الوقفات التدبرية

آية (٥) : (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ...

آية (٥) : ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِّنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاء إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّى وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ﴾ * في سورة الحج ﴿طِفْلاً﴾ بالإفراد وفي سورة النور ﴿الْأَطْفَالُ﴾ بالجمع : كلمة طفل تأتي للمفرد والمثنى والجمع فنقول جارية طفل وجاريتان طفل وجواري طفل. في سورة الحج الآية تتكلم عن خلق الجنس وليس عن خلق الأفراد فكل الجنس جاء من نطفة ثم علقة ثم مضغة. في سورة النور ﴿وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا﴾ السياق مبني على علاقات الأفراد وليس على الجنس لأن الأطفال لما يبلغوا ينظرون إلى النساء كل واحد نظرة مختلفة فقال (لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ) فاقتضى الجمع هنا. * في سورة الحج عبّر عن الأرض قبل نزول المطر بأنها ﴿هَامِدَةً﴾ وفي فصلت ﴿خَاشِعَةً﴾ : في سورة الحج السياق ﴿وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً﴾ جو بعث وإحياء وإخراج مما يتسق معه تصوير الأرض بالهمود وهي درجة بين الحياة والموت. في سورة فصلت السياق (وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (٣٧) فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِندَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُمْ لَا يَسْأَمُونَ (٣٨) وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ (٣٩)) هو جو عبادة وخشوع وسجود يتسق معه تصوير الأرض بأنها خاشعة، هي لا تكون ميتة بل معبأة ببذور ومهيأة بالكامل عندما ينزل مطر تصبح كل هذه الحياة كالقلب الخاشع إذا نزل عليه الذكر يخرج كل ما في قلبه من خير. * الفرق بين همدت وخمدت: الهمود إذا أُطفئ الجمر، همدت انطفأت وماتت، همد تحمل معنى الموت. الخمود هو سرعة انطفاء اللهب وبقاء الجمر، فالخمود لا يعني الفناء وإنما ذهاب اللهب والحرارة، لا تحتمل معنى الموت. * في سورة لقمان ﴿فَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ﴾ وفي سورتي الحج وق ﴿وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ﴾ : الكريم هو بالغ الجودة والنفاسة كثير الخير والمنفعة، والبهيج الذي يدخل البهجة على النفوس، والصفات تتعدد لللموصوف الواحد بحسب المقام والسياق. في سورة الحج (وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (٥)) ناسب بين الهمود وبين البهجة، هذه هامدة لا بهجة فيها مطلقًا. فى سورة لقمان يذكر أنه آتاه الله الحكمة (وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ (١٢)) والحكمة هي بالغة الخير والنفاسة والجودة ﴿وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا﴾ فهذا الكرم مناسب للحكمة وما فيها الخير الكثير ومناسبة لما سيذكر بعدها من الحكمة. في سورة ق (أَفَلَمْ يَنظُرُوا إِلَى السَّمَاء فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِن فُرُوجٍ (٦) وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (٧)) لما قال وزيناها أليست الزينة لإدخال البهجة على النفوس؟ بلى، إذن كلمة بهيج مناسبة للزينة التي ذكرها في السماء ﴿مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ﴾ ثم يقول ﴿وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَّهَا طَلْعٌ نَّضِيدٌ﴾ كلها يدخل البهجة.

ﵟ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ ۚ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَىٰ أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ۖ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّىٰ وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَىٰ أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا ۚ وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ ﵞ سورة الحج - 5


Icon