أحدهما : أنها مكية، قاله ابن مسعود، وعطاء، وعكرمة، وجابر.
والثاني : مدنية، قاله ابن عباس، وقتادة، ومقاتل.
ﰡ
وفيها قولان: أحدهما: أنها مكية، قاله ابن مسعود، وعطاء، وعكرمة، وجابر. والثاني: مدنيّة، قاله ابن عباس، وقتادة، ومقاتل.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
[سورة العاديات (١٠٠) : الآيات ١ الى ١١]بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
وَالْعادِياتِ ضَبْحاً (١) فَالْمُورِياتِ قَدْحاً (٢) فَالْمُغِيراتِ صُبْحاً (٣) فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً (٤)فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعاً (٥) إِنَّ الْإِنْسانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ (٦) وَإِنَّهُ عَلى ذلِكَ لَشَهِيدٌ (٧) وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ (٨) أَفَلا يَعْلَمُ إِذا بُعْثِرَ ما فِي الْقُبُورِ (٩)
وَحُصِّلَ ما فِي الصُّدُورِ (١٠) إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ (١١)
قوله عزّ وجلّ: وَالْعادِياتِ فيه قولان:
أحدهما: أنها الإبل في الحج، قاله علي، وابن مسعود، وعبيد بن عمير، والقرظي، والسدي.
وروي عن علي أنه قال: وَالْعادِياتِ ضَبْحاً من عرفة إلى المزدلفة، ومن المزدلفة إلى منى. وروي عن عليّ رضي الله عنه أنه قال هذا في صفة وقعة بدر. قال: وما كان معنا يومئذ إلا فرس. وفي بعض الحديث أنه كان معهم فرسان.
والثاني: أنها الخيل في سبيل الله، قاله ابن عباس، والحسن، وعطاء، ومجاهد، وأبو العالية، وعكرمة، وقتادة، وعطية، والربيع، واللغويون. وكان ابن عباس يذهب إلى أن هذا كان في سريَّة، (١٥٦٢) فروى عكرمة عن ابن عباس أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم بعث خيلاً، فلم يأته خبرها شهراً، فنزلت وَالْعادِياتِ ضَبْحاً ضبحت بمناخرها فَالْمُورِياتِ قَدْحاً قدحت بحوافرها الحجارة فأورت ناراً فَالْمُغِيراتِ صُبْحاً صبحت القوم بغارة فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً أثارت بحوافرها التراب فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعاً قال: صبحت الحي جميعا.
(١٥٦٣) وقال مقاتل: بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلم سريّة إلى حيّين من كنانة واستعمل عليهم المنذر بن عمرو الأنصاري، فأبطأ عنه خبرها، فجعل اليهود والمنافقون إذا رأوا رجلاً من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلم تناجَوْا، فيظن الرجل أنه قد قُتِلَ أخوه أو أبوه، أو عمه، فيجد من ذلك، فنزلت: وَالْعادِياتِ ضَبْحاً
عزاه المصنف لمقاتل، وهو ممن يضع الحديث، فخبره هذا لا شيء.
قوله عزّ وجلّ: فَالْمُورِياتِ قَدْحاً فيه خمس أقوال «١» : أحدها: أنها الخيل تُوري النار بحوافرها إذا جرت، وهذا قول الجمهور. قال الزجاج: إذا عدت الخيل بالليل، فأصابت بحوافرها الحجارة، انقدحت منها النيران. والثاني: أنها نيران المجاهدين إذا أُوقدت، روي عن ابن عباس. والثالث: مَكْرُ الرجال في الحرب، قاله مجاهد، وزيد بن أسلم. والرابع: نيران الحجيج بالمزدلفة، قاله القرظي.
والخامس: أنها الألسنة إذا ظهرت بها الحجج وأُقيمت بها الدلائل على الحق وفضح بها الباطل، قاله عكرمة.
قوله عزّ وجلّ: فَالْمُغِيراتِ صُبْحاً هي التي تغير على العَدُوِّ عند الصباح، هذا قول الأكثرين. وقال ابن مسعود: فالمغيرات صبحاً حين يُفيضون من جمع.
قوله عزّ وجلّ: فَأَثَرْنَ بِهِ قال الفرّاء: يريد به الوادي ولم يذكر قبل ذلك، وهذا جائز، لأن الغبار لا يثار إلا من موضع. والنقع: الغبار، ويقال: التراب. وقال الزجاج: المعنى: فأثرن بمكان عَدْوِهِنَّ، ولم يتقدم ذكر المكان، ولكن في الكلام دليل عليه، قوله: فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعاً قال المفسرون: المعنى: توسطن جمعاً من العدو، فأغارت عليهم. وقال ابن مسعود: فوسطن به جمعاً، يعني مزدلفة.
قوله عزّ وجلّ: إِنَّ الْإِنْسانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ هذا جواب القسم. والإنسان هاهنا: الكافر. قال الضحاك: نزلت في الوليد بن المغيرة، وقال مقاتل: نزلت في قرط بن عبد الله بن عمرو بن نوفل القرشي وفي «الكَنُود» ثلاثة أقوال:
(١٥٦٤) أحدها: أنه الذي يأكل وحده، ويمنع رِفْده، ويضرب عبده، رواه أبو أُمامة عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم.
والثاني: أنه الكفور، قاله ابن عباس، ومجاهد، وقتادة، والضحاك. والثالث: لَوَّام لِرَبِّهِ يَعُدُّ المصيبات، وينسى النِّعَم، قاله الحسن. قال ابن قتيبة: والأرض الكنود: التي لا تُنْبِتُ شيئاً.
قوله عزّ وجلّ: وَإِنَّهُ عَلى ذلِكَ لَشَهِيدٌ في هاء الكناية قولان: أحدهما: أنها ترجع إلى الله عزّ
__________
(١) قال ابن كثير رحمه الله في «تفسيره» ٤/ ٦٤٥: وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقالَها يعني: ألقت ما فيها من الموتى، قاله غير واحد من السلف، وهذه كقوله تعالى: يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ وكقوله: وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ وَأَلْقَتْ ما فِيها وَتَخَلَّتْ، وروى مسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم:
«تقيء الأرض أفلاذ كبدها أمثال الأسطوان من الذهب والفضة، فيجيء القاتل فيقول: في هذا قتلت، ويجيء القاطع فيقول: في هذا قطعت رحمي، ويجيء السارق فيقول: في هذا قطعت يدي ثم يدعونه فلا يأخذون منه شيء» اه.
قوله عزّ وجلّ: وَإِنَّهُ يعني: الإنسان لِحُبِّ الْخَيْرِ يعني: المال لَشَدِيدٌ.
وفي معنى الآية قولان: أحدهما: وإنه من أجل حُبِّ المال لبخيلٌ، هذا قول الحسن، وابن قتيبة، والزجاج. قال أبو عبيدة: ويقال للبخيل: شديد، ومُتَشَدِّدٌ قال طرفة.
أَرَى المَوْتَ يَعْتَامُ الكِرَام ويَصْطَفي | عَقِيلَةَ مَالِ البَاخِلِ المُتَشدِّدِ |
قوله عزّ وجلّ: أَفَلا يَعْلَمُ يعني: الإنسان المذكور إِذا بُعْثِرَ ما فِي الْقُبُورِ أي: أُثير وأُخرج وَحُصِّلَ ما فِي الصُّدُورِ أي: مُيِّز واستُخرج. والتحصيل: تمييز ما يحصل. وقال ابن عباس: أُبرز ما فيها، وقال ابن قتيبة: مُيِّزَ ما فيها من الخير والشر. وقال أبو سليمان الدمشقي: المعنى: لو علم الإنسان الكافر ما له في ذلك اليوم لزهد في الكفر، وبادر إلى الإسلام. ثم ابتدأ فقال عزّ وجلّ: إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ وقال غيره: إنّما قرئت «إن» بالكسر لأجل اللام، ولو لاها كانت مفتوحة بوقوع العلم عليها.
فإن قيل: أليس الله خبيراً بهم في كل حال، فلم خص ذلك اليوم؟
فالجواب أن المعنى: أنه يجازيهم على أفعالهم يومئذ، ومثله: أُولئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ ما فِي قُلُوبِهِمْ «٣»، معناه: يجازيهم على ذلك، ومثله: يَوْمَ هُمْ بارِزُونَ لا يَخْفى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ «٤».
(٢) إبراهيم: ١٨. [.....]
(٣) النساء: ٦٣.
(٤) غافر: ١٦.