أهداف سورة النازعات
( سورة النازعات مكية، وآياتها ٤٦ آية، نزلت بعد سورة النبأ )
وهي نموذج من نماذج هذا الجزء، لإشعار القلب البشري حقيقة الآخرة بهولها وضخامتها، وفي الطريق إلى ذلك يمهّد السياق بمطلع غامض مثير، يسوقه في إيقاع موسيقى راجف لاهث. ( الآيات : ١-٥ ).
وعقب هذا المطلع الغامض الراجف الواجف، يجئ المشهد الأول من مشاهد ذلك اليوم. ( الآيات ٦-١٤ ).
ثم يأخذ السياق في عرض حلقة من قصة موسى مع فرعون، فيهدأ الإيقاع ويسترخي شيئا ما، ليناسب جو الحكاية والعرض. ( الآيات ١٥-٢٦ ).
ثم ينتقل السياق من ساحة التاريخ إلى كتاب الكون المفتوح، ومشاهد الكون الهائلة، الشاهدة بالقوة والتدبير والتقدير للألوهية المنشئة للكون، المهيمنة على مصائره في الدنيا والآخرة، في تعبيرات قوية الأثر تأخذ بالألباب. ( الآيات : ٢٧-٣٣ ).
ثم يجيء مشهد الطامة الكبرى، وما يصاحبها من جزاء على ما كان في الحياة. ( الآيات ٣٤-٤١ ).
ثم يرتد السياق إلى المكذبين بهذه الساعة، الذين يسألون الرسول صلى الله عليه وسلم عن موعدها، يرتد إليهم بإيقاع يزيد من روعة الساعة وهولها وضخامتها. ( الآيات ٤٢ -٤٦ ).
مع آيات السورة
١-٥- أقسم الله تعالى بالملائكة الذين ينزعون أرواح الكفار إغراقا، أي مبالغة في النزع، وبالملائكة الذين يخرجون أرواح المؤمنين برفق، فيسبحون في إخراجها سبح الغواص الذي يخرج الشيء من أعماق البحر، فيسبقون بأرواح الكفار إلى النار، وبأرواح المؤمنين إلى الجنة، أو يسبقون للإيمان أو للطاعة لأمر الله، فيدبرون ما يوكل إليكم من الأمور.
وقيل : أقسم الله تعالى بالنجوم، تنزع في مداراتها وتتحرك، وتنشط منتقلة من منزل إلى منزل، وتسبح سبحا في فضاء الله وهي معلقة به، وتسبق سبقا في جريانها ودورانها، وتدبّر من النتائج والظواهر ما وكّله الله إليه، مما يؤثر في حياة الأرض ومن عليها.
وقيل : النازعات والناشطات والسابحات والسابقات هي النجوم، والمدبّرات هي الملائكة، وجملة القول : فهذه أوصاف لموصوفات أقسم الله بها لعظم شأنها، وكل ما يصدق عليه الوصف يصح أن يكون تفسير للآيات، وهذا من إعجاز القرآن الكريم.
٦- ٩- اذكر يا محمد يوم تضطرب الأرض ويرتجف كل من عليها، وتنشق السماء، ويصعق كل من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله، وهذه هي الراجفة أو النفخة الأولى في الصور، يتبع ذلك النفخة الثانية، التي يصحون عليها ويحشرون، وهذه هي الرادفةi.
قلوب الكافرين تكون يوم القيامة شديدة الاضطراب، بادية الذل، يجتمع عليها الخوف والانكسار، والرجفة والانهيار.
١٠-١٤- يقول الكافرون المنكرون للبعث : أصحيح أننا إذا متنا راجعون إلى الأرض أحياء كما كنا ؟ أنعود للحياة بعد تحلل أجسادنا في التراب ؟ إن صح هذا فهو الخسران الخالص والرجعة الخاسرة التي لم نحسب حسابها.
لا تستبعدوا ذلك أيها الكافرون، فإنما هي صيحة واحدة ينفخ فيها إسرافيل في الصور، فإذا الناس جميعا أحياء على سطح أرض القيامة.
١٥- ٢٦- تحكى الآيات قصة موسى عليه السلام، وهي قصة تكررت في القرآن، لما لقيه موسى من شدة المعاناة مع قومه، فأصبح نموذجا للصبر والثبات، وفي الحديث الصحيح يقول النبي صلى الله عليه وسلم : " يرحم الله أخي موسى لقد أوذي بأكثر من هذا فصبر ). ii.
تقول الآيات :
وهل جاءك يا محمد خبر موسى وقصته العجيبة ؟ حيث تفضّل الله عليه فناداه، وكلّمه من وراء حجاب بالوادي المبارك من طور سيناء ( طوى )iii، فقال له : اذهب إلى فرعون فإنه طغى وتجاوز الحد، فتلطّف معه في القول وقل له : هل ترغب في أن تطهر نفسك من الآثام التي انغمست فيها ؟ وهل لك في الإيمان بالله، واستشعار الجلالة والجبروت وخشية عقاب الله وحسابه ؟
بيد أن هذا القول لم يفلح في هداية قلب الطاغية الجبار، فأظهر له موسى المعجزة الكبرى، وهي انقلاب العصا حية وإخراج يده بيضاء بياضا ساطعا يغلب ضوء الشمس، فأنكر فرعون رسالة موسى، وعصى أمر ربه، ثم أعرض عن موسى، وسعى في إيذائه، وحث الناس على مقاومة دعوته، ثم جمع السحرة الذين هم تحت إمرته وسلطانه، فقام فيهم يقول : أنا ربكم الأعلى. الذي لا يدانيه أحد في القوة والعظمة، وما زال في عتوّه وتطاوله حتى تبع موسى وقومه إلى البحر الأحمر ( بحر القلزم ) عند خروجهم من مصر، فأغرق فيه هو وجنوده، تنكيلا به على ما صنع، وله في الآخرة عذاب السعير، وسيكون مثلا للأولين والآخرين. وفي قصة فرعون عبرة لمن له عقل يتدبر به في عواقب الأمور، فيثوب إلى رشده ويتقي ربه.
٢٧- ٣٣- يخاطب الله منكري البعث ويرشدهم إلى أن بعثهم هين على الله، بدليل ما يشاهدون من آثار قدرته في هذا الكون، فيقول لهم : هل أنتم أشد خلقا أم خلق السماء أصعب وأشق ؟ إنكم لا تنازعون في أنها أشد منكم خلقا، ومع ذلك لم نعجز عن إبداعها، فما الذي تستصعبونه من أمر بعثكم ؟ والذي بنى السماء وأبدعها قادر على إعادتكم.
قال تعالى : لخلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس ولكن أكثر الناس لا يعلمون. ( غافر : ٥٧ ).
لقد رفع الله سمك السماء، أي : بناءها، وسمك كل شيء قامته وارتفاعه، والسماء مرفوعة في تناسق كامل، وتنسيق بين حركاتها وآثارها وتأثراتها، وقد جعل ليلها مظلما بمغيب كوكبها، وأنار نهارها بظهور الضحى.
والأرض بعد ذلك دحاها. ودحو الأرض تمهيدها وبسط قشرتها، بحيث تصبح صالحة للسير عليها، وتكوين تربة تصلح للإنبات.
أخرج منها ماءها ومرعاها. أي : فجّر منها العيون والينابيع والأنهار، وأنبت فيها النبات، وثبّت الجبال في أماكنها وجعلها كالأوتاد، لئلا تميد بأهلها وتضطرب بهم.
متاعا لكم ولأنعامكم. أي : إنما جعلنا ذلك كله ليتمتع به الناس والأنعام، وليتنبه الإنسان إلى عظمة التدبير والتقدير، فإن بناء السماء على هذا النحو، وإظلام الليل، وإضاءة النهار، وتمهيد الأرض، وإخراج النبات والماء، وإرساء الجبال، لم يكن كل ذلك سدى، وإنما كان متاعا لكم ولأنعامكم.
وهذا المدبر الحكيم وفّر لكم هذا الخير الكثير لتتمتعوا به، ومن الحكمة والتدبير أن يكون هناك بعث وجزاء، لإثابة الطائع ومعاقبة الطغاة والعصاة.
٣٤- ٤١- فإذا جاءت الداهية العظمى التي تعلو على سائر الدواهي، وتشغل الإنسان عن ولده ونفسه، غطت على كل شيء، وطمت على كل شيء، عندئذ يتذكر الإنسان سعيه ويستحضره أمامه، حين يرى أعماله مدوّنة في كتابه، وظهرت النار في مكان بارز، حتى يراها كل ذي نظر، عندئذ تختلف المصائر والعواقب، فأما من تكبّر وعصى ربه وتجاوز حده، وآثر شهوات الحياة الدنيا على ثواب الآخرة، فالنار مثواه ومستقره.
وأما من استحضر في قلبه دائما عظمة الله تعالى، ونهى النفس عما تهواه وتميل إليه بحسب طبيعتها، فإن الجنة سكون له مستقرا ومقاما.
٤٢- ٤٦- يسألك كفار قريش والمتعنتون من المشركين عن القيامة : أيّان مرساها. متى قيامها وظهورها ؟ وأين موعدها ؟
فيم أنت من ذكراها. إنها لأعظم من أن تسأل أو تسأل عن موعدها، فأمرها إلى ربك وهي من خاصة شأنه وليست من شأنك، إلى ربك ينتهي علم الساعة، فلا يعلم وقت قيامها غيره، ولم يعط علمها لملك مكرم، ولا لبني مرسل، إنما أنت رسول مبعوث لتنذر من ينفعه الإنذار، وهو الذي يشعر قلبه بحقيقتها فيخشاها، ويعمل لها ويتوقعها.
وإذا جاءت الساعة، ورأوا أهوالها وحسابها وجزاءها، استهانوا بالدنيا ومتاعها وأعمارها، ورأوا الدنيا بالنسبة للآخرة قصيرة عاجلة، هزيلة ذاهبة، زهيدة تافهة، وتنطوي الدنيا في نفوس أصحابها، فإذا هي عندهم عشية أو ضحاها، فكأنما الدنيا ساعة من نهار، أفمن أجل ساعة من نهار يضيع الإنسان الجنة والخلود في رضوانها ؟
قال تعالى : ويوم تقوم الساعة يقسم المجرمون ما لبثوا غير ساعة... ( الروم : ٥٥ ).
أي أن الدنيا أو الحياة الفانية ليست إلا وقتا قصيرا بالنسبة للآخرة.
قال تعالى : بل تؤثرون الحياة الدنيا* والآخرة خير وأبقى. ( الأعلى : ١٦، ١٧ ).
موضوعات سورة النازعات
١- إثبات البعث.
٢- مقالة المشركين في إنكاره والرد عليهم.
٣- قصة موسى مع فرعون، وفيها عاقبة الطغاة.
٤- آيات الله في الآفاق.
٥- أهوال يوم القيامة.
٦- الناس في هذا اليوم فريقان : سعداء وأشقياء.
٧- تساؤل المشركين عن الساعة وميقاتها.
٨- نهي الرسول صلى الله عليه وسلم عن البحث عنها.
٩- ذهول المشركين من شدة الهول، والاستهانة بالدنيا حين يرون الآخرة.
ﰡ
بسم الله الرحمان الرحيم
﴿ والنّازعات غرقا ١ والنّاشطات نشطا ٢ والسّابحات سبحا ٣ فالسّابقات سبقا ٤ فالمدبّرات أمرا ٥ يوم ترجف الرّاجفة ٦ تتبعها الرّادفة ٧ قلوب يومئذ واجفة ٨ أبصارها خاشعة ٩ يقولون أئنّا لمردودون في الحافرة ١٠ أئذا كنا عظاما نخرة ١١ قالوا تلك إذا كرّة خاسرة ١٢ فإنما هي زجرة واحدة ١٣ فإذا هم بالسّاهرة ١٤ ﴾
المفردات :
والنازعات : أقسم الله بالملائكة تنزع أرواح الكفار من أقاصي أجسامهم.
غرقا : نزعا شديدا مؤلما بالغ الغاية.
التفسير :
١- والنّازعات غرقا.
أقسم الله تعالى بطوائف الملائكة التي تنزع أرواح الكفار بقسوة وشدة من أقاصي أجسامهم، نزعا بالغ الصعوبة والعسر، حيث تنزع روح الكافر من أقاصي جسده، من تحت كل شعرة، ومن تحت الأظافر وأصول القدمين.
وفي الحديث الشريف ما يفيد أن روح الكافر تنزع بشدة، حيث يكابد الكافر أشد الآلام في خروج روحه، وأن روح المؤمن تنزع برفق ويسر، وتخرج بسهولة ولطف، كما تنزل القطرة من فم السّقاء.
والناشطات نشطا : الملائكة تسلّ أرواح المؤمنين برفق.
التفسير :
٢- والنّاشطات نشطا.
أقسم الله بملائكة الرحمة، تنشط في أخذ أرواح المؤمنين بسهولة ويسر، كما ينشط العقال من يد البعير.
والسابحات سبحا : الملائكة تنزل مسرعة لما أمرت به.
التفسير :
٣- والسّابحات سبحا.
الملائكة تسبح بأرواح المؤمنين إلى الملأ الأعلى، أو تسبح بالوحي وتنزل به على الرسل كالذي يسبح، حال كون الملائكة مسرعة منفذة للأوامر.
فالسابقات سبقا : الملائكة تسبق بالأرواح إلى مستقرها، النار أو الجنة.
التفسير :
٤- فالسّابقات سبقا.
الملائكة تسبق بأرواح المؤمنين إلى الجنة، أو الملائكة تسبق إلى الإيمان والتصديق، أو الملائكة تسبق لتبليغ وحي السماء.
فالمدبرات أمرا : الملائكة تنزل بالتدبير المأمور به، وجواب القسم محذوف دلّ عليه ما بعده، وتقديره : لتبعثن.
التفسير :
٥- فالمدبّرات أمرا.
الملائكة تدبّر أمر الكون من السماء إلى الأرض بأمره تعالى، من الرياح والأمطار والأرزاق والأعمار، وغير ذلك من شئون الدنيا.
وتنكير، أمرا. للتفخيم والتهويل.
وفي الحديث الشريف :( إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما نطفة، ثم أربعين يوما علقة، ثم أربعين يوما مضغة، ثم يأمر الله الملك، فيقول : يا رب، وما أكتب ؟ فيقول : اكتب أجله وعمره ورزقه، وشقي أو سعيد )iv.
وقيل : إن تدبير أمر الدنيا إلى أربعة من الملائكة : جبريل، وميكائيل، وعزرائيل، وإسرافيل.
فأما جبريل فموكل بالرياح والجنود، وأما ميكائيل فموكل بالقطر والنبت، وأما عزرائيل فموكل بقبض الأنفس، وأما إسرافيل فهو ينزل بالأمر عليهم.
وقال الحسن البصري :
المراد بالآيات الخمس : النجوم والكواكب في جريها وتنقلها بين الأبراج، وسيرها في أفلاكها هادئة أو مسرعة، أو مدبّرة أمرا بأمر الله تعالى، كاختلاف الفصول وتقدير الأزمنة، وظهور مواقيت العبادات والمعاملات.
( فالقمر له أثر في حساب الشهور، وله من الأثر في السحاب والمطر، وفي البحر من المدّ والجزر، وللشمس دورة سنوية، نعرف بها حساب السنين من جهة، وفصول السنة من جهة أخرى، وللفصول الأربعة أثرها في أسباب حياة النبات والحيوان، ونسبة التدبير إليها لأنها أسباب ما نستفيد منها، والمدبّر الحكيم هو الله جل شأنه )v.
يوم ترجف الراجفة : يوم تضطرب الأجرام بالصيحة الهائلة، وهي النفخة الأولى التي تصعق الخلائق عندها وتموت.
تتبعها الرادفة : نفخة البعث التي يقوم فيها الناس للحساب والجزاء، وهي تردف الأولى وتأتي بعدها.
التفسير :
٦، ٧- يوم ترجف الرّاجفة* تتبعها الرّادفة.
جواب القسم محذوف دلّت عليه هاتان الآيتان، والتقدير : لتعبثن يوم القيامة.
والرّاجفة. هي النفخة الأولى، حين ينفخ إسرافيل في الصور، فيصعق من في السماوات والأرض، حيث تضطرب الجبال، وتقلع من أماكنها، وتسيّر وتصير هباء منبثا، ويضطرب نظام الكون، ويهتزّ اهتزازا شديدا، ويرتجف عند النفخة الأولى وهي الراجفة، حيث تموت الخلائق، ويصعق من في السماوات والأرض صعقا شديدا، ويستمرون أربعين سنة، ويتبع ذلك، الرّادفة. التي تردف الراجفة، وتأتي بعدها، وهي نفخة البعث والقيام للحساب.
قال تعالى : ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون. ( الزمر : ٢٨ ).
واجفة : شديدة الاضطراب من الخوف والفزع.
أبصارها خاشعة : ذليلة منكسرة من الفزع.
التفسير :
٨، ٩- قلوب يومئذ واجفة* أبصارها خاشعة.
قلوب الكفار في ذلك اليوم واجفة راجفة مضطربة من هول الموقف والقيام للحساب.
أبصارها خاشعة. أبصارها ذليلة منكسرة حيث يغشاهم الذل والقتام بسبب سوء أعمالكم، وفي صدر سورة الغاشية تأكيد خشوعهم وذلّهم وعذابهم.
قال تعالى : هل أتاك حديث الغاشية* وجوه يومئذ خاشعة* عاملة ناصبة* تصلى نارا حامية* تسقى من عين آنية. ( الغاشية : ١-٥ ).
في الحافرة : إلى الحالة الأولى ( الحياة ).
التفسير :
١٠- يقولون أئنّا لمردودون في الحافرة.
يقول هؤلاء الكفار استبعادا للحياة بعد الموت : أنرجع مرة أخرى أحياء بعد موتنا ؟
يقال لمن كان في أمر فخرج منه ثم عاد إليه : رجع في حافرته، أي في طريقه التي جاء منها فحفرها، بمعنى أثّر فيها بمشيه.
نخرة : بالية مفتتة، من نخر العظم، إذا بلى وتفتت.
التفسير :
١١- أئذا كنا عظاما نخرة.
أئذا بليت أجسامنا، وأكلنا التراب، وتهشمت عظامنا، وصارت : نخرة. بالية شديدة البلى.
والاستفهام للاستبعاد والاستنكار.
وقريب من ذلك قوله تعالى : أئذا متنا وكنا ترابا ذلك رجع بعيد* قد علمنا ما تنقص الأرض منهم وعندنا كتاب حفيظ. ( ق : ٣، ٤ ).
خاسرة : رجعة غابنة غير رابحة.
التفسير :
١٢- قالوا تلك إذا كرّة خاسرة.
أي : إذا كان البعث حقا، وعدنا إلى الحياة بعد الموت، فتلك رجعة خاسرة لأننا سنكون من أهل النار، ولم نعمل عملا لذلك اليوم.
قال المفسرون : وهذا منهم استهزاء وتهكم، اعتقادا منهم أن ذلك لن يكون.
فإذا هم بالساهرة : فإذا هم أحياء على وجه الأرض.
التفسير :
١٣، ١٤- فإنما هي زجرة واحدة* فإذا هم بالسّاهرة.
فإنما هي صيحة واحدة، هي نفخة إسرافيل في الصور النفخة الثانية، فتقوم الخلائق لرب العالمين.
فإذا هم بالسّاهرة.
فإذا هم جميعا في أرض المحشر، وهي أرض بيضاء مكشوفة، وإنما قيل لها ( ساهرة ) لأنهم لا ينامون عليها حينئذ.
أي : لا تستبعدوا البعث، فإنما هو نفخ إسرافيل في الصور النفخة الثانية، فإذا الخلائق جميعا على سطح الأرض أحياء، بعد أن كانوا في بطنها أمواتا.
ونحو الآية قوله تعالى : وما ينظر هؤلاء إلا صيحة واحدة ما لها من فواق. ( ص : ١٥ ).
فإذا هم بالساهرة : فإذا هم أحياء على وجه الأرض.
التفسير :
١٣، ١٤- فإنما هي زجرة واحدة* فإذا هم بالسّاهرة.
فإنما هي صيحة واحدة، هي نفخة إسرافيل في الصور النفخة الثانية، فتقوم الخلائق لرب العالمين.
فإذا هم بالسّاهرة.
فإذا هم جميعا في أرض المحشر، وهي أرض بيضاء مكشوفة، وإنما قيل لها ( ساهرة ) لأنهم لا ينامون عليها حينئذ.
أي : لا تستبعدوا البعث، فإنما هو نفخ إسرافيل في الصور النفخة الثانية، فإذا الخلائق جميعا على سطح الأرض أحياء، بعد أن كانوا في بطنها أمواتا.
ونحو الآية قوله تعالى : وما ينظر هؤلاء إلا صيحة واحدة ما لها من فواق. ( ص : ١٥ ).
﴿ هل أتاك حديث موسى ١٥ إذ ناداه ربه بالواد المقدّس طوى ١٦ اذهب إلى فرعون إنه طغى ١٧ فقل هل لك إلى أن تزكّى ١٨ وأهديك إلى ربك فتخشى ١٩ فأراه الآية الكبرى ٢٠ فكذّب وعصى ٢١ ثم أدبر يسعى ٢٢ فحشر فناداى ٢٣ فقال أنا ربكم الأعلى ٢٤ فأخذه الله نكال الآخرة والأولى ٢٥ إن في ذلك لعبرة لمن يخشى ٢٦ ﴾
التفسير :
١٥- هل أتاك حديث موسى.
استفهام يقصد به التشويق إلى معرفة قصة تهوّن عليه ما يلاقيه من قومه المكذبين، وكأنه قيل : هل أتاك خبر موسى ؟ إن لم يكن قد جاءك فأنا أخبرك به.
المقدّس : المبارك المطهّر، والوادي المقدّس : هو واد بأسفل جبل طور سيناء، من برية الشام.
طوى : اسم الوادي المقدّس.
التفسير :
١٦- إذ ناداه ربه بالواد المقدّس طوى.
حين نادى الله تعالى موسى في ظلال الليل، في ليلة مباركة، باركها نداء الحق سبحانه، وتفضله وتلطفه بنداء موسى بالوادي المبارك المطهّر، وهو واد في أسفل جبل طور سيناء من برية الشام، المسمى طوى.
طغى : تجاوز الحد، فعتا وتجبر وكفر بالله تعالى.
التفسير :
١٧- اذهب إلى فرعون إنه طغى.
اذهب إلى فرعون رسولا من عند الله، مبلّغا له رسالات السماء، فقد طغى فرعون وتجاوز الحد في استعباد بني إسرائيل، وتقتيل أبنائهم الذكور، واستحياء الإناث، وادعاء الألوهية، وقوله : أنا ربكم الأعلى، وقوله : ما علمت لكم من إله غيري.
هل لك إلى كذا : هل ترغب فيه ؟
تزكّى : تتزكى وتتطهر من الكفر والطغيان.
التفسير :
١٨- فقل هل لك إلى أن تزكّى.
إرشاد وتوجيه إلى حسن القول واللين في المخاطبة، والمعنى : هل لك يا فرعون في تطهير نفسك وتزكية روحك.
وأهديك : أدلّك.
فتخشى : فتخاف وتخشع.
التفسير :
١٩- وأهديك إلى ربك فتخشى.
وأرشدك إلى الإيمان بالله تعالى، وهو ربك وخالقك، وصاحب كل فضل ونعمة، وهذا الإيمان بالله والمعرفة به تجعلك في خشية له، وتوقير وتعظيم.
قال تعالى : إنما يخشى الله من عباده العلماء... ( فاطر : ٢٨ ).
فمن عرف الله أطاع أوامره، واجتنب نواهيه، والتزم بهدى السماء، وابتعد عن الكفر والطغيان.
روى الترمذي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( من خاف أدلج، ومن أدلج بلغ المنزل )vi.
وعن بعض الحكماء : اعرف الله، فمن عرف الله لم يقدر أن يعصيه طرفة عين.
الآية الكبرى : العلامة الدالة على صدقه في دعواه النبوة، وهي اليد والعصا.
التفسير :
٢٠- فأراه الآية الكبرى.
فقدم موسى لفرعون دليلا عمليا ناصعا، هو العصا تنقلب حيّة، فتبتلع كل ما أمامها، واليد يدخلها في جيبه، فتخرج بيضاء بياضا شديدا، يغلب نورها ضوء الشمس، أي قدّم موسى معجزات واضحات كدليل على أنه رسول من عند الله، فالمعجزة أمر خارق للعادة، يظهره الله على يد مدعي الرسالة، تصديقا له في دعواه، فهي بمثابة قول الحق سبحانه : صدق عبدي في كل ما يبلغ عنّي.
٢١- فكذّب وعصى.
أي : كذّب فرعون موسى عليه السلام ولم يصدّقه، وعصى ربه سبحانه، أو عصى داعية الإيمان، وفكرة التصديق.
أدبر : ترك موسى.
يسعى : في مكايدته، ويجد في الإفساد والمعارضة.
التفسير :
٢٢- ثم أدبر يسعى.
ولّى دبره لدعوة موسى معرضا عنه، ساعيا في جمع السحرة، أو جنوده وأعوانه.
فحشر : جمع السحرة الذين في بلاده.
التفسير :
٢٣- فحشر فنادى.
أرسل فرعون لدعوة السحرة السحرة من الصعيد الأعلى، أو دعا جنوده، أو جميع الناس في مملكته، فوقف فيهم خطيبا.
٢٤- فقال أنا ربكم الأعلى.
أي : لا رب فوقي، وكانت لهم أصنام يعبدونها.
النكال : العذاب.
الآخرة : يوم القيامة.
الأولى : الدنيا.
التفسير :
٢٥- فأخذه الله نكال الآخرة والأولى.
فأهلكه الله بالغرق في الدنيا، وبالحرق بالنار في الآخرة، ونكّل به تنكيلا شديدا، حيث لم يقبل منه الإيمان، وترك جثته تطفو على الساحل ليكون عظة وعبرة لكل ظالم.
فيما ذكر من قصة فرعون، وعدوانه وظلمه، ثم هلاكه وغرقه، لعبرة وموعظة لمن شأنه أن يخشى عاقبة الأمور، ويعتبر بأخبار السابقين، فيبتعد عن الظلم والعدوان، ويخشى عاقبة الكفار والطغيان.
﴿ أأنتم أشدّ خلقا أم السماء بناها ٢٧ رفع سمكها فسوّاها ٢٨ وأغطش ليلها وأخرج ضحاها ٢٩ والأرض بعد ذلك دحاها ٣٠ أخرج منها ماءها ومرعاها ٣١ والجبال أرساها ٣٢ متاعا لكم ولأنعمكم ٣٣ ﴾
المفردات :
رفع سمكها : جعل ثخنها مرتفعا نحو العلوّ.
فسوّاها : فجعلها مستوية الخلق بلا عيب.
التفسير :
٢٧، ٢٨- أأنتم أشد خلقا أم السماء بناها* رفع سمكها فسوّاها.
كانوا يستكثرون البعث بعد الموت والبلى، وهنا يواجه القرآن الخلق أجمعين بأدلة القدرة والإحكام، فالله تعالى خلق هذا الكون منذ بلايين السنين، وتركه فترة مناسبة ليكون صالحا لحياة الإنسان عليه.
وهنا يوجّه هذا السؤال، والمقصود به التحدّي : هل خلق الإنسان البسيط أكبر وأعقد أم خلق السماء العالية التي أوجدها الله القادر مرفوعة البناء، بعيدة الفناء، مستوية الأرجاء، مكللة بالكواكب في الليلة الظلماء ؟
فسوّاها. بوضع كل جرم في موضعه حسبما اقتضته الحكمة، وجعل السماء مستوية لا ارتفاع فيها ولا انخفاض.
﴿ أأنتم أشدّ خلقا أم السماء بناها ٢٧ رفع سمكها فسوّاها ٢٨ وأغطش ليلها وأخرج ضحاها ٢٩ والأرض بعد ذلك دحاها ٣٠ أخرج منها ماءها ومرعاها ٣١ والجبال أرساها ٣٢ متاعا لكم ولأنعمكم ٣٣ ﴾
المفردات :
رفع سمكها : جعل ثخنها مرتفعا نحو العلوّ.
فسوّاها : فجعلها مستوية الخلق بلا عيب.
التفسير :
٢٧، ٢٨- أأنتم أشد خلقا أم السماء بناها* رفع سمكها فسوّاها.
كانوا يستكثرون البعث بعد الموت والبلى، وهنا يواجه القرآن الخلق أجمعين بأدلة القدرة والإحكام، فالله تعالى خلق هذا الكون منذ بلايين السنين، وتركه فترة مناسبة ليكون صالحا لحياة الإنسان عليه.
وهنا يوجّه هذا السؤال، والمقصود به التحدّي : هل خلق الإنسان البسيط أكبر وأعقد أم خلق السماء العالية التي أوجدها الله القادر مرفوعة البناء، بعيدة الفناء، مستوية الأرجاء، مكللة بالكواكب في الليلة الظلماء ؟
فسوّاها. بوضع كل جرم في موضعه حسبما اقتضته الحكمة، وجعل السماء مستوية لا ارتفاع فيها ولا انخفاض.
أغطش ليلها : أظلمه.
أخرج ضحاها : أبرز نهارها المضيء بالشمس.
التفسير :
٢٩- وأغطش ليلها وأخرج ضحاها.
أظلم الله الليل، وزيّنه بالنجوم، وجعل الظلام حالكا لينام الناس، ويهدأ المتعب، ويهرب راغب الهرب.
كما أظهر الضّحى بالشمس الساطعة المنيرة ليعمل الناس، ويكسبوا ويسافروا، وينتقلوا وينتفعوا، ويطلق الضحى على النهار كله، وإضافة الضحى إلى السماء لأنه يحدث بسبب طلوع الشمس.
دحاها : بسطها وأوسعها لسكنى أهلها.
التفسير :
٣٠- والأرض بعد ذلك دحاها.
خلق الله الأرض في يومين، وخلق الجبال والبحار والأنهار في يومين، ثم خلق السماء في يومين، واستمر التحسين والإبداع والتكامل في خلق الكون، فمرّ الخلق بعدة مراحل :
- منها مرحلة الإيجاد.
- ثم مرحلة تكامل الخلق وصلاحيته للوجود، فالسماء شمّاء عالية، ملساء مستوية، بها النجوم والشموس والأقمار والملائكة والإبداع، والأرض بها البحار والنهار والنبات، والجبال والإنسان والحيوان، والحشرات والهوام، ومن إبداع الخلق دحو الأرض، وجعلها مستديرة منبعجة عند خط الاستواء، مفرطحة عند القطبين.
وقد استجاب الكون لقدرة القدير، فخلق السماء والأرض، وجعل الظلمات والنور، والكون كله دائر بين الخلق والجعل.
قال تعالى : الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور... ( الأنعام : ١ ).
قال تعالى : قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له أندادا ذلك رب العالمين* وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدّر فيها أقواتها في أربعة أيام سواء للسائلين* ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين* فقضاهن سبع سماوات في يومين وأوحى في كل سماء أمرها وزيّنا السماء الدنيا بمصابيح وحفظا ذلك تقدير العزيز العليم. ( فصلت : ٩-١٢ ).
مرعاها : أقوات الناس والدّواب.
التفسير :
٣١- أخرج منها ماءها ومرعاها.
أخرج من الأرض الماء بتفجير الينابيع والعيون، وعملية التبخر التي يتم فيها إرسال الشمس أشعتها على البحار الواسعة، فيتصاعد البخر إلى السماء، ويسخر الله الرياح فتسوق السحاب، ثم ينزل المطر لينتفع الإنسان والحيوان والنبات، ولتتكون العيون، وليحفظ جانب من الماء تحت الأرض، فيستخرجه الإنسان وينتفع به، فالماء فعلا من الأرض، والمطر أساسه بخر مرتفع من المحيطات الكائنة بالأرض.
وبالمطر تنبت المرعى وتخضرّ الأرض وتهتزّ، وتبتهج الحياة، ويستفيد الإنسان والحيوان، والحشرات والهوام.
الجبال أرساها : أثبتها في الأرض كالأوتاد.
التفسير :
٣٢- والجبال أرساها.
وأرسى الله الجبال، وجعلها راسية تمسك بتوازن الأرض، ليتمّ إعمار الأرض، ولتكون مأدبة الله في الأرض.
أي : جعل الله كل ذلك ليتمتع به الناس والأنعام.
قال تعالى : فلينظر الإنسان إلى طعامه* أنّا صببنا الماء صبا* ثم شققنا الأرض شقا* فأنبتنا فيها حبا* وعنبا وقضبا* وزيتونا ونخلا* وحدائق غلبا* وفاكهة وأبّا* متاعا لكم ولأنعامكم. ( عبس : ٢٤-٣٢ ).
والمعنى : أفلا يكون خالقكم، وخالق السماء، وخالق الأرض، وخالق الفضاء والهواء والكون قادرا على بعثكم ؟
﴿ فإذا جاءت الطّامّة الكبرى ٣٤ يوم يتذكّر الإنسان ما سعى ٣٥ وبرّزت الجحيم لمن يرى ٣٦ فأما من طغى ٣٧ وآثر الحياة الدنيا ٣٨ فإن الجحيم هي المأوى وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى٤٠ فإن الجنة هي المأوى ٤١ يسألونك عن الساعة أيّان مرساها ٤٢ فيم أنت من ذكراها ٤٣ إلى ربك منتهاها ٤٤ إنما أنت منذر من يخشاها ٤٥ كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا عشيّة أو ضحاها ٤٦ ﴾
المفردات :
الطامة الكبرى : الدّاهية العظمى، لأنها تطمّ وتغلب وتفوق ما عرفوه من دواهي الدنيا.
التفسير :
٣٤- فإذا جاءت الطّامّة الكبرى.
إذا ظهرت القيامة التي تغطّي أحداثها على كل شيء سواها، وسمّيت طامة لأنها تطمّ على أمر مفظع، من طمّ الشيء يطمّه طمّا، إذا غمره، وكل ما كثر وعلا حتى غلب فقد طمّ، وسمت بالكبرى لأنها أعظم الدواهي مطلقا.
٣٥- يوم يتذكّر الإنسان ما سعى.
في ذلك اليوم يتذكر الإنسان ما عمله من خير أو شرّ، بأن يشاهده مدونا في صحيفة أعماله.
قال تعالى : أحصاه الله ونسوه... ( المجادلة : ٦ ).
برّزت الجحيم : أظهرت إظهارا بيّنا.
التفسير :
٣٦- وبرّزت الجحيم لمن يرى.
ظهرت جهنم تتلظى، وتتلمظ غيظا على من عصى الله تعالى، فيراها المؤمن فيحمد الله على نجاته منها، ويراها الكافر غمّا إلى غمّه، وحسرة إلى حسرته.
فأما من طغى : جاوز الحدّ في العصيان والكفر.
التفسير :
٣٧، ٣٨- فأما من طغى* وآثر الحياة الدنيا.
فأما من تجاوز الحدّ في الطغيان والخروج على أوامر الله، وإيثار اللذائذ والشهوات، ولم يستعدّ للآخرة بأعمالها.
فأما من طغى : جاوز الحدّ في العصيان والكفر.
التفسير :
٣٧، ٣٨- فأما من طغى* وآثر الحياة الدنيا.
فأما من تجاوز الحدّ في الطغيان والخروج على أوامر الله، وإيثار اللذائذ والشهوات، ولم يستعدّ للآخرة بأعمالها.
هي المأوى : هي المرجع والمقام له، لا غيرها.
التفسير :
٣٩- فإن الجحيم هي المأوى.
فإن مأواه ومآله هو نار الجحيم، يصطلى بنارها، ويذوق حميمها وغسلينها، ويسام الذل والهوان فيها.
قال تعالى : كلما نضجت جلودهم بدّلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب... ( النساء : ٥٦ ).
٤٠، ٤١- وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى* فإن الجنة هي المأوى.
من راقب الله، واتّبع أوامره، واجتنب نواهيه، وتذكّر الوقوف أمامه للحساب والجزاء، فآثر الآخرة على الدنيا، ونهى نفسه عن هواها، ومشتهايتها من الزنا أو السرقة أو الخمر أو أيّ معصية، فإن مآله الجنة، هي مأواه ومستقره، يقيم فيها خالدا مخلّدا أبدا، يتمتع فيها بالنعيم المقيم، ورضوان الله رب العالمين.
٤٠، ٤١- وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى* فإن الجنة هي المأوى.
من راقب الله، واتّبع أوامره، واجتنب نواهيه، وتذكّر الوقوف أمامه للحساب والجزاء، فآثر الآخرة على الدنيا، ونهى نفسه عن هواها، ومشتهايتها من الزنا أو السرقة أو الخمر أو أيّ معصية، فإن مآله الجنة، هي مأواه ومستقره، يقيم فيها خالدا مخلّدا أبدا، يتمتع فيها بالنعيم المقيم، ورضوان الله رب العالمين.
أيان مرساها : متى يقيمها الله ويثبتها.
فيم أنت من ذكراها : ليس علمها إليك ولا إلى أحد من الخلق.
التفسير :
٤٢، ٤٣، ٤٤- يسألونك عن الساعة أيّان مرساها* فيم أنت من ذكراها* إلى ربك منتهاها.
كان الكفار يكثرون السؤال عن الساعة، بعد أن تحدّث القرآن الكريم عن القيامة، والحاقة، والطامة الكبرى، والصاخّة، والواقعة، فكانوا يتساءلون : متى تأتي ؟ ومتى يكون وقتها ؟
وكانوا يسألون عنها سؤال المنكر لمجيئها، المستهزئ بوقوعها، المتشكك في حصولها أو حصول أهوالها، فكانوا يقولون للنبي صلى الله عليه وسلم : متى تكون الساعة ؟ vii
وعلم الساعة غيب لا يعلم إلا الله.
قال تعالى : إن الله عنده علم الساعة وينزّل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري بأي أرض تموت إن الله عليم خبير. ( لقمان : ٣٤ ).
وفي صحيح البخاري أن جبريل جاء للنبي صلى الله عليه وسلم في صورة أعرابي، فسأله عن الإسلام، ثم الإيمان، ثم عن الإحسان، ثم عن الساعة، فقال صلى الله عليه وسله :( ما المسئول عنها بأعلم من السائل ). viii.
لقد أرسلناك لتدعو الناس إلى العمل للآخرة، وأنت بشر لا علم لك بأمور الغيب، ولا تستطيع أن تذكر لهم موعد الساعة، ولا وقت مجيئها.
قال تعالى : ثقلت في السماوات والأرض لا تأتيكم إلا بغتة يسألونك كأنك حفيّ عنها قل إنما علمها عند الله ولكن أكثر الناس لا يعلمون* قل لا أملك لنفسي نفعا ولا ضرّا إلا ما شاء الله ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسّني السوء إن أنا إلا نذير وبشير لقوم يؤمنون. ( الأعراف : ١٨٧، ١٨٨ ).
وقال تعالى : إنّ الساعة آتية أكاد أخفيها لتجزي كل نفس بما تسعى. ( طه : ١٥ ).
إلى الله تعالى وحده منتهى علم الساعة، ومعرفة وقتها، وليس ذلك لأحد من البشر كائنا من كان.
إنما أرسلك الله لتخوّف الناس من عذاب يوم القيامة، ولترشدهم للعمل والاستعداد لذلك اليوم.
قال صلى الله عليه وسلم :( بعثت أنا والساعة كهاتين ). وقرن بين أصبعيه الوسطى والسبابة. ix.
وقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الساعة، فقال للسائل :( وماذا أعددت لها ) ؟ فقال الرجل : ما أعددت لها كثير صلاة، ولا كثير صيام، ولكني أحب الله ورسوله، فقال صلى الله عليه وسلم :( يحشر المرء يوم القيامة مع من أحب )x.
أي : إن الساعة قادمة، وقدومها مؤكد، وكل آت قريب، وحين يشاهدونها ويرون أهوالها، يتيقنون أن المدة التي مكثوها في قبورهم لم تكن إلا عشية يوم أو ضحاه.
والعشية : من الزوال إلى الغروب.
والضحى : من طلوع الشمس إلى الزوال.
والمراد أنهم يستقصرون مدة المكث في الدنيا، حتى كأنها كانت عشية من يوم أو ضحاه.
قال تعالى : كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعة من نهار... ( الأحقاف : ٣٥ ).
وتنتهي الحياة الدنيا قصيرة جدا، حتى كأنها عشية يوم أو ضحاه، أفمن أجل وقت قصير يضحّي الناس بالقيامة، أي بالآخرة وما فيها من نعيم أبدي في الجنة، أو جحيم أبدي في النار ؟
i ورد هذا المعنى في سورة الزمر في الآية ٦٨ حيث يقول سبحانه ﴿ ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون ﴾.
ii يرحم الله موسى لقد أوذي :
رواه البخاري في أحاديث الأنبياء ( ٣٤٠٥ ) وفي الدعوات ( ٦٣٣٦ ) وأحمد في مسنده ( ٣٨٩٢ ) من حديث عبد الله بلفظ :
( يرحم الله موسى لقد أوذي بأكثر من هذا فصبر... ) الحديث.
iii طوى : علم للوادي، وهو واد بأسفل جبل طور سيناء.
iv إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه :
رواه البخاري في بدء الخلق ( ٣٢٠٨ ) وفي أحاديث الأنبياء ( ٣٣٣٢ ) وفي القدر ( ٦٥٩٤ ) ومسلم في كتاب القدر ( ٢٦٤٣ ) والترمذي في القبر ( ٢١٣٧ ) وابن ماجة في المقدمة ( ٧٦ ) وأحمد في مسنده ( ٣٦١٧ ) من حديث عبد الله بن مسعود بلفظ :( إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه في أربعين يوما ثم يكون... ) الحديث.
v تفسير جزء عم للشيخ محمد عبده، دار ومطابع الشعب ص ١١ وقد ورد هذا المعنى في تفسير القرطبي، وغيره من كتب التفسير.
vi من خاف أدلج :
رواه الترمذي في صفة القيامة والرقائق ( ٢٤٥٠ ) من حديث أبي هريرة بلفظ :( من خاف أدلج، ومن أدلج بلغ المنزل، ألا إن سلعة الله... ) الحديث.
vii متى الساعة :
رواه أحمد في مسنده ( ١٢٢٨١ ) من حديث أنس بن مالك بلفظ : متى الساعة ؟ فقال رسول الله : و ( ما أعددت لها ) ؟ فقال الأعرابي... ) الحديث.
viii ما المسئول عنها بأعلم من السائل :
رواه البخاري في الإيمان ( ٥٠ )، وفي تفسير القرآن ( ٤٧٧٧ )، ومسلم في الإيمان ( ٨، ٩ )، والترمذي في الإيمان ( ٢٦١٠ )، والنسائي في الإيمان ( ٤٩٩٠، ٤٩٩١ )، وأبو داود في السنة ( ٤٦٩٥ )، وابن ماجة في المقدمة ( ٦٣، ٦٤ )، وأحمد ( ٣٦٩، ٣٧٦، ٥٨٢٢، ٦١٢١ ) من حديث أبي هريرة، ومن حديث عمر بن الخطاب. وقال الترمذي : حديث حسن صحيح.
ix بعثت أنا والساعة هكذا :
رواه أحمد في مسنده ( ١٣٩٢٤، ١٤٠٢٢، ١٤٥٦٦ ) والنسائي في صلاة العيدين ( ١٥٧٨ ) والدارمي في المقدمة ( ٢٠٦ ) وابن ماجة في المقدمة ( ٤٥ ) من حديث جابر بن عبد الله قال : خطبنا رسول الله فحمد الله وأثنى عليه بما هو له أهل ثم قال :( أما بعد، فإن أصدق الحديث كتاب الله، وإن أفضل الهدي هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة ). ثم يرفع صوته وتحمر وجنتاه ويشتد غضبه إذا ذكر الساعة كأنه منذر جيش، قال : ثم يقول :( أتتكم الساعة، بعثت أنا والساعة هكذا –وأشار بأصبعيه السبابة والوسطى- صبحتكم الساعة ومستكم، من ترك مالا فلأهله ومن ترك دينا أو ضياعا فإليّ وعليّ ). والضياع يعني ولده المساكين.
ورواه أحمد في مسنده ( ٢٢٤٣٨ ) من حديث بريدة قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول :( بعثت أنا والساعة جميعا إن كادت لتسبقني ).
x متى الساعة :
تقدم تخريجه، انظر هامش ( ١٠ ).