تفسير سورة قريش

تفسير المراغي
تفسير سورة سورة قريش من كتاب تفسير المراغي .
لمؤلفه المراغي . المتوفي سنة 1371 هـ
آياتها أربع
هي مكية، نزلت بعد سورة التين.
ومناسبتها لما قبلها : أن كلا منهما تضمن ذكر نعمة من نعم الله على أهل مكة : فالأولى تضمنت إهلاك عدوهم الذي جاء ليهدم بيتهم، وهو أساس مجدهم وعزهم ؛ والثانية ذكرت نعمة أخرى هي اجتماع أمرهم، والتئام شملهم، ليتمكنوا من الارتحال صيفا وشتاء في تجارتهم، وجلب الميرة لهم.
ولوثيق الصلة بين السورتين كان أبيّ بن كعب يعتبرهما سورة واحدة، حتى روي عنه أنه لم يفصل بينهما ببسملة.

بسم الله الرحمن الرحيم

شرح المفردات : تقول ألفت الشيء إلفا وإلافا، وآلفته إيلافا : إذا لزمته وعكفت عليه مع الأنس به وعدم النفور منه، وقريش : اسم للقبائل العربية من ولد النضر بن كنانة، والرحلة : ارتحال القوم، أي شدهم الرحال للمسير.
الإيضاح :﴿ لإيلاف قريش* إيلافهم رحلة الشتاء والصيف* فليعبدوا رب هذا البيت ﴾ أي فلتعبد قريش ربها شكرا له على أن جعلهم قوما تجرا ذوي أسفار في بلاد غير ذات زرع ولا ضرع، لهم رحلتان : رحلة إلى اليمن شتاء لجلب الأعطار والأفاويه التي تأتي من بلاد الهند والخليج الفارسي على تلك البلاد ؛ ورحلة في الصيف على بلاد الشام لجلب الحاصلات الزراعية إلى بلادهم المحرومة منها.
وقد كان العرب يحترمونهم في أسفارهم ؛ لأنهم جيران بيت الله، وسكان حرمه، وولاة الكعبة، فيذهبون آمنين، ويعودون سالمين، لا يمسهم أحد بسوء، على كثرة ما كان بين العرب من السلب والنهب والغارات التي لا تنقطع.
فكان احترام البيت ضربا من القوة المعنوية التي تحتمي بها قريش في الأسفار، ولهذا ألفتها نفوسهم، وتعلقت بالرحيل، استدلالا للرزق.
وهذا الإجلال الذي ملك نفوس العرب من البيت الحرام، إنما هو من تسخير رب البيت سبحانه، وقد حفظ حرمته، وزادها في نفوس العرب ردّ الحبشة عنه حين أرادوا هدمه، وإهلاكهم قبل أن ينقضوا منه حجرا ؛ بل قبل أن يدنوا منه.
ولو نزلت مكانة البيت من نفوس العرب، ونقصت حرمته عندهم، واستطالت الأيدي على سفّارهم، لنفروا من تلك الرحلات، فقلت وسائل الكسب بينهم ؛ لأن أرضهم ليست بذات زرع ولا ضرع، وما هم بأهل صناعة مشهورة يحتاج إليها الناس فيأتوهم وهم عقر ديارهم ليأخذوا منها، فكانت تضيق عليهم مسالك الأرزاق، وتنقطع عنهم ينابيع الخيرات.
﴿ فليعبدوا رب هذا البيت ﴾ الذي حماه من الحبشة وغيرهم، ومكن منزلته في النفوس، وكان من الحق أن يفردوه بالتعظيم والإجلال.
شرح المفردات : أطعمهم : أي وسع لهم الرزق، ومهد لهم سبيله، وآمنهم : أي جعلهم في أمن من التعدي عليهم، والتطاول إلى أموالهم وأنفسهم.
ثم وصف رب هذا البيت بقوله :
﴿ الذي أطعمهم من جوع ﴾ أي إنه هو الذي أوسع لهم الرزق، ومهد لهم سبله، ولولاه لكانوا في جوع وضنك عيش.
﴿ وآمنهم من خوف ﴾ أي وآمن طريقهم، وأورثهم القبول عند الناس، ومنع عنهم التعدي والتطاول إلى أموالهم وأنفسهم، ولولاه لأخذهم الخوف من كل مكان، فعاشوا في ضنك وجهد شديد.
وإذا كانوا يعرفون أن هذا كله بفضل رب هذا البيت، فلم يتوسلون إليه بتعظيم غيره، وتوسيط سواه عنده ؟ مع أنه لا فضل لأحد ممن يوسطونه في شيء من النعمة التي هي فيها، نعمة الأمن ونعمة الرزق، وكفاية الحاجة.
اللهم ألهم قلوبنا الشكر على نعمك التي تترى علينا، وزدنا بسطة في العلم والرزق.
Icon