تفسير سورة التكاثر

تيسير التفسير
تفسير سورة سورة التكاثر من كتاب تيسير التفسير .
لمؤلفه إبراهيم القطان . المتوفي سنة 1404 هـ
سورة التكاثر مكية وآياتها ثمان، نزلت بعد سورة الكوثر. وفي هذه السورة الكريمة تنبيه للناس من استغراق جميع أوقاتهم في جمع حطام الدنيا، وشغل الوقت بالأهل والعيال وجمع المال، ونسيان ما عليهم من واجبات نحو ربهم وأمتهم ومجتمعهم. وفيها صوت رهيب ينذر الغافلين ﴿ ألهاكم التكاثر حتى زرتم المقابر ﴾. أيها المشغولون في الدنيا، اللاّهون بأموالكم وأولادكم ومتاع هذه الحياة.. إنكم سوف تتركون هذا كله، وتذهبون إلى المقابر لمدة محدودة كأنها زيارة، ثم تُخرجون يوم الحساب، وما أدراك ما يوم الحساب ! في ذلك اليوم العصيب ستُعرضون على جهنم، ثم تُسألنّ عن كل ما عملتم وما تمتعتم به.. فاستيقظوا وتنبّهوا وأجيبوا داعيَ الله حيث يقول :
﴿ وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة، ولا تنس نصيبك من الدنيا. وأحسن كما أحسن الله إليك. ولا تبغ الفساد في الأرض، إن الله لا يحب المفسدين ﴾ القصص ٧٧.

ألهاكم : شَغَلكم، واللهو ما يشغل الإنسان ويُضيع وقته.
التكاثُر : جمع الأموال والتفاخر والتباهي بحطام الدنيا. تكاثَرَ المالُ : كثر، وتكاثر القومُ : تفاخروا بكثرة العدد والمال.
أيّها الناس، لقد شَغَلكم الانهماكُ في جَمْعِ الأموالِ، والتفاخرُ والتّباهي بحُطامِ الدنيا ومتاعها، وكثرةُ الأَشياع والأولاد.
﴿ زرتم المقابر ﴾ : مِتُّم ودخلتم القبور لوقتٍ محدَّد كأنه زيارة.
حتى نَسِيتم أنكم ستموتون وتُدفَنون في القبور، وغفلتُم عن أنكم إنما تمكثون فيها وقتاً محدَّداً، ثم تُخْرَجون منها يومَ القيامة إلى الحسابِ والجزاء.
ولذلك جاء التعبيرُ بقوله ﴿ حتى زُرْتُمُ المقابر ﴾ يعني أن دُخولكم في القبرِ أشبهُ ما يكونُ بالزِيارة، ثم منه تُخْرَجون.
ويفهم كثيرٌ من الناس من قوله ﴿ حتى زُرْتُمُ المقابر ﴾ أنه حضٌّ على زيارة القبور، وليس هذا هو المقصود.
وفي صحيح مسلم : قرأ النبي صلى الله عليه وسلم : ألهاكُم التكاثُر، ثم قال : " يقولُ ابنُ آدم : مالي ومالُك. يا ابنَ آدم، ليس لك من مالِكَ إلا ما أكلتَ فأفنيت، أو لبستَ فأبْلَيتَ، أو تصدَّقتَ فأمضيت، وما سوى ذلك فذاهبٌ وتاركُه للناس ".
وبعد تنبيه الناس لأن يستيقظوا ويعملوا صالحاً، جاء التوكيدُ على أن الناس سيُبْعَثون يوم القيامة، ويرون بأعينِهم جهنّم.
وسوف يُسألون عن كل ما تنعّموا به في الدنيا فيقول :
﴿ كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ ثُمَّ كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ كَلاَّ لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ اليقين ﴾.
لقد كرّر كلمة ( كَلا ) ثلاثَ مرّات، وفي هذا زجرٌ وتهديد حتى يتنبّه الناسُ ويستيقظوا، فتنبَّهوا أيها الناسُ، وسارِعوا إلى الخيرات، اعملوا لربّكم ودِينكم وأُمتكم ومجتمعكم.
علمَ اليقين : العلم الحقيقي.
فسوف تَعْلَمون العِلم الذي لا شَكّ فيه.
يومَ تَرَوْنَ الجحيم.
قراءات :
قرأ ابن عامر والكسائي : لتُرَوُنَّ بضم التاء. والباقون : بفتح التاء.
عَيْنَ اليقين : اليقين هو المؤكد الذي لا شكّ فيه.
وأكد بأنهم سيرونها عِياناً ويقينا.
أما كيف تتمّ هذه الرؤية، وكيف يكون ذلك اليوم.. فكلُّ هذا من الغيبِ الّذي يختلف عن واقِعنا وحياتنا الدنيا.
ثم أكّد تعالى أنّ الناسَ سيُسألون ويحاسَبون.
ثَم لتُسْألُنَّ يا بني آدمَ عن كل ما أُوتيتم وما تمتّعتم به : من أين نِلْتُموه ؟ وفِيمَ أنفقْتُموه ؟ وهل أدّيتم ما وجَبَ عليكم ؟ واللهُ أعلمُ بكل ذلك، لكنّه يَسألهم ليحاسِبَ الناسَ، فيجزي من شَكَرَ ويُعذّب من كفَر.
Icon