ﰡ
بسم الله الرحمن الرحيم
١ - ﴿أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ﴾ تقول (٢): ألهاني فلان عن كذا، أي أنساني، وشَغلني، ولَهيتُ عنه ألهى لهيّا، ومنه الحديث: (أن ابن الزبير كان إذا سمع صوت الرعد لَهِيَ من حديثه (٣) أي تركه وأعرض عنه، وكل شيء تركته فقد لهيت عنه) (٤).والتكاثر: التباهي بكثرة المال والعدد، والتفاخر بكثرة المناقب، يقال: تكاثر القوم تكاثرًا إذا تعادوا ما لهم من كثرة المناقب.
(٢) في (ع): (يقال).
(٣) "غريب الحديث" لأبي عبيد ٤/ ٣٠٢ - ٣٠٣ وتتمته: قال: (سبحان من يسج الرعد بحمده والملائكة من خيفته). الفائق ٣/ ٣٣٦، ط. دار المعرفة، وقد ورد في "التفسير الكبير" ٣٢/ ٧٥.
(٤) ما بين القوسين نقله عن "تهذيب اللغة" ٦/ ٤٢٧ - ٤٢٨ (كثر)، وهو من قول الليث، وانظر: "لسان العرب" ١٥/ ٢٥٩ - ٢٦٠ (كثر).
أحدهما: أن المعنى: شغلكم (التكاثر) (٢) بالأموال والأولاد عن طاعة الله.
٢ - ﴿حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ﴾ أي حتى أدرككم الموت على تلك الحال (٣)، وهذا قول قتادة، قال: نزلت في اليهود قالوا نحن أكثر من بني فلان، وبنو فلان أكثر من بني فلان (٤)، ألهاكم ذلك عن الإيمان حتى ماتوا ضلالًا (٥).
ثم يدخل في هذا كل من اشتغل بالتكاثر والتفاخر عن طاعة الله حتى يأتيه الموت وهو على ذلك. يدل على هذا ما روي أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قرأ هذه الآية: "ألهاكم التكاثر" ثم قال: "يقول ابن آدم مالي مالي، وهل لك من مالك إلا ما أكلت فأبليت، أو لبست فأبليت، أو تصدقت فأمضيت" (٦).
(٢) ساقط من (أ).
(٣) وقال بهذا المعنى أيضًا ابن عباس والحسن. "الجامع لأحكام القرآن" ٢٠/ ١٦٨.
(٤) في (أ)، (ع): (بنوا).
(٥) ورد بنحو قوله في "تفسير عبد الرزاق" ٢/ ٣٩٣، ولم يذكر أنها نزلت في اليهود، وكذا "جامع البيان" بنحوه مما ذكر عبد الرزاق: ٣٠/ ٢٨٣، و"الكشف والبيان" ١٣/ ١٤٢ أبمثله، و"معالم التنزيل" ٤/ ٥٢٠ "زاد المسير" ٨/ ٣٠٠، و"الجامع لأحكام القرآن" ٢٠/ ١٦٨، و"البحر المحيط" ٨/ ٥٠٧، و"تفسير القرآن العظيم" ٤/ ٥٨٢، و"الدر المنثور" ٨/ ٦١٠ وعزاه إلى عبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، و"فتح القدير" ٥/ ٤٨٨، و"أسباب النزول" تح: أيمن صالح ص ٤٠٠.
(٦) أخرجه مسلم ٤/ ٢٢٧٣ ح: ٣ كتاب الزهد: باب ٥٣ ولفظه كما هو عنده: =
ويقال لمن مات: زار رَمسه (٣)، وزار قبره. قال جرير للأخطل:
زَارَ القُبُورَ أبو (٤) مالكٍ | فأصبحَ ألأمَ زُوَّارِها (٥) |
القول الثاني: إن هذه الآية نزلت في حيين من قريش، وهما (بنو) (٧)
والترمذي ٤/ ٥٧٢: ح ٢٣٤٢: كتاب الزهد: باب ٣، وقال حديث حسن صحيح، وفي ٥/ ٤٤٧٠: ح ٢٣٥٤: كتاب تفسير القرآن: باب ٨٩، والنسائي ٦/ ٥٤٨ ح ٣٦١٥: كتاب الوصايا: باب ١، وابن المبارك في "الزهد" ١٧٠ ح ٤٩٨.
(١) ساقط من (أ).
(٢) لم أعثر على مصدر لقوله.
(٣) الرَّمْس: التراب، ورمس: القبر ما حثي عليه، وقد رمسناه بالتراب، والرَّمس: تراب تحمله الريح فترمس به الآثار أي تعفوها، والرياح الروامس، وكل شيء نُثر عليه التراب فهو مرموس، والقبر يسمى: رَمْسًا. "تهذيب اللغة" ١٢/ ٤٢٣ (رمس).
(٤) في (أ): (أبا).
(٥) ورد البيت في "ديوانه" ٢٣٥ ط. دار بيروت، برواية في "فكان كألأم"، و"تهذيب اللغة" ١٠/ ١٧٧ (كثر)، و"لسان العرب" ٥/ ١٣٣ (كثر)، و"التفسير الكبير" ٣٢/ ٧٧، و"روح المعاني" ٣٠/ ٢٢٤.
(٦) "تهذيب اللغة" ١٠/ ١٧٧ (كثر).
(٧) ساقط من (أ).
مناف بني سهم بالمكارم والمساعي (٤)، ثم ترقوا إلى ذكر الأموات (٥) حتى أتوا المقابر، فعدوها فكثرتهم بنو (٦) سهم، ؛ لأنهم كانوا أكثر عددًا في الجاهلية. (وهذا قول الكلبي (٧)، ومقاتل (٨)، وابن عباس (٩) في روارية عطاء) (١٠).
(٢) بنو سهم: بطن من هصص من قريش من العدنانية، وهم بنو عمرو بن هصص.
"نهاية الأرب" ص ٢٧٤.
(٣) في (أ): (ففخرت).
(٤) المساعي: العرب تَسمى مآثر أهل الشرف والفضل مساعى، واحدتها مسعاة؛ لسعيهم فيها كأنها مكاسبهم، وأعمالهم التي أعنوا فيه أنفسهم. "لسان العرب" ١٤/ ٣٨٦: (سعا).
(٥) في (أ): (الأسواف).
(٦) في (أ): (بنوا).
(٧) "أسباب النزول" ٤٠٠، "لباب النقول" ص ٢٣٤ بمعناه، وعزاه إلى ابن أبي حاتم عن ابن بريدة، كما ورد بمعناه في "بحر العلوم" ٣/ ٥٠٦، و"الكشف والبيان" ١٣/ ١٤٢ أ، و"النكت والعيون" ٦/ ٣٣١، و"معالم التنزيل" ٤/ ٥٢٠، و"زاد المسير" ٨/ ٣٠٠، و"الجامع لأحكام القرآن" ٢٠/ ١٦٨، و"البحر المحيط" ٨/ ٥٠٧، وورد من غير عزو في "معاني القرآن" الفراء ٣/ ٢٨٧، "جامع النقول" ابن خليفة ٣٣٦.
(٨) "تفسير مقاتل" ٢٤٩ ب، وانظر: المراجع السابقة عدا "بحر العلوم".
(٩) لم أعثر على مصدر لقوله.
(١٠) ما بين القوسين ساقط من (أ).
ومعنى "حتى زرتم المقابر" على هذا القول: حتى أتيتموها، وذكرتم أهلها في مفاخرتكم، ثم رد الله عليهم فقال:
٣ - ﴿كَلَّا﴾ (٢) قال أبو إسحاق: هو ردع وتنبيه، المعنى: ليس الأمر الذي ينبغي أن يكونوا عليه التكاثر، والذي ينبغي أن يكونوا عليه طاعة الله والإيمان (٣).
وقال صاحب النظم: أي (أن) (٤) هنا لا ينفع شيئًا، أو ليس له طائل (٥).
ثم أوعدهم فقال: ﴿سَوْفَ تَعْلَمُونَ﴾
٤ - ثم وكد ذلك، وكرر فقال: ﴿ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ﴾.
قال الفراء: الكلمة قد تكررها على التغليظ والتخويف، وهذا من ذلك (٦).
قال الحسن (٧)، ومقاتل (٨): هو وعيد بعد وعيد.
(٢) ﴿كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ﴾.
(٣) "معاني القرآن وإعرابه" ٥/ ٣٥٧.
(٤) ساقط من (أ).
(٥) لم أعثر على مصدر لقوله.
(٦) "معاني القرآن" ٣/ ٢٨٧ بنصه.
(٧) "معالم التنزيل" ٤/ ٥٢٠، و"تفسير القرآن العظيم" ٤/ ٥٨٣، و"فتح القدير" ٥/ ٤٨٨.
(٨) "تفسير مقاتل" ٢٤٩ ب، و"معالم التنزيل" ٤/ ٥٢.
يعني أن معنى قوله: "ثم كلا سوف تعلمون" أي في القبور.
٥ - قوله: ﴿كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ﴾ هذا استئناف خبر وكلام آخر تقول: لو تعلمون (٦) الأمر علمًا يقينًا. وإضافة العلم إلى اليقين كقوله: ﴿إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ﴾ [الواقعة: ٩٥]، وقد مر (٧).
(٢) لم أعثر على مصدر لقوله.
(٣) في (أ): (جعله).
(٤) ما بين القوسين ساقط من (أ).
(٥) أخرجه الترمذي في سننه: ٥/ ٤٤٧: كتاب تفسير القرآن: باب ٨٩، وقال: هذا حديث غريب، كما أورده السيوطي في لباب النقول: ٢٣٤ وعزاه إلى ابن جرير عن علي، وانظر أيضًا "جامع البيان" ٣٠/ ٢٨٤، و"الكشف والبيان" ١٣/ ١٤٢ ب، و"التفسير الكبير" ٣٢/ ٧٨، و"الجامع لأحكام القرآن" ٢٠/ ١٧٢، و"الدر المنثور" ٨/ ٦١٠ وعزاه إلى حنيش بن أصرم في الاستقامة، وابن المنذر، وابن مردويه.
(٦) ما بين القوسين ساقط من (أ).
(٧) ومما جاء في تفسير آية الواقعة: ﴿إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ﴾ في "قال الإمام الواحدي: ومعنى حق اليقين حق الأمر اليقين عند الأخفش، والبصريين، وعند =
وقال عطاء: لو تعلمون يوم القيامة علم اليقين (٣).
قال صاحب النظم: اليقين -هاهنا- هو الموت أو البعث، لأنهما إذا وقعا جاء اليقين، وزال (٤) الشك.
والمعنى على ما ذكروه (٥): لو تعلمون الأمر علمًا يقينًا، كما تعلمونه بعد الموت والبعث.
وجواب "لو" محذوف على تقدير: لشغلكم ما تعلمون عن التكاثر والتفاخر (٦).
"البسيط" ٥/ ٩٣ أ.
(١) ساقط من (أ).
(٢) "تفسير عبد الرزاق" ٢/ ٣٩٣ مختصرًا، و"جامع البيان" ٣٠/ ٢٨٥، كما ورد بمعناه في "الكشف والبيان" ١٣/ ١٤٢ ب، و"النكت والعيون" ٦/ ٣٣١، و"معالم التنزيل" ٤/ ٥٢١، و"البحر المحيط" ٨/ ٥٠٨، و"الدر المنثور" ٨/ ٦١١ وعزاه إلى الفريابي، وابن أبي شيبة، وابن أبي حاتم، وعبد بن حميد، وابن المنذر، و"فتح القدير" ٥/ ٤٨٩.
(٣) لم أعثر على مصدر لقوله.
(٤) في (أ): (زوال).
(٥) في (أ): (ما ذكروا).
(٦) انظر: "الدر المصون" ٦/ ٥٦٥، وقدر الكلام بقوله: أي لفعلتم ما لا يوصف، البيان في غريب "إعراب القرآن" ٢/ ٥٣١.
٦ - ثم أوعدهم وعيدًا آخر فقال: ﴿لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ﴾.
وهذا على إضمار القسم.
(والمعنى: سترون الجحيم في الآخرة كقوله: "وإن منكم إلا واردها" (٣)، وقراءة العامة بفتح "التاء" (٤). وقد قرئ بضمها (٥)، من أريته الشيء. والمعنى: أنهم يحشرون إليها، فيرونها في حشرهم إليها (فيرونها) (٦). وهذه القراءة تروى عن ابن عامر، والكسائي، كأنهما أرادا (٧) لَتُرَوُنَّها، فتَرَوَنْها، ولذلك قرأ الثانية: ﴿ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا﴾ بالفتح، وفي هذه الثانية دليل على أنهم إذا أروها [رأوها] (٨)، وفي قراءة العامة الثانية تكرير للتأكيد، والمعنى: لترون الجحيم بأبصاركم على البعد منكم.
(٢) "معاني القرآن وإعرابه" ٥/ ٣٥٧ بتصرف.
(٣) سورة مريم: ٧١.
(٤) راجع ذلك في "السبعة في القراءات" ٦٩٥، و"القراءات وعلل النحويين فيها" ٢/ ٧٩٥، و"المبسوط" ٤١٦، و"الحجة" ٦/ ٤٣٤، و"حجة القراءات" ٧٧١، و"البدور الزاهرة" ص ٣٤٥.
(٥) "السبعة في القراءات" ص ٦٩٥، و"القراءات وعلل النحويين فيها" ٢/ ٧٩٥، و"المبسوط" ٤١٦، و"الحجة" ٦/ ٤٣٤، و"حجة القراءات" ص ٧٧١، و"البدور الزاهرة" ص ٣٤٥.
(٦) ساقط من (أ).
(٧) في (أ): (أرادوا).
(٨) (أروها) في كلا النسختين، وأثبتت ما جاء في مصدر القول.
ومعنى هذه الرؤية: الرؤية التي هي مشاهدة) (١). هذا كله كلام أبي علي الفارسي (وتفسيره) (٢).
وقال الفراء: قراءة العامة أشبه بكلام العرب، لأنه تغليظ، فلا ينبغي أن يختلف لفظه (٣).
وقال أبو علي: (والمعنى في "لتَرُون الجحيم" لترون عذاب الجحيم، ألا ترى (٤) أن الجحيم يراها المؤمنون أيضًا، بدلالة قوله ﴿وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا﴾ [مريم: ٧١]، وإذا كان كذلك، فالمعنى: والوعيد في رؤية عذابها لا في رؤيتها نفسها، يدل على هذا قوله: ﴿إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ﴾ [البقرة: ١٦٥]؛ (ذكر العذاب في هذه يدل على أن المعنى في الآخرة العذاب) (٥) أيضًا، وبناء الفعل في قوله: "إذ يرون العذاب"، وفي قوله: ﴿وَإِذَا رَأَى (٦) الَّذِينَ ظَلَمُوا الْعَذَابَ﴾ [النحل: ٨٥] للفاعل يدل على أن "لَتَرَوُنَّ الجحيمَ"، أرجح (من لَتُرَوْن (٧)) (٨). انتهى كلامه.
(٢) ساقط من (أ).
(٣) "معاني القرآن" ٣/ ٢٨٨ بيسير من التصرف.
(٤) (ترا) كلا النسختين.
(٥) ما بين القوسين ساقط من (أ).
(٦) في (أ): (وإذ يرى).
(٧) ما بين القوسين ساقط من (أ).
(٨) "الحجة" ٦/ ٤٣٦ - ٤٣٧ بيسير من التصرف.
وقال الكلبي: الكفار مسؤولون (٣) عن كل نعمة (٤).
قال (٥): وقال أبو بكر رضي الله عنه: لما نزلت هذه الآية: يا رسول الله، أرأيت أكلة أكلتها معك في بيت أبي الهيثم بن التَّيَّهان (٦) من خبز شعير، ولحم، وبسر (٧) قد ذنب (٨)، وماء عذب، أتخاف علينا أن يكون
(٢) "تفسير مقاتل" ٢٤٩ ب، و"معالم التنزيل" ٤/ ٥٢١.
(٣) في (أ): (يسلون).
(٤) لم أعثر على مصدر لقوله.
(٥) أي الكلبي.
(٦) أبو الهيثم مالك بن التيهان، واسمه مالك بن عتيك بن عمرو الأنصاري الأوسي، شهد بدرًا، واحد نقباء بيعة العقبة، شهد المشاهد كلها، مات سنة ٢٠ هـ. انظر: "الاستيعاب" ٤/ ١٧٧٣، ت: ٣٢١٣، و"أسد الغابة" ٦/ ٣٢٣: ت: ٦٣٢٤، و"الإصابة" ٧/ ٢٠٩: ت: ١١٨٨.
(٧) البسر: هو التمر قبل أن يرطب لفضاضته، واحدته: بسرة. "لسان العرب" ٤/ ٥٨ (بسر).
(٨) ذنب: التذنوب: البُسر الذي قد بدأ فيه الأرطاب من قبل ذنبه، وذنب البُسرة وغيرها من التمر مُؤَخَّرُها، وذنبت البسرة فهي مذنبة، وكنت من قبل ذنبها، وقال الأصمعي: إذا بدت نُكت من الأرطاب في البسر من قبل ذنبها قيل: قد ذنبت. "لسان العرب" ١/ ٣٩٠ (ذنب).
والظاهر يشهد لهذا القول وهو: أن الكفار لم (٣) يؤدوا حق النعمة حيث أشركوا به وعبدوا غيره، واستحقوا أن يسألوا عما أنعم عليهم توبيخًا لهم؛ هل قاموا بالواجب فيه، أم ضيعوا حق النعمة؟ ثم يعذبون على ترك الشكل بتوحيد المنعم (٤). وهذا معنى ما ذكره مقاتل، وهو قول الحسن.
(٢) وردت الرواية بمعناها عن الكلبي في "الدر المنثور" ٨/ ٦١٨ وعزاه إلى ابن مرويه، كما وردت من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس في "بحر العلوم" ٣/ ٥٠٧، ووردت من غير ذكر الطريق في "التفسير الكبير" ٣٢/ ٨١، ولأبي بكر رواية خلاف رواية الكلبي من طريق أبي هريرة، ذكرها الطبري في "جامع البيان" ٣٠/ ٢٨٧ وهي في "صحيح مسلم" ٣/ ١٦٠٩: ح: ١٤٠: كتاب الأشربة: باب ٢٠، والشاهد منها: عن أبي هريرة قال: خرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذات يوم أو ليلة، فإذا هو بأبي بكر وعمر، فقال: ما أخرجكما من بيوتكما هذه الساعة؟ قالا الجوع يا رسول الله، قال: وأنا.. لأخرجني الذي أخرجكما.. إذ جاء الأنصاري، فنظر إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-فانطلق فجاءهم بعذق فيه بسر وتمر ورطب، فقال: كلوا من هذه.. فذبح لهم، فأكلوا من الشاة، ومن ذلك العذق، وشربوا، فلما أن شبعوا ورروا قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-لأبي بكر وعمر "والذي نفسي بيده لتسألن عن هذا النعيم يوم القيامة".
كما أخرجها البيهقي في "شعب الإيمان" ٤/ ١٤٤: ح: ٤٦٠٢ - ٤٦٠٥، ٤٦٠٦ من طريق أبي هريرة وطرق أخرى.
(٣) في (أ): (لو).
(٤) قال القاضي عياض: المراد: السؤال عن القيام بحق شكره، والذي نعتقده أن السؤال هنا سؤال تعداد النعم، وإعلام بالامتنان بها، وإظهار الكرامة بإسباغها؛ =
واختلفوا في معنى هذا النعيم.
قال ابن مسعود -رضي الله عنه- الأمن، والصحة (٢) وهو قول الشعبي (٣)، وقتادة (٤)، وسعيد بن جبير (٥).
وقال مجاهد: كل لذة من لذات الدنيا (٦).
(١) ورد معنى قوله في "زاد المسير" ٨/ ٣٠٢، وقد وضحه ابن الجوزي فقال: إنه أراد بذلك أنه خاص بالكفار. وانظر أيضًا قوله في "التفسير الكبير" ٣٢/ ٨٠، و"فتح القدير" ٥/ ٤٨٩، و"تفسير الحسن البصري" ٢/ ٤٣٧.
(٢) جامع البيان" ٣٠/ ٢٨٥، و"بحر العلوم" ٣/ ٥٠٧، و"النكت والعيون" ٦/ ٣٣٢، و"معالم التنزيل" ٤/ ٥٢١، و"زاد المسير" ٨/ ٣٠٢، و"البحر المحيط" ٨/ ٥٠٨، و"الدر المنثور" ٨/ ٦١٢: وعزاه إلى هناد، وعبد بن حميد، وابن المنذر، والبيهقي في شعب الإيمان.
وورد عنه مرفوعًا في "الكشف والبيان" ١٣/ ١٤٤ أ، و"زاد المسير" ٨/ ٣٠٢، و"تفسير القرآن العظيم" ٤/ ٥٨٤.
(٣) "زاد المسير" ٣٠/ ٣٠٢، و"البحر المحيط" ٨/ ٥٠٨ كما وردت من طريق الشعبي عن ابن مسعود في "جامع البيان" ٣٠/ ٢٨٥.
(٤) لم أعثر على مصدر لقوله.
(٥) "جامع البيان" ٣٠/ ٢٨٥، و"معالم التنزيل" ٤/ ٥٢٢ بمعناه، و"تفسير سعيد بن جبير" ٣٨٠.
(٦) "جامع البيان" ٣٠/ ٢٨٥، و"الكشف والبيان" ١٣/ ١٤٥ ب، و"زاد المسير" ٨/ ٣٠٢، و"تفسير القرآن العظيم" ٤/ ٥٨٤ قال ابن كثير وهذا أشمل هذه الأقوال، و"الدر المنثور" ٨/ ٦١٢ وعزاه إلى الفريابي، وعبد بن حميد، وابن المنذر.
قال محمود بن لبيد (٣): لمّا نزلت هذه السورة علي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قالوا: يا رسول الله، أي: نعيم نسأل؟ إنما هو الماء، والتمر، وسيوفنا علي عواتقنا، والعدو حاضر، فعن أي نعيم نسأل!، قال: "إن ذلك سيكون" (٤).
(٢) "جامع البيان" ٣٠/ ٢٨٩، و"زاد المسير" ٨/ ٣٠٢ بمعناه، و"الدر المنثور" ٨/ ٦١٢ وعزاه إلى عبد الرزاق -ولم أجده عنده- وعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم.
(٣) محمود بن لبيد بن رافع بن امرئ القيس بن زيد الأنصاري الأشهلي من بني عبد الأشهل، ولد على عهد النبي -صلى الله عليه وسلم-، وحدث عنه أحاديث، وكان أحد العلماء، وروى عن ابن عباس، ومات سنة ٩٦ هـ.
انظر: "الاستيعاب" ٣/ ١٣٧٨ ت: ٢٣٤٧، و"أسد الغابة" ٥/ ١١٧ ت: ٤٧٧٣.
(٤) أخرجه الإمام أحمد في "المسند" ٥/ ٤٢٩، وقال الهيثمي ٧/ ١٤٢: رواه أحمد وفيه محمد بن عمر بن علقمة، وحديثه حسن، وفيه ضعف لسوء حفظه، وبقية رجاله رجال الصحيح.
وأخرجه "الترمذي" ٥/ ٤٤٨: ح: ٣٣٥٦ - ٣٣٥٧ من طريقين: الأول: إلى الزبير ابن العوام عن أبيه، وحسن هذا الطريق. والثاني: إلى أبي هريرة، وقال: وحديث ابن عيينة عن محمد بن عمرو عندي أصح من هذا، سفيان بن عيينة أحفظ، وأصح حديثًا من أبي بكر بن عياش.
كما ورد في "جامع البيان" ٣٠/ ٢٨٨، و"الكشف والبيان" ١٣/ ١٤٤ ب، و"التفسير الكبير" ٣٢/ ٨١، و"الدر المنثور" ٨/ ٦١٣ وعزاه إلى ابن أبي شيبة، وهناد، وابن مردويه، والبيهقي في "شعب الإيمان" ٤/ ١٤٢: ح ٤٥٩٨، و"فتح القدير" ٥/ ٤٩٠.
وروى أبو هريرة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "أول ما يسأل الله العبد يوم القيامة أن يقول له: ألم أصح جسمك، وأروك من الماء البارد؟ " (٦).
وروى ابن عباس أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "ما فوق الإزار،
(٢) ساقط من (أ).
(٣) الأخبية: الخباء من الأبنية واحد الأخبية، وهو ما كان من وبر أو صوف، ولا يكون من شعر، وهو على عمودين أو ثلاثة، وما فوق ذلك فهو بيت. "لسان العرب" ١٤/ ٢٢٢ (خبأ)
(٤) غير واضحة في (ع).
(٥) "التفسير الكبير" ٣٢/ ٨١.
(٦) أخرجه الترمذي في "السنن" ٥/ ٤٤٨: ح: ٣٣٥٨ كتاب التفسير القرآن: باب ٨٩ بنحوه، قال أبو عيسى: هذا حديث غريب، قال شعيب الأرناؤوط في "تخريج جامع الأصول" ٢/ ٤٣٥ وإسناده قوي، وصححه ابن حبان كما في "موارد الظمآن" ٦٤٠: ح: ٢٥٨٥ كتاب البعث: باب ١٠، وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٨/ ٦١٣ - ٦١٤ وزاد نسبته لأحمد في "زوائد الزهد"، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن مردويه، والبيهقي في "شعب الإيمان" ٤/ ١٤٧ ح: ٤٦٠٧.
كما ورد في "معالم التنزيل" ٤/ ٥٢١، و"التفسير الكبير" ٣٢/ ٨١، و"لباب التأويل" ٤/ ٤٠٤، و"الدر المنثور" ٨/ ٦١٣ - ٦١٤ وعزاه إلى عبد بن حميد، وابن مردويه، و"فتح القدير" ٥/ ٤٩٠.
وروى أبو قلابة: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال في هذه الآية: "ناس من أمتي يعقدون السمن، والعسل بالنقي فيأكلونه" (٣).
ومن قال بهذا القول، وهو أن كل أحد يسأل عز النعيم، كان المعنى عنده: أن الكافر يسأل توبيخًا ثم يعذب لتركه الشكر -كما ذكرنا-، والمؤمن يسأل عن ذلك إظهارًا للمنة عليه، وإذا كان قد قام بشكره فلا عتب عليه (٤)، فقد روي أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أكل هو ونفر من أصحابه تمرًا،
(٢) ورد في "تفسير القرآن العظيم" ٤/ ٥٨٥ من طريق يزيد بن الأصم عن ابن عباس، وفيه جر الماء بدلًا من جرة الماء، و"الدر المنثور" ٨/ ٦١٩ وعزاه إلى البزار.
(٣) الكشف والبيان" ١٣/ ١٤٥ أمن طريق يوسف ابن أخت ابن سيرين عن أبي قلابة مرفوعًا، و"تفسير القرآن العظيم" ٤/ ٥٨٤ موقوفًا، ورواية الموقوف وضحت المراد بالنفي، قال أبو قلابة: من النعيم أكل السمن والعسل بالخبز النقي. والنقي المراد به النظيف من الشيء. انظر: "لسان العرب" ١٥/ ٣٣٨: (نقا). ، و"فتح القدير" ٥/ ٤٩٠ وقال: هذا مرسل، وعزاه إلى أحمد في الزهد، وابن مردويه.
(٤) قال الزمخشري: فإن قلت: ما النعيم الذي يُسأل عنه الإنسان، ويعاتب عليه، فما من أحد إلا وله نعيم؟ قلت: هو نعيم عن عكف همته على استيفاء اللذات، ولم يعش إلا ليأكل الطيب، ويلبس اللين، ويقطع أوقاته باللهو والطرب، لا يعبأ بالعلم والعمل، ولا يحمل نفسه مشاقه، فأما من تمتع بنعمة الله وأرزاقه التي لم يخلقها إلا لعباده، وتقوى لها على دراسة العلم والقيام بالعمل، وكان ناهضًا بالشكر، فهو من ذاك بمعزل. "الكشاف" ٤/ ٢٣١.
تمت.
ومالك في "الموطأ" ٢/ ٧١٢: ح ٣٤: كتاب صفة النبي -صلى الله عليه وسلم-: باب ما جاء في الطعام والشراب.
والإمام أحمد في "المسند" ١/ ١٥٣، ج ٥/ ٣٢، ٩٨، ١٥٣، ١٦٧، ٢٥٣، وابن ماجه في "سننه" ٢٣٧٠٢: ح: ٣٣٢٦ كتاب الأطعمة: باب ١٦ والترمذي في "سننه" ٥/ ٤٧٠: ح: ٣٣٩٦: كتاب الدعوات: باب ١٦.