تفسير سورة التكاثر

بيان المعاني
تفسير سورة سورة التكاثر من كتاب بيان المعاني المعروف بـبيان المعاني .
لمؤلفه ملا حويش . المتوفي سنة 1398 هـ

تفسير سورة التكاثر عدد ١٦- ١٠٢
نزلت بمكة بعد الكوثر، وهي ثماني آيات، وثمانية وعشرون كلمة، ومائة وعشرون حرفا، لا يوجد في القرآن سورة مبدوءة ولا مختومة بما بدئت وختمت به، لا ناسخ ولا منسوخ فيها.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ.
قال تعالى «أَلْهاكُمُ» عاقكم وأخركم أيها الناس واشغلكم «التَّكاثُرُ ١» بالأموال والأولاد والمباهات والمفاخرة والتباري بالعدوان والمناقب والسمعة عن طاعة ربكم وإدامة ذكره وبقيتم في ذلك منهمكين معرضين عما ينجيكم من الآخرة «حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقابِرَ ٢» أي متم ودفنتم فيها يقال لمن مات زار قبره أو رمسه، أي منعكم حرصكم على تكثير أموالكم عما يقربكم من ربكم إلى أن هلكتم. روى مطرف بن عبد الله بن الشخير عن أبيه قال انتهيت إلى رسول الله وهو يقرأ هذه الآية فقال: يقول ابن آدم مالي، وهل لك من مالك إلا ما تصدقت فأبقيت وما أكلت فأفنيت وما لبست فأبليت؟! أخرجه الترمذي، وروى البخاري عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله يتبع الميت ثلاث فيرجع اثنان ويبقي واحد، يتبعه ماله وأهله وعمله، فيرجع ماله وأهله ويبقى عمله، نزلت هذه الآية في بني عبد مناف وبني سهم بن عمرو كل يقول نحن أكثر سيدا وأعز عزيزا وأعظم نفرا وأكثر عددا حتى ان كلا منهم عد موتاه فكثر بنو سهم بني عبد مناف بثلاثة أبيات، فرد الله عليهم بلسان نبيه «كَلَّا» أي ليس التكاثر المحمود الذي يتنافس به المتنافسون بكثرة الأموال والأولاد ولكنه بالأعمال الصالحة، وما قيل إنها نزلت في الأنصار الذين تفاخروا بأحيائهم وأمواتهم لا يصح، وكذلك القول بأنها نزلت في طائفتين من اليهود غير صحيح لأن الأنصار واليهود في المدينة، ولم ينزل عنهما شيء في مكة وهي مع وجود السبب عامة، في كل من هذا شأنه، لما ذكرنا بأن العبرة لعموم اللفظ لا لخصوص السبب ثم هدد الله المتكاثرين بقوله «سَوْفَ تَعْلَمُونَ» عاقبة هذا التباهي والتفاخر في برزخ القبر، إذا أنزل بكم الموت الذي هو خاتمة ايام الدنيا ومفتتح أيام الآخرة
170
«ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ ٣» مخافة يوم الحشر والنشور، قال علي كرم الله وجهه كنا نشك في عذاب القبر حتى نزلت هذه السورة التي فيها هذه الآية فأيقنا، قال تعالى مكررا الردع والزجر تأكيدا لعظم ما يلاقونه عند البعث «كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ ٤» الحال الذي أنتم فيه بأنه زائل، وأن ما بين أيديكم لا ينفعكم نفعا دائما إذ لا يكون إلا بالعمل الصالح «عِلْمَ الْيَقِينِ ٥» كالأمور التي تتحقون صحتها وتتيقنون وقوعها لما ألهاكم تكاثركم ولأشغلكم خوف الآخرة وعذابها عن كل ما في الدنيا، راجع تفسير آخر سورة الواقعة الآتية، ثم أكد الإنذارات الثلاثة بالقسم وعزتي وجلالي «لَتَرَوُنَّ» أيها المتفاخرون المتكاثرون «الْجَحِيمَ ٦» بأبصاركم عيانا بعد الموت قبل الجزاء، وهي التي أوعدكم العذاب فيها على لسان رسله، ثم كرر القسم تشديدا للتهديد وتهويلا للأمر فقال عز قوله «ثُمَّ لَتَرَوُنَّها» أي الجحيم المذكورة «عَيْنَ الْيَقِينِ ٧» بالمشاهدة لاخفاء فيها، وهذا القسم من نوع الأقسام المضمرة التي تدل عليها اللام وقد يستدل عليها بالواو معنى كقوله تعالى (وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها) الآية ٧٥ من سورة مريم الآتية والأولى في القرآن كثير، وإن غالب الأقسام المحذوفة الفعل تكون بالواو وإذا ذكر حرف القسم أتى بالفعل كقوله تعالى (وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ) الآية ٥٢ من سورة النور وقوله (يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ) الآية ٧٣ من سورة التوبة في ج ٣ وإذا لم يوجد الفعل لا توجد الياء قطعا ولهذا أخطأوا عند قوله تعالى (إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) الآية ١٢ من سورة لقمان في ج ٢، وقوله (بِما عَهِدَ عِنْدَكَ) الآية ١٢ من الأعراف الآتية (وقوله إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ) ١١٩ من المائدة في جزء ٣ ومن القسم. واليقين اعتقاد الشيء أنه كذا مع اعتقاد أنه لا يمكن إلا كذا اعتقادا مطابقا المواقع غير ممكن الزوال ثم كرر القسم التهديدي تأييدا للتأكيد فقال «ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ) يوم الحساب الذي سينال فيه كل أحد جزائه «عَنِ النَّعِيمِ» الذي شغلكم الالتذاذ به في الدنيا عن القيام بأمر الدين.
روي عن ابن الزبير أنه قال لما نزلت هذه الآية قال الزبير رضي الله عنه يا رسول الله وأي نعيم نسأل عنه وإنما هما الأسودان التمر والماء قال أما إنه سيكون
171
Icon