الإجابة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه أجمعين.
لا شك أن النسيان فطري في الإنسان، وما سميّ الإنسان إلا لنسْيه، وهو يختلف عادة من شخص لآخر فيقلّ ويكثر بحسب ما فاوت الله تعالى بين العباد في قوّة الذاكرة.
والقرآن الكريم يتفلّت من الصدور إذا لم يبادر المسلم إلى المراجعة الدائمة والتعاهد المستمر لما يحفظه منه.
ولعل في ذلك حكماً منها الابتلاء والامتحان لقلوب العباد لكي يتميز الفرق بين القلب المتعلق بالقرآن الكريم المواظب على تلاوته والقلب الذي تعلّق به وقت الحفظ ثم فترت همته وانصرف عنه حتى نسيه.
ولعلّ من الحِكَم أيضا تقوية دافع المسلم إلى الإكثار من تلاوة القرآن الكريم لينال الآجر العظيم بكل حرف يتلوه ولو أنه حفظ فلم ينس لما احتاج إلى كثرة التلاوة فيفوت عليه أجر المراجعة والتعاهد، فخشية النسيان تدفعك إلى الحرص على التلاوة ليزيد أجرك عند ربك الكريم، ولك بكل حرف تتلوه حسنة، والحسنة بعشر أمثالها.
ولقد حث الرسول صلى الله عليه وسلم على تعاهد القرآن الكريم خشية النسيان وحذر من التهاون في ذلك كما جاء في أحاديث عديدة، منها .
1-ما رواه البخاري عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تعالى عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: « » (البخري:5031)
والمعروف أن الإبل إذا ذهبت وتفلتت من صاحبها لا يقدر على الإمساك بها إلا بعد تعب ومشقة فكذلك صاحب القرآن إن لم يتعاهد حفظه بالتكرار والمراجعة انفلت منه واحتاج إلى مشقة كبيرة لاسترجاعه.
قال الحافظ ابن حجر في (الفتح:9/79) في شرحه لهذا الحديث الشريف: ما دام التعاهد موجوداً فالحفظ موجود، كما أن البعير ما دام مشدوداً بالعقال فهو محفوظ، وخصّ الإبل الذكر لأنها أشد الحيوان الإنسي نفوراً، وفي تحصيلها بعد استكمان نفورها صعوبة.
2- وروى مسلم في صحيحه رقم (790و791) عن أبي موسى رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « ».
3- وروى البخاري رحمه الله تعالى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله تعالى عنه قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «صحيح البخاري:5032)
» (قال الحافظ في (الفتح:9/81): قال ابن بطال هذا حديث يوافق الآيتين: قول الله تعالى: {إنا سنلقي عليك قولاً ثقيلاً} وقول الله تعالى: {ولقد يسرنا القرآن للذكر}.
فمن أقبل عليه بالمحافظة والتعاهد يسّرّ له، ومن أعرض عنه تفلّت منه.
وفي هذا حض على دوام مراجعة الحفظ وتكرار التلاوة خشية النسيان وقد ضرب الرسول صلى الله عليه وسلم هذا المثل لأنه أقرب في توضيح المقصود، كما أكد ذلك بالقسم «
» تأكيداً على أهمية تعاهد القرآن ومراجعة الحفظ.3ـ وأما ما روي عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "عرضت علي ذنوب أمتي فلم أر ذنباً أعظم من سورة من القرآن أو آية أوتيها رجل ثم نسيها".
فهو حديث ضعيف ضعفه البخاري والترمذي وانظر تخريج مشكاة المصابيح للألباني رقم (720)
قال الإمام ابن المنادى رحمه الله تعالى في متشابه القرآن (ص:52):
مازال السلف يرهبون نسيان القرآن بعد الحفظ لما في ذلك من النقص.
وقال السيوطي في (الإتقان:1/106):
ونسيانه كبيرة صرح به النووي في الروضة وغيرهما لحديث عُرضت علي ذنوب أمتي ..
ومن أعظم ما يٌعين على تذكّر القرآن الكريم وتثبيت حفظه: القيام به في الصلاة وتلاوته فيها وخصوصا قيام الليل وكان السّلف يتلونه في النهار ويقومون به في الليل.
فإذا كنت أيها الأخ السائل مجتهدا في مراجعة القرآن الكريم ومتعاهدا له فليس عليك إثم ولو حصل لك نسيان بعضه وإنما الذمّ واللوم على من فرّط وضيّع وأهمل وترك المراجعة والتعاهد نسأل الله تعالى المغفرة.
اللهم اجعل القرآن العظيم ربيع قلوبنا ونور صدورنا وجلاء أحزاننا وذهاب همومنا، اللهم علمنا منه ما جهلنا وذكّرنا منه ما نُسّينا إنك أنت السميع العليم.