تفسير سورة التكاثر

التفسير القرآني للقرآن
تفسير سورة سورة التكاثر من كتاب التفسير القرآني للقرآن المعروف بـالتفسير القرآني للقرآن .
لمؤلفه عبد الكريم يونس الخطيب . المتوفي سنة 1390 هـ

(١٠٢) سورة التكاثر
نزولها: مكية.. نزلت بعد سورة «الكوثر»..
عدد آياتها: ثمانى آيات..
عدد كلماتها: ثمان وعشرون كلمة..
عدد حروفها: مائة وعشرون حرفا..
مناسبتها لما قبلها
الحديث فى هذه السورة، متصل بما قبلها من الحديث عن القيامة، وعما يذهل الناس عنها، ويشغلهم عن الإعداد لها.. وهو المال والتكاثر منه.

بسم الله الرحمن الرّحيم

الآيات (٨- ١) [سورة التكاثر (١٠٢) : الآيات ١ الى ٨]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ (١) حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقابِرَ (٢) كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ (٣) ثُمَّ كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ (٤)
كَلاَّ لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ (٥) لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ (٦) ثُمَّ لَتَرَوُنَّها عَيْنَ الْيَقِينِ (٧) ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ (٨)
التفسير:
قوله تعالى:
«أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ. حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقابِرَ»..
1664
أي أيها الناس، قد شغلكم التكاثر فى الأموال والمتاع، فقطعتم حياتكم فى جمع المال وكنزه، وفى تحصيل الجاه والسلطان، دون أن تلفتوا إلى ما يجمّل العقل، ويغذى الروح، ويكمل النفس.. «حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقابِرَ» أي نزلتم فى قبوركم، وإنها ليست دار مقام لكم، وإنما هى إلمامة تلمّون بها، أشبه بالزائر يطرق مكانا، ثم يرحل عنه. وهكذا أنتم فى هذه القبور التي ستضمكم يوما..
إنها زورة، ثم تحوّلون عنها إلى الحياة الآخرة.. إنها منزل على الطريق إلى البعث، والحساب والجزاء..
فالخطاب هنا عام للناس جميعا، والمؤمنون منهم أولى بهذا الخطاب من غيرهم، إذ كان يرجى منهم أن ينتفعوا به، وأن ينظروا إلى أنفسهم نظرا مجدّدا على ضوئه.
وقوله تعالى:
«كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ».
وكلا، فليس هذا هو الموقف السليم الذي ينبغى أن يقفه الإنسان فى الحياة، وليس هو الطريق القويم الذي يحق له أن يسلكه.. فإن جمع المال للتلهى به، وإشباع شهوات النفس منه، وإرضاء غرورها بالتعالي والتشامخ على الناس، لا لكسب محمدة، أو قضاء حق لله أو للناس- هو ضلال ووبال.. وستعلمون حقيقة هذا لو أنكم نظرتم نظرا عاقلا مستبصرا، ثم كلا.. إنكم لم تحسنوا النظر، ولم تمعنوا الفكر، فما زال علمكم بما أنتم عليه من ضلال، علما لا يحرك شعورا، ولا يثير خاطرا، ولا ينزع بكم إلى أخذ اتجاه غير اتجاهكم.. فأعيدوا النظر، وجددوا البحث فى حالكم تلك، وسوف تعلمون.. وكلا.. فهذا العلم الجديد الذي علمتموه لا يعدّ علما، فما زلتم فى شك وريب من البعث والحساب م ١٠٥- التفسير القرآنى ج ٣٠
1665
والجزاء، ولو كان علما عن يقين، لتغير حالكم، ولما كان هذا موقفكم فى الحياة..
فلو كنتم تعلمون علم اليقين «لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ ثُمَّ لَتَرَوُنَّها عَيْنَ الْيَقِينِ»، وأنتم فى هذه الدنيا، ولعلتم أن العذاب هو جزاء أهل الضلال، وأن العاقل ليرى جهنم فى الدنيا وكأنها ماثلة بين عينيه، فيتوقاها بالإيمان بالله، والعمل الصالح، ويخاف مقام ربه، ويخشى لقاءه بما يجنى من منكرات.. وهذا ما يشير إليه قوله تعالى: «إِنَّما تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ» (١٨:
فاطر).
وقوله تعالى: «ثُمَّ لَتَرَوُنَّها عَيْنَ الْيَقِينِ» أي لرأيتم الجحيم فى الدنيا رؤية علمية يدلكم عليها العقل، فكأنها ماثلة بين أعينكم.. ثم إنكم بعد ذلك: «لَتَرَوُنَّها عَيْنَ الْيَقِينِ» أي رؤية بصرية، واقعية، حيث يشهدها كل من فى المحشر، ويراها رأى العين، كما يقول سبحانه: «وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها» (٧١: مريم) وكما يقول جل شأنه: «وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرى» (٣٦: النازعات) وتوكيد جواب «لو» هنا لتحقق وقوعه مستقبلا..
وذلك لأن «لو» حرف يمتنع جوابها لامتناع شرطها.. وذلك محقق فى الماضي، لأن الشرط لم يقع، فامتنع لذلك وقوع الجواب..
فإذا جاء الشرط والجواب مضارعين، كان الحكم معلقا، فقد يقع الشرط فيقع تبعا لذلك الجواب، وقد لا يقع الشرط فلا يقع الجواب.. تقول لو جاء الضيف لأكرمته.. وهذا يعنى أن الضيف لم يجىء وبالتالى لم يقع إكرامه..
وتقول لو يجىء الضيف لأكرمنّه.. فالضيف لم يجىء بعد، وقد يجىء، فإذا جاء لم يكن بدّ من إكرامه.. والتوكيد للفعل هنا واجب، لأنه حلّ محل
1666
فعل غلب أن يكون ممتنعا وقوعه، وهو جواب لو الماضي الذي يجىء أكثر ما يجىء فعلا ماضيا، فلزم توكيد الجواب هنا، ليقطع كل احتمال لامتناع وقوعه.
وقوله تعالى:
«ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ».
أي ثم إذ ترون الجحيم فى المحشر، تحاسبون على ما أنعم الله به عليكم من نعم، وأجلّها العقل، والرسول، والقرآن.. فمن رعى هذه النعم، وأدى واجب الشكر عليها، نجا من هذه النار، ونزل منازل المؤمنين فى الجنة، ومن كفر يهذه النعم، حرم نعيم الجنة، وألقى به فى عذاب الجحيم.
(١٠٣) سورة العصر
نزولها: مكية.. نزلت بعد سورة الانشراح.
عدد آياتها: ثلاث آيات.
عدد كلماتها: أربع عشرة كلمة.
عدد حروفها: ثمانية وستون حرفا.
مناسبتها لما قبلها
الإنسان الذي ألهاه التكاثر بالأموال، والتفاخر بالجاه والسلطان، دون أن يتزود للآخرة بزاد الإيمان والتقوى، هو هذا الإنسان الخاسر.. وأي خسران أكثر من أنه اشترى الدنيا بالآخرة؟ وهذا ما جاءت سورة العصر لتقرره..
1667
Icon