تفسير سورة طه

تفسير القرآن الكريم
تفسير سورة سورة طه من كتاب تفسير القرآن الكريم .
لمؤلفه شحاته . المتوفي سنة 1423 هـ
أهداف سورة طه
نزلت سورة طه بعد سورة مريم، وقد نزلت سورة مريم فيما بين الهجرة إلى الحبشة وحادثة الإسراء، فيكون نزول سورة طه في ذلك التاريخ أيضا. أي : بعد السنة السابعة من البعثة وقبل السنة الحادية عشرة من البعثة.
وفي المصاحف المطبوعة بالقاهرة : سورة طه مكية إلا آيتي : ١٣١، ١٣٠ فمدنيتان، وآياتها ١٣٥ آية، نزلت بعد مريم.
وقال الفيروزبادي : السورة مكية إجماعا، وكلماتها ١٣٤١ كلمة ولها اسمان : طه ؛ لافتتاح السورة بها، وسورة موسى ؛ لاشتمالها على قصته مفصلة. ١.
معنى طه :
قيل : معناها : يا رجل، وقيل : معناها : يا إنسان، وقال آخرون : هي اسم من أسماء الله وقد أقسم الله به، وقال آخرون : هي حروف مقطعة مكونة من الطاء والهاء يدل كل حرف منها على معنى واختلفوا في ذلك المعنى اختلافهم في المص وقد ذكرنا ذلك في التعريف بسورة الأعراف، قال ابن جرير الطبري : والذي هو أولى بالصواب عندي من الأقوال فيه قول من قال : معناها : يا رجل ؛ لأنها كلمة معروفة في عك فيما بلغني وأن معناها : يا رجل. ٢.
وقيل : أصله طأها على أنه أمر لرسول الله صلى الله عليه وسلم بأن يطأ الأرض بقدميه فإنه كان يقوم الليل حتى ورمت قدماه من طول القيام. قد أبدلت الألف من الهمزة، والهاء كناية عن الأرض. ٣.
والمعنى : طإ الأرض بقدميك يا محمد، وهون على نفسك في القيام وارأف بنفسك ؛ ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى به تعبا، بل لتسعد به وتذكر به الناس.
أهداف السورة
من أهداف سورة طه :
تيسير الأمر على رسول الله صلى الله عليه وسلم وبيان : فضل الله الواسع على رسله وأصفيائه وبيان وظيفة الرسول وحصرها في الدعوة والتذكرة والتبشير والإنذار، ثم ترك أمر الخلق بعد ذلك إلى الله الواحد الذي لا إله غيره، المهيمن على ظاهر الكون وباطنه، الخبير بظواهر القلوب وخوافيها، الذي تعنوا له الجباه، ويرجع إليه الناس : طائعهم وعاصيهم.. فلا على الرسول ممن يكذب ويكفر، ولا يشقى لأنهم يكذبون ويكفرون.
ثم تعرض السورة قصة موسى من حلقة الرسالة إلى حلقة اتخاذ بني إسرائيل للعجل بعد خروجهم من مصر مفصلة مطولة، وبخاصة موقف المناجاة بين الله وكليمه موسى، وموقف الجدل بين موسى وفرعون وموقف المباراة بين موسى والسحرة.. وتتجلى في غضون القصة رعاية الله لموسى الذي صنعه على عينه واصطنعه لنفسه، وقال له ولأخيه :﴿ لا تخافا إنني معكما أسمع وأرى ﴾. ( طه : ٤٦ ).
ثم تعرض السورة قصة آدم سريعة قصيرة، تبرز فيها رحمة الله لآدم بعد خطيئته، وهدايته له، وترك البشر من أبنائه لما يختارون من هدى أو ضلال بعد التذكير والإنذار.
وتحيط بقصة آدم مشاهد القيامة، وكأنما هي تكملة لما كان أول الأمر في الملإ الأعلى من خلق آدم ؛ حيث يعود الطائعون من ذريته إلى الجنة، ويذهب العصاة من ذريته إلى النار ؛ تصديقا لما قيل لأبيهم آدم وهو يهبط إلى الأرض بعد خروجه من الجنة.
ونلحظ أن السياق يمضي في هذه السورة في شوطين اثنين :
الشوط الأول : يتميز مطلع الصورة بالخطاب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم :﴿ ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى. إلا تذكرة لمن يخشى ﴾. ( طه : ٣، ٢ ).
ثم تتبعه قصة موسى نموذجا كاملا لرعاية الله سبحانه لمن يختارهم لإبلاغ دعوته فلا يشقون بها وهم في رعايته.
والشوط الثاني : يتضمن مشاهد القيامة وقصة آدم وهما يسيران في اتجاه مطلع السورة وقصة موسى. ثم ختام السورة بما يشبه مطلعها ويتناسق معه ومع جو السورة.
وللسورة ظل خاص يغمر جوها كله.. ظل علوي جليل تخشع له القلوب، وتسكن له النفوس، وتعنوا له الجباه.. إنه الظل الذي يخلعه تجلي الرحمن على عبده موسى بالوادي المقدس. في تلك المناجاة الطويلة، والليل ساكن وموسى وحيد، والوجود كله يتجاوب بذلك النجاء الطويل.. وهو الظل الذي يخلعه تجلي القيوم في موقف الحشر العظيم :﴿ وخشعت الأصوات للرحمن فلا تسمع إلا همسا ﴾. ( طه : ١٠٨ ).
﴿ وعنت الوجوه للحي القيوم وقد خاب من حمل ظلما ﴾. ( طه : ١١١ ).
والإيقاع الموسيقي للسورة كلها يستطرد في مثل هذا الجو من مطلعها إلى ختامها رخيا شجيا نديا بذلك المد الذاهب مع الألف المقصورة في القافية كلها تقريبا. ٤.
قصة موسى في القرآن
بدأت سورة طه بمقدمة مؤثرة عن القرآن وعن صفات الله وأسمائه الحسنى، ثم قص الله على رسوله حديث موسى. نموذجا لرعايته للمختارين ؛ لحمل دعوته وقصة موسى هي أكثر القصص ورودا في القرآن.
وهي تعرض في حلقات تناسب السورة التي تعرض فيها وجوها وظلها. وقد وردت حلقات منها حتى الآن في سورة البقرة وسورة المائدة وسورة والأعراف وسورة يونس وسورة الإسراء وسورة الكهف وذلك غير الإشارات إليها في سور أخرى.
وما جاء منها في المائدة كان حلقة واحدة : حلقة وقوف بني إسرائيل أمام الأرض المقدسة لا يدخلون فيها ؛ لأن فيها قوما جبارين.
وفي سورة الكهف كانت كذلك حلقة واحدة، حلقة لقاء موسى للعبد الصالح وصحبته فترة وقد سبق الحديث عنها في دروس من سورة الكهف بعنوان : قصة موسى والخضر.
فأما في البقرة والأعراف ويونس وفي هذه السورة- طه- فقد وردت منها حلقات كثيرة ولكن هذه الحلقات تختلف في سورة عنها في الأخرى. تختلف الحلقات المعروضة. كما يختلف الجانب الذي تعرض منه تنسيقا له مع اتجاه السورة التي يعرض فيها.
وفي البقرة سبقتها قصة آدم وتكريمه في الملإ الأعلى... فجاءت قصة موسى وبني إسرائيل ؛ تذكيرا لبني إسرائيل بنعمة الله عليهم وعهده إليهم وإنجائهم من فرعون وملئه، واستسقائهم وتفجير الينابيع لهم، وإطعامهم المن والسلوى. وذكرت عدوانهم في السبت وقصة البقرة، وفي الأعراف سبقها الإنذار وعواقب المكذبين بالآيات قبل موسى عليه السلام فجاءت قصة موسى تعرض ابتداء من حلقة الرسالة. وتعرض فيها آيات العصا واليد والطوفان والجراد والقمل والضفادع وتعرض حلقة السحرة بالتفصيل، وخاتمة فرعون وملئه المكذبين، وفي يونس سبقها عرض مصارع المكذبين، ثم عرض منها حلقات ثلاث : حلقة الرسالة، وحلقة السحرة، وحلقة غرق فرعون.
أما هنا في سورة طه فقد كان مطلع السورة يشف عن رحمة الله ورعايته لمن يصطفيهم لحمل رسالته وتبليغ دعوته، فجاءت القصة مظللة بهذا الظل تبدأ بمشهد المناجاة، وتتضمن نماذج من رعاية الله لموسى في طفولته وشبابه ورجولته، وتثبيته وتأييده وحراسته وتعهده.
قصة موسى في سورة طه
ولد موسى في مصر ونما وترعرع في بيت فرعون ثم قتل قتيلا خطأ فخرج هاربا إلى أرض مدين وهناك تزوج بنت نبي الله شعيب ومكث في أرض مدين عشر سنين. ثم عاد بأهله إلى مصر.
وفي الطريق أدركته عناية الله ومن الله عليه بالرسالة والعناية.. وناداه. ﴿ إني أنا ربك فاخلع نعليك إنك بالواد المقدس طوى. وأنا اخترتك فاستمع لما يوحى ﴾ز ( طه : ١٣، ١٢ ).
وهذا الوحي يتعلق بثلاثة أمور مترابطة : الاعتقاد بالوحدانية، والتوجه بالعبادة، والإيمان بالساعة وهي أسس رسالة الله الواحدة. ومن نداء الله لموسى. ﴿ إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني وأقم الصلاة لذكري. إن الساعة آتية أكاد أخفيها لتجزي كل نفس بما تسعى ﴾. ( طه : ١٥، ١٤ ).
وخص الله موسى بمعجزات ظاهرة، وآيات باهرة ؛ أمره الله أن يلقى عصاه فألقاها فإذا هي حية تسعى، نمت وعظمت حتى غدأت في جلادة الثعبان، وضخامة الجان٥. لمحها موسى فاشتد خوفه فناداه الله :﴿ خذها ولا تخف سنعيدها سيرتها الأولى ﴾. ( طه : ٢١ ).
ثم أدخل موسى يده تحت إبطه فخرجت بيضاء بياضا يغلب نور الشمس ليس فيها بهاق أو برص أو مرض وتمت لموسى معجزتان هما اليد والعصا، فرأى آيات الله الكبرى، واطمأن للنهوض بالتبعة العظمى.
أمر الله موسى أن يذهب إلى فرعون رسولا وداعيا إلى الهدى ومبشرا بالجنة لمن أطاع الله وبالنار لمن عصاه.
فطلب موسى من ربه أن يشرح له صدره وأن ييسر له أمره وأن يحل حبسة لسانه ؛ ليفقه الناس قوله وأن يمن الله عليه بمعين من أهله هو وأخوه هارون.
واستجاب الله دعاء موسى وحباه بفضل زائد وذكره بأفضاله عليه صغيرا وناشئا حيث نجاه عندما قتل قتيلا خطأ وألقى عليه المحبة ورباه برعايته وصنعه بعين عنايته.. قال سبحانه :﴿ وألقيت عليك محبة منّى ولتصنع على عيني ﴾. ( طه : ٣٩ ).
وكانت عناية الله معه في شبابه حين نجاه من كيد أتباع فرعون، وكانت عناية الله معه في رحلته إلى أرض مدين ثم في عودته إلى أرض مصر على موعد وتدبير إلهي.. قال تعالى :﴿ وقتلت نفسا فنجيناك من الغم وفتناك فتونا فلبثت سنين في أهل مدين ثم جئت على قدر يا موسى. واصطنعتك لنفسي ﴾. ( طه : ٤١، ٤٠ ).
وكلف الله موسى أن يذهب مع أخيه هارون إلى فرعون بعد أن طغى فرعون وتجبر ؛ ليقولا له قولا لينا لا يهيج الكبرياء الزائف ولا يثير العزة بالإثم، لعل قلبه أن يتعظ أو يتذكر.
أدلة موسى على وجود الله
توجه موسى وهارون إلى فرعون ؛ ليبلغاه رسالة الله رب العالمين.
فقال فرعون :﴿ فمن ربكما يا موسى ﴾. ( طه : ٤٩ ).
فأجاب موسى :﴿ ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى ﴾. ( طه : ٥٠ ).
وهي إجابة تلخص أكمل آثار الألوهية الخالقة المدبرة لهذا الوجود : هبة الوجود لكل موجود، وهبة خلقه على الصورة التي خلق بها، وهبة هدايته للوظيفة التي خلق لها.
وثنى فرعون بسؤال آخر :﴿ قال فما بال القرون الأولى ﴾. ( طه : ٥١ ).
ما شأن القرون التي مضت من الناس ؟ أين ذهبت ؟ ومن كان ربها ؟ وما يكون شأنها وقد هلكت لا تعرف إلهها هذا ؟
وأجاب موسى : إن علمها عند الله الذي لا تخفى عليه خافية وقد سجل عملها في كتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها، وقد تفضل الله على الناس بالنعم المتعددة ؛ فمهد لهم الأرض وذلل سبلها، وأنزل الماء من السماء ؛ فأجرى به نهر النيل وغيره من الأنهار ؛ ليخرج بالماء أزواجا متعددة من النباتات يستفيد منها الإنسان والحيوان، وقد خلق الإنسان من الأرض، ثم رزق من نباتها ومائها، ثم يعود إليها، ثم يبعث منها يوم القيامة.
عرض موسى هذه الآيات الكونية أمام فرعون وأراه المعجزات الظاهرة الملموسة من اليد والعصا.
ولكن فرعون قابل هذه المعجزات الواضحة، والحجج البالغة، بالجحود والكنود وأخذ فرعون يكيل التهم لموسى، ويسفه دعوته ويصفه بالطمع في الملك، ويصف معجزاته بأنها سحر ظاهر مبين.
موسى والسحرة
توعد فرعون موسى بأن يجمع له السحرة من كل مكان ؛ ليبطلوا سحره ويظهروا عجزه. وقبل موسى التحدي، وحدد يوم العيد واجتماع الناس في زينتها الجديدة موعدا للمبارزة ؛ حتى يشيع الحق ويظهر ظهور الشمس.
وجمعت السحرة في يوم العيد ولم يتخلف واحد منهم، فإذا بهم آلاف مع كل واحد منهم حبل وعصا وخيروا موسى قائلين : إما أن تلقي وإما أن نكون أول من ألقى }. ( طه : ٦٥ ).
فترك لهم موسى فرصة البدء واستبقى لنفسه الكلمة الأخيرة.
فتقدم السحرة وألقوا ما في أيديهم من حبال فتحركت الحبال وماجت بها الساحة وسحرت عيون المشاهدين وملأتهم بالرهبة والإجلال لهذا العمل العظيم.
وخشي موسى أن يخدع الناس عن الحق وأدركه خوف الداعية على دعوته ؛ فذكره الله بأن معه قوة كبرى، وبأنه على الحق وعدوه على الباطل، وبأنه رسول مؤيد بالمعجزة، وعدوه ساحر مضلل مخادع.
{ قلنا ل

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿ طه ( ١ ) ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى ( ٢ ) إلا تذكرة لمن يخشى ( ٣ ) تنزيلا ممّن خلق الأرض والسماوات العلى ( ٤ ) الرحمن على العرش استوى ( ٥ ) له ما في السماوات وما في الأرض وما بينهما وما تحت الثرى ( ٦ ) وإن تجهر بالقول فإنه يعلم السرّ وأخفى ( ٧ ) الله لا إله إلا هو له الأسماء الحسنى ( ٨ ) ﴾
التفسير :
١- طه.
هذه الحروف المقطعة في فواتح السور للعلماء فيها رأيان رئيسيان :
الأول : أنها مما استأثر الله تعالى بعلمه.
الثاني : أن لها معان وتعددت آراء العلماء في معانيها.
( أ‌ ) قيل : هي أدوات للتنبه كالجرس الذي يُقرع فيتنبه التلاميذ إلى دخول المدرسة فهي مثل ألا الاستفتاحية.
( ب‌ ) قيل : حروف للتحدي والإعجاز، وبيان : أن القرآن مركب من حروف عربية تنطقون بها، وقد عجزتم عن الإتيان بمثله.
( ج ) وقيل : هي إشارة إلى أسماء الله تعالى أو صفاته.
( د ) وقيل : هي علامة على انتهاء سورة وابتداء أخرى.
وقال ابن عباس : طه : معناها : يا رجل.
وقال آخرون : هي اسم للرسول محمد صلى الله عليه وسلم.
وقيل : معناها : طإ الأرض بقدميك
المفردات :
لتشقى : لتتعب وتنصب.
٢- ﴿ ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى ﴾.
القرآن رحمة ونعمة، وتذكرة وروح وحياة، وصلة بالملإ الأعلى.
وكان الرسول صلى الله عليه وسلم حريصا على هداية قومه، ودعوتم إلى الإيمان، وكلما أعرضوا عن الإسلام حزن وتألم ؛ فناداه الله، وبين أنه أنزل القرآن للتبليغ والتذكير. أما الهدى فبيد الله تعالى ؛ فلا تحزن عليهم، ولا تفرط في الأسى على كفرهم وعنادهم ؛ قال تعالى :﴿ فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا ﴾. ( الكهف : ٦ ).
وروي : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لما نزل عليه القرآن صلى هو وأصحابه فأطال القيام، فقالت قريش : ما أنزل الله هذا القرآن على محمد إلا ليشقى ؛ فنزلت هذه الآية.
والشقاء يأتي في اللغة بمعنى : التعب، والعناء، ومنه المثل العربي ( أشقى من رائض مهر ) أي : أتعب من مروض المهر ومعلمه حتى يذلل للركوب.
ومنه قول أبي الطيب المتنبي :
ذو العقل يشقى في النعيم بعقله وأخو الجهالة في الشقاوة ينعم
وقصارى معنى الآية :
إنا أنزلنا عليك القرآن لتذكر به، فمن آمن وأصلح فلنفسه، ومن كفر فلا يحزنك كفره، إن عليك إلا البلاغ، ولست عليهم بمسيطر، وفي الآية إيناس وتسليه وحنان للرسول صلى الله عليه وسلم مما كان يعانيه، من جحود قومه وعنادهم ؛ وقريب من معناها قوله تعالى :﴿ ليس عليك هداهم... ﴾ ( البقرة : ٢٧٢ ). ﴿ إن عليك إلا البلاغ... ﴾ ( الشورى : ٤٨ ).
{ فذكر إنما أنت مذكّر. لست عليهم بمسيطر... ( الغاشية : ٢٢، ٢١ ).
المفردات :
تذكرة : تذكيرا وعظة.
يخشى : يخاف الله.
التفسير :
٣- ﴿ إلا تذكرة لمن يخشى ﴾.
أي : ما أنزلنا القرآن إلا عظة لمن رق قلبه، وأضاءت بصيرته بنور القرآن فاستجاب له.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( إن النور إذا دخل القلب اتسع له الصدر وانشرح ) قيل : يا رسول الله، هل لذلك من علامة ؟ قال :( نعم التجافي عن دار الغرور، والإنابة إلى دار الخلود، والاستعداد للموت قبل نزول الموت ) ثم تلا قوله تعالى :﴿ أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه ﴾٦. ( الزمر : ٢٢ ).
المفردات :
العُلى : واحدها : العليا مؤنثة الأعلى، مثل : الكبرى مؤنثة الأكبر.
التفسير :
٤- ﴿ تنزيلا ممن خلق الأرض والسماوات العلى ﴾.
نزل القرآن تنزيلا من إله عظيم خلق الأرض وما عليها، والسماوات العلى، المرتفعة العلياء. وما يستطيع خلق هذه السماوات العلى، وحفظها ملايين السنين سوى الإله الواحد الأحد سبحانه وتعالى.
والعلى جمع العليا ؛ مثل : كبرى وكبُر، وصغرى وصغُر، وعليا وعُلى.
المفردات :
العرش : سرير الملك، ويراد به في لسان الشرع : مركز تدبير العالم.
استوى : استولى عليه.
قال الشاعر :
استوى بشر على العراق من غير سيف ودم مهراق
التفسير :
٥- ﴿ الرحمن على العرش استوى ﴾.
الله سبحانه هو المهيمن على الكون كله، والمبدع لنظامه، والاستواء على العرش كفاية عن غاية السيطرة والاستعلاء، والإمساك بنظام الكون. وقد ذكر العرش في القرآن الكريم في إحدى وعشرين آية، وقد ذهب سلف الأمة، ومنهم الأئمة الأربعة، إلى أن هذه الآية صفة لله تعالى بلا كيف ولا انحصار ولا تشبيه ولا تمثيل ؛ لاستحالة اتصافه تعالى بصفات المحدثين، ولوجوب تنزيهه تعالى عما لا يليق به ﴿ ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ﴾. ( الشورى : ١١ ). وأنه يجب الإيمان بهذه الآيات كما وردت وتفويض العلم بحقيقتها إليه تعالى.
أما الخلف فقد أولوا هذه الآية بمعان تليق بذات الله تعالى. فقالوا :﴿ الرحمن على العرش استوى ﴾.
أي : استولى وسيطر وهيمن وأبدع ونظم ملك هذا الكون بلا خلل ولا اضطراب.
المفردات :
الثرى : التراب النديّ، والمراد به هنا : مطلق التراب.
التفسير :
٦- ﴿ له ما في السماوات وما في الأرض وما بينهما وما تحت الثرى ﴾.
الله تعالى له ما في الوجود كله، والمشاهد الكونية في القرآن تستخدم لإبراز معنى الملك والإحاطة والتدبير ؛ في صورة يدركها التصور البشري والأمر أكبر من ذلك جدا، فلله ما في الوجود كله، وهو الملك والمالك لكل شيء. فجميع ما في الكون ملكه وفي قبضته وتحت تصرفه ومشيئته، وإرادته وحكمه، وهو خالق ذلك ومالكه، وإلهه لا إله سواه٧.
وهذا الكون أكبر مما في السماوات وما في الأرض وما بينهما وما تحت الثرى.
وقال المفسرون :
له سبحانه ما في الوجود كله، السماوات السبع، والأرضون وما بينهما من المخلوقات، وما تحت التراب من معادن ومكنونات، الكل ملكه وتحت تصرفه وقهره وسلطانه.
المفردات :
أخفى : يعلم الله ما هو أخفى من السر، وهو ما أخطرته ببالك دون أن تتفوه به بحال.
التفسير :
٧- ﴿ وإن تجهر بالقول فإنه يعلم السّر وأخفى ﴾.
فملكه لجميع الكون، وعلمه شامل للجهر والسر، وما هو أخفى من السر كخطرات النفس، وأسرار الغد وما بعده الذي لا يعلمها العبد في يومه. سبحان من أحاط بكل شيء علما !
المفردات :
الأسماء : الصفات.
الحسنى : مؤنثة الأحسن.
التفسير :
٨- ﴿ الله لا إله إلا هو له الأسماء الحسنى ﴾.
ربكم هو المتفرد بالوحدانية، لا معبود بحق سواه ؛ فيجب أن يخلص الخلق له العبادة والطاعة، ولا أحد غيره يستحق ذلك، وهو صاحب الأسماء الحسنة، الفضلى والعظمى ؛ لدلالتها على معاني التقديس والتمجيد والتعظيم، والنهاية في السمو والكمال، والحكمة والسداد. وفي صحيح البخاري ومسلم : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( إن لله تسعة وتسعين اسما، من أحصاها ؛ دخل الجنة )٨.
﴿ وهل أتاك حديث موسى( ٩ ) إذ رأى نارا فقال لأهله امكثوا إني آنست نارا لعلي آتيكم منها بقبس أو أجد على النار هدى( ١٠ ) فلما آتاها نودي يا موسى( ١١ ) إني أنا ربك فاخلع نعليك إنك بالواد المقدس طوى ( ١٢ ) وأنا اخترتك فاستمع لما يوحى ( ١٣ ) إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني وأقم الصلاة لذكري ( ١٤ ) إن الساعة آتية أكاد أخفيها لتجزى كل نفس بما تسعى ( ١٥ ) فلا يصدنك عنها من لا يؤمن بها واتبع هواه فتردى ( ١٦ ) ﴾
المفردات :
الحديث : كل كلام يبلغ الإنسان، من جهة السمع أو الوحي، في يقظته أو في منامه.
تمهيد :
تأتي قصة موسى، بعد مطلع سورة طه، وفي هذا المطلع بيان : لعظمة الحق سبحانه، وعظيم ملكه وسلطانه، وفي قصة موسى جانب من هذا الفضل والحنان، والاصطفاء لموسى، وتسجيل لجهاده وصبره أمام عناد فرعون، وفي هذا القصص تثبيت لقلب الرسول صلى الله عليه وسلم، وإيناس له، ودعوة له إلى الصبر كما صبر المرسلون قبله، قال تعالى :﴿ فاصبر كما صبر أولوا العزم من الرسل... ﴾ ( الأحقاف : ٣٥ )، وقال عز شأنه :﴿ وكلا نقص عليك من أنبياء الرسل ما نثبت به فؤادك ﴾. ( هود : ١٢٠ ).
التفسير :
٩- ﴿ وهل أتاك حديث موسى ﴾.
وهل بلغك كيف كان ابتداء الوحي إلى موسى، وتكليم الله إياه ؟
ومن سنن العربية أنه إذا أريد تثبيت الخبر، وتقرير الجواب في نفس المخاطب، أن يلقى إليه بطريق الاستفهام ؛ فيقول المرء لصاحبه : هل بلغك كذا وكذا، فيتطلع السامع إلى معرفة الخبر، ويصغى إليه أتم الإصغاء.
ذكر المفسرون : أن موسى أتم المدة التي تعاقد عليها مع صهره شعيب، فإذا بالحنين والشوق يتجدد في قلبه للعودة إلى مصر.
وهنا يتساءل الإنسان، رجل مستقر في موضع فيه الزوجة والأهل والأمن والأمان.
وله في مصر عداوة وتهديد، فقد قتل قبطيا كان يتشاجر مع إسرائيلي، ثم استغفر الله، وقد خرج من مصر خائفا يترقب، قال : رب نجني من القوم الظالمين، لكن الحنين يتجدد في العودة إلى مصر. فما سبب ذلك ؟ !
إنه الحنين الذي يودعه الله في القلوب ؛ لتتحرك في ستر خفي، بيد القدرة الغالبة المحركة لهذا الكون ؛ والمهيمنة عليه.
قال العلماء : إذا كانت منية الإنسان بأرض ؛ حرك الله همة العبد للذهاب إليها.
قدم موسى من أرض مدين إلى مصر، ومر بطور سيناء، في ليلة باردة شاتية مظلمة وضل الطريق، ونزل منزلا بين شعاب وجبال، وجعل يقدح بزند كان معه ليورى نارا، فلم تور المقدحة شيئا، وبينما هو يزاول ذلك ويعالجه، إذا رأى نارا من بعد عن يسار الطريق. ٩.
تمهيد :
تأتي قصة موسى، بعد مطلع سورة طه، وفي هذا المطلع بيان : لعظمة الحق سبحانه، وعظيم ملكه وسلطانه، وفي قصة موسى جانب من هذا الفضل والحنان، والاصطفاء لموسى، وتسجيل لجهاده وصبره أمام عناد فرعون، وفي هذا القصص تثبيت لقلب الرسول صلى الله عليه وسلم، وإيناس له، ودعوة له إلى الصبر كما صبر المرسلون قبله، قال تعالى :﴿ فاصبر كما صبر أولوا العزم من الرسل... ﴾ ( الأحقاف : ٣٥ )، وقال عز شأنه :﴿ وكلا نقص عليك من أنبياء الرسل ما نثبت به فؤادك ﴾. ( هود : ١٢٠ ).
المفردات :
المكث : الإقامة.
آنست : أبصرت.
آتيكم : أجيئكم.
بقبس : بشعلة مقتبسة على رأس عود ونحوه.
هدى : هاديا يدلني على الطريق.
التفسير :
١٠- ﴿ إذ رأى نارا فقال لأهله امكثوا إني آنست نارا لعلي آتيكم منها بقبس أو أجد على النار هدى ﴾.
١١- أبصر موسى نارا ؛ فقال لامرأته وولدها وخادمها مبشرا لهم : أقيموا مكانكم ؛ إني أبصرت نارا، وسأذهب إليها ؛ لعلني أجيئكم بشعلة مقتبسة، على رأس عود أو نحوه، أو أجد هاديا يرشدني إلى الطريق.
وكانت الليلة شاتية ذات ثلج وبرد وسحاب وضباب وظلام، قال تعالى :﴿ فلما قضى موسى الأجل وسار بأهله آنس من جانب الطور نارا قال لأهله امكثوا إني آنست نارا لعلي آتيكم منها بخبر أو جذوة من النار لعلكم تصطلون ﴾. ( القصص : ٢٩ ). ومعنى ﴿ تصطلون ﴾ : تستدفئون بها من البرد.
تمهيد :
تأتي قصة موسى، بعد مطلع سورة طه، وفي هذا المطلع بيان : لعظمة الحق سبحانه، وعظيم ملكه وسلطانه، وفي قصة موسى جانب من هذا الفضل والحنان، والاصطفاء لموسى، وتسجيل لجهاده وصبره أمام عناد فرعون، وفي هذا القصص تثبيت لقلب الرسول صلى الله عليه وسلم، وإيناس له، ودعوة له إلى الصبر كما صبر المرسلون قبله، قال تعالى :﴿ فاصبر كما صبر أولوا العزم من الرسل... ﴾ ( الأحقاف : ٣٥ )، وقال عز شأنه :﴿ وكلا نقص عليك من أنبياء الرسل ما نثبت به فؤادك ﴾. ( هود : ١٢٠ ).
١٢، ١١- ﴿ فلما آتاها نودي يا موسى. إني أنا ربك فاخلع نعليك إنك بالواد المقدس طوى ﴾.
لما وصل موسى إلى النار وجدها نارا بيضاء تتقد كأضوإ ما يكون، في شجرة خضراء، فلا ضوء النار يغير خضرتها، ولا خضرة الشجرة تغير ضوء النار ؛ وهناك سمع موسى النداء :﴿ يا موسى إني أنا ربك ﴾.
إنسان في هذا الكون، مخلوق من البشر، يصطفيه الله من خلقه ؛ ليحمله رسالة ربه، ويناديه ويكلمه تكليما ! ولك أن تتأمل هذا الفضل الإلهي : موسى فريد من تلك الفلاة، والليل دامس، والظلام شامل، والصمت مخيم، وهو ذاهب يلتمس النار التي آنسها في جانب الطور، ثم إذا به يسمع صوتا يتردد من السماء والأرض وكل ما في الكون :﴿ يا موسى. إني أنا ربك فاخلع نعليك إنك بالواد المقدس طوى ﴾. أي : إني أنا ربك الذي أكلمك، فاخلع النعلين من قدميك ؛ رعاية للأدب وأقبل ؛ ﴿ إنك بالواد المقدس طوى ﴾. أي : لأنك بالواد المطهر المسمى : طوى ؛ فاخلع نعليك ؛ ليحصل للقدمين بركته.
طوى ( بالضم ) منونا : اسم لذلك الوادي.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١١:تمهيد :
تأتي قصة موسى، بعد مطلع سورة طه، وفي هذا المطلع بيان : لعظمة الحق سبحانه، وعظيم ملكه وسلطانه، وفي قصة موسى جانب من هذا الفضل والحنان، والاصطفاء لموسى، وتسجيل لجهاده وصبره أمام عناد فرعون، وفي هذا القصص تثبيت لقلب الرسول صلى الله عليه وسلم، وإيناس له، ودعوة له إلى الصبر كما صبر المرسلون قبله، قال تعالى :﴿ فاصبر كما صبر أولوا العزم من الرسل... ﴾ ( الأحقاف : ٣٥ )، وقال عز شأنه :﴿ وكلا نقص عليك من أنبياء الرسل ما نثبت به فؤادك ﴾. ( هود : ١٢٠ ).
١٢، ١١- ﴿ فلما آتاها نودي يا موسى. إني أنا ربك فاخلع نعليك إنك بالواد المقدس طوى ﴾.
لما وصل موسى إلى النار وجدها نارا بيضاء تتقد كأضوإ ما يكون، في شجرة خضراء، فلا ضوء النار يغير خضرتها، ولا خضرة الشجرة تغير ضوء النار ؛ وهناك سمع موسى النداء :﴿ يا موسى إني أنا ربك ﴾.
إنسان في هذا الكون، مخلوق من البشر، يصطفيه الله من خلقه ؛ ليحمله رسالة ربه، ويناديه ويكلمه تكليما ! ولك أن تتأمل هذا الفضل الإلهي : موسى فريد من تلك الفلاة، والليل دامس، والظلام شامل، والصمت مخيم، وهو ذاهب يلتمس النار التي آنسها في جانب الطور، ثم إذا به يسمع صوتا يتردد من السماء والأرض وكل ما في الكون :﴿ يا موسى. إني أنا ربك فاخلع نعليك إنك بالواد المقدس طوى ﴾. أي : إني أنا ربك الذي أكلمك، فاخلع النعلين من قدميك ؛ رعاية للأدب وأقبل ؛ ﴿ إنك بالواد المقدس طوى ﴾. أي : لأنك بالواد المطهر المسمى : طوى ؛ فاخلع نعليك ؛ ليحصل للقدمين بركته.

تمهيد :
تأتي قصة موسى، بعد مطلع سورة طه، وفي هذا المطلع بيان : لعظمة الحق سبحانه، وعظيم ملكه وسلطانه، وفي قصة موسى جانب من هذا الفضل والحنان، والاصطفاء لموسى، وتسجيل لجهاده وصبره أمام عناد فرعون، وفي هذا القصص تثبيت لقلب الرسول صلى الله عليه وسلم، وإيناس له، ودعوة له إلى الصبر كما صبر المرسلون قبله، قال تعالى :﴿ فاصبر كما صبر أولوا العزم من الرسل... ﴾ ( الأحقاف : ٣٥ )، وقال عز شأنه :﴿ وكلا نقص عليك من أنبياء الرسل ما نثبت به فؤادك ﴾. ( هود : ١٢٠ ).
المفردات :
اخترتك : اصطفيتك.
لقد أراد الله لموسى أن يستجمع نفسه، وطهارة قدمه، وتركيز عقله وحواسه فقال سبحانه :
التفسير :
١٣-﴿ وأنا اخترتك فاستمع لما يوحى ﴾.
أي : اصطفيتك للرسالة والنبوة وتبليغ الدعوة ؛ فتأهب لهذا الأمر العظيم، واستمع لما أوحيه إليك، ونحو الآية قوله تعالى :﴿ قال يا موسى إني اصطفيتك على الناس برسالتي وبكلامي... ﴾ ( الأعراف : ١٤٤ ).
قال العلماء :
إن من أدب الاستماع، سكون الجوارح والأعضاء، وغض البصر، والإصغاء بالسمع، وحضور القلب، والعزم على العمل.
تمهيد :
تأتي قصة موسى، بعد مطلع سورة طه، وفي هذا المطلع بيان : لعظمة الحق سبحانه، وعظيم ملكه وسلطانه، وفي قصة موسى جانب من هذا الفضل والحنان، والاصطفاء لموسى، وتسجيل لجهاده وصبره أمام عناد فرعون، وفي هذا القصص تثبيت لقلب الرسول صلى الله عليه وسلم، وإيناس له، ودعوة له إلى الصبر كما صبر المرسلون قبله، قال تعالى :﴿ فاصبر كما صبر أولوا العزم من الرسل... ﴾ ( الأحقاف : ٣٥ )، وقال عز شأنه :﴿ وكلا نقص عليك من أنبياء الرسل ما نثبت به فؤادك ﴾. ( هود : ١٢٠ ).
المفردات :
لذكري : لتكون ذاكرا لي.
التفسير :
١٤-﴿ إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني وأقم الصلاة لذكري ﴾.
إنه نداء علوي إلهي من رب كريم تفضل على أحد خلقه فكلمه تكليما، وعلمه تعليما، فالكبرياء له وحده، والعظمة له وحده، فالعبد يحسن به التواضع، وإذا فعل كل شيء كان كأنه لم يفعل شيئا، أما الرب فهو وحده الذي يحق له الحمد والشكر، والعظمة والكبرياء ؛ فهو وحده الواحد الأحد، الخالق الرازق المهيمن المبدئ المعيد، الواجد الماجد.
﴿ إنني أنا الله لا إله إلا أنا ﴾. أنا المستحق للعبادة لا إله غيري، أنا الله خالق الكون والحياة والإنسان وسائر الموجودات، لا إله سواي، لا يقدر على الخلق غيري.
﴿ إنني أنا الله ﴾. لإثبات الألوهية لله وحده، لا إله إلا أنا لنفي الألوهية عن كل ما سواه، والمقصود : إثبات عقيدة التوحيد، واليقين الجازم، بأن التصرف في هذا الكون كله بيد الله وحده.
عن عبد الله بن عباس رضي الله عنه قال : كنت رديف النبي صلى الله عليه وسلم على بغلته فقال لي :( يا غلام، هل أعلمك كلمات ينفعك الله بهن في الدنيا والآخرة ؟ ) قلت : بلى يا رسول الله علمني، فقال :( يا غلام، احفظ الله يحفظ، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء ؛ ما نفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن يضروك بشيء ؛ لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، جفت الأقلام وطويت الصحف )١٠.
﴿ فاعبدني ﴾.
أي : وإذ كنت أنا الإله وحدي ولا معبود سواي ؛ فخصني بالعبادة والتذلل والانقياد في جميع ما كلفته به.
﴿ وأقم الصلاة لذكري ﴾.
ادخل في الصلاة بالخشوع، وحضور القلب وذكر الله ودعائه، والتوجه إليه دون سواه.
وخص القرآن الصلاة هنا ؛ لأنها صلة بين العبد وربه، ووسيلة للطهارة الحسية والمعنوية، وباب من أبواب الرفعة ؛ حين يتطهر الإنسان الفاني، ويكبر ويدخل في الصلاة فيناجي الإله الباقي، ويكبر ويسبح ويحمد خالقه، ومن له الحمد في الأولى والآخرة ؛ ولذا فإن الصلاة أفضل أركان الدين بعد التوحيد.
قال تعالى :﴿ وأقم الصلاة لذكري ﴾.
وقال سبحانه :﴿ اتل ما أوحي إليك من الكتاب وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون ﴾. ( العنكبوت : ٤٥ ).
تمهيد :
تأتي قصة موسى، بعد مطلع سورة طه، وفي هذا المطلع بيان : لعظمة الحق سبحانه، وعظيم ملكه وسلطانه، وفي قصة موسى جانب من هذا الفضل والحنان، والاصطفاء لموسى، وتسجيل لجهاده وصبره أمام عناد فرعون، وفي هذا القصص تثبيت لقلب الرسول صلى الله عليه وسلم، وإيناس له، ودعوة له إلى الصبر كما صبر المرسلون قبله، قال تعالى :﴿ فاصبر كما صبر أولوا العزم من الرسل... ﴾ ( الأحقاف : ٣٥ )، وقال عز شأنه :﴿ وكلا نقص عليك من أنبياء الرسل ما نثبت به فؤادك ﴾. ( هود : ١٢٠ ).
المفردات :
أكاد أخفيها : أبالغ في إخفائها ولا أظهرها.
التفسير :
١٥-﴿ إن الساعة آتية أكاد أخفيها لتجزى كل نفس بما تسعى ﴾.
إن الساعة قادمة لا محالة، والموت قادم ما في ذلك شك ؛ ﴿ كل نفس ذائقة الموت... ﴾ ( آل عمران : ١٨٥ ).
وقد أخفى الله الساعة ومعرفة الأجل ؛ حتى يجتهد الإنسان، ويعمل الأعمال الصالحة ؛ وهو مطلق السراح في هذه الدنيا فيكون الجزاء عادلا، ولو علم الناس وقت موتهم، فربما أسرفوا في الشهوات في حياتهم، ثم تابوا واستقاموا قبل موتهم ؛ لذلك أخفى الله علم الساعة، وميعاد الموت ؛ وإن كانت هناك النذر مثل الشيب، وكبر السن، والمرض، وموت الأقران، وقد يأتي الموت فجأة، قال تعالى :﴿ وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت إن الله عليم خبير ﴾. ( لقمان : ٣٤ ). وقال بعض المفسرين :
إن الساعة قادمة وحاصلة لا محالة أكاد أخفيها عن نفسي، فكيف أطلعكم عليها.
قال المبرد :
وهذا على عادة العرب، فإنهم يقولون إذا بالغوا في كتمان الشيء : كتمته حتى من نفسي، أي : لم أطلع عليه أحدا.
قال الطبري في تفسير الآية :
والذي هو أولى بتأويل الآية من القول، قول من قال : معناه : أكاد أخفيها من نفسي ؛ لأن المعروف من معنى الإخفاء في كلام العرب الستر، يقال : أخفيت الشيء ؛ إذا سترته، وإنما اخترنا هذا القول على غيره ؛ لموافقته أقوال أهل العلم من الصحابة والتابعين.
وجاء في تفسير ابن كثير ما يأتي :
قال ابن عباس :
﴿ أكاد أخفيها ﴾. أي : لا أطلع عليها أحدا غيري، وقال السدي : ليس أحد من أهل السماوات والأرض إلا قد أخفى الله عنه علم الساعة، وهي في قراءة ابن مسعود ( إني أكاد أخفيها من نفسي ) يقول : كتمتها من الخلائق، حتى لو استطعت أن أكتمها من نفسي فعلت.
قال قتادة : لقد أخفاها الله من الملائكة المقربين، ومن الأنبياء والمرسلين، قلت : وهذا كقوله تعالى ﴿ قل لا يعلم من في السماوات الغيب إلا الله... ﴾ ( النمل : ٦٥ ). وقال تعالى :﴿ ثقلت في السماوات والأرض لا تأتيكم إلا بغتة... ﴾ الأعراف : ١٨٧ ). أي : ثقل علمها على أهل السماوات والأرض.
﴿ لتجزي كل نفس بما تسعى ﴾ ؛ لتنال كل نفس جزاء ما عملت من خير أو شر، قال تعالى :﴿ فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره. ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره ﴾. ( الزلزلة : ٨، ٧ ).
تمهيد :
تأتي قصة موسى، بعد مطلع سورة طه، وفي هذا المطلع بيان : لعظمة الحق سبحانه، وعظيم ملكه وسلطانه، وفي قصة موسى جانب من هذا الفضل والحنان، والاصطفاء لموسى، وتسجيل لجهاده وصبره أمام عناد فرعون، وفي هذا القصص تثبيت لقلب الرسول صلى الله عليه وسلم، وإيناس له، ودعوة له إلى الصبر كما صبر المرسلون قبله، قال تعالى :﴿ فاصبر كما صبر أولوا العزم من الرسل... ﴾ ( الأحقاف : ٣٥ )، وقال عز شأنه :﴿ وكلا نقص عليك من أنبياء الرسل ما نثبت به فؤادك ﴾. ( هود : ١٢٠ ).
المفردات :
هواه : ما تهواه نفسه.
فتردى : فتهلك.
التفسير :
١٦- ﴿ فلا يصدنك عنها من لا يؤمن بها واتبع هواه فتردى ﴾.
قال ابن كثير :
الخطاب لموسى والمراد به : آحاد المكلّفين، أي : لا تتبعوا من كذب بالساعة، وأقبل على ملاذه في دنياه، وعصى مولاه واتبع هواه ؛ فمن وافقهم في ذلك ؛ فقد خاب وخسر. ﴿ فتردى ﴾. أي : تهلك وتعطب، قال الله تعالى :﴿ وما يغني عنه ماله إذا تردى ﴾. ( الليل : ١١ ).
والآيات السابقة من منن الله على عبده، وهي دعوة إلى التوحيد وإخلاص العبادة لله، وإقامة الصلاة كاملة الأركان، عامرة بالخشوع وحضور القلب، فالساعة قادمة، والموت حق، وسيجزى كل إنسان جزاء عمله، ولا ريب أن موسى قد نسي نفسه، واستغرق في سماع النداء الإلهي، ثم أفاق على سؤال لا يحتاج إلى جواب.
﴿ وما تلك بيمينك يا موسى ( ١٧ ) قال هي عصاي أتوكؤ عليها وأهش بها على غنمي ولي فيها مئارب أخرى ( ١٨ ) قال ألقها يا موسى ( ١٩ ) فألقاها فإذا هي حية تسعى ( ٢٠ ) قال خذها ولا تخف سنعيدها سيرتها الأولى ( ٢١ ) ﴾
التفسير :
١٧- ﴿ وما تلك بيمينك يا موسى ﴾.
إنه سؤال تمهيدي من الحق سبحانه وتعالى ؛ يسأله عما يحمله في يمينه أليست عصا عادية، أبعد ما تكون عن الحياة. إن قدرة الله تعالى قادرة على أن تدب فيها الحياة، وأن يضرب بها البحر عند الحاجة إلى الطرق اليابسة للمشي فيه، وأن يضرب بها الحجر عند الحاجة إلى نبع المياه منه.
﴿ وما تلك بيمينك يا موسى ﴾.
قال بعض المفسرين :
إنما قال له ذلك على سبيل الإيناس له، وفي هذا الموقف الرهيب، وقيل : إنما قال له ذلك على وجه التقرير، أي : أما هذه التي في يمينك عصاك التي تعرفها ؛ فسترى ما نصنع بها الآن. ﴿ وما تلك بيمينك يا موسى ﴾. استفهام تقرير.
المفردات :
أتوكأ عليها : أعتمد عليها في المشي، والوقوف على رأس القطيع ونحو ذلك.
وأهش بها : أخبط بها ورق الشجر اليابس ؛ ليسقط، فترعاه أغنامي.
مآرب : منافع، واحدها : مأربة ( مثلثة الراء ).
١٨- ﴿ قال هي عصاي أتوكؤ عليها وأهش بها على غنمي ولي فيها مئارب أخرى ﴾.
أي : الذي بيمناي هو عصاي ﴿ أتوكأ عليها ﴾. أي : أعتمد عليها ؛ لتساعدني في حال السير، ﴿ وأهش بها على غنمي ﴾. وأضرب بها الشجر اليابس ؛ ليسقط فترعاه أغنامي.
قال الإمام مالك : الهش : أن يضع الرجل المحجن في الغصن، ثم يحركه حتى يسقط ورقه وثمره، ولا يكسر العود فهذا الهش ولا يخبط.
﴿ ولي فيها مئارب أخرى ﴾. أي : مصالح ومنافع أخرى غير ذلك. وقد أجمل عليه السلام في المآرب، رجاء أن يسأله ربه عنها ؛ فيسمع كلامه مرة أخرى، ويطول الحديث، والنجاء والمناجاة، فما أجمل في أن يناجي عبد ربه، وأن يتفضل الرب باستماع عبده.
٢٠، ١٩- ﴿ قال ألقها يا موسى. فألقاها فإذا هي حية تسعى ﴾.
أي : قال الله لموسى : ألقها وارم بها على الأرض ؛ لترى من شأنها ما ترى، فلما ألقاها صارت في الحال حية عظيمة تسعى وتضطرب، تبتلع الصخرة، وتأكل الشجرة، وتلتهم ما يقابلها في سرعة وقوة.
قال المفسرون :
لما رأى موسى هذا الأمر العجيب الهائل، لحقه ما يلحق البشر ؛ عند رؤية الأهوال والمخاوف ؛ لا سيما هذا الأمر الذي يذهب بالعقول، وإنما أظهر الله له هذه الآية وقت المناجاة ؛ حتى يأنس بهذه المعجزة، وحتى لا يفزع إذا شاهدها أمام فرعون ؛ لأنه يكون قد تدرب وتعود عليها.
المفردات :
الحية : تطلق على الصغير والكبير، والذكر والأنثى من هذا النوع، الثعبان : العظيم من الحيات، الجان : الصغير من الحيات.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٩:
٢٠، ١٩- ﴿ قال ألقها يا موسى. فألقاها فإذا هي حية تسعى ﴾.
أي : قال الله لموسى : ألقها وارم بها على الأرض ؛ لترى من شأنها ما ترى، فلما ألقاها صارت في الحال حية عظيمة تسعى وتضطرب، تبتلع الصخرة، وتأكل الشجرة، وتلتهم ما يقابلها في سرعة وقوة.

قال المفسرون :

لما رأى موسى هذا الأمر العجيب الهائل، لحقه ما يلحق البشر ؛ عند رؤية الأهوال والمخاوف ؛ لا سيما هذا الأمر الذي يذهب بالعقول، وإنما أظهر الله له هذه الآية وقت المناجاة ؛ حتى يأنس بهذه المعجزة، وحتى لا يفزع إذا شاهدها أمام فرعون ؛ لأنه يكون قد تدرب وتعود عليها.

المفردات :
سيرتها الأولى : حالها الأولى وهي كونها عصا، يقال لكل من كان على أمر فتركه ثم عاد إليه : عاد فلان سيرته الأولى.
٢١- ﴿ قال خذها ولا تخف سنعيدها سيرتها الأولى ﴾.
والسياق هنا لا يذكر ما ذكر في سورة أخرى من أن موسى عندما رأى الحية هائلة كبيرة ولّى مدبرا قال تعالى :﴿ وأن ألق عصاك فلما رآها تهتز كأنها جان ولّى مدبرا ولم يعقب يا موسى أقبل ولا تخف إنك من الآمنين ﴾. ( القصص : ٣١ ) ؛ لأن سياق السورة سياق أمن ورحمة وطمأنينة فقال الحق هنا :﴿ قال خذها ولا تخف سنعيدها سيرتها الأولى ﴾. وفي سورة أخرى :﴿ إني لا يخاف لديّ المرسلون ﴾. ( النمل : ١٠ ). أي : أنت رسول كريم، ستحمل رسالة كلها أمن وأمان وتحمل تبعات.
ومعنى ﴿ خذها ولا تخف ﴾. أي : خذ عصاك ولا تخف منها ؛ فهي معجزة لك، تخيف غيرك، ولا تخف منها ؛ ﴿ سنعيدها سيرتها الأولى ﴾. سنرجعها إلى الحالة التي كانت عليها من قبل ؛ عصا تمسكها ؛ فأقدم على ذلك برباطة جأش دون تردد ولا ذعر.
فائدة :
ذكر الله هنا العصا : أنها تحولت إلى ﴿ حية تسعى ﴾. وذكر في سورة الشعراء : أنها تحولت إلى ﴿ ثعبان مبين ﴾. ( الشعراء : ٣٢ ).
وقال في سورة أخرى :﴿ تهتز كأنها جان ﴾. ( القصص : ٣١ ) والجان هو الحية الصغيرة الجسم، وهي أقدم على سرعة الحركة ولا تنافي بين هذه الصفات ؛ لأن الحية اسم جنس يطلق على الصغير والكبير، والذكر والأنثى، والثعبان : هو العظيم منها، والجان : هو الحية الصغيرة الجسم، السريعة الحركة ؛ فالحية كبيرة الجسم، لكنها في سرعة الحركة شبّهت بالجان في هذه الخاصية وهي سرعة التحرك، فاجتمع لها ضخامة الجسم مع سرعة الحركة التي يمتّع بها الصغير.
﴿ واضمم يدك إلى جناحك تخرج بيضاء من غير سوء آية أخرى ( ٢٢ ) لنريك من آياتنا الكبرى ( ٢٣ ) اذهب إلى فرعون إنه طغى ( ٢٤ ) قال ربّ اشرح لي صدري ( ٢٥ ) ويسّر لي أمري ( ٢٦ ) واحلل عقدة من لساني ( ٦٧ ) يفقهوا قولي ( ٢٨ ) واجعل لي وزيرا من أهلي ( ٢٩ ) هارون أخي ( ٣٠ ) اشدد به أزري ( ٣١ ) وأشركه في أمري ( ٣٢ ) كي نسبحك كثيرا ( ٣٣ ) ونذكرك كثيرا ( ٣٤ ) إنك كنت بنا بصيرا ( ٣٥ ) ﴾
المفردات :
الضم : الجمع.
يدك إلى جناحك : كفك تحت عضدك، وأصل الجناح للطائر، ثم أطلق على اليد والعضد والجنب، وهو المراد هنا.
السوء : المرض أو البرص.
آية أخرى : معجزة ثانية غير العصا.
تمهيد :
تتحدث الآيات عن معجزة موسى الثانية، وهي اليد إذا وضعها في جيبه ؛ خرجت كأنها ضوء القمر ؛ ثم دعاء موسى ربه أن يشرح صدره، وأن ييسر أمره.
التفسير :
٢٢- ﴿ واضمم يدك إلى جناحك تخرج بيضاء من غير سوء آية أخرى ﴾.
أي : أدخل يدك تحت إبطك ثم أخرجها بيضاء بياضا مضيئا كضوء الشمس والقمر، من غير عيب ولا برص.
﴿ آية أخرى ﴾. معجزة ثانية بعد معجزة العصا.
تمهيد :
تتحدث الآيات عن معجزة موسى الثانية، وهي اليد إذا وضعها في جيبه ؛ خرجت كأنها ضوء القمر ؛ ثم دعاء موسى ربه أن يشرح صدره، وأن ييسر أمره.
٢٣- ﴿ لنريك من آياتنا الكبرى ﴾.
كي تشاهد عظيم سلطاننا، وكامل قدرتنا، وبديع تصرفنا في ملكوت السماوات والأرض.
تمهيد :
تتحدث الآيات عن معجزة موسى الثانية، وهي اليد إذا وضعها في جيبه ؛ خرجت كأنها ضوء القمر ؛ ثم دعاء موسى ربه أن يشرح صدره، وأن ييسر أمره.
المفردات :
طغى : تجاوز الحد في عتوّه وتجبّره.
التفسير :
٢٤- ﴿ اذهب إلى فرعون إنه طغى ﴾.
أي : اذهب إلى فرعون رسولا، وادعه إلى عبادتي، واحذره نقمتي ؛ فإنه قد تجاوز قدره، وتمرّد على ربه حتى تجاسر على دعوى الربوبية ؛ وقال :﴿ أنا ربكم الأعلى ﴾. ( النازعات : ٢٤ ).
أخرج ابن أبي حاتم : عن وهب بن منبه : أن الله قال لموسى :( انطق برسالتي، فإنك بسمعي وعيني، وقد ألبستك جنة من سلطاني ؛ لتستكمل بها القوة في أمري، فأنت جند عظيم من جندي، بعثتك إلى خلق ضعيف من خلقي، بطر نعمتي، وأمن مكري، وغرته الدنيا عني، فبلّغه رسالتي، وادعه إلى عبادتي، وتوحيدي وإخلاصي، وذكره أيامي. وحذره من نقمتي وبأسي، وقل له فيما بين ذلك قولا لينا ؛ لعله يتذكر أو يخشى )١١.
تمهيد :
تتحدث الآيات عن معجزة موسى الثانية، وهي اليد إذا وضعها في جيبه ؛ خرجت كأنها ضوء القمر ؛ ثم دعاء موسى ربه أن يشرح صدره، وأن ييسر أمره.
إشرح لي صدري : وسعه لتحمل أعباء الرسالة.
٢٦، ٢٥- ﴿ قال رب اشرح لي صدري. ويسر لي أمري ﴾.
أي : دعا موسى ربه، حين علم بالمهمة العظيمة التي سيتوجه إليها ؛ فإنه كان في مصر وقد شاهد جبروت فرعون وظلمه وبطشه ؛ فطلب من الله العون فقال :﴿ رب اشرح لي صدري ﴾. اجعلني رابط الجأش ؛ حتى لا أخاف سواك، ولا أرهب غيرك، فأعطني الهمة والعزيمة، وألهمني التوفيق والقبول، واجعلني محبا لتبليغ الرسالة، وهون عليّ الصعب، ﴿ ويسّر لي أمري ﴾. اجعل بركتك معي، وعونك لي، وسهل عليّ القيام بما تكلفني به من تبليغ الرسالة ؛ فإن لم تكن أنت عوني ونصيري، وعضدي وظهيري وإلا فلا طاقة لي بذلك.
ويسّر لي أمري : سهل لي ما أمرتني به من تبليغ الرسالة.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٢٥:تمهيد :
تتحدث الآيات عن معجزة موسى الثانية، وهي اليد إذا وضعها في جيبه ؛ خرجت كأنها ضوء القمر ؛ ثم دعاء موسى ربه أن يشرح صدره، وأن ييسر أمره.
إشرح لي صدري : وسعه لتحمل أعباء الرسالة.
٢٦، ٢٥- ﴿ قال رب اشرح لي صدري. ويسر لي أمري ﴾.
أي : دعا موسى ربه، حين علم بالمهمة العظيمة التي سيتوجه إليها ؛ فإنه كان في مصر وقد شاهد جبروت فرعون وظلمه وبطشه ؛ فطلب من الله العون فقال :﴿ رب اشرح لي صدري ﴾. اجعلني رابط الجأش ؛ حتى لا أخاف سواك، ولا أرهب غيرك، فأعطني الهمة والعزيمة، وألهمني التوفيق والقبول، واجعلني محبا لتبليغ الرسالة، وهون عليّ الصعب، ﴿ ويسّر لي أمري ﴾. اجعل بركتك معي، وعونك لي، وسهل عليّ القيام بما تكلفني به من تبليغ الرسالة ؛ فإن لم تكن أنت عوني ونصيري، وعضدي وظهيري وإلا فلا طاقة لي بذلك.

تمهيد :
تتحدث الآيات عن معجزة موسى الثانية، وهي اليد إذا وضعها في جيبه ؛ خرجت كأنها ضوء القمر ؛ ثم دعاء موسى ربه أن يشرح صدره، وأن ييسر أمره.
واحلل عقدة من لساني : أزل ذلك التعقد والحبسة التي في لساني ؛ لئلا يستخف بي الناس، ولا يستمعوا لكلامي.
٢٨، ٢٧- ﴿ واحلل عقدة من لساني. يفقهوا قولي ﴾.
يسر لي القول والبيان، واجعل لساني فصيحا، وقولي واضحا ؛ حتى يفهمه الآخرون ويستوضحوا معناه ومبناه.
روي : أنه كانت بلسانه حبسة تمنعه من الاسترسال في الكلام ؛ وكان هارون عليه السلام هادئ الطبع، فصيح اللسان، ثابت الجنان، هادئ الأعصاب، وكان موسى عليه السلام انفعاليا، حادّ الطبع سريع الانفعال.
يفقهوا قولي : يفهموه.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٢٧:تمهيد :
تتحدث الآيات عن معجزة موسى الثانية، وهي اليد إذا وضعها في جيبه ؛ خرجت كأنها ضوء القمر ؛ ثم دعاء موسى ربه أن يشرح صدره، وأن ييسر أمره.
واحلل عقدة من لساني : أزل ذلك التعقد والحبسة التي في لساني ؛ لئلا يستخف بي الناس، ولا يستمعوا لكلامي.
٢٨، ٢٧- ﴿ واحلل عقدة من لساني. يفقهوا قولي ﴾.
يسر لي القول والبيان، واجعل لساني فصيحا، وقولي واضحا ؛ حتى يفهمه الآخرون ويستوضحوا معناه ومبناه.
روي : أنه كانت بلسانه حبسة تمنعه من الاسترسال في الكلام ؛ وكان هارون عليه السلام هادئ الطبع، فصيح اللسان، ثابت الجنان، هادئ الأعصاب، وكان موسى عليه السلام انفعاليا، حادّ الطبع سريع الانفعال.

تمهيد :
تتحدث الآيات عن معجزة موسى الثانية، وهي اليد إذا وضعها في جيبه ؛ خرجت كأنها ضوء القمر ؛ ثم دعاء موسى ربه أن يشرح صدره، وأن ييسر أمره.
وزيرا : معينا.
٣٠، ٢٩- ﴿ واجعل لي وزيرا من أهلي. هارون أخي ﴾.
أي : واجعل لي معينا من أهل بيتي، هارون أخي ؛ ليحمل معي أعباء الرسالة، ويكون ظهيرا لي عند الشدائد، وحلول المكاره.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٢٩:تمهيد :
تتحدث الآيات عن معجزة موسى الثانية، وهي اليد إذا وضعها في جيبه ؛ خرجت كأنها ضوء القمر ؛ ثم دعاء موسى ربه أن يشرح صدره، وأن ييسر أمره.
وزيرا : معينا.
٣٠، ٢٩- ﴿ واجعل لي وزيرا من أهلي. هارون أخي ﴾.
أي : واجعل لي معينا من أهل بيتي، هارون أخي ؛ ليحمل معي أعباء الرسالة، ويكون ظهيرا لي عند الشدائد، وحلول المكاره.

تمهيد :
تتحدث الآيات عن معجزة موسى الثانية، وهي اليد إذا وضعها في جيبه ؛ خرجت كأنها ضوء القمر ؛ ثم دعاء موسى ربه أن يشرح صدره، وأن ييسر أمره.
الأزر : القوة، يقال : آزره، أي : قواه وأعانه.
أشركه في أمري : اجعله شريكا لي في النبوة والرسالة.
٣٢، ٣١- ﴿ اشدد به أزري. وأشركه في أمري ﴾.
أي : أحكم به قوتي، واجعله شريكي في أمر الرسالة، حتى نتعاون على أدائها، على الوجه الذي يؤدي إلى أحسن الغايات، ويوصل إلى الغرض على أجمل السبل.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٣١:تمهيد :
تتحدث الآيات عن معجزة موسى الثانية، وهي اليد إذا وضعها في جيبه ؛ خرجت كأنها ضوء القمر ؛ ثم دعاء موسى ربه أن يشرح صدره، وأن ييسر أمره.
الأزر : القوة، يقال : آزره، أي : قواه وأعانه.
أشركه في أمري : اجعله شريكا لي في النبوة والرسالة.
٣٢، ٣١- ﴿ اشدد به أزري. وأشركه في أمري ﴾.
أي : أحكم به قوتي، واجعله شريكي في أمر الرسالة، حتى نتعاون على أدائها، على الوجه الذي يؤدي إلى أحسن الغايات، ويوصل إلى الغرض على أجمل السبل.

تمهيد :
تتحدث الآيات عن معجزة موسى الثانية، وهي اليد إذا وضعها في جيبه ؛ خرجت كأنها ضوء القمر ؛ ثم دعاء موسى ربه أن يشرح صدره، وأن ييسر أمره.
٣٤، ٣٣- ﴿ كي نسبحك كثيرا. ونذكرك كثيرا ﴾.
أي : إني طلبت أن يكون أخي هارون رسولا معي ؛ ليعاونني في أداء الرسالة، وليكون عونا لي في تسبيحك تسبيحا كثيرا، وذكرك ذكرا كثيرا ؛ فالتسبيح والذكر لله اتصال بالملإ الأعلى، واستعانة بمن بيده الخلق والأمر. وذكر الله دواء وشفاء، وهو سبحانه جليس من ذكره، ومعين من استعان به ؛ قال تعالى ﴿ والذاكرين الله كثيرا والذاكرات أعد الله لهم مغفرة وأجرا عظيما ﴾. ( الأحزاب : ٣٥ ).
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٣٣:تمهيد :
تتحدث الآيات عن معجزة موسى الثانية، وهي اليد إذا وضعها في جيبه ؛ خرجت كأنها ضوء القمر ؛ ثم دعاء موسى ربه أن يشرح صدره، وأن ييسر أمره.
٣٤، ٣٣- ﴿ كي نسبحك كثيرا. ونذكرك كثيرا ﴾.
أي : إني طلبت أن يكون أخي هارون رسولا معي ؛ ليعاونني في أداء الرسالة، وليكون عونا لي في تسبيحك تسبيحا كثيرا، وذكرك ذكرا كثيرا ؛ فالتسبيح والذكر لله اتصال بالملإ الأعلى، واستعانة بمن بيده الخلق والأمر. وذكر الله دواء وشفاء، وهو سبحانه جليس من ذكره، ومعين من استعان به ؛ قال تعالى ﴿ والذاكرين الله كثيرا والذاكرات أعد الله لهم مغفرة وأجرا عظيما ﴾. ( الأحزاب : ٣٥ ).

تمهيد :
تتحدث الآيات عن معجزة موسى الثانية، وهي اليد إذا وضعها في جيبه ؛ خرجت كأنها ضوء القمر ؛ ثم دعاء موسى ربه أن يشرح صدره، وأن ييسر أمره.
بصيرا : عليما بأحوالنا، لا نريد بالطاعة إلا رضاك.
٣٥- ﴿ إنك كنت بنا بصيرا ﴾.
إنك مطلع وشاهد، عليم بأحوالنا، وشدة حاجتنا إلى ما طلبناه منك.
﴿ قال قد أوتيك سألك يا موسى ( ٣٦ ) ولقد مننا عليك مرة أخرى ( ٣٧ ) إذ أوحينا إلى أمك ما يوحى ( ٣٨ ) أن اقذفيه في التابوت فاقذفيه في اليم فليلقه اليم بالساحل يأخذه عدو لي وعدو له وألقيت عليك محبة مني ولتصنع على عيني ( ٣٩ ) إذ تمشي أختك فتقول هل أدلكم على من يكفله فرجعناك إلى أمك كي تقر عينها ولا تحزن وقتلت نفسا فنجيناك من الغم وفتناك فتونا فلبثت سنين في أهل مدين ثم جئت على قدر يا موسى ( ٤٠ ) واصطنعتك لنفسي ( ٤١ ) ﴾
المفردات :
السؤل : بمعنى المسئول، كالخبز بمعنى المخبوز.
تمهيد :
أجاب الله دعاء موسى، وذكره بنعم الله السابقة عليه في : نجاته من الذبح، وإلقاء لمحبة عليه صغيرا فكل من رآه أحبه، والتقاط آل فرعون له، ورجوعه إلى أمه، وتربيته في بيت فرعون، وقتله للقبطي خطأ، وذهابه إلى أرض مدين عشر سنين ثم عودته ؛ على تقدير من الله لتلقي الرسالة.
التفسير :
٣٦- ﴿ قال قد أوتيت سؤلك يا موسى ﴾.
في جملة واحدة أجب الله دعاءه في جميع ما طلب متفضلا، متحننا، كريما، مجيبا. أي : قال الله لموسى : قد أعطيتك جميع ما سألتني عنه من : شرح صدرك، وتيسير أمرك، وحل عقدة لسانك، وجعل أخيك هارون وزيرا لك، وشدّ أزرك به، وإشراكك في الرسالة معك.
تمهيد :
أجاب الله دعاء موسى، وذكره بنعم الله السابقة عليه في : نجاته من الذبح، وإلقاء لمحبة عليه صغيرا فكل من رآه أحبه، والتقاط آل فرعون له، ورجوعه إلى أمه، وتربيته في بيت فرعون، وقتله للقبطي خطأ، وذهابه إلى أرض مدين عشر سنين ثم عودته ؛ على تقدير من الله لتلقي الرسالة.
مننا : أنعمنا.
مرة أخرى : في وقت آخر غير هذا الوقت.
٣٧- ﴿ ولقد مننا عليك مرة أخرى ﴾.
تفضلنا عليك بالنعم والمنن والرعاية والعناية ؛ بدون سؤال. ومن يعطي بدون سؤال، ويكلمك كفاحا بدون حجاب، ويرعاك صغيرا، وينجيك من المهالك، وييسر لك الرعاية والزواج والدفء ؛ أيضنّ عليك بإجابة ما تطلبه من أجل نجاح الرسالة والدعوة ؟ !
تمهيد :
أجاب الله دعاء موسى، وذكره بنعم الله السابقة عليه في : نجاته من الذبح، وإلقاء لمحبة عليه صغيرا فكل من رآه أحبه، والتقاط آل فرعون له، ورجوعه إلى أمه، وتربيته في بيت فرعون، وقتله للقبطي خطأ، وذهابه إلى أرض مدين عشر سنين ثم عودته ؛ على تقدير من الله لتلقي الرسالة.
أوحينا إلى أمك : ألهمناها ما يلهم مثل :﴿ وأوحى ربك إلى النحل ﴾. ( النحل : ٦٨ ).
٣٨- ﴿ إذ أوحينا إلى أمك ما يوحى ﴾.
ألهمنا أمك إلهاما، وأوقعنا في قلبها عزيمة صادقة، أن أمثل طريقة لنجاتك من فرعون وجنوده ؛ أن تضعك في صندوق.
تمهيد :
أجاب الله دعاء موسى، وذكره بنعم الله السابقة عليه في : نجاته من الذبح، وإلقاء لمحبة عليه صغيرا فكل من رآه أحبه، والتقاط آل فرعون له، ورجوعه إلى أمه، وتربيته في بيت فرعون، وقتله للقبطي خطأ، وذهابه إلى أرض مدين عشر سنين ثم عودته ؛ على تقدير من الله لتلقي الرسالة.
اقذفيه : ألقيه واطرحيه.
اليم : البحر والمراد به هنا : نهر النيل.
الساحل : الشاطئ.
ولتصنع على عيني : تربّى وتغذى بحفظي ورعايتي.
٣٩- ﴿ أن اقذفيه في التابوت فاقذفيه في اليم فليقه اليم بالساحل يأخذه عدو لي وعدو له وألقيت عليك محبة مني لتصنع على عيني ﴾.
إن عناية الله ومعونته إذا اشتملت إنسانا : تهيأ له كل خير.
عناية الله إن تولت ضعيفا تعبت في مراسه الأقوياء
ومن هذه العناية إلهام الأم في وقت الشدّة والمحنة، والخوف العظيم، أن تلقيه في صندوق، وتلقى الصندوق في نهر النيل، ويحمله النيل إلى شاطئ البحر ؛ حيث يجلس فرعون وزوجته، ويطلب فرعون إحضار الصندوق وفتحه، فإذا طفل رضيع عليه المحبة من الله ؛ فكل من رآه أحبه، حتى هذا الطاغية الجبار صاحب الجند والطغيان ؛ يقهره الله بحب الصبي والولوع به، والبحث له عن مرضعة ؛ وهكذا تجمع يد القدرة خيوط الرعاية لهذا الصبي، وتجمع بينه وبين أمه.
وإذا العناية لاحظتك عيونها نم فالمخاوف كلهن أمان
﴿ وألقيت عليك محبة مني ﴾.
ألقى الله محبته على موسى فكل من رآه أحبه، حتى أحبه فرعون، وأحبته امرأة فرعون، ﴿ وقالت وقالت امرأة فرعون قرة عين لي ولك لا تقتلوه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا وهم لا يشعرون ﴾. ( القصص : ٩ ).
﴿ ولتصنع على عيني ﴾.
أي : لتربي برعايتي وحفظي وحناني في قصر فرعون وأمام بصره، وأنت عدوه، ولكن ألقيت عليك المحبة ؛ فسلبت من فرعون كل عداوة، ووفر لك كل رعاية.
تمهيد :
أجاب الله دعاء موسى، وذكره بنعم الله السابقة عليه في : نجاته من الذبح، وإلقاء لمحبة عليه صغيرا فكل من رآه أحبه، والتقاط آل فرعون له، ورجوعه إلى أمه، وتربيته في بيت فرعون، وقتله للقبطي خطأ، وذهابه إلى أرض مدين عشر سنين ثم عودته ؛ على تقدير من الله لتلقي الرسالة.
يكفله : يضمه إلى نفسه.
تقرعينها : تسرّ.
الغم : الكدر الناشئ من خوف شيء أو فوات مقصود.
الفتون : الابتلاء والاختبار بالوقوع في المحن، ثم تخليصه منها.
لبثت : أقمت.
مدين : بلد بالشام.
جئت على قدر : موعد وقت مقدر للرسالة.
٤٠- ﴿ إذ تمشي أختك فتقول هل أدلكم على من يكفله فرجعناك إلى أمك كي تقر عينها ولا تحزن وقتلت نفسا فنجيناك من الغم وفتناك فتونا فلبثت سنين في أهل مدين ثم جئت على قدر يا موسى ﴾.
امتن الله على موسى بالعديد من المنن من بينها ما يأتي :
١- إلهام أمه أن تضعه في صندوق وأن تضع الصندوق في البحر.
٢- إلقاء المحبة عليه فكل من رآه أحبه.
٣- توفيق أخته حين تتبعت الصندوق وأرشدت آل فرعون إلى من يرضعه ويرعاه.
٤- عودته إلى أمه ؛ ليكون قرة عين لها، وليذهب عنها الحزن.
٥- قتل قبطيا خطأ ثم تاب إلى الله فتاب الله عليه، ونجاه الله من القتل.
٦- تعرض موسى للمحن والشدائد، وبعد أن كان في قصر الملك ونعمته يخرج من مصر خائفا يترقب ؛ ويؤجر نفسه عشر سنين، ويعيش غريبا.
٧- عودته وحنينه إلى مصر ؛ ليكون على موعد من القدر الإلهي ؛ حيث يتحمل الرسالة والنبوة.
تمهيد :
أجاب الله دعاء موسى، وذكره بنعم الله السابقة عليه في : نجاته من الذبح، وإلقاء لمحبة عليه صغيرا فكل من رآه أحبه، والتقاط آل فرعون له، ورجوعه إلى أمه، وتربيته في بيت فرعون، وقتله للقبطي خطأ، وذهابه إلى أرض مدين عشر سنين ثم عودته ؛ على تقدير من الله لتلقي الرسالة.
٤١- ﴿ واصطنعتك لنفسي ﴾.
اخترتك لرسالتي ونبوتي وتبليغ دعوتي، وجعلتك خالصا مخلصا لهذه الرسالة، وجعلتك واسطة بيني وبين خلقي في تبليغ الدين، وهدايتهم إلى التوحيد والشرع القويم، وجعلتك من خواصي، واصطفيتك برسالاتي وبكلامي، وصرفت عنك الدنيا، فلم يعد لك فيها شيء، وإنما صارت همتك في هذه الرسالة، وتحمل تبعاتها، والصبر على الكفاح من أجلها. حتى صرت من أولي العزم من الرسل، قال تعالى :﴿ فاصبر كما صبر أولوا العزم من الرسل... ﴾ ( الأحقاف : ٣٥ ).
﴿ اذهب أنت وأخوك بآياتي ولا تنيا في ذكري ( ٤٢ ) اذهبا إلى فرعون إنه طغى ( ٤٣ ) فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى ( ٤٤ ) قالا ربنا إننا نخاف أن يفرط علينا أو أن يطغى ( ٤٥ ) قال لا تخافا إنني معكما أسمع وأرى ( ٤٦ ) فأتياه فقولا إنا رسولا ربك فأرسل معنا بني إسرائيل ولا تعذبهم قد جئناك بآية من ربك والسلام على من اتبع الهدى ( ٤٧ ) إنا قد أوحي إلينا أن العذاب على من كذب وتولّى ( ٤٨ ) ﴾
المفردات :
الآيات : هي المعجزات، والمراد بها : العصا، واليد البيضاء.
ولا تنيا : لا تفترا ولا تقصرا.
في ذكري : في تبليغ رسالتي، فالذكر يطلق على كل العبادات، وتبليغ الرسالة من أعظمها.
التفسير :
٤٢- ﴿ اذهب أنت وأخوك بآياتي ولا تنيا في ذكري ﴾.
يفيد السياق السابق : أن المناجاة قد انتهت، وأن الله قد استجاب لموسى دعاءه، وأنزل الرسالة على هارون، وأمره أن ينضم إلى موسى في رسالتهما إلى فرعون، وهذا من بلاغة القرآن، أن يترك مساحة في القصة يفهمها السامع.
وخلاصة هذه المساحة : تمت المناجاة، واتجه موسى إلى مصر، وأوحى الله إلى هارون أن يلتقي به، ثم أوحى إليهما ما يأتي :﴿ اذهب أنت وأخوك بآياتي ولا تنيا في ذكري ﴾. اذهب يا موسى أنت وأخوك هارون بالرسالة والمعجزة، واستعينا بذكري وطاعتي ؛ فإن ذكر الله عون للعبد، في قضاء مهمته والانتصار على خصمه. ويمكن أن يطلق الذكر على تبليغ الرسالة ؛ لأنها من أعظم الذكر، أي : لا تقصرا في تبليغ دعوتي إلى فرعون وقومه.
طغى : تجاوز الحد.
٤٣- ﴿ اذهبا إلى فرعون إنه طغى ﴾.
أي : اتجها بالرسالة إلى فرعون فإنه قد طغى وبغى وتجاوز الحد وقال :﴿ أنا ربكم الأعلى ﴾. ( النازعات : ٢٤ ).
قولا لينا : لا عنف فيه ولا غلظة.
يتذكر : يتأمل فيذعن للحق ويؤمن.
يخشى : يخاف من بطش الله وعذابه.
٤٤- ﴿ فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى ﴾.
استعملا معه أسلوب الأدب والملاينة ؛ فإن ذلك أدعى أن يهدهد من كبريائه، ويحمله على النظر في الدعوة الموجهة إليه ﴿ لعله يتذكر ﴾. ربه وخالقه فيكف عن الكفر والتكذيب، ﴿ أو يخشى ﴾. من وقوع عذاب الله له فيؤمن بالرسالة.
وقد شرح القرآن الكريم أسلوب الدعوة إلى الله، وحث على أن تكون بالحكمة والهدوء واللين، والموعظة الحسنة التي ترقق القلب وتقوده إلى الحق، قال تعالى :﴿ ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن... ﴾ ( النحل : ١٢٥ ). وقال سبحانه في آيات أخرى :﴿ اذهب إلى فرعون إنه طغى. فقل هل لك إلى أن تزكى. وأهديك إلى ربك فتخشى ﴾. ( النازعات : ١٧-١٩ ). أي : هل لك يا فرعون إلى طريق يزكيك، ويطهرك ويعلي شأنك ؟ وأنا أقدم لك الهداية إلى الله ؛ رجاء أن تخشى عقابه وتطمع في رحمته.
يفرط : يعجل في العقوبة، من قولهم : فرس فارط، إذا كان سباقا للخيل.
يطغى : يزداد طغيانا.
٤٥- ﴿ قالا ربنا إننا نخاف أن يفرط علينا أو أن يطغى ﴾.
أي : قال موسى وهارون : ربنا وخالقنا، إننا نخاف من فرعون، أن يعجل بعقوبتنا قبل أن يشاهد الآيات. يقال فرط فلان يفرط ؛ إذا عاجل الآخر بالعقوبة، وأذاه بدون تمهل. ومنه قولهم : فرس فارط، أي : سابق لغيره من الخيل.
﴿ أو أن يطغى ﴾. يعتدي ويتجاوز الحد، فيقول في حقك يا ربنا ما لا نريد أن نسمعه ويقول في حقنا ما نحن براء منه، ويفعل معنا ما يؤذينا.
أسمع وأرى : أسمع وأرى ما يجري بينكما من قول أو فعل.
٤٦- ﴿ قالا لا تخافا إنني معكما أسمع وأرى ﴾.
أي : لا تخافا من فرعون، فإن ناصيته بيدي، وأنا معكما بمعونتي وعوني، أسمع كلامكما، وأرى حواركما، وسأمنحكما معونتي وحفظي، ونصري ومهابتي وتأييدي.
والخلاصة : لست بغافل عنكما، وإني سأفعل ما يؤدي إلى حفظكما ونصركما عليه، فلا تأبها به، ولا تهتما لأمره.
فأتياه : قابلاه وجها لوجه.
فأرسل معنا بني إسرائيل : فأطلقهم من الأسر.
ولا تعذبهم : لا تبقهم على ما هم عليه من العذاب والتسخير.
والسلام على من اتبع الهدى : السلامة من العذاب لمن صدق بآيات الله، الهادية إلى الحق.
٤٧- ﴿ فأتياه فقولا إنا رسولا ربك فأرسل معنا بني إسرائيل ولا تعذبهم قد جئناك بآية من ربك والسلام على من اتبع الهدى ﴾.
أي : اذهبا إلى فرعون وقابلاه وجها لوجه، وقولا له :﴿ إنا رسولا ربك ﴾. أرسلنا الله إليك بالرسالة وهو ربنا وربك، ولا رب سواه، فدعواك الربوبية دعوى باطلة.
﴿ فأرسل معنا بني إسرائيل ولا تعذبهم ﴾. أي : أطلق سراح بني إسرائيل، وأوقف عذابهم ؛ حيث كان يقتل الذكور منهم ويستحيي الإناث، ويسخرهم الأقباط في الأعمال الشاقة كالحفر والبناء.
﴿ قد جئناك بآية من ربك ﴾. والمراد بالآية : الجنس فيشمل اليد والعصا وغير ذلك من الآيات.
﴿ والسلام على من اتبع الهدى ﴾. والسلامة والأمن من العذاب في الدنيا والآخرة ؛ على من اتبع رسل ربه وآمن بآياته، واهتدى بها إلى الحق.
قال الزجاج : أي : من اتبع الهدى ؛ سلم من سخط الله وعذابه، وليس بتحية، والدليل على ذلك أنه ليس بابتداء لقاء ولا خطاب. ١ ه.
وبمثل هذا كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى هرقل ملك الروم، قال :( بسم الله الرحمان الرحيم، من محمد رسول الله إلى هرقل عظيم الروم، سلام على من اتبع الهدى، أما بعد : فإني أدعوك بدعاية الإسلام، فأسلم، تسلم، يؤتك الله أجرك مرتين )١٢.
وفي هذا ترغيب في التصديق على أتم وجوه ؛ بأسلوب حكيم لين فيه الموعظة الحسنة، والتبشير والدعوة إلى الله بالتي هي أحسن، وما أجمل طريقة القرآن، في دعوة الطغاة بالقول اللين ؛ تأليفا للقلوب، وتيسيرا للاستجابة.
تولّى : أعرض.
٤٨- ﴿ إنا قد أوحي إلينا أن العذاب على من كذّب وتولى ﴾.
تأتي هذه الآية تحذيرا وإنذارا لفرعون ومعناها : أن الله قد أوحى إلينا في الرسالة التي أرسلنا بها : أن العذاب الدنيوي والأخروي لمن كذب بالرسل وأعرض عن هدايات السماء. وفي معنى هذه الآية يقول الله تعالى :﴿ فأما من طغى. وآثر الحياة الدنيا. فإن الجحيم هي المأوى. وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى ﴾. ( النازعات : ٤١، ٣٧ ). وقال تعالى :﴿ فأنذرتكم نارا تلظّى. لا يصلاها إلا الأشقى. الذي كذب وتولى ﴾. ( الليل : ١٦، ١٤ ).
قال ابن كثير :
﴿ الذي كذب وتولّى ﴾ أي : كذب بقلبه، وتولى بفعله.
﴿ قال فمن ربكما يا موسى ( ٤٩ ) قال ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى ( ٥٠ ) قال فما بال القرون الأولى ( ٥١ ) قال علمها عند ربي في كتاب لا يضل ربي ولا ينسى ( ٥٢ ) الذي جعل لكم الأرض مهدا وسلك لكم فيها سبلا وأنزل من السماء ماءا فأخرجنا به أزواجا من نبات شتى ( ٥٣ ) كلوا وارعوا أنعامكم إن في ذلك لآيات لأولي النُّهَى ( ٥٤ ) منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى ( ٥٥ ) ﴾
تمهيد :
تحكي الآيات القديمة : الحوار الذي دار بين موسى عليه السلام هو وهارون من جهة، وفرعون من جهة أخرى.
التفسير :
٤٩- ﴿ قال فمن ربكما يا موسى ﴾.
أي : قال فرعون لموسى وهارون : من ربكما يا موسى ؟
ولم تذكر السورة كيف وصلا إليه ؛ لأن القرآن لا يهتم بجزئيات الأحداث التي لا تتوقف عليها العبر والعظات ؛ إنما يهتم بذكر الجوهر واللباب من الأحداث.
﴿ فمن ربكما يا موسى ﴾. أي : فمن هذا الرب الذي أرسلكما يا موسى. وقد جعل الخطاب هنا لموسى ؛ لظنه أن موسى هو الأصل، وأن هارون هو وزيره ومعاونه.
تمهيد :
تحكي الآيات القديمة : الحوار الذي دار بين موسى عليه السلام هو وهارون من جهة، وفرعون من جهة أخرى.
المفردات :
أعطى كل شيء خلقه : أي : وجوده والصورة التي تناسبه، والشكل الذي يشاكل ما نيط به من الخواص والمنافع، مثل العين والأذن واليد والرجل للإنسان.
ثم هدى : ثم عرفه كيف يرتفق ويستفيد بما أعطى له.
٥٠- ﴿ قال ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى ﴾.
أي : أعطى كل شيء في الكون ﴿ خلقه ﴾. أي : شكله وصورته التي تناسب الانتفاع به ؛ فالسماء والأرض والبحار والجبال، والشمس والقمر، والليل والنهار، والسحاب والرمال، والنجوم والشجر، والإنسان والدواب، والنبات وسائر المخلوقات ؛ خلقها الله على صورة تناسب الانتفاع بها.
﴿ ثم هدى ﴾. ثم ألهم الله المخلوقات للانتفاع بما أعطاها الله ؛ فالإنسان مثلا هداه الله إلى الانتفاع بالعين والأذن والعقل...
وخلاصة هذا : ربنا الذي خلق كل شيء على الوجه الذي يليق ؛ بما قدر له من المنافع والخواص، وأرشده كيف ينتفع بما خلق له، وجعل ذلك دليلا على وجوده، وعظيم جوده، وكأنه يقول : إن ذلك الخالق والهادي هو الله.
تمهيد :
تحكي الآيات القديمة : الحوار الذي دار بين موسى عليه السلام هو وهارون من جهة، وفرعون من جهة أخرى.
فما بال : فما حال ؟
٥١-﴿ قال فما بال القرون الأولى ﴾.
أي : فما حال القرون الماضية كعاد وثمود، والذين لم يعبدوا الله بل عبدوا غيره ؟
تمهيد :
تحكي الآيات القديمة : الحوار الذي دار بين موسى عليه السلام هو وهارون من جهة، وفرعون من جهة أخرى.
في كتاب : في دفتر مقيد فيه، والمراد بذلك : كمال علمه، الذي لا ضيع منه شيء.
ضل الشيء : أخطأه ولم يهتد إليه.
ونسيه : ذهب عنه ولم يخطر بباله.
فأجاب موسى :
٥٢-﴿ قال علمها عند ربي في كتاب لا يضل ربي ولا ينسى ﴾.
أي : إن هذه الأمم أفضت إلى ربها، وهو سبحانه علاّم الغيوب سجّل كل شيء وكتبه، كما قال سبحانه :﴿ هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون ﴾. ( الجاثية : ٢٩ ).
﴿ لا يضل ربي ولا ينسى ﴾.
لا يخطئ ربي في علمه ولا تخفى عليه خافية فإنه سبحانه أحاط بكل شيء علما.
﴿ ولا ينسى ﴾.
أي : لا ينسى شيئا ولا يفوته ولا يزول علمه عن أي شيء.
لقد حاول فرعون أن يصرف موسى، إلى الحديث عن القرون الماضية، التي هلكت ولم تعبد ربها، وهل لله معرفة بهذا الماضي السحيق، الضارب في القدم، وكان جواب موسى مختصرا وواضحا : إن علم ذلك إلى الله.
﴿ لا يضل ربي ولا ينسى ﴾.
أي : لا يخطئ ربي، ولا يغيب عن علمه شيء منها.
تمهيد :
تحكي الآيات القديمة : الحوار الذي دار بين موسى عليه السلام هو وهارون من جهة، وفرعون من جهة أخرى.
المهد : ما يمهد للصبي ويفرش له، أي : جعل الأرض كالمهد.
وسلك : سهّل.
السّبل : واحدها : سبيل أي : طريق.
أزواجا : أصنافا.
شتى : واحدها : شتيت، كمريض ومرضى، أي : مختلفة النفع والطعم واللون والشكل.
٥٣-﴿ الذي جعل لكم الأرض مهدا وسلك لكم فيها سبلا وأنزل من السماء ماءا فأخرجنا به أزواجا من نبات شتّى ﴾.
تشتمل هذه الآية على أربع نعم يشاهدها الناس في كل مكان، خصوصا في أرض مصر حيث يمتدّ النيل، وحوله الأرض الزراعية، وكان الأولى بفرعون أن يشكر ربه، ويعرف فضله، بدلا من الجحور والكفران.
﴿ الذي جعل لكم الأرض مهدا ﴾.
جعل الأرض كالمهد للطفل يحوطه ويحافظ عليه، وكذلك الكبار يمتهدون الأرض ويستقرون عليها، وينامون ويسافرون على ظفرها.
﴿ وسلك لكم فيها سبلا ﴾.
أي : جعل لكم الأرض طرقا بين الجبال والأودية ؛ تسلكونها من قطر إلى قطر، لقضاء مآربكم، ونحو الآية قوله تعالى :﴿ وجعلنا فيها فجاجا سبلا لعلهم يهتدون ﴾. ( الأنبياء : ٣١ ).
﴿ وأنزل من السماء ماءا فأخرجنا به أزواجا من نبات شتى ﴾.
في هذه الآية تحول من الغيبة إلى التكلم، تنويعا للكلام وتفخيما لفضل الرحمن ؛ فقد أنزل الله سبحانه المطر حيث ساق السحاب وأنزل المطر.
﴿ فأخرجنا به أزواجا من نبات شتى ﴾.
أي : أخرج الله بالمطر ألوانا وأنواعا من النبات ؛ متعددة الألوان والأشكال والطعوم، فهذا حلو وهذا حامض وهذا مُزّ. وهذا النبات أزواج ؛ منه الذكر والأنثى. قال تعالى :﴿ سبحان الذي خلق الأزواج كلها مما تنبت الأرض ومن أنفسهم ومما لا يعلمون ﴾. ( يس : ٣٦ ).
وهذا التكامل في الخلق آية تدل على كمال القدرة، فالإنسان والنبات والحيوان، والكون كله أزواج ؛ فالسماء والأرض، والسحاب سالب وموجب، والشمس والقمر، والأرض والجبال، والكواكب والأفلاك والأبراج، حتى نجم الشعري الكبير الهائل العظيم السرعة ؛ يسير بجواره نجم قزم يلازمه في مداره. قال تعالى :﴿ وأنه هو رب الشَّعْرى ﴾. ( النجم : ٤٩ ).
وكان العرب يعبدونها من دون الله ؛ فبين القرآن أن الله هو المستحق للعبادة ؛ دون سواه.
وقد ورد مثل هذه المعاني في أوائل سورة الرعد، قال تعالى :﴿ وهو الذي مد الأرض وجعل فيها رواسي وأنهارا من كل الثمرات جعل فيها زوجين اثنين يغشي الليل النهار إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون. وفي الأرض قطع متجاورات وجنات من أعناب وزرع ونخيل صنوان وغير صنوان يسقى بماء واحد ونفضل بعضها على بعض في الأكل إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون ﴾. ( الرعد : ٤، ٣ ).
تمهيد :
تحكي الآيات القديمة : الحوار الذي دار بين موسى عليه السلام هو وهارون من جهة، وفرعون من جهة أخرى.
لآيات : لدلالات.
النهي : واحدها : نُهية ( بالضم ) وهي العقل، سميّ بها ؛ لأنه ينهي صاحبه عن ارتكاب القبائح.
٥٤-﴿ كلوا وارعوا أنعامكم إن في ذلك لآيات لأولي النُّهى ﴾.
أي : كلوا من هذه النباتات، ومن خيرات الأرض المختلفة، واتركوا أنعامكم ترعى أيضا لتستفيد ؛ وتستفيدون بها، إن في ذلك- أي : النعم المذكورة السابقة- تمهيد الأرض، ووجود الطرق، ونزول المطر، وإنبات النبات أزواجا ؛ يستفيد منها الإنسان والحيوان.
في هذه النعم آيات ودلائل على عظيم قدرة الإله الخالق، لأصحاب العقول.
وقريب من هذه الآيات قوله تعالى :﴿ فلينظر الإنسان إلى طعامه. أنا صببنا الماء صبا. ثم شققنا الأرض شقا. فأنبتنا فيها حبا. وعنبا وقضبا. وزيتونا ونخلا. وحدائق غلبا. وفاكهة وأبّا. متاعا لكم ولأنعامكم ﴾. ( عبس : ٣٢، ٢٤ ).
تمهيد :
تحكي الآيات القديمة : الحوار الذي دار بين موسى عليه السلام هو وهارون من جهة، وفرعون من جهة أخرى.
٥٥-﴿ منها خلقناكم وفيها نعيدكم منها ونخرجكم تارة أخرى ﴾.
من هذه الأرٍض خلقنا أباكم آدم، وأنتم تبع له وفرع عنه، وإلى الأرض تعودون عند موتكم ؛ فتدفنون فيها، وتستقر فيها أجسامكم، ومن الأرض نخرجكم مرة أخرى للحساب والجزاء. وفي هذا المعنى يقول الله تعالى :﴿ قال فيها تحيون وفيها تموتون ومنها تخرجون ﴾. ( الأعراف : ٢٥ ).
أخرج أحمد والحاكم عن أبي أمامة قال : لما وضعت أم كلثوم بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في القبر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( منها خلقناكم، وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى، بسم الله، وفي سبيل الله، وعلى ملة رسول الله ).
﴿ ولقد أريناه آياتنا كلها فكذب وأبى ( ٥٦ ) قال أجئتنا لتخرجنا من أرضنا بسحرك يا موسى ( ٥٧ ) فلنأتينك بسحر مثله فاجعل بيننا وبينك موعدا لا نخلفه نحن ولا أنت مكانا سُوى ( ٥٨ ) قال موعدكم يوم الزينة وأن يحشر الناس ضحى ( ٥٩ ) ﴾.
المفردات :
أبى : امتنع.
التفسير :
٥٦-﴿ ولقد أريناه آياتنا كلها فكذب وأبى ﴾.
أرينا فرعون سائر الآيات والدلالات ؛ على قدرة الله، منها الآيات الكونية في خلق هذا الكون ؛ بما فيه من سماء وأرض، وشمس وقمر، وإنسان وحيوان ونبات، ﴿ ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى ﴾ ( طه : ٥٠ ). أي : أعطى كل كائن في الكون خلقه ووجوده ثم هداه إلى أداء وظيفته، وأراه موسى اليد والعصا ؛ لكن فرعون كذب بهذه الآيات، ولم يصدق بها، وأبى وأعرض عن الإيمان ؛ عتوا وعتادا. قال تعالى :﴿ وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا ﴾. ( النمل : ١٤ )
٥٧-﴿ قال أجئتنا لتخرجنا من أرضنا بسحرك يا موسى ﴾.
أي : قال فرعون ساحرا من موسى، مستنكرا عليه دعوته : أجئتنا بعد ما غبت عنا عشر سنين، ثم ظهرت بيننا مدعيا : أنك رسول ليتبعك الناس، فتكاثرنا بهم، وتستولي على الأرض والملك ؛ بسبب أنك قدّمت لنا أعمالا من أعمال السحر هما : اليد والعصا !
موعدا : ميعادا معينا.
سُوى : مستويا لا جبال فيه ولا وهاد بحيث يستر النظارة.
﴿ فلنأتينّك بسحر مثله فاجعل بيننا وبينك موعدا لا نخلفه نحن ولا أنت مكانا سُوى ﴾.
سنقابل سحرك بسحر مماثل، فحدد يوما محددا ؛ لا نتخلف عنه نحن ولا أنت، وحدد مكانا مستويا لا ارتفاع فيه ولا انخفاض ؛ حتى لا يحرم أحد الجالسين من المشاهدة. وهنا نلاحظ أن فرعون يظهر رباطة الجأش، والاطمئنان إلى أن نتيجة المبارزة ستكون لصالحه.
يوم الزينة : يوم عيد لهم.
يحشر الناس : يجتمعون.
الضحى : وقت ارتفاع النهار.
٥٩-﴿ قال موعدكم يوم الزينة وأن يحشر الناس ضحى ﴾.
قال موسى : هذا الميعاد هو يوم العيد حيث كان الناس يتزينون ويلبسون أحسن الثياب، وأن يجتمع الناس لمشاهدة المبارزة ﴿ ضحى ﴾. وقت ارتفاع النهار، وقبل الظهر واشتداد الحرارة.
قيل : يوم الزينة هو عيد النيروز، وقيل : هو يوم عاشوراء.
﴿ فتولى فرعون فجمع كيده ثم أتى ( ٦٠ ) قال لهم موسى ويلكم لا تفتروا على الله كذبا فيسحتكم بعذاب وقد خاب من افترى ( ٦١ ) فتنازعوا أمرهم بينهم وأسروا النجوى ( ٦٢ ) قالوا إن هذان لساحران يريدان أن يخرجاكم من أرضكم بسحرهما ويذهبا بطريقتكم المثلى ( ٦٣ ) فأجمعوا كيدهم ثم ائتوا صفا وقد أفلح اليوم من استعلى ( ٦٤ ) ﴾.
المفردات :
فتولى فرعون : انصرف عن المجلس.
كيده : ما يكيد به من السحرة وأدواتهم.
أتى : أتى الموعد ومعه ما جمعه من الأعوان والسحرة.
تمهيد :
تفيد الآيات : جهد فرعون في جمع السحرة مع آلاتها ؛ وأن موسى وجه نصيحته للسحرة داعيا لهم إلى الإيمان بالله ؛ وحذرهم عقاب الله الشديد للمفترين، بيد أن السحرة قاوموا هذه النصيحة، واتفقوا سرا بينهم قائلين : إن لنا منزلة ونظاما ينبغي أن نحافظ عليه، وأن نقف في وجه موسى وهارون ؛ صفا واحدا.
التفسير :
٦٠-﴿ فتولى فرعون فجمع كيده ثم أتى ﴾.
أي : انصرف فرعون من المجلس ليعد خطة منظمة ؛ يجمع بها السحرة من سائر المملكة ؛ ومعهم آلاتهم ومعه العدة المعنوية ؛ والحماس ليوم اللقاء.
وفي سورة الشعراء :﴿ قالوا أرجه وأخاه وابعث في المدائن حاشرين. يأتوك بكل سحار عليم. فجمع السحرة لميراث يوم معلوم. وقيل للناس هل أنتم مجتمعون : لعلنا نتبع السحرة إن كانوا هم الغالبون. فلما جاء السحرة قالوا لفرعون أئن لنا لأجرا إن كنا نحن الغالبين. قال نعم وإنكم إذا لمن المقربين ﴾. ( الشعراء : ٤٢، ٣٦ ).
تمهيد :
تفيد الآيات : جهد فرعون في جمع السحرة مع آلاتها ؛ وأن موسى وجه نصيحته للسحرة داعيا لهم إلى الإيمان بالله ؛ وحذرهم عقاب الله الشديد للمفترين، بيد أن السحرة قاوموا هذه النصيحة، واتفقوا سرا بينهم قائلين : إن لنا منزلة ونظاما ينبغي أن نحافظ عليه، وأن نقف في وجه موسى وهارون ؛ صفا واحدا.
ويلكم : هلاك لكم.
الافتراء : الاختلاف والكذب.
يسحتكم بعذاب : يستأصلكم ويهلككم بعذاب شديد.
٦١-﴿ قال لهم موسى ويلكم لا تفتروا على الله كذبا فيسحتكم بعذاب وقد خاب من افترى ﴾.
قال موسى للسحرة : إني رسول من عند الله، وما أيدني الله به معجزة، وليس سحرا ؛ فلا تكذبوا وتختلفوا الكذب ؛ وتزعموا أن ما أفعله سحرا ؛ فيستأصلكم الله بعذاب شديد ؛ في الدنيا والآخرة، وقد خاف وخسر دينه ودنياه من افترى ؛ وبدّل الحقيقة ولم يجهر بالصدق.
٦٠
فتنازعوا : فتفاوضوا وتشاوروا.
وأسروا النجوى : بالغوا في إخفاء كلامهم.
٦٢-﴿ فتنازعوا أمرهم بينهم وأسروا النجوى ﴾.
بعد أن سمع السحرة نصيحة موسى لهم، تركت أثرها في بعضهم، روى عن قتادة : أن بعض السحرة قال : إن كان ما جاءنا به موسى سحرا ؛ فسنغلبه، وإن كان من عند الله ؛ فسيكون له أمر. وبعض السحرة سمع كلام موسى ثم قال : ما هذا بقول ساحر. وبعض السحرة أخذ يحث زملاءه المترددين، على منازلة موسى، ومغالبته ؛ لاكتساب الجاه والسلطان. ويبدو أن هذا الفريق الأخير كانت له الغلبة.
والخلاصة أن نصيحة موسى كانت لها أثرها في نفوس بعض السحرة، ولم يظهر هذا الأثر عمليا، وإنما مهد للإيمان فيما بعد.
ومجمل معنى الآية : اختلف السحرة في أمر موسى، فقال بعضهم : ما هذا بقول ساحر، وأخفوا ذلك عن الناس، وأخذوا يتناجون سرّا.
تمهيد :
تفيد الآيات : جهد فرعون في جمع السحرة مع آلاتها ؛ وأن موسى وجه نصيحته للسحرة داعيا لهم إلى الإيمان بالله ؛ وحذرهم عقاب الله الشديد للمفترين، بيد أن السحرة قاوموا هذه النصيحة، واتفقوا سرا بينهم قائلين : إن لنا منزلة ونظاما ينبغي أن نحافظ عليه، وأن نقف في وجه موسى وهارون ؛ صفا واحدا.
بطريقتكم المثلى : بمذهبكم الذي أنتم عليه وهو أفضل المذاهب وأمثلها.
٦٣-﴿ قالوا إن هذان لساحران يريدان أن يخرجاكم من أرضكم بسحرهما ويذهبا بطريقتكم المثلى ﴾.
أي : قال السحرة بعضهم لبعض : إن موسى وهارون ساحران، يريدان أن يحتلا منزلة عالية، ومكانا ممتازا في أرض مصر، وينشران دينهما بدعوى الرسالة، ويضيع دين المصريين الحالي، وهو أمثل الأديان وأفضلها.
قال الزمخشري :
فكانت نجواهم في تلفيق هذا الكلام وتزويره ؛ خوفا من غلبة موسى وهارون لهما، وتثبيطا للناس من اتباعهما.
وقرأ المدنيون والكوفيون :﴿ إن هذان لساحران ﴾. بتشديد حرف النون.
قال القرطبي :
وللعلماء في قراءة أهل المدينة والكوفة ستة أقوال منها : الأول : أنها لغة بني الحارث بن كعب وزبيد وخثعم، يجعلون رفع المثنى ونصبه وخفضه الألف ( أو يلزمون المثنى الألف ) وهذا القول من أحسن ما حملت عليه الآية. ١ ه. ومن أراد المزيد فليجعل إلى تفسير القرطبي.
تمهيد :
تفيد الآيات : جهد فرعون في جمع السحرة مع آلاتها ؛ وأن موسى وجه نصيحته للسحرة داعيا لهم إلى الإيمان بالله ؛ وحذرهم عقاب الله الشديد للمفترين، بيد أن السحرة قاوموا هذه النصيحة، واتفقوا سرا بينهم قائلين : إن لنا منزلة ونظاما ينبغي أن نحافظ عليه، وأن نقف في وجه موسى وهارون ؛ صفا واحدا.
فأجمعوا كيدكم : اجعلوا كيدكم مجمعا عليه.
صفا : مصطفين ؛ لأنه أهيب للصدور.
أفلح : فاز بالمطلوب.
استعلى : غلب.
٦٤-﴿ فأجمعوا كيدكم ثم ائتوا صفا وقد أفلح اليوم من استعلى ﴾.
فأحكموا سحركم ولا ترابطوا وتعاونوا، ثم ائتوا مصطفين مجتمعين، وألقوا ما في أيديكم دفعة واحدة ؛ لتبهروا الأبصار، وتعظم هيبتكم لدى النظارة في هذا المشهد الحافل.
﴿ وقد أفلح اليوم من استعلى ﴾.
وقد فاز في هذا اليوم من غلب ؛ فالسحرة يتناجون لتأكيد عزمهم على النصر ؛ خصوصا أن فرعون قد وعدهم بالأجر والهدايا ؛ والمنن والعطايا.
﴿ قالوا يا موسى إما أن تلقى وإما أن نكون أول من ألقى ( ٦٥ ) قال بل ألقوا فإذا حبالهم وعصيّهم يخيّل إليه من سحرهم أنها تسعى ( ٦٦ ) فأوجس في نفسه خيفة موسى ( ٦٧ ) قلنا لا تخف إنك أنت الأعلى ( ٦٨ ) وألق ما في يمينك تلقف ما صنعوا إنما صنعوا كيد ساحر ولا يفلح الساحر حيث أتى ( ٦٩ ) فألقيَ السحرة سّجدا قالوا آمنا برب هارون وموسى ( ٧٠ ) قال آمنتم له قبل أن آذن لكم إنه لكبيركم الذي علمكم السحر فلأقطّعنّ أيديكم وأرجلكم من خلاف ولأصلبنّكم في جذوع النخل ولتعلمنّ أيّنا أشدّ عذابا وأبقى ( ٧١ ) قالوا لن نؤثرك على ما جاءنا من البيّنات والذي فطرنا فاقض ما أنت قاض إنما تقضي هذه الحياة الدنيا ( ٧٢ ) إنّا آمنّا بربنا ليغفر لنا خطايانا وما أكرهتنا عليه من السحر والله خير وأبقى ( ٧٣ ) إنه من يأت ربه مجرما فإن له جهنم لا يموت فيها ولا يحيى ( ٧٤ ) ومن يأته مؤمنا قد عمل الصالحات فأولئك لهم الدرجات العُلى ( ٧٥ ) جنات عدن تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك جزاء من تزكى ( ٧٦ ) ﴾
تمهيد :
تبين الآيات : موقف السحرة ؛ حين خيروا موسى بين أن يلقي بسحره، وبين أن يبدءوا هم، فطلب منهم البدء فألقوا حبالا وعصيا، صارت تتحرك وتثير الرهبة والإكبار في عين من رآها، حتى موسى عليه السلام توجس خيفة من هول ما رأى، لكن الله جلّت قدرته سدد خطاه وثبته، وأمره أن يلقي عصاه، فألقى موسى العصا فابتلعت حبال السحرة، وهنا أيقن السحرة أن عمل موسى ليس سحرا، بل هو معجزة من عند الله، فخروا ساجدين، قائلين :﴿ آمنا برب هارون وموسى ﴾ وتهددهم فرعون بالعذاب الشديد، فلم يترددوا في إيمانهم ؛ بل أصروا عليه مختارين الإيمان والنجاة في الآخرة على كل متع الدنيا.
التفسير :
٦٥-﴿ قالوا يا موسى إما أن تُلقيَ وإما أن تكون من أَلقَى ﴾.
قال السحرة لموسى : لك أن تختار : إما أن تلقي أعمالك أولا، أو أن نلقي نحن أعمالنا أوّلا، وهذا من باب الإنصاف معه، أو من باب الثقة في أنفسهم، لكن موسى طلب منهم أن يبدءوا هم بإلقاء ما معهم ؛ حتى يسمح لهم بإظهار سحرهم وكيدهم وفنّهم، وكل ما يملكون من عمل، ثم يأتي بعد ذلك دور المعجزة ﴿ بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق... ﴾ ( الأنبياء : ١٨ ).
تمهيد :
تبين الآيات : موقف السحرة ؛ حين خيروا موسى بين أن يلقي بسحره، وبين أن يبدءوا هم، فطلب منهم البدء فألقوا حبالا وعصيا، صارت تتحرك وتثير الرهبة والإكبار في عين من رآها، حتى موسى عليه السلام توجس خيفة من هول ما رأى، لكن الله جلّت قدرته سدد خطاه وثبته، وأمره أن يلقي عصاه، فألقى موسى العصا فابتلعت حبال السحرة، وهنا أيقن السحرة أن عمل موسى ليس سحرا، بل هو معجزة من عند الله، فخروا ساجدين، قائلين :﴿ آمنا برب هارون وموسى ﴾ وتهددهم فرعون بالعذاب الشديد، فلم يترددوا في إيمانهم ؛ بل أصروا عليه مختارين الإيمان والنجاة في الآخرة على كل متع الدنيا.
٦٦-﴿ قال بل ألقوا فإذا حبالهم وعصيهم يخيّل إليه من سحرهم أنها تسعى ﴾.
سمح لهم موسى أن يبدءوا هم بإلقاء عملهم ؛ فألقى كل ساحر عصا وحبلا، وكانوا جمعا غفيرا، وكانوا قد أودعوا الزئبق داخل الحبال والعصي، فكانت تتحرك ويركب بعضها بعضا ؛ وأثر هذا المنظر في عيون الناس بالرهبة والإكبار ؛ وخاف موسى عليه السلام من هول ما رأى ؛ لكنه حبس خوفه داخل نفسه ؛ ولم يظهره أمام الناس. وفي موضع آخر يقول القرآن الكريم :﴿ فلما ألقوا سحروا أعين الناس واسترهبوهم وجاءوا { بسحر عظيم ﴾. ( الأعراف : ١١٦ ).
وتفيد : أن السحرة قدموا عملا هائلا، وسحرا ممتازا، بمقياس أهل السحر، لكن شتان ما بين السحر والمعجزة.
تمهيد :
تبين الآيات : موقف السحرة ؛ حين خيروا موسى بين أن يلقي بسحره، وبين أن يبدءوا هم، فطلب منهم البدء فألقوا حبالا وعصيا، صارت تتحرك وتثير الرهبة والإكبار في عين من رآها، حتى موسى عليه السلام توجس خيفة من هول ما رأى، لكن الله جلّت قدرته سدد خطاه وثبته، وأمره أن يلقي عصاه، فألقى موسى العصا فابتلعت حبال السحرة، وهنا أيقن السحرة أن عمل موسى ليس سحرا، بل هو معجزة من عند الله، فخروا ساجدين، قائلين :﴿ آمنا برب هارون وموسى ﴾ وتهددهم فرعون بالعذاب الشديد، فلم يترددوا في إيمانهم ؛ بل أصروا عليه مختارين الإيمان والنجاة في الآخرة على كل متع الدنيا.
المفردات :
إيجاس الخوف : الإحساس بشيء منه.
٦٧-﴿ فأوجس في نفسه خيفة موسى ﴾.
أي : أوجس بشيء من الخوف داخل نفسه ؛ حين فوجئ بذلك على مقتضى الطبيعة البشرية.
تمهيد :
تبين الآيات : موقف السحرة ؛ حين خيروا موسى بين أن يلقي بسحره، وبين أن يبدءوا هم، فطلب منهم البدء فألقوا حبالا وعصيا، صارت تتحرك وتثير الرهبة والإكبار في عين من رآها، حتى موسى عليه السلام توجس خيفة من هول ما رأى، لكن الله جلّت قدرته سدد خطاه وثبته، وأمره أن يلقي عصاه، فألقى موسى العصا فابتلعت حبال السحرة، وهنا أيقن السحرة أن عمل موسى ليس سحرا، بل هو معجزة من عند الله، فخروا ساجدين، قائلين :﴿ آمنا برب هارون وموسى ﴾ وتهددهم فرعون بالعذاب الشديد، فلم يترددوا في إيمانهم ؛ بل أصروا عليه مختارين الإيمان والنجاة في الآخرة على كل متع الدنيا.
٦٨-﴿ قلنا لا تخف إنك أنت الأعلى ﴾.
قلنا له : هدئ روعك ؛ فإن النصر سيكون لك في النهاية.
تمهيد :
تبين الآيات : موقف السحرة ؛ حين خيروا موسى بين أن يلقي بسحره، وبين أن يبدءوا هم، فطلب منهم البدء فألقوا حبالا وعصيا، صارت تتحرك وتثير الرهبة والإكبار في عين من رآها، حتى موسى عليه السلام توجس خيفة من هول ما رأى، لكن الله جلّت قدرته سدد خطاه وثبته، وأمره أن يلقي عصاه، فألقى موسى العصا فابتلعت حبال السحرة، وهنا أيقن السحرة أن عمل موسى ليس سحرا، بل هو معجزة من عند الله، فخروا ساجدين، قائلين :﴿ آمنا برب هارون وموسى ﴾ وتهددهم فرعون بالعذاب الشديد، فلم يترددوا في إيمانهم ؛ بل أصروا عليه مختارين الإيمان والنجاة في الآخرة على كل متع الدنيا.
ما في يمينك : هي العصا، وأبهمها ؛ تفخيما لشأنها.
تلقف : تبتلع بقوة وسرعة.
صنعوا : زوروا وافتعلوا.
كيد ساحر : كيد سحر لا حقيقة له ولا ثبات.
حيث أتى : أينما كان.
٦٩-﴿ وألق في يمينك تلقف ما صنعوا إنما صنعوا كيد ساحر ولا يفلح الساحر حيث أتى ﴾.
أي : ألق عصاك تبتلع حبال السحرة، فهذه أفعال سحرة ؛ تدربوا طويلا، ومارسوا أعمال السحرة كثيرا ؛ حتى صاروا مهرة في السحر، والساحر لا يفلح ولا يفوز، أينما كان وحيثما أقبل وأنى اتجه.
قال ابن كثير :
لما ألقى موسى العصا صارت ثعبانا عظيما هائلا، ذا قوائم وعنق ورأس وأضراس، فجعلت تتّبع تلك الحبال والعصي، حتى لم تبق شيئا إلا ابتلعته، والناس ينظرون إلى ذلك عيانا نهارا، فلما عاين السحرة ذلك وشهدوه ؛ علموا علم اليقين أن هذا ليس من قبيل السحر والحيل، وأنه حق لا مرية فيه، فعند ذلك وقعوا سجّدا لله، فقامت المعجزة، واتضح البرهان، ووقع الحق وبطل السحر.
قال ابن عباس : كانوا أول النهار سحرة، وآخر النهار شهداء بررة.
تمهيد :
تبين الآيات : موقف السحرة ؛ حين خيروا موسى بين أن يلقي بسحره، وبين أن يبدءوا هم، فطلب منهم البدء فألقوا حبالا وعصيا، صارت تتحرك وتثير الرهبة والإكبار في عين من رآها، حتى موسى عليه السلام توجس خيفة من هول ما رأى، لكن الله جلّت قدرته سدد خطاه وثبته، وأمره أن يلقي عصاه، فألقى موسى العصا فابتلعت حبال السحرة، وهنا أيقن السحرة أن عمل موسى ليس سحرا، بل هو معجزة من عند الله، فخروا ساجدين، قائلين :﴿ آمنا برب هارون وموسى ﴾ وتهددهم فرعون بالعذاب الشديد، فلم يترددوا في إيمانهم ؛ بل أصروا عليه مختارين الإيمان والنجاة في الآخرة على كل متع الدنيا.
٧٠-﴿ فألقي السحرة سجّدا قالوا آمنّا برب هارون وموسى ﴾.
أي : ألقى موسى عصاه فابتلعت أعمال السحرة ؛ فخر السحرة حينئذ سجدا لله رب العالمين، لما رأوا من الآية الباهرة.
قال الزمخشري في تفسير الكشاف :
سبحان الله، ما أعجب أمرهم، قد ألقوا حبالهم وعصيّهم للكفر والجحود، ثم ألقوا رءوسهم بعد ساعة للشكر والسجود. ١ ه.
روي : أن رئيسهم قال : كنا نغلب الناس بالسحر وكانت الآلات تبقى علينا، فلو كان هذا سحر ؛ فأين الذي ألقيناه، فاستدلوا بتغير أحوال الأجسام ؛ على وجود الصانع القادر، وبظهورها على موسى على كونه رسولا صادقا من عند الله.
إنهم أعرف الناس بالسحر، وقد أدركوا أن ما فعله موسى ليس سحرا، ولكنه معجزة، لا يقدر عليها إلا الله، ولا يؤيّد بها إلا رسول مرسل من عند الله، من أجل ذلك خروا ساجدين لله، وقالوا :﴿ آمنا برب هارون وموسى ﴾.
تمهيد :
تبين الآيات : موقف السحرة ؛ حين خيروا موسى بين أن يلقي بسحره، وبين أن يبدءوا هم، فطلب منهم البدء فألقوا حبالا وعصيا، صارت تتحرك وتثير الرهبة والإكبار في عين من رآها، حتى موسى عليه السلام توجس خيفة من هول ما رأى، لكن الله جلّت قدرته سدد خطاه وثبته، وأمره أن يلقي عصاه، فألقى موسى العصا فابتلعت حبال السحرة، وهنا أيقن السحرة أن عمل موسى ليس سحرا، بل هو معجزة من عند الله، فخروا ساجدين، قائلين :﴿ آمنا برب هارون وموسى ﴾ وتهددهم فرعون بالعذاب الشديد، فلم يترددوا في إيمانهم ؛ بل أصروا عليه مختارين الإيمان والنجاة في الآخرة على كل متع الدنيا.
كبيركم : زعيمكم ومعلمكم.
من خلاف : من حال مختلفة، فتقطع الأيدي اليمنى، والأرجل اليسرى.
أشد عذابا : أدوم.
٧١-﴿ قال آمنتم له قبل أن آذن لكم إنه لكبيركم الذي علّمكم السحر... ﴾
كان فرعون قد ادعى الربوبية فقال :﴿ أنا ربكم الأعلى ﴾. ( النازعات : ٢٤ ). وادعى الألوهية وقال :﴿ ما علمت لكم من إله غيري ﴾. ( القصص : ٣٨ ). وفوجئ فرعون بإيمان السحرة، وسجودهم لله رب العالمين، وخشي أن يمتد الإيمان إلى سائر الشعب ؛ فادعى : أنها مؤامرة، وادعى : أن موسى هو المعلم الذي تعلموا على يديه السحر، وأنهم بيتوا هذا الأمر ؛ ليتظاهروا أمام الناس بأنهم غُلبوا، وهدد السحرة بالغضب والانتقام، والعذاب الأليم.
﴿ فلأقطّعنّ أيديكم وأرجلكم من خلاف ﴾.
أي : قال آمنتم بموسى قبل أن أعطيكم الإذن بذلك ؛ فلأقطّعنّ أيديكم اليمنى وأرجلكم اليسرى ﴿ من خلاف ﴾.
أي : لا يكون القطع لليد والرجل عن وفاق ؛ فيقطع اليد اليمنى والرجل اليمنى ؛ فيكون للإنسان نصف كامل، بل يريد أن ينتشر النقص في الجسم كله.
﴿ ولأصلبنّكم في جذوع النخل ﴾.
أي : لأصلبنكم على جذوع النخل من النخل من باب التشهير والتنكيل.
قال ابن عباس : فكان أول من عذب بهذا العذاب.
﴿ ولتعلمنّ أيّنا أشدّ عذابا وأبقى ﴾.
أي : لتعلمن أيها السحرة أيّنا أشد تعذيبا لكم، وأبقى في إنزال الهلاك بكم ؛ أنا أم موسى وربّه ؟
وكأنه بهذا التهديد يريد أن يهون من كل عذاب ؛ سوى عذابه لهم.
وفي سورة الأعراف يقول الله تعالى :﴿ قال فرعون آمنتم به قبل أن آذن لكم إن هذا لمكر مكرتموه في المدينة لتخرجوا منها أهلها فسوف تعلمون. لأقطعنّ أيديكم وأرجلكم من خلاف ثم لأصلبنّكم أجمعين ﴾. ( الأعراف : ١٢٤، ١٢٣ ).
لكن الإيمان كان قد خالط قلوب السحرة، فاستهانوا بكل تهديد ووعيد، واستعدوا لكل تضحية في سبيل الإيمان الجديد.
تمهيد :
تبين الآيات : موقف السحرة ؛ حين خيروا موسى بين أن يلقي بسحره، وبين أن يبدءوا هم، فطلب منهم البدء فألقوا حبالا وعصيا، صارت تتحرك وتثير الرهبة والإكبار في عين من رآها، حتى موسى عليه السلام توجس خيفة من هول ما رأى، لكن الله جلّت قدرته سدد خطاه وثبته، وأمره أن يلقي عصاه، فألقى موسى العصا فابتلعت حبال السحرة، وهنا أيقن السحرة أن عمل موسى ليس سحرا، بل هو معجزة من عند الله، فخروا ساجدين، قائلين :﴿ آمنا برب هارون وموسى ﴾ وتهددهم فرعون بالعذاب الشديد، فلم يترددوا في إيمانهم ؛ بل أصروا عليه مختارين الإيمان والنجاة في الآخرة على كل متع الدنيا.
نؤثرك : نفضلك ونختارك.
فطرنا : ابتدعنا وأوجدنا من العدم.
فاقض : فاحكم.
٧٢-قالوا لن نؤثرك على ما جاءنا من البيّنات والذي فطرنا فاقض ما أنت قاض إنما تقضي هذه الحياة الدنيا.
كان السحرة قد آمنوا بالله تعالى ربا، وبموسى رسولا، واستقر الإيمان في قلوبهم، وصار يقينا لا يتزلزل ؛ فهددهم فرعون، وطلب منهم العدول عن هذا الإيمان ؛ وإلا أوقع بهم التعذيب والصلب ؛ فاستهانوا بوعيد فرعون، وقالوا :
﴿ لن نؤثرك على ما جاءنا من البيّنات والذي فطرنا ﴾.
لن نفضلك على ما وصل إلينا وشاهدناه من المعجزات، ومن الذي خلقنا وأوجدنا، أو نقسم بالذي فطرنا وخلقنا.
﴿ فاقض ما أنت قاض ﴾.
أي : احكم بما تشاء، ونفّذ ما تريد من وعيد ؛ فإن ذلك لن يصيب إلا أجسامنا هذه الفانية.
﴿ إننا نقضي هذه الحياة الدنيا ﴾.
أي : إنك تتسلط في هذه الدنيا وحدها، وأما الآخرة فلا سلطان لك عليها ؛ لأن الملك فيها لله وحده.
تمهيد :
تبين الآيات : موقف السحرة ؛ حين خيروا موسى بين أن يلقي بسحره، وبين أن يبدءوا هم، فطلب منهم البدء فألقوا حبالا وعصيا، صارت تتحرك وتثير الرهبة والإكبار في عين من رآها، حتى موسى عليه السلام توجس خيفة من هول ما رأى، لكن الله جلّت قدرته سدد خطاه وثبته، وأمره أن يلقي عصاه، فألقى موسى العصا فابتلعت حبال السحرة، وهنا أيقن السحرة أن عمل موسى ليس سحرا، بل هو معجزة من عند الله، فخروا ساجدين، قائلين :﴿ آمنا برب هارون وموسى ﴾ وتهددهم فرعون بالعذاب الشديد، فلم يترددوا في إيمانهم ؛ بل أصروا عليه مختارين الإيمان والنجاة في الآخرة على كل متع الدنيا.
٧٣-﴿ إنا آمنا بربنا ليغفر لنا خطايانا وما أكرهتنا عليه من السحر والله خير وأبقى ﴾.
جمع فرعون السحرة بالقوة والإكراه، وبالترغيب والترهيب.
روي الحسن : أن السحرة الذين حشدوا من المدائن ليعارضوا موسى ؛ أحضروا مكرهين، وأكرهوا على إظهار السحر، وروي : أن رؤساء السحرة كانوا ( ٧٢ ) اثنان منهم من القبط، والباقون من بني إسرائيل، وردت هذه الرواية في تفسير المراغي، لكنها لا تثبت أمام النقد العلمي.
والأرجح منها ما ورد في مختصر تفسير ابن كثير، وهو ما رواه ابن أبي حاتم : عن ابن عباس في قوله تعالى :﴿ وما أكرهتنا عليه من السحر ﴾. قال : أخذ فرعون أربعين غلاما م بني إسرائيل، فأمر أن يعلموا السحر بالفرماء، ١٣ وقال : علموهم تعليما لا يعلمه أحد في الأرض، قال ابن عباس فهم الذين آمنوا بموسى وهم الذين قالوا :﴿ آمنا بربنا ليغفر لنا خطايانا وما أكرهتنا عليه من السحر ﴾.
ولعل الإيمان الحقيقي بدأ في قلوب مجموعة من السحرة ؛ ثم انضم إليهم الباقون ؛ خصوصا بعد مشاهدة المعجزات الباهرة لموسى وهارون.
﴿ والله خير وأبقى ﴾.
أي : إن الله خير لنا منك وأفضل، وعذابه ونعيمه أبقى وأدوم.
وقد اختلف المفسرون : هل فعل فرعون بهم ما توعدهم به أو لم يفعله بهم.
رجح ابن كثير أن فرعون فعل ذلك، ونفّذه بالسحرة ؛ ليكونوا نماذج في التضحية ؛ كما قال ابن عباس وغيره من السلف : أصبحوا سحرة وأمسوا شهداء بررة.
وقال الشيخ الشنقيطي في تفسير أضوء البيان ما يأتي :
قال قوم : قتلهم وصلبهم، وقوم أنكروا ذلك، وأظهرهما عندي أنه لم يقتلهم، وأن الله عصمهم منه لأجل إيمانهم الراسخ بالله تعالى ؛ لأن الله قال لموسى وهارون :﴿ أنتما ومن اتبعكما الغالبون ﴾. ( القصص : ٣٥ ).
تمهيد :
تبين الآيات : موقف السحرة ؛ حين خيروا موسى بين أن يلقي بسحره، وبين أن يبدءوا هم، فطلب منهم البدء فألقوا حبالا وعصيا، صارت تتحرك وتثير الرهبة والإكبار في عين من رآها، حتى موسى عليه السلام توجس خيفة من هول ما رأى، لكن الله جلّت قدرته سدد خطاه وثبته، وأمره أن يلقي عصاه، فألقى موسى العصا فابتلعت حبال السحرة، وهنا أيقن السحرة أن عمل موسى ليس سحرا، بل هو معجزة من عند الله، فخروا ساجدين، قائلين :﴿ آمنا برب هارون وموسى ﴾ وتهددهم فرعون بالعذاب الشديد، فلم يترددوا في إيمانهم ؛ بل أصروا عليه مختارين الإيمان والنجاة في الآخرة على كل متع الدنيا.
٧٤-﴿ إنه من يأت ربه مجرما فإن له جهنم لا يموت فيها ولا يحيى ﴾.
استرسل السحرة في موعظة، وتقدير الحقائق أمام عينيه، فذكروا له : أن الناس في القيامة فريقان :
فريق المجرمين : ولهم عذاب في جهنم طويل، شاق يتمنون فيه الموت، فلا يجابون إلى طلبهم، فهم في حياة بائسة يائسة.
قال تعالى :﴿ والذين كفروا لهم نار جهنم لا يقضَى عليهم فيموت ولا يخفف عنهم من عذابها كذلك نجزي كلّ كفور ﴾. ( فاطر : ٣٦ ).
وقال سبحانه وتعالى :﴿ ونادوا يا مالك ليقْضِ علينا ربك قال إنكم ماكثون. لقد جئناكم بالحق ولكن أكثركم للحق كارهون ﴾. ( ٨٧، ٧٧ ).
وقريب من ذلك، ما قالته زوجة صخر، حين سألت عنه وهو مريض، فقالت : لا هو حي فيرجى، ولا ميت فينعى.
أما الفريق الثاني : فهو فريق المؤمنين، وهؤلاء لهم منازل سامقة في عليا الجنان.
تمهيد :
تبين الآيات : موقف السحرة ؛ حين خيروا موسى بين أن يلقي بسحره، وبين أن يبدءوا هم، فطلب منهم البدء فألقوا حبالا وعصيا، صارت تتحرك وتثير الرهبة والإكبار في عين من رآها، حتى موسى عليه السلام توجس خيفة من هول ما رأى، لكن الله جلّت قدرته سدد خطاه وثبته، وأمره أن يلقي عصاه، فألقى موسى العصا فابتلعت حبال السحرة، وهنا أيقن السحرة أن عمل موسى ليس سحرا، بل هو معجزة من عند الله، فخروا ساجدين، قائلين :﴿ آمنا برب هارون وموسى ﴾ وتهددهم فرعون بالعذاب الشديد، فلم يترددوا في إيمانهم ؛ بل أصروا عليه مختارين الإيمان والنجاة في الآخرة على كل متع الدنيا.
٧٥-﴿ ومن يأته مؤمنا قد عمل الصالحات فأولئك لهم الدرجات العُلى ﴾.
ومن لقي ربه مؤمنا بالله ورسله، وبالبعث والحساب، وعمل الأعمال الصالحة في دنياه، فهؤلاء لهم الدرجات العالية في الجنة، والجنة منازل ودرجات، ما بين كل درجة وأخرى كما بين السماء والأرض.
أخرج الإمام أحمد والترمذي : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( الجنة مائة درجة، ما بين كل درجتين كما بين السماء والأرض، والفردوس أعلاها درجة، ومنها تخرج الأنهار الأربعة والعرش فوقها فإذ سألتم الله فاسألوه الفردوس الأعلى )١٤.
وفي الصحيحين :( إن أهل عليين ليرون من فوقهم كما ترون الكوكب الغابر في أفق السماء ؛ لتفاضل ما بينهم ). قالوا : يا رسول الله، تلك منازل الأنبياء ؟ قال :( بلى والذي نفسي بيده، رجال آمنوا بالله وصدّقوا المرسلين )١٥.
وفي السنن : أن أبا بكر وعمر لمنهم ونعمّا.
تمهيد :
تبين الآيات : موقف السحرة ؛ حين خيروا موسى بين أن يلقي بسحره، وبين أن يبدءوا هم، فطلب منهم البدء فألقوا حبالا وعصيا، صارت تتحرك وتثير الرهبة والإكبار في عين من رآها، حتى موسى عليه السلام توجس خيفة من هول ما رأى، لكن الله جلّت قدرته سدد خطاه وثبته، وأمره أن يلقي عصاه، فألقى موسى العصا فابتلعت حبال السحرة، وهنا أيقن السحرة أن عمل موسى ليس سحرا، بل هو معجزة من عند الله، فخروا ساجدين، قائلين :﴿ آمنا برب هارون وموسى ﴾ وتهددهم فرعون بالعذاب الشديد، فلم يترددوا في إيمانهم ؛ بل أصروا عليه مختارين الإيمان والنجاة في الآخرة على كل متع الدنيا.
جنات عدن : جنات أعدت للإقامة.
من تحتها : من تحت غرفها.
تزكّى : تطهر من أدناس الكفر، وأرجاس المعاصي.
٧٦-﴿ جنات عدن تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك جزاء من تزكّى ﴾.
هذه الآية تفسير للدرجات العلى، بأنها جنات إقامة تجري من تحت غرقها الأنهار، ماكثين فيها وخالدين في نعيمها خلودا أبديّا. وذلك العطاء الجزيل جزاء من تطهر من الشرك وتخلص من دنس الكفر والمعاصي، وآمن بالله ورسله، وهكذا انتهت تلك المحاورة بين فرعون والسحرة بصمود السحرة، وانتقالهم من التلقي إلى المبادرة ؛ بالموعظة الحسنة وبيان : عقوبة المكذبين وجزاء المؤمنين.
﴿ ولقد أوحينا إلى موسى أن أسري بعبادي فاضرب لهم طريقا في البحر يبسا لا تخاف دركا ولا تخشى ( ٧٧ ) فأتبعهم فرعون بجنوده فغشيهم من اليم ما غشيهم ( ٧٨ ) وأضل فرعون قومه وما هدى ( ٧٩ ) يا بني إسرائيل قد أنجيناكم من عدوّكم وواعدناكم جانب الطور الأيمن ونزّلنا عليكم المنّ والسّلوى ( ٨٠ ) كلوا من طيبات ما رزقناكم ولا تطغوا فيه فيحلّ عليكم غضبي ومن يحلل عليه غضبي فقد هوى ( ٨١ ) وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى ( ٨٢ ) ﴾
المفردات :
السري والإسراء : السير ليلا.
اضرب لهم : اجعل لهم.
يبسا : طريقا يابسا لا ماء فيه.
الدرك : الإدراك واللحوق.
تخشى : تخاف غرقا.
تمهيد :
في الآيات السابقة تحدث القرآن الكريم عن منازلة السحرة أمام موسى، وانتهت هذه المنازلة بإيمان السحرة، وقد استمر موسى بعد ذلك قرابة عشرين سنة، يعرض دعوته ورسالته، ويشتد فرعون في التكذيب ؛ فأرسل الله عليه ألوانا من العذاب ؛ فصّلها في سورة الأعراف، وطوى ذكرها هنا ؛ لينتقل إلى تعديد نعم الله على بني إسرائيل، حيث نجاهم الله موسى وقومه وأغرق فرعون وقومه وعدد نعمه على بني إسرائيل حيث نجّاهم من عذاب فرعون، وأنزل عليهم التوراة، وأنزل عليهم المن والسلوى، ودعاهم إلى التوبة والإنابة.
التفسير :
٧٧-﴿ ولقد أوحينا إلى موسى أن أسر بعبادي ليلا فاضرب لهم طريقا في البحر يبسا لا تخاف دركا ولا تخشى ﴾.
عندما ضاق الأمر على بني إسرائيل، واشتد العذاب من فرعون، وقالوا :﴿ أوذينا من قبل أن تأتينا ومن بعد ما جئتنا قال عيسى ربكم أن يهلك عدوّكم ويستخلفكم في الأرض فينظر كيف تعملون ﴾. ( الأعراف : ١٢٩ ). عندئذ أمر الله موسى أن يسير مع بني إسرائي ليلا.
ومعنى الآية ما يأتي :
أوحينا إلى نبينا موسى : أن اخرج مع عبادي المؤمنين ليلا، واتجه إلى البحر الأحمر ؛ وسيحاول فرعون أن يجمع جيشا كبيرا ليدركك ؛ فلا تخف من فرعون ؛ فلن يدركك، ولا تخشى البحر فسوف يكون به اثنا عشر طريقا يابسا، في قلب البحر، بقدرة الله ؛ حتى تسير كل قبيلة في طريق.
وفي الآية جميع عناية الله بالمؤمنين، بعد أن آمن السحرة، وأعلنوا إيمانهم، واستعدادهم للاستشهاد، وبعد أن صبر المؤمنون طويلا، تدخلت عناية الله، فالقوة غير متكافئة ؛ فرعون يملك المال والجند ووسائل التعذيب، وموسى والمؤمنون يتعرضون للبلاء ؛ عندئذ تدخلت عناية الله فقال : أسْر بعبدي }. وسماهم : عباد الله ؛ تعطفا وتحننا عليهم ؛ لما أصابهم من ظلم فرعون وعدوانه، وبشرت الآية موسى بالنصر، وولج الماء على طريق يابسة.
﴿ فاضرب لهم طريقا في البحر يبسا ﴾.
مع اطمئنان موسى أن فرعون لن يدركه.
﴿ لا تخاف دركا ﴾. وهي جملة حالية أي لا تخف من إدراك فرعون لك من الخلف.
﴿ ولا تخشى ﴾. من أن تغرق أنت ومن معك في البحر من الأمام.
تمهيد :
في الآيات السابقة تحدث القرآن الكريم عن منازلة السحرة أمام موسى، وانتهت هذه المنازلة بإيمان السحرة، وقد استمر موسى بعد ذلك قرابة عشرين سنة، يعرض دعوته ورسالته، ويشتد فرعون في التكذيب ؛ فأرسل الله عليه ألوانا من العذاب ؛ فصّلها في سورة الأعراف، وطوى ذكرها هنا ؛ لينتقل إلى تعديد نعم الله على بني إسرائيل، حيث نجاهم الله موسى وقومه وأغرق فرعون وقومه وعدد نعمه على بني إسرائيل حيث نجّاهم من عذاب فرعون، وأنزل عليهم التوراة، وأنزل عليهم المن والسلوى، ودعاهم إلى التوبة والإنابة.
أتبعهم : تبعهم.
فغشيهم من اليم ما غشيهم : فغمرهم وعلاهم من البحر ما علاهم، من الأمر الهائل الذي لا يعلم كنهه إلا الله.
٧٨-﴿ فأتبعهم فرعون بجنوده فغشيهم من اليم ما غشيهم ﴾.
عندما علم فرعون أن موسى جمع بني إسرائيل، وسار ليلا، جمع فرعون جيشا كبيرا وسار خلفهم فأدركهم ؛ عند شروق الشمس، وأحس قوم موسى بالخطر فالعدوّ خلفهم، والبحر أمامهم، لكن موسى كان على ثقة من وعد الله له، فأمره الله أن يضرب البحر بعصاه، فانفلق البحر وكان به ﴿ طريقا ﴾. أي : جنس الطريق ؛ لأنه كان به اثنا عشر طريقا يابسا، سار فيها موسى وقومه، وأمره الله أن يترك البحر مفتوحا، ولما وصل فرعون وجنوده، اشتد الحنق والغيظ بفرعون، وسار وراء بني إسرائيل ؛ بغيا وعدوانا، فنجى الله موسى وقومه إلى الشاطئ الآخر، ثم أطبق البحر على فرعون وقومه، وغشيهتم الأهوال والموت وسكرات الغرق والاختناق قال تعالى :
﴿ فغشيهم من اليم ما غشيهم ﴾.
أي : أهوال لا يعلمها إلا الله، وفي قراءة ﴿ فغشيهم من اليم ما غشيهم ﴾. أي : أمواج وهلاك وموت.
تمهيد :
في الآيات السابقة تحدث القرآن الكريم عن منازلة السحرة أمام موسى، وانتهت هذه المنازلة بإيمان السحرة، وقد استمر موسى بعد ذلك قرابة عشرين سنة، يعرض دعوته ورسالته، ويشتد فرعون في التكذيب ؛ فأرسل الله عليه ألوانا من العذاب ؛ فصّلها في سورة الأعراف، وطوى ذكرها هنا ؛ لينتقل إلى تعديد نعم الله على بني إسرائيل، حيث نجاهم الله موسى وقومه وأغرق فرعون وقومه وعدد نعمه على بني إسرائيل حيث نجّاهم من عذاب فرعون، وأنزل عليهم التوراة، وأنزل عليهم المن والسلوى، ودعاهم إلى التوبة والإنابة.
أضل فرعون قومه : سلك بهم مسلكا من الضلال والخسران.
وما هدى : ما أرشدهم إلى طريق السعادة والهدى.
٧٩-ضلّ فرعون قومه وما هدى }.
وقد سلك فرعون بقومه سبيل الهلاك والدمار ؛ فكانت عاقبتهم جميعا الاستئصال والهلاك، وكان فرعون يدّعي : أنه على الرشاد، كما ورد في سورة غافر :﴿ قال فرعون ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد ﴾. ( غافر : ٢٩ ).
وقد جمل القرآن هنا في هاتين الآيتين ما فصله في آيات كثيرة في القرآن الكريم، ففي سورة الشعراء قال تعالى :﴿ وأوحينا إلى موسى أن أسري بعبادي إنّكم متّبعون. فأرسل فرعون في المدائن حاشرين. إن هؤلاء لشرذمة قليلون. وإنهم لنا لغائظون. وإنا جميع حاذرون. فأخرجناهم من جنات وعيون. وكنوز ومقام كريم. كذلك وأورثناها بني إسرائيل. فأتبعوهم مشرقين. فلما تراءى الجمعان قال أصحاب موسى إنا لمدركون. قال كلاّ إن معي ربّي سيهدين. فوحينا إلى موسى أن اضرب بعصاك البحر فانفلق فكان كل فرق كالطّود العظيم. وأزلفنا ثمّ الآخرين. وأنجينا موسى ومن معه أجمعين. ثم أغرقنا الآخرين. إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين. وإن ربك لهو العزيز الرحيم ﴾. ( الشعراء : ٦٨، ٥٢ ).
وفي سورة الدخان يقول الله تعالى :﴿ ولقد فتنّا قبلهم قوم فرعون وجاءهم رسول كريم. أن أدّوا إليّ عباد الله إنّي لكم رسول أمين. وأن لا تعلوا على الله إنّي آتيكم بسلطان مبين. وأنّي عدت بربي وربكم أن ترجمون. وإن لم تؤمنوا لي فاعتزلونِ. فدعا ربه أن هؤلاء قوم مجرمون. فأسري بعبادي ليلا إنكم متّبعون. واترك البحر رهوًا إنهم جند مغرقون. كم تركوا من جنات وعيون. وزروع ومقام كريم. ونعمة كانوا فيها فاكهين. كذلك وأورثناها قوما آخرين. فما بكت عليهم السماء والأرض وما كانوا منظرين ﴾. ( الدخان : ٢٩، ١٧ ).
وقال تعالى :﴿ وجاوزنا ببني إسرائيل البحر فأتبعهم فرعون وجنوده بغيا وعدوا حتى إذا أدركه الغرق قال آمنت أنه لا إله الذي آمنت به بنوا إسرائيل وأنا من المسلمين. الآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين. فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية وإن كثيرا من الناس عن آياتنا لغافلون ﴾. ( يونس : ٩٢، ٩٠ ).
تمهيد :
في الآيات السابقة تحدث القرآن الكريم عن منازلة السحرة أمام موسى، وانتهت هذه المنازلة بإيمان السحرة، وقد استمر موسى بعد ذلك قرابة عشرين سنة، يعرض دعوته ورسالته، ويشتد فرعون في التكذيب ؛ فأرسل الله عليه ألوانا من العذاب ؛ فصّلها في سورة الأعراف، وطوى ذكرها هنا ؛ لينتقل إلى تعديد نعم الله على بني إسرائيل، حيث نجاهم الله موسى وقومه وأغرق فرعون وقومه وعدد نعمه على بني إسرائيل حيث نجّاهم من عذاب فرعون، وأنزل عليهم التوراة، وأنزل عليهم المن والسلوى، ودعاهم إلى التوبة والإنابة.
الأيمن : الذي عن يمين من ينطق من مصر إلى الشام.
المن : نوع من الحلوى يسمى : الترنجبين.
السلوى : طائر شبيه بالسماني.
٨٠- بني إسرائيل قد أنجيناكم من عدوّكم ووعدناكم جانب الطور الأيمن ونزّلنا عليكم المنّ والسلوى }.
شرع الله سبحانه وتعالى يعدد نعمه على بني إسرائيل ومن هذه النعم ما يأتي :
١- أنجاهم الله من العذاب على يد فرعون، حيث كان يقتّل الذكور ويستحيي الإناث، فيسّر الله لهم الخروج مع موسى، ويسّر الله لهم طريقا يابسا في البحر، وأغرق فرعون وهم ينظرون إليه.
٢- بعد النجاة من فرعون واعد الله موسى بعد أربعين ليلة قضايا صائما قائما، وطلب منه أن يأتي إلى الطور ؛ حيث يكون الطور عن يمينه وهو في طريقه من مصر إلى الشام١٦ ؛ فأنزل الله عليه التوراة وفيها الهداية والنور لكم.
٣- ﴿ ونزّلنا عليكم المنّ ﴾. وهو مادة حلوة تشبه العسل، كانت تنزل لهم على الشجر من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس، ﴿ والسلوى ﴾. طائر يشبه السماني حلو لذيذ تحمله ريح الجنوب. فيأخذ كل فرد ما يكفيه من هذا الطير.
تمهيد :
في الآيات السابقة تحدث القرآن الكريم عن منازلة السحرة أمام موسى، وانتهت هذه المنازلة بإيمان السحرة، وقد استمر موسى بعد ذلك قرابة عشرين سنة، يعرض دعوته ورسالته، ويشتد فرعون في التكذيب ؛ فأرسل الله عليه ألوانا من العذاب ؛ فصّلها في سورة الأعراف، وطوى ذكرها هنا ؛ لينتقل إلى تعديد نعم الله على بني إسرائيل، حيث نجاهم الله موسى وقومه وأغرق فرعون وقومه وعدد نعمه على بني إسرائيل حيث نجّاهم من عذاب فرعون، وأنزل عليهم التوراة، وأنزل عليهم المن والسلوى، ودعاهم إلى التوبة والإنابة.
لا تطغوا فيه : ل تأخذوه من غير حاجة إليه.
فيحل عليكم غضبي : ينزل بكم.
هوى : سقط وهلك.
٨١-﴿ كلوا من طيبات ما رزقناكم ولا تطغوا فيه فيحلّ عليكم غضبي ومن يحلل عليه غضبي فقد هوى ﴾.
أي : قلنا لهم : كلوا يا بني إسرائيل من الطيبات، التي رزقناكم إياها مثل المن والسلوى وغيرهما، ولا تتجاوزوا الحدود بالإسراف، أو استخدام النعم في المعاصي، أو الخروج عن الحدود التي رسمها الله لكم، وإنكم إذا خالفتم أمر الله، وتجاوزتم حدود الله، أنزل بكم غضبه ونقمته، ومن نزل به غضب الله وانتقامه ؛ فقد هلك وعُذّب.
تمهيد :
في الآيات السابقة تحدث القرآن الكريم عن منازلة السحرة أمام موسى، وانتهت هذه المنازلة بإيمان السحرة، وقد استمر موسى بعد ذلك قرابة عشرين سنة، يعرض دعوته ورسالته، ويشتد فرعون في التكذيب ؛ فأرسل الله عليه ألوانا من العذاب ؛ فصّلها في سورة الأعراف، وطوى ذكرها هنا ؛ لينتقل إلى تعديد نعم الله على بني إسرائيل، حيث نجاهم الله موسى وقومه وأغرق فرعون وقومه وعدد نعمه على بني إسرائيل حيث نجّاهم من عذاب فرعون، وأنزل عليهم التوراة، وأنزل عليهم المن والسلوى، ودعاهم إلى التوبة والإنابة.
غفار : كثير المغفرة والستر للذنوب.
اهتدى : لزم الهداية واستقام.
٨٢-﴿ وإنّي لغفّار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى ﴾.
إن الله سبحانه كثير المغفرة لمن تاب إلى الله، ورجع إليه، وداوم عمل الأعمال الصالحة، واستمر على الهداية إلى الموت ؛ فما أسعد الإنسان الذي يتوب إلى الرحمن، ويداوم على الأعمال الصالحة والعبادة والصلاة والزكاة، وغيرها من الطاعات، حال كونه على هداية وطاعة ومحبة الله تعالى.
﴿ وما أعجلك عن قومك يا موسى ( ٨٣ ) قال هم أولاء على أثري وعجلت إليك ربّ لترضى ( ٨٤ ) قال فإنّا قد فتنّا قومك من بعدك وأضلّهم السامريّ ( ٨٥ ) فرجع موسى إلى قومه غضان أسفا قال يا قوم ألم يعدكم ربّكم وعدا حسنا أفطال عليكم العهد أم أردتم أن يحلّ عليكم غضب من ربّكم فأخلفتم موعدي ( ٨٦ ) قالوا ما أخلفنا موعدك بملكنا ولكنّا حمّلنا أوزارا من زينة القوم فقذفناها فكذلك ألقى السامريّ ( ٨٧ ) فأخرج لهم عجلا جسدا له خوار فقالوا هذا إلهكم وإله موسى فنسيَ ( ٨٨ ) أفلا يرون ألا يرجع إليهم قولا ولا يملك لهم ضرّا ولا نفعا ( ٨٩ ) ﴾
تمهيد :
هذه الآيات تذكر موقفا مؤلما من مواقف بني إسرائيل ؛ حيث ذهب موسى لميعاد ربّه، ومكث أربعين يوما صائما قائما، واستخلف أخاه هارون على قومه ؛ بيد أن الله أخبره بأن السامريّ ارتكب ضلالا وفتنة لقومه، حين صاغ من الحلي بعد أن وضعت في النار ؛ عجلا من الذهب، مجوّفا إذا دخل الهواء فيه، صار له صوت وخوار كصوت العجل، وكان المصريون قد عبدوا عجل أبيس، فحنّ اليهود إلى مثل تلك الوثنية، ولامهم القرآن ووبخهم ؛ وذكر أن هذا العجل لا يسمع ولا يجيب ولا يملك لهم ضرا ولا نفعا.
التفسير :
٨٣-﴿ وما أعجلك عن قومك يا موسى ﴾.
أي : عجّل بقدومك بدون قومك يا موسى ؟
كان موسى قد استخلف هارون على قومه، ووصاهم أن يلتزموا بهدى السماء، ولا ينحرفوا عن الصراط المستقيم، وظن موسى أنهم ساروا على نفس الطريق، فقال لله تعالى : هم يسيرون على طريقي، وقد أسرعت في التقدم ؛ شوقا إلى مناجاتي ربّي.
﴿ وعجلت إليك ربّ لترضى ﴾.
أسرعت إليك ؛ لتزداد عنّي رضا.
وقال الزمخشري :
كان موسى قد مضى مع النقباء الذين اختارهم من قومه إلى الطور على الموعد المضروب، ثم تقدمهم ؛ شوقا إلى كلام ربّه.
تمهيد :
هذه الآيات تذكر موقفا مؤلما من مواقف بني إسرائيل ؛ حيث ذهب موسى لميعاد ربّه، ومكث أربعين يوما صائما قائما، واستخلف أخاه هارون على قومه ؛ بيد أن الله أخبره بأن السامريّ ارتكب ضلالا وفتنة لقومه، حين صاغ من الحلي بعد أن وضعت في النار ؛ عجلا من الذهب، مجوّفا إذا دخل الهواء فيه، صار له صوت وخوار كصوت العجل، وكان المصريون قد عبدوا عجل أبيس، فحنّ اليهود إلى مثل تلك الوثنية، ولامهم القرآن ووبخهم ؛ وذكر أن هذا العجل لا يسمع ولا يجيب ولا يملك لهم ضرا ولا نفعا.
المفردات :
جاء على أثره : إذا جاء لاحقا بلا تأخير.
٨٤-﴿ قال هم أولاء على أثري وعجلت إليك ربّ لترضى ﴾.
قال المراغي :
هم أولاء بالقرب مني آتون على أثري، وما تقدمتهم إلا بخطا يسيرة لا يعتدّ بها، وليس بيني وبينهم إلا مسافة قريبة، يتقدم بها بعض الرفقة على بعض، ... والموعود بما يسرّ، يودّ لو ركب أجنحة الطير ؛ ليحظى بما يبتغي ويريد.
تمهيد :
هذه الآيات تذكر موقفا مؤلما من مواقف بني إسرائيل ؛ حيث ذهب موسى لميعاد ربّه، ومكث أربعين يوما صائما قائما، واستخلف أخاه هارون على قومه ؛ بيد أن الله أخبره بأن السامريّ ارتكب ضلالا وفتنة لقومه، حين صاغ من الحلي بعد أن وضعت في النار ؛ عجلا من الذهب، مجوّفا إذا دخل الهواء فيه، صار له صوت وخوار كصوت العجل، وكان المصريون قد عبدوا عجل أبيس، فحنّ اليهود إلى مثل تلك الوثنية، ولامهم القرآن ووبخهم ؛ وذكر أن هذا العجل لا يسمع ولا يجيب ولا يملك لهم ضرا ولا نفعا.
فتنا قومك : اختبرناهم.
أضلّهم : أوقعهم في الضلال والخسران.
السامريّ : من شعب إسرائيل، من بطن يقال له : السامرة، واسمه موسى.
٨٥-﴿ قال فإنّا قد فتنّا قومك من بعدك... ﴾
أي : ابتليناهم واختبرناهم بعد فراقك إياهم.
قال ابن الأنباري :
صيرناهم مفتونين، أشقياء بعبادة العجل ؛ من بعد انطلاقك من بينهم.
﴿ وأضلّهم السامري ﴾.
أوقعهم السامري في الضلالة، بسبب تزيينه لهم عبادة العجل.
قال المفسرون :
كان موسى حين جاء لمناجاة ربه ؛ قد استخلف على بني إسرائيل أخاه هارون، وأمره أن يتعهدهم بالإقامة على طاعة الله، وفي أثناء غيبة موسى، جمع السامريّ الحليّ ثم صنع منها عجلا ودعاهم إلى عبادته فعكفوا عليه، وكانت تلك الفتنة قد وقعت لهم بعد خروج موسى من عندهم بعشرين يوما، اعتبوا النهار يوما، والليلة بمقدار يوم فكأنها أربعين يوما.
تمهيد :
هذه الآيات تذكر موقفا مؤلما من مواقف بني إسرائيل ؛ حيث ذهب موسى لميعاد ربّه، ومكث أربعين يوما صائما قائما، واستخلف أخاه هارون على قومه ؛ بيد أن الله أخبره بأن السامريّ ارتكب ضلالا وفتنة لقومه، حين صاغ من الحلي بعد أن وضعت في النار ؛ عجلا من الذهب، مجوّفا إذا دخل الهواء فيه، صار له صوت وخوار كصوت العجل، وكان المصريون قد عبدوا عجل أبيس، فحنّ اليهود إلى مثل تلك الوثنية، ولامهم القرآن ووبخهم ؛ وذكر أن هذا العجل لا يسمع ولا يجيب ولا يملك لهم ضرا ولا نفعا.
الأسف : الحزين.
الوعد الحسن : إعطاء التوراة التي فيها هدى ونور.
العهد : زمان الإنجاز.
موعدي : وعدكم إياي بالثبات على الإيمان، وقيامكم بأداء ما أمرتم به من التكاليف.
٨٦-﴿ فرجع موسى إلى قومه غضبان أسفا قال يا قوم ألم يعدكم ربّكم وعدا حسنا أفطال عليكم العهد أم أردتم أن يحل عليكم غضب من ربّكم فأخلفتم موعدي ﴾.
أي : رجع موسى من الطور، بعد ما استوفى الأربعين، وأخذ التوراة، واصطحب معه سبعين رجلا من النقباء ؛ كانوا أسفل الجبل، وعادوا جميعا إلى قومه، وكان موسى شديد الغضب والأسف والحزن ؛ بسبب عبادة قومه للعجل، وأخذ يلومهم ويقول لهم :﴿ ألم يعدك ربّكم وعدا حسنا ﴾ ؛ بإنزال التوراة فيها الهدى والنور ؟ !
والاستفهام هنا للتوبيخ، ثم قال لهم : هل طال عليكم الزمن حتى نسيتم العهد ؟ ! أم أردتم بصنيعكم هذا : أن ينزل عليكم سخط الله عليكم وغضبه فأخلفتم موعدي ؟ ! وكانوا قد واعدوا موسى، أن يتمسكوا بالدين ولا يحيدوا عنه، ثم خالفوا.
فقال موسى لهم :﴿ أفطال عليكم العهد ﴾. فنسيتم ؟ ! أم تعمدتم المعصية ﴿ فأخلفتم ﴾ ؟ !
تمهيد :
هذه الآيات تذكر موقفا مؤلما من مواقف بني إسرائيل ؛ حيث ذهب موسى لميعاد ربّه، ومكث أربعين يوما صائما قائما، واستخلف أخاه هارون على قومه ؛ بيد أن الله أخبره بأن السامريّ ارتكب ضلالا وفتنة لقومه، حين صاغ من الحلي بعد أن وضعت في النار ؛ عجلا من الذهب، مجوّفا إذا دخل الهواء فيه، صار له صوت وخوار كصوت العجل، وكان المصريون قد عبدوا عجل أبيس، فحنّ اليهود إلى مثل تلك الوثنية، ولامهم القرآن ووبخهم ؛ وذكر أن هذا العجل لا يسمع ولا يجيب ولا يملك لهم ضرا ولا نفعا.
بملكنا : بقدرتنا واختيارنا.
الأوزار : الأثقال والأحمال.
القوم : القبط.
قذفناها : طرحناها في النار.
٨٧-﴿ قالوا ما أخلفنا موعدك بملكنا ولكنّا حمّلنا أوزارا من زينة القوم فقذفناها فكذلك ألقى السامريّ ﴾.
أي : قال قوم موسى له : ما أخلفنا العهد والوعد، الذي أعطيناه لك بالثبات على طاعة الله، بإرادتنا واختيارنا، ولكن غُلبنا على أمرنا، وزين لنا السامريّ عملنا وكانوا قد حملوا أكداسا من حلي المصريات، استعاروها من المصريات ؛ بحجة أن لهم عيدا يتزينون فيه بها، ثم حملوها معهم، وأحسّوا بالإثم والذنب ؛ لوجودها معهم، فتخلصوا منها، وألقوا بها في حفرة واستغل السامريّ الفرصة، وأخذ هذه الحليّ فصاغ منها عجلا، وجعل له منافذ، إذا دارت فيها الريح ؛ أخرجت صوتا، كصوت الخوار، ولا حياة فيه ولا روح فهو جسد- ولفظ الجسد يطلق على الجسم الذي لا حياة فيه- فما كادوا يرون عجلا من ذهب يخور ؛ حتى نسوا ربّهم الذي أنقذهم من أرض الذّل، وعكفوا على عجل الذهب يعبدونه.
تمهيد :
هذه الآيات تذكر موقفا مؤلما من مواقف بني إسرائيل ؛ حيث ذهب موسى لميعاد ربّه، ومكث أربعين يوما صائما قائما، واستخلف أخاه هارون على قومه ؛ بيد أن الله أخبره بأن السامريّ ارتكب ضلالا وفتنة لقومه، حين صاغ من الحلي بعد أن وضعت في النار ؛ عجلا من الذهب، مجوّفا إذا دخل الهواء فيه، صار له صوت وخوار كصوت العجل، وكان المصريون قد عبدوا عجل أبيس، فحنّ اليهود إلى مثل تلك الوثنية، ولامهم القرآن ووبخهم ؛ وذكر أن هذا العجل لا يسمع ولا يجيب ولا يملك لهم ضرا ولا نفعا.
جسدا : جثة لا روح فيها.
الخوار : صوت العجل.
فنسي : غفل عنه موسى، وذهب يطلبه عند الطور.
٨٨-﴿ فأخرج لهم عجلا جسدا له خوار فقالوا هذا إلهكم وإله موسى فنسيَ ﴾.
أي : صاغ السامري من هذه الحلي، صورة عجل تدخل فيه الريح بطريقة فنّية ؛ فيصبح له خوار كصوت العجل الحقيقي، فقال القوم في بلادة وبلاهة : هذا العجل هو إلهكم، ومعبودكم الذي تعبدونه، وهو إله موسى أيضا ؛ ولكنه غفل عنه وذهب إلى الطور ؛ لمناجاة ربّه، ونسي أن هذا هو الإله.
تمهيد :
هذه الآيات تذكر موقفا مؤلما من مواقف بني إسرائيل ؛ حيث ذهب موسى لميعاد ربّه، ومكث أربعين يوما صائما قائما، واستخلف أخاه هارون على قومه ؛ بيد أن الله أخبره بأن السامريّ ارتكب ضلالا وفتنة لقومه، حين صاغ من الحلي بعد أن وضعت في النار ؛ عجلا من الذهب، مجوّفا إذا دخل الهواء فيه، صار له صوت وخوار كصوت العجل، وكان المصريون قد عبدوا عجل أبيس، فحنّ اليهود إلى مثل تلك الوثنية، ولامهم القرآن ووبخهم ؛ وذكر أن هذا العجل لا يسمع ولا يجيب ولا يملك لهم ضرا ولا نفعا.
لا يرجع إليهم قولا : لا يرد عليهم جوابا.
لا يملك لهم ضرا ولا نفعا : لا يملك أن يجلب لهم نفعا، أو يدفع عنهم ضرا.
٨٩-﴿ أفلا يرون ألا يرجع إليهم قولا ولا يملك لهم ضرّا ولا نفعا ﴾.
أفلا يفكرون بعقولهم، في أن هذا العجل لا يملك لهم خطابا ؛ فهو لا يتكلم ولا يرد جوابا، ولا يملك لهم جلب منفعة، أو دفع مضرة، فكيف يكون إلها ؟ وهنا احتكام إلى العقل واللب والفكر، في أن المعبود جسم أصم، لا يملك الكلام ولا الحركة ؛ فهو لا يرفث ولا يتحرك، ولا يسمع ولا يجيب، ولا ينفع ولا يضرّ، فكيف يعبد من دون الله الحق ؟ !
﴿ ولقد قال لهم هارون من قبل يا قوم إنما فتنتم به وإنّما ربّكم الرحمن فاتّبعوني وأطيعوا أمري ( ٩٠ ) قالوا لن نبرح عليه عاكفين حتى يرجع إلينا موسى ( ٩١ ) قال يا هارون ما منعك إذ رأيتهم ضلّوا ( ٩٢ ) ألا تتّبعني أفعصيت أمري ( ٩٣ ) قال يا ابن أُمَّ لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي إني خشيت أن تقول فرّقت بين بني إسرائيل ولم ترقب قومي ( ٩٤ ) قال فما خطبك يا سامري ( ٩٥ ) قال بصرت بما لم يبصروا به فقبضت قبضة من أثر الرسول فنبذتها وكذلك سوّلت لي نفسي ( ٩٦ ) قال فاذهب فإن لك في الحياة أن تقول لا مساس وإن لك موعدا لن تخلفه وانظر إلى إلهك الذي ظلت عليه عاكفا لنحرّقنّه ثم لننسفنّه في اليم نسفا ( ٩٧ ) إنما إلهكم الله الذي لا إله إلا هو وسع كل شيء علما ( ٩٨ ) ﴾
المفردات :
فتنتم به : وقعتم في الفتنة والضلال.
فاتبعوني : في الثبات على الحق.
تمهيد :
تحكي هذه الآيات جهود هارون وموسى عليهما السلام ؛ فقد نصح هارون قومه بالثبات على الحق، فلم ينتصحوا ؛ فهم قوم جاوروا الوثنية وعبادة عجل أبيس ؛ فما إن رأوا عجلا جسدا له خوار ؛ حتى عادوا إلى الوثنية، وتحكي لوم موسى لهارون، وتلطف هارون في الاعتذار له، ومناقشة موسى للسامريّ، وشرح السامري لموقفه ؛ ثم دعاء موسى على السامريّ أن يعيش وحيدا طريدا، ثم تحريق العجل وإلقاء الرماد في اليمّ ؛ ليقتلع عبادته وحبّه من قلوب بني إسرائيل، الذين ألفوا الوثنية، حتى إنهم بعد أن فرق الله بهم البحر، ونجاهم من البحر، ومن فرعون وإذلاله لهم، وجدوا قوما يعبدون أصناما، فاقترحوا على موسى أن يجعل لهم صنما مثلهم ليعبدوه، فاستنكر موسى قولهم، وذكرهم بالله، الذي فضلهم على عالمي زمانهم، وذلك لإيمانهم بالله واتباعهم التوراة، فلما ضلّوا وأضلّوا ؛ فقدوا هذا التفضيل.
التفسير :
٣٨- ﴿ ولقد قال لهم هارون من قبل يا قوم إنما فتنتم به... ﴾
إن هارون رسول الله لم يقصر في نصيحتهم، حيث بين لهم : أن هذا العجل الذي صنعه السامريّ من الذهب، وأودع فيه الأنابيب، لتحدث هذا الخوار ؛ اختبار وامتحان لكم ؛ ليظهر مدى ثبات إيمانكم، ومدى طاعتكم لربّكم.
﴿ وإن ربكم الرحمن فاتبعوني وأطيعوا أمري ﴾.
وإن ربكم المستحق للعبادة، هو الرحمن الخالق الرازق، الذي نجاكم من الذّل، وأسبغ عليكم نعمه فاتبعوني في طاعتي لله، وأطيعوا أمري في الثبات على عبادة الله، وترك عبادة العجل.
تمهيد :
تحكي هذه الآيات جهود هارون وموسى عليهما السلام ؛ فقد نصح هارون قومه بالثبات على الحق، فلم ينتصحوا ؛ فهم قوم جاوروا الوثنية وعبادة عجل أبيس ؛ فما إن رأوا عجلا جسدا له خوار ؛ حتى عادوا إلى الوثنية، وتحكي لوم موسى لهارون، وتلطف هارون في الاعتذار له، ومناقشة موسى للسامريّ، وشرح السامري لموقفه ؛ ثم دعاء موسى على السامريّ أن يعيش وحيدا طريدا، ثم تحريق العجل وإلقاء الرماد في اليمّ ؛ ليقتلع عبادته وحبّه من قلوب بني إسرائيل، الذين ألفوا الوثنية، حتى إنهم بعد أن فرق الله بهم البحر، ونجاهم من البحر، ومن فرعون وإذلاله لهم، وجدوا قوما يعبدون أصناما، فاقترحوا على موسى أن يجعل لهم صنما مثلهم ليعبدوه، فاستنكر موسى قولهم، وذكرهم بالله، الذي فضلهم على عالمي زمانهم، وذلك لإيمانهم بالله واتباعهم التوراة، فلما ضلّوا وأضلّوا ؛ فقدوا هذا التفضيل.
لن نبرح : لا نزال.
عاكفين : مقيمين.
٣٩- ﴿ قالوا لن نبرح عليه عاكفين حتى يرجع إلينا موسى ﴾.
قالوا لن نزال مقيمين على عبادة العجل حتى يرجع إلينا موسى، فينظر في الأمر، وليس غرضهم إلا التعلل والتسويف، والبلادة الحسية والمعنوية، فبدلا من شكر الله وعبادته، والتقرب إليه واتباع هارون في نصيحته، نُسوا كل النعم التي أنعم الله بها عليهم، وعادوا إلى الوثنية، وعبادة العجل.
تمهيد :
تحكي هذه الآيات جهود هارون وموسى عليهما السلام ؛ فقد نصح هارون قومه بالثبات على الحق، فلم ينتصحوا ؛ فهم قوم جاوروا الوثنية وعبادة عجل أبيس ؛ فما إن رأوا عجلا جسدا له خوار ؛ حتى عادوا إلى الوثنية، وتحكي لوم موسى لهارون، وتلطف هارون في الاعتذار له، ومناقشة موسى للسامريّ، وشرح السامري لموقفه ؛ ثم دعاء موسى على السامريّ أن يعيش وحيدا طريدا، ثم تحريق العجل وإلقاء الرماد في اليمّ ؛ ليقتلع عبادته وحبّه من قلوب بني إسرائيل، الذين ألفوا الوثنية، حتى إنهم بعد أن فرق الله بهم البحر، ونجاهم من البحر، ومن فرعون وإذلاله لهم، وجدوا قوما يعبدون أصناما، فاقترحوا على موسى أن يجعل لهم صنما مثلهم ليعبدوه، فاستنكر موسى قولهم، وذكرهم بالله، الذي فضلهم على عالمي زمانهم، وذلك لإيمانهم بالله واتباعهم التوراة، فلما ضلّوا وأضلّوا ؛ فقدوا هذا التفضيل.
٩٣، ٩٢- ﴿ قال يا هارون ما منعك إذ رأيتهم ضلّوا. ألاّ تتّبعن أفعصيت أمري ﴾.
يفيد السياق : أن موسى عاد من مناجاته لله، غاضبا أسفا حزينا وكان قد استخلف هارون على قومه، فاتجه موسى إلى هارون ولامه وأنّبه، حيث إنه لم يتّخذ وقفا حاسما من الذين عبدوا العجل، فلم يقاتلهم مثلا، ولم يعتزلهم ؛ بل استمرّ مقيما معهم، وأمسك موسى بشعر لحية هارون، وبشعر رأسه، في حدة وصرامة وانفعال، يريد أن يلومه ويؤنبه وينكر عليه، ويقول له : ما منعك حين رأيت كفرهم وضلالهم، أن لا تتبعني في الغضب لله، والإنكار عليهم، والزجر لهم عن الضلال.
﴿ أفعصيت أمري ﴾.
أخالفتني وتركت أمري ووصيتي ؟ ! يشير إلى نصيحته السابقة له التي حكاها القرآن الكريم :
﴿ وقال موسى لأخيه هارون اخلفني في أمري وأصلح ولا تتبع سبيل المفسدين ﴾. ( الأعراف : ١٤٢
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٩٢:تمهيد :
تحكي هذه الآيات جهود هارون وموسى عليهما السلام ؛ فقد نصح هارون قومه بالثبات على الحق، فلم ينتصحوا ؛ فهم قوم جاوروا الوثنية وعبادة عجل أبيس ؛ فما إن رأوا عجلا جسدا له خوار ؛ حتى عادوا إلى الوثنية، وتحكي لوم موسى لهارون، وتلطف هارون في الاعتذار له، ومناقشة موسى للسامريّ، وشرح السامري لموقفه ؛ ثم دعاء موسى على السامريّ أن يعيش وحيدا طريدا، ثم تحريق العجل وإلقاء الرماد في اليمّ ؛ ليقتلع عبادته وحبّه من قلوب بني إسرائيل، الذين ألفوا الوثنية، حتى إنهم بعد أن فرق الله بهم البحر، ونجاهم من البحر، ومن فرعون وإذلاله لهم، وجدوا قوما يعبدون أصناما، فاقترحوا على موسى أن يجعل لهم صنما مثلهم ليعبدوه، فاستنكر موسى قولهم، وذكرهم بالله، الذي فضلهم على عالمي زمانهم، وذلك لإيمانهم بالله واتباعهم التوراة، فلما ضلّوا وأضلّوا ؛ فقدوا هذا التفضيل.
٩٣، ٩٢- ﴿ قال يا هارون ما منعك إذ رأيتهم ضلّوا. ألاّ تتّبعن أفعصيت أمري ﴾.
يفيد السياق : أن موسى عاد من مناجاته لله، غاضبا أسفا حزينا وكان قد استخلف هارون على قومه، فاتجه موسى إلى هارون ولامه وأنّبه، حيث إنه لم يتّخذ وقفا حاسما من الذين عبدوا العجل، فلم يقاتلهم مثلا، ولم يعتزلهم ؛ بل استمرّ مقيما معهم، وأمسك موسى بشعر لحية هارون، وبشعر رأسه، في حدة وصرامة وانفعال، يريد أن يلومه ويؤنبه وينكر عليه، ويقول له : ما منعك حين رأيت كفرهم وضلالهم، أن لا تتبعني في الغضب لله، والإنكار عليهم، والزجر لهم عن الضلال.
﴿ أفعصيت أمري ﴾.
أخالفتني وتركت أمري ووصيتي ؟ ! يشير إلى نصيحته السابقة له التي حكاها القرآن الكريم :
﴿ وقال موسى لأخيه هارون اخلفني في أمري وأصلح ولا تتبع سبيل المفسدين ﴾. ( الأعراف : ١٤٢

تمهيد :
تحكي هذه الآيات جهود هارون وموسى عليهما السلام ؛ فقد نصح هارون قومه بالثبات على الحق، فلم ينتصحوا ؛ فهم قوم جاوروا الوثنية وعبادة عجل أبيس ؛ فما إن رأوا عجلا جسدا له خوار ؛ حتى عادوا إلى الوثنية، وتحكي لوم موسى لهارون، وتلطف هارون في الاعتذار له، ومناقشة موسى للسامريّ، وشرح السامري لموقفه ؛ ثم دعاء موسى على السامريّ أن يعيش وحيدا طريدا، ثم تحريق العجل وإلقاء الرماد في اليمّ ؛ ليقتلع عبادته وحبّه من قلوب بني إسرائيل، الذين ألفوا الوثنية، حتى إنهم بعد أن فرق الله بهم البحر، ونجاهم من البحر، ومن فرعون وإذلاله لهم، وجدوا قوما يعبدون أصناما، فاقترحوا على موسى أن يجعل لهم صنما مثلهم ليعبدوه، فاستنكر موسى قولهم، وذكرهم بالله، الذي فضلهم على عالمي زمانهم، وذلك لإيمانهم بالله واتباعهم التوراة، فلما ضلّوا وأضلّوا ؛ فقدوا هذا التفضيل.
بلحيتي ولا برأسي : بشعر لحيتي ولا بشعر رأسي.
خشيت : خفت.
ولم ترقب قولي : ولم تراع.
٩٤- ﴿ قال يا ابن أمَّ لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي إني خشيت أن تقول فرّقت بين بني إسرائيل ولم ترقُب قولي ﴾.
قال هارون مستعطفا أخاه موسى :﴿ يبنؤمّ ﴾. أي : يا أخي : لا تأخذ بشعر رأسي، ولا بشعر لحيتي، غاضبا مني محتدّا علي، فإني رأيت من الحكمة الصبر والانتظار والتريث ؛ حتى تحضر أنت، فتتدارك الموقف، وقد خشيت أن أقاتل الكافرين، عبّاد العجل ؛ فيتفرّق الناس إلى فريقين، ويترك ذلك من الإحن والبغضاء في النفوس ما يترك، وربما صعب تدارك الموقف، إذ يترسّخ النفور والبغض بين فريقين.
وخلاصة ذلك : إني رأيت من صواب الأمر، أن أحفظ العامة، وأداريهم على وجه لا يختل به نظامهم ؛ ولا يكون سببا للومك، حتى ترجع فتتدارك الأمر بحسب ما ترى ؛ لاسيما أن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني.
قال الزمخشري في تفسير الكشاف :
كان موسى عليه السلام رجلا حديدا مجبولا على الحدّة والخشونة، والتصلب في كل شيء، شديد الغضب لله ولدينه، فلم يتمالك حين رأى قومه يعبدون عجلا من دون الله، من بعد ما رأوا الآيات العظام ؛ أن، ألقي ألواح التوراة ؛ لما غلب ذهنه من الدهشة العظيمة ؛ غضبا لله واستنكافا وحمية، وعنف بأخيه وخليفته على قومه، فأقبل عليه إقبال العدو المكاشف قابضا على شعر رأسه- وكان أفْرعا- وعلى شعر وجهه يجره إليه. ١ ه.
وقد تحدث القرآن عن هذه المعاني في سورة الأعراف، وأضاف هناك إحساس بعض عبّاد العجل بالندم والخجل، وأن من أصر على عبادة العجل واتخاذه إلها ؛ فله غضب وذلة في الدنيا وعقوبة في الآخرة، وأن من تاب ؛ تاب الله عليه.
قال تعالى :﴿ واتخذ قوم موسى من بعده من حليّهم عجلا جسدا له خوار ألم يروا أنه لا يكلّمهم ولا يهديهم سبيلا اتخذوه وكانوا ظالمين. ولمّا سقط في أيديهم ورأوا أنهم قد ضلّوا قالوا لئن لم يرحمنا ربّنا يغفر لنا لنكوننّ من الخاسرين. ولما رجع موسى إلى قومه غضبا أسفا قال بئسما خلفتموني من بعدي أعجلتم أمر ربكم وألقى الألواح وأخذ برأس أخيه يجرّه إليه قال ابن أمَّ إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلوني فلا تشمت بي الأعداء ولا تجعلني مع القوم الظالمين. قال رب اغفر لي ولأخي وأدخلنا في رحمتك وأنت أرحم الراحمين. إن الذين اتخذوا العجل سينالهم غضب من ربّهم وذلّة في الحياة الدنيا وكذلك نجزي المفترين. والذين عملوا السيئات ثم ثابوا من بعدها وآمنوا إن ربّك من بعدها لغفور رحيم ﴾. ( الأعراف : ١٥٣، ١٤٨ ).
تمهيد :
تحكي هذه الآيات جهود هارون وموسى عليهما السلام ؛ فقد نصح هارون قومه بالثبات على الحق، فلم ينتصحوا ؛ فهم قوم جاوروا الوثنية وعبادة عجل أبيس ؛ فما إن رأوا عجلا جسدا له خوار ؛ حتى عادوا إلى الوثنية، وتحكي لوم موسى لهارون، وتلطف هارون في الاعتذار له، ومناقشة موسى للسامريّ، وشرح السامري لموقفه ؛ ثم دعاء موسى على السامريّ أن يعيش وحيدا طريدا، ثم تحريق العجل وإلقاء الرماد في اليمّ ؛ ليقتلع عبادته وحبّه من قلوب بني إسرائيل، الذين ألفوا الوثنية، حتى إنهم بعد أن فرق الله بهم البحر، ونجاهم من البحر، ومن فرعون وإذلاله لهم، وجدوا قوما يعبدون أصناما، فاقترحوا على موسى أن يجعل لهم صنما مثلهم ليعبدوه، فاستنكر موسى قولهم، وذكرهم بالله، الذي فضلهم على عالمي زمانهم، وذلك لإيمانهم بالله واتباعهم التوراة، فلما ضلّوا وأضلّوا ؛ فقدوا هذا التفضيل.
فما خطبك : ما شأنك ؟ وما الأمر العظيم الذي صدر منك ؟
٩٥- ﴿ قال فما خطبك يا سامريّ ﴾.
أي : ما شأنك وما قصتك، وما هو الخطب الجليل الذي اقترفته يا سامري، وما الذي حملك عليه ؟
تمهيد :
تحكي هذه الآيات جهود هارون وموسى عليهما السلام ؛ فقد نصح هارون قومه بالثبات على الحق، فلم ينتصحوا ؛ فهم قوم جاوروا الوثنية وعبادة عجل أبيس ؛ فما إن رأوا عجلا جسدا له خوار ؛ حتى عادوا إلى الوثنية، وتحكي لوم موسى لهارون، وتلطف هارون في الاعتذار له، ومناقشة موسى للسامريّ، وشرح السامري لموقفه ؛ ثم دعاء موسى على السامريّ أن يعيش وحيدا طريدا، ثم تحريق العجل وإلقاء الرماد في اليمّ ؛ ليقتلع عبادته وحبّه من قلوب بني إسرائيل، الذين ألفوا الوثنية، حتى إنهم بعد أن فرق الله بهم البحر، ونجاهم من البحر، ومن فرعون وإذلاله لهم، وجدوا قوما يعبدون أصناما، فاقترحوا على موسى أن يجعل لهم صنما مثلهم ليعبدوه، فاستنكر موسى قولهم، وذكرهم بالله، الذي فضلهم على عالمي زمانهم، وذلك لإيمانهم بالله واتباعهم التوراة، فلما ضلّوا وأضلّوا ؛ فقدوا هذا التفضيل.
بصرت بما لم يبصروا به :( بضم الصاد فيهما ) أي : علمت ما لم يعلمه القوم وفطنت لما لم يفطنوا له.
من أثر الرسول : قبضت شيئا من أثر فرس جبريل ؛ فطرحتها على العجل فكان له خوار.
سولت لي نفسي : زينت وحسنت.
٩٦- ﴿ قال بصرت بما لم يبصروا به فقبضت قبضة من أثر الرسول فنبذتها وكذلك سوّلت لي نفسي ﴾.
تفيد كتب التفسير : أن السامري شاهد أثر فرس جبريل عليه السلام، ودبّ في نفسه أن أثر الفرس لا يخالط شيئا إلا دبّت فيه الحياة ؛ فأخذ قبضة من أثر فرس جبريل، وألقاها على العجل الذي صوّره من زينة القوم ؛ فدبّت فيه الحياة، وكان له خوار كصوت العجل.
وأنكر أبو مسلم الأصفهاني مثل هذه الروايات ؛ لأنها لا سند لها ؛ بل هي من الإسرائيليات التي أمر بالتوقف نحوها، فلا نصدقها ولا نكذبها، وأيديه في ذلك الإمام فخر الدين الرازي وقال : إنه أقرب إلى التحقيق، وقد رد الإمام الآلوسي على الإمام فخر الدين الرازي، وذكر : أن رؤية السامري دون غيره لجبريل كان ابتلاء من الله تعالى ؛ ليقضي الله أمرا كان مفعولا.
والأستاذ سيد قطب يورد كلام المفسرين، الذي يفيد : أن السامري رأى جبريل فأخذ قبضة من تحت قدميه ؛ أو من تحت حافر فرسه... إلخ ثم يقول : والقرآن لا يقرر هنا حقيقة ما حدث، إنما هو يحكي قول السامري مجرد حكاية... ونحن نميل إلى اعتبار هذا عذرا من السامري وتملصا من تبعة ما حدث، وأنه هو الذي صنع العجل بطريقة فنية أدت إلى هذه الفتنة.
أما تفسير المراغي فقد رجح أن المراد بالآية ما يلي :
﴿ قال بصرت بما لم يبصروا به ﴾.
أي : قال السامري : إني عرفت ما لم يعرفه القوم، ولم تعرفه أنت، وعرفت أن ما أنتم عليه ليس بالحق.
﴿ فقبضت قبضة من أثر الرسول فنبذتها ﴾.
أي : كنت قد قبضت قبضة من أثرك أيها الرسول، أي : شيئا من أثرك ودينك ؛ فطرحته ورائي ظهريا، وسرت على النهج الذي اخترته ﴿ وكذلك سوّلت لي نفسي ﴾. أي : حسنت وزينت لي نفسي أن أعمل هذا العمل.
وجاء في المنتخب في تفسير القرآن ما يأتي :
قال السامري لموسى : عرفت من حذق الصناعة وحيلها ما لم يعلمه بنوا إسرائيل، وصنعت لهم صورة عجل له هذا الصوت، وقبضت قبضة من التوراة فألقيتها في جوف العجل تمويها على الناس.
تمهيد :
تحكي هذه الآيات جهود هارون وموسى عليهما السلام ؛ فقد نصح هارون قومه بالثبات على الحق، فلم ينتصحوا ؛ فهم قوم جاوروا الوثنية وعبادة عجل أبيس ؛ فما إن رأوا عجلا جسدا له خوار ؛ حتى عادوا إلى الوثنية، وتحكي لوم موسى لهارون، وتلطف هارون في الاعتذار له، ومناقشة موسى للسامريّ، وشرح السامري لموقفه ؛ ثم دعاء موسى على السامريّ أن يعيش وحيدا طريدا، ثم تحريق العجل وإلقاء الرماد في اليمّ ؛ ليقتلع عبادته وحبّه من قلوب بني إسرائيل، الذين ألفوا الوثنية، حتى إنهم بعد أن فرق الله بهم البحر، ونجاهم من البحر، ومن فرعون وإذلاله لهم، وجدوا قوما يعبدون أصناما، فاقترحوا على موسى أن يجعل لهم صنما مثلهم ليعبدوه، فاستنكر موسى قولهم، وذكرهم بالله، الذي فضلهم على عالمي زمانهم، وذلك لإيمانهم بالله واتباعهم التوراة، فلما ضلّوا وأضلّوا ؛ فقدوا هذا التفضيل.
لا مساس : لا مخالطة، فلا يخالط أحدا، ولا يخالطه أحدا، فعاش وحيدا فريدا.
لن تخلفه : لن يتخلف.
لنحرقنه : لنحرقنه بالنار أو لنبردنّه بالمبرد.
لننسفنّه : لنذرينّه رمادا.
في اليم نسفا : في البحر نذريه فلا يبقى منه عين ولا أثر.
٩٧- ﴿ قال فاذهب فإن لك في الحياة أن تقول لا مساس وإن لك موعدا لن تخلفه وانظر إلى إلهك الذي ظلت عليه عاكفا لنحرّقنّه ثم لننسفنّه في اليم نسفا ﴾.
اذهب مطرودا معزولا لا يمسك أحد لا بسوء ولا بخير ولا تمسّ أحدا، وكانت هذه إحدى العقوبات في ديانة موسى، عقوبة العزل وإعلان دنس الدنّس، فلا يقربه أحد، ولا قرب أحد.
وقال : هام السامري على وجهه في البادية، لا يخالط الناس، ولا يخالطونه، منبوذا مطرودا.
قالوا : وهذه الآية الكريمة أصل في نفي أهل البدع والمعاصي وهجرانهم وعدم مخالطتهم.
﴿ وإن لك موعدا لن تخلفه ﴾.
وإن لك موعدا للحساب والعقاب لن يتخلف، وهذه قراءة الجمهور، بضم التاء وفتح اللام، وقرأ ابن كثير، وأبو عمرو ﴿ لن تخلفه ﴾ بضم التاء وكسر اللام، بمعنى : لن تستطيع التخلف عنه أو الانفلات منه بل ستأتيه وأنت صاغر.
﴿ وانظر إلى إلهك الذي ظلت عليه عاكفا لنحرّقنه ثم لننسفنّه في اليم نسفا ﴾.
وانظر إلى هذا العجل الذي اتخذته إلها ؛ لنحرقنه بالنار، ونبرده بردا ؛ ليكون رمادا، ثم نروه في ﴿ اليم ﴾ وهو البحر ﴿ نسفا ﴾ تذرية حتى لا يبقى منه عين ولا أثر ؛ ليتعظ الأغبياء ؛ أن مثل ذلك العاجز لا يمكن أن يكون إلها، فلو كان إلها ؛ لدافع عن نفسه، ومنع نفسه من الإحراق والتذرية.
تمهيد :
تحكي هذه الآيات جهود هارون وموسى عليهما السلام ؛ فقد نصح هارون قومه بالثبات على الحق، فلم ينتصحوا ؛ فهم قوم جاوروا الوثنية وعبادة عجل أبيس ؛ فما إن رأوا عجلا جسدا له خوار ؛ حتى عادوا إلى الوثنية، وتحكي لوم موسى لهارون، وتلطف هارون في الاعتذار له، ومناقشة موسى للسامريّ، وشرح السامري لموقفه ؛ ثم دعاء موسى على السامريّ أن يعيش وحيدا طريدا، ثم تحريق العجل وإلقاء الرماد في اليمّ ؛ ليقتلع عبادته وحبّه من قلوب بني إسرائيل، الذين ألفوا الوثنية، حتى إنهم بعد أن فرق الله بهم البحر، ونجاهم من البحر، ومن فرعون وإذلاله لهم، وجدوا قوما يعبدون أصناما، فاقترحوا على موسى أن يجعل لهم صنما مثلهم ليعبدوه، فاستنكر موسى قولهم، وذكرهم بالله، الذي فضلهم على عالمي زمانهم، وذلك لإيمانهم بالله واتباعهم التوراة، فلما ضلّوا وأضلّوا ؛ فقدوا هذا التفضيل.
وسع كل شيء علما : وسع علمه كل شيء وأحاط به.
٩٨- ﴿ إنما إلهكم الله الذي لا إله إلا هو وسع كل شيء علما ﴾.
أي : هذا العجل ليس إلها إنما إلهكم حقا، هو الله سبحانه وتعالى، ﴿ لا إله إلا هو ﴾ ليس هناك إله سواه.
وقد اشتملت الآية على جملة إيجابية تثبت الألوهية لله سبحانه وتعالى، وعلى جملة منفية تنفي الألوهية عن غيره وهي تذكرنا بما ورد من قوله تعالى في بدايات سورة طه :﴿ إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني وأقم الصلاة لذكري ﴾. ( طه : ١٤ ).
وقد اتجه موسى بهذا الكلام إلى بني إسرائيل توبيخا لعبدة العجل، وتوجيها لهم إلى الدين الحق.
﴿ وسع كل شيء علما ﴾.
وسع علمه السماوات والأرض، وكل شيء في الكون ؛ فلا يعزب عنه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض، وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين.
وتنتهي مع هذه الآيات، قصة موسى مع بني إسرائيل في سورة طه ؛ لأن ما تبع ذلك، هو صوّر من العدوان والرذائل التي ارتكبوها، والعقوبات التي عاقبهم الله بها، وسورة طه لمسة حنان، ومنن من الله تعالى على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، وعلى أخيه سيدنا موسى عليه السلام.
﴿ كذلك نقص عليك من أنباء ما قد سبق وقد آتيناك من لدنا ذكرا ( ٩٩ ) من أعرض عنه فإنه يحمل يوم القيامة وزرا ( ١٠٠ ) خالدين فيه وساء لهم يوم القيامة حملا ( ١٠١ ) يوم ينفخ في الصور ونحشر المجرمين يومئذ زرقا ( ١٠٢ ) يتخافتون بينهم إن لبثتم إلا عشرا ( ١٠٣ ) نحن أعلم بما يقولون إذ يقول أمثلهم طريقة إن لبثتم إلا يوما ( ١٠٤ ) ﴾
المفردات :
ذكرا : قرآنا، وسمي بذلك : لأنه فيه ذكر ما يحتاج إليه الناس من أمر دينهم ودنياهم.
التفسير :
٩٩- ﴿ كذلك نقص عليك من أنباء ما قد سبق... ﴾
انتهت قصة موسى، وقد بدأها الله تعالى مخاطبا رسوله بقوله :﴿ وهل أتاك حديث موسى... ﴾ وعندما انتهت القصة ؛ أخبر الله رسوله : أنه يخبره بقصة موسى وغيرها من قصص الأمم السابقة ؛ كقصة عاد وثمود، وقارون وأصحاب الكهف، وأصحاب الجنة وقوم نوح وقصة زكريا ؛ ويحيى وعيسى وغيرها، أي : نقص عليك قصص الأمم السابق ؛ تثبيتا لفوائدك، وتذكيرا لك وللآخرين بما أصاب المكذبين من الهلاك، وما أصاب المتقين من النصر ؛ وليكون في ذلك عظة وعبرة.
قال تعالى :﴿ لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب ما كان حديثا يفترى ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل كل شيء وهدى ورحمة لقوم يؤمنون ﴾. ( يوسف : ١١١ ).
﴿ وقد آتيناك من لدنا ذكرا ﴾.
أعطيناك ذكرا هو القرآن الكريم ؛ تفضلا ورحمة من عندنا، والقرآن الكريم ذكر ؛ لأنه يذكر الناس بما ينفعهم من شؤون دينهم ودنياهم، وهو شرف للرسول صلى الله عليه وسلم ولأمته، ولكل من آمن به.
قال تعالى :﴿ وإنه لذكر لك ولقومك وسوف تُسألون ﴾. ( الزخرف : ٤٤ ).
والقرآن يذكر الناس : بآلاء الله ونعمائه، ويلفتهم إلى ما خلق الله في السماوات وفي الأرض، وفي أنفسهم ؛ ففيه التذكير والوعظ.
الوزر : الحمل الثقيل، والمراد به : العقوبة التي تثقل على حاملها.
١٠٠- ﴿ من أعرض عنه فإنه يحمل يوم القيامة وزرا ﴾.
من أعرض عن القرآن الكريم وصد عنه ؛ فإنه آثم مذنب، مرتكب للوزر والذنب، وسيحمل يوم القيامة أحمالا ثقيلة ينوء بها كاهله ؛ عقوبة على الأوزار والآثام التي ارتكبها في الدنيا.
قال الزمخشري :
والمراد بالوزر : العقوبة الثقيلة الباهظة، سمّاها : وزرا ؛ تشبيها في ثقلها على المعاقب، وصعوبة احتمالها بالحمل الذي يفدح الحامل، وينقض ظهره، أو لأنها جزاء الوزر وهو الإثم.
وقد ذكر القرآن الكريم : أن الكافرين يحملون يوم القيامة أوزارهم وذنوبهم على ظهورهم، ويحملون أيضا ذنوب الذين أضلّوهم.
قال تعالى :﴿ وإذا قيل لهم ماذا أنزل ربكم قالوا أساطير الأولين. ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم ألا ساء ما يزرون ﴾. ( النحل : ٢٥، ٢٤ ).
١٠١- ﴿ خالدين فيه وساء لهم يوم القيامة حملا ﴾.
أي : مقيمين في ذلك الوزر، أي : في عقوبته التي لا يجدون عنها محيصا ولا انفكاكا. وبئس الحمل الذي حملوه في الأوزار والآثام جزاء إعراضهم وتكذيبهم وكفرهم !
الصور : قرن ونحوه ينفخ فيه حين يُدعى الناس إلى المحشر، كمال ينفخ فيه في الدنيا حين الأسفار وفي المعسكرات.
زرقا : زرق الأبدان، سود الوجوه ؛ لما هم فيه من الشدائد والأهوال.
١٠٢- ﴿ يوم ينفخ في الصّور ونحشر المجرمين يومئذ زرقا ﴾.
أي : هذا اليوم هو يوم ينفخ في الصور النفخة الثانية ؛ إيذانا بالقيام للحشر والحساب.
﴿ ونحشر المجرمين يومئذ زرقا ﴾.
وفي هذا اليوم يساق المجرمون إلى المحشر، شاحبي الألوان، زرق الوجوه ؛ دلالة على انحباس الدم وتجمده في كيان الإنسان ؛ مما يعاني من ضيق وبلاء، وقد عبر القرآن عن الكآبة والحزن الذي يظهر على وجوه الكافرين، وفي مقابل ذلك نرى السرور والبشر على وجوه المؤمنين، فالوجه هو المرآة التي تظهر عليها الحالة النفسية والمعنوية للإنسان.
قال تعالى :﴿ وجوه يومئذ ناضرة. إلى ربّها ناظرة. ووجوه يومئذ باسرة. تظن أن يفعل بها فاقرة ﴾. ( القيامة : ٢٥، ٢٢ ).
وقال عز شأنه :﴿ وجوه يومئذ مُسفرة. ضاحكة مستبشرة. ووجوه يومئذ عليها غبرة. ترهقها قترة. أولئك هم الكفرة الفجرة ﴾. ( عبس : ٤٢، ٣٨ ).
يتخافتون بينهم : يخفضون أصواتهم ويخفونها ؛ لشدة ما يرون من الهول.
إلا عشرا : عشرة أيام.
١٠٣- ﴿ يتخافتون بينهم إن لبثتم إلا عشرا ﴾.
يخفضون أصواتهم، ويهمس بعضهم في أذن بعض ؛ لما امتلأت به قلوبهم من الرعب والذعر ؛ وبمعنى الآية قوله تعالى :﴿ فلا تسمع إلا همسا ﴾. ( طه : ١٠٨ ).
﴿ إن لبثتم إلا عشرا ﴾.
يقول بعضهم لبعض : ما لبثتم في قبوركم إلا عشرة أيام، استقصارا للمدة، وتعبيرا عن سرعة انقضائها، وعن الندم على ما كانوا يزعمونه : من أن لا بعث ولا حساب.
وقال بعض المفسرين :
المعنى : ما لبثتم في الدنيا إلا عشرة أيام ؛ وذلك أنهم حين شاهدوا أهوال الآخرة، وشدة العذاب ؛ استقصروا أعمالهم في الدنيا، ورأوا أنها قليلة قصيرة في جانب أيام الآخرة.
قال تعالى :﴿ بل تؤثرون الحياة الدنيا. والآخرة خير وأبقى ﴾. ( الأعلى : ١٧، ١٦ ).
أمثلهم طريقة : أعدهم رأيا، وأرجحهم عقلا.
١٠٤- ﴿ نحن أعلم بما يقولون إذ يقول أمثلهم طريقة إن لبثتم إلا يوما ﴾.
إن علمنا شامل لكل شيء، وليس تهامسهم خافيا علينا ؛ فنحن أعلم بالذي يقولونه في مدة لبثهم ؛ حين يقول أعد لهم رأيا، وأكملهم عقلا : ما لبثتم إلا يوما واحدا ذلك أن الدنيا مهما تكررت أيامها ؛ فهي قصيرة الأجل، بالنسبة إلى الحياة الحقيقية، والخلود الأبدي في الآخرة.
وقريب من ذلك قوله تعالى :
﴿ ويوم تقوم الساعة يقسم المجرمون لما لبثوا غير ساعة... ﴾ ( الروم : ٥٥ ).
وقال سبحانه :﴿ كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا عشية أو ضحاها ﴾. ( النازعات : ٤٦ ).
وقال تعالى :﴿ كم لبثتم في الأرض عدد سنين. قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم فسئل العادين ﴾. ( المؤمنون : ١١٣، ١١٢ ).
﴿ ويسألونك عن الجبال فقل ينسفها ربّي نسفا ( ١٠٥ ) فيذرها قاعا صفصفا ( ١٠٦ ) لا ترى فيها عوجا ولا أمتا ( ١٠٧ ) يومئذ يتّبعون الدّاعي لا عوج له وخشعت الأصوات للرّحمن َلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا ( ١٠٨ ) يَوْمَئِذٍ لَّا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ ورضي له قولا ( ١٠٩ ) يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون به علما ( ١١٠ ) وعنت الوجوه للحي القيوم وقد خاب من حمل ظلما ( ١١١ ) ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا يخاف ظلما ولا هضما ( ١١٢ ) ﴾
المفردات :
ينسفها : يجعلها ذرات صغيرة ثم يصيرها هباء مثورا.
تمهيد :
تتحدث الآيات عن مشاهد القيامة ؛ فالجبال تنسف نسفا وتصبح رمادا، والأرض كلها تصبح ملساء مستوية ليس فيها منخفضات أو مرتفعات، وينادي المنادي حين ينفخ في الصور، فيقوم الناس من قبورهم لا يتكلمون إلا همسا.
والشفاعة عندئذ لله وحده ولمن أذن له بذلك، والله عليم بالخلق أجمعين، ولا يحيطون بما علمه، وقد ذلّت الوجوه واستجابت لأمر الله، وخاب الظالمون والمشركون، أما المؤمنون فلهم جزاء كامل ؛ لا نقص فيه ولا حيف.
التفسير :
١٠٥- ﴿ ويسألونك عن الجبال فقل ينسفها ربّي نسفا ﴾.
أخرج ابن المنذر عن ابن جريح قال : قالت قريش : يا محمد، كيف يفعل ربك بهذه الجبال يوم القيامة ؟ فنزلت الآية :﴿ ويسألونك عن الجبال... ﴾
ولا شك أن سؤالهم هذا سؤال تهكّم واستهزاء، وطعن في الحشر والنشر، لا سؤال معرفة للحق، وقيل : كان السؤال من بعض المؤمنين ؛ للتعلّم.
﴿ ويسألونك عن الجبال... ﴾ أي : يسألك الناس يا محمد عن الجبال : كيف تكون يوم القيامة ؟
فقل لهم :﴿ ينسفها ربي نسفا ﴾. أي : قل لهم : ستدك دكّا وتصبح هباء تذروه الرياح.
تمهيد :
تتحدث الآيات عن مشاهد القيامة ؛ فالجبال تنسف نسفا وتصبح رمادا، والأرض كلها تصبح ملساء مستوية ليس فيها منخفضات أو مرتفعات، وينادي المنادي حين ينفخ في الصور، فيقوم الناس من قبورهم لا يتكلمون إلا همسا.
والشفاعة عندئذ لله وحده ولمن أذن له بذلك، والله عليم بالخلق أجمعين، ولا يحيطون بما علمه، وقد ذلّت الوجوه واستجابت لأمر الله، وخاب الظالمون والمشركون، أما المؤمنون فلهم جزاء كامل ؛ لا نقص فيه ولا حيف.
يذرها : يتركها.
القاع : الأرض التي لا بناء فيها ولا نبات.
الصفصف : الأرض الملساء.
١٠٦- ﴿ فيذرها قاعا صفصفا ﴾.
إن الأرض كلها تصبح مستوية ؛ لا ارتفاع فيها ولا انخفاض، والله يترك مكان الجبال ﴿ قاعا صفصفا ﴾. والقاع : هو المنكشف من الأرض، دون أن يكون عليه نبات أو بناء، والصفصف : الأرض المستوية الملساء حتى لكأن أجزاءها صف واحد من كل جهة.
تمهيد :
تتحدث الآيات عن مشاهد القيامة ؛ فالجبال تنسف نسفا وتصبح رمادا، والأرض كلها تصبح ملساء مستوية ليس فيها منخفضات أو مرتفعات، وينادي المنادي حين ينفخ في الصور، فيقوم الناس من قبورهم لا يتكلمون إلا همسا.
والشفاعة عندئذ لله وحده ولمن أذن له بذلك، والله عليم بالخلق أجمعين، ولا يحيطون بما علمه، وقد ذلّت الوجوه واستجابت لأمر الله، وخاب الظالمون والمشركون، أما المؤمنون فلهم جزاء كامل ؛ لا نقص فيه ولا حيف.
العوج : الانخفاض.
الأمت : النتوء اليسير.
١٠٧- ﴿ لا ترى فيها عوجا ولا أمْتَا ﴾.
أي : لا ترى في الأرض بعد اقتلاع الجبال عنها ؛ ﴿ عوجا ﴾ مكانا منخفضا } ﴿ ولا أمتا ﴾ مكانا مرتفعا ؛ فالأرض كلها في ذلك اليوم مستوية ملساء ؛ لا انخفاض فيها ولا ارتفاع، ينكشف الناس جميعا عليها ؛ فلا يحجبهم منخفض أو مرتفع.
تمهيد :
تتحدث الآيات عن مشاهد القيامة ؛ فالجبال تنسف نسفا وتصبح رمادا، والأرض كلها تصبح ملساء مستوية ليس فيها منخفضات أو مرتفعات، وينادي المنادي حين ينفخ في الصور، فيقوم الناس من قبورهم لا يتكلمون إلا همسا.
والشفاعة عندئذ لله وحده ولمن أذن له بذلك، والله عليم بالخلق أجمعين، ولا يحيطون بما علمه، وقد ذلّت الوجوه واستجابت لأمر الله، وخاب الظالمون والمشركون، أما المؤمنون فلهم جزاء كامل ؛ لا نقص فيه ولا حيف.
الداعي : هو داعي الله إلى المحشر.
لا عوج له : لا عوج لدعائه فلا يميل إلى ناس دون ناس، بل ليسمع الجميع.
خشعت : ذلّت.
الهمس : الصوت الخفي.
١٠٨- ﴿ يومئذ يتّبعون الداعي لا عوج له... ﴾.
في ذلك اليوم يتبع الناس جميعا داعي الله، إلى أرض المحشر، لا ينحرفون عنه ولا يميلون عن دعوته، وقد كانوا في الدنيا ينصرفون عن دعوة الحق، وينصرفون عن الإسلام، لكنهم اليوم يحشرون خاشعين خاضعين، وقد ظهرت على وجوه الكافرين المذلّة والانكسار ؛ من هول الحشر وويلات الحساب.
قال تعالى :﴿ مهطعين إلى الدّاع يقول الكافرون هذا يوم عسر ﴾. ( القمر : ٨ ).
أي : مسرعين إلى إجابة الداعي، الذي يدعو الجميع إلى الحشر والنشر والحساب.
قيل : يناديهم بقوله :( أيتها العظام البالية، والجلود المنخرقة، واللحوم المتفرقة.. قومي إلى ربك للحساب والجزاء )، فيسمعون الصوت، ويقولون : لبيك، ونحن بين يديك، والأمر منك وإليك.
والخلاصة : أظهروا الاستجابة والخشوع والطاعة.
﴿ وخشعت الأصوات للرحمن فلا تسمع إلا همسا ﴾.
ذلت الأصوات في ذلك اليوم من هبة الجبار، فلا تسمع في ذلك اليوم إلا صوتا خافتا لا يكاد أن يسمع.
قال ابن عباس : هو همس الأقدام في مشيها نحو المحشر، كما ورد في تفسير الطبري.
تمهيد :
تتحدث الآيات عن مشاهد القيامة ؛ فالجبال تنسف نسفا وتصبح رمادا، والأرض كلها تصبح ملساء مستوية ليس فيها منخفضات أو مرتفعات، وينادي المنادي حين ينفخ في الصور، فيقوم الناس من قبورهم لا يتكلمون إلا همسا.
والشفاعة عندئذ لله وحده ولمن أذن له بذلك، والله عليم بالخلق أجمعين، ولا يحيطون بما علمه، وقد ذلّت الوجوه واستجابت لأمر الله، وخاب الظالمون والمشركون، أما المؤمنون فلهم جزاء كامل ؛ لا نقص فيه ولا حيف.
١٠٩- ﴿ يومئذ لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمن ورضي له قولا ﴾.
في ذلك اليوم، لا تنفع الشفاعة أحدا من الناس، إلا لمن أذن له الرحمن في الشفاعة، ورضي سبحانه قول الشافع فيمن يشفع له.
إن الشفاعة في ذلك اليوم لا تتم إلا على أساس مقبول ؛ إذ يجب أن يكون المشفوع له من أهل لا إله إلا الله، كما قال ابن عباس.
أي : يجب أن يكون من أهل التوحيد، وأن تكون الشفاعة بالعدل والقسطاس المستقيم، وهذا كقوله تعالى :﴿ من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه... ﴾. ( البقرة : ٢٥٥ ).
وكقوله سبحانه :﴿ ولا يشفعون إلا لمن ارتضى... ﴾. ( الأنبياء : ٢٨ ).
وكقوله عز وجل :﴿ وكم من ملك في السماوات لا تغني شفاعتهم شيئا إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى ﴾. ( النجم : ٢٦ ).
وخلاصة القول : إنما تنفع الشفاعة لمن أذن له الرحمن في أن يشفع، وكان له قول يُرضى.
قال عز شأنه :﴿ يوم يقوم الروح والملائكة صفا لا يتكلّمون إلا من أذن له الرّحمن وقال صوابا ﴾. ( النبأ : ٣٨ ).
إنه يوم الدين أي : الجزاء العادل، فلا ظلم في ذلك اليوم، ولا مخالفة، ولا حيف ؛ لأن الأمور كلها بيد الله سريع الحساب.
قال تعالى :﴿ ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا وإن كان مثقال حبّة من خرذل أتينا بها وكفى بنا حاسبين ﴾. ( الأنبياء : ٤٧ ).
وقد ورد في الصحيحين : أن الموقف إذا اشتد واشتد الزحام، ألهم الناس أن الشفاعة للأنبياء، فيذهبون إلى آدم، ثم إلى نوح وإبراهيم وموسى وعيسى فيقول كل واحد منهم : نفسي نفسي، إن الجبار غضب اليوم غضبا شديدا لم يغضب مثله، ثم يذهبون إلى النبي محمد صلى الله عليه وسلم فيقول : أنا لها، أنا لها ) ثم يذهب تحت العرش فيخرّ ساجدا لله تعالى، ثم يلهمه الله من الثناء على الله والحمد لله بما هو له أهل، ثم يقول سبحانه :( يا محمد، ارفع رأسك وقل يسمع قولك، واشف تشفع ) فذلك قوله تعالى :﴿ عسى أن يبعثك ربّك مقاما محمودا ﴾. ( الإسراء : ٧٩ ).
تمهيد :
تتحدث الآيات عن مشاهد القيامة ؛ فالجبال تنسف نسفا وتصبح رمادا، والأرض كلها تصبح ملساء مستوية ليس فيها منخفضات أو مرتفعات، وينادي المنادي حين ينفخ في الصور، فيقوم الناس من قبورهم لا يتكلمون إلا همسا.
والشفاعة عندئذ لله وحده ولمن أذن له بذلك، والله عليم بالخلق أجمعين، ولا يحيطون بما علمه، وقد ذلّت الوجوه واستجابت لأمر الله، وخاب الظالمون والمشركون، أما المؤمنون فلهم جزاء كامل ؛ لا نقص فيه ولا حيف.
١١٠- ﴿ يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون به علما ﴾.
يعلم الله تعالى ما بين أيدي عباده من شئون الآخرة ﴿ وما خلفهم ﴾ من شئون الدنيا، ولا تحيط علوهم بمعلوماته عز وجل، فالخلائق جميعا لا يحيط علمهم لا بذاته تعالى ولا بصفاته ولا بمعلوماته.
قال تعالى :﴿ يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء... ﴾. ( البقرة : ٢٥٥ ).
وقيل : المراد : لا يحيطون بمعرفة ذاته ؛ إذ لا يعرف الله على الحقيقة إلا الله، واختاره في التسهيل.
تمهيد :
تتحدث الآيات عن مشاهد القيامة ؛ فالجبال تنسف نسفا وتصبح رمادا، والأرض كلها تصبح ملساء مستوية ليس فيها منخفضات أو مرتفعات، وينادي المنادي حين ينفخ في الصور، فيقوم الناس من قبورهم لا يتكلمون إلا همسا.
والشفاعة عندئذ لله وحده ولمن أذن له بذلك، والله عليم بالخلق أجمعين، ولا يحيطون بما علمه، وقد ذلّت الوجوه واستجابت لأمر الله، وخاب الظالمون والمشركون، أما المؤمنون فلهم جزاء كامل ؛ لا نقص فيه ولا حيف.
عنت : خضعت وانقادت، ومن ذلك العاني وهو الأسير.
القيوم : القائم بتدبير أمور عباده.
خاب : خسر.
من حمل ظلما : شركا.
١١١- ﴿ وعنت الوجوه للحي القيوم وقد خاب من حمل ظلما ﴾.
إنه الجلال والهيبة والخشوع، والخضوع لأمر الله في ذلك اليوم، وقد جاء الجميع في خشوع وخضوع، لله الواحد الأحد، الفرد الصمد، القائم على كل نفس بما كسبت.
﴿ وعنت الوجوه ﴾. ذلّت وانقادت واستسلمت لأمر الله، وخص الوجوه ؛ لأنها أشرف شيء في الإنسان، ولأن آثار المذلّة أو السرور تظهر كأوفى ما تكون في الوجه.
قال الزمخشري في تفسير الكشاف :
المراد بالوجوه : وجوه العصاة، وأنهم إذا عاينوا يوم القيامة : الخيبة، والشقوة، وسوء الحساب ؛ صارت وجوههم عانية، أي : ذليلة خاضعة، مثل وجوه العناة وهم الأسارى ؛ كقوله تعالى :﴿ فلما رأوه زلفة سيئت وجوه الذين كفروا... ﴾. ( الملك : ٢٧ ).
﴿ وقد خاب من حمل ظلما ﴾. خسر من أشرك بالله ولم ينجح ولا ظفر بمطلوبه.
تمهيد :
تتحدث الآيات عن مشاهد القيامة ؛ فالجبال تنسف نسفا وتصبح رمادا، والأرض كلها تصبح ملساء مستوية ليس فيها منخفضات أو مرتفعات، وينادي المنادي حين ينفخ في الصور، فيقوم الناس من قبورهم لا يتكلمون إلا همسا.
والشفاعة عندئذ لله وحده ولمن أذن له بذلك، والله عليم بالخلق أجمعين، ولا يحيطون بما علمه، وقد ذلّت الوجوه واستجابت لأمر الله، وخاب الظالمون والمشركون، أما المؤمنون فلهم جزاء كامل ؛ لا نقص فيه ولا حيف.
فلا يخاف ظلما : منع الثواب عن المستحق.
الهضم : النقص.
١١٢- ﴿ ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا يخاف ظلما ولا هضما ﴾.
ومن يعمل صالح الأعمال على قدر طاقته، وهو مؤمن بربه وملائكته وكتبه ورسله ؛ ﴿ فلا يخاف ظلما ﴾ بزيادة سيئاته، و﴿ ولا هضما ﴾ ولا بخسا ونقصا لحسناته ؛ فالإنسان يوفى جزاء عمله، ولا يظلم مثقال ذرة، وإن فعل حسنة ضاعف الله ثوابها.
قال تعالى :﴿ إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما ﴾. ( النساء : ٤٠.
والخلاصة : أن العبد لا يؤاخذ بذنب لم يعمله، ولا تبطل له حسنة قد عملها.
قال تعالى :﴿ ولا تزر وازرة وزر أخرى... ﴾. ( الأنعام : ١٦٤ ). أي : لا تحمل نفس مذنبة ذنب نفس أخرى.
{ وكذلك أنزلناه قرآنا عربيا وصرفنا فيه من الوعيد لعلّهم يتّقون أو يحدث لهم ذكرا ( ١١٣ ) فتعالى الله الملك الحق ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يُقضى إليك وحيه وقل ربّ زدني علما ( ١١٤ ).
المفردات :
صرفنا : كررنا وفصلنا.
ذكرا : عظة وعبرة.
تمهيد :
نزل القرآن بأسلوب عربي مبين، واشتمل على صنوف البلاغة والبيان ولوّن الله فيه ألوان الوعيد لعلّ ذلك يهدهد كبرياء العصاة، أو يذكّرهم بعظمة الله. والله سبحانه وتعالى متصف بصفات الكمال، وأنه يصون رسوله عن السهو والنسيان في أمر الوحي.
التفسير :
١١٣- ﴿ وكذلك أنزلناه قرآنا عربيا وصرّفنا فيه من الوعيد لعلّهم يتّقون أو يحدث لهم ذكرا ﴾.
أي : مثل إنزال الآيات المشتملة على القصص العجيبة، وعلى هذا النسق أنزلنا عليك يا محمد هذا الكتاب بلغة العرب ؛ ليعرفوا أنه آية في الفصاحة والبلاغة، ونوّعنا في هذا القرآن من صور الوعيد ومواقفه ومشاهده ؛ لعله يستجيش في نفوس المكذبين شعور التقوى أو يذكرهم بما سيلقون في الآخرة ؛ لينزجروا، ويمتثلوا، ويفعلوا ما أمروا به، ويتركوا ما نهوا عنه.
تمهيد :
نزل القرآن بأسلوب عربي مبين، واشتمل على صنوف البلاغة والبيان ولوّن الله فيه ألوان الوعيد لعلّ ذلك يهدهد كبرياء العصاة، أو يذكّرهم بعظمة الله. والله سبحانه وتعالى متصف بصفات الكمال، وأنه يصون رسوله عن السهو والنسيان في أمر الوحي.
فتعالى الله : تنزّه وتقدّس.
الحق : الثابت في ذاته وصفاته.
يقضي إليك وحيه : يُتم جبريل تبليغه لك.
١١٤- ﴿ فتعالى الله الملك الحق... ﴾
تنزّه الله وجل في علاه، وتقدّس الملك الحق، الذي قهر سلطانه كل جبار ؛ عما يصفه به المشركون من خلقه.
﴿ ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه... ﴾
ولا تعجل بقراءة القرآن في نفسك، من قبل أن يتم جبريل تبليغه لك، بل استمع وأنصت وتفرّغ تماما لتلقي الوحي. فإذا انتهى جبريل من تبليغه لك، فاقرأه أنت.
قال ابن عباس :
كان النبي صلى الله عليه وسلم يبادر جبريل فيقرأ قبل أن يفرغ جبريل من الوحي ؛ حرصا على حفظ القرآن ومخافة النسيان ؛ فنهاه الله عن ذلك.
قال القرطبي :
وهذا كقوله تعالى :﴿ لا تحرّك به لسانك لتعجل به. إنّ علينا جمعه وقرآنه. فإذا قرأناه فاتّبع قرآنه. ثم إنّ علينا بيانه ﴾. ( القيامة : ١٩، ١٦ ). ١ ه.
أي : إن علينا جمعه في صدره، وقراءته على لسانه ؛ فإذا قرأه جبريل وانتهى من قراءته ؛ فاقرأ أنت، ثمّ إنّا تكلفنا ببيان معانيه لك، وإلهامك المعنى.
قال تعالى :﴿ وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزّل إليهم ولعلّهم يتفكّرون ﴾. ( النحل : ٤٤ ).
﴿ وقل ربّ زدني علما ﴾.
أي : سل الله : زيادة في العلم، دون استعجال الوحي، وأنت مطمئن إلى ما يعطيك، ولا تخشى عليه الذهاب ؛ فإن ما أوحي إليك يبقى لا محالة.
روى الترمذي عن أبي هريرة قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :( اللهم، انفعني بما علمتني، وعلمني ما ينفعني، وزدني علما، والحمد لله على كل حال، وأعوذ بالله من حال أهل النار )١٧.
وكان ابن مسعود إذا قرأ هذه الآية قال : اللهم، زدني إيمانا وفقها، ويقينا وعلما.
﴿ ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي ولم نجد له عزما ( ١١٥ ) وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى ( ١١٦ ) فقلنا يا آدم إن هذا عدو لك ولزوجك فلا يخرجنّكما من الجنة فتشقى ( ١١٧ ) إن لك ألا تجوع فيها ولا تعرى ( ١١٨ ) وأنك لا تظمأ فيها لا تضحى ( ١١٩ ) فوسوس إليه الشيطان قال يا آدم هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى ( ١٢٠ ) فأكلا منها فبدت لما سوءتهما وطفقا يخسفان عليهما من ورق الجنة وعصى آدم ربّه فغوى ( ١٢١ ) ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى ( ١٢٢ ) قال اهبطا منها جميعا بعضكم لبعض عدو فإما يأتينّهم مني هدى فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى ( ١٢٣ ) ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى ( ١٢٤ ) قال ربّ لما حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا ( ١٢٥ ) قال كذلك آتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تُنسى ( ١٢٦ ) وكذلك نجزي من أسرف ولم يؤمن بآيات ربه ولعذاب الآخرة أشد وأبقى ( ١٢٧ ) ﴾
المفردات :
العهد : الوصية يقال : عهد إليه الملك بكذا، وتقدم إليه بكذا : إذا أمره وأوصاه به.
من قبل : من قبل وجود هؤلاء المخالفين.
نسي : ترك.
ولم نجد له : ولم نعلم له.
العزم على الشيء : تصميم الرأي والثبات عليه.
تمهيد :
تتناول الآية قصة آدم، وقصة إبليس وامتناعه عن السجود، ووسوسة إبليس لآدم وحواء بالأكل من الشجرة، ثم خروج آدم وحواء من الجنة إلى الدنيا.
التفسير :
١١٥- ﴿ ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي ولم نجد له عزما ﴾.
أي : أمرنا آدم بالأكل من ثمار الجنة، وعدم الأكل من شجرة معينة ؛ تدريبا له على الإرادة والعزيمة، واتباع المأمورات، واجتناب المنهيات، والإنسان مخلوق من طين، وقد نفخ الله فيه من روحه، وبقدر تساميه وعنايته بروحه وطهارته ؛ تعلو منزلته وتشرُف آدميته، وبقدر اتباع شهوات النفس وحظوظها ؛ تهبط منزلته.
﴿ ولم نجد له عزما ﴾.
أي : نسي آدم عهدنا، ولم نجد له ثبات قدم في الأمور ؛ يجعله يصبر على عدم الأكل من الشجرة ؛ بل لانت عريكته، وفترت همته بسبب خديعة الشيطان له.
من كلام المفسرين
قال في المنتخب في تفسير القرآن الكريم :
المعنى : ولقد وصينا آدم، من أول أمره، ألا يخالف لنا أمرا، فنسي العهد وخالف، ولم نجد له أول أمره عزما وثيقا، وتصميما قويا، يمنع من أن يتسلل الشيطان إلى نفسه بوسوسته.
وجاء في : أحكام القرآن لأبي بكر محمد بن عبد الله المعروف بابن العربي ما يأتي :
﴿ ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي ولم نجد له عزما ﴾.
كم قال في تنزيه الأنبياء عن الذي لا يليق بمنزلتهم، مما ينسب الجهلة إليهم، من وقوعهم في الذنوب عمدا منهم إليها، واقتحاما لها مع العلم بها، وحاشى لله، فإن الأوساط من المسلمين يتورعون عن ذلك، فكيف بالنبيين، ولكن الباري سبحانه وتعالى بحكمه النافذ، وقضائه السابق، أسلم آدم إلى المخالفة ؛ فوقع فيها متعمدا ناسيا، فقيل في تعمده :﴿ وعصى آدم ربه فغوى ﴾. ( طه : ١٢١ ).
وقيل في بيان عذره :﴿ ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسيَ ﴾.
ونظيره من التمثيلات أن يحلف الرجل : لا يدخل دارا أبدا، فيدخلها متعمدا، ناسيا ليمينه، أو مخطئا في تأويله، فهو عامد ناس، ومتعلق العمد، غير متعلق النسيان، وجاز للمولى أن يقول في عبده :﴿ وعصى ﴾. تحقيرا وتعذيبا، ويعود عليه بفضله فيقول :﴿ فنسي ﴾. تنزيها. ولا يجوز لأحد منّا أن يخبر بذلك عن آدم إلا ما ذكرناه في أثناء قول الله عنه، أو قول نبيه، وأما أن نبتدئ في ذلك من قبل أنفسنا ؛ فليس بجائز لنا في آبائنا الأدْنَين إلينا، المماثلين لنا، فكيف بأبينا الأقدم الأعظم، النبي المقدم، الذي عذره الله، وتاب عليه، وغفر له١٨.
تمهيد :
تتناول الآية قصة آدم، وقصة إبليس وامتناعه عن السجود، ووسوسة إبليس لآدم وحواء بالأكل من الشجرة، ثم خروج آدم وحواء من الجنة إلى الدنيا.
أبى : امتنع.
١١٦- ﴿ وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى ﴾.
تقدم الكلام على قصة سجود الملائكة لآدم في سورة البقرة، وفي الأعراف وفي الحجر والكهف وسيأتي في آخر سورة ص.
وقد ذكر الموضوع مجملا، فالسورة لبيان ألطاف الله وفضله.
ومعنى الآية :
واذكر أيها المخاطب، وقت أن قلنا للملائكة : اسجدوا لآدم ؛ سجود تكريم لا سجود عبادة ؛ فامتثلوا لأمرنا ؛ إلا إبليس فإنه أبى السجود لآدم، تكبرا وغرورا وحسدا على هذا التكريم لآدم.
وكان إبليس مقيما مع الملائكة فحُسب منهم مع أنه غير داخل فيهم بل هو جنيّ بدليل قوله تعالى :﴿ إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربّه... ﴾. ( الكهف : ٥٠ )
قال الزمخشري :
فإن قلت : كيف صح استثناؤه وهو جني من الملائكة ؛ قلت : عمل على حكم التغليب، في إطلاق اسم الملائكة عليهم وعليه، فأخرج الاستثناء على ذلك، كقولك : خرجوا إلا فلانة لامرأة بين الرجال١٩.
ومعنى :﴿ إلا إبليس أبى ﴾. أي : امتنع واستكبر.
تمهيد :
تتناول الآية قصة آدم، وقصة إبليس وامتناعه عن السجود، ووسوسة إبليس لآدم وحواء بالأكل من الشجرة، ثم خروج آدم وحواء من الجنة إلى الدنيا.
تشقى : تتعب بمتاعب الدنيا وهي لا تكاد تحصى.
١١٧- ﴿ فقلنا يا آدم إن هذا عدو لك ولزوجك فلا يخرجنّكما من الجنة فتشقى ﴾.
أخبر الله آدم تنبيها له، وتحذيرا له من عدوه، الذي امتنع عن السجود له.
والمعنى : قلنا : يا آدم، إن إبليس عدو لك ولزوجك حواء ؛ يحاول أن يوسوس لك بالإغراء والتزيين، ومحاولة زحزحتك عن طريق الجادة ؛ فاحذر من طاعته ؛ لأنك إن أطعته ؛ أغضبت ربك ؛ فأخرجك من الجنة، التي تضمن فيها حياة هانئة ؛ لا جوع فيها ولا عري، ولا تعاني من شدة الحرارة أو شدة البرودة.
فإذا خرجت إلى الدنيا ؛ وجب عليك أن تشقى وتتعب في زراعة الأرض والحصاد وإنضاج الطعام، وسار النفقات على نفسك وعلى زوجتك.
قال القرطبي :
وفي ذلك نعلم لنا أن نفقة الزوجة على الزوج، فمن يومئذ جرت نفقة النساء على الأزواج، فلما كانت نفقة حواء على آدم، كانت كذلك نفقات بناتها على بني آدم بحق الزوجية.
تمهيد :
تتناول الآية قصة آدم، وقصة إبليس وامتناعه عن السجود، ووسوسة إبليس لآدم وحواء بالأكل من الشجرة، ثم خروج آدم وحواء من الجنة إلى الدنيا.
١١٩، ١١٨- ﴿ إنّ لك ألا تجوع فيها ولا تعرى. وأنك لا تظمأ فيها ولا تضحى ﴾.
إن الجنة نعيم دائم، وسعادة، وعز بلا ذلّ ؛ فالجوع يذل الإنسان في الباطن، والعري يذله في الظاهر، والظمأ حرارة الباطن، وشدة الشمس وقوتها حرارة الظاهر.
فالجنة اجتمعت لها أسباب الأمن والسكن، وراحة البال تمتعا بأنواع المعاش، وأصناف النعم : من المآكل الشهية، والملابس البهية.
ومعنى الآية :
احذر يا آدم أن تطيع إبليس ؛ فيحل بك الشقاء ؛ بحثا عن الطعام والريّ والكسوة والمسكن. وهذه الأمور الأربعة، هي الأسس التي يدور عليها كفاف الإنسان في الحياة الدنيا.
أما أهل الجنة فهم آمنون ومطمئنون ؛ يصل إليهم الطعام والماء والملبس والمسكن، مع النعيم الدائم، والتمتع بكل مطالب الحياة الهنيئة الناعمة الدائمة.
تظمأ : تعطش.
تضحى : تصيبك الشمس، يقال : ضحا ؛ إذا أصابته الشمس بحرها اللافح.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١١٨:تمهيد :
تتناول الآية قصة آدم، وقصة إبليس وامتناعه عن السجود، ووسوسة إبليس لآدم وحواء بالأكل من الشجرة، ثم خروج آدم وحواء من الجنة إلى الدنيا.
١١٩، ١١٨- ﴿ إنّ لك ألا تجوع فيها ولا تعرى. وأنك لا تظمأ فيها ولا تضحى ﴾.
إن الجنة نعيم دائم، وسعادة، وعز بلا ذلّ ؛ فالجوع يذل الإنسان في الباطن، والعري يذله في الظاهر، والظمأ حرارة الباطن، وشدة الشمس وقوتها حرارة الظاهر.
فالجنة اجتمعت لها أسباب الأمن والسكن، وراحة البال تمتعا بأنواع المعاش، وأصناف النعم : من المآكل الشهية، والملابس البهية.

ومعنى الآية :

احذر يا آدم أن تطيع إبليس ؛ فيحل بك الشقاء ؛ بحثا عن الطعام والريّ والكسوة والمسكن. وهذه الأمور الأربعة، هي الأسس التي يدور عليها كفاف الإنسان في الحياة الدنيا.
أما أهل الجنة فهم آمنون ومطمئنون ؛ يصل إليهم الطعام والماء والملبس والمسكن، مع النعيم الدائم، والتمتع بكل مطالب الحياة الهنيئة الناعمة الدائمة.

تمهيد :
تتناول الآية قصة آدم، وقصة إبليس وامتناعه عن السجود، ووسوسة إبليس لآدم وحواء بالأكل من الشجرة، ثم خروج آدم وحواء من الجنة إلى الدنيا.
شجرة الخلد : الشجرة التي إذا أكل منها الإنسان خلد ولم يمت.
لا يبلى : لا يفنى.
١٢٠- ﴿ فوسوس إليه الشيطان قال يا آدم هل أدلّك على شجرة الخلد وملك لا يبلى ﴾.
الوسوسة : الخطرة الرديئة، وأصلها من الوسواس وهو صوت الحلي، والهمس الخفي، والوسواس من أسماء الشيطان كما قال تعالى في سورة الناس :﴿ قل أعوذ بربّ الناس. ملك الناس. إله الناس. من شر الوسواس الخناس. الذي يوسوس في صدور الناس. من الجنة والناس ﴾. ( الناس : ٦، ١ ).
ومعنى الآية :
حدّث الشيطان آدم خِفية بطريقة الوسوسة، قال : يا آدم، هل أدلك على شجرة من أكل منها ؛ خلُد ولم يمت أصلا، ونال الملك الدائم الذي لا يزول أبدا ؟ !
وهي مكيدة لمس فيها الشيطان الموضع الحساس في نفسه ؛ فالعمر البشري محدود، والقوة البشرية محدودة، من هنا يطلع الإنسان إلى الحياة الطويلة، وإلى الملك الطويل، ومن هاتين النافذتين يدخل عليه الشيطان، وآدم مخلوق بفطرة البشر، وضعف البشر، ولأمر مقدور، وحكمة مخبوءة، ومن ثم نسي العهد وأقدم على المحظور.
تمهيد :
تتناول الآية قصة آدم، وقصة إبليس وامتناعه عن السجود، ووسوسة إبليس لآدم وحواء بالأكل من الشجرة، ثم خروج آدم وحواء من الجنة إلى الدنيا.
طفقا يخصفان : شرعا يلزقان ورق التين على سوءاتهما لسترها.
غوى : ضل من الرشد، حيث اغتر بقول عدوه.
١٢١- ﴿ فأكلا منها فبدت لهما سوءتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة وعصى آدم ربّه فغوى ﴾.
أي : أكل آدم وحواء من الشجرة، فانحسر عنهما نور الله الذي ألبسهما إياه ؛ كما قال ابن عباس٢٠. وظهرت لهما عورتهما، وسميت سوءة ؛ لأنها تسوء من تنكشف عنه.
﴿ وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة ﴾.
جمهور المفسرين : أنهما أخذا ورق التين ؛ ذلك أنه أكثر عرضا من غيره، وأخذا يلزقان عليهما ورق الجنة، ويشبكانه حتى يستر العورة.
﴿ وعصى آدم ربّه فغوى ﴾.
أي : خالف أمر ربه بالأكل من الشجرة ؛ فأخطأ طريق الصواب، وضل عن المطلوب ؛ الذي هو الخلود في الجنة ؛ حيث اغتر بقول العدوّ.
قالوا : وقد سماه الله عصيانا وغواية مع صغير زلته ؛ تعظيما لها، وتحذيرا، وزجرا بليغا لأولاده عن أمثالها٢١.
فإذا كان آدم قد خرج من الجنة بسبب ذنب واحد ؛ فكيف نطمع فيها مع كثير من الذنوب نرتكبها، ولا نتوب منها.
قالوا : ولكن آدم في عصيانه كان متأولا، لأنه اعتقد أن النهي عن شجرة معينة ؛ إلا عن النوع كله، وقالوا : وتسمية ذلك عصيانا لعلوّ منصبه، وقد قيل : حسنات الأبرار سيئات المقربين، كما قالوا : إن من الأسباب التي حملت آدم على الأكل من الشجرة ؛ أن إبليس أقسم له بالله إنه له ناصح، فصدّقه آدم عليه السلام ؛ لاعتقاده أنه لا يمكن لأحد أن يقسم بالله كاذبا، والمؤمن غر كريم، والكافر خبّ لئيم، كما جاء في الحديث الشريف.
واختار بعض المفسرين أن الأكل من الشجرة كان قبل النبوة، ثم تاب الله عليه وهدى بالنبوة والرسالة.
تمهيد :
تتناول الآية قصة آدم، وقصة إبليس وامتناعه عن السجود، ووسوسة إبليس لآدم وحواء بالأكل من الشجرة، ثم خروج آدم وحواء من الجنة إلى الدنيا.
اجتباه : اصطفاه وقربه إليه.
وهدى : إلى الثبات على التوبة.
١٢٢- ﴿ ثم اجتباه ربّه فتاب عليه وهدى ﴾.
أي : ندم آدم هو وزوجته، واعترفا لله بخطئهما، وألهمهما التوبة، وكلمات ودعوات كانت السبب في قبول توبتهما قال تعالى :﴿ فتلقى آدم من ربّه كلمات فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم ﴾. ( البقرة : ٣٧ ).
تمهيد :
تتناول الآية قصة آدم، وقصة إبليس وامتناعه عن السجود، ووسوسة إبليس لآدم وحواء بالأكل من الشجرة، ثم خروج آدم وحواء من الجنة إلى الدنيا.
١٢٣- ﴿ قال اهبطا منها جميعا بعضكم لبعض عدو فإما يأتينّكم منّي هدى فمن اتبع هداي فلا يضلّ ولا يشقى ﴾.
ذهب بعض المفسرين إلى أن المراد بالآية : اهبطا يا آدم وحواء، من الجنة إلى الأرض ؛ حال كون بعض ذريتهم عدو للبعض الآخر ؛ بسبب التنافس في المعايش والتجارة والحياة الدنيا.
وقال ابن كثير :
قال الله تعالى لآدم وحواء وإبليس : اهبطوا منها جميعا، أي من الجنة كلكم.
﴿ بعضكم لبعض عدوّ ﴾.
أي : آدم وذريته وإبليس وذريته، وهذا الرأي أقرب إلى ما ذكر في القرآن كثيرا مثل قوله تعالى :﴿ إن الشيطان لكم عدوّ فاتخذوه عدوا... ﴾ ( فاطر : ٦ ).
فقد أعلن الله في الملإ الأعلى للإنس والجن : أن الشيطان عدو للإنسان ؛ فليس لأحد أن يقول : إنما أخذت على غرة من حيث لا أدري ؛ فقد درى وعلم بما أعلنه الله في الوجود كله.
﴿ بعضهم لبعض عدو ﴾.
ومع هذا الإعلان الذي دوّن به السماوات والأرضون، وشهده الملائكة أجمعون ؛ شاءت إرادة الله، ورحمته بعباده، أن يرسل إليهم الرسل، وأن ينزل إليهم الكتب ؛ دعوة إلى الهداية وإرشادا إلى الاستقامة.
﴿ فإما يأتينّكن منّي هدى ﴾.
فإن جاءكم من جهتي الكتب والرسل لهدايتهم.
﴿ فمن اتبع هداي فلا يضلّ ولا يشقى ﴾.
من اتبع الهدى وآمن بالله، وعمل بكتابه وأوامر رسوله صلى الله عليه وسلم ؛ فلا يضل في الدنيا، ولا يخرج عن الهدى إلى الضلالة، ولا يشقى في الآخرة.
جاء في تفسير القرطبي :
قال ابن عباس : ضمن الله لمن قرأ القرآن وعمل بما فيه ؛ ألا يضل في الدنيا ولا يشقى في الآخرة، وتلا هذه الآية.
أخرج ابن أبي شيبة والحاكم والبيهقي عن ابن عباس قال : أجار الله تابع القرآن من أن يضل في الدنيا، أو يشقى في الآخرة ؛ ثم قرأ الآية ﴿ ... فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى ﴾.
وروي عن ابن عباس مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم :( من اتبع كتاب الله ؛ هداه الله تعالى من الضلالة في الدنيا ووقاه سوء الحساب يوم القيامة ).
تمهيد :
تتناول الآية قصة آدم، وقصة إبليس وامتناعه عن السجود، ووسوسة إبليس لآدم وحواء بالأكل من الشجرة، ثم خروج آدم وحواء من الجنة إلى الدنيا.
عن ذكري : عن الهداية بكتبي السماوية.
الضنك : الضيق الشديد.
أعمى : عن النظر في الحجج والبراهين الإلهية.
‍‌١٢٤- ﴿ ومن أعرض عن ذكري فإنه له معيشة ضنكا... ﴾.
من اتبع هدى الله ودينه وكتابه وشرعه ؛ فلا يضل في الدنيا، ولا يشقى في الآخرة، ومن أعرض عن شرع الله ودينه وكتابه، وآثر العاجلة، فإن له معيشة ضنكا، ضيقة مؤلمة، وقد يوجد المال أو الجاه أو السلطان أو مظاهر الدنيا، وهذا الإنسان الغني أو الوجيه في ضنك الداخل ؛ ضنك بعده عن الله، ضنك الخوف على المال أو الوجاهة، ضنك الإحباط والحيرة والشقوة ؛ حيث لم ينشرح صدره لوحي الله ودينه، فصار قاسيا بعيدا عن الأنس بالله، والرضا بالقضاء والقدر، والسرور بمحبة الله، قال تعالى :﴿ أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربّه فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله أولئك في ضلال مبين ﴾. ( الزمر : ٢٢ ).
﴿ ونحشره يوم القيامة أعمى ﴾.
قال بعض المفسرين : نحشره أعمى عمًى حسيا، وهو عمى البصر ؛ عقوبة حسية على إعراضهم عن أدلّة الحق، وعن عدم النظر إليها، واعترض آخرون عليهم بقوله تعالى :﴿ أسمع بهم وأبصر يوم يأتوننا... ﴾ ( مريم : ٣٨ ).
وأجابوا : بأن هناك منازل ومواقف متعددة يوم القيامة.
فالكافر في أول أمره يحشر أعمى لا يرى شيئا إلا جهنم، وهي المصير الذي ينتظره، وبعد فترة يبصر ليرى سوء منزلته، وألوان العذاب الذي ينتظره.
وقال بعض المفسرين :
العمى هنا عمى البصيرة لا عمى البصر، فهو أعمى عن كل حجة يدافع بها عن نفسه ؛ ذلك أن الله أعطاهم البصر والأذن والعقل في الدنيا، فلما لم ينظروا إلى الحق، ولم يسمعوا إلى القرآن سماع تأمل وإنصات، ولم يتفكروا في هذا الدين ويتأملوا فيما اشتمل عليه ؛ صاروا كأنهم محرومين من هذه النعم في الدنيا، وكذلك في الآخرة.
قال تعالى :﴿ ولقد ذرأنا لجهنّم كثيرا من الجن والإنس لهم قلوب لا يفقهون بها ولهن أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون ﴾. ( الأعراف : ١٧٩ ).
قال ابن كثير في التفسير :
ويحتمل أن يكون المراد : أنه يبعث أو يحشر إلى النار أعمى البصر والبصيرة أيضا كما قال تعالى :﴿ ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم عميا وبكما وصمّا مأواهم جهنم كلّما خبت زدناهم سعيرا ﴾. ( الإسراء : ٩٧ ). ويؤيد ذلك الآية التي تليها.
تمهيد :
تتناول الآية قصة آدم، وقصة إبليس وامتناعه عن السجود، ووسوسة إبليس لآدم وحواء بالأكل من الشجرة، ثم خروج آدم وحواء من الجنة إلى الدنيا.
١٢٦، ١٢٥- ﴿ قال ربّ لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا. قال كذلك أتت آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تُنسى ﴾.
أي : قال الكافر : يا رب، لم حشرتني أعمى عن حجتي، وأعمى البصر وقد كنت في الدنيا بصيرا ؛ قال الله تعالى له :( كما أتتك آياتي ورسلي وشريعتي في الدنيا ؛ فتناسيتها وأعرضت عنها، وعاملتها معاملة الأعمى الذي لا بصر له، كذلك ننساك في الآخرة كما نسيتنا في الدنيا )، وقريب من هذا المعنى قوله تعالى :﴿ فاليوم ننساهم كما نُسوا لقاء يومهم هذا... ﴾ ( الأعراف : ٥١ ).
قال النيسابوري في غرائب القرآن ورغائب الفرقان ١٦/١٦٨ :
﴿ كذلك ﴾. أي : مثل ذلك فعلت أنت، ثم فسّر ذلك بقوله :﴿ أتتك آياتنا ﴾. أي : دلائلنا واضحة مستنيرة ﴿ فنسيتها ﴾. أي : تركت العمل بها ؛ والقيام بموجبها، ﴿ وكذلك اليوم تُنسى ﴾. تترك بلا فائدة النظر والاعتبار.
آياتنا : أدلتنا.
فنسيتها : تركتها.
تنسى : تترك.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٢٥:تمهيد :
تتناول الآية قصة آدم، وقصة إبليس وامتناعه عن السجود، ووسوسة إبليس لآدم وحواء بالأكل من الشجرة، ثم خروج آدم وحواء من الجنة إلى الدنيا.
١٢٦، ١٢٥- ﴿ قال ربّ لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا. قال كذلك أتت آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تُنسى ﴾.
أي : قال الكافر : يا رب، لم حشرتني أعمى عن حجتي، وأعمى البصر وقد كنت في الدنيا بصيرا ؛ قال الله تعالى له :( كما أتتك آياتي ورسلي وشريعتي في الدنيا ؛ فتناسيتها وأعرضت عنها، وعاملتها معاملة الأعمى الذي لا بصر له، كذلك ننساك في الآخرة كما نسيتنا في الدنيا )، وقريب من هذا المعنى قوله تعالى :﴿ فاليوم ننساهم كما نُسوا لقاء يومهم هذا... ﴾ ( الأعراف : ٥١ ).
قال النيسابوري في غرائب القرآن ورغائب الفرقان ١٦/١٦٨ :
﴿ كذلك ﴾. أي : مثل ذلك فعلت أنت، ثم فسّر ذلك بقوله :﴿ أتتك آياتنا ﴾. أي : دلائلنا واضحة مستنيرة ﴿ فنسيتها ﴾. أي : تركت العمل بها ؛ والقيام بموجبها، ﴿ وكذلك اليوم تُنسى ﴾. تترك بلا فائدة النظر والاعتبار.

تمهيد :
تتناول الآية قصة آدم، وقصة إبليس وامتناعه عن السجود، ووسوسة إبليس لآدم وحواء بالأكل من الشجرة، ثم خروج آدم وحواء من الجنة إلى الدنيا.
أسرف : انهمك الشهوات واسترسل فيها.
١٢٧- ﴿ وكذلك نجزي من أسرف ولم يؤمن بآيات ربه... ﴾
أي : بمثل هذا الجزاء نجزي من أسرف على نفسه، ودفع بها في متاهات الضلال.
﴿ ولم يؤمن بآيات ربه ﴾. التي عرضت عليه ؛ إنه يحشر يوم القيامة أعمى، ثم إن وراء هذا عذابا هو أشد من هذا العمى، وأبقى أثرا.
﴿ ولعذاب الآخرة أشد وأبقى ﴾.
أي : ولعذاب الآخرة في النار، أشد مما نعذبهم به في الدنيا وأكثر بقاء ؛ لأنه لا أمد له ولانهاية.
﴿ أفلم يهد لهم كم أهلكنا قبلهم من القرون يمشون في مساكنهم إنّ في ذلك لآية لأولي النُّهى ( ١٢٨ ) ولولا كلمة سبقت من ربّك لكان لزاما وأجل مسمى ( ١٢٩ ) فاصبر على ما يقولون وسبّح بحمد ربّك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها ومن آناء الليل فسبّح وأطراف النهار لعلّك ترضى ( ١٣٠ ) ولا تمدّن عينيك إلى ما متّعنا به أزواجا منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه ورزق ربّك خير وأبقى ( ١٣١ ) وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها لا نسألك رزقا نحن نرزقك والعاقبة للتقوى ( ١٣٢ ) ﴾
المفردات :
أفلم يهد لهم : أفلم يتبين لهم العبر ؟ !
لأولي النُهى : لذوي العقول الراجحة.
تمهيد :
تشتمل الآيات ١٣٢، ١٣٠ على منهج إلهي يأمر بالآتي :

١-
تسبيح الله وتنزيهه والمداومة على ذكره، أو الصلاة المفروضة والنافلة ؛ فهذه وسيلة الرضا والرضوان.

٢-
عدم الالتفات إلى ما متع الله به الكافرين أو العصاة ؛ من زهرة الدنيا ؛ لتكون ابتلاء واختيارا، وما عند الله خير وأبقى.

٣-
أن يأمر أهله وعشيرته وأمته بالصلاة، ويصطبر عليها، وهو لا يكلفه رزقا لنفسه ولا لغيره، فالله يرزقه من وسع فضله، وعظيم عطائه، والعاقبة للتقوى.
التفسير :
١٢٨- ﴿ أفلم يهد لهم كم أهلكنا قبلهم من القرون يمشون في مناسكهم إنّ في ذلك لآيات لأولي النُهَى ﴾.
أرسل الله رسلا كثيرين إلى كثير من الأمم، ولما كذبت هذه الأمم رسلها واستكبرت وأصمت آذانها عن سماع الحق، ولم يبق فيها أمل للإيمان ؛ أهلك الله هذه الأمم، فغرق قوم نوح بالطوفان، وهلكت ثمود في شمال الجزيرة، وهلكت عاد في جنوب الجزيرة، وأُغرق فرعون في ماء النيل ؛ هؤلاء المكذبون كثيرون، كانوا ينعمون ويتمتّعون، ثم يكفرون بالله، فأهلكهم الله، وليس هذا الهلاك بعيدا عن أي كافر، فكيف لا يهتدون ولا يفكرون ؛ في مصير هذه الأمم السابقة ؛ وأن الله سبحانه يمكن أن ينزل بأهل مكة، ما أنزله بالأمم، والآية مبدوءة بالاستفهام الإنكاري.
والمعنى : أجهلوا فلم يهتدوا ويعرفوا حال الأمم السابقة المكذبة ؛ كيف أهلك الله هؤلاء حال كونهم مطمئنين يمشون في مساكنهم، فباغتهم العذاب.
ويمكن أن يكون المعنى : أن هؤلاء المشركين من أهل مكة يمرون على قرى ثمود وعاد وأصحاب الأيكة، وغيرهم من الأمم البائدة، ويشاهدون آثارهم ودورهم كيف هلكت وبادت ولم يبق بها أثر ؛ أفلا يهتدون بحال هذه الأمم الهالكة، وهم يمشون في مساكنهم ؛ ويمرّون عليهم في أسفارهم إلى الشمال وإلى الجنوب.
﴿ إنّ ذلك لآيات لأولي النُهى ﴾.
في هذه الأمور عظة وعبرة لأصحاب العقول حتى ينتهوا عن غيهم، ويهتدوا إلى رشدهم.
تمهيد :
تشتمل الآيات ١٣٢، ١٣٠ على منهج إلهي يأمر بالآتي :

١-
تسبيح الله وتنزيهه والمداومة على ذكره، أو الصلاة المفروضة والنافلة ؛ فهذه وسيلة الرضا والرضوان.

٢-
عدم الالتفات إلى ما متع الله به الكافرين أو العصاة ؛ من زهرة الدنيا ؛ لتكون ابتلاء واختيارا، وما عند الله خير وأبقى.

٣-
أن يأمر أهله وعشيرته وأمته بالصلاة، ويصطبر عليها، وهو لا يكلفه رزقا لنفسه ولا لغيره، فالله يرزقه من وسع فضله، وعظيم عطائه، والعاقبة للتقوى.
لزاما : لازما لهم لا يتأخر عنهم.
‍‌١٢٩- ﴿ ولولا كلمة سبقت من ربّك لكان لزاما وأجل مسمّى ﴾.
لقد قضي الله أن يؤخر جزاء المشركين إلى الآخرة، ومن سنة الله أن يمهل العصاة ولا يعاجلهم في الدنيا ؛ رجاء توبتهم قال تعالى :﴿ ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابّة ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى فإذا جاء أجلهم فإن الله كان بعباده بصيرا ﴾. ( فاطر : ٤٥ ).
كما أن الحق سبحانه أرجأ العذاب عن أهل مكة ؛ إكراما لوجود محمد صلى الله عليه وسلم بينهم.
قال تعالى :﴿ وما كان الله ليعذّبهم وأنت فيهم وما كان الله معذّبهم وهم يستغفرون ﴾. ( الأنفال : ٣٣ ).
قال ابن كثير في تفسير الآية :
أي : لولا الكلمة السابقة من الله، وهو أنه لا يعذب أحدا إلا بعد قيام الحجة عليه، والأجل المسمى الذي ضربه الله تعالى لهؤلاء المكذبين، إلى مدة معينة ؛ لجاءهم العذاب بغتة. ١ ه.
وجاء في المنتخب في تفسير القرآن الكريم ما يأتي :
ولولا حكم سبق من ربك بتأخير العذاب عنهم إلى أجل مسمى هو يوم القيامة ؛ لكان العذاب لازما لهم في الدنيا، كما لزم كفار القرون الماضية.
وقال الأستاذ عبد الكريم الخطيب في التفسير القرآني للقرآن ١٦/٨٣٩ :
وقوله تعالى :﴿ وأجل مسمى ﴾. معطوف على قوله تعالى :﴿ كلمة سبقت ﴾.
أي : لولا كلمة سبقت من ربّك، وأجل مسمى ؛ لكان لزاما، وقدّم جواب لولا على بقية الشرط للاهتمام به والإلفات إليه.
وأن كلمة الله هي الرحمة التي رحمهم بها ؛ بفضل مقام النبي الكريم فيهم.. فلعل هؤلاء المشركين يعرفون نعمة الله فيهم، ومقام النبي بينهم.
والأجل المسمى هو ما قدر لهم من آجال في هذه الدنيا. ١ ه.
وذهب الكشاف في تفسير الآية إلى أن المعنى :
لكان الأخذ العاجل وأجل مسمى لازمين لهم، كما كانا لازمين لعاد وثمود، ولم ينفرد الأجل المسمى، دون الأخذ العاجل.
تمهيد :
تشتمل الآيات ١٣٢، ١٣٠ على منهج إلهي يأمر بالآتي :

١-
تسبيح الله وتنزيهه والمداومة على ذكره، أو الصلاة المفروضة والنافلة ؛ فهذه وسيلة الرضا والرضوان.

٢-
عدم الالتفات إلى ما متع الله به الكافرين أو العصاة ؛ من زهرة الدنيا ؛ لتكون ابتلاء واختيارا، وما عند الله خير وأبقى.

٣-
أن يأمر أهله وعشيرته وأمته بالصلاة، ويصطبر عليها، وهو لا يكلفه رزقا لنفسه ولا لغيره، فالله يرزقه من وسع فضله، وعظيم عطائه، والعاقبة للتقوى.
فسبح بحمد ربك : اشتغل بتنزيه الله وتعظيمه.
آناء الليل : ساعاته.
١٣٠- ﴿ فاصبر على ما يقولون وسبّح بحمد ربّك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها ومن آناء الليل فسبّح وأطراف النهار لعلّك ترضى ﴾.
أي : إذا كان إمهال الله للمشركين ليس إهمالا ؛ بل يؤجلهم إلى أجل مسمى، فاصبر أيها الرسول الكريم على ما يقولون، من كفر وتشيك في رسالتك، وانشغل ذكر الله وتسبيحه وتحميده في أوقات متعددة، خصوصا قبل طلوع الشمس وقبل غروبها، وفي أوقات وآناء الليل، وفي أطراف النهار، لعل الذكر والتسبيح يعمّق الإيمان، ويمنحك الرضا واليقين والسعادة، وهذه أعلى وأغلى من كلّ ما في الدنيا.
ونلاحظ أن بعض المفسرين فسّر كلمة ﴿ وسبّح بحمد ربّك ﴾. على ظاهرها وهي التسبيح التحميد وذكر الله تعالى، وبعضهم فسّرها بأن المراد بها : الصلاة.
فالمراد بذكر الله قبل طلوع الشمس : صلاة الصبح، وقبل غروبها : صلاة العصر، وآناء الليل هي : صلاة المغرب والعشاء، وأطراف النهار : صلاة الظهر ؛ لأنه يجب عند نهاية الطرف الأول من النهار، وابتداء الطرف الثاني عند الزوال.
وفي صحيح البخاري ومسلم، عن جرير بن عبد الله البجلي قال : كنا جلوسا عند رسول اله صلى الله عليه وسلم فنظر إلى القمر ليلة البدر فقال :( إنكم سترون ربّكم كما ترون هذا القمر لا تضامون في رؤيته ؛ فإن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها فافعلوا )٢٢. ثم قرأ هذه الآية :﴿ فاصبر على ما يقولون وسبّح بحمد ربّك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها ومن آناء الليل فسبّح وأطراف النهار لعلّك ترضى ﴾.
وروى مسلم وأحمد : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( لن يلج النهار أحد صلى قبل طلوع الشمس وقبل غروبها ). ٢٣.
تمهيد :
تشتمل الآيات ١٣٢، ١٣٠ على منهج إلهي يأمر بالآتي :

١-
تسبيح الله وتنزيهه والمداومة على ذكره، أو الصلاة المفروضة والنافلة ؛ فهذه وسيلة الرضا والرضوان.

٢-
عدم الالتفات إلى ما متع الله به الكافرين أو العصاة ؛ من زهرة الدنيا ؛ لتكون ابتلاء واختيارا، وما عند الله خير وأبقى.

٣-
أن يأمر أهله وعشيرته وأمته بالصلاة، ويصطبر عليها، وهو لا يكلفه رزقا لنفسه ولا لغيره، فالله يرزقه من وسع فضله، وعظيم عطائه، والعاقبة للتقوى.
ولا تمدن عينيك : لا تطيلن النظر ؛ رغبة واستحسانا.
متعنا : جعلناهم يتلذذون بما يدركون به المناظر الحسنة، ويشمّون من الروائح الطيبة.
أزواجا : أشكالا وأشباها.
زهرة الحياة الدنيا : زينتها وبهجتها.
لنفتنهم : لنبتليهم ونختبرهم.
ورزق ربك : ما ادّخره لك.
١٣١- ﴿ ولا تمدّنّ عينيك إلى ما متّعنا به أزواجا منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه ورزق ربك خير وأبقى ﴾.
أعطاك الله الرسالة والنبوة ونجاح الدعوة، وأعطاك في الآخرة الشفاعة، وقال سبحانه :﴿ ولسوف يعطيك ربّك فترضى ﴾. ( الضحى : ٥ ). وقال عز شأنه :﴿ عسى أن يبعثك ربّك مقاما محمودا ﴾. ( الإسراء : ٧٩ ). وهو تفسير لقوله تعالى :﴿ لعلّك ترضى ﴾. ( طه : ١٣٠ ).
وهذه الآية تنهي الرسول صلى الله عليه وسلم والمراد : أمّته، عن النظر إلى ما أعطى الكفار من زهرة الدنيا ومُتعها ؛ نظر إعجاب وإكبار. أمّا النظرة العاجلة غير الممدودة التي تستكشف الطريق، وتنظر نظرا غير ممدود ولا مستعظم فلا بأس بها.
وقال ابن كثير :
يقول تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : لا تنظر إلى ما في فيه هؤلاء المترفون، وأشباههم ونظرائهم من النعيم ؛ فإنما هو زهرة زائلة ونعمة حائلة ؛ لنختبرهم بذلك، وقليل من عبادي الشكور.
وقال مجاهد :﴿ أزواجا منهم ﴾. يعني : الأغنياء فقد آتاك الله خيرا ما آتاهم، كما قال في الآية الأخرى :﴿ ولقد آتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم. لا تمدّنّ عينيك إلى ما متّعنا به أزواجا منهم ولا تحزن عليهم واخفض جناحك للمؤمنين ﴾. ( الحجر : ٨٨، ٨٧ ).
وقال في ظلال القرآن :
﴿ ولا تمدّن عينيك إلى ما متّعنا به أزواجا منهم ﴾. من عرض حياة الدنيا، من زينة ومتاع، ومال وأولاد، وجاه وسلطان.
﴿ زهرة الحياة الدنيا ﴾. التي تطلعها كما يطلع النبات زهرته لامعة جاذبة، والزهرة سريعة الذبول ؛ على ما بها من رواء وزواق، فإنما نمتّعهم بها ابتلاء ؛ ﴿ لنفتنهم فيه ﴾. فنكشف عن معادنهم، بسلوكهم مع هذه النعمة، وبذلك المتاع، وهو متاع زائل كالزهرة سرعان ما تذبل.
﴿ ورزق ربّك خير وأبقى ﴾. وهو رزق للنعمة لا للفتنة، رزق طيّب خيّرٌ باق، لا يذبل ولا يخدع ولا يفتن، وما هي دعوة للزهد في طيبات الحياة، ولكنها دعوة إلى الاعتزاز بالقيم الأصيلة الباقية، وبالصلة بالله والرضا به، فلا تتهاوى النفوس أمام زينة الثراء، ولا تفقد اعتزازها بالقيم العليا، وتبقى دائما تحسُّ حرية الاستعلاء على الزخارف الباطلة التي تبهر الأنظار٢٤.
وخلاصة هذا : التنفير من الانهماك في التمتّع بزهرة الدنيا لسوء عاقبتها.
تمهيد :
تشتمل الآيات ١٣٢، ١٣٠ على منهج إلهي يأمر بالآتي :

١-
تسبيح الله وتنزيهه والمداومة على ذكره، أو الصلاة المفروضة والنافلة ؛ فهذه وسيلة الرضا والرضوان.

٢-
عدم الالتفات إلى ما متع الله به الكافرين أو العصاة ؛ من زهرة الدنيا ؛ لتكون ابتلاء واختيارا، وما عند الله خير وأبقى.

٣-
أن يأمر أهله وعشيرته وأمته بالصلاة، ويصطبر عليها، وهو لا يكلفه رزقا لنفسه ولا لغيره، فالله يرزقه من وسع فضله، وعظيم عطائه، والعاقبة للتقوى.
واصطبر عليها : دم عليها.
١٣٢- ﴿ وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها لا نسألك رزقا نحن نرزقك والعاقبة للتّقوى ﴾.
والخطاب للرسول صلى الله عليه وسلم، ولكل من يتأتى منه الخطاب من أمته، أي : وأمر عائلتك وأسرتك وأمّتك، وليأمر كل مسلم أهله بالصلاة، فما أحسن أن يتجه البيت المسلم إلى الله في الصلاة، وإلى قبلة واحدة وربّ واحد ؛ فهذا يملأ القلب بالتقوى والطهارة، ﴿ واصطبر عليها ﴾. واصبر على أداء الصلاة والمداومة عليها في خشوع وخضوع ؛ فإن ذلك سبيل العزّة والكرامة، والسعادة في الدنيا والنجاة في الآخرة.
﴿ لا نسألك رزقا نحن نرزقك والعاقبة للتّقوى ﴾.
لا تظننّ أن الصلاة تشغلك عن أرزاق الدنيا ؛ فإن الرزق قد تكلّف به الله تعالى. وطاعة الله وتقواه سبيل من سُبُل الرّزق ؛ فإن الله هو الرازق ذو القوّة المتين.
قال ابن كثير :
﴿ والعاقبة للتقوى ﴾. أي : وحسن العاقبة في الدنيا، وفي الآخرة وهي الجنة لمن اتقى الله.
وفي الصحيح : أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( رأيت الليلة كأنا في دار ( عقبة بن رافع ) وأنّا أتينا برطب من رطب ابن طاب، فأوّلت ذلك أنّ العاقبة لنا في الدنيا والرفعة، وأنّ ديننا قد طاب )٢٥.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ثابت قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أصابته خصاصة نادى أهله :( يا أهلاه، صلّوا صلّوا )، قال ثابت : وكانت الأنبياء إذا نزل بهم أمر فزعوا إلى الصلاة٢٦.
وأخرج الترمذي وابن ماجة عن أبي هريرة : أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( يقول الله تعالى : يا ابن آدم، تفرّغ لعبادتي ؛ املأ صدرك غنى وأسدّ فقرك، وإن لم تفعل ؛ ملأت صدرك شغلا، ولم أسدّ فقرك )٢٧.
إننا نتوجّه بهذه الآية الكريمة إلى شباب المسلمين، ورجالهم وفتياتهم ونسائهم، وإلى كل مسلم ومسلمة، نقول لهم : أقيموا الصلاة وأمروا بها أهلكم، واصطبروا على أدائها في خشوعها وآدابها، وهذا هو سبيل الاستقامة والنجاح والفلاح في الدنيا والآخرة والله تعالى يقول :﴿ ومن يتّق الله يجعل له مخرجا. ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكّل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شيء قدرا ﴾. ( الطلاق : ٣، ٢ ).
أخرج مالك والبيهقي عن أسلم قال : كان عمر بن الخطاب يصلّي من الليل ما شاء الله تعالى أن يصلي، حتى إذا كان آخر الليل أيقظ أهله للصلاة، ويقول لهم : الصلاة الصلاة، ويتلو هذه الآية :﴿ وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها لا نسألك رزقا نحن نرزقك والعاقبة للتقوى ﴾.
﴿ وقالوا لولا يأتينا بآية من ربّه أوَلم تأتهم بيّنة ما في الصّحف الأولى ( ١٣٣ ) ولو أنّا أهلكناهم بعذاب من قبله لقالوا ربّنا لولا أرسلت إلينا رسولا فنتّبع آياتك من قبل أن نذلّ ونخزى ( ١٣٤ ) قل كلّ متربّصٌ فتربّصوا فستعلمون من أصحاب الصّراط السّويّ ومن اهتدى ( ١٣٥ ﴾
المفردات :
لولا : هلا، وهي كلمة تفيد الحث على حدوث ما بعدها.
آية : معجزة تدلّ على صدقه.
البيّنة : القرآن.
الصحف الأولى : التوراة والإنجيل وسائر الكتب السماوية.
تمهيد :
تحكي الآيات الأخيرة من سورة طه : بعض الأقاويل الباطلة للمشركين، ومنها : ادعاؤهم : أنّ القرآن ليس بحجّة ولا معجزة تدل على نبوّة محمد صلى الله عليه وسلم، ثم بين الحكمة من إنزال الكتب وإرسال الرسل، وهي أن تكون حجة على العباد، وإعذارا من الله لعباده ؛ حتى تنقطع معذرتهم، حتى ختم السورة بضرب من الوعيد خلاصته : كل منا ومنكم منتظر لما يئول إليه أمرنا وأمركم، وحينئذ يتبيّن المحق من المبطل.
التفسير :
١٣٣- ﴿ وقالوا لولا يأتينا بآية من ربّه أو لم تأتهم بيّنة ما في الصّحف الأولى ﴾.
أي : قال المشركون : هلا جاء محمد بمعجزة مادية ملموسة، مثل ناقة صالح، وعصا موسى، وشفاء المرضى لعيسى ؛ فهم يقترحون على النبي صلى الله عليه وسلم أن يأتي بمعجزة ملموسة، مثل تحويل الصفا ذهبا، أو زحزحة جبال مكة وتفجير الينابيع والأنهار في أرضها ؛ حتى تنبت الزروع والثمار في مكة مثل زروع الشام.
وقد رد عليهم الحق سبحانه ؛ بأن في القرآن ما يكفي ويشفي ؛ فهذا الكتاب بيّن ما أنزله الله في التوراة والإنجيل والزبور، والصحف التي أنزلت على إبراهيم وموسى. ويكفي نزول هذا القرآن المعجزة على نبي أميّ ؛ لم يقرأ كتابا، فنزول القرآن مشتملا على أخبار القرون الأولى، والصحف السماوية السابقة ؛ دليل على صدق محمد صلى الله عليه وسلم، وهذه الآية شبيهة بقوله تعالى :﴿ وقالوا لولا أنزل عليه آيات من ربّه قل إنّما الآيات عند الله وإنما أنا نذير مبين. أوَلم يكفهم أنّا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم إن في ذلك لرحمة وذكرى لقوم يؤمنون ﴾. ( العنكبوت : ٥١، ٥٠ ).
وقد أخرج البخاري ومسلم : أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( ما من نبيّ إلا وقد أوتي من الآيات ما آمن على مثله البشر، وإنما كان الذي أوتيته وحيا أوحاه الله إليّ، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة )٢٨.
وإنما ذكر ههنا أعظم الآيات التي أعطيها عليه السلام وهو القرآن، وإلا فله من المعجزات ما لا يحدّ ولا يحصر٢٩.
تمهيد :
تحكي الآيات الأخيرة من سورة طه : بعض الأقاويل الباطلة للمشركين، ومنها : ادعاؤهم : أنّ القرآن ليس بحجّة ولا معجزة تدل على نبوّة محمد صلى الله عليه وسلم، ثم بين الحكمة من إنزال الكتب وإرسال الرسل، وهي أن تكون حجة على العباد، وإعذارا من الله لعباده ؛ حتى تنقطع معذرتهم، حتى ختم السورة بضرب من الوعيد خلاصته : كل منا ومنكم منتظر لما يئول إليه أمرنا وأمركم، وحينئذ يتبيّن المحق من المبطل.
نذلّ : نُهان.
نخزى : نفتضح.
‍١٣٤- ﴿ ولو أنّا أهلكناهم بعذاب من قبله لقالوا ربّنا لولا أرسلت إلينا رسولا فنتّبع آياتك من قبل أن نذلّ ونخزى ﴾.
شاء الله أن يرسل الرسل، وأن ينزل عليهم الكتب ؛ قطعا لأعذار البشر يوم القيامة ؛ حتى لا يقولوا إذا أهلكهم الله بعذاب الاستئصال جزاء كفرهم وشركهم ؛ يا ربّنا، هلا أرسلت إلينا رسولا فنتبعه وننجوا باتباعه من ذلّ الدنيا، وخزي الآخرة !
وقريب من هذه الآية قوله تعالى :﴿ رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل وكان الله عزيزا حكيما ﴾. ( النساء : ١٦٥ ).
وخلاصة المعنى : إنّا لو أهلكنا هؤلاء المكذبين قبل أن نرسل إليهم هذا الرسول الكريم، وننزل عليهم الكتاب العظيم ؛ لقالوا : ربنا، هلا أرسلت إلينا رسولا قبل أن تهلكنا ؛ حتى نؤمن به ونتّبعه ! لكن لن نهلكهم قبله ؛ فانقطعت معذرتهم٣٠.
تمهيد :
تحكي الآيات الأخيرة من سورة طه : بعض الأقاويل الباطلة للمشركين، ومنها : ادعاؤهم : أنّ القرآن ليس بحجّة ولا معجزة تدل على نبوّة محمد صلى الله عليه وسلم، ثم بين الحكمة من إنزال الكتب وإرسال الرسل، وهي أن تكون حجة على العباد، وإعذارا من الله لعباده ؛ حتى تنقطع معذرتهم، حتى ختم السورة بضرب من الوعيد خلاصته : كل منا ومنكم منتظر لما يئول إليه أمرنا وأمركم، وحينئذ يتبيّن المحق من المبطل.
متربّص : منتظر.
الصراط : الطريق.
السويّ : المستقيم.
١٣٥- ﴿ قل كلّ متربّص فتربّصوا فستعلمون من أصحاب الصراط السويّ ومن اهتدى ﴾.
تأتي هذه الآية في ختام سورة طه المكية، تتوجّه إلى المشركين الكافرين ؛ بهذا الإنذار الذي يقرع الآذان، وهذا التهديد والوعيد.
ومعنى الآية : قل يا محمد لمن كذبك، وخالفك، واستمر على الكفر والعناد : أنتم تتربّصون بنا، ونحن نتربّص بكم، كلانا ينتظر ما ينزل بالآخر، ولمن يكون الفلاح، وإلام يئول أمري وأمركم، فتربصوا وارتقبوا، فستعلمون غدا، إذا قامت القيامة ؛ من هو صاحب الطريق المستقيم الذي لا اعوجاج فيه، أنحن أم أنتم ؟
وستعلمون من هم الذين تجنبوا الضلالة، واهتدوا إلى ما يسعدهم في دينهم وفي دنياهم وفي آخرتهم، وكأن الآية تقول لهم : القيامة موعدنا، وسنرى نحن وأنتم : من هو المستقيم منا والمعوج، ومن هو المهتدي والضال، كما قال سبحانه :﴿ وإنّا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين ﴾. ( سبأ : ٢٤ ).
وقريب من معنى هذه الآية قوله تعالى :﴿ سيعلمون غدا من الكذّاب الأشر ﴾. ( القمر : الآية ٢٦ ).
وقوله سبحانه :﴿ وسوف يعلمون حين يرون العذاب من أضل سبيلا ﴾. ( الفرقان : ٢٤ ).
قال في ظلال القرآن :
وعندما يصل السياق إلى تصوير المصير المحتوم الذي ينتظرهم ؛ يؤمن الرسول صلى الله عليه وسلم أن ينفض يده منهم، فلا يشقى بهم ولا يكربه عدم إيمانهم، وأن يعلن إليهم : أنه متربص بهم ذلك المصير، فليتربّصوا هم كيف يشاءون.
﴿ قل كل متربص فتربصروا فستعلمون من أصحاب الصراط السوي ومن اهتدى ﴾.
وفي ختام تفسير سورة طه ندعو الله تعالى : أن يجعل القرآن العظيم ربيع قلوبنا، وذهاب همنا وحزننا. اللهم، أكرمنا بالقرآن العظيم، واجعله لنا هاديا ومرشدا وإماما، وأكرمنا بالقرآن في الدنيا والآخرة. اللهم، إنّا نعوذ بك أن نشرك بك شيئا نعلمه ونستغفرك لما لا نعلمه، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وسلام على المرسلين والحمد لله ربّ العالمين.
Icon