الوقفات التدبرية

* جاءت كلمة قوامين صيغة مبالغة تدل على الكثرة ولم يقل كونوا قائمين...

* جاءت كلمة قوامين صيغة مبالغة تدل على الكثرة ولم يقل كونوا قائمين بالقسط ليحضّنا على عدم الإخلال بهذا القيام بالعدل في حال من الأحوال. * في النساء ﴿قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلّهِ﴾ وفي المائدة ﴿قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ﴾ : في سورة النساء نلاحظ أن سياق الآيات كلها في الأمر بالعدل والقسط وإيتاء كل ذي حق حقه ﴿وَآتُواْ الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ﴾ ﴿وَآتُواْ النَّسَاء صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً﴾ ... فلذلك اقتضى السياق تقديم قوّامين بالقسط. في سورة المائدة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ(٨)) فسياق الآيات في حقوق الله تعالى وفي الولاء والبراء، وقبلها ﴿وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُم بِهِ﴾ فالكلام في القيام بأمر الله تعالى وفي حقوق الله فاقتضى تقديم قوّامين لله. * خصوصية استعمال القرآن لكلمتي العدل والقسط : العدل معناه المساواة في الأحكام، الحُكم بالحق فالقاضي يعدل في حكمه ويفصل بين الخصوم والعدل مجرد الحكم لكن الحُكم لا يُنفَّذ. القسط هو الحظ والنصيب والقرآن لم يستعمله إلا مع الموازين ﴿وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ﴾ ﴿أَوْفُواْ الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ﴾. والقسط يعني أن ترفع الظلم عن الخصم المظلوم أولاً ثم تحكم له بالحق ثم تنفذ الحق، فالقسط هو التنفيذ فالقسط أعظم من العدل ولهذا رب العالمين قال ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾ ما قال إن الله يحب العادلين ولا مرة، فقد تعدل ولكن صاحب الحق لا ينال حقه، فالمقسط الذي يحكم وينفذ ولهذا ما امتدح الله نفسه بالعدل وإنما امتدح نفسه بالقسط ﴿شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ﴾ قال أنا قائم بالقسط أحكم بالحكم وأنفذه هذا هو القسط، فالقسط الميزان الدقيق الذي يعطي الحق لصاحبه ﴿وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ﴾ والقسطاس هو ميزان العدل أي الميزان الذي لا يخطيء بحيث يعطي الحق لصاحبه كامل أصل كلمة قسطاس عدل وسمي الميزان قسطاس لأنه عدل. في سورة النساء الخطاب لكل العملية القضائية من قضاة وشهود ﴿كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ﴾ إرفع الظلم أولاً واحكم بالعدل ثانياً ونفذ ثالثاً. فلا يكفي أن تكون قاضياً وتحكم بالحكم بدون تنفيذ هذا مجرد عدل، فالقاضي عدل ولكنه لم يقسط.

ﵟ ۞ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَىٰ أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ ۚ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَىٰ بِهِمَا ۖ فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَىٰ أَنْ تَعْدِلُوا ۚ وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا ﵞ سورة النساء - 135


Icon