الوقفات التدبرية

آية (١٦٤) : (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ...

آية (١٦٤) : ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللّهُ مِنَ السَّمَاء مِن مَّاء فَأَحْيَا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخِّرِ بَيْنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾ * قال ربنا ﴿وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ﴾ فاستخدم كلمة تصريف للدلالة على أحوال الرياح ولم يستخدم كلمة أخرى كالهبوب مثلاً : ذلك لأن هذه الكلمة قد جمعت أحوال الرياح التي يحتاج إليها الإنسان وفي كل حالة من أحوالها آية من آيات وجود الخالق وعظيم قدرته سبحانه . فهبوب الريح مثلاً يحتاج إليه أهل موضع لتخفيف الحرّ عنهم وقد يحتاج أهل موضع آخر إلى إختلاف هبوبها لتجيء رياح رطبة بعد رياح يابسة أو تهب من جهة الساحل مسيّرةً السفن إلى البحر أو تهب إلى جهة الساحل ليرجع أهل السفن من أسفارهم . فكل تلك الأحوال التي أنعم الله تعالى بها على الناس وغيرها كثير اجتمعت في قوله تعالى ﴿وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ﴾ . * الفرق بين استعمال ريح ورياح في القرآن الكريم : كلمة ريح في القرآن الكريم تستعمل للشّر كما في قوله (فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي أَيَّامٍ نَّحِسَاتٍ (١٦) فصلت) . أما كلمة الرياح فهي تستعمل للخير كالرياح المبشّرات ﴿وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ﴾ ﴿وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ﴾ ﴿وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ﴾ . * ما دلالة وصف السحاب في الآية بالمسخر؟ الآية في سياق تعداد نِعم الله سبحانه وتعالى فالله تعالى خلق السموات والأرض وتعاقب الليل والنهار لأجل الإنسان ، والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس من رحمة الله سبحانه ليس أمراً سهلاً لكن ألِفناه ، وما أنزل الله من السماء من ماء وكل ما يتناوله الإنسان والنبات والحيوان وهذه الدواب التي على الأرض مما مصدره السحاب ، والسحاب يتحرك بالرياح ولذلك أكّده ﴿والسحاب المسخر﴾ يعني هو مهيأ ومُعدّ لكم . كل هذا ﴿لآيات لقوم يعقلون﴾ . كلمة سحاب هي إسم جنس جمعي لفظ مفرد معناه جمع وليس له واحد من لفظه ، والسحابة هي القطعة من السحاب وليست واحدة من السحاب والقطعة مجزّأة تماماً مثل كلمة ماء . السحاب يُذكّر ويؤنّث فالعرب تقول ظهر السحاب وظهرت السحاب ، لكن الإحالة عليه بالضمير بالمفرد المذكّر يعني تقول السحاب رأيته ولا تقول السحاب رأيتها ، فإذا جمعته على سُحُب تؤنّث تقول السحب رأيتها ولا تقول السحب رأيته .

ﵟ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ﵞ سورة البقرة - 164


Icon