الوقفات التدبرية

ما الفرق بين من بعد ما جاءك ومن بعد ما جاءك في الآيتين (وَلَئِنِ...

ما الفرق بين من بعد ما جاءك ومن بعد ما جاءك في الآيتين (وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم مِّن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذَاً لَّمِنَ الظَّالِمِينَ (145) البقرة) وفي الآية (وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ (120))؟ هنالك أمران: أولاً مجيء من في إحداهما وعدم مجيء ﴿من﴾ في الأخرى. إحداهما فيها ﴿من﴾ قبل ﴿بعد﴾ والأخرى ﴿بعد الذي جاءك﴾ والآخر اختيار الذي وما. سبق أن ذكرنا أكثر من مرة ﴿الذي﴾ إسم موصول مختص و﴿ما﴾ مشترك. المختص أعرف من المشترك هذا عموماً. فمعناها أن ﴿الذي﴾ أعرف من ﴿ما﴾ لأن ﴿ما﴾ تكون للمفرد والمذكر والمؤنث والمثنى والجمع أما الذي فهي خاصة بالمفرد المذكر. إذن ﴿الذي﴾ أعرف باعتباره مختص و ﴿ما﴾ عام. هذا حكم نحوي لكن كيف استعمل بعد الذي وكيف استعمل ما في الآيتين؟ نقرأ الآيتين (وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ (120) الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاَوَتِهِ أُوْلَـئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمن يَكْفُرْ بِهِ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (121) يتلون الكتاب إذن صار محدداً، يتلونه أي العلم الذي جاء به إذن تحدد الذي بالسياق في القرآن. في الآية الأخرى (وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَّا تَبِعُواْ قِبْلَتَكَ وَمَا أَنتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَمَا بَعْضُهُم بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم مِّن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذَاً لَّمِنَ الظَّالِمِينَ (145)هذا مطلق لم يحدد بشيء إذن الذي أخص لأن الكلام كان على القرآن، مطلق فاستعمل ﴿ما﴾ في المطلق واستعمل ﴿الذي﴾ في المقيَّد. ﴿من بعد﴾ ﴿من﴾ هي لابتداء الغاية، ابتداء المكان، بداية الشيء من كذا إلى كذا، وهي حرف جر ولذلك هناك فرق بين فوقهم ومن فوقهم، (وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا (10) فصلت) مباشرة ليس هنالك فاصل، ﴿فوقها﴾ تحتمل القريب والبعيد (أَفَلَمْ يَنظُرُوا إِلَى السَّمَاء فَوْقَهُمْ (6) ق) (وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثَاقِهِمْ (154) النساء)، حرف الجر في اللغة يؤدي إلى تغيير الدلالة. * هل هذه الدلالة لـ ﴿مِنْ﴾ ينطبق على الأمور الحسية الملموسة أو الأمور المعنوية أيضاً؟ ﴿من﴾ ليس لها دلالة واحدة وإنما فيها معاني كثيرة فهي تأتي لمعاني ولكن أبرزها ابتداء الغاية. ﴿من بعد ما جاءك﴾ السياق في الكلام في تحويل القبلة، تحويل القبلة متى يؤمر به المسلم؟ عندما تنزل الآية مباشرة ينبغي أن يتحول إلى القبلة، من سمع بها نفّذها، الذي كان في الصلاة وسمع هذه الآية إتجه مباشرة والذي سمع فينا بعد لا ينتظر وإنما ينفّذ الآية مباشرة إذن هذه ابتداء الغاية لا تحتمل أي تغيير، تحويل القبلة متى سمعتها نفّذتها. الآية الأولى ليس فيها هذا الشيء. إذن ﴿من﴾ إبتداء الغاية.

ﵟ وَلَنْ تَرْضَىٰ عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَىٰ حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ ۗ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَىٰ ۗ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ ۙ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ ﵞ سورة البقرة - 120


Icon