تفسير سورة المنافقون

إعراب القرآن و بيانه
تفسير سورة سورة المنافقون من كتاب إعراب القرآن وبيانه المعروف بـإعراب القرآن و بيانه .
لمؤلفه محيي الدين الدرويش . المتوفي سنة 1403 هـ

(٦٣) سورة المنافقون مدنيّة وآياتها إحدى عشرة
[سورة المنافقون (٦٣) : الآيات ١ الى ٣]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ قالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ (١) اتَّخَذُوا أَيْمانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ ساءَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (٢) ذلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ (٣)
الإعراب:
(إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ قالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ) إذا ظرف لما يستقبل من الزمن خافض لشرطه منصوب بجوابه وجملة جاءك في محل جر بإضافة الظرف إليها والمنافقون فاعل جاءك وجملة قالوا لا محل لها لأنها جواب الشرط وهي عاملة في الظرف وجملة نشهد مقول القول وإن واسمها وكسرت همزة إن لدخول اللام المزحلقة على خبرها ورسول الله خبر إن. ومعنى نشهد نحلف فهو يجري مجرى القسم (وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ) الواو للاعتراض والله مبتدأ وجملة يعلم خبر والجملة معترضة بين قولهم
نشهد إنك لرسول الله وبين قوله والله يشهد، وإن واسمها واللام المزحلقة ورسوله خبر وإن وما بعدها سدّت مسدّ مفعولي يعلم وإنما كسرت همزتها لوقوع اللام داخلة على الخبر والله مبتدأ وجملة يشهد خبر وإن واسمها واللام المزحلقة وكاذبون خبرها (اتَّخَذُوا أَيْمانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ) اتخذوا فعل وفاعل وأيمانهم مفعول به أول وهو جمع يمين وجنة مفعول به ثان أي وقاية وترسا والجملة مستأنفة مسوقة لبيان كذبهم وحلفهم عليه وعبّر عن الحلف بالشهادة لأن كل واحد منهما إثبات لأمر معين والفاء عاطفة وصدّوا فعل وفاعل وعن سبيل الله متعلقان بصدّوا (إِنَّهُمْ ساءَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) إن واسمها وجملة ساء خبر وما فاعل ساء وجملة كانوا صلة وكان واسمها وجملة يعملون خبر كان (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ) ذلك مبتدأ والباء حرف جر وأن ومدخولها في محل جر بالباء والجار والمجرور خبر ذلك أي بسبب إيمانهم ثم كفرهم والفاء حرف عطف وطبع فعل ماض مبني للمجهول ونائب الفاعل مستتر تقديره هو وعلى قلوبهم متعلقان بطبع والفاء حرف عطف وهم مبتدأ وجملة لا يفقهون خبر.
[سورة المنافقون (٦٣) : الآيات ٤ الى ٦]
وَإِذا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (٤) وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُؤُسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ (٥) سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ (٦)
97
الإعراب:
(وَإِذا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ) الواو عاطفة وإذا ظرف لما يستقبل من الزمن وجملة رأيتهم في محل جر بإضافة الظرف إليها والظرف متعلق بالجواب وهو تعجبك وجملة تعجبك أجسامهم لا محل لها لأنها جواب شرط غير جازم والواو عاطفة وإن شرطية ويقولوا فعل الشرط وعلامة جزمه حذف النون والواو فاعل وتسمع جواب الشرط ولقولهم متعلقان بتسمع ولا بدّ من تضمين تسمع معنى تصغي وتميل تبريرا لتعديته باللام (كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ) الجملة مستأنفة أو خبر لمبتدأ محذوف أو حالية من الضمير في قولهم، وكأن واسمها وخبرها ومسندة نعت لخشب وفي المصباح» الخشب معروف الواحدة خشبة والخشب بضمتين وإسكان الثاني» (يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ) الجملة مستأنفة أيضا ويحسبون فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو فاعل وكل صيحة مفعول به أول وعليهم متعلقان بمحذوف مفعول به ثان ليحسبون أي كائنة عليهم وهم مبتدأ والعدو خبر والجملة مستأنفة والفاء الفصيحة أي إن عرفت صفتهم وماهية أحوالهم فاحذرهم، ويجوز أن يكون المفعول الثاني ليحسبون قوله هم العدو ويكون قوله عليهم متعلقان بصيحة أو صفة لها (قاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ) قاتلهم فعل ومفعول به والله فاعل وأنّى بمعنى كيف فهو اسم استفهام في موضع نصب على الحال ويؤفكون فعل مضارع مبني للمجهول. ومعنى قاتلهم الله لعنهم (وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُؤُسَهُمْ) الواو عاطفة وإذا ظرف مستقبل وجملة قيل في محل جر بالإضافة إليها ونائب الفاعل مستتر ولهم متعلقان بقيل وتعالوا
98
فعل أمر مبني على حذف النون والواو فاعل والجملة مقول القول ويستغفر جواب الأمر مجزوم بالسكون، ولكم متعلقان بيستغفر ورسول الله فاعل والواو فعل ماض والواو فاعل وقرىء بالتخفيف أي عطفوا رؤوسهم وأمالوها ورءوسهم مفعول به والجملة لا محل لها لأنها جواب إذا. وعبارة السمين «وهذه المسألة عدّها النحاة من الأعمال وذلك أن تعالوا يطلب رسول الله مجرورا بإلى أي تعالوا إلى رسول الله ويستغفر يطلبه فاعلا فأعمل الثاني ولذلك رفعه وحذف الأول إذ التقدير تعالوا إليه ولو أعمل الأول لقيل إلى رسول الله فيضمر في يستغفر فاعل ويمكن أن يقال ليست هذه من الأعمال في شيء لأن قوله تعالوا أمر بالإقبال من حيث هو لا بالنظر إلى مقبل عليه» (وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ) الواو عاطفة ورأيتهم فعل ماض وفاعل ومفعول به والرؤية بصرية وجملة يصدّون حال من الهاء في رأيتهم وجملة وهم مستكبرون حال من الواو في يصدّون (سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ) سواء خبر مقدّم وعليهم متعلقان بسواء والهمزة للتسوية وقد تقدم بحثها وهي مؤولة مع ما بعدها بمصدر مبتدأ مؤخر وقد استغنى بهمزة الاستفهام عن همزة الوصل أي سواء استغفارك وعدمه، ولهم متعلقان باستغفرت وأم هي المعادلة لهمزة التسوية ولم حرف نفي وقلب وجزم وتستغفر فعل مضارع مجزوم بلم ولهم متعلقان بتستغفر (لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ) لن حرف نفي ونصب واستقبال ويغفر فعل مضارع منصوب بلن والله فاعل ولهم متعلقان بتغفر وإن واسمها وجملة لا يهدي خبرها والقوم مفعول به والفاسقين نعت.
البلاغة:
في قوله: كأنهم خشب مسنّدة تشبيه مرسل تمثيلي فالمشبه هم أي رؤساء المنافقين من المدينة وكانوا يحضرون مجلس النبي صلّى الله
99
عليه وسلم ويستندون فيه إلى الجدر وكان النبي ومن حضر يتعجبون من هياكلهم المنصوبة، والمشبه به هو الخشب المنصوبة المسندة إلى الحائط، ووجه الشبه كون الجانبين أشباحا خالية عن العلم والنظر على حدّ قول حسان:
لا بأس بالقوم من طول ومن عظم جسم البغال وأحلام العصافير
وفي قوله: «يحسبون كل صيحة عليهم» تشبيه تمثيلي أيضا أي أنهم لجبنهم وهلع نفوسهم واضطراب قلوبهم إذا نادى مناد في المعسكر أو انفلتت دابة أو أنشدت ضالة وجفت قلوبهم، وزايلهم رشدهم وحسبوا أن هناك شرّا يتربص بهم وكيدا ينتظر الإيقاع بأرواحهم، وقد رمق الأخطل سماء هذا المعنى فقال:
ما زلت تحسب كلّ شيء بعدهم خيلا تكرّ عليهم ورجالا
يقول الأخطل: لا زلت يا جرير تظن كل شيء بعد خذلان قومك خيلا تكرّ أي ترجع بسرعة عليهم لكثرة ما يساورك من الخوف، وغلا المتنبي في هذا المعنى فقال:
وضاقت الأرض حتى صار هاربهم إذا رأى غير شيء ظنه رجلا
ويمكن أن يقال أن وجه الشبه هو عزوب أحلامهم وفراغ قلوبهم من الإيمان ولم يكتف بالتشبيه بالخشب بل جعلها مسندة إلى الحائط للانتفاع بها لأنها إذا كانت في سقف أو مكان ينتفع بها.
[سورة المنافقون (٦٣) : الآيات ٧ الى ١١]
هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لا تُنْفِقُوا عَلى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا وَلِلَّهِ خَزائِنُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلكِنَّ الْمُنافِقِينَ لا يَفْقَهُونَ (٧) يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلكِنَّ الْمُنافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ (٨) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (٩) وَأَنْفِقُوا مِنْ ما رَزَقْناكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ (١٠) وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْساً إِذا جاءَ أَجَلُها وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (١١)
100
الإعراب:
(هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لا تُنْفِقُوا عَلى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا) كلام مستأنف جار مجرى التعليل لفسقهم، وهم مبتدأ والذين خبر وجملة يقولون صلة الذين ولا الناهية وتنفقوا فعل مضارع مجزوم بلا والواو فاعل والجملة مقول القول وعلى من جار ومجرور متعلقان بتنفقوا والظرف متعلق بمحذوف لا محل له من الإعراب لأنه صلة من ورسول الله مضاف إليه وحتى حرف تعليل ونصب وينفضّوا فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد حتى والمعنى لأجل أن ينفضّوا أي يذهب كل واحد منهم لطيته وشغله (وَلِلَّهِ خَزائِنُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) الواو حالية ولله خبر مقدم وخزائن السموات والأرض مبتدأ مؤخر والجملة نصب على الحال (وَلكِنَّ الْمُنافِقِينَ لا يَفْقَهُونَ) لكن واسمها وجملة لا يفقهون
101
خبرها (يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ) كلام معطوف في المعنى على يقولون قبله لأن سبب المقالتين واحد واللام موطئة للقسم وإن شرطية ورجعنا فعل ماض في محل جزم فعل الشرط وإلى المدينة متعلقان برجعنا، واللام واقعة في جواب القسم ويخرجن فعل مضارع مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الثقيلة وجوبا والأعزّ فاعله والأذل مفعوله، أرادوا بالأعز أنفسهم وبالأذل محمدا صلّى الله عليه وسلم، ومنها متعلقان بيخرجن (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلكِنَّ الْمُنافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ) الواو حالية ولله خبر مقدم والعزّة مبتدأ مؤخر ولرسوله عطف على لله، ولكن الواو عاطفة ولكن واسمها وجملة لا يعلمون خبرها (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ) يا حرف نداء للمتوسط وأي منادى نكرة مقصودة مبني على الضم في محل نصب والهاء للتنبيه والذين بدل وجملة آمنوا صلة ولا ناهية وتلهكم فعل مضارع مجزوم بلا وعلامة جزمه حذف حرف العلة وأموالكم فاعل ولا أولادكم عطف على أموالكم وعن ذكر الله متعلقان بتلهكم (وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ) الواو عاطفة ومن اسم شرط جازم في محل رفع مبتدأ وذلك مفعول به والفاء رابطة لجواب الشرط وأولئك مبتدأ وهم مبتدأ ثان أو ضمير فصل والخاسرون خبر أولئك أو خبرهم والجملة خبر أولئك وجملة فأولئك إلخ في محل جزم جواب الشرط وفعل الشرط وجوابه خبر من (وَأَنْفِقُوا مِنْ ما رَزَقْناكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ) الواو عاطفة وأنفقوا فعل أمر مبني على حذف النون والواو فاعل ومما متعلقان بأنفقوا ومن تبعيضية والمراد الإنفاق الواجب وجملة رزقناكم لا محل لها لأنها صلة ومن قبل حال وأن وما في حيّزها في تأويل مصدر مجرور بالإضافة وأحدكم مفعول به مقدّم والموت مبتدأ مؤخر (فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ) الفاء العاطفة السببية لأنه مسبّب عن أن يأتي، ويقول
102
فعل مضارع معطوف على أن يأتي والفاعل مستتر يعود على أحدكم ولولا تحضيضية بمعنى هلّا وأخّرتني فعل ماض مبني على السكون ولكنه بمعنى المضارع لأن لولا التحضيضية تختص بالماضي المؤول بالمضارع إذ لا معنى لطلب التأخير في الزمن الماضي والتاء فاعل والنون للوقاية والياء مفعول به وإلى أجل متعلقان بأخّرتني وقريب نعت والفاء في فأصدّق عاطفة وأكن فعل مضارع مجزوم بالعطف على محل فأصدّق فكأنه قيل إن أخّرتني أصدّق وأكن، وقرىء بنصب أكون وإثبات الواو فتكون الواو للسببية وأصدّق منصوب بأن مضمرة بعد فاء السببية في جواب الطلب أي التحضيض، واسم أكن مستتر تقديره أنا ومن الصالحين خبرها (وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْساً إِذا جاءَ أَجَلُها وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ) الواو عاطفة والكلام معطوف على مقدّر أي فلا يؤخر هذا الأحد المتمنّي لأنه لا يؤخر نفسا إذا جاء أجلها أية كانت. ولن حرف نفي ونصب واستقبال ويؤخر فعل مضارع منصوب بلن والله فاعل ونفسا مفعول به وإذا ظرف مستقبل متضمن معنى الشرط وجملة جاء أجلها في محل جر بإضافة الظرف إليها والجواب محذوف دلّ عليه ما قبله أي فلن يؤخر نفسا حان حينها والله مبتدأ وخبير خبر وبما متعلقان بخبير وجملة تعملون صلة ما وقرىء يعملون بالياء.
البلاغة:
في قوله «يقولون لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعزّ منها الأذل» فن يسمى القول بالموجب، وهو أن يخاطب المتكلم مخاطبا بكلام فيعمد المخاطب إلى كل كلمة مفردة من كلام المتكلم فيبني عليها من كلامه وما يوجب عكس معنى المتكلم لأن حقيقة القول بالموجب ردّ الخصم كلام خصمه من فحوى كلامه فإن موجب قول
103
المنافقين الآنف الذكر في الآية إخراج الرسول المنافقين من المدينة وقد كان ذلك، ألا ترى أن الله تعالى قال على إثر ذلك: «ولله العزّة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون» ومن أمثلته قول ابن حجاج البغدادي:
قلت: ثقلت إذ أتيت مرارا... قال: ثقلت كاهلي بالأيادي
قلت: طولت قال لي: بل تطو... لت وأبرمت قال: حبل ودادي
104
Icon