الوقفات التدبرية

آية (٢٠) : (أُولَـئِكَ لَمْ يَكُونُواْ مُعْجِزِينَ فِي الأَرْضِ...

آية (٢٠) : ﴿أُولَـئِكَ لَمْ يَكُونُواْ مُعْجِزِينَ فِي الأَرْضِ وَمَا كَانَ لَهُم مِّن دُونِ اللّهِ مِنْ أَوْلِيَاء يُضَاعَفُ لَهُمُ الْعَذَابُ مَا كَانُواْ يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَمَا كَانُواْ يُبْصِرُونَ﴾ * في قوله ﴿مُعْجِزِينَ﴾ لم يذكر المفعول به أنت إذا قلت هل فلان يسمع؟ تقول لا يسمع، إذا جئت بمفعول فأنت تعلقه بذلك المفعول، لكن إن لم تحدد فأنت تنفي عنه صفة السمع أصلًا، وفي الآية هو لا يريد أن يحدد فهم ليسوا معجزين لا لخالق ولا لمخلوق ولا لأي أحد هم أضعف من أي شيء، هذا إطلاق فليس لديهم صفة إعجاز يتصفون بها نفاها عنهم أصلًا. * ﴿مُعْجِزِينَ﴾ بالإسمية ولم تأت بالفعلية يعجزون مثلًا: الاسم أقوى وآكد وأثبت من الفعل، فهذه صفتهم الثابتة أصلاً وليست صفة عابرة. * إذا كانت هذه صفتهم فلماذا حددها بالأرض؟ الإنسان أقوى ما يكون وأعز ما يكون أليس في بلده ومستقره؟ بلى، فإن كان غريباً؟ لا حول له ولا قوة، هؤلاء في مكانهم معجزين، نفاها في مكانهم في موضعهم الذين هم أعز فيه، إضافة إلى ضعفهم هم ليس هنالك من ينصرهم ﴿وَمَا كَانَ لَهُم مِّن دُونِ اللّهِ مِنْ أَوْلِيَاء﴾ . * ﴿مِنْ أَوْلِيَاء﴾ هذه ﴿من﴾ الاستغراقية، تفيد الاستغراق والتوكيد والنفي المطلق. * جمع أولياء مع أنه في آية أخرى أفرد (وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ (١١٦) التوبة) : ﴿من ولي﴾ أشمل في النفي، لكن هنا لا يصح الإفراد لأن الكلام في الآخرة والآخرة جماعات مختلفة وأزمان مختلفة وبين الجماعات أحياناً قرون متطاولة هؤلاء لا يمكن أن يكون لهم ولي واحد، كل واحد له وليّ، كل جماعة لهم وليّ غير الله، إضافة إلى أنه لم ترد ﴿مِنْ أَوْلِيَاء﴾ أبداً في القرآن الكريم إلا في الآخرة وعندما يقول ﴿ولي﴾ تكون في الدنيا. * ﴿يُضَاعَفُ لَهُمُ الْعَذَابُ﴾ لأنهم جمعوا أكثر من حالة، فيها افتراء وكذب على الله وكفر بالآخرة، وصد عن سبيل الله، هذه ذنوبهم وذنوب غيرهم ويبغونها عوجاً إذن سيتحملون ذنوبهم وذنوب غيرهم وقطعاً يضاعف لهم العذاب. * قدّم السمع على الإبصار مع أنه في الكهف قدّم آلة الإبصار على السمع: في سياق آية هود ذكر ما يُسمع، ذكر الكذب، والافتراء على الله ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبًا﴾ ﴿هَـؤُلاء الَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى رَبِّهِمْ﴾ الكذب يُسمع فقدّم السمع، بينما في الكهف ذكر ما يُرى وهو عرض جهنم قال (وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِّلْكَافِرِينَ عَرْضًا (١٠٠) الَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَاء عَن ذِكْرِي وَكَانُوا لَا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا (١٠١)) هذا مما يُرى. * في سورة هود عرّف السمع ﴿مَا كَانُواْ يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ﴾ أما في الكهف فهو منكّر ﴿وَكَانُوا لَا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا﴾ : في هود آلة السمع غير معطلة فهم كانوا يسمعون لكن يستثقلون نوع معين من الكلام ويكرهونه فيما يتصل بالدعوة المرسلة من قبل النبي والإسلام والدين ولذلك عرّفه ليدل على نوع معين من الكلام. في الكهف آلة السمع معطلة وآلة الإبصار معطلة، لأن هنالك غطاء، فإذن السمع ليس خاصاً بأمر معين، أيّ سمع إثباتًا لعدم الاستطاعة فجاءت نكرة. * اللمسة البيانية في استخدام كلمة السماء في آية سورة العنكبوت وعدم استخدامها في آية سورة هود: الكلام في سورة هود متعلق بالآخرة وبمحاسبة أهل الأرض أما السياق في سورة العنكبوت ففي الدعوة إلى النظر والتدبر في العلم والبحث (أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (١٩)... وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (٢٢)) وهذا الذي يجعل الإنسان ينفذ إلى السماء وحتى عند ذلك لن تكونوا معجزين هناك، ثم إن كلمة السماء نفسها وردت في سورة العنكبوت ٣ مرات وفي هود مرتين.

ﵟ أُولَٰئِكَ لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ۘ يُضَاعَفُ لَهُمُ الْعَذَابُ ۚ مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَمَا كَانُوا يُبْصِرُونَ ﵞ سورة هود - 20


Icon