الوقفات التدبرية

آية (٤٩) : (وَرَسُولاً إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ...

آية (٤٩) : (وَرَسُولاً إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللّهِ وَأُبْرِىءُ الأكْمَهَ والأَبْرَصَ وَأُحْيِـي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللّهِ وَأُنَبِّئُكُم بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ) * الخلق يأتي بمعنيين في القرآن الكريم: - أولهما الخلق بمعنى التصرف والإيجاد المطلق وهذا لله تعالى فقط والايجاد من عدم هو فعل الله تعالى فقط كما خلق تعالى آدم وخلق الماء والروح والتراب وكل الموجودات في الكون. - وثانيهما الخلق بمعنى التصرف والإيجاد المقيّد بمعنى التصوير، وهذا للبشر لأنه يخلق من موجودات في الكون وخلق البشر هو عبارة عن تصوره لشيء ثم يخلق هذا الشيء من خامات موجودة فعلاً. والفرق بين خلق الله تعالى المطلق وخلق البشر المقيّد هو:  أن الله تعالى يخلق من عدم أما البشر فيخلق من خامات موجودة في الكون.  أن خلق الله تعالى يتكاثر أما خلق الانسان فليس له قدرة على التكاثر بنفسه. الاستنساخ لا يعتبر خلقاً وإنما هي خلية تتكاثر والله تعالى هو الذي أعطى هذه الخلية القدرة على التكاثر وليس البشر.  خلق الله تعالى له القدرة على النمو وله عمر محدد وأجل مسمى أما خلق البشر فلا. * خلق عيسى هيئة الطير ولم يخلق طيراً وهذه الهيئة صارت طيراً بإذن الله في المرحلة الثانية ﴿فيكون طيراً بإذن الله﴾ سميّ طيراً لما نفخت فيه الروح بإذن الله تعالى. * عيسى ما أحيا الموتى من عند نفسه لكن هذه معجزة من الله تعالى، فالله سبحانه لا يجعل العصي أفاعي لكنه جعلها أفعى معجزة لموسى ولذلك قال الله تعالى على لسان عيسى عليه السلام ﴿بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ﴾ ﴿بِإِذْنِ اللّهِ﴾ ما قال من عندي وهي علامة على صدق نبوته، فالله سبحانه وتعالى يعطّل قوانينه لأجل الأنبياء؛ فالنار تحرق هذا قانون لكن عطّل القانون لإبراهيم. * الفرق بين قوله تعالى ﴿بِإِذْنِ اللَّهِ﴾ وقوله ﴿بِإِذْنِي﴾ في سورة المائدة : - في سورة آل عمران الكلام (حكاية حال ماضية) كان على لسان سيدنا عيسى عليه السلام ﴿أَنِّي قَدْ جِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ﴾ ما هذه الآية ﴿أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللّهِ(49)﴾ يتكلم عن نفسه فقال ﴿فأنفخ﴾. فى آية سورة المائدة الكلام من الله سبحانه وتعالى إلى عيسى (إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ .. وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَى بِإِذْنِي..(١١٠)) الكلام من الله عز وجل فقال ﴿تخلق﴾ ﴿فَتَنْفُخُ فِيهَا﴾. - إذا فهم أحدهم من آية آل عمران ﴿بإذن الله﴾ أن عيسى هو الله كما يقولون افتراء فليعد إلى سورة المائدة التي فيها الكلام موجه من الله تعالى إلى عيسى ﴿بإذني﴾ لأن الله تعالى يعلم أن هناك من سيدّعي ألوهية عيسى فقطع عليهم تعالى خط من زعم الألوهية حتى يفهم الناس أن الذي يبرئ الأكمه والأبرص ويحي الموتى هو الله تعالى وليس عيسى فالقرآن يدعم بعضه بعضاً. * تكررت ﴿وَإِذْ﴾ في آية المائدة ولم تذكر في آل عمران لأنه في المائدة تعداد لنِعم الله سبحانه وتعالى على عيسى عليه السلام، أما في آل عمران كان نوع من بيان حال عيسى وهو يتكلم وليس تعداداً للنعم. *(وَأُبْرِىءُ الأكْمَهَ والأَبْرَصَ وَأُحْيِـي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللّهِ) خصّ الله تعالى معجزة عيسى عليه السلام بشفاء هذه الأمراض لأنك لو عدت إلى التوراة لوجدت اهتماماً بالغاً في أحكام الأبرص الذي أطال في بيانها بعدما وصفه الوحي لموسى عليه السلام وكيف يمكن علاجه فجاءت هذه المعجزة فائدة لهم في دينهم ودنياهم ودليلاً آخر على فقه عيسى عليه السلام بالتوراة وأحكامها. * أربعة مدلولات لفظية تنزّه الله تعالى وتثبت صفاته وتنفي ألوهية عيسى عليه السلام كما يدّعيها البعض : اولاً: قوله ﴿وَرَسُولاً إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ﴾ كونه رسول يقتضي مرسِلاً أي لا بد أن يكون هناك من أرسله وهو الله تعالى، وكل المعجزات التي تؤيد صدق الرسالة لا بد أن تكون ممن أرسله وليس من نفسه. ثانياً: قوله تعالى ﴿أَنِّي قَدْ جِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ﴾ الآية هي المعجزة والعلامة والبرهان فالذي جاء به عيسى هو آية من الله تعالى لذا قال ﴿مِّن رَّبِّكُمْ﴾ واختيار لفظ من ربكم ليستثير الإيمان فيهم ونوازع اليقين. ثالثاً: قوله ﴿بِإِذْنِ اللَّهِ ﴾ نقلت الفعل من دائرة الامكان بالنسبة لعيسى إلى دائرة القدرة والاستطاعة لله تعالى. رابعاً: تكرار قوله ﴿بِإِذْنِ اللَّهِ﴾ تنسب الفعل إلى الله تعالى وأن المعجزات كانت من قبله تعالى وليس من قِبل عيسى.

ﵟ وَرَسُولًا إِلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ ۖ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ ۖ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَىٰ بِإِذْنِ اللَّهِ ۖ وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﵞ سورة آل عمران - 49


Icon