الوقفات التدبرية

آية (8): * قال تعالى في سورة لقمان (وَلَقَدْ آَتَيْنَا لُقْمَانَ...

آية (8): * قال تعالى في سورة لقمان (وَلَقَدْ آَتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (12)) وقال في سورة ابراهيم (وَقَالَ مُوسَى إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ (8))ما الفرق؟(د.فاضل السامرائى) في الآية الأولى أكدها بـ ﴿إن﴾ بقوله ﴿فإن الله غني حميد﴾ وغني نكرة وحميد نكرة. أما في الآية الثانية فأكذّ بـ ﴿إن﴾ واللام ﴿فإن الله لغني حميد﴾. وفي سورة لقمان أيضاً قال تعالى (لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (26)) باستخدام الضمير ﴿هو﴾ والتعريف ﴿الغني الحميد﴾ أما في سورة الحج (لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (64)) زاد تعالى اللام على الضمير المنفصل ﴿لهو﴾ لماذا؟ في الفرق بين آية لقمان الأولى وآية سورة ابراهيم نجد أن الثانية آكد من الأولى لأنه ذكر اللام. في آية سورة لقمان ذكر تعالى صنفين أي جعل الخلق على قسمين : من شكر ومن كفر، ومن كفر بعض من الناس. أما في آية سورة ابراهيم (وَقَالَ مُوسَى إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ (8)) افترض كُفر أهل الأرض جميعاً لذا جاء قوله ﴿فإن الله لغني حميد﴾ أعم وأشمل. نلاحظ الإختلاف بين التعبيرين في ثلاثة أمور: • أولاً في لقمان جرى على التبعيض (بعضهم مؤمن وبعضهم كافر باعتبار من يشكر ومن كفر) بينما في إبراهيم على الشمول شملهم كلهم ولم يستثني أحداً. • ونلاحظ في لقمان قال ﴿ومن كفر﴾ بالماضي، في إبراهيم قال ﴿إن تكفروا﴾ بالمضارع، • في لقمان فعل الشرط ماضي ﴿ومن كفر﴾ وفي إبراهيم فعل الشرط مضارع ﴿إن تكفروا﴾ والفرق واضح لأنه ذكرنا في حلقة ماضية أنه إذا كان فعل الشرط ماضياً إفتراض وقوع الحدث مرة وإن كان مضارعاً افتراض تكرر الحدث فهنا قال ﴿إن تكفروا﴾ يعني إذا داومتم واستمررتم على الكفر دلالة على تكرر الكفر وتجدده ﴿إن تكفروا﴾ يعني تستمرون على الكفر وتداوموا عليه وفي لقمان قال ومن كفر. ثم قال ﴿جميعاً﴾ جاء بالحال المؤكدة. إذن إفتراض كفر أهل الأرض بلا استثناء لم يجعلهم قمسمين ثم افتراض الكفر مستمر ثم أكد ذلك بـ ﴿جميعاً﴾ فاقتضى ذلك زيادة التأكيد في إبراهيم ﴿فَإِنَّ اللّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ﴾ الله تعالى لا يحتاج إلى غني لما ذكر هذه الأمور افتراض ليكفر أهل الأرض جميعاً وليداموا على الكفر جميعاً هذه كلها مؤكدات. ربنا تعالى لم يؤكد غني في لقمان لأن الناس فئتان ولما كان الناس على ملة واحدة أكّد لأنه تعالى لا يحتاج إليهم حتى لو كانوا كلهم كفار ويداومون ويستمرون على ذلك. فائدة التأكيد هنا فائدة بلاغية أن الله تعالى غني عن العباد كلهم لو كفروا كلهم جميعاً واستمروا ربنا غني عنهم، تأكيد الغنى. سؤال : هل نفهم أنه – والعياذ بالله - في لقمان ليس غنياً بدرجة غناه في سورة إبراهيم؟ هو التأكيد ليس معنى ذلك لكن الموقف يحتاج لهذا الشيء فالله تعالى يقول عن نفسه عالم ومرة يقول عليم ومرة يقول والله غفور رحيم، إن ربك لغفور رحيم، حسب ما يقتضي السياق وهو سبحانه وتعالى غني عن العباد في جميع الأحوال.

ﵟ وَقَالَ مُوسَىٰ إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ ﵞ سورة إبراهيم - 8


Icon