الوقفات التدبرية

ما اللمسة البيانية في التقديم والتأخير في (وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ...

ما اللمسة البيانية في التقديم والتأخير في ﴿وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ﴾الأنفال و ﴿وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُم بِهِ ﴾آل عمران؟وذكر ﴿لكم﴾ وحذفها؟ د.أحمد الكبيسى : فى آل عمران أيضاً تقول الآية (إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلَاثَةِ آَلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُنْزَلِينَ ﴿124﴾ آل عمران) آية أخرى (بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آَلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ ﴿125﴾ آل عمران) وفي آية الأنفال (إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ ﴿9﴾ الأنفال) إذاً هي نفس القضية ملائكة نازلين من السماء مرة منزلين مرة مسومين مرة مردفين هذا أولاً في هذه الآيتين أشياء كثيرة. الخلاف الثاني هي نفس الموضوع مرة يقول (وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ ﴿126﴾ آل عمران) في آية الأنفال لم يقل ﴿لكم﴾ (وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بشرى ولتطمئن به قلوبكم وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴿10﴾ الأنفال) ليش مرة بشرى لكم ومرة بشرى مطلقة؟ هذا خلاف ثاني، ثالثاً مرة قال ﴿وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ﴾ في الأنفال وفي آل عمران قال ﴿وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ﴾ ما في عبث ليش قال به قلوبكم ومرة قال قلوبكم به؟ هذا رسم للمعنى الهائل أخيراً مرة قال ﴿إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ﴾ في آل عمران وفي الأنفال قال ﴿مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ معنى آخر تماماً. نبدأ واحدة واحدة طبعاً الملائكة الذين نزلوا في بدر تعرفونهم أول مرة لما أنزلهم الله تعالى وحاربوا مع المسلمين أنزلهم فهم منزَلين. لما قال مسومين هل تعرفون بأن ملائكة السماء الذين اشتركوا في بدر لهم علامات تعرفهم جميع الملائكة بأنها هؤلاء هم الملائكة البدريون كالبدريين من البشر أنتم تعرفون أن الذين اشتركوا في بدر رب العالمين كرمهم تكريماً (اعملوا ما شئتم لقد غفرت لكم) وكل التاريخ تاريخ الصحابة فلان ابن فلان وهو من البدريين تاج وسام مسومين كما أن الذين قاتلوا في بدر وسِموا بأنهم بدريون فإن الملائكة الذين اشتركوا في بدرٍ أيضاً يسمون في السماء الملائكة البدريون ومعروفون عند كل الملائكة بوسام أو لون أو إشارة أن هذا من الخمسة آلاف ملك الذي نزل يقاتلون مع المسلمين في بدر الكبرى التي غيرت تاريخ العالم كله. كان ممكن في تلك المعركة الكبرى التي غيرت تاريخ العالم كله أن ينتهي الإسلام لو انتصر المشركون وهم كثرة والمسلمون قلة (إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآَوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ ﴿26﴾ الأنفال) نزل ملائكة. لاحظ إذاً كلمة منزَلين فهم لم ينزلوا من أنفسهم الله أنزلهم قال أنزلوا فقد جاءوا مأمورين ويقودهم جبريل، هذا أمر. الأمر الآخر كونهم مسومين بهم علامات عنده علامة يعرف بها أنه هذا بدري، ثالثاً مردفين طبعاً الألفين الآخرين هؤلاء رديف فأنت عندما تقاتل تقاتل بالجيش الأصلي بالجيش الرئيسي لما المعركة تشتد تبعث مدد يعني ألف ألفين هذا يسمونه رديف الرديف الذي يأتي بعدك لكي يساعدك. الله يتكلم في آية الأنفال لما قال مردفين لأنه بعثهم بعد ما اشتدت المعركة تحتاج إلى مدد بعث الله مدداً آخر فرب العالمين بالأنفال يتكلم على ألف من الملائكة هؤلاء الذين آتوا في الآخر جاءوا رديف أي جاءوا مدداً هكذا هو الفرق بين منزلين ومسومين ومردفين الخ. المسألة الثانية بآل عمران انظر إلى النص الدقيق لما الله قال سيبعث معكم خمسة آلاف ﴿وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى لَكُمْ﴾ يا أهل بدر. في الأنفال نفس الموضوع قال ﴿وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى﴾ ما في لكم ليس هذا عبثاً . لماذا في آية يا أهل بدر ﴿وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى لَكُمْ﴾ هذا في آل عمران قصة بدر كاملة لما تكلم رب العالمين عنها وفي الأنفال ﴿إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ﴾ إلى أن قال ﴿وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى﴾ وكيف تعرف أنت الفرق؟ اقرأ الآية شوف ظروفها ونسقها تسلسلها كيف جاءت قبلها الأحداث تصل بسهولة مع توفيق الله عز وجل إلى اكتشاف هذا الذوق الحسي الإعجازي اللغوي العالي. هناك رب العالمين يتكلم أن محمد صلى الله عليه وسلم يكلمهم محمد يقول لجماعته لما خافوا وكذا طبعاً كانوا خائفين وهذا من حقهم ثلاثمائة واحد يعني ناس راحوا حتى يعترضون قافلة أبو سفيان فيها كم بعير وكم حصان وأخذوا أموالنا هؤلاء جماعة أبو سفيان أخذوا أموال المسلمين في مكة قالوا خذوا هذه مكانها غنيمة شوية حنطة شوية شعير شوية سمن لا يوجد شيء فراحوا يأتون بها فلما ذهبوا ليأتون بها وإذا كل أمم الشرك أمامهم كل مكة جاءتهم فقالوا ماذا نفعل الآن؟ حتى قال صلى الله عليه وسلم نرجع؟ حتى النبي قال ما رأيكم؟ ماذا تقولون نرجع إلى مكة ولا نقاتل؟ فكلهم موجودون فلما الله أخبره هذا الذي سوف يحصل (إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلَاثَةِ آَلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُنْزَلِينَ ﴿124﴾ بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آَلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ ﴿125﴾ وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى لَكُمْ ﴿126﴾ آل عمران) فقط أنتم يا أهل بدر. بهذا العسر بهذا الخوف وزاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر ويظنون بالله الظنون الخ قال لا أنا سأنزل عليكم ملائكة هذا خاص بكم يا أهل بدر لن يتكرر مع غيركم إلا أنتم فقط في هذه الصورة وهذه الحالة وهذه العلنية علناً فالنبي صلى الله عليه وسلم كان يكلمهم. إذاً هذه البشارة الأولى التي في آل عمران آية 126 الكلام خاص لأهل بدر فقط لظروفهم الخاصة. الآية الثانية رب العالمين تكلم من ناحية ثانية تكلم عنهم ليس لكونهم قلة لا، تكلم عنهم في الظاهر أن هؤلاء أهل بدر جلسوا يستغيثون استغاثة يعني أحسن استغاثة بالله فرب العالمين تكلم عن موقفه مع كل من يستغيث به فآية الأنفال ليست خطاباً لأهل بدر خطاب لكن لكل من يقع في مصيبة في ضنك في شدة في كرب إذا أحسن الاستغاثة. لو تقرأون التاريخ الإنساني كله من آدم إلى يومنا هذا قصص رواها التاريخ عجائب، واحد في بحر وكان سيغرق فاستغاث استغاثة يا الله وإذا هذا المركب يوصله بأمان إلى البر، كان مرة أحد الناس ذاهب إلى خراسان من العراق وبالطريق جاءه قطاع طرق كالعادة وأخذوا بضاعته ولكنهم كانوا مصرين على قتله فقال لهم دعوني أصلي ركعتين فصلى ركعتين وهم كانوا خمسة ويبدو أنه في السجود استغاث بالله استغاثة في غاية الروعة وأثناء سجوده وقد أطال السجود سمع أقدام فرس جامح يغير، طبعاً الفرس إذا جاء من بعيد يركض فالأرض تهتز وهو ساجد شعر بأن الأرض تهتز وفعلاً ما أن سلّم إلا فارس وصل وما أن وصل الفارس حتى قطع رؤوس الأربعة بضربة واحدة قتلهم جميعاً طبعاً هذا الرجل لا يعرف هذا الفارس من هو، فهذا الفارس يحدث هذا الرجل الذي أحسن الاستغاثة قال له يا فلان يا عبد الله والله عندما استغثت بالله تجاوبت أصداء استغاثتك بالسماء فكلنا كنا نتنافس من الذي ينزل لكي يلبي هذه الاستغاثة. وطبعاً كل واحد منكم فليسمعني الآن فليتذكر حياته السابقة هل وقع في يوم من الأيام في شدة عظيمة مرض أو أحد أولاده أو عدو أو غرق أو طائرة تعطلت أو سيارة في صحراء وقع بشدة وجلس بينه وبين نفسه في ساعة من ساعات الصفاء مع الله لا يوجد أحد ودعا الله وبكى واستغاث بالله وكيف جاء الغيث والغوث من حيث لا يشعر هذه الاستغاثة تجاوبت أصداؤها في السماء فبعث الله بها الفرج. رب العالمين يقول صح محمد معكم نعم وقال لكم هذا الكلام نحن بلّغناه هذا لكن في جانب آخر هذا جانب محمد صلى الله عليه وسلم، في جانب آخر وهو أنكم أنتم استغثتم استغاثات كل واحد جالس مع نفسه يا أرحم الراحمين يا مغيث الغائثين يا مجيب يا أرحم الراحمين من القلب والأعماق كل واحد يتذكر مع أهله وهو جاء بدون سلاح أصلاً ما عندهم سلاح كل واحد معه عصى جاؤوا لكي يأسروا قافلة فهم لم يخرجوا لحرب فوجدوا أنفسهم في ورطة كبيرة هذه الاستغاثة جحفلت الملائكة (إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ ﴿9﴾ وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى ﴿10﴾ الأنفال) لم يقل  لكم، هذه عامة. هناك في الأولى العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب هنا عموم السبب وعموم اللفظ ولذلك ﴿لكم﴾ هذه حذفها من سورة الأنفال افهمها أنها لك وليست فقط لأهل بدر أنت تستطيع أن تكون بدرياً إذا أحسنت الاستغاثة إذا وقع بك كرب. إذاً فهمنا الفرق بين ثلاثة آلاف من الملائكة مسومين ومنزلين ومردفين وفهمنا الفرق بين إلا بشرى لكم وبشرى بدون لكم ننتقل إلى أيضاً جزء آخر في نفس الآية. يقول بآية آل عمران ﴿وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ﴾ بالأنفال نفس الآية ولكن قال ﴿وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ﴾ لماذا هناك قلوبكم أولاً وهنا قلوبكم ثانياً بالأخير؟ أقول لك جداً طبيعي أولئك صحابة وعايشين مع النبي صلى الله عليه وسلم وشافوا معجزات فقلوبهم مطمئنة لكن القلوب متعلقة بالمدد متى يأتي المدد؟ هم واثقون مائة بالمائة أن المدد آتٍ فينتظرون المدد فإذاً مشكلتهم بالمدد أما الاطمئنان هو مطمئن بالله ناس صحابة شاف الوحي وشاف النبي صلى الله عليه وسلم إذاً قدّم القلوب لأنهم كانوا في غاية الرعب في غاية الخوف ﴿إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ﴾ الذي يستغيث في غاية الخوف فإذاً صار التركيز أين؟ التركيز على اطمئنان القلب من الخوف لأنهم كانوا خائفين، ولكنهم في البداية واثقين أن الله سيبعث المدد. لنا جميعاً نحن الذي ما فيها لكم إلا بشرى للجميع نحن في الحقيقة مشكلتنا المدد كيف سيأتي المدد؟ في زمن النبي صلى الله عليه وسلم معجزات نحن الآن ما في معجزات فمشكلتنا أين؟ لو أصابك كرب في العام الماضي أو قبل سنتين في مدينة اعتدى عليها جيش غازي جيش سيمسح فيها الأرض وكلهم سيموتون هذا ﴿وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ﴾ بالمدد. رب العالمين عندما قال ﴿وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ﴾ بهذا القرآن لما قال تطمئن قلوبكم يعني يتكلم عن القلب المطمئن وينبغي أن يكون قلب المؤمن مطمئناً لأن اطمئنان قلب المؤمن هو هدف من أهداف هذا القرآن الكريم (يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ﴿27﴾ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً ﴿28﴾ الفجر) من حيث أن هذه النفس والقرآن الكريم يطلق كلمة النفس على القلب والقلب على النفس أحياناً وهذا كلامٌ آخر تحدثنا عنه سابقاً والآن العلم الحديث يثبت أن التفكير يبدأ بالقلب وليس بالدماغ. كان سابقاً يقولون كل كلمة قلب يعني دماغ لا، الآن القلب القلب والدماغ الدماغ والنفس النفس. فرب العالمين يقول ﴿وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ﴾ قدّم اطمئنان القلوب يعني عليكم أن تجتهدوا لكي تطمئن قلوبكم بهذا القرآن الكريم. لما يقول ﴿وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ﴾ يجب أن تتعامل مع القرآن تعاملاً علمياً بفهمٍ وتدبر لكي يستطيع هذا القرآن بفهمك هذا أن يُدخِل الطمأنينة على قلبك ونفسك إذاً هما قضيتان قضية أن القرآن مشحون بقوةٍ جدلية بحيث يستطيع أن يُطمئِن أي قلبٍ أو أي نفسٍ متزعزعة، وعلى نفسك أو قلبك أو عقلك أن يكون مطمئناً  إذن هما قضيتان قضية أن هذا القرآن كيف تتعامل معه تعاملاً تستل منه قدرته على الطمأنينة، القضية الثانية عليك أن ترعى قلبك أو نفسك أو عقلك لكي يطمئن من تعامله ذلك مع القرآن الكريم وهكذا في كل الأساليب .

ﵟ إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ ﵞ سورة الأنفال - 9


Icon