تفسير سورة قريش

تفسير الألوسي
تفسير سورة سورة قريش من كتاب روح المعاني المعروف بـتفسير الألوسي .
لمؤلفه الألوسي . المتوفي سنة 1342 هـ
سورة قريش
ويقال سورة لإيلاف قريش وهي مكية في قول الجمهور مدنية في قول الضحاك وابن السائب وآيها خمس في الحجازي وأربع في غيره ومناسبتها لما قبلها أظهر من أن تخفي بل قالت طائفة انهما سورة واحدة واحتجوا عليه بان أبي بن كعب لم يفصل بينهما في مصحفه بالبسملة بما روى عن عمرو بن ميمون الازدي قال صليت المغرب خلف عمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنه فقرأ في الركعة الاولى واتين وفي الثانية الم تر ولإيلاف قريش من غير ان يفصل بالبسملة وأجيب بان جمعا أثبتوا الفصل في مصحف أبي والمثبت مقدم على النافي وبأن خبر بن ميمون ان سلمت صحته محتمل لعدم سماعه ولعله قرأها سرا ويدل على كونها سورة مستقلة ما أخرج البخاري في تاريخه والطبراني والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في الخلافيات عن أم هانئ بنت أبي طالب أن رسول اله صلى الله تعالى عليه وسلم قال فضل الله تعالى قريشا بسبع خصال لم يعطها أحد قبلهم ولا يعطاها أحد بعدهم أني فيهم وفي لفظ النبوة فيهم والخلافة فيهم والحجابة فيهم والسقاية فيهم ونصروا على الفيل وعبدوا الله تعالى سبع سنين وفي لفظ عشر سنين لم يعبده سبحانه أحد غيرهم ونزلت فيهم سورة من القرآن لم يذكر فيا أحد غيرهم لإيلاف قريش وجاء نحو هذا الأخير في خبرين آخرين أحدهما عن الزبير بن اعوام يرفعه والثاني عن سعيد بن المسيب عنه صلى الله تعالى عليه وسلم ويؤيد الاستقلال كون آيها ليست على نمط آي ما قبلها وأنت تعلم انه بعد ثبوت تواثر الفصل لا يحتاج الى شيء مما يذكر.

سورة قريش
ويقال سورة لإيلاف قريش، وهي مكية في قول الجمهور مدنية في قول الضحاك وابن السائب، وآيها خمس في الحجازي وأربع في غيره، ومناسبتها لما قبلها أظهر من أن تخفى بل قالت طائفة إنهما سورة واحدة واحتجوا عليه بأن أبيّ بن كعب لم يفصل بينهما في مصحفه بالبسملة بما روي عن عمرو بن ميمون الأزدي قال: صليت المغرب خلف عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه فقرأ في الركعة الأولى والتين، وفي الثانية ألم تر ولإيلاف قريش من غير أن يفصل بالبسملة، وأجيب بأن جمعا أثبتوا الفصل في مصحف أبيّ والمثبت مقدم على النافي، وبأن خبر ابن ميمون إن سلمت صحته محتمل لعدم سماعه ولعله قرأها سرا، ويدل على كونها سورة مستقلة ما
أخرج البخاري في تاريخه والطبراني والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في الخلافيات عن أم هانىء بنت أبي طالب أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال: «فضل الله تعالى قريشا بسبع خصال لم يعطها أحد قبلهم ولا يعطاها أحد بعدهم: أني فيهم وفي لفظ النبوة فيهم، والخلافة فيهم، والحجابة فيهم، والسقاية فيهم، ونصروا على الفيل، وعبدوا الله تعالى سبع سنين. وفي لفظ عشر سنين لم يعبده سبحانه أحد غيرهم، ونزلت فيهم سورة من القرآن لم يذكر فيها أحد غيرهم لإيلاف قريش». وجاء نحو هذا الأخير في خبرين آخرين أحدهما عن الزبير بن العوام يرفعه والثاني عن سعيد بن المسيب عنه صلّى الله عليه وسلم
ويؤيد الاستقلال كون آيها ليست على نمط آي ما قبلها وأنت تعلم أنه بعد ثبوت تواتر الفصل لا يحتاج إلى شيء مما ذكر.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ لِإِيلافِ قُرَيْشٍ الإيلاف على ما قال الخفاجي مصدر ألفت الشيء وآلفته من الإلف وهو كما قال الراغب اجتماع مع التئام. وقال الهروي في الغريبين: الإيلاف عهود بينهم وبين الملوك فكان هاشم يؤالف ملك الشام والمطلب كسرى وعبد شمس ونوفل يؤالفان ملك مصر والحبشة. قال: ومعنى يؤالف يعاهد ويصالح، وفعله آلف على وزن فاعل، ومصدره إلاف بغير ياء بزنة قبال أو ألف الثلاثي ككتب كتابا، ويكون الفعل منه أيضا على وزن أفعل مثل آمن ومصدره إيلاف كإيمان، وحمل الإيلاف على العهود
470
خلاف ما عليه الجمهور كما لا يخفى على المتتبع. وفي البحر إيلاف مصدر آلف رباعيا وإلاف مصدر ألف ثلاثيا يقال: ألف الرجل الأمر ألفا وآلافا وآلف غيره إياه وقد يأتي آلف متعديا لواحد كألف ومنه قوله:
من المؤلفات الرمل أدماء حرة شعاع الضحى في جيدها يتوضح
وسيأتي إن شاء الله تعالى ما في ذلك من القراءات وقريش ولد النضر بن كنانة وهو أصح الأقوال وأثبتها عند القرطبي. قيل: وعليه الفقهاء لظاهر ما
روي أنه عليه الصلاة والسلام سئل من قريش فقال: «من ولد النضر»
وقيل ولد فهر ابن مالك بن النضر وحكي ذلك عن الأكثرين، بل قال الزبير بن بكار أجمع النسابون من قريش وغيرهم على أن قريشا إنما تفرقت عن فهر واسمه عند غير واحد قريش وفهر لقبه ويكنى بأبي غالب. وقيل ولد مخلد بن النضر وهو ضعيف.
وفي بعض السير أنه لا عقب للنضر بن كنانة إلّا مالك وأضعف من ذلك بل هو قول رافضي يريد به نفي حقية خلافة الشيخين أنهم ولد قصي بن حكيم، وقيل: عروة المشهور بلقبه كلاب لكثرة صيده أو لمكالبته أي مواثبته في الحرب للأعداء. نعم قصي جمع قريشا في الحرم حتى اتخذوه مسكنا بعد أن كانوا متفرقين في غيره وهذا الذي عناه الشاعر بقوله:
أبونا قصي كان يدعى مجمعا به جمع الله القبائل من فهر
فلا يدل على ما زعمه أصلا وهو في الأصل تصغير قرش بفتح القاف اسم لدابة في البحر أقوى دوابه تأكل ولا تؤكل وتعلو ولا تعلى وبذلك أجاب ابن عباس معاوية لما سأله: لم سميت قريش قريشا؟ وتلك الدابة تسمى قرشا كما هو المذكور في كلام الحبر، وتسمى قريشا وعليه قول تبع كما حكاه عنه أبو الوليد الأزرقي وأنشده أيضا الحبر لمعاوية إلّا أنه نسبه للجمحي:
وقريش هي التي تسكن البح ر بها سميت قريش قريشا
تأكل الغث والسمين ولا تت رك يوما لذي جناحين ريشا
هكذا في البلاد حي قريش يأكلون البلاد أكلا كميشا
ولهم آخر الزمان نبي يكثر القتل فيهم والخموشا
وقال الفرّاء: هو من التقرش بمعنى التكسب، سموا بذلك لتجارتهم. وقيل من التقريش وهو التفتيش ومنه قول الحارث بن حلزة:
أيها الشامت المقرش عنا عند عمرو فهل لنا إبقاء
سموا بذلك لأن أباهم كان يفتش عن أرباب الحوائج ليقضي حوائجهم وكذا كانوا هم يفتشون على ذي الخلة من الحاج ليسدوها، وقيل من التقرش وهو التجمع ومنه قوله:
إخوة قرشوا الذنوب علينا في حديث من دهرهم وقديم
سموا بذلك لتجمعهم بعد التفرق والتصغير إذا كان من المزيد تصغير ترخيم وإذا كان من ثلاثي مجرد فهو على أصله وأيّا ما كان فهو للتعظيم مثله في قوله:
وكل أناس سوف تدخل بينهم دويهية تصفر منها الأنامل
والنسبة إليه قرشي وقريشي كما في القاموس وأجمعوا على صرفه هنا راعوا فيه معنى الحي، ويجوز منع صرفه ملحوظا فيه معنى القبيلة للعلمية والتأنيث وعليه قوله:
وكفى قريش المعضلات وسادها
471
وعن سيبويه أنه قال في نحو معد وقريش وثقيف هذه للأحياء أكثر أو إن جعلت أسماء للقبائل فجائز حسن، واللام في لِإِيلافِ للتعليل والجار والمجرور متعلق عند الخليل بقوله لْيَعْبُدُوا
والفاء لما في الكلام من معنى الشرط إذ المعنى أن نعم الله تعالى غير محصورة، فإن لم يعبدوا لسائر نعمه سبحانه فليعبدوا لهذه النعمة الجليلة، ولما لم تكن في جواب شرط محقق كانت في الحقيقية زائدة فلا يمتنع تقديم معمول ما بعدها عليها. وقوله تعالى إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتاءِ وَالصَّيْفِ بدل من (إيلاف) قريش ورِحْلَةَ مفعول به لإيلافهم على تقدير أن يكون من الألفة، أما إذا كان من المؤالفة بمعنى المعاهدة فهو منصوب على نزع الخافض أي معاهدتهم على أو لأجل رحلة إلخ. وإطلاق لإيلاف ثم إبدال المقيد منه للتفخيم. وروي عن الأخفش أن الجار متعلق بمضمر أي فعلنا ما فعلنا من إهلاك أصحاب الفيل لإيلاف قريش. وقال الكسائي والفرّاء كذلك إلّا أنهما قدرا الفعل بدلالة السياق أعجبوا كأنه قيل أعجبوا لإيلاف قريش رحلة الشتاء والصيف وتركهم عبادة الله تعالى الذي أعزهم ورزقهم وآمنهم فلذا أمروا بعبادة ربهم المنعم عليهم بالرزق والأمن عقبه وقرن بالفاء التفريعية: وعن الأخفش أيضا أنه متعلق بجعلهم كعصف في السورة قبله والقرآن كله كالسورة الواحدة فلا يضر الفصل بالبسملة خلافا لجمع. والمعنى أهلك سبحانه من قصدهم من الحبشة ولم يسلطهم عليهم ليبقوا على ما كانوا عليه من إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتاءِ وَالصَّيْفِ أو أهلك عز وجل من قصدهم ليعتبر الناس ولا يجترىء عليهم أحد فيتم لهم الأمن في رحلتهم، ولا ينافي هذا كون إهلاكهم لكفرهم باستهانة البيت لجواز تعليله بأمرين فإن كلّا منهما ليس علة حقيقية ليمتنع التعدد. وقال غير واحد: إن اللام للعاقبة وكان لقريش رحلتان رحلة في الشتاء إلى اليمن، ورحلة في الصيف إلى بصرى من أرض الشام كما روي عن ابن عباس، وكانوا في رحلتيهم آمنين لأنهم أهل حرم الله تعالى وولاة بيته العزيز فلا يتعرض لهم والناس بين متخطف ومنهوب. وعن ابن عباس أيضا أنهم كانوا يرحلون في الصيف إلى الطائف حيث الماء والظل، ويرحلون في الشتاء إلى مكة للتجارة وسائر أغراضهم وأفردت الرحلة مع أن المراد رحلتا الشتاء والصيف لأمن اللبس وظهور المعنى ونظيره قوله:
حمامة بطن الواديين ترنمي حيث لم يقل بطني الواديين وقوله:
كلوا في بعض بطنكم تعفوا فإن زمانكم زمن خميص
حيث لم يقل بطونكم بالجمع لذلك. وقول سيبويه إن ذلك لا يجوز إلّا في الضرورة فيه نظر. وقال النقاش: كانت لهم أربع رحل، وتعقبه ابن عطية بأنه قول مردود. وفي البحر: لا ينبغي أن يرد فإن أصحاب الإيلاف كانوا أربعة إخوة وهم: بنو عبد مناف: هاشم كان يؤالف ملك الشام أخذ منه خيلا فأمن به في تجارته إلى الشام، وعبد شمس يؤالف إلى الحبشة، والمطلب إلى اليمن، ونوفل إلى فارس فكان هؤلاء يسمون المتجرين فيختلف تجر قريش بخيل هؤلاء الإخوة فلا يتعرض لهم. قال الأزهري: الإيلاف شبه الإجارة بالخفارة فإن كان كذلك جاز أن يكون لهم رحل أربع باعتبار هذه الأماكن التي كانت التجارة في خفارة هؤلاء الأربعة فيها فيكون رحلة هنا اسم جنس يصلح للواحد وللأكثر، وفي هؤلاء الإخوة يقول الشاعر:
يا أيها الرجل المحول رحله هلا نزلت بآل عبد مناف
الآخذون العهد من آفاقها والراحلون لرحلة الإيلاف
والرائشون وليس يوجد رائش والقائلون هلم للأضياف
472
انتهى. وفيه مخالفة لما نقلناه سابقا عن الهروي، ثم إن إرادة ما ذكر من الرحل الأربع غير ظاهرة كما لا يخفى. وقرأ ابن عامر «لإلاف قريش» بلا ياء. ووجه ذلك ما مر. ولم تختلف السبعة في قراءة إِيلافِهِمْ بالياء كما اختلف في قراءة الأول، ومع هذا رسم الأول في المصاحف العثمانية بالياء، ورسم الثاني بغير ياء كما قاله السمين وجعل ذلك أحد الأدلة على أن القراء يتقيدون بالرواية سماعا دون رسم المصحف وذكر في وجه ذلك أنها رسمت في الأول على الأصل، وتركت في الثاني اكتفاء بالأول وهو كما ترى فتدبر. وروي عن أبي بكر عن عاصم أنه قرأ بهمزتين فيهما الثانية ساكنة وهذا شاذ وإن كان الأصل وكأنهم إنما أبدلوا الهمزة التي هي فاء الكلمة لثقل اجتماع همزتين. وروى محمد بن داود النقار عن عاصم «إئيلافهم» بهمزتين مكسورتين بعدهما ياء ساكنة ناشئة عن حركة الهمزة الثانية لما أشبعت، والصحيح رجوعه عن القراءة بهمزتين وأنه قرأ كالجماعة. وقرأ أبو جعفر فيما حكى الزمخشري «لإلف قريش» وقرأ فيما حكى ابن عطية إلفهم وحكيت عن عكرمة وابن كثير، وأنشدوا:
والخالطون غنيهم بفقيرهم حتى يصير فقيرهم كالكافي
زعمتم أن إخوتكم قريش لهم إلف وليس لكم إلاف
وعن أبي جعفر أيضا وابن عامر «إلافهم» على وزن فعال. وعن أبي جعفر أيضا «ليلاف» بياء ساكنة بعد اللام ووجهه بأنه لما أبدل الثانية ياء حذف الأولى حذفا على غير قياس. وعن عكرمة «لتألف قريش» على صيغة المضارع المنصوب بأن مضمرة بعد اللام ورفع قريش على الفاعلية، وعنه أيضا لتأليف على الأمر وعنه وعن هلال بن فتيان بفتح لام الأمر. والظاهر أن إيلافهم على جميع ذلك منصوب على المصدرية ولم أر من تعرض له. وقرأ أبو السمال «رحلة» بضم الراء وهي حينئذ بمعنى الجهة التي يرحل إليها وأما مكسور الراء فهو مصدر على ما صرح به في البحر. لْيَعْبُدُوا رَبَّ هذَا الْبَيْتِ
هو الكعبة التي حميت من أصحاب الفيل.
وعن عمر أنه صلى بالناس بمكة عند الكعبة فلما قرألْيَعْبُدُوا رَبَّ هذَا الْبَيْتِ
جعل يومي بإصبعه إليها وهو في الصلاة بين يدي الله تعالى الَّذِي أَطْعَمَهُمْ بسبب تينك الرحلتين اللتين تمكنوا منهما بواسطة كونهم من جيرانه مِنْ جُوعٍ شديد كانوا فيه قبلهما وقيل أريد به القحط الذي أكلوا فيه الجيف والعظام وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ عظيم لا يقادر قدره وهو خوف أصحاب الفيل أو خوف التخطف في بلدهم ومسايرهم أو خوف الجذام كما أخرج ذلك ابن جرير وغيره عن ابن عباس، فلا يصيبهم في بلدهم فضلا منه تعالى كالطاعون.
وعنه أيضا أنه قال: أطعمهم من جوع بدعوة إبراهيم عليه السلام حيث قال وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَراتِ [إبراهيم:
٧٣] وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ حيث قال إبراهيم عليه السلام رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً [إبراهيم: ٥٣]. ومِنْ قيل تعليلية أي أنعم عليهم وأطعمهم لإزالة الجوع عنهم. ويقدر المضاف لتظهر صحة التعليل أو يقال:
الجوع علة باعثة ولا تقدير. وقيل بدلية مثلها في قوله تعالى أَرَضِيتُمْ بِالْحَياةِ الدُّنْيا مِنَ الْآخِرَةِ [التوبة: ٣٨] وحكى الكرماني في غرائب التفسير أنه قيل في قوله تعالى وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ أن الخلافة لا تكون إلّا فيهم وهذا من البطلان بمكان كما لا يخفى، وقرأ المسيبي عن نافع «من خوف» بإخفاء النون في الخاء، وحكي ذلك عن سيبويه وكذا إخفاؤها مع العين نحو من على مثلا والله تعالى أعلم.
473
Icon