الوقفات التدبرية

آية (١١٢) : (ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُواْ...

آية (١١٢) : ﴿ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُواْ إِلاَّ بِحَبْلٍ مِّنْ اللّهِ وَحَبْلٍ مِّنَ النَّاسِ وَبَآؤُوا بِغَضَبٍ مِّنَ اللّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَيَقْتُلُونَ الأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ﴾ * (وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ .. وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ) لم يقل ربنا سبحانه أصابتهم فقد شبّه الله تعالى الذلة والمسكنة بالقبة التي أحاطت أهلها من كل جانب وأظلتهم فلازموها ولم يغادروها فكانت بيتهم الذي لا يحولون عنه . * في سورة البقرة (وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ..(٦١)) في آن واحد، بينما في آل عمران هناك تفريق في الزمن ضربت الذلة أولاً ثم بعد فترة طويلة ضربت المسكنة : في سورة البقرة: ما من قوم آذوا نبيهم كما آذى بنو إسرائيل أنبياءهم بدءًا من موسى عليه السلام؛ فلما أنزل الله عليهم المن والسلوى قالوا نريد حشائش الأرض، ولما اتخذوا العجل إلهاً قال لهم الله تعالى اقتلوا أنفسكم ومع هذا لا يتوبون لشدة عنادهم، حينئذ انتقم الله منهم فقال ﴿وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ﴾ في آن واحد الذلة الهزائم في الحرب فما دخلوا حرباً مع العماليق إلا هزموا وسرق منهم التابوت، أما المسكنة بين الناس فاليهودي دائماً يبدي نفسه أمام الآخرين أنه مسكين ومظلوم إلى يوم القيامة. في آل عمران هذا في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم قال ﴿ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ﴾ أولاً فقد انهزموا في كل الحروب التي خاضها اليهود ضد المسلمين خيبر وبني قريظة وبني المصطلق وبني قينقاع، فأذلهم الله عز وجل لشدة مكرهم وتآمرهم ولكن النبي صلى الله عليه وسلم وعدهم أنهم سوف يصابون بالمسكنة في المستقبل وما إن انتهى العهد الراشدي إلى يومنا هذا وهم في العالم كله يشعرون بالمسكنة إضافة إلى الذلة. * الفرق من الناحية البيانية بين قوله ﴿وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ﴾ وقوله ﴿وَيَقْتُلُونَ الأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ﴾ : في سورة البقرة (..وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَواْ وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ (٦١)) وفي آل عمران (إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ.. (٢١)) و(..وَيَقْتُلُونَ الأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ (١١٢)) . النبيين والأنبياء : من حيث اللغة الأنبياء أكثر من النبيين من حيث العدد، الأنبياء جمع تكسير من جموع الكثرة، والنبيين جمع مذكر سالم وهو من جموع القلة، عندما يذكر معاصي بني إسرائيل يذكر الأنبياء . ﴿بغير حق﴾ و﴿بغير الحق﴾ : استعمال كلمة ﴿الْحَقِّ﴾ معرّفة تعني أي بغير الحق الذي يدعو إلى القتل فهناك أمور يستحق بها القتل، أما استعمال ﴿بغير حق﴾ نكرة فهي تعني لا حق أصلاً يدعو إلى القتل ولا إلى غيره، فإذا أراد تعالى أن يبيّن لنا العدوان يذكر ﴿بغير حق﴾، فعندما يقول يقتلون الأنبياء بغير حق هذا أعظم وأكبر جرماً من يقتلون النبيين بغير الحق لأن الأنبياء أعم وأشمل والنبيين أقل وحق نكرة أي من دون أي داعي، هذا من حيث اللغة . لما ننظر في السياق لاحقاً نلاحظ مقام الذم والكلام على بني إسرائيل في قوله يقتلون الأنبياء بغير حق أكثر وأعظم من يقتلون النبيين بغير الحق في سياق تكريمهم في سورة البقرة .

ﵟ ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ۚ ذَٰلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ ﵞ سورة آل عمران - 112


Icon