تفسير سورة الفتح

التفسير المظهري
تفسير سورة سورة الفتح من كتاب التفسير المظهري .
لمؤلفه المظهري . المتوفي سنة 1216 هـ
سورة الفتح
مدنية وهي تسع وعشرون آية وأربع ركوعات
روى أحمد والبخاري والترمذي والنسائي وابن حبان وابن مردويه عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره فسألته عن شيء ثلاث مرات فلم يرد علي، فقلت ثكلتك أمك يا عمر نزرت رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات كل ذلك لا يجيبك، قال عمر فحركت بعيري حتى تقدمت أمام الناس وخشيت أن يكون نزل في القرآن فيما لبثت أن سمعت صراخا يصرخ بي فجئت رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلمت عليه فقال لقد أنزلت علي الليلة سورة هي أحب إلي مما طلعت عليه الشمس، ثم قرأ ﴿ إنا فتحنا لك فتحا مبينا { ١ ﴾١ وأخرج الحاكم وغيره من المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم، قال نزلت سورة الفتح في شأن الحديبية بين مكة والمدينة من أولها إلى آخرها، واختلفوا في هذا الفتح.
١ أخرجه البخاري في كتاب: المغازي، باب: غزوة الحديبية ﴿٣٩٤٣﴾، وأخرجه الترمذي في كتاب: تفسير القرآن، باب: ومن سورة الفتح ﴿٣٣٨٢﴾..

روى عن أبي جعفر الرازي عن قتادة عن أنس أنه فتح مكة فهي عدة بالفتح جيء بلفظ الماضي لأنها في تحققها بمنزل الكائنة ففيه معجزة والصحيح أنه صلح الحديبية، رواه أحمد وابن سعد وأبي داود والحاكم وصححه وابن المنذر وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن مجمع بن حارثة الأنصاري قال شهدنا الحديبية مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما انصرفنا عنها إلى كراع المغميم فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم عند كراع الغميم فاجتمع الناس إليه فقرأ عليهم ﴿ إنا فتحنا لك فتحا مبينا { ١ ﴾ فقال رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أو فتح هو ؟
قال :( والذي نفسي بيده إنه لفتح مبين )١ وسنذكر قول أبي بكر الصديق ما كان فتح في الإسلام أعظم من صلح الحديبية وكذا ذكر البغوي عن البراء، ووجه تسميته فتحا إما أنه مقدمة الفتح وإما أن معنى الفتح فتح المنغلق وذلك ما يصلح مع المشاركين بالحديبية وقيل الفتح بمعنى القضاء أي قضينا لك أن تدخل مكة من قابل : قال الشعبي فتح الحديبية فيه غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر وأطعموا نخلة خيبر وبلغ الهدى محله وظهرت الروم أي من عام قابل على فارس وخرج المؤمنون لظهور أهل الكتاب على المجوس، قال الزهري لم يكن فتح أعظم من صلح الحديبية وذلك أن المشركين اختلطوا بالمسلمين فسمعوا كلامهم فتمكن الإسلام في قلوبهم وأسلم في ثلث سنين خلق كثير وكثر بهم سواد الإسلام، قال الضحاك فتحا مبينا بغير قتال وكان الصلح من الفتح، وقال البيضاوي سماه فتحا لأنه كان بعد ظهوره على المشركين حتى سألوا الصلح وتسبب بفتح مكة وفرغ به رسول الله صلى الله عليه وسلم لسائر العرب فقرأهم وفتح مواضع وأدخل في الإسلام خلقا عظيما
١ أخرجه أبو داود في كتاب: الجهاد، باب: فيمن أسهم له سهما ﴿٢٧٣٤﴾..
﴿ ليغفر لك الله ﴾ علة غائية للفتح من حيث أنه مسبب عن جهاد الكفار والسعي في دحروا إزاحة الشرك وإعلاء الدين وتكميل النفوس الناقصة قهرا ليصير ذلك بالتدريج اختيار أو تخليص الضعفة عن أيدي الظلمة، وقيل اللام لام كي أي لكم يجتمع لك مع المغفرة تمام النعمة والفتح، وقال حسين بن الفضل اللام متعلق بقوله تعالى في سورة محمد صلى الله عليه وسلم ﴿ واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات ﴾١ كما قيل كذلك في تعلق ﴿ لإيلاف قريش ﴾ بقوله تعالى ﴿ فجعلهم كعصف مأكول { ٥ ﴾ } في سورة الفيل وهذا بعيد جدا، وقيل اللام متعلق بمحذوف تقديره فاشكر ليغفر لك الله أو فاستغفر ليغفر لك الله كذا قال محمد ابن جرير
حيث قال هو راجع إلى قوله تعالى :﴿ إذا جاء نصر الله والفتح { ١ ﴾ } أي قوله ﴿ واستغفر ﴾٢ ليغفر لك الله ﴿ ما تقدم من ذنبك وما تأخر ﴾ أي جميع ما فرط منك قديما في الجاهلية قبل الرسالة وحديثا، بعد الرسالة أي نزول السورة مما يصح أن يعاتب عليه وهذا ما يستلزم ارتكاب المعصية قال حسنات الأبرار سيئات المقربين وقال سفيان الثوري ما تقدم يعني ما علمت في الجاهلية وما تأخر كل شيء لم يعمله يذكر مثل ذلك على طريق التأكيد كما يقال أعطي لمن رآه ومن لم يره وضرب من لقيه ومن لم يلق، وقال عطاء الخرساني ما تقدم من ذنبك يعني ذنب أبويك آدم وحواء ببركتك وما تأخر ذنوب أمتك بدعوتك ﴿ ويتم نعمته عليك ﴾ وعد بإتمام النعمة وإكمال الدين وإظهار كلمة الإسلام وهدم منارها يتم بحيث محجو أو يقهروا مطمئنين لا يخالطهم أحد من المشركين الذي ذكر إنجازها في سورة المائدة لقوله تعالى ﴿ اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ﴾٣ وتمام النعمة هذه مسبب للفتح فتح مكة وصلح الحديبية. ﴿ ويهديك صراطا مستقيما ﴾ في تبليغ الرسالة وإقامة مراسم الملك والنبوة والرياسة، قيل معنى يهديك يهدي بك وقيل معنى يهديك يثبتك عليه أو المعز ليجتمع لك مع الفتح تمام النعمة بالمغفرة والهداية إلى كمال الدين بحيث لا يجوز نسخه بعد ذلك.
١ ورة محمد، الآية: ١٩..
٢ سورة النصر، الآية: ٣..
٣ سورة المائدة، الآية: ٣..
﴿ وينصرك الله ﴾ فإن قيل ينصرك الله معطوف على يغفر وهو مترتب على الفتح، إما لكونه مسببا عن جهاد الكفار وبذل السعي، وإما لكونه سببا للشكر والاستغفار ؟ المقدرين فلا بد أن يكون النصر أيضا مترتبا على الفتح وليس كذلك بل هو سبب للفتح سابق عليه قلنا : إن كان المراد بالفتح صلح الحديبية فالصلح امتثالا لأمر الله تعالى سبب للنصر الذي هو سبب للفتح وإن كان المراد منه فتح مكة فالآية وعد بالفتح والوعد سبب للنصر السابق على الفتح كما لا يخفى.
﴿ نصرا عزيزا ﴾ يعني معزا يعزيه المنصور فوصفه مبالغة أو المعنى نصرا فيه عزو منيعة. روى الشيخان في الصحيحين والترمذي والحاكم عن أنس قال : قال نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ﴿ إنا فتحنا لك فتحا مبينا { ١ ﴾ } إلى آخر الآية مرجعه من الحديبية وأصحابه فخالطوا الحزن والكآبة فقال عليه السلام، نزلت علي آية هي أحب إلي من الدنيا فلما تلى نبي الله صلى الله عليه وسلم قال رجل من القوم هنيئا مريا رسول الله قد بين الله لك ماذا يفعل بنا فنزلت ﴿ هو الذي أنزل السكينة ﴾ إلى قوله ﴿ فوزا عظيما ﴾١
١ سورة الفتح، الآية: ٥..
﴿ هو الذي أنزل السكينة ﴾ والمراد بالسكينة الثبات والطمأنينة على امتثال أمر الله تعالى من صلح الحديبية ﴿ في قلوب المؤمنين ﴾ حتى يثبتوا حيث تعلق النفوس وتدحض الأقدام حين جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية حمية الجاهلية ﴿ ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم ﴾ متعلق بأنزل، قال الضحاك يقينا مع يقينهم يعني برسوخ العقيدة واطمئنان النفس عليها، وقال الكلبي هذا في أمر الحديبية حين صدق الله رسوله الرؤيا بالحق، قال ابن عباس بعث الله رسوله بشهادة أن لا إله إلا الله فلما صدقوه زادهم الصلاة ثم الزكاة ثم الصوم ثم الحج ثم الجهاد ثم أكمل لهم دينهم فكلما أمروا بشيء فصدقوه إزدادوا تصديقا إلى تصديقهم ﴿ ولله جنود السماوات والأرض ﴾ يعني لبس الأمر بالصلح بالحديبية لضعف بالمسلمين بل لما يقتضيه علمه تعالى وحكمته ﴿ وكان الله عليما حكيما ﴾
﴿ ليدخل المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ﴾ قوله تعالى :﴿ ليدخل ﴾ مع ما عطف عليه من قوله تعالى :﴿ ويكفر عنهم سيئاتهم ﴾ متعلق بقوله تعالى :﴿ ليزدادوا ﴾ أو بدل اشتمال من قوله ليزدادوا أو معطوف عليه بحذف العاطف متعلق بقوله تعالى : أنزل أو بدل اشتمال من قوله تعالى :﴿ ليغفر لك الله ﴾ متعلق بقوله تعالى :﴿ فتحنا ﴾ وجملة ﴿ هو الذي أنزل السكينة ﴾ معترضة بينهما، ﴿ وكان ذلك ﴾ الإدخال والتكفير ﴿ عند الله فوزا عظيما ﴾ لأنه منتهى ما يطلب من جلب نفع أو دفع ضرر وعند الله حال من الفوز والجملة معترضة
﴿ ويعذب المنافقين والمنافقات ﴾ عطف على يدخل داخل في علة إنزال السكينة من حيث أن المنافقين والكفار غاظوا المؤمنين وطعنوا في دينهم حين امتثلوا أمر الله سبحانه في الصلح وغير ذلك وظنوا ظن السوء وكان ذلك سببا لتعذيبهم وأن كان قوله ليدخل متعلقا بفتحنا فالأمر ظاهر. ﴿ والمشركين والمشركات الظآنين بالله ظن السوء ﴾ يعني ظانين أن الله لا ينصر رسوله والمؤمنين ولا يرجع النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة سالما أو أن له تعالى شريكا فالمفعولان محذوفان وقوله ظن السوء أي ظن الأمر السوء منصوب على المصدرية والسوء عبارة عن رادة الشيء وفساده يقال فعل سوء أي مسخوط فاسد ﴿ عليهم دائرة السوء ﴾ جملة دعائية يعني يجعل الله عليهم دائرة الهلاك والعذاب لا يتخطاهم أو دائرة ما يظنون ويتربصون بالمؤمنين، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو السوء بالضم وهما لغتان غير أن المفتوح غلب في أن يضاف إليه ما يراد ذمه والمضموم جرى مجرى الشر وكلاهما في الأصل مصدران، ﴿ وغضب الله عليهم ولعنهم وأعد لهم جهنم ﴾ عطف لما استحقوه في الآخرة عليها استوجبوه في الدنيا ﴿ وساءت مصيرا ﴾ جهنم
﴿ ولله جنود السماوات والأرض ﴾ فيدفع كيد من عادى بنبيه والمؤمنين بما شاء منه ﴿ وكان الله عزيزا ﴾ غالبا فلا يرد بأسه عن الكافرين ﴿ حكيما ﴾ فيما دبر
﴿ إنا أرسلناك ﴾ يا محمد ﴿ شاهدا ﴾ على أمتك حال مقدرة ﴿ ومبشرا ﴾ للمطيعين بالجنة ﴿ ونذيرا ﴾ للعصاة بالنار
﴿ لتؤمنوا ﴾ قرأ ابن كثير وأبو عمرو بالياء على الغيب وكذا الأفعال الثلاثة المعطوفة عليه والضمير عائدة إلى الناس أجمعين وقرأ الباقون الأفعال الأربعة بالتاء على الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم والآمة والخطاب بالجمع بعد الخطاب بالإفراد شبه بالإلتفات ﴿ بالله ورسوله وتعزروه ﴾ أي تعدوه ﴿ وتوقروه ﴾ أي تعظموه ﴿ وتسبحوه ﴾ أي تنزهوه عما لا يليق بشأنه أو اتصلوا له، والضمائر المنصوبة راجعة إلى الله سبحانه ومعنى تقووه دينه ورسوله قلت جاز أن يكون معناه أن تنسبوا القوة إليه دون غيره وتقولوا لا حول ولا قوة إلا بالله، وقال البغوي ضمير تعزروه وتوقروه راجعان إلى رسوله وضمير تسبحوا إلى الله تعالى واستبعده الزمخشري لكونه مستلزما لانتشار الضمائر، قلنا لا بأس به عند قيام القرينة وعدم اللبس ﴿ بكرة وأصيلا ﴾ منصوبان على الظرفية لتسبحوه يعني تصلوا غدوا وعشيا أو تنزهوه دائما.
﴿ إن الذين يبايعونك ﴾ يا محمد بالحديبية على أن لا يفروا بل يقاتلوا حتى يظفروا أو يموتوا ﴿ إنما يبايعون الله ﴾ لأنه هو المقصود ببيعة النبي ﴿ يد الله فوق أيديهم ﴾ حال أو استئناف على سبيل الاستعارة التخييلية يتمم المعنى المشاكلة فإنه إذا كان الله مبايعا واشتهر المبايعة بصفقة اليد قد كانوا يأخذون بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم ويبايعونه فتخيل اليد لتأكيد المشاكلة في المبايعة، وقال ابن عباس يد الله بالوفاء لما وعدهم بالخير فوق أيديهم، قلت يد الله نعمة عليهم في الهداية فوق ما صنعوا من البيعة فضله غزوة الحديبية وبيعة الرضوان وسبب ذلك ما رواه عبد بن حميد ابن جرير عن مجاهد وقتادة والبيهقي عن مجاهد أيضا وابن جرير عن ابن يزيد ومحمد بن عمرو عن شيوخه قالوا رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه دخل مكة هو وأصحابه آمنين محلقين رؤوسهم ومقصرين وأنه دخل البيت وأخذ فتاحه وعرف من المعرفين وكان ذلك الرؤيا بالمدينة قبل خروجه إلى الحديبية كذا قال البغوي ومحمد بن يوسف الصنائجي في سبيل الرشاد، وفي بعض الروايات عن مجاهد أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم وهو بالحديبية والصحيح هو الأول، قال ابن سعد ومحمد بن عمروا غيرهما استنفر رسول الله صلى الله عليه وسلم العرب ومن حوله من أهل البوادي من الأعراب ليخرجوا معه وهو يخشى من قريش أن يعرضوا له بحرب أو يصدوه عن البيت فابطأ عليه كثير من الأعراب، وروى أحمد والبخاري وعبد بن حميد وأبو داوود والنسائي وغيرهم عن الزهري وابن إسحاق عن الزهري عن عروة عن مسور بن مخرمة ومروان بن الحكم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل بيته فاغتسل ولبس ثوبين من نسج صحا وركب ناقته القصوى من عند بابه وخرج بأم سلمة معه وأم منيع أسماء بنت عمرو وأم عمارة الأشهلية، وخرج معه المهاجرون والأنصار ومن لحق به من العرب لا يشكون بالفتح للرؤيا المذكورة وليس معهم سلاح إلا السيوف في القرب وساق الهدي فسار رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين لهلال ذي القعدة يعني سنة ست حتى نزل ذا الحليفة فصلى الظهر ثم دعا بالبدن وهي سبعون فجللت ثم أشعر منها عدة وهن موجهات إلى القبلة في الشق الأيمن ثم أمر ناجية بن جندب فأشعر وأبقى وقلدهن نعلا نعلا وأشعر المسلمون بدنهم وقلدوها وكان معهم مئتا فرس، وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بشير بن سفيان عينا له وقدم عباد بن بشير طليعة في عشرين فارسا ويقال جعل أميرهم سعد بن زيد الأشهلي ثم صلى ركعتين وركب من باب المسجد بذي الحليفة فلما انبعث راحلة مستقبلة القبلة أحرم بالعمرة ليأمن الناس حربه وليعلم الناس أنه إنما خرج زائرا بهذا البيت.
ولبى لبيك الحج فأحرم غالب أصحابه وأم المؤمنين أم سلمة بإحرامه ومنهم من لم يحرم إلا بالجحفة وسلك طريق البيداء ومر فيما بين مكة والمدينة بالأعراب من بني بكر ومزينة وجهينة فاستنفرهم فتشاغلوا بأموالهم وقالوا فيما بينهم يريد محمد يغزوا بنا إلى قوم معد من الكراع والسلاح وإنما محمد وأصحابه أكلة جزور لن يرجع محمد وأصحابه من سفرهم هذا أبدا، قوة سلاح معهم ولا عدو ثم قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم ناجية بن جندب مع فتيان من أسلم ومعهم هدايا المسلمين، ووقع في تلك المسير ما صاد قتادة حمار الوحش وكان غير محرم وما أهدى رسول الله صلى الله عليه وسلم حمارا وحشيا وهو بالأبواء وقد مر حديثه في سورة المائدة ولما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم الجحفة أمر بشجرة فقم ما تحتها فخطب الناس، فقال :" إني كائن لكم فرطا وقد تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا كتاب الله وسنة نبيه " ولما أبلغ المشركين خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم اجتمعوا وتشاوروا يريد محمد أن يدخلها علينا في جنوده ومعتمرا فتستمع العرب أنه دخل علينا عنوة وبيننا وبينه من الحرب ما بيننا والله لا كان هذا ثم قدموا خالد بن الوليد على مائتي فارس إلى كراع الغميم واستنفر من الأحابيش وأجلبت ثقيف معهم وخرجوا إلى بلد ج وضرب بها القباب والأبنية ومعهم النساء والصبيان فعسكروا هنا وأجمعوا على منع رسول الله صلى الله عليه وسلم من دخول مكة ومحاربته ووضعوا العيون على الجبال وهم عشر أنفس يوحي بعضهم إلى بعض بالصوت فعل محمد كذا وكذا حتى ينتهي إلى قريش بلده، ورجع بشر بن سفيان الذي بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم عينا له من مكة فلقي رسول الله صلى الله عليه وسلم بغدير الأشطاط وراء عسفان فقال يا رسول الله هذه قريش سمعوا بمسيرك فخرجوا معهم عوذ المطافيل قد لبسوا جلد النحور وقد نزلوا بذي طوى يعاهدون الله لا يدخلها عليم أبدا، وهذا خالد بن الوليد في خيلهم قدموها إلى كراع الغميم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا ويح قريش لقد أكلتهم الحرب ماذا عليهم لو خلوا بيني وبين سائر العرب فإن هم أصابوني كان ذلك الذي أرادوا أن أظهر لي الله تعالى عليهم دخلوا وافرين وإن لم يفعلوا قاتلوا وفيهم قوة فما تظن قريش فوالله لا زال أجاهدهم على الذي بعثني الله به حتى يظهره الله أو تنفرد هذه السالفة، ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسلمين وحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ثم قال أما بعد يا معشر المسلمين أشيروا علي أترون أن أميل على ذراري هؤلاء الذين عانون فنصيبهم فإن قعدوا موتورين وإن أبونا تكن عنقا قد قطعه الله يعني أهلك الله جماعة منهم أم ترون أنا نؤم البيت فمن صدنا عنه قاتلناه، فقال أبو بكر يا رسول الله خرجت عامدا لهذا البيت لا تريد قتال أحد ولا حربا فتوجه له فمن صدنا عنه قاتلناه ووافقه على ذلك أسيد بن خضير، وروى ابن أبي شيبة أن المقداد بن الأسود قال بعد كلام أبي بكر والله يا رسول الله لا نقول لك كما قالت بنوا إسرائيل لنبيه ﴿ فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون ﴾ ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكم مقاتلون، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فسيروا على اسم الله دونا خالد بن الوليد في خيله حتى نظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه فصف خيله فيما بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين القبلة فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عباد بن بشر فتقدم في خيله بإزائه فصف أصحابه وحانت صلاة الظهر فأذن بلال، وأقام فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأصحابه فقال خالد بن الوليد قد كانوا على غرة لو حملنا عليهم أصبنا منهم ولكن يأتي الساعة صلاة الأخرى هي أحب إليهم من أنفسهم وأبنائهم فنزل جبرئيل عليه السلام بين الظهر والعصر بقوله تعالى :﴿ وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم ﴾ الآية فحانت صلاة العصر فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الخوف وقد مر شرحها في سورة النساء، روى البزار بسند رجاله ثقات عن أبي سعيد الخدري ومحمد بن عمر عن شيوخه قالوا لما أمسى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أسلكوا ذات اليمين بين ظهور الحمض فإن خالد بن وليد في الغميم في خيل بقريش طليعة كره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يلقاه وكان بهم رحيما قال أيكم يعرف ثنية ذات الحنظل فقال بريدة بن الحصب أنا، وروى مسلم عن جابر وأبو نعيم عن أبي سعيد قال أبو سعيد خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الحديبية حتى إذا كنا بعسفان سرنا في آخر الليل حتى أقبلنا على عقبة ذات الحنظل قال رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل هذه الثنية الليلة كمثل باب الذي قال الله تعالى لبني إسرائيل ﴿ وادخلوا الباب سجدا نغفر لكم خطيآتكم ﴾ لا يجوز هذه الثنية الليلة أحدا إلا غفر له، قالوا يا رسول نخشى أن ترى قريش نيراننا، فقال لن يروكم فلما أصبحنا صلى بنا صلاة الصبح، ثم قال والذي نفسي بيده لقد غفر الراكب أجمعين إلا رديلبا واحدا على جمل أحمر، فإذا هو رجل من بني ضمرة، قال جابر قلنا له تعالى نستغفر لك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال والله لأن أجد ضالتي أحب إليّ من أن يستغفر لي صاحبكم فبينا هو في حيال سراوع إذ زلقت به بغله فتردى فمات فما علم حتى أكلته السباع، قال مسور بن مخرمة ومروان فلما دنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحديبية وقعت يد راحلته فقال الناس حل حل فأبت أن تبعث وألحت فقال المسلمون خلأت القصوى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما خلأت القصوى وما ذاك لها بعادة ولكن حبسها حابس الفيل عن مكة، ثم قال والذي نفس محمد بيده لا يسألون قريش عنهم حتى نزل أقصى الحديبية على ثمد من ثماد الحديبية ظنون قلة الماء فانتزع سهما من كنانة فأمر به فعزز في الثمد بالرواء حتى صدروا بعطن، قال المسور فإنهم لقترفون بآنيتهم جلوسا على شفير البئر والذي نزل بالسهم ناحية من جندب سابق بدن رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال محمد بن عمر حدثني الهيثم عن عطاء بن أبي مروان عن أبيه قال حدثني أربع عشر رجلا من أسلم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه ناجية بن عجم وكان ناجية يقول دعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى شكى إليه قلة الماء، فأخرج سهما من كنانته ودفعه إليه وعابد لومن اء البيء فجئته به فتوضأ فمضمض فاه ثم مج في الدلو والناس في حر شديد وإنما هي بئر واحدة قد سبق المشركون إلى بلد ح فغلبوا على مياهه فقال أنزل الدلو فصبها في البئر وأثرها بالسهم ففعلت فوالذي بعثه بالحق ما كدت أخرج حتى تغمدني وفارت كما تفور القدر حتى طمث واستوت بشفيرها يغترفون من جانبها، وروى أحمد والبخاري وغيرهما عن البراء ومسلم عن سلمة بن أكوع وأبو نعيم عن ابن عباس والبيهقي عن عروة نحوها قصة صب الدلو وليس فيه ذكر السهم، وروى البخاري عن جابر ومسلم عن سلمة بن الأكوع قال " عطش الناس يوم الحديبية ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين يديه ركوة قالوا يا رسول الله ليس عندنا ماء نتوضأ به ولا نشرب إلا في ركوتك فأفرغنا في قدح وضع رسول الله صلى الله صلى الله عليه وسلم يديه في القدح فجعل الماء يفور بين أصابعه كأمثال العيون فشربنا وتوضأنا، قيل لجابركم كنتم يومئذ ؟ فقال لو كنا مائة ألف كفاناكنا خمس عشر مائة. ولما اطمأن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحديبية جاء بديل من ورقاء وأسلم بعد ذلك في رجال بن خزاعة منهم عمرو بن سالم وحراس بن أمية وخارجة بن كوز ويزيد بن أمية وكانت عيبة نصح رسول الله صلى الله عليه وسلم بتمامة منهم المسلم ومنهم الوداع لا يخفون عنه بتمامه شيئا فلما قدموا سلموا عليه، فقال بديل بن ورقاء جئناك من عند قومك كعب بن لؤي وعامر بن لؤي قد استنفروا لك الأحابيش ومن أطاعوهم قد نزلوا عداد مياه الحديبية معهم العوذ المطافيل النساء والصبيان يقسمون بالله لا يخلون بينك وبين البيت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنا ما جئنا لقتال أحد إنما جئنا لنطوف بهذا البيت من صدنا عنه قاتلنا وإن قريشا قد أضرب بهم الحرب نهكتهم فإن شاؤا ماددناهم مدة يأمنون فيها ويخلون فيما بيننا وبين الناس والناس أكثر منهم فإن أصابوني فذلك الذي أرادوا وإن ظهر أمري على الناس كانوا بين أن يدخلوا فيما يدخل فيه الناس أو يقاتلوا وقد جموا وإن هم أبوا فوالله لأجهدن على أمري هذا حتى تنفرد سالفة أو لينفذن الله أمره قال بديل سأبلغهم ما تقول، فأتى قريشا، وقال إنا قد جئناك من عند محمد نخبركم عنه، قال عكرمة بن أبي جهل والحكم بن العاص أسلما بعد
﴿ سيقول لك المخلفون من الأعراب ﴾ ابن عباس ومجاهد يعني الأعراب بني غفار ومزينه وجهينه والنخع واسلم وهم الذين أبطؤوا من الخروج مع النبي صلى الله عليه وسلم حين استنفرهم إذا أراد المسير إلى مكة عام الحديبية خوفا من قتال قريش زعما منهم قلة من المسلمين وضعفهم في عقيدتهم كما مر في القضية رجع النبي صلى الله عليه وسلم سالما اعتذر وأمن التخلف وقالوا :﴿ شغلتنا أموالنا وأهلونا ﴾ يعني لم يكن لنا من يقوم بأشغالهم ﴿ فاستغفر لنا ﴾ الله تعالى على التخلف فيه معجزة فإن الله تعالى أخبر نبيه صلى الله عليه وسلم بما يقول للمخلفون بعد ذلك ثم كذبهم الله في اعتذارهم فقال ﴿ يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم ﴾ ومن الاعتذار والاستغفار يعني أنهم لا يبالون استغفر لهم النبي صلى الله عليه وسلم أولم يستغفر الجملة بدل من قوله تعالى : سيقول ﴿ قل فمن يملك لكم من الله شيئا ﴾ يعني لأحد يمنعكم من مشيئة الله تعالى وقضائه فيكم ﴿ إن أراد بكم ضرا ﴾ قرأ حمزة والكسائي بضم الضاد والباقون بالفتح يعني ما يضركم كقتل أو هزيمة أو هلاك في المال أو الأهل أو العذاب في الآخرة على تخلفكم ﴿ أو أراد بكم نفعا ﴾ أي ضد ذلك به تعرض بالرد ﴿ بل كان الله بما تعملون خبيرا ﴾ يعني ليس الأمر كما قلتم في الاعتذار بل الله يعلم أن قصدكم في التخلف إنما هو إظهار الموافقة لأهل مكة خوفا منهم
﴿ بل ظننتم ﴾ أيها المخلفون ﴿ لن ينقلب الرسول والمؤمنون إلى أهليهم أبدا ﴾ يعني يستأصلهم مشركو مكة فلا يرجعون إلى إضراب ثان عطفه على مضمون الإضراب الأول يعني بل أظهرتم موافقة أهل مكة بل ظننتم أن لن ينقلبوا ﴿ وزين ذلك في قلوبكم ﴾ زينه الشيطان بخلق الله تعالى ﴿ وظننتم ﴾ أن محمدا وأصحابه أكلة رأس فلا يرجعون أو غير ذلك مما يظنون بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم من الأمور الباطلة ﴿ ظن السوء ﴾ منصوب على المصدرية ﴿ وكنتم قوما بورا ﴾ هلكن عند الله لفساد عقيدتكم وسوء ظنكم بالله ورسوله
﴿ ومن لم يؤمن بالله ورسوله ﴾ فيه تعريض إلى أنهم غير مؤمنين بالله ورسوله فإن الإيمان ينافي تلك الظنون والتخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وجزاء الشرط محذوف وما بعده تعليل أقيم مقامه أي لا يضرنا، ﴿ فإنا أعتدنا للكافرين سعيرا { ١٣ ﴾ } وضع المظهر موضع المضمر إيذانا بأن من يجمع بين الإيمان بالله ورسوله فهو كافر متوجب للسعير بكفره وتنكير سعير للتهويل.
﴿ ولله ملك السماوات والأرض يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء ﴾ لا يجب عليه شيء ﴿ وكان الله غفورا رحيما ﴾ يعني أن الغفران والرحمة صفات ذاتية له تعالى والتعذيب داخل تحت قضائه بالعرض.
﴿ سيقول المخلفون إذا انطلقتم إلى مغانم لتأخذوها ذرونا نتبعكم يريدون أن يبدلوا كلام الله قل لن تتبعونا كذلكم قال الله من قبل فسيقولون بل تحسدوننا بل كانوا لا يفقهون إلا قليلا { ١٥ ﴾ قل للمخلفين من الأعراب ستدعون إلى قوم أولى بأس شديد تقاتلونهم أو يسلمون فإن تطيعوا يؤتكم الله أجرا حسنا وإن تتولوا كما توليتم من قبل يعذبكم عذابا أليما ﴿ ١٦ ﴾ ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار ومن يتول يعذبه عذابا أليما ﴿ ١٧ ﴾ }
﴿ سيقول المخلفون ﴾ المذكورون ﴿ إذا انطلقتم إلى مغانم لتأخذوها ذرونا نتبعكم ﴾ في القتال حتى نصيب من المغانم ﴿ يريدون أن يبدلوا كلام الله ﴾ جملة يريدون بدال إشتمال من سيقولون قرأ حمزة والكسائي كلام الله على أنه جمع كلمة، قيل المراد بالمغانم خيبر خاصة، قال محمد بن عمرو أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه بالخروج يعني إلى خيبر فجدوا في ذلك من حوله فمن شهد الحديبية يغزون معه وجاء المخلفون عنه في غزوة الحديبية ليخرجوا معه رجاء الغنيمة فقال عليه السلام لا يخرجوا معي إلا راغبين في الجهاد وأما الغنيمة فلا، والظاهر أن معنى الآية سيقولون المخلفون الذين تخلفوا من الجهاد في غزوة الحديبية حين ظنوا بالمسلمين ضعفا وقلة إذا يرون بالمسلمين قوة وانطلقتم إلى المغانم لتأخذوها في زعمهم غالبا فسيقولون ذرونا نتبعكم يريدون أن يبدلوا كلام الله يعني أمر الله لنبيه أن لا يسير معه أحد منهم كما في قوله :﴿ فاستأذنوك للخروج فقل لن تخرجوا معي أبدا ولن تقاتلوا معي عدوا إنكم رضيتم بالقعود أول مرة ﴾١ كذا قال بن ريد وقتادة، قلت لعل المخلفون لما رأوا من المؤمنين شدة رغبتهم في الجهاد وسمعوا بيعة الرضوان أن الله أظفر المؤمنين على المشركين في بطن مكة حتى رضي المشركون على الصلح واطمأن المسلمون من أهل مكة وفرغوا الجهاد عامة العرب ندموا على التخلف وظنوا بغلبة المسلمين وأخذهم الغنائم قالوا ذلك حين عزم النبي صلى الله عليه وسلم الجهاد أهل خيبر مع أن أهل خيبر كانوا أشد بأسا من أهل مكة حيث كان فيها عشر آلاف مقاتل وإنما حبس الله رسوله والمؤمنين من أهل مكة ترحما بقريش كما حبس عنهم الفيل لما علم بعلمه القديم أن أكثرهم يؤمنون ويخرج منهم بسمات مؤمنات ولئلا يصيب المؤمنين معرة بغير علم من أن يطئوا رجالا من مؤمنين ونساء مؤمنات كانوا بمكة لم يعلموهم ﴿ قل ﴾ يا محمد ﴿ لن تتبعونا ﴾ جملة مستأنفة إخبار من الله تعالى بعدم إتباعهم بعد عزمهم طمعا في الغنائم ولا يبدل القول لديه وفي عجزة أخبار بالغيب مرتين مرة بالقول ومرة بعدم الإتباع وقيل هذا نفي ومعناه النهي، ﴿ كذلكم ﴾ يعني قولا مثل ما قلت لكم أيها المخلفون من الأخبار والنهي ﴿ قال الله ﴾ تعالى ﴿ من قبل ﴾ هذا بوحي غير متلو أن غنائم خيبر لأهل الحديبية خاصة لا نصيب لغيرهم فيها أو أنهم لن يخرجوا معك أبدا أولا يصاحبهم في غزوة أبدا أوليس المراد منه قوله تعالى :﴿ فاستأذنوك ﴾٢ لأنها نزلت بعد ذلك سنة تسع في غزوة تبوك ﴿ فسيقولون ﴾ أي المخلفون عطف على سيقولون ﴿ بل تحسدوننا ﴾ عطف على محذوف يعني لم يقل الله كذلك بل تحسدوننا يقولون ذلك حسدا أن يشرككم في الغنائم ﴿ بل كانوا لا يفقهون ﴾ عطف على سيقولون يعني ليس الأمر كما زعمت المخلفون بل كانوا لا يعلمون من الله تعالى ما لهم وما عليهم في الدين ﴿ إلا قليلا ﴾ يعني إلا تفقها قليلا من أمور الدنيا وقال البغوي معناه إلا قليل منهم وهو من صدق الله ورسوله، قلت على هذا كان المختار عند النحويين الرفع على البدلية لأن الكلام غير موجب
١ سورة التوبة، الآية: ٨٣..
٢ سورة التوبة، الآية: ٨٣..
﴿ قل للمخلفين من الأعراب ﴾ كرر ذكرهم بهذا الإسم مبالغة في الذم وإشعارا بكمال شناعة التخلف ﴿ ستدعون إلى قوم أولى بأس شديد ﴾ قال كعب هم الروم يعني في غزوة تبوك، قلت وهذا القول يأبى عنه توصيف قوم بقوله يقاتلونهم أو يسلمون فإن غزوة تبوك مال أمره إلى القتال فإن النبي صلى الله عليه وسلم سار إلى تبوك وأقام هناك بضعة عشر يوما فلم يتحرك هرقل إلى مقابلته ولم يبعث إليه جيشا رجع النبي صلى الله عليه وسلم من غير قتال، قال سعيد بن جبير وقتادة هوازن وثقيف وغطفان يوم حنين، قلت ولم يصح أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا الأعراب يوم حنين وأيضا يكونوا أولي بأس شديد بالنسبة إلى عسكر الإسلام بل كانوا قليلا في مقابلة جم غفير، وقال الزهري مقاتل جماعة هم بنو حنيفة أهل اليمامة أصحاب مسيلمة الكذاب، قال رافع بن خديج كنا نقرأ الآية ولا نعلم من هم حتى دعى أبو بكر الصديق " رض " إلى قتال بني حنيفة فعلمنا أنهم هم وهذا قول أكثر المفسرين ورجحه البيضاوي بقرينة قوله تعالى :﴿ تقاتلونهم أو يسلمون ﴾ يعني بكون أحد الأمرين إما المقاتلة أو الإسلام لا غير كما يدل عليه قراءة أو يسلموا فإن أو حينئذ بمعنى إلى أن ولا شك أن مشركي العرب المرتدين هم الذين لا يقبل منهم إلا الإسلام أو السيف وقتال غيرهم كأهل الروم ينتهي بالجزية فالآية دليل إمامة أبي بكر فإنه دعى الناس لقتال أهل الردة، وقال ابن عباس عطاء ومجاهد وابن جريح هم أهل الفارس فإنهم كانوا أشد بأمن من غيرهم دعا الناس عمر بن الخطاب إلى قتالهم فالآية دليل على خلافة عمر المبنية على خلافة أبي بكر ومعنى يسلمون حينئذ ينقادون لإعطاء الجزية والجملتين المتعاطفتين بدال من ستدعون ﴿ فإن تطيعوا ﴾ لداعي ﴿ يؤتكم الله أجرا حسنا ﴾ يعني الجنة ﴿ وإن تتولوا ﴾ توليا ﴿ كما توليتم من قبل ﴾ ذلك عام الحديبية ﴿ يعذبكم عذابا أليما { ١٦ ﴾ } لتضاعف جرمكم قال البغوي فلما نزلت هذه الآية قال أهل الزمانة كيف بنا يا رسول الله فأنزل الله تعالى :﴿ ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار ومن يتول يعذبه عذابا أليما ١٧ ﴾
﴿ ليس على الأعمى حرج ﴾ ضيق وشدة وعذاب في ترك الجهاد ﴿ ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج ومن يطع الله ورسوله ﴾ في الجهاد وغير ذلك ﴿ يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار ومن يتول ﴾ أي يعرض عن الطاعة بعد القلة ﴿ يعذبه عذابا أليما{ ١٧ ﴾ } قرأ نافع وابن عامر ندخله ونعذبه بالنون على المتكلم، والباقون بالياء على الغيبة راجع إلى الله سبحانه.
﴿ * لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة ﴾ يعني بالحديبية هذه الجملة متصلة بقوله تعالى :﴿ إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله ﴾١ الآية تأكيد لها وما بينهما معترضات بهذه الآية سميت البيعة بيعة الرضوان والغرض من هذه الآية مدح المؤمنين والثناء عليهم ومما سبق حثهم على إيفاء ما جاؤوا عليه، وفي الصحيحين عن جابر بن عبد الله قال كنا يوم الحديبية ألفا وأربعمائة فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم :" أنتم خير أهل الأرض " ٢ وروى مسلم عن أم بشر مرفوعا :" لا يدخل النار أحد بايع تحت الشجرة ".
﴿ فعلم ما في قلوبهم ﴾ من الصدق والوفاء ﴿ فأنزل السكينة عليهم ﴾ ويعني ألقى عليهم الطمأنينة بالحضور عند ذكر الله تعالى والرضا بما أمر الله تعالى فوق الرضا بما تشتهيه نفوسهم ﴿ وأثابهم فتحا ﴾ يعني فتح خبير ﴿ قريبا ﴾ قيل أقام النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة بعد الرجوع من الحديبية عشر ليال كذا عند ابن عاند عن ابن عباس وعند سليمان التيمي خمسة عشر، وذكر ابن عقبة عن ابن شهاب أقام بالمدينة عشرين ليلة في حديث المسور ومروان عند ابن إسحق أنه عليه السلام قدم المدينة في ذي الحجة فأقام بها حتى سار إلى خيبر في المحرم وكان فتح خيبر في سفر سنة سبع كذا في المغازي للواقدي، قال الحافظ أنه الراجح نقل الحاكم عن الواقدي
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:قصة غزوة خيبر إنه صلى الله عليه وسلم استخلف على المدينة سباع بن عرفطة كذا روى أحمد وابن خزيمة والحاكم عن أبي هريرة ولما تجهز النبي صلى الله عليه وسلم والناس شق على يهود المدينة ولم يبق أحد من يهود المدينة له على أحد المسلمين حق إلا لزمه، روى أحمد والطبراني عن أبي حدرد أنه كان لأبي شحم اليهودي عليه خمسة دراهم فلزمه فقال أجلني فإني أرجو أن أقدم عليك فأقضيك حقك قد وعد الله نبيه أن يغنم خيبر، فقال أبو شحم أتحسب أن قتال خيبر مثل قتال ما تلقون من الأعراب والتوراة فيها عشرة آلاف مقاتل وترافعا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عليه الصلاة والسلام أعطه حقه فخرجت فبعت ثوبي بثلاثة دراهم الحديث، ولما وصل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الصهاء وهي أدنى خيبر دعانا لا زواد فلم يؤت إلا السويق فترى فأكل وأكلنا معه ثم قام إلى المغرب فمضمض ثم صلى ولم يتوضأ رواه البخاري والبيهقي، قال محمد بن عمر ثم سار النبي صلى الله عليه وسلم حتى أتى إلى المنزلة التي وهي يسوق الخيبر صارت في سهم زيد بن ثابت فعرس رسول الله صلى الله عليه وسلم بها ساعة من الليل وكانت يهود لا يظنون قبل ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يغزوهم لمنعتهم وسلاحهم وعدوهم فلما أحسوا الخروج إلى النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يخرجون كل يوم عشرة آلاف مقاتل صفوفا ثم يقولون محمد تغيرونا هيهات وكان ذلك شأنهم، فلما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم بساحتهم لم يتحركوا تلك الليلة ولم يصحح لهم ديك حتى طلعت الشمس فأصبحوا وأفئدتهم تخفق وفتحوا حصونهم وفي الصحيحين سار رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى خيبر فأنتهي إليها ليلا وكان عليه السلام إذا طرق قوما لم يغتر عليهم حتى يصبح فإذا سمع أذانا أمسك وإذا لم يسمع غار حتى يصبح فصلنا الصبح عند خيبر بغلس فلم يسمع أذانا فلما أصبح ركب وركب المسلمون وخرج أهل القرية إلى مزارعهم بمكاتلهم ومساحيهم فلما رأوا رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا محمد والخميس فأدبروا هاربين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ورفع يديه " الله أكبر خربت خيبر إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساح صباح المنذرين " ١ وابتدأ بأهل نطاة وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم ووعظهم ونهاهم عن القتال حتى يأذن لهم فعمل رجل من أشجع على يهودي وحمل عليه اليهودي فقتله فقال الناس استشهد فلان فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ما نهيت من القتال قالوا نعم فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم مناديا في الناس " لا تحل الجنة لعاص " وروى الطبراني عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يومئذ " لا تتمنوا لقاء العدو واسئلوا الله العافية فإنكم لا تدرون ما تبتلون به فإذا لقيتم فقولو اللهم ربنا وربهم نواصينا ونواصيهم بيدك وإنما تقتلهم أنت ثم ألزموا الأرض جلوسا فإذا عشوكم فانهضوا وكبروا " الحديث، قال ابن إسحاق ومحمد بن عمرو بن سعيد فرق رسول الله صلى الله عليه وسلم الرايات وأذن للناس في قتال وحثهم على الصبر وأول حصن حاصره من النطاة ناعم وقاتل أشد القتال وقاتله أهل نطاة أشد القتال فلما أمسى تحول إلى الرجيع فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغدو على راياتهم حتى فتح الله الحصن عليهم، روى البيهقي وأبو نعيم ومحمد بن عمر أن المسلمين لما قدموا خيبر قدموا على ثمرة خضراء وهي ديئية وختمة فأكلوا منها فأخذهم الحمى فشكوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال فرسوا الماء في الشنان فإذا كان بين الأذانين يعني من الصبح فاحذروا الماء واذكروا إسم الله فكأنما نشطوا من العقل وبعد فتح ناعم حاصروا حصن الصعب بن معاذ، روى محمد بن عمرو عن أبي أيسر كعب بن عمر أنهم حاصروه ثلاثة أيام وكان حصنا منيعا، روى ابن إسحاق عن رجل من أسلم ومحمد بن عمر عن معتب الأسلمي قال أصابتنا معشر أسلم مجاعة حتى قدمنا خيبر وأقمنا عشرة أيام على حصن النطاة لا يفتح شيئا فيها طعام فأرسلوا أسماء بن حارثة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أن أسلم يقرأ عليك السلام ويقول أنا قد جهدنا من الجوع والضعف فادعوا الله لنا فقال رسول الله صلى عليه وسلم ما بيدي ما أقوتهم به قد علمت حالهم ثم قال :" اللهم فافتح عليهم الأعظم حصنا فيها أكثره ودكا " ودفع اللواء إلى حباب بن المنذر وندب الناس فما رجعنا حتى فتح الله حصن الصعب بن معاذ وما بخيبر حصن أكثر طعاما وودكا منه برز لحباب يوشع اليهودي فقتله حباب ثم برز له الزيال فبادره عمارة بن عقبة الغفاري فقال الناس بطل جهاده فقال عليه الصلاة والسلام ما بأس به يؤجر ويحمد، روى محمد بن عمرو عن جابر إنهم وجدوا في حصن الصعب من الطعام ما يكونوا يظنون من الشعير والتمر والسمن والعسل والزيت والودك ونادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم كلوا أو املقوا ولا تحملوا يعني لا تخرجوا به إلى بلادكم، روى البيهقي عن محمد بن عمرو قال لما تحولت اليهود من حصن الناعم وحصن الصعب بن معاذ إلى قلة الزبير يعني حصن الزبير بن العوام " رض " الذي صار في سهمه بعد وهو حصن على رأس قلة فأقام محاصرهم ثلاثة أيام فجاء اليهودي، يدعي غزال فقال يا أبا قاسم تؤمنني على أن أدلك على ما تستريح به من أهل ونخرج إلى الشق فإن أهل الشق قد أهلكوا رعبا منك فأمنه رسول الله صلى الله عليه وسلم على أهله وماله فقال اليهودي إنك لو أقمت شهرا ما بالوا لهم ذيول تحت الأرض يخرجون بالليل فيشربون منها ثم يرجعون إلى قلعتهم فيمنعون منك فإن قطعت عنهم شربهم أصحروا لك، فسار رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ذيولهم فقطعها فلما قطع عليهم مشاريهم خرجوا وقاتلوا أشد القتال وقتل من المسلمين يومئذ نفر وأصيب من اليهود ذلك اليوم عشرة واقتحم رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا اخرصون النطاة فلما فرغ من النطاة تحول إلى الشق وأول حصن بدأ به منها حصن على قلعة يقال لها سموان فقاتل عليها أهل الحصن قتالا شديدا، خرج رجل من اليهود يقال له غزول فقتله حباب بن المنذر فخرج رجل آخر من يهود فقتله أبو دجانة وأخذ درعه وسيفه جاء به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فنفله رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك، وأحجم اليهود عن البراز فكبر المسلمون ثم تحاملوا على الحصن فدخلوه يقدمهم أبو دجانة فوجدوا فيه أثاثا ومتاعا وغنما وطعاما فهرب من كان فيه من المقاتلة حتى صاروا إلى حصن النزل بالشق وجعل يأتي من بقي من خل النطاة إلى حصن النزال فغلقوه وامتنعوا فيه أشد الإمتناع ورجف رسول الله صلى الله عليه وسلم في أصحابه فقاتلهم وكانوا أشد أهل الشق رميا للمسلمين بالنبل والحجارة ورسول الله صلى الله عليه وسلم معهم حتى أصاب النبل ثياب النبي صلى الله عليه وسلم وعلقت به فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم النبل فجمعها ثم أخذ لهم كفا من حصى فحصب به حصنهم فرجف الحصن بهم ثم ساخ في الأرض حتى المسلمون فأخذوا أهله أخذا، ولما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم حصون النطاة والشق انهزم من سلم منهم إلى حصون الكتيبة وأعظم حصونها القموص وكان منيعا ذكر ابن أبي عقبة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حاصره قريبا من عشرين ليلة وكانت أرضا وخمة، روى الشيخان عن سهل بن سعد والبخاري وأبو نعيم عن سلمة بن الأكوع وأبو نعيم عن عمروا ابن عباس وسعد بن أبي وقاص الخدري وعمر بن حصين وجابر بن عبد الله ومسلم والبيهقي عن أبي هريرة وأحمد وأبو يعلى والبيهقي عن علي وأبو نعيم والبيهقي عن بريدة قال بريدة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأخذه الشقيقة فيمكث اليوم واليومين ولا يخرج فلما نزل خيبرا أخذته الشقيقة فلم يخرج إلى الناس فأرسل أبا بكر فأخذ راية رسول الله صلى الله عليه وسلم فقاتل قتالا شديدا ثم نهض فقاتل قتالا شديدا هو أشد من القتال الأول ثم رجع ولم يكن فتح وفي حديث على أن الغلبة كانت لليهود في اليومين فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك فقال " لأعطين الراية غدا رجلا يفتح الله عليه ليس بفرار يحب الله ورسوله ويأخذها عنوة " وقال بريدة.
فتباطينا نفسا أن يفتح غدا ويأت الناس ليلتهم أيهم يعطي فلما أصبح غدوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم كلهم يرجوا أن يعطيها تآلى أبو هريرة، قال عمر فما أحببت الإمارة قط حتى كان يومئذ فلما أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم الغداة، ثم دعا باللواء وقام قائما قال ابن شهاب فوعظ الناس ثم قال أين علي ؟ قالوا تشتكي عينه فأرسلوا إليه قال سلمة فجئت به أقوده، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم مالك ؟ قال رمدت حتى لا أبصر ما قدامي، قال أدن مني وفي حديث علي عند الحاكم فوضع رأسي في حجره ثم بزق في يده فدلك بها عيني قالوا فبرء كأن لم يكن به وجع قط فما وجعهما حتى مضى لسبيله ودعا له وأعطاه الراية، قال يا رسول الله أقاتلهم حتى يكونوا مثلنا قال نفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم ثم ادعهم إلى الإسلام وأخبرهم بما يجب عليه من حق الله وحق رسوله فوالله لأن يهدي الله بك فاطلع يهودي من رأس الحصن فقال من أنت ؟ قال علي، قال اليهودي غلبتم والذي أنزل التوراة على موسى فما رجع حتى فتح الله على يديه، روى محمد بن عمرو عن جابر قال أول من خرج من حصون خيبر مبارز الحارث أخو مرحب فقتله علي رضي الله عنه ورجع أصحاب الحارث إلى الحصن وبرز عامر وكان رجلا طويلا جسيما فقال النبي صلى الله عليه وسلم طلع عامر أترونه خمسة أذرع وهو يدعو إلى البراز فخرج إليه علي بن أبي طالب فقتله ثم برز ياسر " فبرز له علي بن أبي طالب فقال له الزبير بن العوام " أقسمت عليك إلا خلية بيني وبينه ففعل فقالت صفية لما خرج إليه الزبير قلت يا رسول الله يقتل ابني فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بل ابنك يقتله إن شاء الله تعالى فقتله الزبير فقال عليه السلام فداك عم وقال " لكل نبي حواري وحواري الزبير " ٢.
وفي حديث سلمة بن الأكوع خرج مرحب يرتجز فقتله علي، وروى أحمد عن علي قال لما قتلت مرحبا جئت برأسه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وروى البيهقي ومحمد بن عمر عن جابر بن عبد الله أن محمد بن سلمة قتل مرحبا والصحيح ما في صحيح مسلم أن عليا قاتله وروى ابن إسحاق عن أبي رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال خرجنا مع علي حين بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما دنى من الحصن خرج إليه أهله فقاتلهم فقربه رجل من يهود فطرح ترسه من يده فتناول علي باب كان عند الحصن فترس به من نفسه فلم يزل بيده وهو يقاتل حتى فتح الله ثم ألقاه من يده حين فرغ فلقد رأيتني في نفر سبعة أنا ثامنهم نجهد على أن نقلب ذلك الباب فلم نقلبه.
وروى البيهقي من طريقين عن المطلب بن زياد عن ليث بن سليم عن أبي جعفر محمد ابن علي عن آبائه قال حدثني جابر بن عبد الله أن عليا حمل الباب يوم خيبر حتى صعد عليه المسلمون فاقتحموها وأنه جرب ذلك فلم يحمله أربعون رجل ورجاله ثقات إلا ليث بن سليم هو ضعيف قال البيهقي وروي من وجه آخر ضعيف عن جابر قال اجتمع عليه سبعون رجلا وكان جهدهم أن أعادوا الباب، وقال الصالحي قال ورواه الحاكم والله أعلم وأصاب من الغموض حصن إلى الحقيق سبايا منهم صفية بنت حيي بن أخطب جاء بلاب بها وبأخرى معها فمر بهما على قتلى يهود فلما رأتهم التي مع صفية صاحت وصكت وجهها وحثت التراب على رأسها فلما رآها ر


١ سورة الفتح، الآية: ١٠..
٢ أخرجه البخاري في كتاب: المغازي، باب: غزوة الحديبية ﴿٣٩٢٢﴾، وأخرجه مسلم في كتاب: الإمارة، باب: استحباب مبايعة الإمام الجيش عند إرادة القتال ﴿١٨٥٦﴾..
﴿ ومغانم كثيرة يأخذونها ﴾ روى البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت لما فتحت خيبر قلنا الآن من التمر وعن ابن عمر قال ما شبعنا من التمر حتى فتحت خيبر، قال الحافظ محمد بن يوسف الصالحي أن خيبر اسم ولاية مشتملة على حصون ومزارع ونخل كثيرة على ثلاثة أيام من الحديبية عن يسار حاج الشام ﴿ وكان الله عزيزا حكيما ﴾
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:قصة غزوة خيبر إنه صلى الله عليه وسلم استخلف على المدينة سباع بن عرفطة كذا روى أحمد وابن خزيمة والحاكم عن أبي هريرة ولما تجهز النبي صلى الله عليه وسلم والناس شق على يهود المدينة ولم يبق أحد من يهود المدينة له على أحد المسلمين حق إلا لزمه، روى أحمد والطبراني عن أبي حدرد أنه كان لأبي شحم اليهودي عليه خمسة دراهم فلزمه فقال أجلني فإني أرجو أن أقدم عليك فأقضيك حقك قد وعد الله نبيه أن يغنم خيبر، فقال أبو شحم أتحسب أن قتال خيبر مثل قتال ما تلقون من الأعراب والتوراة فيها عشرة آلاف مقاتل وترافعا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عليه الصلاة والسلام أعطه حقه فخرجت فبعت ثوبي بثلاثة دراهم الحديث، ولما وصل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الصهاء وهي أدنى خيبر دعانا لا زواد فلم يؤت إلا السويق فترى فأكل وأكلنا معه ثم قام إلى المغرب فمضمض ثم صلى ولم يتوضأ رواه البخاري والبيهقي، قال محمد بن عمر ثم سار النبي صلى الله عليه وسلم حتى أتى إلى المنزلة التي وهي يسوق الخيبر صارت في سهم زيد بن ثابت فعرس رسول الله صلى الله عليه وسلم بها ساعة من الليل وكانت يهود لا يظنون قبل ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يغزوهم لمنعتهم وسلاحهم وعدوهم فلما أحسوا الخروج إلى النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يخرجون كل يوم عشرة آلاف مقاتل صفوفا ثم يقولون محمد تغيرونا هيهات وكان ذلك شأنهم، فلما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم بساحتهم لم يتحركوا تلك الليلة ولم يصحح لهم ديك حتى طلعت الشمس فأصبحوا وأفئدتهم تخفق وفتحوا حصونهم وفي الصحيحين سار رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى خيبر فأنتهي إليها ليلا وكان عليه السلام إذا طرق قوما لم يغتر عليهم حتى يصبح فإذا سمع أذانا أمسك وإذا لم يسمع غار حتى يصبح فصلنا الصبح عند خيبر بغلس فلم يسمع أذانا فلما أصبح ركب وركب المسلمون وخرج أهل القرية إلى مزارعهم بمكاتلهم ومساحيهم فلما رأوا رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا محمد والخميس فأدبروا هاربين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ورفع يديه " الله أكبر خربت خيبر إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساح صباح المنذرين " ١ وابتدأ بأهل نطاة وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم ووعظهم ونهاهم عن القتال حتى يأذن لهم فعمل رجل من أشجع على يهودي وحمل عليه اليهودي فقتله فقال الناس استشهد فلان فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ما نهيت من القتال قالوا نعم فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم مناديا في الناس " لا تحل الجنة لعاص " وروى الطبراني عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يومئذ " لا تتمنوا لقاء العدو واسئلوا الله العافية فإنكم لا تدرون ما تبتلون به فإذا لقيتم فقولو اللهم ربنا وربهم نواصينا ونواصيهم بيدك وإنما تقتلهم أنت ثم ألزموا الأرض جلوسا فإذا عشوكم فانهضوا وكبروا " الحديث، قال ابن إسحاق ومحمد بن عمرو بن سعيد فرق رسول الله صلى الله عليه وسلم الرايات وأذن للناس في قتال وحثهم على الصبر وأول حصن حاصره من النطاة ناعم وقاتل أشد القتال وقاتله أهل نطاة أشد القتال فلما أمسى تحول إلى الرجيع فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغدو على راياتهم حتى فتح الله الحصن عليهم، روى البيهقي وأبو نعيم ومحمد بن عمر أن المسلمين لما قدموا خيبر قدموا على ثمرة خضراء وهي ديئية وختمة فأكلوا منها فأخذهم الحمى فشكوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال فرسوا الماء في الشنان فإذا كان بين الأذانين يعني من الصبح فاحذروا الماء واذكروا إسم الله فكأنما نشطوا من العقل وبعد فتح ناعم حاصروا حصن الصعب بن معاذ، روى محمد بن عمرو عن أبي أيسر كعب بن عمر أنهم حاصروه ثلاثة أيام وكان حصنا منيعا، روى ابن إسحاق عن رجل من أسلم ومحمد بن عمر عن معتب الأسلمي قال أصابتنا معشر أسلم مجاعة حتى قدمنا خيبر وأقمنا عشرة أيام على حصن النطاة لا يفتح شيئا فيها طعام فأرسلوا أسماء بن حارثة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أن أسلم يقرأ عليك السلام ويقول أنا قد جهدنا من الجوع والضعف فادعوا الله لنا فقال رسول الله صلى عليه وسلم ما بيدي ما أقوتهم به قد علمت حالهم ثم قال :" اللهم فافتح عليهم الأعظم حصنا فيها أكثره ودكا " ودفع اللواء إلى حباب بن المنذر وندب الناس فما رجعنا حتى فتح الله حصن الصعب بن معاذ وما بخيبر حصن أكثر طعاما وودكا منه برز لحباب يوشع اليهودي فقتله حباب ثم برز له الزيال فبادره عمارة بن عقبة الغفاري فقال الناس بطل جهاده فقال عليه الصلاة والسلام ما بأس به يؤجر ويحمد، روى محمد بن عمرو عن جابر إنهم وجدوا في حصن الصعب من الطعام ما يكونوا يظنون من الشعير والتمر والسمن والعسل والزيت والودك ونادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم كلوا أو املقوا ولا تحملوا يعني لا تخرجوا به إلى بلادكم، روى البيهقي عن محمد بن عمرو قال لما تحولت اليهود من حصن الناعم وحصن الصعب بن معاذ إلى قلة الزبير يعني حصن الزبير بن العوام " رض " الذي صار في سهمه بعد وهو حصن على رأس قلة فأقام محاصرهم ثلاثة أيام فجاء اليهودي، يدعي غزال فقال يا أبا قاسم تؤمنني على أن أدلك على ما تستريح به من أهل ونخرج إلى الشق فإن أهل الشق قد أهلكوا رعبا منك فأمنه رسول الله صلى الله عليه وسلم على أهله وماله فقال اليهودي إنك لو أقمت شهرا ما بالوا لهم ذيول تحت الأرض يخرجون بالليل فيشربون منها ثم يرجعون إلى قلعتهم فيمنعون منك فإن قطعت عنهم شربهم أصحروا لك، فسار رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ذيولهم فقطعها فلما قطع عليهم مشاريهم خرجوا وقاتلوا أشد القتال وقتل من المسلمين يومئذ نفر وأصيب من اليهود ذلك اليوم عشرة واقتحم رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا اخرصون النطاة فلما فرغ من النطاة تحول إلى الشق وأول حصن بدأ به منها حصن على قلعة يقال لها سموان فقاتل عليها أهل الحصن قتالا شديدا، خرج رجل من اليهود يقال له غزول فقتله حباب بن المنذر فخرج رجل آخر من يهود فقتله أبو دجانة وأخذ درعه وسيفه جاء به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فنفله رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك، وأحجم اليهود عن البراز فكبر المسلمون ثم تحاملوا على الحصن فدخلوه يقدمهم أبو دجانة فوجدوا فيه أثاثا ومتاعا وغنما وطعاما فهرب من كان فيه من المقاتلة حتى صاروا إلى حصن النزل بالشق وجعل يأتي من بقي من خل النطاة إلى حصن النزال فغلقوه وامتنعوا فيه أشد الإمتناع ورجف رسول الله صلى الله عليه وسلم في أصحابه فقاتلهم وكانوا أشد أهل الشق رميا للمسلمين بالنبل والحجارة ورسول الله صلى الله عليه وسلم معهم حتى أصاب النبل ثياب النبي صلى الله عليه وسلم وعلقت به فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم النبل فجمعها ثم أخذ لهم كفا من حصى فحصب به حصنهم فرجف الحصن بهم ثم ساخ في الأرض حتى المسلمون فأخذوا أهله أخذا، ولما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم حصون النطاة والشق انهزم من سلم منهم إلى حصون الكتيبة وأعظم حصونها القموص وكان منيعا ذكر ابن أبي عقبة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حاصره قريبا من عشرين ليلة وكانت أرضا وخمة، روى الشيخان عن سهل بن سعد والبخاري وأبو نعيم عن سلمة بن الأكوع وأبو نعيم عن عمروا ابن عباس وسعد بن أبي وقاص الخدري وعمر بن حصين وجابر بن عبد الله ومسلم والبيهقي عن أبي هريرة وأحمد وأبو يعلى والبيهقي عن علي وأبو نعيم والبيهقي عن بريدة قال بريدة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأخذه الشقيقة فيمكث اليوم واليومين ولا يخرج فلما نزل خيبرا أخذته الشقيقة فلم يخرج إلى الناس فأرسل أبا بكر فأخذ راية رسول الله صلى الله عليه وسلم فقاتل قتالا شديدا ثم نهض فقاتل قتالا شديدا هو أشد من القتال الأول ثم رجع ولم يكن فتح وفي حديث على أن الغلبة كانت لليهود في اليومين فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك فقال " لأعطين الراية غدا رجلا يفتح الله عليه ليس بفرار يحب الله ورسوله ويأخذها عنوة " وقال بريدة.
فتباطينا نفسا أن يفتح غدا ويأت الناس ليلتهم أيهم يعطي فلما أصبح غدوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم كلهم يرجوا أن يعطيها تآلى أبو هريرة، قال عمر فما أحببت الإمارة قط حتى كان يومئذ فلما أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم الغداة، ثم دعا باللواء وقام قائما قال ابن شهاب فوعظ الناس ثم قال أين علي ؟ قالوا تشتكي عينه فأرسلوا إليه قال سلمة فجئت به أقوده، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم مالك ؟ قال رمدت حتى لا أبصر ما قدامي، قال أدن مني وفي حديث علي عند الحاكم فوضع رأسي في حجره ثم بزق في يده فدلك بها عيني قالوا فبرء كأن لم يكن به وجع قط فما وجعهما حتى مضى لسبيله ودعا له وأعطاه الراية، قال يا رسول الله أقاتلهم حتى يكونوا مثلنا قال نفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم ثم ادعهم إلى الإسلام وأخبرهم بما يجب عليه من حق الله وحق رسوله فوالله لأن يهدي الله بك فاطلع يهودي من رأس الحصن فقال من أنت ؟ قال علي، قال اليهودي غلبتم والذي أنزل التوراة على موسى فما رجع حتى فتح الله على يديه، روى محمد بن عمرو عن جابر قال أول من خرج من حصون خيبر مبارز الحارث أخو مرحب فقتله علي رضي الله عنه ورجع أصحاب الحارث إلى الحصن وبرز عامر وكان رجلا طويلا جسيما فقال النبي صلى الله عليه وسلم طلع عامر أترونه خمسة أذرع وهو يدعو إلى البراز فخرج إليه علي بن أبي طالب فقتله ثم برز ياسر " فبرز له علي بن أبي طالب فقال له الزبير بن العوام " أقسمت عليك إلا خلية بيني وبينه ففعل فقالت صفية لما خرج إليه الزبير قلت يا رسول الله يقتل ابني فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بل ابنك يقتله إن شاء الله تعالى فقتله الزبير فقال عليه السلام فداك عم وقال " لكل نبي حواري وحواري الزبير " ٢.
وفي حديث سلمة بن الأكوع خرج مرحب يرتجز فقتله علي، وروى أحمد عن علي قال لما قتلت مرحبا جئت برأسه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وروى البيهقي ومحمد بن عمر عن جابر بن عبد الله أن محمد بن سلمة قتل مرحبا والصحيح ما في صحيح مسلم أن عليا قاتله وروى ابن إسحاق عن أبي رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال خرجنا مع علي حين بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما دنى من الحصن خرج إليه أهله فقاتلهم فقربه رجل من يهود فطرح ترسه من يده فتناول علي باب كان عند الحصن فترس به من نفسه فلم يزل بيده وهو يقاتل حتى فتح الله ثم ألقاه من يده حين فرغ فلقد رأيتني في نفر سبعة أنا ثامنهم نجهد على أن نقلب ذلك الباب فلم نقلبه.
وروى البيهقي من طريقين عن المطلب بن زياد عن ليث بن سليم عن أبي جعفر محمد ابن علي عن آبائه قال حدثني جابر بن عبد الله أن عليا حمل الباب يوم خيبر حتى صعد عليه المسلمون فاقتحموها وأنه جرب ذلك فلم يحمله أربعون رجل ورجاله ثقات إلا ليث بن سليم هو ضعيف قال البيهقي وروي من وجه آخر ضعيف عن جابر قال اجتمع عليه سبعون رجلا وكان جهدهم أن أعادوا الباب، وقال الصالحي قال ورواه الحاكم والله أعلم وأصاب من الغموض حصن إلى الحقيق سبايا منهم صفية بنت حيي بن أخطب جاء بلاب بها وبأخرى معها فمر بهما على قتلى يهود فلما رأتهم التي مع صفية صاحت وصكت وجهها وحثت التراب على رأسها فلما رآها ر

﴿ وعدكم الله مغانم كثيرة تأخذونها ﴾ وهي الفتوح التي يفتح لهم إلى يوم القيامة فيه تسلية للمؤمنين انصرافهم من مكة بصلح ﴿ فعجل لكم هذه ﴾ يعني فتح خيبر ﴿ وكف أيدي الناس عنكم ﴾ قال البغوي ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لما حاصر خيبر همت قبائل من بني أسد وغطفان أن يغيروا على عيال المسلمين وذراريهم بالمدينة فكف الله أيديهم بإلقاء الرعب في قلوبهم، وقال ابن إسحاق كانت غطفان مظاهرين يهود خيبر على رسول الله صلى الله عليه وسلم أن غطفان لما سمعوا بمنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم من خيبر خرجوا ليظاهروا يهود عليه فلما ساروا سمعوا خلفهم في أموالهم وأهليهم حسا ظنوا أن القوم قد خالفوا إليهم فرجعوا على أعقابهم فأقاموا في أهليهم وأموالهم وخلوا بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين خيبر، وروى ابن قانع والبغوي وأبو نعيم في العرفة عن سعيد بن شتيم عن أبيه " رض " أنه كان في جيش عيينة بن حصين في خيل غطفان لما جاء يمر خيبر قال فسمعنا صوتا في عسكر عيينة أيها الناس أهليكم خولفتم فيه قال فرجعوا لا يتناظرون فلم تر لذلك بنا وما تراه كان إلا من قبل السماء، وقيل كف الناس عنكم يعني بأهل مكة بالصلح ﴿ ولتكون ﴾ عطف على محذوفه لتكف أو نعجل أو لتأخذوا تقديره لتسلموا أو تغنموا لتكون أو علة لمحذوف تقديره وفعل ذلك لتكون الكفة أو الغنيمة ﴿ آية للمؤمنين ﴾ على صدقك فيما وعدتم من فتح مكة وغير ذلك ﴿ ويهديكم صراطا مستقيما ﴾ هو الثقة لفضل الله والتوكل عليه أو المعنى يثبتكم على الإسلام ويزيدكم بصيرة ويقينا.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:قصة غزوة خيبر إنه صلى الله عليه وسلم استخلف على المدينة سباع بن عرفطة كذا روى أحمد وابن خزيمة والحاكم عن أبي هريرة ولما تجهز النبي صلى الله عليه وسلم والناس شق على يهود المدينة ولم يبق أحد من يهود المدينة له على أحد المسلمين حق إلا لزمه، روى أحمد والطبراني عن أبي حدرد أنه كان لأبي شحم اليهودي عليه خمسة دراهم فلزمه فقال أجلني فإني أرجو أن أقدم عليك فأقضيك حقك قد وعد الله نبيه أن يغنم خيبر، فقال أبو شحم أتحسب أن قتال خيبر مثل قتال ما تلقون من الأعراب والتوراة فيها عشرة آلاف مقاتل وترافعا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عليه الصلاة والسلام أعطه حقه فخرجت فبعت ثوبي بثلاثة دراهم الحديث، ولما وصل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الصهاء وهي أدنى خيبر دعانا لا زواد فلم يؤت إلا السويق فترى فأكل وأكلنا معه ثم قام إلى المغرب فمضمض ثم صلى ولم يتوضأ رواه البخاري والبيهقي، قال محمد بن عمر ثم سار النبي صلى الله عليه وسلم حتى أتى إلى المنزلة التي وهي يسوق الخيبر صارت في سهم زيد بن ثابت فعرس رسول الله صلى الله عليه وسلم بها ساعة من الليل وكانت يهود لا يظنون قبل ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يغزوهم لمنعتهم وسلاحهم وعدوهم فلما أحسوا الخروج إلى النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يخرجون كل يوم عشرة آلاف مقاتل صفوفا ثم يقولون محمد تغيرونا هيهات وكان ذلك شأنهم، فلما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم بساحتهم لم يتحركوا تلك الليلة ولم يصحح لهم ديك حتى طلعت الشمس فأصبحوا وأفئدتهم تخفق وفتحوا حصونهم وفي الصحيحين سار رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى خيبر فأنتهي إليها ليلا وكان عليه السلام إذا طرق قوما لم يغتر عليهم حتى يصبح فإذا سمع أذانا أمسك وإذا لم يسمع غار حتى يصبح فصلنا الصبح عند خيبر بغلس فلم يسمع أذانا فلما أصبح ركب وركب المسلمون وخرج أهل القرية إلى مزارعهم بمكاتلهم ومساحيهم فلما رأوا رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا محمد والخميس فأدبروا هاربين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ورفع يديه " الله أكبر خربت خيبر إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساح صباح المنذرين " ١ وابتدأ بأهل نطاة وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم ووعظهم ونهاهم عن القتال حتى يأذن لهم فعمل رجل من أشجع على يهودي وحمل عليه اليهودي فقتله فقال الناس استشهد فلان فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ما نهيت من القتال قالوا نعم فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم مناديا في الناس " لا تحل الجنة لعاص " وروى الطبراني عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يومئذ " لا تتمنوا لقاء العدو واسئلوا الله العافية فإنكم لا تدرون ما تبتلون به فإذا لقيتم فقولو اللهم ربنا وربهم نواصينا ونواصيهم بيدك وإنما تقتلهم أنت ثم ألزموا الأرض جلوسا فإذا عشوكم فانهضوا وكبروا " الحديث، قال ابن إسحاق ومحمد بن عمرو بن سعيد فرق رسول الله صلى الله عليه وسلم الرايات وأذن للناس في قتال وحثهم على الصبر وأول حصن حاصره من النطاة ناعم وقاتل أشد القتال وقاتله أهل نطاة أشد القتال فلما أمسى تحول إلى الرجيع فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغدو على راياتهم حتى فتح الله الحصن عليهم، روى البيهقي وأبو نعيم ومحمد بن عمر أن المسلمين لما قدموا خيبر قدموا على ثمرة خضراء وهي ديئية وختمة فأكلوا منها فأخذهم الحمى فشكوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال فرسوا الماء في الشنان فإذا كان بين الأذانين يعني من الصبح فاحذروا الماء واذكروا إسم الله فكأنما نشطوا من العقل وبعد فتح ناعم حاصروا حصن الصعب بن معاذ، روى محمد بن عمرو عن أبي أيسر كعب بن عمر أنهم حاصروه ثلاثة أيام وكان حصنا منيعا، روى ابن إسحاق عن رجل من أسلم ومحمد بن عمر عن معتب الأسلمي قال أصابتنا معشر أسلم مجاعة حتى قدمنا خيبر وأقمنا عشرة أيام على حصن النطاة لا يفتح شيئا فيها طعام فأرسلوا أسماء بن حارثة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أن أسلم يقرأ عليك السلام ويقول أنا قد جهدنا من الجوع والضعف فادعوا الله لنا فقال رسول الله صلى عليه وسلم ما بيدي ما أقوتهم به قد علمت حالهم ثم قال :" اللهم فافتح عليهم الأعظم حصنا فيها أكثره ودكا " ودفع اللواء إلى حباب بن المنذر وندب الناس فما رجعنا حتى فتح الله حصن الصعب بن معاذ وما بخيبر حصن أكثر طعاما وودكا منه برز لحباب يوشع اليهودي فقتله حباب ثم برز له الزيال فبادره عمارة بن عقبة الغفاري فقال الناس بطل جهاده فقال عليه الصلاة والسلام ما بأس به يؤجر ويحمد، روى محمد بن عمرو عن جابر إنهم وجدوا في حصن الصعب من الطعام ما يكونوا يظنون من الشعير والتمر والسمن والعسل والزيت والودك ونادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم كلوا أو املقوا ولا تحملوا يعني لا تخرجوا به إلى بلادكم، روى البيهقي عن محمد بن عمرو قال لما تحولت اليهود من حصن الناعم وحصن الصعب بن معاذ إلى قلة الزبير يعني حصن الزبير بن العوام " رض " الذي صار في سهمه بعد وهو حصن على رأس قلة فأقام محاصرهم ثلاثة أيام فجاء اليهودي، يدعي غزال فقال يا أبا قاسم تؤمنني على أن أدلك على ما تستريح به من أهل ونخرج إلى الشق فإن أهل الشق قد أهلكوا رعبا منك فأمنه رسول الله صلى الله عليه وسلم على أهله وماله فقال اليهودي إنك لو أقمت شهرا ما بالوا لهم ذيول تحت الأرض يخرجون بالليل فيشربون منها ثم يرجعون إلى قلعتهم فيمنعون منك فإن قطعت عنهم شربهم أصحروا لك، فسار رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ذيولهم فقطعها فلما قطع عليهم مشاريهم خرجوا وقاتلوا أشد القتال وقتل من المسلمين يومئذ نفر وأصيب من اليهود ذلك اليوم عشرة واقتحم رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا اخرصون النطاة فلما فرغ من النطاة تحول إلى الشق وأول حصن بدأ به منها حصن على قلعة يقال لها سموان فقاتل عليها أهل الحصن قتالا شديدا، خرج رجل من اليهود يقال له غزول فقتله حباب بن المنذر فخرج رجل آخر من يهود فقتله أبو دجانة وأخذ درعه وسيفه جاء به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فنفله رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك، وأحجم اليهود عن البراز فكبر المسلمون ثم تحاملوا على الحصن فدخلوه يقدمهم أبو دجانة فوجدوا فيه أثاثا ومتاعا وغنما وطعاما فهرب من كان فيه من المقاتلة حتى صاروا إلى حصن النزل بالشق وجعل يأتي من بقي من خل النطاة إلى حصن النزال فغلقوه وامتنعوا فيه أشد الإمتناع ورجف رسول الله صلى الله عليه وسلم في أصحابه فقاتلهم وكانوا أشد أهل الشق رميا للمسلمين بالنبل والحجارة ورسول الله صلى الله عليه وسلم معهم حتى أصاب النبل ثياب النبي صلى الله عليه وسلم وعلقت به فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم النبل فجمعها ثم أخذ لهم كفا من حصى فحصب به حصنهم فرجف الحصن بهم ثم ساخ في الأرض حتى المسلمون فأخذوا أهله أخذا، ولما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم حصون النطاة والشق انهزم من سلم منهم إلى حصون الكتيبة وأعظم حصونها القموص وكان منيعا ذكر ابن أبي عقبة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حاصره قريبا من عشرين ليلة وكانت أرضا وخمة، روى الشيخان عن سهل بن سعد والبخاري وأبو نعيم عن سلمة بن الأكوع وأبو نعيم عن عمروا ابن عباس وسعد بن أبي وقاص الخدري وعمر بن حصين وجابر بن عبد الله ومسلم والبيهقي عن أبي هريرة وأحمد وأبو يعلى والبيهقي عن علي وأبو نعيم والبيهقي عن بريدة قال بريدة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأخذه الشقيقة فيمكث اليوم واليومين ولا يخرج فلما نزل خيبرا أخذته الشقيقة فلم يخرج إلى الناس فأرسل أبا بكر فأخذ راية رسول الله صلى الله عليه وسلم فقاتل قتالا شديدا ثم نهض فقاتل قتالا شديدا هو أشد من القتال الأول ثم رجع ولم يكن فتح وفي حديث على أن الغلبة كانت لليهود في اليومين فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك فقال " لأعطين الراية غدا رجلا يفتح الله عليه ليس بفرار يحب الله ورسوله ويأخذها عنوة " وقال بريدة.
فتباطينا نفسا أن يفتح غدا ويأت الناس ليلتهم أيهم يعطي فلما أصبح غدوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم كلهم يرجوا أن يعطيها تآلى أبو هريرة، قال عمر فما أحببت الإمارة قط حتى كان يومئذ فلما أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم الغداة، ثم دعا باللواء وقام قائما قال ابن شهاب فوعظ الناس ثم قال أين علي ؟ قالوا تشتكي عينه فأرسلوا إليه قال سلمة فجئت به أقوده، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم مالك ؟ قال رمدت حتى لا أبصر ما قدامي، قال أدن مني وفي حديث علي عند الحاكم فوضع رأسي في حجره ثم بزق في يده فدلك بها عيني قالوا فبرء كأن لم يكن به وجع قط فما وجعهما حتى مضى لسبيله ودعا له وأعطاه الراية، قال يا رسول الله أقاتلهم حتى يكونوا مثلنا قال نفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم ثم ادعهم إلى الإسلام وأخبرهم بما يجب عليه من حق الله وحق رسوله فوالله لأن يهدي الله بك فاطلع يهودي من رأس الحصن فقال من أنت ؟ قال علي، قال اليهودي غلبتم والذي أنزل التوراة على موسى فما رجع حتى فتح الله على يديه، روى محمد بن عمرو عن جابر قال أول من خرج من حصون خيبر مبارز الحارث أخو مرحب فقتله علي رضي الله عنه ورجع أصحاب الحارث إلى الحصن وبرز عامر وكان رجلا طويلا جسيما فقال النبي صلى الله عليه وسلم طلع عامر أترونه خمسة أذرع وهو يدعو إلى البراز فخرج إليه علي بن أبي طالب فقتله ثم برز ياسر " فبرز له علي بن أبي طالب فقال له الزبير بن العوام " أقسمت عليك إلا خلية بيني وبينه ففعل فقالت صفية لما خرج إليه الزبير قلت يا رسول الله يقتل ابني فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بل ابنك يقتله إن شاء الله تعالى فقتله الزبير فقال عليه السلام فداك عم وقال " لكل نبي حواري وحواري الزبير " ٢.
وفي حديث سلمة بن الأكوع خرج مرحب يرتجز فقتله علي، وروى أحمد عن علي قال لما قتلت مرحبا جئت برأسه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وروى البيهقي ومحمد بن عمر عن جابر بن عبد الله أن محمد بن سلمة قتل مرحبا والصحيح ما في صحيح مسلم أن عليا قاتله وروى ابن إسحاق عن أبي رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال خرجنا مع علي حين بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما دنى من الحصن خرج إليه أهله فقاتلهم فقربه رجل من يهود فطرح ترسه من يده فتناول علي باب كان عند الحصن فترس به من نفسه فلم يزل بيده وهو يقاتل حتى فتح الله ثم ألقاه من يده حين فرغ فلقد رأيتني في نفر سبعة أنا ثامنهم نجهد على أن نقلب ذلك الباب فلم نقلبه.
وروى البيهقي من طريقين عن المطلب بن زياد عن ليث بن سليم عن أبي جعفر محمد ابن علي عن آبائه قال حدثني جابر بن عبد الله أن عليا حمل الباب يوم خيبر حتى صعد عليه المسلمون فاقتحموها وأنه جرب ذلك فلم يحمله أربعون رجل ورجاله ثقات إلا ليث بن سليم هو ضعيف قال البيهقي وروي من وجه آخر ضعيف عن جابر قال اجتمع عليه سبعون رجلا وكان جهدهم أن أعادوا الباب، وقال الصالحي قال ورواه الحاكم والله أعلم وأصاب من الغموض حصن إلى الحقيق سبايا منهم صفية بنت حيي بن أخطب جاء بلاب بها وبأخرى معها فمر بهما على قتلى يهود فلما رأتهم التي مع صفية صاحت وصكت وجهها وحثت التراب على رأسها فلما رآها ر

﴿ وأخرى ﴾ منصوب عطفا على مغانم كثيرة يعني أوعدكم مغانم أخرى أو عطفا على هذه يعني عجل لكم مغانم أخرى بعد هذا أو بفعل محذوف يفسره قد أحاط الله بها يعني قضى لكم مغانم أخرى وعلى التقادير كلها قوله تعالى ﴿ لم تقدروا عليها ﴾ صفة أخرى وجاز أن يكون أخرى مرفوعا على الابتداء ولم تقدروا عليها صفة له وقوله تعالى ﴿ قد أحاط الله بها ﴾ خبر المبتدأ أو يكون لم تقدروا عليها خبر المبتدأ وقد أحاط الله حال من الضمير في عليها والمراد بمغانم فارس والروم وما كانت العرب تقدر على قتال فارس والروم وكان قولا لهم حتى قدروا عليها بالإسلام كذا قال ابن عباس والحسن والمقاتل وقال قتادة هي مكة وقال عكرمة حنين، وقال مجاهد كل ما فتح الله بعد ذلك وقد أحاط الله بها أي استولى فأظفركم أو أحاط الله بها علما أن يفتحها لكم ﴿ وكان الله على كل شيء قديرا ﴾، وإن لم تقدروا عليها
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:قصة غزوة خيبر إنه صلى الله عليه وسلم استخلف على المدينة سباع بن عرفطة كذا روى أحمد وابن خزيمة والحاكم عن أبي هريرة ولما تجهز النبي صلى الله عليه وسلم والناس شق على يهود المدينة ولم يبق أحد من يهود المدينة له على أحد المسلمين حق إلا لزمه، روى أحمد والطبراني عن أبي حدرد أنه كان لأبي شحم اليهودي عليه خمسة دراهم فلزمه فقال أجلني فإني أرجو أن أقدم عليك فأقضيك حقك قد وعد الله نبيه أن يغنم خيبر، فقال أبو شحم أتحسب أن قتال خيبر مثل قتال ما تلقون من الأعراب والتوراة فيها عشرة آلاف مقاتل وترافعا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عليه الصلاة والسلام أعطه حقه فخرجت فبعت ثوبي بثلاثة دراهم الحديث، ولما وصل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الصهاء وهي أدنى خيبر دعانا لا زواد فلم يؤت إلا السويق فترى فأكل وأكلنا معه ثم قام إلى المغرب فمضمض ثم صلى ولم يتوضأ رواه البخاري والبيهقي، قال محمد بن عمر ثم سار النبي صلى الله عليه وسلم حتى أتى إلى المنزلة التي وهي يسوق الخيبر صارت في سهم زيد بن ثابت فعرس رسول الله صلى الله عليه وسلم بها ساعة من الليل وكانت يهود لا يظنون قبل ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يغزوهم لمنعتهم وسلاحهم وعدوهم فلما أحسوا الخروج إلى النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يخرجون كل يوم عشرة آلاف مقاتل صفوفا ثم يقولون محمد تغيرونا هيهات وكان ذلك شأنهم، فلما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم بساحتهم لم يتحركوا تلك الليلة ولم يصحح لهم ديك حتى طلعت الشمس فأصبحوا وأفئدتهم تخفق وفتحوا حصونهم وفي الصحيحين سار رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى خيبر فأنتهي إليها ليلا وكان عليه السلام إذا طرق قوما لم يغتر عليهم حتى يصبح فإذا سمع أذانا أمسك وإذا لم يسمع غار حتى يصبح فصلنا الصبح عند خيبر بغلس فلم يسمع أذانا فلما أصبح ركب وركب المسلمون وخرج أهل القرية إلى مزارعهم بمكاتلهم ومساحيهم فلما رأوا رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا محمد والخميس فأدبروا هاربين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ورفع يديه " الله أكبر خربت خيبر إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساح صباح المنذرين " ١ وابتدأ بأهل نطاة وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم ووعظهم ونهاهم عن القتال حتى يأذن لهم فعمل رجل من أشجع على يهودي وحمل عليه اليهودي فقتله فقال الناس استشهد فلان فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ما نهيت من القتال قالوا نعم فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم مناديا في الناس " لا تحل الجنة لعاص " وروى الطبراني عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يومئذ " لا تتمنوا لقاء العدو واسئلوا الله العافية فإنكم لا تدرون ما تبتلون به فإذا لقيتم فقولو اللهم ربنا وربهم نواصينا ونواصيهم بيدك وإنما تقتلهم أنت ثم ألزموا الأرض جلوسا فإذا عشوكم فانهضوا وكبروا " الحديث، قال ابن إسحاق ومحمد بن عمرو بن سعيد فرق رسول الله صلى الله عليه وسلم الرايات وأذن للناس في قتال وحثهم على الصبر وأول حصن حاصره من النطاة ناعم وقاتل أشد القتال وقاتله أهل نطاة أشد القتال فلما أمسى تحول إلى الرجيع فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغدو على راياتهم حتى فتح الله الحصن عليهم، روى البيهقي وأبو نعيم ومحمد بن عمر أن المسلمين لما قدموا خيبر قدموا على ثمرة خضراء وهي ديئية وختمة فأكلوا منها فأخذهم الحمى فشكوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال فرسوا الماء في الشنان فإذا كان بين الأذانين يعني من الصبح فاحذروا الماء واذكروا إسم الله فكأنما نشطوا من العقل وبعد فتح ناعم حاصروا حصن الصعب بن معاذ، روى محمد بن عمرو عن أبي أيسر كعب بن عمر أنهم حاصروه ثلاثة أيام وكان حصنا منيعا، روى ابن إسحاق عن رجل من أسلم ومحمد بن عمر عن معتب الأسلمي قال أصابتنا معشر أسلم مجاعة حتى قدمنا خيبر وأقمنا عشرة أيام على حصن النطاة لا يفتح شيئا فيها طعام فأرسلوا أسماء بن حارثة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أن أسلم يقرأ عليك السلام ويقول أنا قد جهدنا من الجوع والضعف فادعوا الله لنا فقال رسول الله صلى عليه وسلم ما بيدي ما أقوتهم به قد علمت حالهم ثم قال :" اللهم فافتح عليهم الأعظم حصنا فيها أكثره ودكا " ودفع اللواء إلى حباب بن المنذر وندب الناس فما رجعنا حتى فتح الله حصن الصعب بن معاذ وما بخيبر حصن أكثر طعاما وودكا منه برز لحباب يوشع اليهودي فقتله حباب ثم برز له الزيال فبادره عمارة بن عقبة الغفاري فقال الناس بطل جهاده فقال عليه الصلاة والسلام ما بأس به يؤجر ويحمد، روى محمد بن عمرو عن جابر إنهم وجدوا في حصن الصعب من الطعام ما يكونوا يظنون من الشعير والتمر والسمن والعسل والزيت والودك ونادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم كلوا أو املقوا ولا تحملوا يعني لا تخرجوا به إلى بلادكم، روى البيهقي عن محمد بن عمرو قال لما تحولت اليهود من حصن الناعم وحصن الصعب بن معاذ إلى قلة الزبير يعني حصن الزبير بن العوام " رض " الذي صار في سهمه بعد وهو حصن على رأس قلة فأقام محاصرهم ثلاثة أيام فجاء اليهودي، يدعي غزال فقال يا أبا قاسم تؤمنني على أن أدلك على ما تستريح به من أهل ونخرج إلى الشق فإن أهل الشق قد أهلكوا رعبا منك فأمنه رسول الله صلى الله عليه وسلم على أهله وماله فقال اليهودي إنك لو أقمت شهرا ما بالوا لهم ذيول تحت الأرض يخرجون بالليل فيشربون منها ثم يرجعون إلى قلعتهم فيمنعون منك فإن قطعت عنهم شربهم أصحروا لك، فسار رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ذيولهم فقطعها فلما قطع عليهم مشاريهم خرجوا وقاتلوا أشد القتال وقتل من المسلمين يومئذ نفر وأصيب من اليهود ذلك اليوم عشرة واقتحم رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا اخرصون النطاة فلما فرغ من النطاة تحول إلى الشق وأول حصن بدأ به منها حصن على قلعة يقال لها سموان فقاتل عليها أهل الحصن قتالا شديدا، خرج رجل من اليهود يقال له غزول فقتله حباب بن المنذر فخرج رجل آخر من يهود فقتله أبو دجانة وأخذ درعه وسيفه جاء به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فنفله رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك، وأحجم اليهود عن البراز فكبر المسلمون ثم تحاملوا على الحصن فدخلوه يقدمهم أبو دجانة فوجدوا فيه أثاثا ومتاعا وغنما وطعاما فهرب من كان فيه من المقاتلة حتى صاروا إلى حصن النزل بالشق وجعل يأتي من بقي من خل النطاة إلى حصن النزال فغلقوه وامتنعوا فيه أشد الإمتناع ورجف رسول الله صلى الله عليه وسلم في أصحابه فقاتلهم وكانوا أشد أهل الشق رميا للمسلمين بالنبل والحجارة ورسول الله صلى الله عليه وسلم معهم حتى أصاب النبل ثياب النبي صلى الله عليه وسلم وعلقت به فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم النبل فجمعها ثم أخذ لهم كفا من حصى فحصب به حصنهم فرجف الحصن بهم ثم ساخ في الأرض حتى المسلمون فأخذوا أهله أخذا، ولما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم حصون النطاة والشق انهزم من سلم منهم إلى حصون الكتيبة وأعظم حصونها القموص وكان منيعا ذكر ابن أبي عقبة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حاصره قريبا من عشرين ليلة وكانت أرضا وخمة، روى الشيخان عن سهل بن سعد والبخاري وأبو نعيم عن سلمة بن الأكوع وأبو نعيم عن عمروا ابن عباس وسعد بن أبي وقاص الخدري وعمر بن حصين وجابر بن عبد الله ومسلم والبيهقي عن أبي هريرة وأحمد وأبو يعلى والبيهقي عن علي وأبو نعيم والبيهقي عن بريدة قال بريدة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأخذه الشقيقة فيمكث اليوم واليومين ولا يخرج فلما نزل خيبرا أخذته الشقيقة فلم يخرج إلى الناس فأرسل أبا بكر فأخذ راية رسول الله صلى الله عليه وسلم فقاتل قتالا شديدا ثم نهض فقاتل قتالا شديدا هو أشد من القتال الأول ثم رجع ولم يكن فتح وفي حديث على أن الغلبة كانت لليهود في اليومين فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك فقال " لأعطين الراية غدا رجلا يفتح الله عليه ليس بفرار يحب الله ورسوله ويأخذها عنوة " وقال بريدة.
فتباطينا نفسا أن يفتح غدا ويأت الناس ليلتهم أيهم يعطي فلما أصبح غدوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم كلهم يرجوا أن يعطيها تآلى أبو هريرة، قال عمر فما أحببت الإمارة قط حتى كان يومئذ فلما أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم الغداة، ثم دعا باللواء وقام قائما قال ابن شهاب فوعظ الناس ثم قال أين علي ؟ قالوا تشتكي عينه فأرسلوا إليه قال سلمة فجئت به أقوده، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم مالك ؟ قال رمدت حتى لا أبصر ما قدامي، قال أدن مني وفي حديث علي عند الحاكم فوضع رأسي في حجره ثم بزق في يده فدلك بها عيني قالوا فبرء كأن لم يكن به وجع قط فما وجعهما حتى مضى لسبيله ودعا له وأعطاه الراية، قال يا رسول الله أقاتلهم حتى يكونوا مثلنا قال نفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم ثم ادعهم إلى الإسلام وأخبرهم بما يجب عليه من حق الله وحق رسوله فوالله لأن يهدي الله بك فاطلع يهودي من رأس الحصن فقال من أنت ؟ قال علي، قال اليهودي غلبتم والذي أنزل التوراة على موسى فما رجع حتى فتح الله على يديه، روى محمد بن عمرو عن جابر قال أول من خرج من حصون خيبر مبارز الحارث أخو مرحب فقتله علي رضي الله عنه ورجع أصحاب الحارث إلى الحصن وبرز عامر وكان رجلا طويلا جسيما فقال النبي صلى الله عليه وسلم طلع عامر أترونه خمسة أذرع وهو يدعو إلى البراز فخرج إليه علي بن أبي طالب فقتله ثم برز ياسر " فبرز له علي بن أبي طالب فقال له الزبير بن العوام " أقسمت عليك إلا خلية بيني وبينه ففعل فقالت صفية لما خرج إليه الزبير قلت يا رسول الله يقتل ابني فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بل ابنك يقتله إن شاء الله تعالى فقتله الزبير فقال عليه السلام فداك عم وقال " لكل نبي حواري وحواري الزبير " ٢.
وفي حديث سلمة بن الأكوع خرج مرحب يرتجز فقتله علي، وروى أحمد عن علي قال لما قتلت مرحبا جئت برأسه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وروى البيهقي ومحمد بن عمر عن جابر بن عبد الله أن محمد بن سلمة قتل مرحبا والصحيح ما في صحيح مسلم أن عليا قاتله وروى ابن إسحاق عن أبي رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال خرجنا مع علي حين بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما دنى من الحصن خرج إليه أهله فقاتلهم فقربه رجل من يهود فطرح ترسه من يده فتناول علي باب كان عند الحصن فترس به من نفسه فلم يزل بيده وهو يقاتل حتى فتح الله ثم ألقاه من يده حين فرغ فلقد رأيتني في نفر سبعة أنا ثامنهم نجهد على أن نقلب ذلك الباب فلم نقلبه.
وروى البيهقي من طريقين عن المطلب بن زياد عن ليث بن سليم عن أبي جعفر محمد ابن علي عن آبائه قال حدثني جابر بن عبد الله أن عليا حمل الباب يوم خيبر حتى صعد عليه المسلمون فاقتحموها وأنه جرب ذلك فلم يحمله أربعون رجل ورجاله ثقات إلا ليث بن سليم هو ضعيف قال البيهقي وروي من وجه آخر ضعيف عن جابر قال اجتمع عليه سبعون رجلا وكان جهدهم أن أعادوا الباب، وقال الصالحي قال ورواه الحاكم والله أعلم وأصاب من الغموض حصن إلى الحقيق سبايا منهم صفية بنت حيي بن أخطب جاء بلاب بها وبأخرى معها فمر بهما على قتلى يهود فلما رأتهم التي مع صفية صاحت وصكت وجهها وحثت التراب على رأسها فلما رآها ر

﴿ ولو قاتلكم الذين كفروا ﴾ من أهل مكة ولم يصالحوا ﴿ لولوا الأدبار ثم لا يجدون وليا ولا نصيرا { ٢٢ ﴾ } ينصرهم
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:قصة غزوة خيبر إنه صلى الله عليه وسلم استخلف على المدينة سباع بن عرفطة كذا روى أحمد وابن خزيمة والحاكم عن أبي هريرة ولما تجهز النبي صلى الله عليه وسلم والناس شق على يهود المدينة ولم يبق أحد من يهود المدينة له على أحد المسلمين حق إلا لزمه، روى أحمد والطبراني عن أبي حدرد أنه كان لأبي شحم اليهودي عليه خمسة دراهم فلزمه فقال أجلني فإني أرجو أن أقدم عليك فأقضيك حقك قد وعد الله نبيه أن يغنم خيبر، فقال أبو شحم أتحسب أن قتال خيبر مثل قتال ما تلقون من الأعراب والتوراة فيها عشرة آلاف مقاتل وترافعا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عليه الصلاة والسلام أعطه حقه فخرجت فبعت ثوبي بثلاثة دراهم الحديث، ولما وصل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الصهاء وهي أدنى خيبر دعانا لا زواد فلم يؤت إلا السويق فترى فأكل وأكلنا معه ثم قام إلى المغرب فمضمض ثم صلى ولم يتوضأ رواه البخاري والبيهقي، قال محمد بن عمر ثم سار النبي صلى الله عليه وسلم حتى أتى إلى المنزلة التي وهي يسوق الخيبر صارت في سهم زيد بن ثابت فعرس رسول الله صلى الله عليه وسلم بها ساعة من الليل وكانت يهود لا يظنون قبل ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يغزوهم لمنعتهم وسلاحهم وعدوهم فلما أحسوا الخروج إلى النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يخرجون كل يوم عشرة آلاف مقاتل صفوفا ثم يقولون محمد تغيرونا هيهات وكان ذلك شأنهم، فلما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم بساحتهم لم يتحركوا تلك الليلة ولم يصحح لهم ديك حتى طلعت الشمس فأصبحوا وأفئدتهم تخفق وفتحوا حصونهم وفي الصحيحين سار رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى خيبر فأنتهي إليها ليلا وكان عليه السلام إذا طرق قوما لم يغتر عليهم حتى يصبح فإذا سمع أذانا أمسك وإذا لم يسمع غار حتى يصبح فصلنا الصبح عند خيبر بغلس فلم يسمع أذانا فلما أصبح ركب وركب المسلمون وخرج أهل القرية إلى مزارعهم بمكاتلهم ومساحيهم فلما رأوا رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا محمد والخميس فأدبروا هاربين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ورفع يديه " الله أكبر خربت خيبر إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساح صباح المنذرين " ١ وابتدأ بأهل نطاة وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم ووعظهم ونهاهم عن القتال حتى يأذن لهم فعمل رجل من أشجع على يهودي وحمل عليه اليهودي فقتله فقال الناس استشهد فلان فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ما نهيت من القتال قالوا نعم فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم مناديا في الناس " لا تحل الجنة لعاص " وروى الطبراني عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يومئذ " لا تتمنوا لقاء العدو واسئلوا الله العافية فإنكم لا تدرون ما تبتلون به فإذا لقيتم فقولو اللهم ربنا وربهم نواصينا ونواصيهم بيدك وإنما تقتلهم أنت ثم ألزموا الأرض جلوسا فإذا عشوكم فانهضوا وكبروا " الحديث، قال ابن إسحاق ومحمد بن عمرو بن سعيد فرق رسول الله صلى الله عليه وسلم الرايات وأذن للناس في قتال وحثهم على الصبر وأول حصن حاصره من النطاة ناعم وقاتل أشد القتال وقاتله أهل نطاة أشد القتال فلما أمسى تحول إلى الرجيع فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغدو على راياتهم حتى فتح الله الحصن عليهم، روى البيهقي وأبو نعيم ومحمد بن عمر أن المسلمين لما قدموا خيبر قدموا على ثمرة خضراء وهي ديئية وختمة فأكلوا منها فأخذهم الحمى فشكوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال فرسوا الماء في الشنان فإذا كان بين الأذانين يعني من الصبح فاحذروا الماء واذكروا إسم الله فكأنما نشطوا من العقل وبعد فتح ناعم حاصروا حصن الصعب بن معاذ، روى محمد بن عمرو عن أبي أيسر كعب بن عمر أنهم حاصروه ثلاثة أيام وكان حصنا منيعا، روى ابن إسحاق عن رجل من أسلم ومحمد بن عمر عن معتب الأسلمي قال أصابتنا معشر أسلم مجاعة حتى قدمنا خيبر وأقمنا عشرة أيام على حصن النطاة لا يفتح شيئا فيها طعام فأرسلوا أسماء بن حارثة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أن أسلم يقرأ عليك السلام ويقول أنا قد جهدنا من الجوع والضعف فادعوا الله لنا فقال رسول الله صلى عليه وسلم ما بيدي ما أقوتهم به قد علمت حالهم ثم قال :" اللهم فافتح عليهم الأعظم حصنا فيها أكثره ودكا " ودفع اللواء إلى حباب بن المنذر وندب الناس فما رجعنا حتى فتح الله حصن الصعب بن معاذ وما بخيبر حصن أكثر طعاما وودكا منه برز لحباب يوشع اليهودي فقتله حباب ثم برز له الزيال فبادره عمارة بن عقبة الغفاري فقال الناس بطل جهاده فقال عليه الصلاة والسلام ما بأس به يؤجر ويحمد، روى محمد بن عمرو عن جابر إنهم وجدوا في حصن الصعب من الطعام ما يكونوا يظنون من الشعير والتمر والسمن والعسل والزيت والودك ونادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم كلوا أو املقوا ولا تحملوا يعني لا تخرجوا به إلى بلادكم، روى البيهقي عن محمد بن عمرو قال لما تحولت اليهود من حصن الناعم وحصن الصعب بن معاذ إلى قلة الزبير يعني حصن الزبير بن العوام " رض " الذي صار في سهمه بعد وهو حصن على رأس قلة فأقام محاصرهم ثلاثة أيام فجاء اليهودي، يدعي غزال فقال يا أبا قاسم تؤمنني على أن أدلك على ما تستريح به من أهل ونخرج إلى الشق فإن أهل الشق قد أهلكوا رعبا منك فأمنه رسول الله صلى الله عليه وسلم على أهله وماله فقال اليهودي إنك لو أقمت شهرا ما بالوا لهم ذيول تحت الأرض يخرجون بالليل فيشربون منها ثم يرجعون إلى قلعتهم فيمنعون منك فإن قطعت عنهم شربهم أصحروا لك، فسار رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ذيولهم فقطعها فلما قطع عليهم مشاريهم خرجوا وقاتلوا أشد القتال وقتل من المسلمين يومئذ نفر وأصيب من اليهود ذلك اليوم عشرة واقتحم رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا اخرصون النطاة فلما فرغ من النطاة تحول إلى الشق وأول حصن بدأ به منها حصن على قلعة يقال لها سموان فقاتل عليها أهل الحصن قتالا شديدا، خرج رجل من اليهود يقال له غزول فقتله حباب بن المنذر فخرج رجل آخر من يهود فقتله أبو دجانة وأخذ درعه وسيفه جاء به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فنفله رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك، وأحجم اليهود عن البراز فكبر المسلمون ثم تحاملوا على الحصن فدخلوه يقدمهم أبو دجانة فوجدوا فيه أثاثا ومتاعا وغنما وطعاما فهرب من كان فيه من المقاتلة حتى صاروا إلى حصن النزل بالشق وجعل يأتي من بقي من خل النطاة إلى حصن النزال فغلقوه وامتنعوا فيه أشد الإمتناع ورجف رسول الله صلى الله عليه وسلم في أصحابه فقاتلهم وكانوا أشد أهل الشق رميا للمسلمين بالنبل والحجارة ورسول الله صلى الله عليه وسلم معهم حتى أصاب النبل ثياب النبي صلى الله عليه وسلم وعلقت به فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم النبل فجمعها ثم أخذ لهم كفا من حصى فحصب به حصنهم فرجف الحصن بهم ثم ساخ في الأرض حتى المسلمون فأخذوا أهله أخذا، ولما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم حصون النطاة والشق انهزم من سلم منهم إلى حصون الكتيبة وأعظم حصونها القموص وكان منيعا ذكر ابن أبي عقبة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حاصره قريبا من عشرين ليلة وكانت أرضا وخمة، روى الشيخان عن سهل بن سعد والبخاري وأبو نعيم عن سلمة بن الأكوع وأبو نعيم عن عمروا ابن عباس وسعد بن أبي وقاص الخدري وعمر بن حصين وجابر بن عبد الله ومسلم والبيهقي عن أبي هريرة وأحمد وأبو يعلى والبيهقي عن علي وأبو نعيم والبيهقي عن بريدة قال بريدة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأخذه الشقيقة فيمكث اليوم واليومين ولا يخرج فلما نزل خيبرا أخذته الشقيقة فلم يخرج إلى الناس فأرسل أبا بكر فأخذ راية رسول الله صلى الله عليه وسلم فقاتل قتالا شديدا ثم نهض فقاتل قتالا شديدا هو أشد من القتال الأول ثم رجع ولم يكن فتح وفي حديث على أن الغلبة كانت لليهود في اليومين فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك فقال " لأعطين الراية غدا رجلا يفتح الله عليه ليس بفرار يحب الله ورسوله ويأخذها عنوة " وقال بريدة.
فتباطينا نفسا أن يفتح غدا ويأت الناس ليلتهم أيهم يعطي فلما أصبح غدوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم كلهم يرجوا أن يعطيها تآلى أبو هريرة، قال عمر فما أحببت الإمارة قط حتى كان يومئذ فلما أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم الغداة، ثم دعا باللواء وقام قائما قال ابن شهاب فوعظ الناس ثم قال أين علي ؟ قالوا تشتكي عينه فأرسلوا إليه قال سلمة فجئت به أقوده، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم مالك ؟ قال رمدت حتى لا أبصر ما قدامي، قال أدن مني وفي حديث علي عند الحاكم فوضع رأسي في حجره ثم بزق في يده فدلك بها عيني قالوا فبرء كأن لم يكن به وجع قط فما وجعهما حتى مضى لسبيله ودعا له وأعطاه الراية، قال يا رسول الله أقاتلهم حتى يكونوا مثلنا قال نفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم ثم ادعهم إلى الإسلام وأخبرهم بما يجب عليه من حق الله وحق رسوله فوالله لأن يهدي الله بك فاطلع يهودي من رأس الحصن فقال من أنت ؟ قال علي، قال اليهودي غلبتم والذي أنزل التوراة على موسى فما رجع حتى فتح الله على يديه، روى محمد بن عمرو عن جابر قال أول من خرج من حصون خيبر مبارز الحارث أخو مرحب فقتله علي رضي الله عنه ورجع أصحاب الحارث إلى الحصن وبرز عامر وكان رجلا طويلا جسيما فقال النبي صلى الله عليه وسلم طلع عامر أترونه خمسة أذرع وهو يدعو إلى البراز فخرج إليه علي بن أبي طالب فقتله ثم برز ياسر " فبرز له علي بن أبي طالب فقال له الزبير بن العوام " أقسمت عليك إلا خلية بيني وبينه ففعل فقالت صفية لما خرج إليه الزبير قلت يا رسول الله يقتل ابني فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بل ابنك يقتله إن شاء الله تعالى فقتله الزبير فقال عليه السلام فداك عم وقال " لكل نبي حواري وحواري الزبير " ٢.
وفي حديث سلمة بن الأكوع خرج مرحب يرتجز فقتله علي، وروى أحمد عن علي قال لما قتلت مرحبا جئت برأسه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وروى البيهقي ومحمد بن عمر عن جابر بن عبد الله أن محمد بن سلمة قتل مرحبا والصحيح ما في صحيح مسلم أن عليا قاتله وروى ابن إسحاق عن أبي رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال خرجنا مع علي حين بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما دنى من الحصن خرج إليه أهله فقاتلهم فقربه رجل من يهود فطرح ترسه من يده فتناول علي باب كان عند الحصن فترس به من نفسه فلم يزل بيده وهو يقاتل حتى فتح الله ثم ألقاه من يده حين فرغ فلقد رأيتني في نفر سبعة أنا ثامنهم نجهد على أن نقلب ذلك الباب فلم نقلبه.
وروى البيهقي من طريقين عن المطلب بن زياد عن ليث بن سليم عن أبي جعفر محمد ابن علي عن آبائه قال حدثني جابر بن عبد الله أن عليا حمل الباب يوم خيبر حتى صعد عليه المسلمون فاقتحموها وأنه جرب ذلك فلم يحمله أربعون رجل ورجاله ثقات إلا ليث بن سليم هو ضعيف قال البيهقي وروي من وجه آخر ضعيف عن جابر قال اجتمع عليه سبعون رجلا وكان جهدهم أن أعادوا الباب، وقال الصالحي قال ورواه الحاكم والله أعلم وأصاب من الغموض حصن إلى الحقيق سبايا منهم صفية بنت حيي بن أخطب جاء بلاب بها وبأخرى معها فمر بهما على قتلى يهود فلما رأتهم التي مع صفية صاحت وصكت وجهها وحثت التراب على رأسها فلما رآها ر

﴿ سنة الله ﴾ منصور على المصدرية يعني سن الله سنة غلبة أوليائه وأنبيائه على أعدائه قال الله تعالى :﴿ لأغلبن أنا ورسلي ﴾١ وقال ﴿ إن حزب الله هم المفلحون ﴾ ﴿ فإن حزب الله هم الغالبون ﴾٢ ﴿ التي قد خلت ﴾ أي مضت تلك السنة قديما في الأمم السابقة ﴿ من قبل ﴾ هذا ﴿ ولن تجد لسنة الله تبديلا ﴾ تغيرا.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:قصة غزوة خيبر إنه صلى الله عليه وسلم استخلف على المدينة سباع بن عرفطة كذا روى أحمد وابن خزيمة والحاكم عن أبي هريرة ولما تجهز النبي صلى الله عليه وسلم والناس شق على يهود المدينة ولم يبق أحد من يهود المدينة له على أحد المسلمين حق إلا لزمه، روى أحمد والطبراني عن أبي حدرد أنه كان لأبي شحم اليهودي عليه خمسة دراهم فلزمه فقال أجلني فإني أرجو أن أقدم عليك فأقضيك حقك قد وعد الله نبيه أن يغنم خيبر، فقال أبو شحم أتحسب أن قتال خيبر مثل قتال ما تلقون من الأعراب والتوراة فيها عشرة آلاف مقاتل وترافعا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عليه الصلاة والسلام أعطه حقه فخرجت فبعت ثوبي بثلاثة دراهم الحديث، ولما وصل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الصهاء وهي أدنى خيبر دعانا لا زواد فلم يؤت إلا السويق فترى فأكل وأكلنا معه ثم قام إلى المغرب فمضمض ثم صلى ولم يتوضأ رواه البخاري والبيهقي، قال محمد بن عمر ثم سار النبي صلى الله عليه وسلم حتى أتى إلى المنزلة التي وهي يسوق الخيبر صارت في سهم زيد بن ثابت فعرس رسول الله صلى الله عليه وسلم بها ساعة من الليل وكانت يهود لا يظنون قبل ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يغزوهم لمنعتهم وسلاحهم وعدوهم فلما أحسوا الخروج إلى النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يخرجون كل يوم عشرة آلاف مقاتل صفوفا ثم يقولون محمد تغيرونا هيهات وكان ذلك شأنهم، فلما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم بساحتهم لم يتحركوا تلك الليلة ولم يصحح لهم ديك حتى طلعت الشمس فأصبحوا وأفئدتهم تخفق وفتحوا حصونهم وفي الصحيحين سار رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى خيبر فأنتهي إليها ليلا وكان عليه السلام إذا طرق قوما لم يغتر عليهم حتى يصبح فإذا سمع أذانا أمسك وإذا لم يسمع غار حتى يصبح فصلنا الصبح عند خيبر بغلس فلم يسمع أذانا فلما أصبح ركب وركب المسلمون وخرج أهل القرية إلى مزارعهم بمكاتلهم ومساحيهم فلما رأوا رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا محمد والخميس فأدبروا هاربين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ورفع يديه " الله أكبر خربت خيبر إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساح صباح المنذرين " ١ وابتدأ بأهل نطاة وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم ووعظهم ونهاهم عن القتال حتى يأذن لهم فعمل رجل من أشجع على يهودي وحمل عليه اليهودي فقتله فقال الناس استشهد فلان فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ما نهيت من القتال قالوا نعم فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم مناديا في الناس " لا تحل الجنة لعاص " وروى الطبراني عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يومئذ " لا تتمنوا لقاء العدو واسئلوا الله العافية فإنكم لا تدرون ما تبتلون به فإذا لقيتم فقولو اللهم ربنا وربهم نواصينا ونواصيهم بيدك وإنما تقتلهم أنت ثم ألزموا الأرض جلوسا فإذا عشوكم فانهضوا وكبروا " الحديث، قال ابن إسحاق ومحمد بن عمرو بن سعيد فرق رسول الله صلى الله عليه وسلم الرايات وأذن للناس في قتال وحثهم على الصبر وأول حصن حاصره من النطاة ناعم وقاتل أشد القتال وقاتله أهل نطاة أشد القتال فلما أمسى تحول إلى الرجيع فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغدو على راياتهم حتى فتح الله الحصن عليهم، روى البيهقي وأبو نعيم ومحمد بن عمر أن المسلمين لما قدموا خيبر قدموا على ثمرة خضراء وهي ديئية وختمة فأكلوا منها فأخذهم الحمى فشكوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال فرسوا الماء في الشنان فإذا كان بين الأذانين يعني من الصبح فاحذروا الماء واذكروا إسم الله فكأنما نشطوا من العقل وبعد فتح ناعم حاصروا حصن الصعب بن معاذ، روى محمد بن عمرو عن أبي أيسر كعب بن عمر أنهم حاصروه ثلاثة أيام وكان حصنا منيعا، روى ابن إسحاق عن رجل من أسلم ومحمد بن عمر عن معتب الأسلمي قال أصابتنا معشر أسلم مجاعة حتى قدمنا خيبر وأقمنا عشرة أيام على حصن النطاة لا يفتح شيئا فيها طعام فأرسلوا أسماء بن حارثة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أن أسلم يقرأ عليك السلام ويقول أنا قد جهدنا من الجوع والضعف فادعوا الله لنا فقال رسول الله صلى عليه وسلم ما بيدي ما أقوتهم به قد علمت حالهم ثم قال :" اللهم فافتح عليهم الأعظم حصنا فيها أكثره ودكا " ودفع اللواء إلى حباب بن المنذر وندب الناس فما رجعنا حتى فتح الله حصن الصعب بن معاذ وما بخيبر حصن أكثر طعاما وودكا منه برز لحباب يوشع اليهودي فقتله حباب ثم برز له الزيال فبادره عمارة بن عقبة الغفاري فقال الناس بطل جهاده فقال عليه الصلاة والسلام ما بأس به يؤجر ويحمد، روى محمد بن عمرو عن جابر إنهم وجدوا في حصن الصعب من الطعام ما يكونوا يظنون من الشعير والتمر والسمن والعسل والزيت والودك ونادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم كلوا أو املقوا ولا تحملوا يعني لا تخرجوا به إلى بلادكم، روى البيهقي عن محمد بن عمرو قال لما تحولت اليهود من حصن الناعم وحصن الصعب بن معاذ إلى قلة الزبير يعني حصن الزبير بن العوام " رض " الذي صار في سهمه بعد وهو حصن على رأس قلة فأقام محاصرهم ثلاثة أيام فجاء اليهودي، يدعي غزال فقال يا أبا قاسم تؤمنني على أن أدلك على ما تستريح به من أهل ونخرج إلى الشق فإن أهل الشق قد أهلكوا رعبا منك فأمنه رسول الله صلى الله عليه وسلم على أهله وماله فقال اليهودي إنك لو أقمت شهرا ما بالوا لهم ذيول تحت الأرض يخرجون بالليل فيشربون منها ثم يرجعون إلى قلعتهم فيمنعون منك فإن قطعت عنهم شربهم أصحروا لك، فسار رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ذيولهم فقطعها فلما قطع عليهم مشاريهم خرجوا وقاتلوا أشد القتال وقتل من المسلمين يومئذ نفر وأصيب من اليهود ذلك اليوم عشرة واقتحم رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا اخرصون النطاة فلما فرغ من النطاة تحول إلى الشق وأول حصن بدأ به منها حصن على قلعة يقال لها سموان فقاتل عليها أهل الحصن قتالا شديدا، خرج رجل من اليهود يقال له غزول فقتله حباب بن المنذر فخرج رجل آخر من يهود فقتله أبو دجانة وأخذ درعه وسيفه جاء به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فنفله رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك، وأحجم اليهود عن البراز فكبر المسلمون ثم تحاملوا على الحصن فدخلوه يقدمهم أبو دجانة فوجدوا فيه أثاثا ومتاعا وغنما وطعاما فهرب من كان فيه من المقاتلة حتى صاروا إلى حصن النزل بالشق وجعل يأتي من بقي من خل النطاة إلى حصن النزال فغلقوه وامتنعوا فيه أشد الإمتناع ورجف رسول الله صلى الله عليه وسلم في أصحابه فقاتلهم وكانوا أشد أهل الشق رميا للمسلمين بالنبل والحجارة ورسول الله صلى الله عليه وسلم معهم حتى أصاب النبل ثياب النبي صلى الله عليه وسلم وعلقت به فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم النبل فجمعها ثم أخذ لهم كفا من حصى فحصب به حصنهم فرجف الحصن بهم ثم ساخ في الأرض حتى المسلمون فأخذوا أهله أخذا، ولما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم حصون النطاة والشق انهزم من سلم منهم إلى حصون الكتيبة وأعظم حصونها القموص وكان منيعا ذكر ابن أبي عقبة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حاصره قريبا من عشرين ليلة وكانت أرضا وخمة، روى الشيخان عن سهل بن سعد والبخاري وأبو نعيم عن سلمة بن الأكوع وأبو نعيم عن عمروا ابن عباس وسعد بن أبي وقاص الخدري وعمر بن حصين وجابر بن عبد الله ومسلم والبيهقي عن أبي هريرة وأحمد وأبو يعلى والبيهقي عن علي وأبو نعيم والبيهقي عن بريدة قال بريدة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأخذه الشقيقة فيمكث اليوم واليومين ولا يخرج فلما نزل خيبرا أخذته الشقيقة فلم يخرج إلى الناس فأرسل أبا بكر فأخذ راية رسول الله صلى الله عليه وسلم فقاتل قتالا شديدا ثم نهض فقاتل قتالا شديدا هو أشد من القتال الأول ثم رجع ولم يكن فتح وفي حديث على أن الغلبة كانت لليهود في اليومين فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك فقال " لأعطين الراية غدا رجلا يفتح الله عليه ليس بفرار يحب الله ورسوله ويأخذها عنوة " وقال بريدة.
فتباطينا نفسا أن يفتح غدا ويأت الناس ليلتهم أيهم يعطي فلما أصبح غدوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم كلهم يرجوا أن يعطيها تآلى أبو هريرة، قال عمر فما أحببت الإمارة قط حتى كان يومئذ فلما أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم الغداة، ثم دعا باللواء وقام قائما قال ابن شهاب فوعظ الناس ثم قال أين علي ؟ قالوا تشتكي عينه فأرسلوا إليه قال سلمة فجئت به أقوده، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم مالك ؟ قال رمدت حتى لا أبصر ما قدامي، قال أدن مني وفي حديث علي عند الحاكم فوضع رأسي في حجره ثم بزق في يده فدلك بها عيني قالوا فبرء كأن لم يكن به وجع قط فما وجعهما حتى مضى لسبيله ودعا له وأعطاه الراية، قال يا رسول الله أقاتلهم حتى يكونوا مثلنا قال نفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم ثم ادعهم إلى الإسلام وأخبرهم بما يجب عليه من حق الله وحق رسوله فوالله لأن يهدي الله بك فاطلع يهودي من رأس الحصن فقال من أنت ؟ قال علي، قال اليهودي غلبتم والذي أنزل التوراة على موسى فما رجع حتى فتح الله على يديه، روى محمد بن عمرو عن جابر قال أول من خرج من حصون خيبر مبارز الحارث أخو مرحب فقتله علي رضي الله عنه ورجع أصحاب الحارث إلى الحصن وبرز عامر وكان رجلا طويلا جسيما فقال النبي صلى الله عليه وسلم طلع عامر أترونه خمسة أذرع وهو يدعو إلى البراز فخرج إليه علي بن أبي طالب فقتله ثم برز ياسر " فبرز له علي بن أبي طالب فقال له الزبير بن العوام " أقسمت عليك إلا خلية بيني وبينه ففعل فقالت صفية لما خرج إليه الزبير قلت يا رسول الله يقتل ابني فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بل ابنك يقتله إن شاء الله تعالى فقتله الزبير فقال عليه السلام فداك عم وقال " لكل نبي حواري وحواري الزبير " ٢.
وفي حديث سلمة بن الأكوع خرج مرحب يرتجز فقتله علي، وروى أحمد عن علي قال لما قتلت مرحبا جئت برأسه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وروى البيهقي ومحمد بن عمر عن جابر بن عبد الله أن محمد بن سلمة قتل مرحبا والصحيح ما في صحيح مسلم أن عليا قاتله وروى ابن إسحاق عن أبي رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال خرجنا مع علي حين بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما دنى من الحصن خرج إليه أهله فقاتلهم فقربه رجل من يهود فطرح ترسه من يده فتناول علي باب كان عند الحصن فترس به من نفسه فلم يزل بيده وهو يقاتل حتى فتح الله ثم ألقاه من يده حين فرغ فلقد رأيتني في نفر سبعة أنا ثامنهم نجهد على أن نقلب ذلك الباب فلم نقلبه.
وروى البيهقي من طريقين عن المطلب بن زياد عن ليث بن سليم عن أبي جعفر محمد ابن علي عن آبائه قال حدثني جابر بن عبد الله أن عليا حمل الباب يوم خيبر حتى صعد عليه المسلمون فاقتحموها وأنه جرب ذلك فلم يحمله أربعون رجل ورجاله ثقات إلا ليث بن سليم هو ضعيف قال البيهقي وروي من وجه آخر ضعيف عن جابر قال اجتمع عليه سبعون رجلا وكان جهدهم أن أعادوا الباب، وقال الصالحي قال ورواه الحاكم والله أعلم وأصاب من الغموض حصن إلى الحقيق سبايا منهم صفية بنت حيي بن أخطب جاء بلاب بها وبأخرى معها فمر بهما على قتلى يهود فلما رأتهم التي مع صفية صاحت وصكت وجهها وحثت التراب على رأسها فلما رآها ر


١ سورة آل عمران، الآية: ١٥٩..
٢ سورة المجادلة، الآية: ٢١..
﴿ وهو الذي كف أيديهم ﴾ يعني كفار مكة ﴿ عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة من بعد أن أظفركم عليهم ﴾ قد مر فيما سبق من حديث أنس أن ثمانين رجلا من أهل مكة في رواية سبعين هبطوا من جبل التنعيم فأخذوا فعفى النبي صلى الله عليه وسلم عنهم فنزلت هذه الآية، ومن حديث عبد الله بن مغفل وفيه إذ خرج علينا ثلاثون شابا الحديث ومن حديث مسلم بن أكوع اخترطت سيف علي أربعة الحديث ﴿ وكان الله بما تعملون ﴾ قرأ أبو عمرو بالياء على الغيبة والضمير راجع إلى الكفار والباقون بالتاء على الخطاب للمؤمنين ﴿ بصيرا ﴾ فيجازي كلا على حسب ما فعل
﴿ هم الذين كفروا ﴾ يعني أهل مكة ﴿ وصدوكم عن المسجد الحرام ﴾ أن تطوفوه ﴿ والهدى ﴾ وهي ما يهدي إلى مكة من الإبل والبقر والشاة، ﴿ معكوفا أن يبلغ ﴾ الهدى معطوف على الضمير المنصوب في صدوكم وأن يبلغ معطوف على عن المسجد الحرام فتقدير عن من قبيل العطف على معمولي عامل واحد بحرف واحد وجاز أن يكون أن يبلغ متعلقا بمعكوفا بتقدير من ومعكوفا حال من الهدى ﴿ محله ﴾ يعني الحرام فإنه موضع حلول أجله، احتج الحنيفة على أنه لا يجوز ذبح الهدايا إلا في الحرم والمحصر يرسل الهدي إلى مكة وقد ذكرنا هذه المسألة في سورة البقرة في تفسير قوله تعالى :﴿ فإن أحصرتم فما استيسر من الهدى ﴾١ ﴿ ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات لم تعلموهم ﴾ يعني لم تعرفوهم بأعيانهم لاختلاطهم بالمشركين أولم تعلموهم مؤمنين ورجال مبتدأ موصوف بصفات بعد لولا الإمتناعية ﴿ أن تطئوهم ﴾ بدل اشتمال من المبتدأ بتقدير المضاف والخبر محذوف يعني هو موجودين بمكة وجواب لولا محذوف أغنى عنه الجواب لو تزيلوا يعني لولا كراهة أن تطأ المؤمنين عند نصرنا وغلبتكم عليهم لعذبنا الذين كفروا بالقتل والأسر ﴿ فتصيبكم ﴾ عطف على تطؤهم ﴿ منهم ﴾ أي من جهنم ﴿ معرة ﴾ قال ابن زيد أثم فإن قتل الخطأ لا يخلوا عن إثم كما يدل وجوب الكفارة وقال ابن إسحاق غرم الدية وقيل الكفارة، وقيل معناه الحرب وأطلق ههنا على المضرة مطلقا تشبيها بالحرب ومن المضرة التأسف على قتل المؤمنين وتعبير الكفار بذلك ﴿ بغير علم ﴾ متعلق لأن تطؤهم أو تصيبكم على سبيل التنازع، أخرج الطبري وأبو يعلى عن أبي جمعة جنيد بن سبع قال قتلت النبي صلى الله عليه وسلم أول النهار كافرا وقاتلت معه آخر النهار مسلما ومنا ثلاثة رجال وسبع نسوة وفينا نزلت ﴿ ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات ﴾ ﴿ ليدخل الله ﴾ ومتعلق بمحذوف دل عليه السياق أي كان ذلك المنع من دخول مكة عنوة ليدخل الله ﴿ في رحمته ﴾ أي في دينه وجنته ﴿ من يشاء ﴾ من أهل مكة فقد آمن كثير من المشركين يوم الفتح وقيل ذلك أو المعنى ليدخل الله المؤمنين المستضعفين في رحمته الدنيوية من العافية وطول البقاء ﴿ لو تزيلوا ﴾ أي تفرقوا وامتاز المسلمون من الكفار ﴿ لعذبنا الذين كفروا منهم ﴾ أي من أهل مكة في الدنيا بالقتل والأسر ﴿ عذابا أليما ﴾
١ سورة البقرة، الآية: ١٩٦..
﴿ إذ جعل الذين كفروا ﴾ ظرف متعلق بقوله عذبنا أو صدوكم أو مفعول لمحذوف أي اذكر ﴿ في قلوبهم الحمية ﴾ حيث صدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الطواف وأنكروا بسم الله الرحمن الرحيم وأنكروا محمدا رسول الله، وقال مقاتل قال أهل مكة قد قتلوا أبنائنا وإخواننا ثم يدخلون علينا فتحدث العرب أنهم دخلوا علينا على رغم أنفنا واللات والعزى لا يدخلونها فهذه ﴿ حمية الجاهلية ﴾ بدل من الحمية ﴿ فأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين ﴾ حيث اطمئنوا وامتثلوا أمر الله تعالى في المنع عن القتال مع قدرتهم عليه ﴿ وألزمهم كلمة التقوى ﴾ قال ابن عباس ومجاهد وقتادة والضحاك وعكرمة والسدي وابن زيد وأكثر المفسرين أنها لا إله إلا الله والله أكبر، وقال عطاء بن أبي رباح هي لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، قال عطاء الخراساني هي لا إله إلا الله محمد رسول الله، وقال الزهري هي بسم الله الرحمن الرحيم والمآل واحد وإضافة الكلمة في التقوى لأنها سبب التقوى وأساسها والمراد كلمة أهل التقوى المراد بإلزامهم إياها ثباتهم عليها بترك الحمية ﴿ وكانوا أحق بها ﴾ من كفار مكة ﴿ وأهلها ﴾ ما يعني كانوا أهلها في علم الله تعالى ولذلك إختارهم لتأيد دينه وصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم وهذه الآية وقوله تعالى : لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم١ يبطل مذهب الروافض حيث يدعون كفر الصحابة ونفاقهم دمرهم الله تعالى :﴿ وكان الله بكل شيء ﴾ حتى بما أضمره الصحابة " رض " من الإيمان وحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ﴿ عليما ﴾ ولما وقع الصلح وتقرر الرجوع إلى المدينة بغير دخول مكة وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رؤيا أن يدخلها كما ذكرنا في القصة قال الصحابة " رض " أين رؤياك يا رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فنزلت الآية :﴿ لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين محلقين رءوسكم ومقصرين لا تخافون فعلم ما لم تعلموا فجعل من دون ذلك فتحا قريبا ٢٧ ﴾
١ سورة الفتح، الآية: ١٨..
﴿ لقد صدق الله رسوله الرؤيا ﴾ كذا ذكر البيهقي وغيره عن مجاهد والجملة جواب قسم محذوف أولا بصيغة الماضي والمراد به المستقبل ليدل على القطع في وقوعه، قال الجوهري الصدق والكذب يكونان في القول يعني الخبر إذ طابق الواقع كان صدقا لا كذبا ويستعملان في الفعل أيضا فالصدق بمعنى التحقيق قال الله تعالى :﴿ رجال صدقوا ما عاهدوا الله ﴾١ يعني حققوا العهد وفي هذه الآية أيضا صدق فعل يعني حقق الله رؤيا الرسول صلى الله عليه وسلم وعلى هذا الرؤيا بدل اشتمال من رسوله وجاز أن يكون رسوله منصوبا بنزع الخافض يعني حقق لرسوله الرؤيا أيضا، قال الجوهري الصدق قد يتعدى إلى مفعولين قال الله تعالى :﴿ لقد صدق الله رسوله ﴾٢ وعلى هذا رسوله المفعول الأول والرؤيا المفعول الثاني، وقال البيضاوي معناه صدقه في رؤياه، قال في المدارك حذف الجار وأوصل الفعل ﴿ بالحق ﴾ أي متلبسا بالحق أي الحكمة البالغة حال من الرؤيا أوصفة لمصدر محذوف أي صدقا متلبسا بالحق وهو القصد إلى التمييز بين الثابت على الإيمان والمتزلزل فيه وجاز أن يكون بالحق قسما إما باسم الله تعالى وبنقيض الباطل وجوابه ﴿ لتدخلن المسجد الحرام ﴾ وعلى الأولين هذا جواب وقسم محذوف، وقال ابن كيسان لتدخلن من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه حكاية عن رؤياه فأخبر الله عن رسوله أنه قال ذلك وجاز أن يكون من قول ملك الرؤيا حكاه الله تعالى وعلى التقديرين تقييده ﴿ إن شاء الله ﴾ ومع كون رسول الله صلى الله عليه وسلم والملك على يقين منه تأدبا بآداب الله تعالى حيث قال الله تعالى :﴿ ولا تقولن لشاء إني فاعل ذلك غدا { ٢٣ ﴾ إلا أن يشاء الله }٣ قال أبو عبيدة أن بمعنى إذ مجازه إذ شاء الله، وقال الحسن بن الفضيل يجوز أن يكون الاستثناء من الدخول لأن بين الرؤيا وتصديقها كانت سنة وقد مات في تلك السنة فمجاز الآية ليدخلن المسجد الحرام كل واحد منكم إنشاء الله ﴿ آمنين ﴾ حال من فاعل لتدخلن والشروط مفترض ﴿ محلقين رءوسكم ومقصرين ﴾ لا يعني محلقين قوم منكم جميع شعور رؤوسهم ومقصرين آخرين بعض شعورها حالان من الضمير في آمنين أوحال مقدرة من فاعل لتدخلن ﴿ لا تخافون ﴾ حال مؤكدة لآمنين أو استئناف يعني لا تخافون بعد ذلك ﴿ فعلم ﴾ الفاء للسببية عطف على آخر المقدر ﴿ من دون ﴾ أي أقرب من ﴿ ذلك فتحا قريبا ﴾ يعني فتح خيبر أو صلح الحديبية
١ سورة الأحزاب، الآية: ٢٣..
٢ سورة آل عمران الآية ١٥٢...
٣ سورة الكهف، الآية: ٢٣-٢٤..
﴿ هو الذي أرسل رسوله بالهدى ﴾ أي متلبسا به أو السببية أو لأجله ﴿ ودين حق ﴾ أي دين الإسلام ﴿ ليظهره على الدين كله ﴾ لم يعني جنس الأديان كلها بنسخ ما كان حقا وإظهار فساد ما كان باطلا بالحجج والآيات أو بتسليط المسلمين على أهلها في وقت من الأوقات ﴿ وكفى بالله ﴾ الباء زائدة ﴿ شهيدا ﴾ حال من الله أو تميز من النسبة يعني كفى الله شاهدا أو كفى شهادة الله على ما وعد من الفتح أو على رسالة الرسول بإظهار المعجزات على يديه وفي هذه الآية تأكيد لما وعد من دخول المسجد الحرام وكلتاهما تأكيد أن لقوله تعالى :﴿ إنا فتحنا لك ﴾ وما بينهما معترضات
﴿ محمد رسول الله ﴾ جملة مبنية للمشهود به ويجوز أن يكون رسول الله صفة ومحمد خبر مبتدأ محذوف أي هو الذي أرسله بالهدى محمدا ومبتدأ وقوله تعالى :﴿ والذين معه ﴾ معطوف عليه وما بعده والموصول مبتدأ وما بعده خبره والجملة معطوف على الجملة ﴿ أشداء على الكفار ﴾ إمتثالا لأمر الله تعالى حيث قال : يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم }١ وقال﴿ ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله ﴾٢ وقال ﴿ ومن يتولهم منكم فإنه منهم ﴾٣ وأمثال ذلك كثيرة ﴿ رحماء بينهم ﴾ ويعني يتراحمون فيما بينهم ويتوادون حبا لله ولرسوله فإن محب المحبوب محبوب في الحديث القدسي " أين المتحابون في جلالي اليوم أظلهم تحت ظلي يوم لا ظل إلا ظلي " ٤ رواه مسلم عن أبي هريرة مرفوعا، وسيجيء قوله صلى الله عليه وسلم " من أحبهم فبحبه أحبهم " ونظير هذه الآية قوله تعالى :﴿ أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين ﴾٥ رغم أنف الروافض الذين يزعمون أن أصحاب محمد كانوا يتباغضون بينهم ﴿ تراهم ﴾ حمد ﴿ ركعا سجدا ﴾ يا محمد لاشتغالهم بالصلاة في كثير من الأوقات فإن الصلاة معراج المؤمنين حالان مترادفان من ضمير المنصوب في تراهم وكذلك ﴿ يبتغون فضلا من الله ﴾ الثواب بالجنة ورؤية الله تعالى :﴿ ورضوانا ﴾ منه تعالى ﴿ سيماهم ﴾ علامتهم ﴿ في وجوههم ﴾ مبتدأ وخبر والجملة خبر لما سبق ﴿ من أثر السجود ﴾ حال من الضمير المستكن في الظرف قال قوم هو نور بياض وجوهم يوم القيامة يعرفون به أنهم سجدوا في الدنيا وهي رواية العوفي عن ابن عباس، وقال عطار بن أبي رباح والربيع بن أنس إستنارت وجوههم في الدنيا من كثرة الصلاة، وقال شهر بن حوشب يكون مواضع السجود من وجوههم كالقمر ليلة البدر يعني في الآخرة، وقال قوم هو السمت الحسن والخشوع والتواضع وهي رواية الوالبي عن ابن عباس وهو قول مجاهد، وقال الضحاك صفرة الوجه من السهر، وقال الحسن إذا رأتهم حسبتهم مرضى وما هم مرضى، وقال عكرمة وسعيد بن جبير هو أثر التراب على الجباه، وقال أبو العالية لأنهم كانوا يسجدون على التراب دون الأثواب يعني تواضعا ذلك المذكور ﴿ مثلهم ﴾ صفتهم ﴿ في التوراة ﴾ قال البغوي ههنا تم الكلام، ثم ذكر الله سبحانه ما في الإنجيل عن نعتهم فقال ﴿ ومثلهم في الإنجيل كزرع ﴾ الخ وجاز أن يكون مثلهم في الإنجيل معطوفا على مثلهم في التوراة يعني ذلك مذكور في الكتابين وركون قوله تعالى :﴿ كزرع ﴾ الخ تمثيلا مستأنفا وجاز أن يكون ذلك الإشارة مبهمة يفسرها قوله تعالى ﴿ كزرع أخرج شطئه ﴾ الجملة مع ما عطف عليه صفات زرع قرأ ابن كثير وابن ذكوان بفتح الطاء والباقون بإسكانها وهما لغتان بمعنى فروع الزرع أي أول ما خرج من الحب ﴿ فآزره فاستغلظ ﴾ أي صار من الرقة إلى الغلظ ﴿ فاستوى على سوقه ﴾ جمع ساق قرأ ابن كثير سؤقه بالهمزة والباقون بغير الهمزة ﴿ يُعجب الزراع ﴾ بكثافة وغلظه وقوته وحسن منظره هذين المثلين مر بهما الله تعالى : لامتحان محمد صلى الله عليه وسلم لكن الأول منهما يصدق على غير الصحابة أيضا من خيار الأمة والثاني منهما مختص بالصحابة لا يشارك فيه أحد غيرهم فإن الله سبحانه أرسل محمدا صلى الله عليه وسلم وحده كالزراع بذر في الأرض فآمن به أبو بكر وعلي وبلال ورجال متعددون بعدهم منهم عثمان وطلحة والزبير والسعد وسعيد وحمزة وجعفر وغيرهم حتى كان عمر متمم أربعين رجلا كزرع أخرج شطأه، فكان الإسلام في بدو الأمر غريبا كاد الكفار يكونون عليه لإمحائه لبدا لولا حماية الله تعالى فأزره الله تعالى بمجاهدات الصحابة من المهاجرين والأنصار حين سقوا زرعها الدين بدمائهم في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وبعد وفاته لاسيما في خلافة أبي بكر وعمر فاستوى الدين على سوقه وظهر على الدين كله واستغنى عن حماية غيرهم بحيث يعجب الزراع حتى قال الله تعالى :﴿ اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا ﴾٦ وقال عليه الصلاة والسلام " لا تجتمع أمتي على الضلالة " ٧ وقال " لا تزال من أمتي قائمة بأمر الله لا يضرهم من خذلهم ومن خالفهم " ٨ ولأجل هذه الخصوصية سبقوا في مضمار الفضل على كل سابق بحيث لا يمكن لأحد من الأفاضل أن يبلغ درجة أي منهم حتى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا تسبوا أصحابي فلو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدكم ولا نصفيه " متفق عليه من حديث أبي سعيد الخدري وروى أحمد نحوه من حديث أنس، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما من أحد من أصحابي يموت بأرض إلا بعث قائدا ونورا لهم يوم القيامة " ٩ رواه الترمذي عن بريدة وهذه الخصوصية هي مادة الفضل غالبا فيما بين الصحابة فمن كان أسبق إيمانا كأبي بكر أو أكثر موازرة للدين حين ضعفه كعمر كان أفضل ممن ليس كذلك، قال الله تعالى :﴿ لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلا وعد الله الحسنى ﴾١٠ وقال الله تعالى :﴿ والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار ﴾١١ وقد استوفينا فضائل الصحابة عموما وخصوصا ونقلا وعقلا في السيف المسلول والله تعالى أعلم، قال البغوي هذا مثل ضربه الله عز وجل لأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم في الإنجيل أنهم يكومون قليلا ثم يزدادون ويكثرون قال قتادة مثل أصحاب محمد في الإنجيل مكتوب أنه سيخرج قوم ينبتون نبات الزرع يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، وقيل الزرع محمد والشطأة أصحابه والمؤمنون، وروي عن مبارك بن فضالة عن الحسن قال محمد رسول الله والذين معه أبو بكر أشداء على الكفار، عمر ابن الخطاب رحماء بينهم عثمان بن عفان تراهم ركعا سجدا علي بن أبي طالب يبتغون فضلا من الله ورضوانا بقية العشرة المبشرة بالجنة كمثل زرع محمد صلى الله عليه وسلم أخرج شطأه أبو بكر فأزره عمر فاستغلظ عثمان للإسلام فاستوى على سوقه علي بن أبي طالب استقام للإسلام بسيفه يعجب الزراع، في المدارك عن عكرمة أخرج شطأه بأبي بكر الخ نحو ما ذكر والله تعالى أعلم، قال البغوي قال عمر لأهل مكة بعدما أسلم لا يعبد الله سرا بعد هذا اليوم ﴿ ليغيظ بهم الكفار ﴾ الضمير بهم عائد إلى الذين معه أو إلى شطأه من حيث المعنى فإن المراد بالشطأ الذي خرج بعد الزرع الداخلون في الإسلام الجار والمجرور متعلق بحذف دل عليه السياق يعني جعلهم الله أشداء ورحماء وكثرهم رقواهم وقوي بهم الإسلام ليغيظ بهم الكفار يعني غيظا للكافرين، قال أنس بن مالك " رض " من أصبح وفي قلبه غيظ على أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فقد أصابته هذه الآية، وعن عبد الله بن مغفل المزني قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " الله الله في أصحابي الله الله في أصحابي الله الله لا تتخذ وهم غرضا من بعدي فمن أحبهم فبحبي أحبهم ومن أبغضهم فبغضي أبغضهم ومن أذاهم فقد أذاني ومن أذاني فقد أذى الله ومن أذى الله فيوشك أن يأخذه " ١٢ رواه الترمذي وقال هذا حديث غريب، وعن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن سرك أن تكون من أهل الجنة فإن قوما ينتحلون حبك يقرؤون لا يجاوز تراقبهم نبزهم الرافضة فإن أدركتهم فجاهدهم فإنهم مشركون " رواه البغوي والدارقطني وفي إسناده نظر، وقد ورد في فضائل الصحابة عموما وخصوصا ما لا يكاد يحصى ﴿ وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم ﴾ كلمة للبيان والضمير يعود إلى ما يعود إليه ضميريهم ﴿ مغفرة وأجر عظيم ٩ ﴾ تنكير مغفرة وأجر للتعظيم وقد انعقد الإجماع على إن الصحابة كلهم عدول وكلهم مغفور لهم والله أعلم ".
١ سورة التوبة، الآية: ٧٣..
٢ سورة النور، الآية: ٢..
٣ سورة المائدة، الآية: ٥١..
٤ أخرجه مسلم في كتاب: البر والصلة والآداب، باب: في فضل الحب في الله (٢٥٦٦)..
٥ سورة المائدة، الآية: ٥٤..
٦ سورة المائدة، الآية: ٣..
٧ أخرجه ابن ماجة في كتاب: الفتن، باب: السواد الأعظم ﴿٣٩٥٠﴾..
٨ أخرجه الترمذي في كتاب: الفتن، باب: ما جاء في الأئمة المضلين ﴿٢٢٦٥﴾، وأخرجه البخاري في كتاب: المناقب، باب: سؤال المشركين أن يريهم النبي صلى الله عليه وسلم آية فأراهم انشقاق القمر ﴿٣٤٤٢﴾..
٩ أخرجه البخاري في كتاب: المناقب، باب: قول النبي صلى الله عليه وسلم: "لو كنت متخذا خليلا" ﴿٣٤٧٠﴾، وأخرجه مسلم في كتاب: فضائل الصحابة، باب: تحريم سب الصحابة رضي الله عنهم ﴿٢٥٤٠﴾..
١٠ أخرجه الترمذي في كتاب: المناقب، باب: في من سب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ﴿٤٠٢٩﴾..
١١ سورة الحديد، الآية: ١٠..
١٢ أخرجه الترمذي في كتاب: المناقب، باب: في من سب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ﴿٤٠٢٦﴾..
Icon