الوقفات التدبرية

آية (١٤) : (وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا...

آية (١٤) : ﴿وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ﴾ * ﴿وَمِنَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّا نَصَارَى﴾ فالله لم يقل عنهم إنهم نصارى وفي هذا التعبير تقريع ولوم على هذا الضعف من القوم الذين يدعون بالقول واللسان انتسابهم إلى عيسى عليه السلام وفعلهم يخالف قولهم ومعتقدهم. * ﴿فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء﴾ : - الإغراء هو الحث على فعل ما وتحسينه في نظر الذي يراد إغراؤه حتى لا يتأخر ولا يتكاسل عن تحصيله بأي وجه. وقد استخدم الله هذا الفعل مع كلمتي العداوة والبغضاء ليدلنا على عظم العداوة بينهم ورغبتهم في إثارتها بين الحين والآخر.- - أو أن أصل الكلمة نجدها مأخوذة من الغراء الذي هو نوع من الصمغ اللاصق. فأغرينا معناها ألقينا بينهم العداوة وألصقناها بهم فهي لاصقة بهم. * الفرق بين ﴿فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء﴾ و﴿وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ﴾ في الآية (٦٤) : الإغراء أشد من الإلقاء ففيه صفة الإلتصاق الشديد، كلمة أغرينا استعملت مع النصارى وكلمة ألقينا استعملت مع اليهود: - أهل الكتاب حينما جاءت التوراة أحدثوا فيها تغييراً بعد مدة قصيرة، وحينما جاء الإنجيل بعد مدة قصيرة أحدثوا فيه تغييراً ونقضوا ميثاقهم ﴿وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ﴾ مما أدى بهم إلى أن يتفرقوا ويختلفوا ودخلت أيدي البشر في الكتاب المقدس المنزل من عند الله سبحانه وتعالى، فتفرقت أمة اليهود في وجهات نظرهم فيما أدخلوه، وتفرقت أمة النصارى تفرقاً مضاعفاً لأنهم اعتمدوا التوراة المحرفة (مايسمونه العهد القديم) وحرّفوا ما عندهم (يسمونه العهد الجديد) فيستحقون أن تكون عقوبتهم مضاعفة لذا استعملت معهم كلمة ﴿فَأَغْرَيْنَا﴾، وعقوبة الاختلاف هذه نحن نلمسها حيث نجد اليهود متفقين في الظاهر لخوفهم من العدو المحيط بهم لأن خلافهم في الغالب في القضايا الدنيوية ولا تجد بينهم من الحروب ما وقع بين النصاري الذين يختلفون أيضًا في طبيعة نبيّهم عليه السلام، أي في عقيدتهم فاستحقوا أن يعاقبوا فصاروا فرقاً بينهم من الخلافات ماهو أشد وأدهى مما بين اليهود.

ﵟ وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَىٰ أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ ۚ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ ﵞ سورة المائدة - 14


Icon