مفاتيحُ خزائنها من الكثرة بحيث يثقل حملُها على الجماعة الأقوياء من الرجال. وحين اغترّ وكفر بنعمة الله عليه نصحه قومه قائلين: لا تغترّ بمالك ولا يفتنك الفرح به عن شكر الله، ان الله لا يرضى عن المغرورين المفتونين.
وقد أورد القرآن هذه القصة حتى يعتبر قومُ سيدنا محمد ﷺ، إذ أنهم اغترّوا باموالهم، فبيّن لهم ان أموالهم بجانب مال قارون ليست شيئاً مذكورا.
ثم نصحوه بعدة نصائح فقالوا:
١ - ﴿وابتغ فِيمَآ آتَاكَ الله الدار الآخرة﴾ اجعلْ نصيباً منه في سبيل الله والعملِ للدار الآخرة.
٢ - ﴿وَلاَ تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدنيا﴾ لا تمنع نفسك نصيبها من التمنع بالحلال في الدنيا. كما في الحديث الشريف: «ان لربك عليك حقاً، ولنفسِك عليك حقا، ولأهلك عليك حقا»
٣ - ﴿وَأَحْسِن كَمَآ أَحْسَنَ الله إِلَيْكَ﴾ أحسنْ الى عباد الله كام احسن الله اليك بنعمته، فأيمنْ خلْقه بمالك وجهك، وطلاقة وجهك، وحسن لقائهم.
٤ - ﴿وَلاَ تَبْغِ الفساد فِي الأرض إِنَّ الله لاَ يُحِبُّ المفسدين﴾ لا تفسد في الأرض متجاوزا حدود الله، ان الله سبحانه لا يرضى عن ذلك.
قال قارون وقد نسي فضلَ الله عليه: انما أوتيتُ هذا المالَ بعلمٍ خُصصت به.
ألم يعلم هذا المغرور ان الله قد أهلكَ من أهلِ القرون الأولى من هم أشدّ منه قوة واكثر جمعا؟ إنه عليم بالمجرمين، في غير حاجة لأن يسألهم ماذا يعملون.
وتجاهل قارون كل هذه النصائح وخرج على قومه في زنيته، فتمنّى الذين يطلبون الحياة الدنيا مثلَ ما عند قارون، وقال الذين رزقَهم اللهُ العلم النفع: ويلكم، ثوابُ الله خيرٌ من هذا لمن آمن وعمل الاعمال الصالحة.
ثم ذكر الله ما آل اليه بطره من وبال ونكال فقال:
﴿فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأرض....﴾
فخسفنا به الأرض فابتلعته هو وداره بما فيها من أموال وزينة، فلم يكن له أنصار يمنعونه من عذاب الله، وما أغنى عنه مالُه ولا خدَمه، ولا استطاع ان ينصر نفسه.
60
ولما شاهد قوم قارون ما نزل به من العذاب، صار ذلك زاجراً لهم عن حب الدنيا وداعيا الى الرضا بقضاء الله وبما قسمه لهم. وصاروا يرددون عباراتِ التحسّر والندم، ويقولون: ان الله يوسع الرزق على من يشاء من عباده المؤمنين وغير المؤمنين، ويقتر ويضيّق على من يشاء منهم.
﴿لولا أَن مَّنَّ الله عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا﴾.
لولا لَطَفَ الله بنا لخسَف بنا الأرض. ثم زادوا ما سبق توكيدا بقولهم: «وَي، كأنه لا يفلِح الكافرون» ان الكافرين بنعمة الله لا يفلحون.
قراءات:
قرأ يعقوب وحفص: لخسف بنا بفتح الخاء والسين، والباقون: لخسف بنا، بضم الخاء وكسر السين.
61
فرضَ عليك: أوجب عليك. لرادّك الى معاد: لمعيدك الى بلدك. ظهيرا: معينا. هالك: ذاهب، معدوم. وجهه: ذاته. له الحكم: له القضاء.
تلك الدارُ الآخرة (وهي الجنة) نجعلها للذين لا يريدون تكبراً في الأرض ولا فسادا، والعاقبة الحميدة للمؤمنين المتقين.
وفي الحديث الصحيح: «لا يدخل الجنةَ من كان في قبله مثقالُ ذرة من كِبر، فقال رجل: ان الرجل يحبّ ان يكون ثوبُه حسناً وفعله حسنا فقال ﷺ : ان الله جميلٌ يحب الجَمال، الكِبر بطر الحق، وغمط الناس» رواه مسلم وابو داود.
من جاء بالحسنة له يومَ القيامة أفضلُ منها والله يضاعف لمن يشاء، ومن جاء بالعمل السيء فان الله لا يجزيه الا بمثل علمه، وهذا منه سبحانه رحمة وتفضل.
﴿إِنَّ الذي فَرَضَ عَلَيْكَ القرآن لَرَآدُّكَ إلى مَعَادٍ﴾
ان الله الذي أنزل عليك القرآن وفرض عليك تلاوته والعملَ بما فيه - لمعيدُك الى الأرض اتي اعتدتها، وهي مكة؛ او: إن المعادَ يوم القيامة، فقل ربي أعلم بمن جاء بالهدى وما يستحقه من الثواب والنصر والتمكين في الأرض، وبمن هو في ضلال مبين، وما يستحقه من القهر والاذلال والعذاب المهين.
﴿وَمَا كُنتَ ترجوا أَن يلقى إِلَيْكَ الكتاب إِلاَّ رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ....﴾
ما كنت ايها الرسول تأمل ان ينزَّلَ عليك القرآن، لكن الله أنزله عليك من عنده رحمةً بك وبأمتك، فاذكر هذه النعمة، وثابر على تبليغ الرسالة، ولا تكن أنت ومن اتبعك عوناً للكافرين.
ولا يمنعك الكافرون يا محمد من تلاوة آياتنا والعملِ بها بعدَ إذ أُنزلتْ اليك، وادعُ الناس الى عبادة ربك وتوحيده، ولا تكوننّ من المشركين.
ولا تعبد مع الله آلهاً غيره، فانه لا اله الا هون، كل شيء فانٍ الا ذاتُه فإنها أزليّة ابدية، له الحكمُ المطلَق النافذ وإليه تردّون يوم القيامة.
وهكذا تختم هذه السورة الكريمة بتقرير قاعدة الدعوة الى وحدانية الله سبحانه، تفرده بالألوهية والبقاء والحكم والقضاء، ليمض أصحاب الدعوات في طريقهم على هدى، وعلى ثقة وعلى طمأنينة وفي يقين.
Icon