الوقفات التدبرية

آية (88): *في سورة مريم لماذا ذكر كلمة الرحمن 16 مرة؟ في آخر سورة مريم...

آية (88): *في سورة مريم لماذا ذكر كلمة الرحمن 16 مرة؟ في آخر سورة مريم (وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا (88)) (أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا (91)) ما دلالة لفظ الرحمن؟(د.فاضل السامرائى) ذكرنا أكثر من مرة ما يسمى بالسمة التعبيرية للسورة أو للسياق. مثلاً في سورة طه قال (فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِي يَا مُوسَى (11)) وفي النمل قال (فَلَمَّا جَاءهَا نُودِيَ أَن بُورِكَ مَن فِي النَّارِ (8)) طبعاً هنالك سبب في إختيار أتاها وجاءها لكن مما ذكر أن لفظ الإتيان في طه أكثر من لفظ المجيء ولفظ المجيء في النمل أكثر من لفظ الإتيان. يقولون ورد لفظ الإتيان في طه 15 مرة وفي النمل 13 مرة، ولفظ المجيء في النمل 8 مرات وفي طه 4 مرات إذن هذا إضافة إلى الأمور التي ذكرت بالنسبة للمجيء والإتيان أن جاءها في الأمور الشاقة وأتاها في الأمور السهلة هنالك سبب آخر مع كل ذلك أن السمة التعبيرية للسورة أيضاً حسّنت هذا الأمر. في البقرة (إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (173)) وفي الأنعام (فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (145)) في الأنعام كلمة الرب أكثر من لفظ الله وفي البقرة لفظ الله أكثر من الرب. ورد لفظ الله في البقرة 282 مرة وفي الأنعام 87 مرة وكلمة الرب في البقرة 47 مرة وفي الأنعام 53 مرة، إضافة إلى أنه في كل مسألة هنالك سبب خاص بالسياق لكن عندنا السمة التعبيرية للسورة أيضاً حسّنت أنه في البقرة ﴿إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ وفي الأنعام ﴿فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾. (إنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ (17) الحج) (إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ (25) السجدة) لفظ الرب ورد في السجدة أكثر مما وردت في الحج ولفظ الله في الحج ورد أكثر مما ورد في السجدة، لفظ الله في الحج مرد 75 مرة وفي السجدة مرة واحدة، لفظ الرب في السجدة 10 مرات وفي الحج 8 مرات، هناك فرق كبير بين آيات الحج والسجدة. الآن نأتي إلى الرحمة نجد أن الرحمة شاعت في سورة مريم سياق السورة والسمة التعبيرية الرحمة شائعة من أول السورة إلى آخرها (ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا (2)) (سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا (96)) لا تدانيها سورة في ذكر الرحمن (قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَن مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيًّا (18)) وفي البقرة (قَالَ أَعُوذُ بِاللّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ (67)) حتى لو أخذنا اللفظة الرحمن في مريم وردت في 16 مرة ووردت في البقرة مرة واحدة فقط (وَإِلَـهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ (163)) فإذا أخذناها من السمة التعبيرية فالرحمن أكثر. هناك أمر آخر إضافة إلى السمة التعبيرية بين الآيتين ﴿قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَن مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيًّا﴾ ﴿قَالَ أَعُوذُ بِاللّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ﴾ أصلاً السياق في البقرة سياق عقوبة ومسخ وتنكيل (وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَواْ مِنكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ (65) فَجَعَلْنَاهَا نَكَالاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ (66)) لفظ الرحمن لا يناسب المسخ والتنكيل فقال ﴿أعوذ بالله﴾ بينما في مريم ﴿أعوذ بالرحمن﴾ هي تستجير وتطلب من الرحمن أن يرحمها لأن لفظ الرحمن مناسب للحالة التي هي فيها تريد أن يرحمها ربها ويخلّصها مما هي فيه فإذن كل لفظة هي مناسبة في سياقها. سياق المسخ والعقوبة لا يتناسب مع الرحمة والرحمن فكيف مسخهم وهو الرحمن وكيف جعلهم قردة وخاسئين وهو الرحمن لا يستوي. مع أن الآيتين فيهما أعوذ وأعوذ ولكن ننظر السياق التي وردت فيه اللفظة. أنت لما تطلب الرزق تقول يا رزاق ارزقني ولا تقل يا قابض فكل كلمة لها مغزى ودلالة.

ﵟ وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَٰنُ وَلَدًا ﵞ سورة مريم - 88


Icon