الوقفات التدبرية

آية (١٧) : (أَفَمَن كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ وَيَتْلُوهُ...

آية (١٧) : ﴿أَفَمَن كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إَمَامًا وَرَحْمَةً أُوْلَـئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَن يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ فَلاَ تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِّنْهُ إِنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يُؤْمِنُونَ﴾ * حكمة الترتيب في ذكر البينة ثم الشاهد ومن قبله كتاب موسى: صحة الحكم في القضاء تستند إلى أمرين البينة أو الشهود العدول، فإذا اجتعمت تصبح حجة دامغة، هو الآن ذكر بينة وشاهد لما كانت الدعوة أنه عليه الصلاة والسلام مرسل من ربه، إذن يحتاج بينة من ربه وإضافة إلى ذلك يجب أن يكون شاهد من ربه، إذن صارت البينة شاهد عدل قطعاً لأنه من ربه، ذكر كلاهما ولكنه لم يكتف بهذا قال أيضاً هنالك شاهد آخر وهو كتاب سابق من ربه شهد بنبوة محمد عليه الصلاة والسلام قال صراحة أنه سياتي هذا الرسول وذكر اسمه ومكان نشاته وأين نزل الوحي وعلامته البدنية ومن أي شعب هو؟ وإلى أين يهاجر؟ هذا في التوراة الحالية سفر التثنية الإصحاح ٤٣، الآية رقم ٢ ، هم رقّموها: "جاء الرب من سيناء وأشرق لنا من ساعير واستعلن من جبل فاران ومعه ألوف الأطهار" "جاء الرب" يعني شريعة الرب، و"ساعير" مكان المسيح فلسطين، "واستعلن" سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام نزل عليه الوحي في غار حراء "من جبل فاران" فاران مكة بالإجماع والحجاز إسمها فاران أصلاً، وفي التوراة أن إبراهيم جعل إسماعيل في بادية فاران، " ومعه ألوف الأطهار" أي الذين معه وهذه الجملة موجودة في بعض النسخ ومحذوفة في نسخة أخرى، ثم أشار إلى الهجرة وقال "لتترنم سكان سالع" سالع هذا جبل في المدينة، يتكلم بعد الهجرة، وذكر الشامة على كتفه. ﴿بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى﴾ هذه كلها تأكيدات على نبوة سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام. * لم يذكر لفظ الجلالة ولكن قال ﴿بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ﴾ الرب في اللغة هو المربي والمرشد والموجّه والمعلم إذن هو الأنسب لذكر البينة الذي يبيّن، وفي القرآن كله لم ترد البينة مقترنة إلا مع الرب، لم ترد مع الله. * ﴿وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ﴾ مضارع فيه تجدد واستمرار ما قال تلاه، ذكر شاهدين شاهد من قبله كتاب موسى، وشاهد يتلوه فاستغرق كل الزمن الماضي والحال والاستقبال، فهذا الشاهد يمكن أن يكون مستمراً إلى يوم القيامة، وفي كل زمان قد يظهر شاهد ودليل جديد على صحته ولا تنقضي عجائبه. * قال ﴿وَمَن يَكْفُرْ بِهِ﴾ ولم يقل من كفر حتى يشمل كل من يكفر إلى يوم القيامة. * ﴿فَلاَ تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِّنْهُ﴾ ﴿تَكُ﴾ وليس تكن: نحوياً تصح تكُ وتكُن، لكن بعد أن ذكر الأمور وكل واحد منها كافي في إثبات الدعوة قال ﴿فَلاَ تَكُ﴾ يعني إحذف أي شك أو ريبة من نفسك كما حذف النون من أصل الكلمة. * ﴿وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يُؤْمِنُونَ﴾ بعد أن ذكر هذه الأمور البينة من ربه والشاهد من ربه والكتاب من ربه والحق من ربه ماذا بقي؟! لا شيء، ثم لعله يبقى في النفس شيء بأن لعله يرى أنه كيف لا يؤمن الناس بعد كل هذه، فاحتاط بعد ذلك حتى يقطع كل شك لعله في النفس أنه لماذا هؤلاء لا يؤمنون فقال له إذا رأيت أكثر الناس لا يؤمنون فهذه طبيعتهم. * النهي الذي ورد في الآية ﴿فَلاَ تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِّنْهُ إِنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يُؤْمِنُونَ﴾ أبلغ ما يكون النهي: - جاء بالفاء الدالة على السبب يعني بعد أن ذكرنا الأسباب الموجبة على صحة الدعوة ﴿فَلاَ تَكُ﴾ . - ثم جاء بالنهي ﴿لا﴾ . - ثم حذف النون ﴿تَكُ﴾ . - ثم قال ﴿فِي مِرْيَةٍ﴾ ولم يقل على مرية أو ممترياً أو شاكاً، ﴿في﴾ ظرفية يعني لا تكن في الشك كما يكون الشخص في اللُجة أُخرج منها. - ثم نكّر المرية حتى يشمل كل شك. - ثم قال ﴿مِّنْهُ﴾ من القرآن، لم يقل لا تك في مرية لأن الإنسان يشك في أمور كثيرة لكن المقصود هنا القرآن. - ثم قال ﴿إِنَّهُ الْحَقُّ﴾ أكّد بـإنّ ثم عرّف الحق ليدل على أنه وحده الحق ولا حق سواه، فلو اتبعت أي كتاب آخر كان اتباعك باطلاً، فكل كتاب آخر منسوخ. - ثم ذكر الجهة التي تدل على أحقيته ﴿مِن رَّبِّكَ﴾ . - ثم قال ﴿وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يُؤْمِنُونَ﴾ حتى يحتاط للمسألة. - حذّر قبلها بأن الذي لا يؤمن موعده النار ﴿وَمَن يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ﴾ .

ﵟ أَفَمَنْ كَانَ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَىٰ إِمَامًا وَرَحْمَةً ۚ أُولَٰئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ ۚ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ ۚ فَلَا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ ۚ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ ﵞ سورة هود - 17


Icon