تفسير سورة العاديات

التفسير المظهري
تفسير سورة سورة العاديات من كتاب التفسير المظهري .
لمؤلفه المظهري . المتوفي سنة 1216 هـ
سورة العاديات
مكية، هي إحدى عشرة آية.

أخرج البزار والدارقطني والحاكم وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خيلاً فلبث شهراً لا يأتيه فيها خبر فنزلت ﴿ والعاديات ﴾. قرأ أبو عمرو بالإدغام الكبير بين التاء والضاد. أقسم بخيل خير الغزاة التي تعدو في سبيل الله كذا قال ابن عباس ومجاهد وعكرمة والحسن والكلبي وقتادة ومقاتل وأبو العالية وغيره، ولهذا التأويل وبما ذكرنا من سبب النزول يظهر أن السورة مدنية ؛ لأنه لم يكن قبل الهجرة جهاد. وجاز أن يكون القسم بها بمنزلة الإخبار لوجودها في الاستقبال على تقدير كونها مكية. ﴿ ضبحا ﴾ أي تضبح ضبحا، مصدر موقع الجملة التي وقعت حالا من فاعل العاديات، وهي صوت أنفاس الخيل إذا عدون. قال ابن عباس : لا يضبح من الحيوانات غير الفرس والكلب والثعلب، وما يضبحن إلا إذا تغير حالهم من التعب، وقال علي : العاديات هي الإبل في الحج تعدو من عرفة إلى مزدلفة، ومن مزدلفة إلى منى. وقال : كانت أول غزوة في الإسلام بدرا، وما كان معنا إلا فرسان : الزبير وفرس المقداد بن الأسود، فكيف تكون العاديات ؟ وإليه ذهب ابن مسعود ومحمد بن كعب والسدي، وعلى هذا معنى قوله :( ضبحا ) يعني : تمد أعناقها في السير مداً.
﴿ فالموريات ﴾ الخيل التي توري النار إذا سارت ليلا في أرض ذات حجارة ﴿ قدحا ﴾ يعني تقدح، أي تفك الحجارة بحوافرها قدحا.
﴿ فالمغيرات ﴾ قرأ أبو عمرو وخلاد بالإدغام بين التاء والصاد، أي الخيل التي تغير بفرسانها على عدو، والإغارة سرعة سير. ﴿ صبحا ﴾ ظرف للمغيرات، أي التي تغير في وقت الصبح، هذا قول أكثر المفسرين، وقال القرظي : هي الإبل تدفع بركبانها يوم النحر من جمع بمنى وقت الصبح وهو السنة ؛ بل الواجب أن لا يدفع حتى يصبح، وقد رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم للنساء والضعفاء بالدفع بعد طلوع الفجر من ليلة النحر.
﴿ فأثرن ﴾ عطف على مضمون صلة اللام الموصول، يعني اللاتي عدون قادرين فأغرن فأثرن، أي هيجن. ﴿ به ﴾ الباء بمعنى في، والضمير عائد إلى الزمان المفهوم تضمنا من مضمون الصلة، أي أثرن في ذلك الوقت، أي وقت الإغارة على العدو، أو إلى المكان المفهوم منه اقتضاء، أي أثرن في مكان العدو. ﴿ نقعا ﴾ غباراً مفعول لأثرن.
﴿ فوسطن ﴾ أي فوسطن تلك الخيل ﴿ به ﴾ الضمير عائد إلى النقع، أي متلبسا بالنقع، أو إلى الوقت، أو المكان، كما مر في ذلك الوقت أو المكان. ﴿ جمعا ﴾ من جموع الأعداء، وجواب القسم ﴿ إن الإنسان لربه لكنود ﴾.
﴿ إن الإنسان ﴾أريد به الجنس، نظرا إلى أكثر أفراده، حيث قال الله تعالى :﴿ وقليل من عبادي الشّكور ﴾١ ﴿ لربه ﴾ متعلق بما يبعده، قدم لرعاية الفواصل ﴿ لكنود ﴾ أي لكنود لنعمة ربه بلسان مضر، كذا قال ابن عباس ومجاهد وقتادة، أو العاصي بلغة كندة، أو البخيل بلغة بني مالك، قال أبو عبيدة : هو قليل الخير والأرض، الكنود ما لا ينبت شيئا.
١ سورة سبأ، الآية: ١٣..
﴿ وإنه ﴾ قال ابن كيسان : الضمير للإنسان، أي وإن الإنسان ﴿ على ذلك ﴾ أي على كونه كفورا عاصيا بخيلا ﴿ لشهيد ﴾ يشهد به على نفسه عند أدنى تأمل بظهور أثره، أو يشهد على نفسه ويترف بذنبه في الآخرة، يقول : لم نك من المصلين، ولم نك نطعم المسكين، وقال أكثر المفسرين : ضمير ( إنه ) راجع إلى ربه، يعني وإن ربه على كونه كنود الشهيد، لا يعزب عنه شيء فيؤاخذ به، فهو وعيد.
﴿ وإنه ﴾ أي الإنسان ﴿ لِحبّ الخير ﴾ أي المال، كما في قوله تعالى :﴿ إن ترك خيرا ﴾١ ﴿ لشديد ﴾ لقوي مبالغ فيه، فلا ينفقه في سبيل المنعم شكرا للنعمة، أو المعنى البخيل شديد، وعلى هذا فاللام في ( لحب الخير ) للتعليل، أي لأجل حب المال لبخيل، وعلى الأول لام الصلاة.
١ سورة البقرة، الآية: ١٨٠..
﴿ أفلا يعلم ﴾ همزة الاستفهام للتعجب، والفاء للعطف على محذوف، تقديره ألا ينظر الإنسان فلا يعلم، ومعناه لينظر وليعلم الآن ما سيعلم غداً أن ربهم خبير بهم، يجازيهم على ما يفعلون يوم يبعث من في القبور، ويبرز ما في الصدور. ﴿ إذا بعثر ﴾ أي بعث وأثير ﴿ ما في القبور ﴾ من الموتى، أو رد لفظ ( ما ) بمعنى ( من ) لمشاكلة ما في الصدور، أو لأنه في هذه الحالة مما لا يعقل لكونه موتى ملحقا بالجمادات.
﴿ وحصّل ﴾ أي جمع محصلا في الصحف، أو ميز وأبرز في ﴿ ما في الصدور ﴾ أي ما في صدورهم، يعني صدور جنس الإنسان من الخير والشر، وتخصيص ما في الصدور بالذكر دون أعمال الجوارح ؛ لأنه الأصل إذا بعثر شرط حذف جزاءه لتوسط في جملة تدل على جزائه، تقديره إذا بعثر ما في القبور يعلم، والجملة الشرطية معترضة للتهديد والفظاعة.
﴿ إن ربهم بهم يومئذ لخبير ١١ ﴾ هذه الجملة قائمة مقام المفعولين، ليعلم لدخول اللام على الخبر، أو يقال مفعولاه محذوفان يدل عليهما هذه الجملة، يعني أنا نجازيه وقت ما ذكروا بهم، و " يومئذ " متعلق بمضمون خبير، خص ذلك اليوم بالذكر وهو عالم بهم في جميع الأزمان ؛ لأن الجزاء يقع يومئذ فيظهر كونه خبيرا يومئذ، أو يقال : الخبير مجاز عن المجازي، والمعنى أن ربهم يجازي بهم يومئذ، كذا قال الزجاج. والله تعالى أعلم.
Icon