ﰡ
مكية على الأشهر، وقيل: مدنية، وآيها: ثماني آيات، وحروفها: أربع مئة وثلاثة أحرف، وكلمها: أربع وتسعون كلمة.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
﴿لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ (١)﴾.[١] ﴿لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ﴾ وهم اليهود والنصارى، وتعطف على ﴿أَهْلِ﴾ ﴿وَالْمُشْرِكِينَ﴾ وهم عبدة الأوثان، فـ (الذين) اسم كان، وخبرها ﴿مُنْفَكِّينَ﴾ أي: زائلين عما هم عليه من الدين.
﴿حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ﴾ الحجة الواضحة، وهو محمد - ﷺ -؛ أي: تمسكوا بدينهم إلى أن بُعث - ﷺ -، فدعاهم إلى الإيمان، وأنقذهم من الضلال، وهذه الآية فيمن آمن من الفريقين.
...
﴿رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفًا مُطَهَّرَةً (٢)﴾.
[٢] ثم فسر البينة فقال: ﴿رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ يَتْلُو﴾ يقرأ (١) ﴿صُحُفًا﴾ كتبًا
...
﴿فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ (٣)﴾.
[٣] ﴿فِيهَا﴾ أي: في ﴿كُتُبٌ﴾ أي: أحكام مكتوبة ﴿قَيِّمَةٌ﴾ مستقيمة.
...
﴿وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ (٤)﴾.
[٤] ثم بين تعالى أن اختلافهم إنما وقع بعد بعثه - ﷺ -، فقال: ﴿وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ﴾ في أمر محمد - ﷺ - ﴿إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ﴾ أي: بعدما رأوا الآيات الواضحة، وكانوا من قبل متفقين على نبوته وصفته، فلما جاء من العرب، حسدوه، واختلفوا في أمره، فآمن بعضهم، وكفر آخرون.
...
﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ (٥)﴾.
[٥] ﴿وَمَا أُمِرُوا﴾ هؤلاء الكفار ﴿إِلَّا لِيَعْبُدُوا﴾ أي: بأن يعبدوا ﴿اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ﴾ لا يشركون به شيئًا ﴿حُنَفَاءَ﴾ مستقيمين؛ أي: ما أُمروا في كتابيهما إلا بهذا الوصف، و (مُخْلِصِينَ) و (حُنَفَاءَ) نصب على الحال من ضمير (يَعْبُدُوا).
﴿وَذَلِكَ دِينُ﴾ الملةِ ﴿الْقَيِّمَةِ﴾ أَي: المستقيمة.
...
﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ (٦)﴾.
[٦] ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا﴾ يوم القيامة.
﴿أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ﴾ والبرية: جميع الخلق؛ لأن الله تعالى برأهم؛ أي: أوجدهم بعد العدم.
...
﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ (٧)﴾.
[٧] ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ﴾ قرأ نافع، وابن ذكوان عن ابن عامر: (الْبَرِيئَةِ) في الحرفين بالهمز والمد على الأصل؛ لأنه من برأ الله الخلق كما تقدم، وقرأ الباقون: بياء مشددة أبدل من الهمزة ياء تخفيفًا، ثم أدغمت في الياء (١).
...
[٨] ﴿جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ﴾ أي: سُكْنى جنات ﴿عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ﴾ والعدن: الإقامة والدوام، وقال ابن مسعود: "عدن: بطنانُ الجنة"؛ أي: وسطها (١).
﴿خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا﴾ تأكيدًا للخلود بالتأبيد ﴿رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ﴾ [ورضاه: هو ما أظهره عليهم من أمارات رحمته وغفرانه] (٢) ﴿وَرَضُوا عَنْهُ﴾ ورضاهم: هو الرضا بما قسم لهم من الأرزاق والأقدار.
﴿ذَلِكَ﴾ المذكور من الجزاء والرضوان ﴿لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ﴾ وخص أهل (٣) الخشية بالذكر؛ لأنها رأس كل بركة، تنهى عن المعاصي، وتأمر بالمعروف. قرأ قالون عن نافع بخلاف عنه: (رَبَّهُ) باختلاس ضمة الهاء حالة الوصل بالبسملة، والله أعلم.
* * *
(٢) ما بين معكوفتين زيادة من "ت".
(٣) "أهل" زيادة من "ت".