الوقفات التدبرية

آية (48): * آية السجدة في سورة النحل لماذا أفرد الحق تعالى كلمة اليمين...

آية (48): * آية السجدة في سورة النحل لماذا أفرد الحق تعالى كلمة اليمين وجمع كلمة الشمال (أَوَ لَمْ يَرَوْاْ إِلَى مَا خَلَقَ اللّهُ مِن شَيْءٍ يَتَفَيَّأُ ظِلاَلُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالْشَّمَآئِلِ سُجَّدًا لِلّهِ وَهُمْ دَاخِرُونَ (48))؟(د.فاضل السامرائى) هذه المسألة بحثها القدامى وقالوا اليمين عندهم جهة المشرق والشمال جهة المغرب، فيقولون في جهة المشرق الظل يضمحل إلى أن يصير وقت الزوال وبعد الزوال في الجهة الأخرى الظل يزيد، العصر يصير ظل الشيء مثله ويزيد. قال ﴿عَنِ الْيَمِينِ وَالْشَّمَآئِلِ سُجَّدًا لِلّهِ﴾ ففي اليمين كأنه ظل واحد ينقُص والشمائل زيادة في جهة زيادة في جهة الشمال، هذا ينقص منه وهذا يزيد منه فكأنما صارت أكثر من جهة. اليمين عند العرب يُقصد بها جهة اليمين جهة طلوع الشمس والشِمال جهة المغرب (هذه شِمال والشَمال هي الريح) الظل ينقص جهة اليمين والجهة الأخرى الظل يزداد فتصير شمائل. ثم قالوا اليمين هو جهة مطلع الشمس أي المشرق والمغرب جهة الظلمة فكما أن الله تعالى في القرآن أفرد النور حيث وقع وجمع الظلمة حيث وقعت يقول النور والظلمات أفرد اليمين وجمع الشمائل. ثم التفتوا وقالوا جهة النور واحدة لأنه ليس هناك إلا نور الله أما الظلام فهو كثير مثل النفس والشيطان والهوى. ثم يقولون سجداً مع الشمائل ﴿سُجَّدًا لِلّهِ وَهُمْ دَاخِرُونَ﴾ ويأتون بمناسبة لطيفة ويقولون جهة اليمين مطلع الشمس ليس فيها حُكم شرعي يتعلق بالصلاة ليس هناك صلاة واجبة من طلوع الشمس إلى الظهر وفي الشمائل يكون هناك صلوات تبدأ من الظهر ثم العصر ثم المغرب ثم العشاء فإذن السجود سجداً لن يكون باليمين ولذا قال سجداً بالشمائل. *ما الفرق بين استعمال من وما فى قوله تعالى (ولله يسجد من في السموات والآرض) وقوله تعالى (ولله يسجد ما في السموات والأرض)؟(د.فاضل السامرائى) ﴿من﴾ تستعمل لذوات العقل وأولي العلم فقط أما ﴿ما﴾ فتستعمل لصفات العقلاء ﴿ونفس وما سوّاها﴾ ﴿وما خلق الذكر والأنثى﴾ والله هو المسوي والله هو الخالق ، وذوات غير العاقل (أشرب من ما تشرب) وهي أعمّ وأشمل. لماذا الاختلاف في الاستعمال في القرآن الكريم فمرة تأتي ﴿من﴾ ومرة تأتي ﴿ما﴾؟ من الآيات التي وردت فيها ﴿من﴾ مع السجود : قال تعالى في سورة الرعد (وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلَالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآَصَالِ (15)) والطوع والكره من صفات العقلاء فاستعمل ﴿من﴾. أما في سورة النحل في قوله تعالى (أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّأُ ظِلَالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ سُجَّدًا لِلَّهِ وَهُمْ دَاخِرُونَ (48) وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ وَالْمَلَائِكَةُ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ (49)) الدابة أغلب ما تستعمل في اللغة لغير العاقل وهي عامة وشاملة فاستعمل ﴿ما﴾ كما أنه في الآية جاءت كلمة ﴿شيء﴾ وهي أعمّ كلمة. وعليه فإنه من ناحية العموم ناسب استعمال ﴿ما﴾ ومن ناحية استعمالها لغير العاقل ناسب استعمال ﴿ما﴾ لأن الدابة كما أسلفنا تستعمل في الغالب لغير العاقل. ونلاحظ في القرآن أنه تعالى عندما يستعمل ﴿من﴾ يعطف عليها ما لا يعقل كما في قوله تعالى في سورة الحج (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ (18)). أما عندما يستعمل ﴿ما﴾ فإنه يعطف عليها ما يعقل (ولله يسجد .. دابة والملائكة) وهو خط بياني لم يتخلف في القرآن أبدا والحكمة البيانية منه الجمع. وكذلك استعمال من مع فعل يسبّح كما في قوله تعالى في وفي سورة النور (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ (41)). واستعمال ﴿ما﴾ كما في قوله تعالى في سورة الجمعة (يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (1)) والحكمة البيانية من ذلك جمع كل شيء.

ﵟ أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَىٰ مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّأُ ظِلَالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ سُجَّدًا لِلَّهِ وَهُمْ دَاخِرُونَ ﵞ سورة النحل - 48


Icon