الوقفات التدبرية

آية (٩٩) : (حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ...

آية (٩٩) : ﴿حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ﴾ * ﴿جَاءَ﴾ فيه معنى القرب الشديد وتحقق الوقوع، وهنا الكافر يقول رب ارجعون إلى الدنيا بعد قبض روحه، مجيء الموت هنا معناه وصول عمر الحيّ إلى نهايته فكأن الموت يخبر بهذه النهاية وتقدير الكلام: إذا جاء قضاء الموت على الحيّ توفت روحه الملائكة أي أخذتها وافية غير منقوصة. * الفرق بين حضر وجاء في القرآن الكريم : من الناحية اللغوية : الحضور في اللغة يعني الوجود والشهود وليس بالضرورة معناه المجيء إلى الشيء (يقال كنت حاضرًا إذ كلّمه فلان بمهنى شاهد وموجود وهو نقيض الغياب) ويقال كنت حاضراً مجلسهم ، وكنت حاضرًا في السوق أي كنت موجوداً فيها. أما المجيء فهو الإنتقال من مكان إلى مكان ، وفي القرآن يقول تعالى ﴿فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكّاءَ﴾ سورة الكهف بمعنى لم يكن موجوداً وإنما جاء الأمر. من الناحية البيانية : القرآن الكريم له خصوصيات في التعبير وفي كلمة حضر وجاء لكل منها خصوصية أيضًا، فحضور الموت يُستعمل في القرآن الكريم في الأحكام والوصايا كما في قوله تعالى ﴿أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاء إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي﴾ وكأن الموت هو من جملة الشهود كأن الموت حاضر مع من هو جالس بجوار يعقوب وهذا الحضور ليس فيه موت كامل لأن يعقوب كان يوصي أبناءه فلم تُقبض روحه إذن هو لم يكن قد مات لكن الموت جالس عنده وشاهد على الوصية فكأنه إقترب منه الموت لكن لم ينفذ. فالقرآن هنا لا يتحدث عن الموت نفسه أو أحوال الناس في الموت وإنما وصية يعقوب لأبنائه بعبادة الله الواحد . أما مجيء الموت في القرآن فيستعمل في الكلام عن الموت نفسه أو أحوال الناس في الموت كما في قوله (حَتَّى إِذَاجَاء أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ) يريد هذا الذي جاءه الموت أن يرجع ليعمل صالحًا في الدنيا فالكلام إذن يتعلق بالموت نفسه وأحوال الشخص الذي يموت، كما يستعمل فعل جاء مع الأجل ﴿فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ﴾ ومع سكرة الموت ﴿وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ﴾.

ﵟ حَتَّىٰ إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ ﵞ سورة المؤمنون - 99


Icon