تفسير سورة سورة العلق من كتاب الدر المصون في علوم الكتاب المكنون
المعروف بـالدر المصون
.
لمؤلفه
السمين الحلبي
.
المتوفي سنة 756 هـ
ﰡ
قوله: ﴿اقرأ﴾ : العامَّةُ على سكونِ الهمزةِ أمراً مِنْ القراءةِ. وقرأ عاصم في روايةِ الأعشى براءٍ مفتوحةٍ، وكأنه قَلَبَ الهمزةَ ألفاً كقولِهم: قرا يَقْرا نحو: سعَى يَسْعى، فلمَّا أَمَرَ منه حَذَفَ الألفَ على حَدِّ حَذْفِها مِنْ اسْعَ، وهذا كقولِ زهير:
وقد تقدَّمَ تحريرُه.
قوله: ﴿باسم رَبِّكَ﴾ : يجوزُ فيه أوجهٌ، أحدُها: أَنْ تكونَ الباءُ للحال، أي: اقرأ مُفْتِتحاً باسمِ ربِّك، قل باسم الله، ثم اقرَأْ، قاله
٤٦٠٣ -................. | وإلاَّ يُبْدَ بالظُّلْمِ يُظْلَمِ |
قوله: ﴿باسم رَبِّكَ﴾ : يجوزُ فيه أوجهٌ، أحدُها: أَنْ تكونَ الباءُ للحال، أي: اقرأ مُفْتِتحاً باسمِ ربِّك، قل باسم الله، ثم اقرَأْ، قاله
55
الزمخشري. الثاني: انَّ الباءَ مزيدةٌ والتقدير: اقرأ اسمَ ربِّك، كقولِه:
وقيل: الاسمُ صلةٌ، أي: اذكُرْ ربَّك، قالهما ابو عبيدة. الثالث: أنَّ الباءَ للاستعانةِ والمفعولُ محذوفٌ تقديرُه: اقرَأْ ما يوحى إليك مُسْتعيناً باسمِ ربِّك. الرابع: أنها بمعنى «على»، أي: اقرأْ على اسمِ ربِّك كما في قولِه: ﴿وَقَالَ اركبوا فِيهَا بِسْمِ الله﴾ [هود: ٤١] قاله الأخفش، وقد تَقَدَّم أولَ هذا الموضوع: كيف قَدَّمَ هذا الفعلَ على الجارِّ وقُدِّرَ متأخراً في بسم الله الرحمن الرحيم وتخريجُ الناسِ له، فأغنى عن إعادَتِه.
قوله: ﴿الذي خَلَقَ خَلَقَ الإنسان﴾ يجوزُ أَنْ يكونَ «خَلَقَ» الثاني تفسيراً ل «خَلَقَ» الأول يعني انه أَبْهمه أولاً، ثم فَسَّره ثانياً بخَلْقِ الإِنسانِ تفخيماً لخَلْقِ الإِنسانِ. ويجوزُ أَنْ يكونَ حَذَفَ المفعولَ مِنْ الأولِ، تقديرُه: خَلَقَ كلَّ شيءٍ لأنَّه مُطْلَقٌ فيتناوَلُ كلَّ مخلوق.
٤٦٠٤ -.................. | سُوْدُ المَحاجِرِ لا يَقْرَأْنَ بالسُّوَرِ |
قوله: ﴿الذي خَلَقَ خَلَقَ الإنسان﴾ يجوزُ أَنْ يكونَ «خَلَقَ» الثاني تفسيراً ل «خَلَقَ» الأول يعني انه أَبْهمه أولاً، ثم فَسَّره ثانياً بخَلْقِ الإِنسانِ تفخيماً لخَلْقِ الإِنسانِ. ويجوزُ أَنْ يكونَ حَذَفَ المفعولَ مِنْ الأولِ، تقديرُه: خَلَقَ كلَّ شيءٍ لأنَّه مُطْلَقٌ فيتناوَلُ كلَّ مخلوق.
56
وقوله: ﴿خَلَقَ الإنسان﴾ : تخصيصٌ له بالذِّكْرِ مِنْ بَيْنِ ما يتناوَلُه الخَلْقُ؛ لأنَّ التنزيلَ إليه. ويجوزُ اَنْ يكونَ تأكيداً لفظياً،
56
فيكونُ قد أكَّد الصلةَ وحدَها، كقولك: «الذي قام قام زيدٌ» والمرادُ بالإِنسانِ الجنسُ ولذلك قال: ﴿مِنْ عَلَقٍ﴾ جمعَ عَلَقة؛ لأنَّ كلَّ واحدٍ مخلوقٌ مِنْ عَلَقَةٍ كما في الآية الآخرى.
57
وقوله: ﴿الذى عَلَّمَ بالقلم عَلَّمَ الإنسان مَا لَمْ يَعْلَمْ﴾ : قريبٌ مِنْ قولِه: «خَلَق، خلَق الإِنسانَ» فلكَ أَنْ تُعيدَ فيه ما تقدَّم.
قوله: ﴿أَن رَّآهُ﴾ :«أنْ» مفعولٌ له، أي: لرؤيتِه نفسَه مُسْتَغْنياً. وتعدى الفعلُ هنا إلى ضميرَيْه المتصلَيْن؛ لأنَّ هذا مِنْ خواصِّ هذا البابِ. قال الزمخشري: «ومعنى الرؤيةِ العِلْمُ لو كانَتْ بمعنى الإِبصارِ لامتنعَ في فِعْلِها الجمعُ بين الضميرَيْن، و» استغنى «هو المفعول الثاني». قلت: والمسألةُ فيها خلافٌ: ذهب جماعةٌ إلى أنَّ «رأى» البَصَرية تُعْطي حُكْمَ العِلْمَّية، وجَعَل مِنْ ذلك قولَ عائشةَ - رضي اللَّهُ عنها - «لقد رَأَيْتُنا مع رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وما لنا طعامٌ إلاَّ الأسْوَدان» وأنشد:
وقرأ أبو حيوة وابنُ أبي عبلةَ وزيدُ بن علي بنصبِ «ناصيةً كاذبةً خاطئةً» على الشتم. وقرأ الكسائي في روايةٍ بالرفع على إضمارِ: هي ناصية: ونَسَبَ الكَذِبَ والخَطَأَ إليها مجازاً. والألفُ واللامُ في الناصية قيل: عِوَضٌ من الإِضافةِ، أي: بناصيتِه. وقيل: الضميرُ محذوفٌ، أي: الناصية منه.
٤٦٠٥ - ولقد أَراني للرِّماح دَرِيْئَةً | مِنْ عَنْ يمين تارةً وأمامي |
٤٦٠٧ - قومٌ إذا سَمِعُوا الصَّريخَ رَأَيْتَهُمْ | ما بين مُلْجمِ مُهْرِه أو سافعِ |
قوله: ﴿نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ﴾ : بدلٌ من الناصية بدلُ نكرةٍ من معرفةٍ. قال الزمخشري: «وجاز بَدَلُها عن المعرفةِ وهي نكرةٌ لأنَّها وُصِفَتْ فاسْتَقَلَّتْ بفائدةٍ» قلت: هذا مذهبُ الكوفيين لا يُجيزون إبدال نكرةٍ مِنْ غيرها إلاَّ بشرط وَصْفِها أو كونِها بلفظِ الأولِ، ومذهبُ البصريين لا يَشْتَرِطُ شيئاً، وأنشدوا:
60
٤٦٠٨ - فلا وأبيك خيرٍ منك إنِّي | لَيُوْذِيْنيْ التَّحَمْحُمُ والصَّهيلُ |
61
ﭧﭨ
ﰐ
قوله: ﴿فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ﴾ : إمَّا أَنْ يكون حَذْفِ مضاف، أي: أهلَ نادِيه أو على التجوُّز في نداءِ النادي لاشتمالِه على الناس كقوله: ﴿وَسْئَلِ القرية﴾ [يوسف: ٨٢]. والنادي والنَّدِيُّ: المَجْلِسُ المُتَّخَذُ للحديث. قال زهير:
وقالت أعرابية: «هو سَيِّدُ ناديه وثمالُ عافية».
٤٦٠٩ - وفيهم مَقاماتٌ حِسانٌ وجوهُهُمْ | وأَنْدِيَةٌ يَنْتابُها القولُ والفِعْلُ |
ﭪﭫ
ﰑ
قوله: ﴿الزبانية﴾ : قال الزمخشري: «الزَّبانية في كلامِ العربِ: الشُّرَطُ، الواحد زِبْنِيَة كعِفْرِية، مِنْ الزَّبْن وهو الدفعُ. وقيل: زِبْنيّ وكأنه نُسِبَ إلى الزَّبْن، ثم غُيِّر للنَّسَبِ، كقولهم: إمْسيّ
61
وأصلُه زَبانيّ فقيل: زبانِيَة على التعويض» وقال عيسى بن عمر والأخفش: «واحدُهم زابِن: وقيل: لا واحدَ له مِنْ لفظِه كعَباديد وشماطيط» والحاصلُ أنَّ المادةَ تَدُلُّ على الدَّفْعِ قال:
وقال آخر:
وقال عتبة: «وقد زبَنَتْنا الحربُ وزبَنَّاها» ومنه الزُّبون لأنَّه يُدْفع مِنْ بائعٍ إلى آخر. وقرأ العامَّة «سَنَدْعُ» بنونِ العظمة ولم تُرْسَمْ بالواو، وقد تقدَّم نظيرُه نحو: «يَدْعُ الداعِ». وقرأ ابنُ أبي عبلة «سيدعى الزبانيةُ» مبنياً للمعفولِ ورَفْعُ الزَّبانية لقيامِها مقامَ الفاعل.
٤٦١٠ - مطاعيمُ في القُصْوى مطاعينُ في الوغَى | زبانيَةٌ غُلْبٌ عِظامٌ حُلُومُها |
٤٦١١ - ومُسْتَعْجِبٍ مِمَّا يرى مِنْ أناتِنا | ولو زَبَنَتْه الحَرْبُ لم يَتَرَمْرَمِ |
62