الوقفات التدبرية

آية (٨) : (وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ...

آية (٨) : ﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ﴾ * ارتباط هذه الآية بما قبلها ظاهر، إذ أن كلا من الفروج والأمانات ينبغي أن يحفظ، ومن لم يحفظ الأمانة والعهد، فهو ملوم كما هو شأن من لم يحفظ فرجه. ومن ابتغى ما لا يحل من الفروج عادٍ، وكذلك الباغي على الأمانة عادٍ ظالم. * قدم الأمانة على العهد، وجمع الأمانة وأفرد العهد. أما جمع الأمانة، فلتعددها وتنوعها فهي كثيرة جدًا، فودائع الناس وأموالهم أمانة، وأسرار الناس وأحوالهم أمانة، والزرع قد تجعله أمانة عند شخص فيرعاه ويتعهده ويحفظه، والحكم أمانة، والرعية أمانة، والقضاء أمانة ثقيلة. فالأمانة الظاهر أنها كل ما يؤتمن عليه من أمر ونهي، وشأن ودين ودنيا، والشرع كله أمانة، والأمانة تقع على الطاعة والعبادة والوديعة والثقة والأمان، وقد جاء في كل منها حديث"، وفي الحديث: "الإيمان أمانة ولا دين لمن لا أمانة له"، والأمانة أعم من العهد، فكل عهد أمانة. * اختيار كلمة ﴿رَاعُونَ﴾ مع الأمانة والعهد دون (الحفظ) الذي استخدم مع الفروج: - الرعي ليس مجرد الحفظ، بل هو الحفظ والإصلاح والعناية بالأمر وتولي شأنه، وتفقد أحواله وما إلى ذلك، وهذا ما يتعلق بالأمانة كثيرًا وليس مجرد الحفظ كافيًا، فمن ائتمن عندك أهله وصغاره فلا بد من أن تتفقد أمورهم وتنظر في أحوالهم وحاجاتهم علاوة على حفظهم، وكذلك من تولى أمر الرعية، ونحوه من اؤتمن على زرع أو ضرع، وكذلك ما حمله الله للإنسان من أمر الشرع يحتاج إلى قيام به وتحر للحق فيما يرضي الله وما إلى ذلك من أمور لا يصح معها مجرد الحفظ، فالرعاية أشمل وأعم. - الفروج جزء من الإنسان، هي لا تند عنه، أما الأمانات فقد تكون في أماكن متعددة، وربما تكون أماكن حفظها نائية عنه، فهي تحتاج إلى تفقد ورعاية كما يحتاج الحيوان إلى حفظه من الذئاب والوحوش الضارية، وقد يصعب على الإنسان المحافظة على الأمانة، من العادين واللصوص فيضطر إلى تخبئتها في أماكن لا ينالها النظر ولا يطولها التفتيش، فكان على المؤتمن أن ينظر في حفظها كما ينظر الراعي لها. * ﴿رَاعُونَ﴾ بالصيغة الاسمية دون الفعلية (يرعون) ليدل على لزوم ثبات الرعي ودوامه وعدم الإخلال به البتة. * تقديم الأمانة والعهد على ﴿رَاعُونَ﴾ فللاهتمام والعناية بأمرهما، وللدلالة على أنهما أولى ما يرعى في هذه الحياة. * زيادة اللام ﴿لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ﴾ : - تفيد الزيادة في الاختصاص والتوكيد. - كلمة (الراعي) قد تكون بمعنى الصاحب (من راعي هذه الديار؟)، أما (من الراعي لهذه الدار؟) أي: من صاحبها ومتولي أمرها؟ فيكون المعنى على هذا: والذين هم أصحاب الأمانات والعهود، أي: هم أهلها ومتولوها.

ﵟ وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ ﵞ سورة المؤمنون - 8


Icon