الوقفات التدبرية

ما الفرق بين قوله تعالى (ربَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً...

ما الفرق بين قوله تعالى (ربَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ (129) البقرة) - (لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ (164) آل عمران) ؟ في سورة البقرة عن قوله تعالى سيدنا إبراهيم (ربَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ (129) البقرة) ، مرة قال ﴿من أنفسهم﴾ ما الفرق بين (لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ (164) آل عمران) هذا في سورة آل عمران وفي الجمعة (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (2) الجمعة) لماذا؟ العرب ليش في العرب منهم وبالمؤمنين وهم قريش الذين هم أوائل المسلمين قال من أنفسهم؟ لازم في فرق وفعلاً هناك فرق عدنا إلى كتب التفاسير وأهل الفضل وأهل التذوق لهذه اللغة وجدنا ما يلي: تقول فلان من بني فلان هذا فقط كونك منهم بغض النظر عن ميزة أو غير ميزة كقوله (وَجَاءَ رَجُلٌ مِّنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ (20) القصص) كافر مؤمن شيخ سكرتير فرّاش خادم ملك لا يهم هذا منهم ورب العالمين لما خاطب العرب والأميين وليش قال العرب أميين؟ العرب الأمة الوحيدة التي ليس لديها حساسية من أي أمة وما ثبت في التاريخ لا قبل الإسلام ولا بعد الإسلام أنهم ميزوا أنفسهم عن أمة أخرى وهم أمة أمية أي أنها تنتمي إلى جميع الأمم وأخلاقها أخلاق أممية فجاء هذا الدين بناء على هذا الله قال (أَنزَلْنَاهُ حُكْمًا عَرَبِيًّا (37) الرعد) قال (لِّسَانًا عَرَبِيًّا (12) الأحقاف) وقال ﴿حُكْمًا عَرَبِيًّا﴾ فرب العالمين قدم هذا الإسلام على طبق من أخلاق العرب ولهذا قال  (بعثت لأتمم مكارم الأخلاق) من ضمنها حب الجار وليس حب فقط بل فداء يعني يفدي جاره بنفسه وأهله وذويه كما فعل كثير من العرب السموأل وغيره وإلى يومنا هذا الجار يفدي جاره. ثم أهل أسرة زوج وزوجة وأولاد وعائلة وعائلتين تصبح أسرة وأسرتين تصبح فصيل وفصيل يصبح عشيرة وعشيرة يصبح قبيلة والقرية يصبح شعب يعني هذه الأمة متداخلة النسيج في النسب (إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً (92) الأنبياء) هذه من خصوصياتها هي أمة أمية ﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ﴾ فقط كونه منهم بغض النظر عن أن هذه منهم لا تعطي إيحاء بميزة أو عدم ميزة. حينئذٍ هذا قال ﴿بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ﴾. لكن هذه الآية التي تخاطب المسلمين الأوائل وهم أهل النبي وخاصته وعشيرته وقبيلته قال ﴿لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ﴾ من أنفسهم يعني من خيارهم من أفضلهم معروف لديهم حسباً ونسباً وأخلاقاً واحتراماً وهذه من ميزات المصطفى صلى الله عليه وسلم كثيرٌ من الرسل كانوا مجهولين لشعوبهم يعني كما قال تعالى عن سيدنا موسى عليه السلام وهو من هو كما تعرفون فضلاً من أولي العزم يعني ما بعد النبي إلا موسى وحينئذٍ قال (أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا (18) الشعراء) كيف تكون أنت نبي؟ أنت يتيم لقيط نحن وجدناك وربيناك والآخر يقول لشعيب (وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا وَلَوْلاَ رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ (91) هود) النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن هنالك أحد يستطيع أن يقول له هذا الكلام وإنما يقول له أنت فلان بن فلان بن فلان محمد بن عبدالله بن عبدالمطلب إلى نهاية (ولم أزل خياراً من خيار) هذا النسب الرصين والمقام الرفيع إلى حد أنهم احتكموا إليه في أقدس عباداتهم في وضع الحجر الأسود في مكانه لم يجدوا طريقة يفعلون بها بحيث تسوي بين القبائل إلا أن هذه القبائل جميعاً وهذه البيوتات جميعاً الشرسة فيما بينها اتفقوا على الأمين على محمد الأمين لكي يرفع الحجر وتعرفون هذا ونحن لا نشرح السيرة فهي معروفة فالنبي صلى الله عليه وسلم قبل الإسلام وبعد الإسلام هو وأسرته ونسبه وقبيلته وأخلاقه وسمعته معروفة لهذا قال ﴿مِّنْ أَنفُسِهِمْ﴾. كلمة ﴿من أنفسهم﴾ على خلاف ﴿بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ﴾ العرب كلهم لهم شأن آخر، الكلام في البيئة والمجتمع والمدينة والقبيلة التي نزل فيها هذا الدين هو من أنفَسهم-بفتح الفاء- ومن أنفُسهم-بضم الفاء- وكونه من أنفسهم-بضم الفاء- فإنه أيضاً من أنفسهم-بفتح الفاء- هذا الفرق بين ﴿بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ﴾ لأن هناك أنت لا تفرض نفسك على بقية الناس العرب لهم شأنهم قبائل وناس والخ هذه الأميين. لكن في المؤمنين الأوائل وهم محيط مكة والمدينة لا يناقش ولا يجادل أحد في هذا ﴿مِّنْ أَنفُسِهِمْ﴾ من هنا جاء النص على كلمة من أنفسهم للمسلمين الأوائل الذين هم يعرفون من هو محمد صلى الله عليه وسلم .والمنّة ولهذا قال ﴿لَقَدْ مَنَّ﴾ المنة الهدية التي لا يستطيع أحد أن يقدمها لك إلا هذا المُهدي بالذات يعني شخص عينوه رئيس وزراء هذا ما يفعله إلا رئيس الدولة يعني هذه منّة رئيس الدولة على شخص يختاره من شعبه. وحينئذٍ كل رؤوساء الوزراء في العالم الذين أتى بهم الملك أو رئيس الجمهورية ولا يستطيع أحد أن يعينه إلا هذا فهذه منة. فرب العالمين يقول (قُل لّا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُم بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلإِيمَانِ (17) الحجرات) من الذي يمكن أن يفعل هذا إلا الله؟! لا يوجد فقط رب العالمين ولهذا سماها منة. هنا أيضاً من الذي يمن عليك حتى يبعث لك رسولاً من أنفس وأنفس قومك بحيث لا يناقش أحد لا في أخلاقه والله لو وجدوا في أخلاقه ذرة شعرة حتى شيء لفضحوا النبي صلى الله عليه وسلم وما آمنوا به لكن من أين يؤتى؟ فكله مكارم وكله أصلٌ وكله أخلاق. من أجل هذا لم يجد كفار المشركين ثلمة يأتوا منها النبي صلى الله عليه وسلم قال ﴿بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ﴾ ولكن من المؤمنين من ﴿مِّنْ أَنفُسِهِمْ﴾ وهم القاعدة الأولى الرصينة التي بُني عليها هذا الدين بعد ذلك وقاموا به إلى العالم أجمع. هذا الفرق بين ﴿بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ﴾ وبين ﴿بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ﴾ .

ﵟ رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ ۚ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﵞ سورة البقرة - 129


Icon