﴿ بسم الله ﴾ الذي له الأمر كله، فلا يسأل عما يفعل ﴿ الرحمن ﴾ الذي نعمته أتم نعمة وأشمل، ﴿ الرحيم ﴾ الذي خص أولياءه بتوفيقه، وأتم نعمته عليهم وأكمل.
ﰡ
﴿ والعاديات ضبحاً ﴾ قسم أقسم الله سبحانه بخيل الغزاة تعدو فتضبح، والضبح : صوت أنفاسها إذا عدون. وعن ابن عباس أنه حكاه فقال : أح أح، قال عنترة :
والخيل تكدح حين تض *** بح في حياض الموت ضبحا
وانتصاب ضبحاً على يضبحن ضبحا أو بالعاديات، كأنه قيل : والضابحات ضبحاً ؛ لأنّ الضبح يكون مع العدو، أو على الحال، أي : ضابحات، والعاديات جمع عادية، وهي الجارية بسرعة من العدو، وهو المشي بسرعة.
وعن ابن عباس : كنت جالساً في الحجر فجاء رجل فسألني عن العاديات ضبحاً ففسرتها بالخيل، فذهب إلى عليّ رضي الله عنه، وهو تحت سقاية زمزم، فسأله وذكر له ما قلت، فقال : ادعه لي، فلما وقفت على رأسه قال : تفتي الناس بما لا علم لك به، والله إن كانت لأوّل غزوة في الإسلام بدر، وما كان معنا إلا فرسان : فرس للزبير وفرس للمقداد. العاديات ضبحاً الإبل من عرفة إلى المزدلفة، ومن المزدلفة إلى منى. قال الزمخشري : فإن صحت الرواية فقد استعير الضبح للإبل كما استعير المشافر والحافر للإنسان، والشفتان للمهر وما أشبه ذلك. قال ابن عباس : وليس شيء من الحيوان يضبح غير الفرس والكلب والثعلب، ونقل غيره أنّ الضبح يكون في الإبل والأسود من الحيات والبوم والضرو والأرنب والثعلب والفرس.
فليت لي بهم قوماً إذا ركبوا | شنوا الإغارة فرساناً وركبانا |
تنبيه : عطف الفعل - وهو فأثرن - على الاسم ؛ لأنه في تأويل الفعل لوقوعه صلة لأل. وقال الزمخشري : معطوف على الفعل الذي وضع اسم الفاعل موضعه ؛ لأنّ المعنى : واللاتي عدون فأورين فأغرن فأثرن.
﴿ إن ربهم بهم ﴾ أجيب : عن الأوّل بأنّ ما في الأرض غير المكلفين أكثر، فأخرج الكلام على الأغلب، أو أنهم حال ما يبعثون لا يكونون أحياء عقلاء ؛ بل يصيرون كذلك بعد البعث، فلذلك كان الضمير الأوّل ضمير غير العقلاء، والضمير الثاني ضمير العقلاء.