الإجابة
أما السؤال فالآيتان ليستا منسوختين، بل هما محكمتان وقوله جل وعلا: إِلا مَا شَاءَ رَبُّكَ اختلف أهل العلم في بيان معنى ذلك مع إجماعهم بأن نعيم أهل الجنة دائم أبداً، لا ينقضي ولا يزول ولا يخرجون منها ولهذا قال بعده سبحانه: عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ لإزالة ما قد يتوهم بعض الناس من أن هناك خروجاً فهم خالدون فيها أبداً وهذا العطاء غير مجذوذ أي غير مقطوع، ولهذا في الآيات الأخرى يبيّن هذا المعنى فيقول سبحانه: إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (45) ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ آمِنِينَ قوله آمنين أي أمن من الموت، وأمن من الخروج، وأمن من الأمراض، والأحزان وكل كدر، وقوله: وَنَـزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ (47) لا يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ فهم فيها دائمون، لا يخرجون، وقال عز وجل: إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ (51) فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (52) يَلْبَسُونَ مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَقَابِلِينَ (53) كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ (54) يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَاكِهَةٍ آمِنِينَ (55) لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلا الْمَوْتَةَ الأُولَى وَوَقَاهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ (56) فَضْلا مِنْ رَبِّكَ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ فأخبر سبحانه أن أهل الجنة في مقام أمين لا يعتريه خراب ولا زوال، وأنهم آمنون أيضاً فلا خطر عليهم من الموت، ولا مرض ولا خروج ولا حزن ولا غير ذلك، وأنهم لا يموتون فيها أبداً، فعلم بهذا أن أهل الجنة مخلدون فقوله: إِلا مَا شَاءَ رَبُّكَ قال بعض أهل العلم: معناه مدة مقامهم في القبور، ليسوا في الجنة وإن كان المؤمن في روضة من رياضها وفي نعيم ، لكن ذلك ليس هو الجنة، وإنّما هو شيء من الجنة، فإنه يفتح إلى المؤمن في قبره باب من الجنة، يأتيه من ريحها وطيبها ونعيمها، ولكنه ليس المحل الجنة، بل ينقل إليها بعد ذلك إلى الجنة فوق السماوات في أعلى شيء، وقال بعضهم: معنى إِلا مَا شَاءَ رَبُّكَ يعني مدة مقامهم في موقف القيامة للحساب والجزاء، هذا مستثنى بعد خروجهم من القبور، فإنهم بعد ذلك ينتقلون إلى الجنة، وقال بعضهم: هو من الأمرين، مدة بقائهم في القبور، ومدة بقائهم في الموقف ومرورهم على الصراط، هذه الأوقات كلها زائدة ليسوا في الجنة لكن ينقلون منها إلى الجنة فقوله إِلا مَا شَاءَ رَبُّكَ يعني إلا وقت مقامهم في القبور وإلا وقت مقامهم في الموقف وإلا وقت مرورهم على الصراط فهم في هذه الحالة ليسوا في الجنة، ولكنهم منقولون إليها، وسائرون إليها وبهذا يعلم أن المقام مقام واضح، ليس فيه شبهة ولا شك ولا ريب، فأهل الجنة منعّمون فيها وخالدون، أبد الآباد، لا موت ولا مرض ولا خروج ولا كدر ولا حزن ولا حيض ولا نفاس، ولا شيء من الكدر أبداً، بل في نعيم دائم وخير دائم، وهكذا أهل النار مخلدون فيها أبد الآباد، لا يخرجون منها ولا تخرب أيضاً هي بل تبقى وهم باقون فيها وقوله: إِلا مَا شَاءَ رَبُّكَ قيل فيه مدّة بقائهم في المقابر، أو مدة مقامهم في الموقف مما تقدم في أهل الجنة، وهم بعد ذلك يساقون إلى النار ويخلدون فيها أبد الآباد نسأل الله العافية، كما قال عز وجل في سورة البقرة: كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ وقال عزّ وجلّ في سورة المائدة في حق الكفرة: يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ قال بعض السلف: إن النار لها أمد ولها نهاية ، بعدما يمضي عليها آلاف السنين والأحقاب الكثيرة، إنها تنتهي وإنهم يموتون أو يخرجون، وهذا قول ليس بشيء عند أهل السنة والجماعة، قول ضعيف والذي عليه عموم أهل السنة والجماعة، وإجماع أهل السنة والجماعة أنها باقية أبد الآباد وأنهم لا يخرجون منها وأنها لا تخرب أيضاً بل هي باقية أبد الآباد في ظاهر القرآن الكريم وظاهر السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم، نسأل الله العافية والسلامة. وفي قوله سبحانه وتعالى: إِلا مَا شَاءَ رَبُّكَ هذا من المشتبه ولهذا اختلف تفسيرهم له ولكنه يقيناً أنه قبل دخولهم الجنة، فإن هذا مستثنى قبل دخولهم الجنة، فإما أن يراد به مقامهم في القبور، أو مقامهم في موقف الحساب وأمّا بعد دخولهم الجنة فلا يخرجون منها أبد الآباد بإجماع المسلمين .