مكية، وهي إحدى عشرة آية.
ﰡ
﴿ كالفراش ﴾ الطير التي يتهافت في النار ﴿ المبثوث ﴾ المفرق وجه الشبه كثرتهم، وهو أنهم تموج بعضهم في بعض، وركوب بعضهم على بعض، بشدة الهول.
فائدة : قال القرطبي : الميزان لا يكون في حق كل أحد، وإن الذين يدخلون الجنة بغير حساب لا ينصب لهم ميزان، وكذلك من يعجل به إلى النار بغير حساب هم المذكورون في قوله تعالى :﴿ يعرف المجرمون بسيماهم فيؤخذ بالنواصي والأقدام ٤١ ﴾٢، وقال السيوطي : يحتمل تخصيص الكفار الذين يوزن أعمالهم ولا يجدون ثقلا بالمنافقين، فإنهم يبقون في المسلمين بعد لحوق كل مسلم أمة بما يعيدوهم يصلون ويصومون مع المؤمنين في الدنيا رياء وسمعة ﴿ ليميز الله الخبيث من الطيب ﴾٣ الميزان، وقال الغزالي : السبعون ألف الذين يدخلون الجنة بغير حساب لا يوضع لهم ميزان، ولا يأخذون صحفا، إنما هي براءة مكتوبة، هذه براءة فلان بن فلان. أخرج الأصبهاني عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" تنصب الموازين، ويؤتون بأهل الصلاة فيوفون أجورهم بالموازين، ويؤتون بأهل الحج فيوفون أجورهم بالموازين، ويؤتون بأهل البلاء فلا ينصب لهم ميزان، ولا ينشر لهم ديوان، ويصب لهم أجرهم بغير حساب، حتى يتمنى أهل العافية أنهم كانوا في الدنيا تقرض أجسادهم بالمقاريض مما يذهب به أهل البلاء من الفضل، وذلك ﴿ إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب ﴾ ". وأخرج الطبراني وأبو يعلى بسند لا بأس به عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" يؤتى بالشهيد يوم القيامة فينصب للحساب، ثم يوتى بالمتصدق فينصب للحساب، ثم يؤتى بأهل البلاء فلا ينصب لهم الميزان، ولا ينشر لهم ديوان، فيصب عليهم الأجر صباً، حتى إن أهل العافية ليتمنون بالموقف أن أجسادهم قرضت بالمقاريض من حيث ثواب الله لهم ". وقد ذكر فيما سبق أن الذين يدخلون الجنة بغير حساب هم الصوفية العلية، لعل المراد بأهل البلاء ها هنا أيضا بلاء العشاق المحبين لله لرضائهم بالبلاء كرضائهم بالعطاء، وكذا المراد بالبكاء في قوله صلى الله عليه وسلم :" ما من شيء إلا وله مقدار وميزان، إلا الدمعة، فإنها يطفئ بها بحار من نار "، رواه البيهقي من حديث معقل بن يسار، بكار أهل العشق، وإلا فقد صح في الأحاديث وزن أعمال أهل البلاء كما في قوله صلى الله عليه وسلم :" بخ بخ بخمس ما أثقلهن في الميزان : لا إله إلا الله، وسبحان الله، والحمد لله، والله أكبر، والولد الصالح يتوفى للمرء المسلم فيحتسبه "، رواه النسائي وابن حبان والحاكم والبزار وأحمد والطبراني من حديث ثوبان وأبي سلمى، ولا شك أن وفاة الولد من البلاء، والشهادة التي ذكرت في حديث ابن عباس أيضا من البلاء، والله تعالى أعلم. فإن قيل : روى أحمد بسند صحيح عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" يوضع الموازين يوم القيامة فيؤتى بالرجل فيوضع في كفة، ويوضع ما أحصى عليه، فتمايل به الميزان، فيبعث به إلى النار، فإذا أدبر إذ صائح يصيح من عند الرحمان لا تعجلوا فإنه قد بقي له، فيؤتى ببطاقة فيها لا إله إلا الله، فيوضع مع الرجل حتى يميل به الميزان "، وروى الحاكم - وصححه- وابن حبان والترمذي عنه نحوه، وعن أبي سعيد وابن عباس وغيرهما ما يؤيده في عمره فكيف يخف ميزان المؤمن، فإنه لا يخلو مؤمن من قول لا إله إلا الله ولو مرة واحدة في عمره ؟ قلنا : أحكام الآخرة كلها -يعني أكثرها - من القضايا المهملة في قوة الجزئية، قلما تكون منها كلية، والأمر منوط بفضل الله، ومدار الأعمال على الإخلاص ومقداره، والله أعلم.
٢ سورة الرحمان، الآية: ٤١..
٣ سورة الأنفال، الآية: ٣٧..