الوقفات التدبرية

آية (15): * ما الفرق بين استعمال من وما في قوله تعالى (ولله يسجد من في...

آية (15): * ما الفرق بين استعمال من وما في قوله تعالى (ولله يسجد من في السموات والآرض) وقوله تعالى (ولله يسجد ما في السموات والأرض)؟(د.فاضل السامرائى) ﴿من﴾ تستعمل لذوات العقلاء وأولي العلم فقط أما ﴿ما﴾ فتستعمل لصفات العقلاء (ونفس وما سوّاها، فانكحوا ما طاب لكم من النساء) ﴿وما خلق الذكر والأنثى﴾ والله هو الخالق، ﴿ونفس وما سوّاها﴾ والله هو المسوي، وذوات غير العاقل (أشرب من ما تشرب) وهي أعمّ وأشمل. لكن يبقى السؤال لماذا الاختلاف في الاستعمال في القرآن الكريم فمرة تأتي ﴿من﴾ ومرة تأتي ﴿ما﴾؟ ونستعرض الآيات التي وردت فيها ﴿من﴾ مع السجود : قال تعالى في سورة الرعد (وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلَالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآَصَالِ {س}(15)) والطوع والكره من صفات العقلاء فاستعمل ﴿من﴾ وفي قوله تعالى () الكلام في العقلاء أيضاً فاستخدم ﴿من﴾. أما في سورة النحل في قوله تعالى (أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّأُ ظِلَالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ سُجَّدًا لِلَّهِ وَهُمْ دَاخِرُونَ (48) وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ وَالْمَلَائِكَةُ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ (49)) الدابة أغلب ما تستعمل في اللغة لغير العاقل وهي عامة وشاملة فاستعمل ﴿ما﴾ كما أنه في الآية جاءت كلمة ﴿شيء﴾ وهي أعمّ كلمة. وعليه فإنه من ناحية العموم ناسب استعمال ﴿ما﴾ ومن ناحية استعمالها لغير العاقل ناسب استعمال ﴿ما﴾ لأن الدابة كما أسلفنا تستعمل في الغالب لغير العاقل. ونلاحظ في القرآن أنه تعالى عندما يستعمل ﴿من﴾ يعطف عليها ما لا يعقل كما في قوله تعالى في سورة الحج (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ {س}(18)). أما عندما يستعمل ﴿ما﴾ فإنه يعطف عليها ما يعقل (ولله يسجد .. دابة والملائكة) وهو خط بياني لم يتخلف في القرآن أبدا والحكمة البيانية منه الجمع. وكذلك استعمال من مع فعل يسبّح كما في قوله تعالى في سورة الإسراء (تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا (44)) وفي سورة النور (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ (41)). واستعمال ﴿ما﴾ كما في قوله تعالى في سورة الحشر (هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (24)) وسورة الجمعة (يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (1)) وسورة التغابن (يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1)) وسورة الحديد (سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (1)) والحكمة البيانية من ذلك جمع كل شيء.

ﵟ وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلَالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ ۩ ﵞ سورة الرعد - 15


Icon