ﰡ
﴿ لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكّين حتى تأتيهم البيّنة ١ رسول من الله يتلوا صحفا مطهرة ٢ فيها كتب قيّمة ٣ وما تفرق الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءتهم البينة ٤ وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيّمة ﴾.
كان الكافرون من الفريقين وهم أهل الكتاب من اليهود والنصارى، وعبدة الأوثان المشركون، يقولون قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم : لا ننفكّ مما نحن عليه من ديننا ولا نتركه حتى يبعث النبي الموعود الذي هو مكتوب في التوراة والإنجيل وهو محمد صلى الله عليه وسلم. فحكى الله ما كانوا يقولون، وهو قوله سبحانه :﴿ لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين ﴾ يعني لم يكن هؤلاء الكفار منتهين عن كفرهم أو مائلين عما هم فيه من العبادة الباطلة حتى يتبين لهم الحق وهو أن تأتيهم البينة وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقد فسره بقوله :﴿ رسول من الله يتلوا صحفا مطهرة ﴾.
إنه ما إن بعث محمد إلى الناس رسولا حتى بادره أهل الكتاب – اليهود والنصارى- بالجحد والصد والعدوان والتشكيك، وليس لهم في ذلك من حجة أو سبب إلا الحقد والحسد، فضلا عن فساد الطبائع المعوجة التي استحوذ عليها المرض والضلال.
٢ تفسير الرازي جـ ٣٢ ص ٤٦ والكشاف جـ ٤ ص ٢٧٤ وتفسير الطبري جـ ٣٠ ص ١٧٠..
ذلك إخبار من الله عن مصائر البشرية يوم القيامة. فمآل الكافرين من أهل الكتاب والمشركين من عبدة الأوثان على اختلاف أنواعها وأجناسها وأصنافها وصورها ﴿ في نار جهنم خالدين فيها ﴾ خالدين منصوب على الحال١ فهم ماكثون في النار لا يخرجون منها. ولا يزولون، يتقاحمون فيها كما تتقاحم القردة ﴿ أولئك هم شر البرية ﴾ أي شر الخليقة التي برأها الله. أما مآل المؤمنين العاملين الصالحات فهو الجنة حيث النعيم المقيم. وهو قوله :﴿ إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية ﴾.
قوله :﴿ رضي الله عنهم ﴾ أي رضي أعمالهم بما أطاعوه في الدنيا، إذ أفردوه بالعبادة وأذعنوا له بالخضوع والاستسلام ﴿ ورضوا عنه ﴾ أي رضوا بما أعطاهم من حسن الثواب وبما جزاهم على طاعتهم له من الكرامة.
قوله :﴿ ذلك لمن خشي ربه ﴾ هذا الوعد الكريم من الله بعطاء المؤمنين وتخويلهم حسن الثواب والجزاء ﴿ لمن خشي ربه ﴾ أي لمن خاف ربه في الدنيا في السر والعلن فبادر لطاعته وأداء فرائضه واجتناب نواهيه١.