الوقفات التدبرية

آية (29) : * (فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (29) النحل) -...

آية (29) : * (فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (29) النحل) - (وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ (30) النحل) لماذا جاءت على البائسين في النار بالفاء ﴿فلبئس مثوى المتكبرين﴾ وعلى أهل الجنة ﴿ولنعم دار المتقين﴾؟ ثانياً لماذا النار مثوى والجنة دار؟ يقول سبحانه وتعالى (إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ (22) لَا جَرَمَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ (23) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (24)) بكل جرأة وبكل غباء ماذا أنزل ربكم؟ قالوا أساطير الأولين! (لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ (25)) إلى أن قال (فَادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (29)) الفاء واللام ومثوى وبئس. أما الذين آمنوا فيقول عنهم (وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا خَيْرًا (30)) خيراً، كلمة واحدة فقط، أما هناك قالوا أساطير الأولين. ثم قال (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ الْآَخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ (30)). أولاً نبدأ نقارن بين ﴿فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ﴾ و ﴿وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ﴾. ﴿فلبئس﴾ فاء وواو فإما أن يقال فلبئس مثوى وفلنعم مأوى أو ولبئس دار وولنعم دار، كلاهما على نسق واحد، لكن لماذا جاءت على البائسين في النار بالفاء ﴿فلبئس مثوى المتكبرين﴾ وعلى أهل الجنة ﴿ولنعم دار المتقين﴾؟ ثانياً لماذا النار مثوى والجنة دار؟ قلنا سابقاً وهذا واضح في كل الديانات أن القضية المركزية يوم القيامة من هو ربك؟ هذه القضية المركزية التي تدور عليها كل الديانات (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ (25) الأنبياء) إذا صحّت منك هذه القضية المركزية التي يدور حولها المرسلون والرسالات تكون أنت في جانب النجاة وتُساءل عن فرعيات. باختصار شديد واحد دخل البلاد هنا بشكل غير شرعي تهريب ليس له حقوق مطلقاً لا تقل أنا إنسان وحقوق الإنسان، أنت داخل لصّ! الآخر دخل بجواز سفر هذا له حقوق ويحاسب حساباً يسيراً إذا أخطأ وتنطبق عليه القوانين بعكس الأول لا تنطبق عليه القوانين جاء إلى البلاد بشكل غير شرعي. جواز السفر يوم القيامة لا إله إلا الله. هل أنت ممن يؤمن بالله الواحد الأحد؟ إذا كنت كذلك إنتهت المسألة. هذا الذي جرى بالحوار بين الاثنين، فريقين فريق لا يؤمن بالله (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (24)) هذا كلام جاء به الرسول جاء به موسى أو عيسى أو محمد أو إبراهيم أو نوح هذه خرافات! وناس قالوا لا، خير وبالتالي حسابك يكون بالقوانين محتمل العفو محتمل التبرير محتمل التعويض ويحتمل أن تتقدم أنت بطلب المرحمة تقول أنا أخطأت أو خالفت المرور يمكن أن يتعامل معك الدولة تتعامل معك بشكل كامل في كل الحقوق وكونك ضيف على الدولة وداخل بجواز سفر لك صلاحيات وتسهيلات كثيرة لأنك أنت ضيف. رب العالمين لما قال على هؤلاء الذين قالوا أنتم كلكم كاذبون ومدّعون (إِن نَّقُولُ إِلاَّ اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوَءٍ (54) هود) قال (فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (29) النحل) الفاء فاء ترتيب نتيجة على مقدمات. أنت سارق وأنت لص وأنت جاسوس وأنت مجرم وأنت قاتل فالعقوبة عليك حق، طبعاً مع كل هذه المقدمات القضية لا تقبل النقاش ولا تقبل الرحمة، ليس هناك مجال إطلاقاً للإستئناف. الاستئناف لمن يرتكب جريمة أو يرتكب مخالفة وهو بوضع شرعي، هو مواطن، أو داخل بجواز سفر، هذا الذي يمكن أن نتعامل معه فقال هنا الفاء ﴿فلبئس﴾. أولاً فاء يعني أن النتيجة حتمية مائة في المائة وليس هناك أي مجال للتعامل، هذا واحد. اللام للتأكيد ﴿فلبئس﴾ قد ترد ﴿فبئس﴾ أما هنا جاءت ﴿فلبئس﴾ باللام تأكيد كامل بحيث هذا الحكم لا يقبل لا النقض ولا الاستئناف ولا المراجعة نهائياً، أنت لا تملك القضية المركزية. ثم قال ﴿مثوى﴾ لماذا قال في النار مثوى وفي الجنة دار؟ المثوى مكان تحديد الإقامة – آذنتنا ببينها أسماءُ رب ثاوٍ يملّ منه الثواء - الثاوي المعتقل، الموقوف، ذو الإقامة الإجبارية، المريض الذي لا يقوم، مقعد، معوق جداً كالصخرة فالثواء إما عقوبة أو عجز وهذه النار أنت ملقى عليك القبض. أما الدار في الجنة، الدار تعني الخير تعني الراحة وتعني السكن وأنت في ذلك ملِك ولهذا الدار سكن هائل ولها قدسية كبيرة في هذا الدين وفي كل الديانات. أنت إذا دخلت دارك فأنت ينبغي أن تكون آمناً بالمائة مائة والنبي عليه الصلاة والسلام قال من دخل داره فهو آمن. وهكذا قال تعالى (وَاللّهُ جَعَلَ لَكُم مِّن بُيُوتِكُمْ سَكَنًا (80) النحل) أنت في بيتك في غاية السعادة ومصون ولا يمكن أن يعتدي عليك أحد، وإذا أحدهم مد يده إليك وأنت في هذا البيت تلعب به لعباً، إذا رايت لصاً يتجسس عليك من فتحة الباب أو من مكان المفتاح وفي يدك سيخ حديد اخرق عينينه ولا شيء عليك لا تُعاقَب. الذي يقتحم عليك سكونك وأمنك وأمانك وطمأنينتك في هذه الدار والدار هكذا دائماً (فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ (24) الرعد) نتحدث عنها في الحلقة القادمة ﴿فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ﴾ ماذا يعني هذا التعبير العظيم؟ ﴿فنعم﴾ لم يقل ﴿ونعم﴾ في حالة معينة تأتي الملائكة تزور أهل الجنة تقول لهم ﴿فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ﴾ تعدد لهم ماذا فعلوا من خير كما أن القرآن يعدد لأهل النار ما فعلوه من شر قال ﴿فلبئس مثوى﴾ أما في الجنة فتعدد لهم أصناف الخير قال ﴿فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ﴾ هذه الدار. إذن النار مثوى بائس معتقل تصير فحمة خمسين مرة وكلما ينضج جلدك يبدلونه جلداً آخر، مأساة! ما الفرق بين الاثنين؟ كما قلنا القضية المركزية الأساسية من آدم إلى أن تقوم الساعة، من إلهك؟ هذا أول سؤال تُسأله. من حين تغرغر إلى أن تُبعَث تُسأل من ربك؟ ناس يقولون فرعون، ناس يقولون النجم، ناس يقولون الصنم وأنت تقول ربي الله لا إله إلا هو، نجوت. أنت الوحيد الناجي. حينئذ رب العالمين عز وجل يفرق بين هذه الدار الملئية بالخير ﴿وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا خَيْرًا﴾ قالوها بعفوية لأن هؤلاء مؤمنين إيماناً كاملاً بدون أي شكوك وبدون أي قلق، مؤمن بأن القيامة فيها خير ونعم دار المتقين وهذه الدار فيها خير ليس فيه من فلسفات وبدع وضلالات وطوائف وفِرق، تكلّم مع الله فقط لا إله إلا الله. ودعك من هذه الأفكار التي جاء بها علماء الدين والفقهاء والأحبار والرهبان كما سنتكلم بعد قليل، كُن مع الله لا إله إلا الله. * التركيز فضيلة الشيخ في مثل هذه الحالة على نوعية معينة من الكافرين ليس على وجه العموم بمعنى أنها دركات وفي غالب الأحيان أن ما يستدعي العقاب قمّته يكون على المتكبرين ؟ قطعاً فكما أن الجنة درجات فإن الجحيم دركات. هناك كافر وكافر، هناك واحد لا يؤمن بالله لكنه ما آذى أحداً ويمكن أنه اخترع دواء أو اختراعاً عظيماً لكن يقول ما في إله أنا رجل شيوعي أو ملحد أو أعبد الصنم وبين واحد ملحد ومجرم ويقتل الناس مثل فرعون يقتل أبناءهم ويستحي نساءهم. فكما تفضلت يا دكتور الجنة درجات.والنار دركات. *وهذه خاصة بالمتكبرين على وجه الخصوص ؟ طبعاً قال (فلبئس مثى المتكبرين) الكافر متكبر طاغية قاتل دكتاتور كما هو الحال في كل الديانات عند المسلمين والمسيحيين واليهود والوثنيين. إذن نخلص من هذا الذي قلناه ﴿فلبئس مثوى﴾ الفاء لترتيب النتيجة لشدة العذاب الذي يلاقونه. والواو واو القسم، هناك فاء لتثبيت العذاب وهنا واو القسم ﴿ولنعم دار المتقين﴾ الواو للقسم، رب العالمين يقسم واللام للتأكيد. هناك الفاء للترتيب واللام للتوكيد. ﴿فلبئس مثوى﴾ المثوى كما قلنا المكان المعزول الذي تجبر للباقء عليه لعجز أو كسل أو حبس أو إيقاف أو عَوَق أو ما شاكل ذلك ولذلك يقال على الميت فلان ذهبوا به إلى مثواه الأخير الذي هو ثاوي به لا يذهب. الثواء نوع من الشقاء في المكان بينما الدار مكان للسعادة والحياة المنطلقة. *هل بين المتكبرين والمتقين دلالة؟ قطعاً هذه تكلمنا عنها مرة المتقون والذين اتقوا والمتقي، لا شك قلنا فرق بين المتقي والمتكبر. والمتكبر قد يكون متكبر عقيدة وقد يكون متكبر سلوك. كما أن المتكبر في الدرجات الدانية كفراً المتقين من أعلى الدرجات إيماناً.

ﵟ فَادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا ۖ فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ ﵞ سورة النحل - 29


Icon