الوقفات التدبرية

(الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) : -- (الرَّحْمَنِ) على وزن فعلان...

﴿الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ : -- ﴿الرَّحْمَنِ﴾ على وزن فعلان و﴿الرَّحِيمِ﴾ على وزن فعيل ومن المقرر في علم التصريف في اللغة العربية أن الصفة فعلان تمثل الحدوث والتجدد والامتلاء والاتصاف بالوصف إلى حده الاقصى فيقال غضبان بمعنى امتلأ غضباً لكن الغضب يزول ومثل ذلك عطشان، جوعان يكون عطشان فيشرب فيذهب العطش، أما ﴿الرَّحِيمِ﴾ على وزن فعيل فهي تدل على الثبوت مثل طويل، جميل، قبيح فلا يقال خطيب لمن ألقى خطبة واحدة وإنما تقال لمن يمارس الخطابة وكذلك الفقيه. -- هذا الاحساس اللغوي بصفات فعلان وفعيل لا يزال في لغتنا الدارجة إلى الآن فنقول بدا عليه الطول (طولان) فيرد هو طويل (صفة ثابتة) فلان ضعفان (حدث فيه شيئ جديد لم يكن) فيرد هو ضعيف (هذه صفته الثابتة فهو أصلا ضعيف). -- ولذا جاء سبحانه وتعالى بصفتين تدلان على التجدد والثبوت معاً فلو قال الرحمن فقط لتوهم السامع أن هذه الصفة طارئة قد تزول كما يزول الجوع من الجوعان والغضب من الغضبان. ولو قال رحيم وحدها لفهم منها أن صفة رحيم مع أنها ثابتة لكنها ليست بالضرورة ظاهرة على الدوام فعندما يقال فلان كريم فهذا لا يعني انه لا ينفك عن الكرم لحظة واحدة وإنما الصفة الغالبة عليه هي الكرم. فجاء سبحانه بالصفتين مجتمعتين ليدل على أن صفاته الثابتة والمتجددة لا ينفك عن إحداهما فرحمته لا تنقطع وهذا ياتي من باب الاحتياط للمعنى . * قدم سبحانه الرحمن على الرحيم لأن صيغة الرحمن هي الصفة المتجددة وفيها الامتلاء بالرحمة لأبعد حدودها فالانسان في طبيعته عجول وكثيراً ما يؤثر الشيئ الآتي السريع وإن قل، لذا جاء سبحانه بالصفة المتجددة فرحمته قريبة ومتجددة ولا تنفك لأن رحمته ثابتة. * يقول علماؤنا الرحيم تختص بالمؤمنين وجاءت في المرحلة الثانية بعد الرحمن، وفي البسملة بعد لفظ الجلالة ثم الرحمن لأن لفظة الله لا يُسمّى بها مخلوق وكذلك كلمة الرحمن لا يسمى بها مخلوق ولا حتى بالإضافة، أما الرحيم فقد يوصف بها البشر لأنها رحمة لكنها قليلة بالقياس إلى الرحمن، ولقد وُصِف محمد (ص) بالرحيم ﴿بِالْمُؤْمِنينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ﴾. * وقوع كلمة الرحيم بعد كلمة الرب يدلنا على أن الرحمة هي من صفات الله تعالى العليا وفيها إشارة إلى أن المربي يجب أن يتحلى بالرحمة وتكون من أبرز صفاته وليست القسوة والرب بكل معانيه ينبغي أن يتصف بالرحمة سواء كان مربياً او سيداً او قيماً وقد وصف الله تعالى رسوله بالرحمة.

ﵟ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ ﵞ سورة الفاتحة - 3


Icon